منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الادباء والكتاب العرب (https://www.liilas.com/vb3/f202/)
-   -   حصري يوسف أبو رية , عاشق الحي ّ , دار الهلال , 2005 (https://www.liilas.com/vb3/t115418.html)

hero788 25-07-09 01:43 AM

يوسف أبو رية , عاشق الحي ّ , دار الهلال , 2005
 
[إلى م.ع.ربما تتذكر الآن هذا القط]

قط أسود
غريب عن البيت
يقفز
إلى المائدة التي يحتلها
الرجل و زوجته
وما يلبث أن يحدق في عيني الزوجة الكحيلة
ويطيل التحديق
حتي تشتد غيرة الزوج
صائحا ً به:
ايه..عاجباك؟؟خدها
فتختفي المرأة في الحال
ويتلاشى القط كأن لم يكن
ليبدأ الرجل
-بتيمة (الفقد) هذه-
(البحث)
و...
تبدأ واحدة من أجمل ما كتب في السرد العربي
عاشق الحي ّ
أم حي ّ على العشق؟!!؟


http://img341.imageshack.us/img341/2...4608510027.jpg

Uploaded with ImageShack.us
الرواية من رفع Amly
على هذا الرابط
http://www.4shared.com/file/80436243/85a4be0a/___-__.html?dirPwdVerified=d1d166f0

معرفتي 26-07-09 02:00 AM

يوسف أبو رية في عاشق الحي
بقلم‏:‏ د‏.‏ صلاح فضل



يوسف أبو رية قصاص مصري متميز‏,‏ ينشر مجموعاته ورواياته بانتظام منذ عشرين عاما‏,‏ مقتربا من العوالم الشعبية الحميمة‏,‏ ومخلصا في تجسيد نضارة الشعور بالإنسان العادي في معاناته اليومية‏,‏ متأرجحا بين القرية والمدينة‏,‏ ومستبطنا حيوات الناس في تجارب فنية لافتة‏,‏ تكسر المعهود في السرد‏,‏ بحثا عن وسائل تقنية محدثة‏,‏ تبوح بالمسكوت عنه في علاقات البشر وحركة المجتمع‏,‏ برؤية شعرية نفاذة‏,‏ ومنطق إبداعي مقنع‏.‏

غير أنه يقترب في هذه الرواية الجديدة المثيرة‏'‏ عاشق الحي‏'‏ من منطقة غائرة وحساسة في قلب الحياة المصرية‏,‏ حيث تتفاعل بقوة العناصر الغيبية العاتية مع الثوابت العقلية المحكومة بالتفكير العلمي‏,‏ في شكل صراع محتدم حينا‏,‏ وتوافق موقوت معطل الهيمنة حينا آخر‏,‏ فتتوزع سطوة التيارين بين الشخوص الممثلة لهما‏,‏ لتصب في وعي القارئ مسئولية حل التناقض بينهما بطريقة جدلية مقبولة‏.‏ وحتي لا نفرض تفسيرا خاصا علي الأحداث التي تفاجئنا بها الرواية‏,‏ يجدر بنا تقديم عقدتها كما يحكيها الراوي في البداية قائلا‏:'‏ بإيجاز شديد‏,‏ كان دسوقي بدران يجلس علي المائدة لتناول الغذاء مع زوجته سميرة‏,‏ دخل عليهما قط أسود غريب‏..‏ قفز إلي المائدة برشاقة‏,‏ وراح يحدق في العينين المكحولتين للمرأة الشابة‏.‏ انتبه الزوج لهذا التحديق الدائم‏,‏ فقال له مستنكرا‏:‏ ‏-‏إيه‏..‏ عجباك؟ خدها‏.

فاختفت المرأة في الحال‏,‏ وتلاشي جسد القط الأسود‏,‏ وترك الرجل وحيدا‏,‏ لا يقدر علي رفع يده الممدودة باللقمة إلي فمه‏.'‏

سيتكرر هذا المشهد مثل اللقطة المعلقة في فيلم سينمائي أكثر من مرة‏,‏ والغريب أن دسوقي لم يكن قرويا جاهلا يؤمن بالخرافات‏,‏ بل كان مدرس اللغة العربية في المدينة الصغيرة‏,‏ وعندما أفاق من صدمته ارتفع صوته بالصراخ وارتطم رأسه بالحائط‏,‏ فجاء زميله وجاره الأستاذ علي إبراهيم مدرس التاريخ ليضمد جراحه وينبش الأعماق الأسطورية للقطط وهو يواسي صاحبه ويبحث معه عن حل للحادثة التي لا تصدق‏,‏ بعد أن عاد إلي شقته‏'‏ قام إلي رف الكتب‏,‏ وسحب كتابا تهرأت صفحاته يؤرخ للأسرات التي حكمت مصر في منف وطيبة وبسطة‏,‏ توقف عند الصفحات التي تقص بداية حكم الغرباء الذين قدموا إلي مصر من جهة الغرب‏,‏ حتي استولوا علي الحكم بقيادة ششنق الأول‏,‏ وأبقوا علي طيبة عاصمة دينية‏,‏ وأسسوا عاصمتهم السياسية في الجانب الشرقي من الدلتا‏,‏ ثم دفعوا الشعب لعبادة آلهة محلية‏,‏ مثل‏'‏ بست‏'‏ التي نحتوها علي هيأة قط أسود قوي البنيان‏,‏ حتي لتظن أنه أقرب إلي اللبؤة أو الفهد‏,‏ تاركين الإله الأكبر آمون راعيا للجميع‏.‏ ثم جاء حكم ابنه سركون بعد نهضة سريعة ومؤقتة‏,‏ فنجح في إعادة سيطرة مصر علي الشمال الشرقي في فلسطين والجنوب في النوبة والسودان‏,‏ لكن لا يلبث ال
انحطاط أن يسود مرة أخري‏,‏ فيتقلص حكم مصر‏,‏ ويتم تفكيك المعابد القديمة التي أسست في عصور النهضة‏,‏ لبناء قصور ومعابد علي أنقاضها للإلهة المحلية بست‏.‏

لكن الأستاذ دسوقي لا يكتفي بهذا المخزون الأسطوري في محاولة فهم الأحداث‏,‏ بل يضيف إليه ما قر في نفسه من قراءة الأدب والشعر العربي القديم‏,‏ إذ يبدو من بعض شواهده أن الموتي لا يموتون‏,‏ ولكنهم يتقمصون أجسادا أخري تعود فيها أرواحهم‏,‏ وها هو يتذكر غريمه في حب سميرة قبل أن يقترن بها‏,‏ حيث كان‏'‏ يأتي كل صباح‏,‏ بقميصه الأبيض الشفاف‏,‏ مفتوح الصدر‏,‏ ليبرز شعيرات صدره المشرعة بقوة‏,‏ ويقف عند البقال المواجه لشرفتها‏,‏ ويرنو إلي وجهها الطالع مع إشراقة الشمس‏'.‏ ويتذكر أن ما أنقذه من هذه المنافسة الشرسة هو حادث‏'‏ موتوسيكل‏'‏ أودي بحياة غريمه‏,‏ وأتاح له أن يخطب سميرة ويتزوجها‏,‏ فما الذي يمنع أن تكون روحه قد تجسدت في هذا القط الأسود؟

يبعث الراوي في نفس دسوقي خمائر هذا التراث الغيبي من الإيمان بالجن والعفاريت‏,‏ ليروي حكايات كثيرة عن قدرتهم علي التشكل والظهور‏,‏ كما ترسبت في أعماق الإنسان المصري في البيئات القروية والشعبية حتي اليوم‏,‏ ولم تنجح طبقات الوعي العلمي الجديد في اختراقها فضلا عن اقتلاعها من وجدانه‏.‏ وحينئذ يبدأ مع زميله أستاذ التاريخ رحلة البحث عن الشيوخ المتصلين بعالم الجن‏,‏ لاستعادة زوجته من مخالب القط‏,‏ في ثنائي طريف يمثل هذين العالمين المتجاورين في الحياة المصرية والعربية‏;‏ أحدهما الواقعي الذي يري الأشياء من جانبها العلمي‏,‏ ويلتمس التفسيرات المعقولة للظواهر الغريبة اعتمادا علي الفكر والمنطق‏,‏ والثاني الغيـبي المتجذر في التراث القديم والأساطير المتداولة والحس الشعبي‏,‏ فإلي أية رؤية تنحاز الرواية‏,‏ وكيف تفسر الواقعة الخارقة لقوانين الطبيعة والمنطق؟

البحث عن الزوجة‏/‏اليقين‏:
يصطحب مدرس التاريخ زميله المغدور إلي معبد الإله‏'‏ بست‏'‏ في تل بسطة بمحافظة الشرقية‏,‏ قريبا من بلدتهم‏'‏ الجزيرة‏',‏ حيث يري الأستاذ دسوقي تمثال الإله القط فيؤكد أنه بعينه هو الذي اختطف زوجته‏.‏ ويدلهم الحارس الصعيدي علي عنوان الشيخ‏'‏ أبو النجا‏'‏ الذي يفك الطلاسم والأعمال‏,‏ فيهديهم هذا بدوره إلي الدرويش الشيخ‏'‏ هداية‏'-‏لاحظ رمزية الأسماء‏-‏الذي سيجدونه عند الباب الأيمن للجامع الأزهر بمصر‏,‏ فيصف هذا لهم خرابة القطط‏,‏ ويطلب منهم حضور صلاة الجمعة فيها‏,‏ والمثول أمام الإمام وتقديم الشكوي له‏.'‏ وكانا كلما تقدما في المكان دوي في آذانهما مواء قطط خفية‏,‏

يرتفع رويدا حتي اتضح لهما مواء يماثل صوت الخطيب‏..‏ تبادلا نظرات الدهشة‏,‏ فوقعت عيونهما علي الوجوه الماثلة‏;‏ كانت جميعها بملامح متشابهة‏,‏ يرتفع تحت فتحتي الأنف شوارب رفيعة تتناثر كخيوط متفرقة‏,‏ ولا تشبه في شيء شوارب الرجال‏,‏ الشفة العليا شبه مشقوقة وأنياب صغيرة بيضاء تبرز من الأشداق‏,‏ مما يجعل الوجوه في حالة مكشرة عدائية‏'‏ تماسك الرجلان وتقدما إلي الخطيب بعد الصلاة كي يشرحا له الموقف‏,‏ وبعد سماعهما اتجه الإمام بوجه صارم نحو جماعة المصلين‏,‏ صائحا فيهم بقوة‏,'‏ حتي إنهم ماءوا بفزع‏,‏ وتقوست ظهورهم‏,‏ ورفعوا مشافرهم مبدية أسنانا صغيرة قوية‏:‏

‏-‏من الذي خطف زوجة هذا الرجل؟ مشيرا إلي الأستاذ دسوقي‏.‏

‏-‏أنا يا سيدي
شق الصفوف شاب وسيم‏,‏ يميل شعره الناعم علي جنب‏,‏ ويرتدي قميصا شفيفا يبدي عضلات قوية نافرة‏.'‏ وعندما يسأله الإمام عن سبب إيذائه للرجل وخطف زوجته يجيبه بأنه لم يخطفها‏,‏ بل هو الذي أذن له بأخذها‏,‏ ويضيف بأنها لم تخلص له بقلبها أبدا‏,‏ بل ظلت وفية لحبه‏,‏ وهي الآن تعيش معه راضية‏,‏ لكن الإمام يأمره بأن يعيدها إلي زوجها‏,‏ حتي يجدها في انتظاره عند رجوعه لبيته‏,‏ فيظهر القط الخاطف امتثاله للأمر‏,‏ لكن الزوج يعود صامتا مبهوتا‏,'‏ يمشي بجسد ثقيل‏,‏ لا يدري هل يسعد بعودة سميرة‏,‏ أم أن الحياة ربما كانت أفضل بدونها‏.‏ تسرب ثعبان الشك إلي قلبه‏,‏ لم تعد كما عاش معها علي الوهم الكاذب‏,‏ ولم يعد هو نفسه دسوقي الذي قضي معها كل سنواته الماضية في رضا زائف‏'.‏

نلاحظ أن زميله الأستاذ علي يندمج معه في منطقة التفسير الغيـبي‏,‏ يشاهد معه صلاة القطط ويسمع حكم العودة‏,‏ فهل يرضخ للخرافة أم يظل ممثلا للمنطق والتفكير العلمي؟ ينشب هذا السؤال في ذهن القارئ بأقوي مما تطرح احتمالات عودة سميرة من أسئلة‏,‏ لكن إجابة الرواية تأتي من منطقة أخري‏,‏ حيث يعود ذاهلا إلي قريته‏,‏ فيلاحظ الناس أنه لم يعد واعيا بما حوله فقد أصابه اللطف‏,‏ وطار عقله مرة واحدة‏,‏ دون أن ندري علي وجه اليقين‏;‏ منذ متي صار مستلبا‏,‏ وهل كل ما روي هو مجرد خيالات ذاهلة‏.‏

حاشية وذيل‏:
للرواية حاشية متمثلة في قصة أخري وذيل يكملها‏.‏ لكنها قبل تقديم حاشيتها تسجل أبياتا شعرية دالة‏'‏ لإدجار آلان بو‏'‏ يقول فيها‏:‏

‏'‏كل أيامي غيبوبة إثر غيبوبة‏.‏

وكل أحلامي الليلة تتوجه

إلي حيث تلمع عيناك السوداوان

وحيث تلمع خطواتك‏'.‏

ثم تبدأ حكاية جديدة بعنوان آخر‏,‏ لزوج أديب عاشق‏,‏ سافرت زوجته الطبيبة للعمل في المملكة العربية السعودية في ظروف اقتصادية عسيرة‏,‏ وهو يتبادل معها الرسائل حول تجربته الأدبية والحياتية القريبة من عالم صوت الرواية الأولي‏,‏ يحكي لها‏'‏ أحاول هذه الأيام مع نص مراوغ‏,‏ قطعت مرحلة لا بأس بها‏.‏ بدأته بجملة كانت تلح بشدة علي عقلي‏:‏ عجباك‏,‏ خذها‏,‏ ولم أخطط لشيء آخر‏,‏ كل ما في الأمر أن أبدأ النص بهذه الجملة‏,‏ وستدهشين أن الكلمة هنا لم توجه لبشر ما‏,‏ وإنما قيلت لقط أسود اقتحم شقة الزوجية ساعة الغذاء‏.‏ وستدهشين أكثر حين تعرفين استجابة القط‏,‏ فقد اختفي هو والزوجة التي أسميتها سميرة‏..‏ الغريب في الأمر أنني أثناء الكتابة أبتعث الغريم الميت‏,‏ وأسميه صلاح‏,‏ وهناك شك في أنه تماهي في جسد قط‏.‏ إنه نص مجنون وغريب‏'.‏

تلئ القصة الثانية‏,‏ وهي أشبه بحكاية الرواية‏,‏ وكيفية كتابتها‏,‏ وإسقاط حالات مؤلفها‏,‏ وتمثيله لمشاعره العاشقة لزوجته المسافرة‏,‏ وخوفه من تغير حبهما بفعل الزمن والبعد‏,‏ تمتلئ بلحظات التراسل‏,‏ وتفاصيل حيوات الأدباء خلال خلقهم لعوالم مجازية تعبر عن همومهم الشخصية‏.‏ يمتزج صوت الراوي الأول بالثاني ويتفارقان‏,‏ تتسع الحاشية لعرض فروض نهايات متعددة للرواية‏,‏ مما يتيح فرصة جميلة لتأمل كيفية ممارسة المبدع لحرية خياله في تجسيد الواقع الباطني للشخوص والمجتمعات‏.‏ وتظل أهمية هذا النص كامنة في شجاعته في مواجهة هذا الصراع المحتدم في نفس أبناء الثقافات القديمة‏,‏ بين مخزونهم الأسطوري الفعال في طوايا نفوسهم وما اكتسبوه من علم ومعرفة لا يكفيان وحدهما للإجابة عن أسئلة الوجود‏,‏ لكن الجنون لا يمكن أن يصبح حل هذا الصراع‏,‏ بل يكمن في خلق رحابة روحية قادرة علي احتواء الكون بالعقل والحدس والوجدان في انخطافة واحدة‏.


الساعة الآن 09:26 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية