منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات غادة (https://www.liilas.com/vb3/f264/)
-   -   6- الإيمان... الأمل , والحب - جيتا كينجسلي ( روايات غادة المكتوبة ) (https://www.liilas.com/vb3/t115409.html)

الشجرة الطيبة 24-07-09 08:31 PM

6- الإيمان... الأمل , والحب - جيتا كينجسلي ( روايات غادة المكتوبة )
 
[CENTER]
السلام عليكم رومانسيات
اليوم بقدم لكم اول مشاركة الي
اتمني تعجبكم وتنال رضاكم

تقديم
[

منذ أن وقعت عينا "لوك" علي " راشيل كارستيرز" بدت أمامه رقيقة يخشي من نسمات الهواء أن تطيح بها ...... كان وجهها البادي أمامه يشبه وجه طائر غريد ، وكان يشعر أن أعصابه تكاد تحترق ... كان يعلم أنها لا تسعي وراء المال ... تلك المرأة بريئة براءة الأطفال... وفي لحظة من لحظات الخوف والتردد ، أخذت تسائل نفسها : هل إصرارها علي الوصاية علي ابن كريس خطوة صحيحة ، أم أن هذا خطأ كبير ترتكبه ؟
كان قرار القاضية واضحا لا يبعث علي أي شك .. السيد سومرز سيكون الأصلح لرعاية الطفل ... ما الذي يحدث لها ؟ من دقيقة واحدة .، كانت علي وشك أن تقول له ما لم تقله لمخلوق آخر طوال حياتها ... هذه المكالمة أنقذتها قبل أن ترتكب أي حماقة .... اجتاحها الفكر.
منتديات ليلاس
_ " راش " الطريقة التي اختصر بها أسمها تعتصرها ، تصفدها بالأغلال قيد أبدي ، إثارة ، حياة .......
متي وقعت في حب " لوك " ؟ هل في اليوم الأول للمحكمة ؟ أم عندما حملها إلي الحمام ؟ أم حين رأت كيف يكون حين يكون مع "جوردي" ؟!
_ هل أتخذت قراراً ؟ كان يشعر بما يجري أكثر مما يسمعه منها .
_ لقد حجزت مكاناً علي الرحلة من مطار "لوس أنجيلوس" في اليوم الحادي والثلاثين.
أحس بالألم يمزق صدره مع زوال آخر بارقة أمل كان يتمسك بها................
________________________________


شخصيات الرواية
*"لوك سومرز" صاحب مزرعة " دياموند بار" التي ورثها عن "سومرز" الجد. اعتاد العطاء بلا مقابل . حرم نفسه الكثير والكثير من أجل إبن أخيه اليتيم "جوردي" .وحتي لما التقي براشيل كان عطاؤه بلا حدود. تغلب علي عناده، تعلم الصبر، لم يأخذ الحب بالقوة. فكان مثالاًَ للرجولة في أبهى صورها.

*"راشيل كارستيرز" نفس بشرية هائمة هاربة . كان ما عانته في طفولتها هو دافعها لما فعلته بنفسها . كان السياج الفولاذي الذي أحاطت به قلبها وأحاسيسها أقوي من أن يقتحمه أحد. ذهبت إلي القاضية تطالب بوصاية "جوردي" فرأت "لوك" بالمحكمة ، وتحطمت أول لبنة من لبنات هذا السياج الفولاذي.

*"حنا رودريجز": إن كان لكل مخلوق أم ترعاه ، حتى الأرض الطيبة . فإن أرض دياموند بار كانت لها أم ترعاها هي "حنا" . هي عاملة المنزل ، هي متحكمة المطبخ. هي راعية "جوردي" . هي ملاذ الجميع وإن لزم الأمر،فهي المخلوق الوحيد الذي يمكنه أن يوقف "لوك" عند حده ، تستطيع أن تعاقبه متى شاءت . فإما الطاعة وإما الجزر المسلوق.

*"جوردي سومرز" : "جوردي" ذلك الطفل ذو الشهور العشرة ، ذلك الملاك الذي سلب عقل "لوك" وشل تفكير"راشيل" وخلب لب "حنا"وأهل "دياموند بار" . ترى هل كان سبباً في قدوم راشيل ؟ أم كان سبباً في تمسك "لوك" بها ؟ أم كان سبباً في بقائها ؟ أم كان سبباً في كل ذلك ؟

*"موجو" : أحد تلك المخلوقات العجيبة بالغرب الأمريكي . أحد آخر البقية المتبقية من سلالات الهنود الحمر. كانت لهم معتقداتهم الخاصة المقدسة ، التي سلم بها إلي "راشيل" طائعاً من أول يوم. كانت لهم تمائمهم ، وكانت له خرزته تلك الزرقاء ، جزء من عقيدته، جزء من نفسه، فسلمها إلي راشيل طائعاً ، فكان كأنه يسلمها جزءاً من نفسه.

منتديات ليلاس
"الم يكن حلماً؟"
أخذت "راشيل" تتساءل بصوت ناعم ."لا". ولكي يثبت لها كلامه ، أخذ "لوك" يميل عليها ، يعتزم أن يمرغ شفتيه بشفتيها . بعد لحظات كانت قبلاته تتسابق غلي خديها ورقبتها ، وأصبح نهمه فيها يشتعل بداخله .
كانت عيناها لا تزالان مغلقتين، لم يستطع أن يعرف فيما هي تفكر الآن، أخذ يربت علي رأسها، مستمتعا بذلك الملمس الحريري لخصلات شعرها. أخذ عبقها يداعب حاسة الشم عنده ، ويزلزل كيانه ... أحس كأنما يستنشق عبير زهور الصيف.
_"راشيل" أخيراً بصوت تشوبه العاطفة ، "لا ترحلي الآن"
_أ......أنا لا أعرف ماذا أقول لك.
_ جربي هذه الجملة :أريد أن أبقي يا "لوك" ./CENTER]

الشجرة الطيبة 24-07-09 08:39 PM

الإيمان ...الأمل, والحب
 
الفصل الأول

منذ أن وقعت عيناه عليها ،أيقن "لوك" بالفوز ... لا محالة. مستحيل أن يمنح القاضي الوصاية علي الطفل "جوردي" لهذه المرأة "راشيل كارستيرز" التي بدت أمامه دقيقة رقيقة يخشي من نسمات الهواء أن تطيح بها . أخذ يتفرس فيها ملياً، اكتسحتها نظراته من أعلي رأسها حتى أخمص قدميها متأملاً هذه التفاصيل وتلك التضاريس، متفرساً في جدائل شعرها الحريري المعقوص، والوجه بدا ناصع البياض، اصطدم بهاتين العينين الموحيتين بأشياء شتى. الرماديتان الكحيلتان تعبيراتهما اخترقته اختراقا.. كانتا مشحونتين متحفزتين، مشحونتين بأشياء لم يستطع أن يسبر غورهما، ولكم ود أن يسبر غورهما. وكانت جدائل شعرها الذهبية تداعب هذا الوجه الغض النضر . "راشيل كارستيرز" كانت تجمع بين الاعتدال والإبهار في آن واحد .
نظراتها أشبه بطفل ساذج لا يعلم شيئا مما يدور حوله. كانت أشبه بمن يحتاج إلي من يمد يد العون إليه.. كأنما تريد هذا العون أكثر من رغبته هو في ذلك. ما رآه إضافة لما يسمعه عنها أكد له أنه قاهرها لا محالة. كان وجهها يبدو له كوجه طائر غريد، وكان يشعر بأن أعصابه تكاد تحترق ويكاد لظاها يلفح كل ما حوله ، وكانت هي من القوة كالماء الذي يستطيع أن يطفئ كل هذا الجحيم ..............
منتديات ليلاس
وقد كذب منظرها فكرته السابقة من إنها تسعي وراء المال، لقد ورث عن جده هذه القدرة علي الفراسة واستقراء ما يدور بخلد من حوله. ولم تخنه هذه القدرة مرة واحدة ... هذه المرأة بريئة براءة الأطفال !!
كان يكره تلك اللحظات التي كان يفكر فيها أنها إنما تريد الوصاية علي "جوردي" لمصلحة الطفل نفسه . ولكنه فضل أن يضع الصورة في إطارها الصحيح حتى يستطيع أن يقنع نفسه أنه يكرهها ، تملكه الحنق والغيظ عندما علم أنها ترفع قضية للحصول علي الوصاية علي الطفل ، علي أبن أخيه ، والآن اكتملت الصورة الأنانية والمخادعة ، كل هذا بدا عليها تماما ، كما بدت عاجزة لا حول لها ولا قوة ، لا فرق بينها وبين ابن أخيه ذي الشهور العشرة .
جذبها محاميها برفق، وانتحي بها جانبا وأخذ يهمس ببضع كلمات في أذنها. أخذ "لوك" يتفرس مليا في هذا الرجل الذي اختارته للدفاع عنها ، فاستراح لمشهده وأخذ نفسا عميقا . بدا هذا الرجل كأنما هذه هي أول قضية يترافع فيها في حياته.. بدا كمن يحتاج أن يمد له يد العون هو الآخر. كانا كطفلين يتعثران بالنسبة له، وبدا المشهد كله ساخرا غير متكافئا.
منتديات ليلاس
أخذت "راشيل" تنظر إليه من الخلف عندما دلف داخلا إلي قاعة المحكمة ،هذا هو "لوك سومرز" إنه يبدو قادرا علي أن ينجب دستة من الأطفال وأن يتكفل بهم بلا أية مشقة ... وأن يكون مستمتعاً بذلك .
شعرت كأنما نورها يخبو أمام قدرته الواثقة، وفي لحظة من تلك اللحظات المستحيلة التي التقت فيها عيونهما أحست بعينيه تصرحان بما هو أكثر من النظرة العابرة. أحست في عينيه بالعاطفة، بالتفهم، بالصداقة. وأخذت "راشيل" تحاول أن تزيح من رأسها هذه الأفكار . إنهما خصمان. ومرت فترة حتى استطاعت السيطرة علي ما يدور بخلدها وخيالاتها . وفي لحظة من الخوف والتردد أخذت تساءل نفسها: هل إصرارها علي الوصاية علي أبن "كريس" خطوة صحيحة أم أن هذا خطأ كبير ترتكبه ؟
وأخذت تتخيل "جوردي" ينمو ويكبر في أحضان هذا الرجل ، كما فعل معها والدها بعد موت أمها . لا.. لا يمكن أن يحدث هذا ل"جوردي" أيضاً.
أيقنت أنها كانت علي حق، ولا مجال للتشكك أو التراجع، كان الإنهاك بادياً عليها تماما، كادت قواها تخور تماما، حتى أنها لو أغمضت عينيها الآن لنامت وهي واقفة مكانها.

الشجرة الطيبة 24-07-09 08:45 PM

لقد تأخرت الطائرة القادمة من "بنجلادش" أثناء انتظارها في "هونج كونج" 24 ساعة كاملة. قيل إن السبب عطل في أحد محركاتها، وتناثرت إشاعات أن هناك تحذيرا بوجود قنبلة في الطائرة. ثم أخيرا هبطت الطائرة بمطار "لوس أنجلوس" الدولي ،في السادسة والنصف في صباح هذا اليوم . وكان موعد جلسة الاستماع في تمام الحادية عشرة في "سانت بار برا" لقد اتصلت بمحاميها "ديان جنكز" من مقر الشركة في "بنجلادش" قبل أن تغادرها.
أخذت تستفسر منه عن المكان عقد الجلسة في لوس انجلوس. فاخذ يشرح لها أشياء عن القانون والإجراءات القانونية ، وكيف آن دياموند بار حيث يعيش جوردي الآن تعتبر في نطاق مقاطعة سانت بار برا، مما يحتم عقد جلسة المحكمة العليا لمقاطعة سانت بار برا أي إن رحلتها لم تنته بعد بوصولها إلي مطار لوس انجلوس . أخذت راشيل تستفسر عن مواعيد الرحلات الداخلية إلي سانت بار برا ثم هرعت إلي صالة الخطوط الداخلية . لم تكن الأمتعة أو الحقائب تمثل لها أية مشكلة . فلم يكن معها أي شيء ولذلك مرت من الجمارك بيسر. كانت تحمل معها حقيبة يدها التي تحتوي علي بعض الملابس الخفيفة والعطور وأدوات الزينة.
منتديات ليلاس
استغرقت الرحلة إلي سانت بار برا حوالي الساعة إلا الربع . ألقت بنفسها في سيارة أجرة ، وأخذت تشرح للسائق سبب عجلتها ، والخطورة الكامنة وراء هذا الرجل المتعطش للمغامرة والحرب ، وبالفعل بذل السائق جهدا كبيرا ، ووصل بها إلي اقرب سوق تجاري بالطريق ووافق علي أن ينتظرها حتى تبتاع بعض حاجاتها. دلفت راشيل لأول محل قابلها بالسوق ، وابتاعت أول بلوزة وجدتها تناسب مقاسها وحذاء وزوجا من الجوارب ودفعت القيمة مستخدمة الشيكات السياحية التي تحملها معها ، واستبدلت ثيابها سريعا . وعلي الرغم من قصر الوقت إلا أنها كانت مقتنعة تماما بما تفعل ، فلقد أكسبتها هذه الملابس شيئا من الوقار هي في اشد الحاجة إليه ألان . ثم ما لبثت أن قفزت داخل السيارة التي تنتظرها، وأخذت تتنفس بعمق محاولة الاسترخاء قليلا. كانت الشوارع مكتظة بالسيارات في هذا الوقت ، وكانت كل ثانية تمر عليها تشعر بها مع خفقان قلبها المنهك وتذكرها بأخر حديث لها مع محاميها ، كان كلامه في غاية الوضوح رغم محاولته عدم الضغط عليها : إن لم تحضر الجلسة في الموعد المحدد فإنها ستخسر القضية . أوصلتها السيارة إمام درجات المحكمة في تمام الحادية عشرة إلا الربع، وقدم لها محاميها نفسه. وبنظرة سريعة لمحت دار المحكمة من الخارج، كانت أشبه بقلعة كالتي تصور في الكتب.
أخذت تنظر إلي ديان، واخذ الخوف يزيد تدريجيا. لم يكن حاله كحال هذه المرأة الواثقة التي بصحبة لوك سومرز . كان في حالة عصبية كالتي كانت تمر بها منذ برهة، وكانت خطواته المتعثرة وابتساماته الباهتة غير مشجعة بالمرة، ولا تعطيها هذه الثقة بالنفس التي هي في اشد الحاجة إليها الآن.
تأبطت ميرنا هاستنج وكان هذا يؤذن بوجوب الدخول إلي قاعة المحكمة . كان يتمني أن تتحول المرأة إلي كلمات لكي يستطيع التعامل معها. كان غير قادر علي فهم لغة الجسد ، مع هذه المصاحبة الجذابة لتلك المحامية التي تتأبط ذراعه والتي كان يتمني إن يتعرف علي الجوانب الاخري لحياتها الخاصة ، وأن يسبر غورها.
منتديات ليلاس
وبدخول قاعة المحكمة أصبح لوك مدركا تماما لما يدور حوله . ووافق القاضي علي عقد جلسة الاستماع في حجرة مغلقة، مما يعني أنهم لن يعانوا تطفل الجمهور حولهم وتطلعه لما يدور.
لم تكن الحجرة كبيرة. كان هناك حاجز خشبي يفصل صفوف الكراسي عن بقية الحجرة. كانت هناك طاولتان كبيرتان علي بعد أقدام من مواجهة المنصة الخشبية الموجودة في قاع الحجرة المخصصة للقاضي. وكان علم الولايات المتحدة الأمريكية وعلم ولاية كاليفورنيا يرفرفان علي الحائط خلف كرسي القاضي. وكان يلف الغرفة جلال الموقف وجو مهيب جعل لوك يبدو أكثر قلقا .
كان ما يحتاج إليه حقا هو استنشاق بعض الهواء . شعر بالضعف، شعر انه رجل عادي ذو أفكار عادية:"عش ودع غيرك يعيش".
لقد واجه وفاة أخيه وزوجته وما تبع ذلك من تغير درامي في أسلوب حياته، وهذه العلاقة الأبوية المباغتة التي اضطر إليها اضطرارا، لم تكن حياته في الصغر تهيئه لأي مما يحدث الآن له. ولكي يتقبل ما لا يمكن تغييره، كان يحتاج إلي النضج والعقل، وليس إلي العاطفة، إلي التصرف في الوقت الملائم، وعمل ما يجب عمله. فما بال هذه المرأة ، تتصور أنها يمكن أن تأتي وتأخذ جوردي ببساطة كأنه صندوق من الحلوى!!
وعلي حد علم لوك ، فإن كريس والدة جوردي لم تلتق بابنة عمها هذه إلا مرة واحدة عندما كانتا طفلتين . لم تكن لهم علاقة براشيل كارستيرز إلا عن طريق بعض البطاقات البريدية ، من آن لآخر . فهي لم تأتي إلي عرسهم، ولم تزر كريس بالمزرعة أبدا. ثم ... ما هو اسم تلك الشركة التي تعمل بها ؟ "م. ر. أ" ؟ أنها نوع من المنظمات التي تقدم المنح والهبات. إن الغرض من سعيها وراء المال لتحقق كل ما تصبو إليه هو السبب الوحيد لطلبها الوصاية علي جوردي . وأخذت خيالاته تصورها إليه كمخلوق في مهمة خاصة : بملابس كاكي وقبعة غريبة جاء لكي يغير العالم بأسره . جاء ليحيله جحيما .
منتديات ليلاس
ولم تكن راشيل في الحقيقة تبدو قادرة علي تغيير حذائها دون مساعدة أحد .
أخذ لوك يتخلص من هذه الخيالات المستغرقة . يجب أن لا يستغرقه شيء الآن ، يجب أن يبقي ذهنه صافيا وان يقول إلا ما ينبغي أن يقال . ولكن ترى ما وراء هذه الغريبة؟
وأغلق باب القاعة وبدأ يشعر بالضيق من ياقة قميصه القطني ، ومن الجاكت الصوفي، ومن العالم العين بأسره . أصبحت ربطة العنق الأنيقة كالطوق حول رقبته، أراد أن يتخلص منها لكن ميرنا أصرت علي أن المظهر عليه عامل حاسم، فانتصب وخرج إلي خارج القاعة.
كيف يتوقف مصير طفل صغير علي قرار لغريب ؟ ماذا يفهم ممثل العدالة المتشح بالأسود والأبيض عن المشاعر والأحاسيس ؟ ماذا يفهم عن طفل ينظر إلي نفس نظرة أخي رحمه الله؟ ماذا يعرف عن الشرف والأمانة ؟ عن الرغبات الأخيرة التي لم يفكر أحد في حينها أنه يجب كتابتها وتوثيقها كوصية؟ ماذا يعرف عن الحب ؟

الشجرة الطيبة 24-07-09 08:59 PM

الإيمان .. الأمل , والحب
 
القاضية اريكا وينتو رث أكدت له ميرنا أنها الأفضل . ولم تستسلم لفكرة أنه رجل وقد يُفضل أن تسلم الوصاية لامرأة. يتحتم أولا أن تثبت راشيل كارستيرز العديد من الأشياء . وهو يتفوق عليها لأسباب عدة، فهو أهل للثقة، يعتمد عليه، واسع الثراء.
لكن لا يمكن دائما التأكد تماما. لذا يحاول لوك إلا يخاطر طالما أن الأمر يخص جوردي. فأي خطأ في الحكم علي الأمور سيكون كالعقبة الكئود لا يمكن السيطرة عليه بعد ذلك حيث لن ينفع الندم. امرأة في مواجهة امرأة.ماذا لو فكرت القاضية أن الرجل لا يعتمد عليه في إطعام طفل.. ماذا لو استعملت راشيل كارستيرز سلاح عينيها . ماذا لو ضاعت الحقيقة أمام الإدعاءات والافتراءات .
منتديات ليلاس
الحقيقة الوحيدة هي الحب. إنه يحب جوردي. هذا الطفل ذو الشهور العشرة هو كل ما تبقي له من أخيه. كانت مخاوف لوك تشعره بعدم الأمان من المخاطر. كان يريد أن يكبر جوردي في المزرعة في كنفه وظله ورعايته. كان يريد للطفل أن ينشأ علي مثله وتقاليده.
كان يريد إلا يصادف جوردي في حياته أي سوء أبدا. وأعادت إليه ابتسامة ميرنا وهي تستدير تجاه مقعده الثقة ، كانت كالقط السمين الذي فاز بصيد ثمين سهل المنال ، ويستعد الآن لأن يغسل يديه وفمه بعد وجبة شهية.
- هل ألقيت نظرة عليها ؟
لقد نظر إليها مرتين. لاحظ في المرة الثانية كيف أنها تجلس متباعدة عن محاميها. لا كلام. ولا حراك. كان محاميها يقول شيئا . وشعر لوك أنها لا تود الاستماع لما يقول.
- حتما قد فزنا .
ولأول مرة منذ أن أوكل ميرنا ، دهش لوك باعتدادها المتزايد بنفسها. كانت المرأة كسمكة الباراكودا القاتلة . وقد كان يريد جوردي وليس سفك الدماء بأي حال.
وبلغت الإثارة قمتها بدخول القاضية . وانسلخ لوك من المشهد برمته وحاول أن يبدو كالمشاهد لمشكلة لا تعنيه. كانت هذه هي أفضل طريقة يعلمها تعينه علي اجتياز الأزمات.
وعرض كلا من المحاميين تصورهما للقضية. وطلب كل من الفريقين نفس الطلب.
الوصاية علي الطفل جوردون سومرز البالغ من العمر عشرة شهور. وتم استدعاؤه إلي المنصة، وتم تذكيره بالقسم الذي حلف به منذ برهة. ومنحته ميرنا ابتسامة يعرفها جيدا "القضية مضمونة في الجيب!" وأيقن لوك انه يكره تلك المرأة ذات النظرة الفولاذية والأسنان الشديدة البياض، ولكنه لا يزال يريد أفضل المحامين للدفاع عن قضيته.
منتديات ليلاس
- سيد سومرز، هل أطلعت المحكمة علي ما تعرف عن أحداث العشرين من يوليو ( تموز)؟
تنحنح لوك وانسلت نظراته إلي راشيل كارستيرز. كانت تجلس علي حافة مقعدها ، ولأول مرة يلاحظ أنها تثبت نظراتها عليه . كانت نظراتها تخترقه وتصل حتى أعماق رأسه.
- لقد كنت اقضي نهاية الأسبوع بالمزرعة التي كنت املكها أنا وأخي.
وبدت علي صوته غصة الم.
-"فلقد قرر أخي وزوجته السفر إلي "بالم سبرنجز" لحضور حفل خيري ".
وتوقفت الكلمات هذه المرة لفترة أطول .واضطربت عضلاته حتى انتابت صوته غصة جعلت كلامه غير مسموع بل مختنقاً.
-" ووقعت الطائرة التي تقلهما بعد عشر دقائق من إقلاعها، انفجرت، ولم ينج أحد من ركابها".
ونظر إليها ثانية .كان سكونها يضغط عليه ضغطا، كانت تلف ذراعيها حول كأنها تعاني برودة الجو وكما كانت تريد أن تلطخ اللوحة التي رسمها لتوه. وأيقن لوك في هذه اللحظة أنها بالفعل أحبت كريس . هبطت هذه الفكرة فوق كم الشكوك المتراكم بداخله ، فزادت معاناته . يجب أن يجدوا سبيلا آخر لتحديد ما يختلفان عليه

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:04 PM

الإيمان ... الأمل, والحب
 
-"شكراً ياسيد سومرزولكن هل كتب أخوك وصية جديدة بعد ميلاد ولده ؟"
-"لا.وأيقن أن الموت لا يحترم السعادة أبداً.
-"حسنا ، وهل يوجد حارس قضائي معين كوصي علي جوردن سومرز ؟"
-"لا".
-"طبقا للوصية التي كتبها أخوك بعد زواجه، فقد ترك كل ما يملك لزوجته. وأوصي في حالة وفاتهما معا أن أنت المستفيد الوحيد بأملاكه، هل هذا صحيحا؟"
-"نعم".
-"وهلا أخطرت المحكمة عن آخر خطواتك التي تعتزمها بشأن ابن أخيك جوردن سومرز؟"
وأخذ سومرز يتنحنح . لقد أثيرت هذه المسألة مئات المرات، وما زالت الكلمات اللعينة تحتبس في حلقه.
-"لقد قررت أن أهب نصف المزرعة لجوردون كمنحة : نصف دياموند بار . أيضا أوصيت كتابة أن تؤول كل الأموال التي تركها أخي في حالة موتي وأنا لا أزال عربا ، أي إذا لم أكن متزوجا بعد إلي جوردون".
ولكم كره لوك الطريقة التي قال بها هذا الكلام . لم يكن يحاول أبدا اصطناع القداسة . ولكنه كان مضطرا إلي أن يقوله بالطريقة التي فعلها الآن.
منتديات ليلاس
ولكن ميرنا لم تنته بعد :
-"سيد سومرز وماذا فعلت بعد وقوع هذه المأساة ؟"
-"أخذت شهرا إجازة من عملي".
-"لماذا يا سيد سومرز؟.
-"لكي أكون بجوار الطفل".
هل القاضية لديها أبناء ؟ هل تعرف كم قد يفتقد الأبناء الدفء والحنان والآباء المحبين؟ لقد ذبل جوردي، وفقد الكثير من وزنه ، كان دائم البكاء دون سبب واضح. كانت عينا الطفل دائما تنظر تجاه الباب إذا أتي أحد من الخارج.
باحثاً عن أبويه، عن دفء وحنان يجدهما بجواره.
-"وما الذي دعاك أن تأخذ علي عاتقك رعاية الطفل؟"
وأخبرته عينا ميرنا أنه يؤديه علي أكمل وجه . ومن الغريب أنه لم يلاحظ من قبل كم هي جامدة هذه العيون وكم يمكن أن تكون متحجرة.
-"بالتأكيد كان يمكن أن يقوم أحد آخر – عاملة المنزل مثلاً – برعاية الطفل؟"
-"عندنا عاملة بالمنزل تساعدني حنا رودريجز أنا فقط كنت أريد أن أكون بجوار جوردي".
-"والآن ،انقضي الشهر ، هل تنوي العودة مرة آخري إلي العمل ؟"
كانت ميرنا من الحدة بحيث يخشي عليها أن تمزق نفسها بنفسها.
-"لا، أنا أنوي أن أقوم بشؤون المزرعة، فمن حسن الحظ أني أستطيع تأدية عملي من المزرعة".
-"هل صحيح أن ما تعتزمه يؤثر علي فرصك في الترقي ؟ حيث أنك علي وشك أن تصبح نائبا للمدير؟"
-"نعم".
-"إذن لم تفعل كل هذا ؟.
ثقة بالنفس تغلف كل كلمة تنطق بها.
-"لأني أريد وقتاً أطول أقضيه مع جوردي."
كانت ابتسامة ميرنا دليل حي علي الانتصار.
-"ليست لدي أسئلة أخري أيتها القاضية المبجلة".
واقترب منه محامي الخصم سأله إن كان متزوجاً. وإن كان يخطط للزواج في المستقبل القريب. ولم يحدث أي من أسئلته ربع ما أحدثته أسئلة ميرنا.
منتديات ليلاس
وأدرك لوك أن الرجل بلا فاعلية أكثر مما تصوره من قبل. ثم نودي علي راشيل كارستيرز إلي المنصة . وقطب لوك حاجبيه. كان يستطيع أن يقسم أنها تترنح. هذه المجنونة الضئيلة. هل هي واقعة تحت تأثير الشراب ؟ أم نوع من المخدرات؟ وسرعان ما تماسكت، ولم يستطع أن يجزم أن أحدا غيره لاحظ ذلك. وأخذ ديان جنكز يستجوبها :
-"آنسة كارستيرز هلا أطلعت المحكمة علي مكان وجودك عندما بلغك نبأ وفاة ابنة عمك وزوجها؟"
-"بنجلادش ". محاولة أن يكون صوتها واضحاً
-"ومني علمت بالنبأ؟"
-"يوم 30 من سبتمبر ( أيلول )."
-"ولماذا استغرق الأمر حوالي تسعة أسابيع حتى وصلك النبأ؟"
-"الخطابات دائما ما تصل متأخرة في هذه البلاد. وهذا الخطاب بالذات زاد تأخيره لأن المنطقة التي كنا بها كانت تعاني الفيضانات في ذلك الوقت ."
-"وماذا كان رد الفعل الأول من جهتك ؟"
-"أن أعود فورا ، لكي أقوم برعاية الطفل ".
-"ولكنك لم تستطيعي العودة في الحال؟"

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:08 PM

الإيمان...الأمل, والحب
 
-"نعم ، لقد كنا في منطقة منكوبة . وقد أستغرق الأمر مني حوالي خمسة إلي ستة أسابيع أخري بعد علمي بالنبأ المفجع، حتى جاء من يحل محلي ، وغادرت عائدة بمجرد تمكني من ذلك ."
وشعر جنكز انه أكمل الصعود إلي قمة افرست .
-"لا أسئلة أخري للدفاع في الوقت الحالي يا سيادة القاضية المبجلة".
هذا المغفل الساذج، انه حتى لم يخدش السطح الخارجي للموضوع! وشبك لوك يديه بينما انتصبت ميرنا واقفة. وشابتها حمرة كمن يستعد للانقضاض علي فريسته :
-"آنسة كارستيرز ، هل كان ما بينك وبين ابنة عمك علاقة متصلة؟"
بعد فترة صمت
-"لا!".
-"متى كانت آخر مرة تلاقيتما فيها ؟"
-"عندما كنت في الثانية عشرة من عمري".
-"إذن أنت لم تكوني حاضرة حفل زفافها؟"
-"نعم."
-"آنسة كارستيرز هلا أطلعت المحكمة علي طبيعة عملك ؟"
-" أنا أعمل مساعدة طبية في منظمة م. ر. أ. التي تعني بتقديم المساعدة في مناطق الكوارث والنكبات بجميع أنحاء العالم ."
-" ومتى التحقت بالعمل في أل م. ر. أ. ؟"
-"منذ أربع سنوات".
-" ومنذ ذلك الحين لم تعودي أبداً إلي الولايات المتحدة ، حتى في الإجازات ، أليس كذلك؟"
-"بلي".
-"أخبريني يا لآنسة كارستيرز ، هل لديك أي ممتلكات في الولايات المتحدة ؟ شقة ، غرفة، أو أي مكان يمكن يطلق عليه : محل سكن؟"
-" لا".
-" آنسة كارستيرز ، هل سبق لك أن قمت بالعناية بطفل ، في غير ما يكون عملك اضطرك إليه ؟"
-"لا ."
وتحرك لوك بصعوبة في مقعده . كل سؤال كان بمثابة مسمار في نعشها. كان لعاب مارينا يسيل عسلاً وهي زاحفة إلي القتل:
-" إذن كيف تخططين للعناية بابن بنت عمك ؟"
-" أستطيع أن أتعلم."
كان هذا الرد كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
-" ما الذي تتوقعينه بالنسبة للعمل آنسة كارستيرز؟ ما الذي سترتكزين عليه في المعيشة أنت والطفل حتى تحصلي علي الوقت الكافي من التدريب والتعلم؟ مع من سيعيش الطفل أثناء ذهابك إلي المدرسة أو إلي العمل ؟ هل تستطيعين تأجير مكان يؤويك أنت والطفل ، أم هل تنوين الاعتماد علي طلب المعونات الاجتماعية؟" منتديات ليلاس
-"أستطيع التصرف في حدود المتاح ".
-" هل استقلت من أل م. ر. أ. يا آنسة كارستيرز؟"
-" لا، لم أفكر إلي الحد الذي..........".
-" تماما ،"قاطعتها ميرنا بانتصار،" إنك لم تفكري بما فيه الكفاية في أي شيء. لا أسئلة آخري يا سيادة القاضية المبجلة".
وتوقع لوك أن يري الغضب أو محاولة الدفاع والتبرير. لم يكن يتوقع هذه البلادة والجمود. لم يكن هناك أي تعبير علي وجه راشيل كارستيرز وهي تهبط من المنصة. وأخذ لوك يسأل نفسه :"تري ما الذي أكسبها هذه القدرة علي السيطرة علي نفسها ؟"
وقدم كل من المحامين تذكرته الكتابية. وأعلنت القاضية رفع الجلسة لمدة ربع الساعة ثم تعود للانعقاد للنطق بالحكم.
سمع محاميها عندما سألها إن كانت ترغب في الخروج من القاعة كي تشرب بعضا من القهوة. " لا، أشكرك" ضايقه صوتها . لم يكن متمشيا مع بقية هيئتها، كان ضعيفاً، يائساً، بائساً. وفي لحظات قليلة أصبحت تسري في دمائه ، معذبة محطمة ، تخيلها كفتاة راقية من مجتمع الخمسينات في الغرب الأمريكي!!

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:11 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
ضايقه الحال التي هي عليها. كانت تبدو أمامه ممزقة أشلاء.
لم تنظر مرة واحدة إلي ما يدور حولها بالقاعة، لم تبد أي اهتمام لما يحيط بها. اخذ يشعر بشغف إليها. اللعنة، لماذا لا تشعر هي الاخري بنفس الشعور؟
كان قرار القاضية واضحا لا يبعث أي شك:
-" آنسة كارستيرز إني اخشي أن الرغبة في طفل لا تعني القدرة علي القيام بالواجبات اللازمة له في أيامنا هذه . إن أسلوب حياتك لا يلاءم طفلا . لقد أخذت المحكمة في اعتبارها ظروف كل منكما ، السيد سومرز سيكون الأصلح لرعاية الطفل . إنه سيكون كريما. والمحكمة علي ثقة من ذلك . إلي الحد الذي يسمح لك بالحق في زيارة الطفل".
منتديات ليلاس
شيء ما في راشيل كارستيرز خفف من صرامة القاضية، فرق صوتها بعض الشيء.
-" أنا علي ثقة انك تشاركينني الرأي إن ما يحتاج إليه جوردي هو محل سكن امن. فلتنظري للموضوع من هذه الزاوية. وبدلا من أن يرعاه شخص واحد أصبح لدي جوردي الآن شخصان يهتمان به وبحياته ومصلحته. وإذا استطعتما أنتما الاثنان أن توحدا ما بقلبيكما من حب لهذا الطفل، فسيربح الجميع."
إن نظرة الانتصار علي وجه ميرنا والقبلة التي طبعتها علي فمه قد أصابت لوك بشيء من الدوار. وبعد برهة من الوقت بدأ يبتعد بمجلسه عنها، فقد بدأت القاعة تخلو من الناس حولهما. خرج من المكان مسرعا، كان الممر الخارجي خاليا لا ينبئ بوجودها ، وعلي درجات سلم المحكمة لمح ديان جنكز زائغ النظرات يلوح لسيارة أجرة بدت علي مرمي البصر . وربت لوك علي كتف الرجل .
-" نعم؟"
-" الآنسة كارستيرز ، أريد الحصول علي عنوانها ".
لم يكن ديان جنكز يتحلي بالروح الرياضية عند الهزيمة :
-" هذه معلومات سرية". قالها باعتزاز.
-" لدي أشياء تخص ابنة عمها الراحلة، قد ترغب في رؤيتها. تذكارات عائلية وما إلي ذلك. أعطني العنوان".
أخذ لوك يشرح الأمر ، وكان علي وشك أن يبدأ بالتوسل .
وزاد تردد وتشكك ديان . ولكن لوك سومرز لم يكن من النوع الذي يقبل "لا" كإجابة علي طلباته. وبدأ صبره ينفذ، ظهر ذلك جليا في عينيه الزرقاوان وأصبح لا يطيق أن يكظم غيظه أكثر من ذلك.
لم يدفع له أحد كي يصبح بطلاً.
-" هل تعلم أين يقع شارع ستيت؟"........
أدركت راشيل أنه لا ينبغي لها أن تتألم كثيراً لفقد شيء لم يكن أبدا ملكاً لها . ولما راجعت نفسها أدركت أن كل ما فعلته كان خطأ في خطأ ، من حيث ملابسها التي كانت ترتديها ، ومحاميها الذي استعانت به ، فضلا عن مظهرها ، وامتلأت بالندم علي كل ما حدث . وبدر عنها شبه ابتسامة عندما أخذت تتذكر كل ما مرت به من أوقات عصيبة في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، وما توصلت إليه من نتيجة مخيبة للآمال في نهاية المطاف. لقد مرت بأشياء كثيرة . وخسرت الرهان . ولقد اعتادت دائما علي الخسارة ، ولكم واجهتها في هذه الحياة.
منتديات ليلاس
استرخت علي المقعد الأسود بالسيارة ، وأخذت راشيل تسترجع ما مر بها في الأسابيع الأخيرة ، إذ ما إن سمعت بالفاجعة التي حدثت حتى أرسلت برقية إلي لوك تخبره فيها أنها قادمة للعناية بالطفل. فوالدة كريس قد ماتت قبل ذلك بعامين . وكان أبوها يرقد بالدار يعاني من مرضه الأخير. إذن فهي تعتبر القريبة الوحيدة التي يمكننها رعاية الطفل . لم يشاركها لوك سومرز الرأي . ورد عليها ببرقية واضحة كل الوضوح :
-" لا حاجة إلي عودتك ، جوردي الآن مسئول مني ، خير له أن ينشأ ويكبر في دياموند بار . اعتزم القيام بتبنيه رسمياً ، شكرا علي عرضك اللطيف."
لكن لماذا أرادت جوردي بهذه القوة؟ إن نبأ المأساة قد ألقي بها في هوة مظلمة،
الإنسانة الوحيدة التي أبدت اهتماما بها قد فقدت من الوجود تماما. وانبلج شعاع من النور كأنما يخرج من غيابة قبرها ، أضاء لها طريقها، فإنها برعاية أبن كريس تستطيع أن ترد الجميل لهذا الجزء الوحيد المضيء في حياتها : صداقة وحب ابنة عمها . جوردي إذن سيحصل علي كل هذا الحب المختزن بداخلها طويلا ، أخيرا سوف يكون لها إنسان من نفس دمها لتعيش معه . تغلبت الابتسامة التي مرت علي شفتيها علي غلالة الحزن التي تلفها. كان قرار القاضية وينتورث كإعادة لشريط حياتها بالكامل . طردها القدر مرة أخري كما فعل بها دائما مع كل باب من أبواب الحب ، واحدا تلو الآخر. لقد اعتادت علي ذلك دائما وأصبح لا يؤلمها. ولكنه هذه المرة يؤلم!

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:16 PM

كان عليها أن تعترف بالصورة التي صورتها عليها محامية لوك سومرز :
امرأة غبية مملوءة بالأنانية . إنها لم تكن جاهلة تماما بحاجات الأطفال . فعملها في تطبيب الأطفال قد أعطاها فرصة واسعة لمعرفة كيفية التعامل معهم .
فلقد ترك من قبل طفل معها كان مريضا وكان يجب أن يبقي بصحبتها لبضعة أيام ،وكانت راشيل تلعب دور الأم حينذاك. ثم أنها ليست أبدا بالصورة المعدمة التي صورت عليها. فلقد ترك لها أبوها بغض المال ، كان سيكفي بأي حال لإيجاد لها مأوى لها وللطفل ، ولكي يعيشا. لكنها لم تكن لتفقد جوردي هباء.
لقد اختارت له ما هو أفضل علي أي حال. ولكن متى كان التفكير في الأمور بواقعية منقذة للمرء من الإحساس بالقهر وخيبة الأمل ؟ لقد ترك مشهد المحكمة في حلقها طعما مرا كالعلقم، وشعورا هائلا بالظلم، وكلما أسرعت بالعودة لعملها كان ذلك أفضل.
منتديات ليلاس
أحست راشيل أنها بفقدانها الوصاية علي الطفل قد فقدت الفرصة الوحيدة لكي يكون لها إنسان تحبه . إنسان ينتمي إليها، ما الذي قالته لها كريس مرة في أحد خطاباتها بعد ولادة ابنها ؟. "إني أريد أن تصبحي الأم الروحية لجوردي انك الوحيدة التي يمكن إن تقوم بهذا الدور . سوف نجعل هذا رسميا بمجرد عودتك إلي الديار ". الآن هي لا تستطيع إلي ذلك سبيلا .
كان صوت المسجل في سيارة الأجرة يعلو بالموسيقى الصاخبة . أحدث صيحة في الموسيقى .
كان السائق يتحفز في سيره لأية فسحة لينسل منها .كانت حركات الرجل تسري عنها ، رغم أن السيارة لا تتقدم كثيرا علي كل حال. وكلما كانت راشيل تنظر خارجا إلي سانت بار برا ، كانت المشاهد تتتبع أمامها .
منتديات ليلاس
أصر ذهنها علي تتبع ما مر بها من أحداث هذا اليوم.
عندما اطلعت الدكتور "توم أتويل" قائد المجموعة التي تعمل ضمنها علي البرقية التي وصلتها ، أخبرها أنها بحاجة إلي محام جيد . وبعد أن اجري مكالمة هاتفية لأمريكا كان ديان جنكز هو الاسم الذي رشحه له أحد الأصدقاء . فاتفقت معه علي إن يبدأ إجراءات تبني الطفل ابن كريستينا . ولم يكن الاتفاق مع محام من مكان بعيد هو الحل الأمثل ، ولكنه كان الخيار الوحيد المتاح أمامها ولقد اختار صديق الدكتور اتويل هذا المحامي بالذات لأنه ابن أخيه في واقع الأمر ، ولم يشر أحد إلي انه كان لا يزال مبتدئا .
إن إلقاء اللوم عليه لن يفيد بأية حال ، فلقد وقعت الخسارة عليها هي وحدها . ولكنها كانت أشبه بالفار المسكين، كان عقلها يرفض أن يدع الشعور بالإحباط جانبا. كل هذه الحوادث كانت تأكيدا جديدا لها علي أن المرء يمكن أن يصبح وحيدا كالجزيرة. وأخذت راشيل تتساءل . ترى كم يلزمها من الوقت كي تعي الدرس وتتوقف عن محاولاتها المستمرة للعثور علي شخص تنتمي إليه ؟.
كانت حياتها مليئة بالذكريات ، إن كانت لا تزال بحاجة إليها , لم تكن أمها ترغب فيها ورحلت عندما كانت راشيل في العاشرة . ولم يكن أبوها أبدا ذا نفع لها . في البداية حاولت أن تجعل منه صورة تطابقها. ثم أدركت أن هذا مستحيل، ورضيت بالمستحيل. لاشك في ذلك . لقد كانت دائما تبوء بالفشل في علاقاتها الشخصية. كان أفضل ما تستطيع القيام به ، هو تقديم المساعدة لمن لا علاقة لها بهم ولا ينتمون إليها بالمرة ز وأطلقت راشيل لذاكرتها العنان ، أخذت تسترجع السنين الأخيرة . في آخر سنة لها بالجامعة أتي أحد المتطوعين في أل م. ر.أ. إلي جامعة ولسون هاي. فأخذ يستعرض شرائح مصورة ، وأخذ يشرح بصوت لن تنسي قوة تأثيره : "هناك من يحتاج بإلحاح إلي الرعاية الطبية في مناطق أخري من العالم ". ولقد أخذت راشيل بهذه المحاضرة .
منتديات ليلاس
بدأت تتكون مجموعة الرعاية الطبية لمناطق العالم التي تفتقر إليها في بداية السبعينات، بمجموعة من الأطباء من أمريكا وهبوا أنفسهم للإنسانية المعذبة. ومن تلك النواة التي تتكون من عشرة أشخاص نمت المنظمة حتى أصبح عدد أعضائها خمسة آلاف فرد. كانت تتألف من المتطوعين . وكانوا أثناء العمل يحصلون علي نفقات معيشتهم، وعند العودة يحصل كل منهم علي ألف دولار عن كل سنة قضاها بالخارج، هذا بالإضافة إلي نفقات الانتقال. وكانت المعاهد تقدم منحا خاصة للمتطوعين الراغبين في استكمال دراستهم . لم يكن لهذا العمل أي نوع من ا لجاذبية التي قد تشد الإنسان إليه.لقد أخذ دكتور ستيف هانكس يؤكد علي نوع المعيشة التي سيواجهونها في قري غير متحضرة ، وظروف صحية سيئة وظروف عمل صعبة. وهو ما يسمي بالالتزام الشخصي كما قال.
اتصلت راشيل به في الأسبوع التالي ، وفي المقابلة الأولي كان الانطباع عنها أنها ما زالت صغيرة علي القيام بمثل هذا العمل ، ولكن راشيل دافعت بشدة . وقد ساعدها حضورها لدورة المساعدة الطبية التي أكملتها أثناء الدراسة ،ولذلك قامت مدرستها السيدة أوبريان بإقناع الدكتور هانكس أن راشيل لديها النضج الكافي للقيام بمثل هذه الأعمال . ثم اجتازت اختبارا طبيا ومن ثم بدأت دورة في الإجراءات الطبية الأساسية. ولم يعارض أبوها في ذهابها . ولذلك في اليوم التالي لتخرجها في الجامعة كانت راشيل في طريقها إلي بنجلادش كانت هذه الصلابة والتحجر واللاعطف من أبيها جزيرة باردة في ركن من أركان ذاكرتها.
بدأ العمل يشغل جزءا كبيرا في حياتها ويشغل حيزا فارغا كانت تعانيه.
منتديات ليلاس
بدأت نظرة الرضا والامتنان تطل من عينيها، وبدأت تشعر إنها قد حصلت أخيرا علي بغيتها. بدأت تنغمس في العمل والناس والأسلوب الجديد لحياتها، بدأت تقر أنها حصلت أخيرا علي ما تريد. ونادرا ما كان يجول بخاطرها أن هناك أشياء أخري بالحياة غير العناية بالآخرين. وعبر الأعوام ظلت هي ودكتور اتويل العضوين المتبقين دائما بالفريق. كان المتطوعون دائما ما يمكثون أثني عشر شهراً. وفي حين كان الآخرون دائما ما يتحدثون عن الديار وخطط المستقبل ، كانت راشيل دائما تلوذ بالصمت . كانت كل عام تقدم طلباً للبقاء فترة أخري، وكانت تجاب إلي طلبها دائما .
كانت تقضي إجازاتها المتراكمة في رحلات بالبلاد المجاورة مثل نيبال أوشمال الهند مستخدمة الباصات أو التذاكر المخفضة للقطارات .
ولقد أخذت البرقية التي تحمل خبر موت كريس وروب أسابيع عديدة حتى وصلت إليها . تأثرت المجموعة كلها لرؤية الحزن في مقلتيها بعد هذا النبأ المروع . كان هناك الكثير مما يتوجب عمله ، ولكن بالنسبة لراشيل كان هذا هو الوقت الذي يتحتم عليها فيه العودة إلي الديار.
ولقد اتصل توم باثنين من الأطباء في لوس انجلوس ، ولقد وافق كلاهما علي مساعدتها . الآن لا حاجة لها إلي الاتصال بهما، فالمال المتبقي معها يكفيها حتى تعود علي الرحلة التالية إلي بنجلادش، كي تعود إلي الحياة الوحيدة التي تعرفها.
منتديات ليلاس
كانت في حالة يرثي لها، لم تنم منذ زمن، لم تأكل، لم تسترح. وهذا ما صور لها فقدان جوردي علي انه النهاية ، بمجرد إن تحصل علي قسط من النوم سوف تعود إلي حالتها الجيدة . القاضية كانت علي حق . إنها لم تكن بالقطع أفضل الحلول بالنسبة للطفل ، لوك أفضل قطعا . أخذت تحاول أن تتذكر كيف كان يبدو صلبا قوياً غنياً، وبالتأكيد واثقاً جداً من نفسه. في نظرته تلك التي أذابتها ذوباناً . أحست أن القوة والقدر قد بدآ يعودان إليها .وكانت حاجتها قوية للغاية. كان الشيء الذي يدعو إلي الدهشة حقا هو تلك القدرة التي تملكتها، قدرة أن يكون انطباعها صحيحا في كل الأحوال. إنها لو ارتكنت إلي قوته ستجد الملجأ الذي طالما بحثت عنه طوال حياتها................!



نهاية الفصل الأول

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:20 PM

الفصل الثاني

-" أمي؟"
وانتفضت راشيل من غفوتها . أخذ سائق السيارة الأجرة يحملق فيها بدهشة ، كانوا قد وصلوا أمام الموتيل ، الذي حجز لها فيه ديان مقدما . أخذت تقتلع الطلاء من علي أظفارها طبقة طبقة ، وأخذت تستمع إلي صوت القرقعة التي يحدثها ذلك ، أحست أن ذلك يسعدها ويناسب مزاجها . رخيص، رخيص رخيص
هذا المحامي قد حقق شيئاً علي أية حال . في الغد يجب أن تذهب إلي إدارة أل م. ر. أ. بلوس انجلوس حيث ستجد مكانا تبيت فيه في أحد النزل التابعة لهم . أما الليلة فهذا سيؤدي الغرض .
اتجهت إلي الداخل كان لا يزال عليها أن تدون بياناتها وأن تملأ الاستمارة الخاصة لتستطيع المبيت . لقد استدارت الدنيا كلها 45 درجة. لكنها تمالكت نفسها وحاولت إن تصل إلي الباب، عليها أيضا أن تأكل شيئا.
-" هل أنت بخير سيدتي ؟" سألها السائق بقلق .
منتديات ليلاس
-" أنا بخير ".
ودفعت له الأجرة وأعطته إكراميته بسخاء ، فبدا عله السرور .
لم تكن النقود تعني لها شيئاً ذا أهمية كبيرة أبداً . فحيث هي ذاهبة لن تحتاج إلي النقود بأية حال .
-" عيد ميلاد مجيد يا سيدتي ".
أعياد الميلاد . نعم هذا صحيح . لم يبق سوي أربعة أسابيع علي قدوم الأعياد.
-" عيد ميلاد مجيد".
عالم خلا من المعاني، حياة خلت من المعاني.
وجد موظف الاستقبال مفتاح الغرفة الخاصة بها . نعم . كانت غرفتها في مكان جيد . نعم . سوف لا يزعجونها إن جاءتها أية مكالمات تلفونية . كانت تسير إلي غرفتها وهي شبه غائبة عن الوعي ؟ ألن ينتهي هذا الممر الطويل اللانهائي، وهذه الروائح الكريهة ؟ دار المفتاح بسهولة . هذا أول شيء يسير بلا مشاكل اليوم، كانت تفكر بشبه هستيريا. يجب أن يسجل أحد هذا الدموع اهتزت، ترجرجت، تنتظر عذرا كي تسيل. لن تسمح لها أن تسيل فلقد مضي زمن البكاء. سيفيدها أن تأخذ حماماً، منذ زمن لم تفعل ذلك. أفكارها المتنافرة مع ما تكابده من تعب صورت كل شيء كقطع ممزقة من ألغاز عديدة. لم يكن معها أية ملابس أخري . الملابس التي كانت ترتديها منذ كانت بهونج كونج تركت ها في غرفة خلع الملابس بأحد المتاجر. ورق الحائط هذا بشع المنظر . كرهت هذا اللون البني السائل الجامد، وهذا الأخضر الذي يشبه ما في الأمعاء وهذا الأصفر المقزز.
منتديات ليلاس
ابن كريس سوف يكون بخير . إن هذا الرجل يشبه الأوقات السعيدة التي خلت .
إنه يشبه النشيد الوطني، مجسم في شخص واحد. أخذت تتخيل هذه الألوان الكريهة تلون أوراق الكرنب.......... لو لم يكن بها كل هذا الإرهاق لأصيبت بالأرق من رؤية تلك الألوان. كل ما معها الآن هو حقيبة يدها التي حولت ما بها من شيكات سياحية وهذا الكيس الحقير. لا شيء آخر. حمداً لله أنها تملك تذكرة العودة . حاجتها إلي النوم طغت علي حاجتها إلي النظافة. غيرت راشيل اتجاهها .أنها تستطيع إن تنام أسبوعا كاملاً. ظنت أن الطرق علي الباب نوع من المداعبة، لن ترد.
-" آنسة كارستيرز . افتحي الباب . يجب أن أتحدث معك".
إن هذا هو اسمها . فقط ديان جنكز هو الذي يعلم بمكانها ، لم يكن ليأتي إليها إلا إذا كان الأمر هاماً .
-" نعم ، من بالباب؟"
أدارت رأسها تجاه الباب لا يوجد مخلوق يبالغ في الكرم إلي هذا الحد بعد 36 ساعة بلا نوم ! لن يدخل أحد إلا إذا كان له أسباب وجيهة للغاية. حتى ولو كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
-" أنا لوك سومرز . يجب أن أتحدث معك ".
وانفتح الباب من فوره كما لو كان هذا سحراً. دخل ، استدار ، ثم انتظر . وضعت راشيل يدها خلف ظهرها محاولة الاستناد علي الكنبة التي وراءها . لا، لو استندت سرعان ما ستغفو. فاعتدلت في وقفتها . يتحتم عليها إن تفكر بصورة جيدة ، ثم إنها لطالما اعتادت علي التعب من قبل . ولطالما اشتغلت ساعات وساعات طويلة في الأماكن التي كانت تعمل فيها . طوابير لا تنتهي من الناس كانت تتشكل منذ ظهور خيوط الفجر الأولي. مرض، معاناة يأس. كان الفريق يعمل حتى حلول الليل أو حتى الانتهاء من آخر مريض، أيهما أقرب. راشيل استعادت الآن مثل هذه القدرة . قد تكون هذه هي فرصتها الأخيرة للفوز بجوردي. ربما أنصت إليها هذا الرجل، ربما استطاعت أن تشرح له ماذا يعني لها الطفل.
منتديات ليلاس
أخذت راشيل تنظر إليه . شيء غريب حقا . ليس له وجه علي الإطلاق . فقط موجات من الإشعاع . لقد سرق احدهم وجهه. يجب إن تحيطه علما فقد يتخذ إجراء ما . فقط منعها التصاق لسانها بسقف حلقها . نظرت ثانية، الآن هذا وجهه، أنه مثل قطعة ملساء من الفضة. كصفحة طوفان بنجلادش. المياه الغاضبة التي تعكس أشعة الشمس، غثيان، مياه تسيل، امتثال للأقدار.. تراخت جفونها.
-" اللعنة !"
أمسك بها قبل أن تقع، لحقها في آخر لحظة. ترى ما هو الخطأ ؟ هل كانت شكوكه المبكرة في محلها ؟ مال لوك عليها وأخذ يشم رائحة أنفاسها ، لا اثر للكحوليات . إنها خفيفة للغاية كمولود عمره يوم واحد. ادخلها إلي فراشها. غطاها . هذه المجنونة الصغيرة كان يجب أن تخطر أحداً ما بهذا الإنهاك الذي تعانيه. ماذا لو لم يقرر إن يأتي ليتحدث معها الآن ؟ كان من الممكن أن ترقد هنا إلي الأبد.
وفي ظرف نصف ساعة كان قد استدعى الإسعاف من أقرب مستشفي.
لوطلب منهم أي شيء لنفذوه في الحال وإلا قام بتهديدهم بكل شيء بدءا بكتابة الشكاوي حتى التشهير بهم في الصحافة . أراد منهم كل الحذر ، طلب منهم كامل الحيطة في الحال . لا . لن يترك المريضة ، ولن ينتظر بالخارج ، اللعنة ، أخيراً سوف يعيشون حقيقتهم بلا ادعاءات . لو كان أسداً هائجاً لكان أسلس ترويضاً منه الآن.
ثمة الدكتور أندروز ، أخيراً أتي حاملاً نتائج بعض التحاليل ،واقترب منه حذراً.
-" راشيل كارستيرز تعاني شيئا واحدا فقط ، الإرهاق الشديد .
هذا يجمع أجزاء الصورة معاً ، يحل اللغز. النظرة الخالية من أي تعبير الغثيان .
-" إنها غير فاقدة الوعي، إنها فقط نائمة. ربما كان هذا أفضل علاج لها . إنها تبدو كمن قام بالعدو أياماً بلا توقف أوكلل .وواضح أنها لم تأكل طوال الساعات الأربعة والعشرين الماضية. سوف نبدأ تغذيتها عبر الوريد إلي الصباح."
منتديات ليلاس
اخذ الطبيب يتفحص الانفعالات البادية علي صفحة وجه هذا الرجل ، متسائلا عن نوع علاقته بالمريضة الآنسة كارستيرز ، مؤكداً أنها امرأة محظوظة ، لوك سومرز يراقب ما يجري لها كما لو كان أما تراقب ابنتها . أي خطأ صغير ارتكبنها حتى يمطرنا بتلك النظرات المنذرة المهددة التي يتطاير الشرر منها كأنما يقول : سوف أهدم هذا المكان هدماً فوق رؤوسكم .
كان الوقت متأخرا وكان علي لوك أن يعود إلي المزرعة . أن يتعرف علي ما يهمه من أخبارها . أن يحتضن هذا الابن الذي حصل أخيراً وبصورة رسمية علي وصايته . أ، يستعد لأعمال اليوم التالي .
اخذ ينظر إلي هذا الوجه الشاحب الراقد علي الفراش. كان القرار قد اتخذ ليس هناك ما يمكن فعله لها الآن. انه يكره المستشفيات. لم يكن ليستسلم لها كلية وفي دفعة واحدة .[/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:24 PM

الإيمان ...الأمل, والحب
 
-" هل تحتاج إلي شيء من التمريض ؟"
-" في الحقيقة لا. لقد ساعدتها الممرضة علي شرب بعض العصائر، لقد شربت بسهولة، ويتكون بخير طالما انتظم إمدادها بالسوائل. حرارتها لم ترتفع ولم يظهر أي نوع من التدهور في حالتها. هذه البطاقة الصحية التي تجدها مع جواز سفرها مدون بها أنها أخذت كل جرعات التطعيم الضرورية. إنني أؤكد أنها لا تحتاج إلي شيء سوي الراحة . إذا كان لديها مكان تذهب إليه، أو شخص يهتم بها يمكننا الإفراج عتها في الحال.وإلا فمن المحتم أن أبقي عليها هنا."
أخيراً أقر لوك : " أنا أتحمل مسؤوليتها ، إني أمت لها بصلة القرابة". فليعنه الله.
لم يكن استيقاظها من النوم مريعاً . لقد اعتادت أن تصحو من نومها لتجد نفسها في أماكن غريبة.... حامل خشبي، خيمة، أرضية فناء إحدى المدارس.
غالباً ما تصحو من اصطدام حواسها بأشياء كصراخ أطفال، أو صياح صائح، أو جلبة أناس اعتادوا الكلام في وقت واحد. ما أثار انتباه راشيل هذه المرة أنها لم تكن بمكان غريب قذر ، نتن الرائحة ذي جلبة ، لا يليق بآدمي . أو بمكان غريب، نظيف، هواءه متجدد، مرتب، تتوفر به الأبهة.
أماكن من هذا النوع أو ذلك، كتلك التي كانت تعرض عليها في الأعوام القليلة الماضية.
كانت في فراش أنيق واسع، فخم، مهيب، ستائر بيضاء تحجب سماء برتقالية اللون. أهو الشروق ؟ أم الغروب؟
نضرة وورود علي أرضية خضراء تغطي الجدران، كأنما استمدت ألوانها من الوادي. ألوان السجاد تتمشي بتناسق مع ورق الحائط.
منتديات ليلاس
ثمة تسريحة خشبية أنيقة تلمع مرآتها بجوار أحد حوائط الحجرة وثمة صوت بالخارج، أنه يتحدث بالأسبانية. وصوت امرأة تضحك . نشط هذا الصوت ذاكرة راشيل . لا يمكن أن تكون هذه حجرتها بالموتيل ، لقد تفحصتها تماماً . أدارت رأسها، رأت وجها ينظر إليها متطلعا: لقد أفاقت، أسرع بالحضور، لقد أفاقت........."
وقامت الفتاة التي كانت جالسة علي المقعد بأحد أركان الحجرة، كانت قوية البنية، وقامت تجري إلي خارج الحجرة.تجمدت راشيل . لم يكن قيامها من نومها أبداً بالذي يثير كل هذه السعادة . هل هذا خيال؟
سمعت صوت أقدام تدق علي الأرضية الخشبية خارج الحجرة مسرعة، وانفتح الباب. وبرز منه فجأة رجل طويل. عريض. كأنه يحيط بالعالم كله . زالت منها الرهبة عندما دنا منها متلهفاً كما لو كانت شيئا ثميناً.الانفعالات الجياشة التي طافت بها جعلتها تظن أن كل ذلك مجرد حلم .
-" كيف تشعرين الآن ؟"
جال بخاطرها لأول مرة أن تفكر بحالها. أخذت تتفحص نفسها من تحت الأغطية. يبدو أن كل شيء علي ما يرام . هذا واقعا وليس حلماً.
-" بخير".
اقترب منها . فجأة أخذت تتذكر كل شيء. البرقية، رحلة العودة إلي الديار. مشهد المحكمة. هذا ليس بكابوس .هذه هي نفسها . لقد فقدت جوردي. لم تحصل عليه أبداً . وأغمضت راشيل عينيها .. امتدت يده إلي زر أعلي الفراش فأضاء الحجرة .
-" هل تشعرين بألم".
ثمة يد أخذت تتحسسها. دافئة، تشعرها بالراحة. بالحماية. الفائز يحصل علي كل شيء .آخر مرة رأته فيها كان يختال بصحبة امرأة أسكرتها نشوة الانتصار. محاميته، مؤكد أنها امرأة متعددة المواهب.
-" أين أنا؟"
أخذت تتذكر ما دار بينهما في قاعة المحكمة . ما جري منه وما فعله معها . في هذا الموقف لم تعر ما حدث اهتماما حقيقيا. ولكنها لا تستطيع تجاهل ما يحدث الآن. اليد التي تتحسسها تهدئ كل عصب في جسدها.
-" في دياموند بار. "
اعتدلت راشيل في الفراش . أحست أن رأسها يسبح. وأحست أن حالتها أفضل مما مضي . كان ضعفها شاقاً .
-" مزرعتك؟ كيف أتيت إلي هنا؟"
-" أنا نقلتك إلي هنا".
كيف تنقلني ؟ هل أنا كيس ورقي؟ الأسوأ أن السكينة لم تدخل قلبها بعد.

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:26 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
-" كيف؟" كست الدهشة صوتها: "أعني كيف ؟ من دقيقة واحدة أنام في حجرة بالموتيل ، وفي الدقيقة التالية أجدني أفيق هنا."
لم تكن لتمتلئ بالثورة بسهولة . امتلأت بالتطلع مما جعلها تجهد نفسها بالتركيز فيما يحدث. أخذت راشيل تتمني أن يكون ما بها من حمى الملا ريا جعلها تهذي . لا يمكن أن يكون هو هذا الرجل.لا يجب.
-" يجب أن أتحدث معك " ،قالها لوك بهدوء . أحس أنها غير ****ة عما قام به.
-" لقد تتبعتك عند خروجك من المحكمة حتى وصولك إلي الموتيل ، أصابك الإغماء . وفي المستشفي قال الطبيب إنه يتحتم عليك إما البقاء أو الذهاب إلي مكان يتوافر به من يقوم علي رعايتك. فأتيت بك إلي هنا".
لم يخطئه ما شاهده من مسحة حزن في عينيها. دخلت إلي أعماق قلبه . لا ينبغي أن يبقي أحد وحيداً كل هذه الوحدة.
منتديات ليلاس
لقد أصبح هذا واقعاً ، هذا ما أخذت راشيل تقنع نفسها به ، لا يجب أن يؤلمها ما حدث لكنها لا تستطيع أن تنكر ما أحس به قلبها من سعادة من دخل الجنة ، مما سمعته منه لتوها . الغلاف الخارجي لم يكن بالقوة والصلابة التي تخيلتها.
-" منذ متى وأنا نائمة ؟"
-" أكثر من أربع وعشرين ساعة . إنها الخامسة مساء الآن . طبيب المستشفي التي نقلتك منها قال إن ما بك هو من تأثير إرهاق زائد عن الحد."
-" كان يجب أن تتركني هناك "، ثم قالت منكرة "لماذا لم تتركني حيث كنت؟"
وفضحته العيون الزرقاء . وأدرك لوك أنه لا ينبغي أن يطلعها علي الحقيقة، ليس الآن . لم تكن لتحتمل المزيد من المعاناة . كما كان يتحتم عليه أن يتأكد من حقيقة مشاعره أولاً، ثم جنح لوك إلي شيء من الدبلوماسية :
-" لقد رأيت أنك ربما تفضلين قضاء بعض الوقت مع جوردي، لكي تتعرفي عليه عن قرب".
أفقدها سماع الاسم رباطة جأشها. لا. لا تريد أن تتعرف علي الطفل عن قرب وليس الآن تتعرف عليه، ثم يتحتم عليها أن تتركه وتذهب، هذا سوف يحطمها حتماً. لا يمكنها المخاطرة بذلك. فالقلب لا يستطيع تحمل آلام أكثر مما تحمله وحدة موحشة وقاسية. ربما علاقة عن بعد، كما كان بينها وبين كريس. شيكات، خطابات، هدايا من مناطق بعيدة. عدم احتكاك شخصي أقل ألم، أسهل. هذا النوع من العلاقات الذي اعتادته راشيل كارستيرز وباقتدار.وأعادها صوت فتح الباب إلي الواقع فجأة . دخلت امرأة متقدمة في السن. لابد أنها خادمة المنزل التي ذكرها لوك في المحكمة بالأمس.
-" هاأنتذي مستيقظة أخيراً !"
منتديات ليلاس
ونظرت إليها بوجه ملائكي ذهبي دافئ ودود، محاط بشعر بني مطعما بهالات من البياض. نظرت إليها بعيون عسلية تنطق بالبشر. تعيش الدعة وتتمتع براحة البال . مرتدية زياً بسيطاً عليه مريلة بها خطوط بيضاء وزرقاء .لهجتها ذكرت راشيل بتلك المتطوعة الأوربية التي التقت بها في العام الماضي .
-" مرحباً بك في دياموند بار . هل تعلمين أنك نمت أربعاً وعشرين ساعة متصلة؟. هل أخبرك لوك إننا الآن قد أصبحنا يوم السبت مساءً؟. الفتاة التي كانت جالسة بجوارك هي أنجيلا ابنة زوجي. إنها فتاة طيبة، انتهت لتوها من فترة مراهقتها حيث المبالغة في العواطف سمة للتعامل في كل شيء. أرجو أن لا تكون أزعجتك ". غمرها من حديث حنا رود ريجز ذلك الشعور بالأمان والطمأنينة . إنك بأمان الآن سوف نعتني بك ونرعاك جيداً.
-" لقد أتي لوك بك إلي المنزل لأن الطبيب أخبره أن أهم ما تحتاجين إليه هو الراحة التامة. لا أحد يحتمل تلك المستشفيات اللعينة..... ولا إزعاجهم المتوالي للمرضي للتأكد من سلامتهم والكشف عليهم . لقد طلب الطبيب ألينا التأكد من إمدادك بالسوائل باستمرار، وهذا هو ما قمنا به دون إبطاء أو تهاون. أظن أن الوقت قد حان لكي تتناولي طعامك. آتيك بشيء خفيف الآن . وسيكون العشاء بعد ساعتين من الآن".
-" هذه هي حنا التي تعني بكل أمورنا هنا في دياموندبار ". قالها لوك معرفاً تلك المرأة التي نادته لتوها " هي التي ساعدتني علي وضعك بالفراش مساء أمس".
أخذت راشيل تتحسس نفسها . كانت ترتدي شيئا سميكا يدفئها جيداً ويغطي حتى رقبتها تماماً. أمان. شعرها مصفف. أخبرتها أصابعها عندما مررتها عليه أن ثمة شخصاً قد صففه لها. يجب أن تعثر علي شيء تعقص به شعرها في جديلة واحدة كما اعتادت. هل يمكن أن تعيش هذه الحياة ؟ رفعت يدها عن شعرها واستدارت تجاه حنا:

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:29 PM

الإيمان... الأمل , والحب
 
-" شكراً جزيلا. إني أعتذر عن الإزعاج الذي سببته ".
-" لا إزعاج مطلقاً يا طفلتي العزيزة " وربتت علي يد راشيل التي شعرت بالراحة والتفاهم بلا حدود . " إنه لمن دواعي السرور أن نستقبل ابنة عم كريستينا هنا. لقد أخبرتني بكل شيء عنك .. أخبرتني كم كانت تتوق إلي أن تقومي بزيارتنا. والآن لا تتعبي نفسك بالحديث. كلي واستريحي وإلا سينحني لوك عن هذه الحجرة ويمنعني من دخولها . إنه يسميني الثرثارة بلا حدود . سوف أعود إليك لأعينك علي أخذ حمام دافئ. ثم نعتني بكل شيء ولكن فيما بعد".
وابتسمت حنا ولملمت ملابسها ثم خرجت من الحجرة. تمددت راشيل مرة أخري . كانت تكتم دموعها أن تسيل فبدا ذلك عليها:
-" آسفة لما سببته لكم من إزعاج ".
-" لا إزعاج مطلقاً، حنا تحب أن تحاط بالآخرين".
ولم تحرك راشيل ساكناً. أنزلت ساقيها من علي الفراش الوثير،
-" أريد أن أستعمل...."
ولم تكمل جملتها أبداً . ساعدتها ذراعاه القويتان علي النهوض ، والاتكاء عليه ، أوصلها إلي باب الحجرة ، واصطحبها حتى الباب الخارجي حتى وصلت إلي الحمام، فأدخلها وظل واقفاً . ظل يحيطها بذراعه حتى تمالكت توازنها تماماً .
-" كل شيء قد تحتاجين إليه ستجدينه في هذا الدرج العلوي ". وداعبت أنفاسه خصلات شعرها. " سأنتظر خارج الباب." وبعد خمس دقائق كان يكرر معها الرحلة عبر الممر إلي الغرفة. وساءلت راشيل نفسها ـ دهشة ـ هل هناك قواعد معينة عند التجول في هذا المنزل ؟ ربما قد غسلوا السجاجيد لتوهم ولا يريدون أن تتسخ مرة أخري . فقد كانت أرضية الممرات من الخشب .ما إن دخلت راشيل إلي غرفتها حتى أغمضت عينيها . إنها الطريقة الوحيدة التي تتخلص بها منه . ذلك الذقن الصارم . وذلك الأنف الحاد ، تلاشي تأثيرهما من دفئ نظرته الطويلة إليها واستولت علي لبها . كان يبدو كالحجر الصلد في ملابس أنيقة ونظافة بالغة. كان كاندفاع الماء علي فراش من الرمال . سمعت شيئا عن أوامر الطبيب بضرورة الراحة التامة.
-" يمكنني الرحيل. "
منتديات ليلاس
قالتها راشيل كالمقرة بحقيقة لا ينبغي الفكاك منها، أنكرت نفسها، أين اعتدادها بنفسها واستقلالها ؟ أين كل ما اعتادته في السنين الأخيرة؟ لقد تعاملت مع رجال من كل الأنواع والأعمار . ليس هناك من سبب لكي يؤثر عليها هذا الرجل بهذا القدر. حاولت مرة أخري :
-" إنني بخير حال".
-" ليس قبل أن يقرر الطبيب ذلك ".
لم يكن لكلماتها أي معني.
-" أريد أن أخبرك أنك يجب أن تزوري دكتور كنتون غداً ، لإجراء بعض الفحوص . إنه طبيب العائلة. وإلي هذا الحين عليك البقاء هنا ".
وساعدها علي دخول الفراش ، وأخذ يساوي خصلات شعرها . أخذ يتأكد من تغطيتها كما لو كانت طفلة صغيرة، ثم أتي لها بصينية الطعام.
-" تناولي طعامك".
ونظرت راشيل إلي الصينية . ثلاث شطائر ساخنة خرجت لتوها من الفرن ، زبده طازجة، ثلاثة أنواع من المربي،وبالإناء المغطي ثلاث بيضات مطهوة. وكوب من العصير الطازج يفتن نظرها . إن كانت هذه هي الوجبة الخفيفة فليصبرني الله عندما يحين وقت العشاء.
تناولت العصير . بمجرد خروجه من الحجرة تعود بالصينية مرة أخري إلي المطبخ فتشرح لحنا أنها لا تستطيع أن تتناول كل هذا الطعام . لكن لوك كان لا يعتزم الانصراف علي ما يبدو . لقد جر مقعداً بجوار الفراش ، وجلس عليه . بعد قليل أخذ كوب العصير من يدها وكرر:
-" تناولي طعامك."

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:31 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
لم يكن يبدو عليه نية الذهاب ليباشر أياً من شؤونه. فأخذت قطعة من الشطائر وقضمت منها قضمة وأخذت تلوكها . وبدأ لعابها يسيل في فمها، وأخذت شهيتها تزداد. أخذ لوك ينظر إليها . تبدو كأنها تلوك قطعة من الجلد في فمها ، والتقط شطيرة فغطاها بالزبد ثم غمسها في مربي الخوخ وجيلي التين وقدمها إليها. فاتسعت عيناها ، لكنها تناولتها منه. أحس لوك عندما لمست يده أصابعها ، أنها تكاد تتجمد من البرودة . ثبتت عينا لوك علي شحوب لونها . أراد أن يرفع المقعد. فيلقه من النافذة .
منتديات ليلاس
ما هو الخطأ في هذه المرأة ؟ لا يمكن أن يكون لمخلوق هذه السيطرة علي نفسه. توقع أسئلة، جدالاً، استسلاماً ـ علي أقل القليل. لم تبدر منها أي بادرة . ما الذي يجعل راشيل كارستيرز بهذه القدرة علي ألا يهتز لها جفن ؟ كانت الإجابة علي هذا السؤال هي ـ حتماً ـ بداية الطريق لكي يفهمها .
لم تكمل سوي نصف الشطيرة التي قدمها لها . لم يواصل الضغط عليها :
-" هل تريدين شيئاً آخر؟"
-" هل أستطيع أن أشرب شيئاً من القهوة؟"
-" آسف ؟ الطبيب منع عنك الكافيين تماماً ."
لم يفعل الطبيب ذلك ، ولم يصرح به لكن لوك ظن أن عدم شرب القهوة أفضل لها حتماً.
-"هل آتي لكي ببعض شراب الأعشاب؟ إن حنا تحتسيه دوماً."
-" لا، أشكرك."
فرفع الصينية ومددت راشيل رأسها ثانية علي الوسادة وأغلقت عينيها . كان هذا أفضل هروب يمكنها القيام به.
وتحت ستار جفونها المسدلة أخذت أفكارها تتداعي. لماذا ـ أتي بها لوك سومرز إلي هنا؟ كلما أسرعت بمغادرة هذا الفراش والعودة إلي لوس انجلوس، كلما كان ذلك أفضل.
عندما دخل المطبخ حاملاً الصينية بادرته حنا قائلة:
-" وكيف تحصل علي قوتها؟ إن القطط التي تتضور من الجوع أفضل حالاًَ منها."
كانت حنا في الواقع. تعلم عن راشيل أكثر مما يعلم هو نفسه . وفي الحقيقة، هي التي حدثته عنها وأعطته كل التفاصيل عن ابنة عم كريس تلك قبل القضية، فمن الواضح أن زوجة أخيه تحدثت عن راشيل إلي باقي أفراد العائلة.
-" كانت الرحلة طويلة وشاقة من بنجلادش ."
فسر لوك الأمر محاولا الدفاع عنها علي غير العادة.
-" لقد تحدثت مع جنكز محاميها هذا الصباح .وطبقاً لروايته فقد أتت من المطار مباشرة.إنها منذ غادرت القرية التي تعمل بها وحتى وصولها إلي مطار لوس انجلوس الدولي قضت سبعين ساعة متصلة من السفر.وقد أخر الرحلة في هونج كونج حدوث عطل في أحد المحركات، دام لمدة اثنتي عشرة ساعة. كانت واقعة تحت ضغط رهيب، فهي كانت تعلم أنه يتحتم وصولها في الموعد المحدد للمحاكمة.فإذا أضفنا متاعب الرحلة إلي هذا الضغط العصبي ، فإنها تحتاج إلي فترة من الزمن حتى تعود إلي حالتها الطبيعية."
ساءلت حنا نفسها:
-" تري لماذا هي تريد جوردي؟" إن كانت تسعي وراء المال أكون أنا خليفة مارلين مونرو "، مرت فترة من الصمت وهي تشاهد لوك وهو يأكل كل البيض المطهو.
-" هل طلبت رؤية جوردي ؟"
-" إنها لا تزال متعبة ".
لماذا يدافع عنها؟ لقد تعجب هو نفسه أنها لم تبد أي اهتمام بخصوص الطفل. وهمهمت حنا فهي ليست بالغبية الخرقاء:
-" هناك شيء ما خطأ،يا سيد لوك سومرز . وإن قلت إنني علي خطأ فسوف يصيبني الجنون إلي الحد الذي يجعلني أن أطهو لكم جزراً مسلوقاً كوجبة للعشاء".
منتديات ليلاس
لكن لوك لم يحر جواباً عليها.إنه يطير سعادة وهو يري جوردي يلهو ويلعب ،عندما يستمع إلي صوته وضحكاته ، عندما ينظر إلي طفولته وبراءته، عندما يجلسه علي كتفيه ، لا يهمه إن كانت راشيل كارستيرز لا تبدي اهتماماً بمعرفة جوردي . سيظل الطفل دائماً غارقاً في حب دياموند بار. نصف أهالي المزرعة كانوا يهللون لدي عودته بالأمس. كان نبأ انتصاره قد طار إليهم . بعض من هؤلاء نشئوا معه هو وروب منذ الصغر . كانوا يشاركونه حب جوردي . لكن اصطحابه لغريمته فاجئهم جميعاً . بدا عليهم الاهتمام البالغ وهم يرونه يحملها إلي داخل المنزل. لكنهم كانوا يعلمون عنه جيداً بما يكفي لعدم سؤاله عما يفعل. كانت حنا آتية بشيء من ملابس النوم الخاصة بها إلي حجرة الضيوف حين كان جوردي قد بدأ في البكاء .نام لوك بجواره حتى يطمئن عليه ، وحتى يتأكد أن ضيفته غير المتوقعة علي خير حال في نومها ، كان قرار النوم في غرفتها أمراً لا بد منه . طوال النهار تنشغل حنا برعاية الطفل. ولم يمكنه أن يطلب منها أن

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:33 PM

الإيمان...الأمل, والحب
 
تعمل الليل أيضاً. كما لم يمكنه ترك راشيل كارستيرز وحيدة في جناح الضيوف. قد تصحو من نومها وتصاب بالذعر مثلاً . لذلك قرر أن يأخذ الطفل للحجرة المجاورة. فإذا بدأ جوردي البكاء سارع إلي حجرته قبل أن يمتد بكاءه ويعلو صوته. كانت تعاني الإعياء أكثر مما تبدوا نائمة. كانت تتقلب علي بطنها ، أخذت تهمهم بلغة غريبة فأثارت انتباهه . فكان يطمئن عليها ثم يعود للنوم علي فراشه الأرضي . ثم بعدها بدقائق معدودة سمع صرخة قصيرة فوقف علي قدميه مذعوراً ، أخذ برهة من الوقت حتى تمالك نفسه فتوجه إليها ليطمئن .
منتديات ليلاس
-" توم أرجوك أسرع . المرأة. إني لا أستطيع تحمل المزيد. توم."
كانت تهذي كالمجنونة، وفجأة فتحت عينيها المغمضتين واتسعت حدقتاهما، وامتدت يداها لتمسك بشيء لا وجود له. راعه اليأس في نظراتها. فجذبها إلي أحضانه .-" صه" وأخذ يطمئنها : "إنك في منزلك الآن ، لا تخشي شيئاً."
ثم اعتدلت بسرعة بعد أن ظن أنها عادت إلي نومها. لكنها لم تنم:
-" بيتي ؟"
كانت عيناها مثبتتين عليه الآن .
-" هل أنا في بيتي؟"
وبلغ به الانفعال أوجه .كان هناك الكثير من الحزن الرقيق في هاتين العينين القريبتين الآن منه. الكثير من عدم التصديق. كانت رغبة لوك في تغيير هذه النظرة تهزه هزاً.
-" نعم ".
فاقتربت منه أكثر . كانت جفونها مسدلة ، لكن صوتها كان نقياً كل النقاء:
-" لا تتركني أذهب أبداً ".
أخذت يديها تتلمس تفاصيل جسده، يديه، كتفيه، ثم لأعلي، خديه ثم خلال شعره. ثم أدنت رأسه إليها، كانت لا تزال تحاول أن تتأكد أنه سينفذ وعده الذي قطعه علي نفسه.اقتربت عيناها منه في محاولة للإبقاء علي الصاعقة. لن ينسي تلك القبلة التي ذاقها. وأحدث هذا التقابل المفاجئ تغييراً في كل شيء. فجأة لاح عليها أنها راحت تبحث عن إثبات. عاد لوك يقبلها كما لو كان طفلاً صغيراً ، محاولاًً مستميتاً أن يمنحها الأمان الذي تحتاج إليه بشدة. ولم يكن واثقا من شيء عندما عاد إليه وعيه ، إلا من أنه كان هائماً وأنها كانت تحاول أن تجذبه أكثر وأكثر إليها.
منتديات ليلاس
-" أرجوك، " آخذة في التوسل بهذا الصوت الذي لن ينساه "أرجوك احتضني ".
قطع صوتها حبل الرجاء الذي تعلق به، نضح صوتها بالمرض . راشيل كارستيرز مريضة . إنها لا تدري ماذا تقول أو ماذا تفعل. إن هذا بعيد كل البعد حتى عما قد تذهب إليه أحلامها.
-" هص"
آمراً إياها مرة أخري بالصمت. لفحته أنفاسها الحارة وهو يريح رأسها علي خده.. -" فقط، حاولي أن تعودي مرة أخري إلي النوم ".
أخذ يهزها كما يهز طفلة صغيرة، منتظراً أن يعود إليها هدوؤها. وعندما أراح رأسها مرة أخري علي الوسادة ،كان وجه راشيل كارستيرز يبدو عليه السلام والأمان ، أخيراً.
وانتابه خوف رهيب. قوي. حصين. حاول أن يتخلص منه. كانت انفعالاته أكثر من أن يحتملها.
أراد أن يتأكد أنها ليست محمومة ن فمر بيده علي صفحة وجهها ، وقربه منه مرة أخري ، وحدث كل شيء لا إرادياً . ثم عاد إلي فراشه الأرضي ، ولكن ليس لينام .
أخذ لوك ينظر إلي جوردي متطلعاً. استطاع ابن أخيه أن يصل إلي قدميه، وأن يمسك بالمقعد. أخذت عيناه الزرقاوان تبحثان عن شيء أكثر إثارة من اللعب المتناثرة حوله. أعطاه لوك كرة ، كانت ملقاة في أحد الأركان .
منتديات ليلاس
إن راشيل كارستيرز لغامضة كل الغموض . لم يكن ليستريح حتى يعرف لماذا أرادت جوردي ، ولماذا لا تريد رؤيته الآن . وشعر لوك أن الإجابة لن تكون سهلة المنال. إنها لن تساعده . ذهب يطمئن عليها حين حان موعد العشاء ، لكنها كانت سرعان ما عادت تغط في نومها . أخذ يرتب الأغطية من حولها ووضع يده علي خدها، كان أملس ناعماً. أخذ يتذكر عندما ذكرت كريس إن ابنة عمها سوف تنضم إلي إل م. ر.أ. بمجرد انتهائها من دراستها الجامعية. أخذ لوك يتساءل عما دفع راشيل إلي أن تعزل نفسها تماماً عن كل شيء يربطها بعائلتها وبأهلها ومعارفها.


نهاية الفصل الثاني

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:39 PM

الإيمان ... الأمل, والحب
 
الفصل الثالث



أفاقت راشيل قبل الفجر. كان يلزمها بعض الوقت كي ترتب الأفكار التي تعتمل بداخلها . لقد أتى بها لوك إلي هنا يوم الجمعة مساءً . ثم التقت بحنا يوم السبت مساء وكان يوم الأحد كله إغراقاً في مزيد من الراحة، والاغتسال، وتغيير الملابس لها، وأن يصفف شعرها برقة. وكلما فتحت عينيها كان يتوسل إليها أن تأكل أو أن تشرب شيئاً. في إحدى المرات أفاقت لتجد لوك واقفا بالنافذة ، كان يدير ظهره إليها . كانت تتقلب طوال اليوم ما بين نوم وصحو، ربما تفعل ذلك دفاعاً عن نفسها.
منتديات ليلاس
ثمة منبه قد وضع علي الرف الموجود بجانبها . كانت عقاربه المضيئة تشير إلي الرابعة. الضوء بالخارج أنبأها أن الفجر ليس ببعيد. اليوم هو الاثنين، صباح الاثنين كان بارداً . شديد البرودة. كانت تحتاج إلي أن تذهب إلي الحمام. وتسللت بهدوء كنسمة صيف ، إلي خارج الحجرة . مرت بناظريها علي ورق الحائط البديع.، وحوض الاغتسال الرخامي ، والمرآة المصقولة ، والبانيوالضخم الجاثم هناك، وتلك النباتات التي تتدلي في كل مكان حتى علي ماسورة الدش. والنباتات الموجودة علي الأرض، ذلك الأصيص الذي يبدو كالواحة في وسط الصحراء. شيء لا يقاوم.
وبنظرة سريعة أدركت أنه لا توجد أبواب أخري مغلقة في الممر. لولا صرير الصنبور وهي تغلقه لما كان من الممكن أن تزعج مخلوقاً. أحست بسعادة عميقة عندما تمددت في الماء الساخن. ارتعشت عضلاتها لامست الماء ثم استرخت بفعل دفئه . واختلاط عبق اللافندر بهذا البخار المتصاعد، كانت تتمني ألا يشعر أحد باستعمالها لهذه المستحضرات وعطور الحمام، وأخذت تتوغل أكثر وأكثر في الماء اللذيذ فزاد شعورها بالراحة. قطعاً أن الجنة بها هذا النعيم.
منتديات ليلاس
انتظر لوك قليلا بعد خمس دقائق لم يطق فراشه أكثر من ذلك، هذا الفراش الذي كان ينام عليه يومياً بجوار فراشها. ماذا لو أصابها شيء وهي بالداخل ؟ دكتور أندروز كان واضحاً في وصفه لحالتها. قام من فراشه ووقف علي قدميه. وطرق علي باب الحمام. مرة. مرتين، لكن ما من مجيب.
-" راشيل؟"
سمع حركة مفاجئة فأدرك أنه أزعجها . سمعها تطفئ المذياع الذي كانت تنبعث منه تلك الموسيقي الريفية بصوت ضعيف من داخل الحمام.وفتح لوك فمه كي يعتذر ويفسر موقفه.
-" نعم؟"
كان صوتها المنبعث من وراء الباب يملؤه الخوف. تساءل لوك كيف كان يمكن أن يفعل إزاء موقف كهذا؟-أيتصرف بهذا الهدوء بسبب ما دار بينهما في الليلة الأولي لها هنا؟ هل هذا هو سبب إحساسه بالارتباك لوجودها إلي جواره؟
-" فقط كنت أريد أن أطمئن عليك . ظننت أن التعب قد أدركك مرة أخري".
اختلط الإحساس بالذنب بصوتها:
-" إني أعتذر إن كنت قد أزعجتك، لم يكن هناك أبواب أخري . لقد ظننت أنه من المناسب........."
-" لا تمكثي في الحمام طويلاً" ، كان صوت لوك يأمرها بنعومة ، "فقد تصابين بالبرد".
قاوم رغبة شديدة في أن يرفعها عن الأرض ويحملها علي ذراعيه كما لو كانت في عمر جوردي ليعود بها إلي الحجرة ما أن تخرج من الحمام.
-" لقد انتهيت تقريباً ".
وأنبأتها خطواته المنسحبة أنه عائد إلي فراشه مصاباً بعدوي الإحساس بالذنب . أخذت تجفف نفسها . واستخدمت قطعة من القماش لتنظيف الدش .
شيء ما يستولي عليها. هذا هو ما حدث. إنه يفعل الأعاجيب بالناس.المؤكد أنه هو السبب في سعادتها كلما شعرت بلوك إلي جوارها.

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:41 PM

الإيمان... الأمل , والحب
 
ونشرت قطعة القماش علي رف كي تجف. ثم أخذت تبحث عن ردائها . أثارت صورتها المنعكسة في مرآة الحمام انتباهها . أخذت تزيل آثار البخار، وراحت تنظر إلي جسدها بشيء من الفضول. آخر مرة رأت نفسها عارية كانت تسبح في أحد الأنهار. كان خفوت الضوء يريحها بعكس هذه المرآة . أخذت تلاحظ نحول رقبتها، وأخذت تتفحص جسدها العاري. وترددت بعض لحظات ثم أخذت تبحث عن بودرة ألتلك . فلم إذن لا تكمل ما بدأته. فحيثما هي ذاهبة لن يكون يسيراً أن تستمتع بكل هذه النظافة والانتعاش. أصابتها الدهشة عندما وقفت بباب الحجرة . كان المصباح الموجود فوق فراشها يلقي بضوئه الذهبي علي الفراش الأرضي الموجود علي الأرض، وعلي الرجل الممدد فوقه. أخذت راشيل تتأمل الصورة الماثلة أمامها. شعر منكوشا، عيون يغشاها النوم. كان لوك يبدو كمن يعزف أحدي مقطوعات فلورنسا الليلية.
منتديات ليلاس
-" لست مضطراً إلي أن تنام هنا ".
قالتها بشيء من الصعوبة ، " أنا بخير". لا بد أنه لا يشعر بالراحة عندما ينام هكذا مرتدياً البنطلون الجينز.
-" إني بخير هكذا".
الطريقة التي تحدث بها ذكرتها بأحداث المحاكمة ، لقد قلل من شأن أي شيء فعله من أجل جوردي ، بنفس هذا الأسلوب.
-" إنني بخير حال الآن ، لذا فإنه لا عليك أن تقلق نفسك بالنوم هنا مرة أخري".
لقد شاهدت أثناء عملها أجساد الرجال شبه العارية مراراً، من كل حجم وجنس ولون. لكنها أبداً لم تكن لديها الرغبة في أن تشاهد وتراقب مثل هذه المشاهد كما هي الآن.
-" إنها الرابعة والنصف الآن ".
كانت له أسبابه الوجيهة في أن يخفض من صوته:
-" إن نوم حنا من النوع الخفيف جداً. لذا فإن عودتي إلي حجرتي سوف توقظها حتما. وهي لن تستطيع العودة في الاستغراق في النوم ثانية."
لم يكن هناك المزيد ليقال.وعادت راشيل إلي فراشها، فدخلته بهدوء، فلربما يكون نومه خفيفا مثل حنا .
-" هل تريدين بعضا من الحليب الساخن ؟"
استقرت عيناها علي الصينية الموضوعة علي الحامل . كوب كبير وقطعتان من الشطائر المغطاة بقماش ابيض أنيقا.
-" من فضلك "، كانت تقاوم دموعها بصعوبة. " إنك غير ملزم أن تفعل كل هذا ".
-" جربي شيئا من الحليب سيساعدك علي النوم".
لم يكن عليها أن تتكلم أو تعترض من الأصل. لقد اقتحمها بأسلوبه هذا مرة أخري . لكن راشيل حاولت النفاذ إليه :
-" إنني بخير صحتي مائة في المائة. غداً عندما ننزل إلي المدينة سأستقل الأتوبيس عائدة إلي لوس أنجلوس . يجب أن أخطر إل م. ر. أ. بمكان وجودي".
هل هذا ما سيكون؟ هل ستقوم هكذا وتغادر بلا أية مقدمات؟ وجمدته الصدمة، جعلته يفكر بصوت مسموع.
-" وماذا عن جوردي"؟
ولبثت هادئة برهة من الزمن حتى ظن أنها لم تسمعه لكنها كانت قد سمعته. وعندما بدأت تجيبه لم يكن صوتها بنفس الهدوء. كانت نبرتها قد أخذت الشكل الحاد الذي سمعه منها من قبل:
-" أنا واثقة أنك والدياموند بار الأفضل له."
-" ألم تجدي الرغبة في رؤيته أبداً؟"
منتديات ليلاس
أخذت راشيل تقاوم نفسها . كانت الإجابة بالنفي علي وشك الخروج من شفتيها، لكنها منعتها. دائماً تلك الحساسية تجاه العواطف ، إنها تستطيع الآن أن تلمس بيدها غليان الغضب الذي يعتمل داخل لوك. له كل الحق في امتعاضه . لقد جرته أولا إلي المحكمة من أجل الصبي، ثم ها هي تتصرف وكأنها لا ترغب حتى في رؤية ابن كريس. وتحركت شفتا راشيل أخيراً:
-" سوف أراه في الصباح".
هناك شيء لا يستقيم. ساءل لوك نفسه لماذا لم تعد راشيل كارستيرز تهتم برؤية جوردي ؟ إن هذا التغير المفاجئ غير منطقي بالمرة. وأخذ نفسا عميقا من الهواء ثم أخرجه بهدوء. كانت محاولته أن يفهمها تبدو له شيئاً مستحيلاً. وعندما وقفت بعد ذلك واستدارت تجاه الباب، تذكر مشهد الصبي وهو يلهو. وصلت رائحة عطر اللافندر إلي خياشيمه، والتقي بعينيها وتلك النظرة العميقة كأنما ينظر إلي بئر مظلم.
لم ينس بعد طعم تلك الشفاه، ولا طريقة انحنائها عليه وهو بالفراش الأرضي. كانت ملابس حنا واسعة جدا عليها، هذا لم يكن بالمستغرب، فالخادمة وزنها يزيد عنها بمائة أوقية علي أقل تقدير. ذكرته نظرات عينيها بهذا الملاك الصغير الذي رآه في أحد عروض التلفزيون. وتلك الهالة التي تحيط به.
-" ألا ترغبين في قضاء بعض الوقت هنا ، حتى تتعرفي علي جوردي بصورة أعمق؟"
جال بخاطره أحاديث حنا له هو وأخيه روب عندما كانا صغيرين. الرجل المهذب لا يضايق امرأة ولا يحرجها. فقط، هو ليس علي استعداد في هذه الحالة أن يقوم بدور الرجل المهذب. هناك شيء غامض في راشيل كارستيرز، شيء لمس جزءا ما فيه ، جزءا ليس من تلك الأجزاء المتحضرة، جزءا بدائيا لم يلمس أو يثر من قبل.

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:43 PM

الإيمان ... الأمل , والحب
 
-" لا "
كان الرد مباغتاً، كانت آثار اللبن لا تزال حول فمها.
-" لم لا ؟"
كان عليها أن تقول له شيئاً يخرسه، حتى لا ينطق بهذا الموضوع ثانية وخرجت الحقيقة من فيها:
-" هكذا سيكون الحال أيسر".
إذن هذه هي الحقيقة راشيل كارستيرز لا تريد أن تجازف بأن تنمي علاقة متصلة مع جوردي. ولكن لماذا ؟ حررها قرار القاضية من أن تواصل ما كانت تعتزمه ، كما منحها الحق في زيارة جوردي من حين لآخر كما تريد.
إلا إذا........ وتساءل لوك سومرز:
-" إلا إذا كانت أنصاف الحلول لا تتوافق معا. إن لم تحصل علي كل شيء فهي لا تريد شيئاً مطلقاً."
ثم تراجع . لا . إنه لا يظن أن تلك هي الحقيقة. اختلطت تلك النبرة الغريبة بصوتها مرة ثانية، هذا الصوت الذي بدأ يري أنه علامة علي الضغوط التي تعانيها. التفسير الآخر هو أن راشيل كانت خائفة من الانغماس في علاقة مع الطفل الآن . خائفة من الحب.
منتديات ليلاس
وضعت كوب اللبن علي الصينية، ومسحت بظهر يدها آثار اللبن المتبقية حول فمها،ثم تمددت ثانية علي فراشها وأطفأت المصباح . وتمدد لوك علي فراشه ، وفرد أصابع كفيه تحت رأسه. في غضون نصف الساعة ستعود الحياة لتدب في المنزل، فجوردي دائماً يستيقظ في السادسة. صياحه هو غالباً ما يبدأ به لوك يومه. وبعد احتساء وجبة اللبن الأولي يصبح جوردي في أحسن حاله. لو أخبره أحد من ستة أشهر مضت أن صياح الطفل يمكن أن يصنع هذا الفرق، لما صدقه. الآن أصبحت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يبدأ بها يومه. لا شيء في الوجود يحتل أهمية لديه أكثر من هذا الطفل الذي سيتبناه قريباً. أن هذا الطفل يمثل أحلام أخي وآماله. إنه شيء نفيس مقدس. أي شيء في الوجود يأتي بعده في المنزلة. ان المزرعة هي أفضل مكان لينشأ الصبي في ربوعه. الطفل يحتاج إلي الهواء الطلق المتجدد،والي هذا المكان المفتوح المترامي حوله . فلا مجال للندم و لا داعي للتراجع.لقد كان اتخاذ القرارات دائما شيئا سهلا بالنسبة له. حتى ألان . حتى ظهور راشيل كارستيرز. يمكنه ان يدعها ترحل طالما هذا ما ترغب وتود. لكن ما بداخله في أعمق أعماقه ، تلك الرغبة القوية الحميمة التي تدعوه ألا يفعل، ألا يستسلم.
منتديات ليلاس
أخذ لوك يحملق فيها ويتأمل . يمكنه أن يتخلص منها بكل سهولة. إنها تبدو كشيء ضئيل مكوم في هذا الفراش العريض الواسع. وكالعادة شعر بالضيق من الفولاذية التي تبدو عليها . تبدو كأنها تشعر أنها بهدوئها هذا سوف تمر من كل شيء بسهولة وبلا مشاكل. كما كانت تبدو – وفي نفس الوقت – كمن يعاني بشدة . كان ينوي أن يتصرف بهذا الخصوص. " حسنة قليلة يا أهل الإحسان ".
كان يعرف أنها مستيقظة . لا خير في التظاهر ، أخذت راشيل تحاول أن تنقي ذهنها. ما يجب أن تقوله الآن يحتاج إلي شيء من القدرة علي الخداع والتمثيل. ساعدها بزوغ الفجر، منحها شيئا من التشجيع. إضاءة تظهر الخطوط المحيطة، لا تظهر التفاصيل أو الملامح. كان وجهها لا يزال جامد الملامح لا يعبر عن شيء.
-" سأترك عنواني حيث يمكنك العثور علي . إذا حدث أي جديد وغيرت رأيك بخصوص جوردي يمكنك أن تخطرني بذلك". كانت فخورا بنبرات صوتها . مستقلا. باردا. متزنا. "غدا عندما أكون بالمدينة، سأقوم بفتح حساب مشترك بأسمائنا جميعا، سأودع به أموالي. هي ليست بالشيء الكثير ، لكن أرجوك ألا تتردد في استعمالها للصرف علي جوردي . ومن حين لآخر سوف أودع المزيد."


كان يمكنها ان تؤدي الدور الذي أدته الآن دون هذا الاضطراب الذي بدا علي صوتها في نهاية الحديث، ولكنها علي الأقل استطاعت ان تقول ما قالت. هل كان علي الكرة الأرضية امرأة أخري مثلها؟ هذا ما يدور بخلد لوك في هذه اللحظة . كما لو كان الأمر برمته لا يهمها في شيء. هل لديها حياتها الخاصة الأكثر أهمية ؟ هل هذا الذي يدعي توم ينتظر الآن عودتها إلي هناك ؟.
-" حدثيني عن عملك ".
وشعرت أنه لن يجادلها في قرارها.

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:45 PM

الإيمان ... الأمل, والحب
 
-" أنا عضوه في مجموعة من المساعدين الطبيين التي قد تذهب إلي أي مكان قد يحتاج إلينا".
-" كم عدد أعضاء الفريق؟."
-" طبيبان وممرضتان ومساعدان؟"
-" وفي كم من بلد عملت حتى الآن؟"
-" لقد قضيت معظم الوقت في بنجلادش في قري مختلفة منها."
-" وما هو نوع العمل الذي تقومين به هناك ؟"
-" لدينا عيادة عمومية تفتح طوال الأربع والعشرين ساعة، أو أقل قليلاً، بالإضافة إلي ذلك، نحاول تعليم الأهالي بعض المبادئ المبسطة عن العناية بالصحة والنظافة العامة."
ولم تخبره أنهم أحيانا يتحولون جميعا إلي أطباء رغما عنهم. راشيل عالجت من قبل آلاماً ، رتقت جروحاً ومتمزقات ، بل قامت بخلع الضروس والأسنان في بعض الأحيان. عندما يكون الجميع هناك بين الحياة والمعاناة والخوف من الموت، تفعل أي شيء وكل شيء.
-" لا بد أنك تحبين عملك، أنك تعملين لدي أل م. ر. أ . منذ خمس سنوات حتى الآن .كم يبقي الآخرون عادة؟ - في الغالب يبقون عامين أليس كذلك؟"
-" بل عام واحد فقط. أما أنا فقد عملت لمدة أربعة أعوام ونصف فقط، وليس خمسة. دكتور توم اتويل رئيسي بالعمل ، يعمل با ل م. ر. أ. منذ أوائل السبعينات."
رئيسها بالعمل وليس حبيبها . هل تنبئه نبرات صوتها بهذا حقاً؟
-" ألم تفكري بالعودة إلي الديار مطلقاً؟"
الديار؟ لم تجد أبدا مكانا يمكن أن يوصف بهذه التسمية. لم يحدث هذا أبدا في حياتها كلها . طوال حياتها المليئة بالوحدة والخواء منذ أن بلغت العاشرة وحتى الثامنة عشرة لم تصادف إلا لحظة مضيئة لا غير. كان هذا عندما قضت الصيف مع عمتها في وسكونسن : ماري جينيجز، التي أرادت أن تتبناها لكن والدها رفض ذلك غاضباً .خلال هذا الصيف فقط – ومن دون حياة راشيل كلها – عرفت الحب . أما ابنة عمتها هذه كريستينا ، التي تكبرها بعام واحد، فقد أعطتها هذا الإحساس بالصداقة والحب معاً، حيث أخذ نهم راشيل الجائع يغترف كل هذا ويختزنه ليعينها طوال كل تلك السنين التي حرمت فيها من أي حب. كانت كريستينا في غاية الكرم . أشركتها معها في كل شيء: أبويها، حيواناتها الأليفة، ملابسها ودون أي تحفظات. كانت طبيعتها السهلة السمحة هي الشمس التي تفتحت أزهار راشيل علي ضوئها ، تعلمت أن تضحك ، حتى وزنها قد زاد في هذه الفترة . أقسمتا علي أن تظلا أختين إلي الأبد. ولم تتقابلا أبدا بعد ذلك . كانت الرسائل هي الرابطة الوحيدة بينهما.
منتديات ليلاس
أما والد راشيل فقد مات عندما بلغت التاسعة عشرة ، بعد احتفالها بإتمام السنة الأولي لها في بنجلادش مباشرة. بسكتة قلبية مفاجئة ، لقد كتبت لها كريستينا تصف لها ما حدث . اتصل أحد الجيران بالشرطة بعد أن نبهه النباح الثائر لكلبه علي أعتاب دار آل كارستيرز. عثر عليه البوليس ميتاً، واتصل بأخته بعد أن وجد اسمها وعنوانها مقيدين في مذكرة التلفونات. بكت راشيل عندما بلغها النبأ، بكت علي رجل لم يعرف كيف يكون أباً، بكت علي ما يكون فد حدث له . وانتظرت المزيد من الأنباء، أن يكون قد ترك لها رسالة ما يشرح لها فيها ما لم يستطعه أبداً طوال حياته. يفهمها ان كان حقا يهتم بها ويأبه لها . لكنها النهاية السعيدة كالعادة ، اضطرت راشيل مرة أخري إلي إن تعرف الإغراق في الخيالات . لقد كتبت لها العمة ماري تخبرها أنه تم التخلص من الحاجات الخاصة به. لم يكن بها ما يستحق الاحتفاظ به . لم تفكر حينئذ في أية أموال قد يكون والدها المتوفى قد تركها لها . لم يكن أي من هذا يعوضها ما افتقدته من حب.
داومت كريس علي الاتصال بها . كانت رسائلها تصل مرتين أوأكثر قليلاً في العام إلي راشيل ، رسائل مطولة تحدثها فيها كريس عن دروسها في فصول السكرتارية ، وعن الرجال في حياتها. انتقلت إلي كاليفورنيا بعد موت أمها حيث حصلت علي وظيفة بجامعة كاليفورنيا ، في سانت بار برا . ومن وقت لآخر كانت تسأل راشيل أن تعود إلي الديار. يمكنهما أن يقتسما الشقة التي تسكنها. حيث يمكن لراشيل أن تلتحق بالدراسة مرة أخري أو حتى تحصل علي وظيفة بالجامعة. وكانت دائماً ما تنتهي الرسائل بنفس النهايات . الحب والقبلات. حب لا يمكن وصفه.
منتديات ليلاس
لم تكن راشيل بقادرة علي أن تترجم أفكارها إلي كلمات . كانت البطاقات البريدية المختصرة هي وسيلتها الوحيدة الإبقاء علي أبواب الاتصال مفتوحة، لكن الباب إلي مشاعرها كان مغلقا دوماً. كانت تخاف المخاطرة بأن تفشل في علاقاتها بأي شخص ما مرة أخري. ثم التقت كريس بروب سومرز. لقد جاء إلي الجامعة لينهي بعض أوراق ابنة صديق له. وكان الحب من أول لقاء.بعد زواجها ، أصبحت رسائلها أكثر إلحاحا . كانت تريد من راشيل أن تأتي لتقضي الإجازة بالمزرعة، لتتعرف علي عائلتها الجديدة . كانوا أناس رائعين. راشيل سوف تحبهم بالتأكيد. لكن راشيل اختارت ألا تجرب ، اختارت ألا تحاول.

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:48 PM

الإيمان ... الأمل, والحب
 
الإيما ن .. الأمل ، والحب

--------------------------------------------------------------------------------


غرقت في أفكارها ونسيت أن لوك كان ألقي عليها سؤالاً.ما الذي كان يسأل عنه ، ما هو هذا السؤال الذي أعادها إلي قوقعتها هذه مرة أخري ؟ إن حنا وكذلك الطبيب علي حق
.إنها كتلة من الأعصاب المحترقة.
-" راشيل ؟" أخذ لوك يساءل نفسه : " هل غفت مرة أخري؟"
-" إني آسفة . ماذا كنت تقول ؟"
-" ألا تنوين العودة إلي الديار نهائياً؟"
-" ليس لي شيء هنا الآن ."
كانت إجابتها كالطعنة القاتلة له. كانت الأسئلة تعتمل برأسه لكنه ما كان ليسمح لها بالخروج . التعرف علي حقيقة راشيل كارستيرز أن يسبر غورها – لم يكن أبداً ليتم في حديث واحد .الأمر يحتاج إلي أكثر من مجرد فارس يرتدي درعه اللامع ليحل هذا اللغز .كان الأمر بالنسبة إليه علي درجة من الأهمية بحيث يتحتم عليه أن يفعل شيئاً بأسرع ما يمكن. تمدد لوك ثانية فارداً أصابع كفيه تحت رأيه، أي حملة ناجحة يلزمها تخطيط مسبق .
منتديات ليلاس
انتهي جوردي من رضعه اللبن الأولي لهذا اليوم بشهية مفتوحة. ولما تم تغيير ملابسه وتنظيفه ، بدت ابتسامته كالمطر الذي يغسل الورود. كانت بشرته كالحرير. كان يثبت عينيه الداكنتين – التي تشبهان عيني لوك _ علي وجه عمه . ومن حين لأخر كانت تمتد يده لتهدهده مرة أو بعض مرة. كان متعجلاً أن يتم هذا الأمر، يجب أن ينتهي منه اليوم.
-" مهلاً يا بطلي الصغير، مهلاً، " ملاطفاً إياه. " يضرك احتساؤه مرة واحدة".
وبعد بضع دقائق حمل جوردي علي كتفه ، وأخذ يربت عليه حتى تجشأ مرتين ثم تنبه إلي صوت من جهة المطبخ ، فتذكر وجود راشيل . كانت ترتدي الجيب الأحمر مع بلوزة شفافة . كانت تبدو كالمتجمدة . كانت الشمس تسطع في السماء، لكن الترمومتر كان يشير أن الجو قارص البرودة. فغالبا ما يكون بارداً صباحاً في شهر ديسمبر. ارتسمت علي محيا راشيل ابتسامة واسعة عندما وقعت عيناها علي جوردي في البداية. ومض إشعاع من الإثارة أعماها للحظات . ثم عاد القناع مرة أخري إلي مكانه.
-" جوردي ، وأدار لوك وجه الطفل تجاه وجهها " هذه هي خالتك".
لقد قرر استخدام تأثير جوردي عليها . راشيل تحتاج إلي الانتماء. ابن بنت العمة – علي كل حال – قريبة من بعيد، أما مناداتها خالته فهذا يجعلها حتما تشعر أنها من العائلة وأخذ جوردي يتطلع لها عدة لحظات ، ثم دفن نفسه علي رقبة لوك . لقد بدأ الطفل يتعرف علي الوجوه.
-" إنه جميل للغاية".
منتديات ليلاس
وأشاحت راشيل بوجهها بعيداً . ربما هي تفكر الآن في الطقس . لكن تلك الرنة في صوتها تعريها تماماً.
ودخلت حنا عليهم فاستدارت إليها راشيل تحييها بحرارة. نعم أنها تشعر بأنها بأحسن حال الآن، شكراً لكي. لا. لن تستطيع البقاء بالفراش أكثر من ذلك.
-" هل يمكنني تقديم المساعدة في تديم الفطور؟"
وأدركت المرأة العجوز ما كانت تعانيه راشيل من برهة عندما ركزت النظر في وجهها. لقد فهمت تلك الرنة الغريبة فيما وراء كلماتها. إن رعاية طفلين قد جعلت لديها رادار تجاه العواطف المختلفة. ومن فوق خصلات شعر الطفل الحمراء ، أصدرت حنا رسالة صامتة إلي لوك : " لا تتعجلها ."
-" بالتأكيد"، قالتها بحرارة. " جهزي المائدة معي ، من فضلك ياراشيل ستجدين الأطباق في هذا الرف الذي يعلو غسالة الأطباق ، أما الفضيات فهي في هذا الدرج.
كان الفطور يشبه الوليمة في دياموند بار هذه. كورن فلكس مطهو علي البخار، زبد ،كيك ،كريمة ، عصائر، طبق عريض مغطي به البيض والمقانق وأخذت راشيل ترشف من العصير، لم تبد ما يشير إلي أنها ستأكل من الطعام . لقد ساوها الاعتقاد أنها أصبحت من القوة بحيث يمكنها الابتعاد عن ابن كريس. لكن لواعج الحب التي أصابت قلبها لدي وقوع بصرها عليه أخبرتها أنها لم تقترب بعد من النجاح.
-" حنا أشكرك علي كل شيء."
نفضت راشيل ما يعلق بذهنها ، وأحست أن عيني لوك الداكنتين تنظران إليها .
-" إني آسفة، لقد زدت حمل العمل عليك." كانت نظرات حنا كلها تساؤلات.
-" راشيل تود العودة إلي لوس انجلوس اليوم ."
فسر لوك بدون تعليق .
-" أين أعواد الثقاب؟"
منتديات ليلاس
كانت السعادة بادية علي حنا بلا أدني شك للحظات بدت عليها ابتسامة سعيدة، ولمعت أسئلة كثيرة في عينيها.
-" راشيل عليها أن تطلع أحدا في أل م. ر. أ. بمكان وجودها. وهي ربما تغادر إلي بنجلادش غداً."
نقل إليها لوك الخبر برفق وهدوء . لمعت نظراته بتحذير من نوع خاص إليها، وفهمت حنا تماما ما يرمي إليه.
-" هل ستبعثين إلينا ببطاقات بريدية؟"
ولم يبد علي لوك الرضا عما يحدث . إن هذا هو ما تريد. أليس كذلك ؟ أدركت راشيل أنه كلما أسرعت في العودة إلي عملها ، استطاعت العودة إلي حالتها الطبيعية. إنها لا تنتمي إلي هنا. من الغباء أن تفكر في البقاء هنا، أن تدع نفسها تعتقد أنها أي شيء. غير زائرا.. راحلة لا محالة – شيء خطير.
-" تناولي طعامك " قالها لوك بلهجة آمرة.
-" لا أشعر بالجوع.." حتى العصير لم تستطع الانتهاء منه.
-" في الواقع أنني لو استطعت إلحاق بأحد الاوتبيسات المبكرة إلي لوس أنجلوس ، لأمكنني زيارة أحد الأطباء هناك فأوفر لك شيئا من الوقت ."

الشجرة الطيبة 24-07-09 09:58 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
فأوفر لك شيئا من الوقت ."
أخذ لوك يفكر في كومة الورق التي تنتظره ، وفي الرسالة العاجلة التي تلقاها علي الكمبيوتر الخاص به تخبره بضرورة الاتصال السريع بالمكتب الرئيسي، و.... تلك العيون الرمادية التي تعاني الألم.
-" ليس لدي ما يشغلني اليوم . لن تغادري حتى يراك دكتور كنتون. والآن هيا تناولي طعامك ."
ووضع شيئاً من الكورن فليكس في أحد الأطباق ، وقربه أمامها. وتناولت راشيل ملعقتها . كان الطبق مملوءا بالزبيب والمكسرات اللاتي تختفي هنا وهناك. عندما وضعت الملعقة بالطبق أحدثت دوياً عالياً. كان لوك يهمس بشيء إلي حنا واتجهت عينا راشيل إلي جوردي . كان مشغولاً بتلك الخرزات التي تنزلق علي حامل لتعليم الحساب والعد. ثم أحدث دوياً عالياً عندما صرخ منتصراً. فقد أفلح في الإمساك بأحدي الخرزات البلاستيكية، وأعقب تلك الصرخة الكثير من الثرثرة. ورق قلب راشيل أنه لعزيز ، عزيز إلي قلبها حقاً.
-" لم يكن سيئاً للغاية، أليس كذلك ؟"
منتديات ليلاس
كان صوت لوك يشبه صوته عندما كان بالمحكمة . ونظرت إلي طبقها . كان فارغاً تماماً .وأخذ لوك يعمل في تقطيع الكيك في هدوء. لقد رأى تلك النظرة التي تلقيها علي جوردي. كان العطف بادياً. لماذا تخفي راشيل شعورها نحو الطفل؟ لن يسمح لها بالرحيل قبل أن يعرف ما تخفيه في طيات نفسها.
-" حنا ، هلا اصطحبت راشيل في جولة لكي تري المكان من الخارج، لدي مكالمة هاتفية أقوم بها قبل أن نذهب إلي سانت بار برا. سوف آتي بمعطف لها كي ترتديه."
وعاد بعد دقيقة بمعطف أزرق.
-" أنجيلا دائما تحتفظ بمعطف إضافي هنا، هذا سيناسبك أكثر من معاطفي."
وتجاهل يدها الممتدة لتأخذ المعطف منه. وأخذ يلبسها إياه ثم دار حولها واخذ يربط أزراره بنفسه ، ودب الدفء في أوصال راشيل ، باديا علي محياها.
-" استطيع أن أقوم بذلك."
إذا بقيت مدة أطول هنا فسوف تصبح أكثر المخلوقات في قلة الحيلة – كما يظن هو عنها.
-" أعلم ."
وعادت إليه تلك النظرات القوية المهيمنة. أخذت راشيل تفكر كيف كان حكمها عليه خاطئاً . ووصل إلي الزر الأخير فأحكم إغلاقه. أخذ ينظر إليها ، ثم أزاح خصلة من الشعر كانت تسقط علي وجهها،كان كمن لاستطيع أن يسيطر علي نفسه.
شرفة فسيحة وثلاث درجات من السلالم، كانت تفصل ما بين الدار وتلك المساحة الواسعة من الخضرة التي تحيط بالمكان. والتلال الخضراء تطل من الأفق، من جميع الجهات. استطاعت راشيل أن تلمح عليها هنا وهناك قطعاناً من الماشية ترعى.
-" مؤكد أن كريس أخبرتك أننا كنا نعيش منعزلين في سانتاإيز تلك المرتفعات التي تقع خلف هذا التل..." – وأشارت حنا إلي منطقة غابات تظهر علي الجانب الآخر من الدار- "... هي القرية. بجوارها تقع أطراف المزرعة وبعض المزارع الخاصة الصغيرة . وبالجانب الآخر ، يوجد ما نطلق عليه هنا مساكن المساعدين، منتشرة هنا وهناك حول المزرعة . هذا القريب إلينا هو منزل مدير المزرعة جوان رودريجز، المدير ، وهو أخو زوجي . أما تريزا التي رأيتها بالأمس ، فهي زوجته وإنجيلا هي أبنتهم وميري ، التي تساعد معنا بالدار، فهي ابنة عمي . أنا تزوجت أخا جوان الأكبر كارلوس، عندما كان عمري ثمانية عشر عاماً. ولقد توفي كارلوس من خمسة أعوام عندما سقط من علي حصان كان يركبه. ومنذ ذلك الحين عشت في أحدي تلك المزارع الصغيرة، شبه متقاعدة، حتى حادثة يوليو "تموز" الماضي."
منتديات ليلاس
لم تكن راشيل بحاجة لمن يخبرها أن حنا قد تركت تقاعدها متطوعة. فهي لم تكن بالتي تتخاذل في تحمل مسؤولية رعاية ابن روب أكثر من أي شخص آخر.
-" وهل لك زمن طويل هنا بهذه البلاد؟"
-" نعم. لقد أتيت من الدنمارك عندما كانت سني خمسة عشر عاماً، كي أعيش مع أختي المتزوجة في صولفنج. بعد ذلك بعامين رأيت إعلاناً عن وظيفة شاغرة لطاهية في دياموند بار، كان ذلك بالصحيفة الأهلية، وتقدمت للوظيفة ، لم أكن أعرف شيئاً البتة عن طرق الطبخ الأمريكية، ولكني تعلمت . وسرعان ما التقيت بكارلوس. لم ينغص علينا معاً طوال الأعوام الاثنين والخمسين التي تزوجنا فيها سوى أننا لم نرزق بأولاد، وكان روب ولوك وكأنهما وجدا ليخففا عني هذه المشكلة."
وبدأت الدموع تبلل عيني حنا بعد أن وصل بها الحديث إلي هذا الحد، ثم أكملت حديثها:
-" أما والد لوك فهو يعيش حالياً في أريزونا، ولقد زار ابنه أربع مرات منذ وقوع الحادث ، وعرض عليه أن ينتقل ليعيش هنا إن كان انتقاله سيساعد ابنه، لكن لوك لم يدعه يفعل شيئاً من ذلك. كان حزنه يزيد كلما جاء إلي هنا حيث ذكريات ابنه الراحل. لقد أقنعه لوك أن كل شيء يسير هنا علي خير حال . وقام بإلحاق إنجيلا وماري للمساعدة في أعمال الدار، وهكذا أصبح كل وقتي مكرساً من أجل جوردي. مع إني ما زلت أحن دائما للقيام بأعمال الطبخ."
منتديات ليلاس
وسرحت راشيل بناظريها مع التلال وتلك الهالات من الشبورة المائية التي تغطي المكان بغلالتها. ما أعجب هذا القانون الذي جعل من الرجل أبا رائعاً هكذا، والأب الآخر كان يمثل فشلاً ذريعاً؟ أخذت تتأمل الطريقة التي كان لوك يحمل الطفل بها ، يحتضنه ، يلبي له حاجاته ومتطلباته. لا مراء في ذلك، أحضانه وقبلاته كانت كلها تصريحاً عن إحساسه الحقيقي تجاه ابن أخيه. هناك شيء مؤكد لا شك فيه _ إن جوردي لن يفتقر إلي الحب أبداً هنا. أما حقيقة أنها لا تستطيع أن تري ابن كريس مرة أخري ، فهذا لا يهم.
-" هل أنت جاهزة؟"
واقتحمت عينا لوك وجه راشيل، التي أخذت تخفي الاحمرار البادي عليه الدموع، لقد أتي بهدوء، فلم تحس بوجوده غلي جانبها. إنها جاهزة الآن أكثر من أي وقت مضي. كان لوك يحمل حقيبة يدها والحقيبة الأخرى الخفيفة التي كانت معها . كانت قد نسيت كل شيء عن هذه الحقائب. ما الذي تعلمته من قبل بخصوص الحقائب والوزن الزائد، عندما كانت تستعمل القطارات في الهند؟ حقائب أقل راحة أكثر. إن السفر في حد ذاته لمتعة بالتأكيد، إنها مؤهلة تماما أن تكون شيئاً ما كالفأل الحسن! لا وزن زائد. لا حمولة أضافية. مادية أو معنوية-" أنا بحاجة إلي...."
هذا هو العذر الوحيد لديها كي تدخل إلي الدار مرة أخري .
وغمغم لوك:

الشجرة الطيبة 24-07-09 10:02 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
-" سأكون منتظراً هنا."


كان جوردي يلعب في حجرته. عند رجوعها من الحمام ، رمقته لجزء من الثانية. كانت حنا تقف خلفها. وانحنت راشيل علي الطفل، وطبعت قبلة غلي خده .هذه هي احدي الذكريات التي لن تنساها. وتمتم جوردي " جاجا" وهمست راشيل" أحبك".


عند رحيل راشيل ، لم يلاحظ لوك الاضطراب الذي كانت تعانيه عندما ابتعد بهم عن المزرعة في شاحنته الزرقاء. أخذ يتحدث عن المزرعة ، وكيف أن جده قد نزح إلي هنا- إلي الغرب في أحد قطارات البضاعة أيام البحث عن الذهب.


-" لم يعثر علي الذهب، لكن الأرض والطقس ابقيا عليه هنا . حصل علي ألف دونما من الأرض. رفض أن يزرع الكروم. وفضل تربية قطعان الماشية والخيول."

منتديات ليلاس
كانت راشيل سارحة ببصرها من خلال النافذة منذ أن تركوا المزرعة . عادت إليها تلك النظرة المتحجرة . شعر لوك بشيء من الرضا ، إذن فراقها لجوردي يحز في نفسها. كان يريد أن يتأكد من ذلك.


-" جدي الأكبر – جاسبر- رزق بابن واحد : روبرت ، ثم أكمل بهدوء :


-" جدي روب كان لديه ثلاثة أبناء، ابنتان وولد واحد – أبي جوردون – كل من عمتي رجعتا للشرق للدراسة في الجامعة. إحداهما تزوجت بأحد المزارعين في فرجينيا والأخرى ذهبت إلي استراليا . أما أمي فقد كانت ابنة احد أصحاب المزارع التي تجاورنا. كانت تقول أنها قررت الزواج بأبي منذ كانت تبلغ العاشرة من عمرها. ومرت عشر سنوات أخري حتى تقدم إليها أبي طالبا الزواج منها . كانت أمي مولعة بنقاء السلالات . فبمجرد زواجها بأبي تقدما بعرض إلي جدي لتحويل دياموندبار إلي مزرعة للتربية والتدريب، تقدما إلي بهذا العرض وهما يرتجفان . ألقي جدي بنظرة واحدة علي العرض وأخبرهما أنه إذا كتب احد منهما تقريراً وافياً عن هذا الموضوع فمن يعلم؟ قد يخرج هذه الفكرة إلي حيز التنفيذ. ولقد مد الله في عمر جدي حتى رأي دياموند بار تتحول إلي مزرعة من أرفع مزارع تربية السلالات النقية للخيول ..
منتديات ليلاس

أرفع مستوي في الولاية كلها."


كانت عيادة دكتور كنتون تقع بمدخل المدينة. انتحت الممرضة براشيل جانباً لإجراء بعض الفحوص اللازمة . ثم قام دكتور كنتون بالكشف عليها. بعد ذلك دخلت إلي مكتبه ، حيث كان يتجاذب أطراف الحديث مع لوك.


-" آنسة كارستيرز حالتك ليست سيئة".


كان الرجل المسن يخفي ابتسامته. كان بشعره الأبيض وبشرته المشوبة بالسمرة أشبه بالمزارعين أكثر من أن يكون طبيباً .


-" لكنها ليست جيدة كذلك."


-" مم أعاني؟"


كانت دائماً تهتم بحالتها الصحية.


-" هل أصبت بأي نوع من المرض حديثاً؟" فكرت راشيل قليلاً :


-" لقد أصبت بالدوسنتاريا في الصيف. ولكني شفيت منها سريعاً."


وأخذ دكتور كنتون يتصفح التقارير التي أمامه .


-" حسناً ، لكنه من الواضح أن جسدك لم يبرأ تماماً ، إذ إن نسبة الهيموجلوبين لديك تعتبر منخفضة. ولا أعتقد أن حالتك تسمح لك الآن بالعودة إلي بنجلادش."


-" حالتي لا تسمح الآن..."


وأخذت راشيل تحملق في الرجل غير مصدقة،


-" لا بد أن هناك خطأ ما... اخشي أن ثمة خطأ هناك."


-"إنك تحتاجين إلي الراحة، والاسترخاء والمزيد من الراحة. سأقوم بكتابة نوع من الفيتامينات وبعض الأملاح المقوية التي تلزمك . وإذا شيء جديد بعد التحليلات المعملية، فسنخطرك به. أما إن لم يظهر شيء آخر فاني أريدك أن تأخذي الأمر بسهولة، وأن تعودي إلي مرة ثانية أكثر قوة ، ومما علمته عن خلفيتك العلمية والعملية ، فأنا علي ثقة انك سوف تراعين أن يكون طعامك محتوياً علي الأملاح التي تلزمك بكثرة. فلتضمني طعامك المزيد من المعادن والأملاح.

الشجرة الطيبة 24-07-09 10:04 PM

الإيمان... الأمل , والحب
 
كانوا في طريقهم عائدين إلي المزرعة قبل أن تدرك راشيل وجهتهم التي يتجهون إليها. وفهمت مسز كيلي تلك الإيماءة الخاصة. التقطتها وهم في طريقهم للخروج من العيادة.


لماذا نحن عائدون إلي المزرعة؟"


لو كانت ذاكرتها قد أسعفتها جيداً لأدركت أن تلك الإيماءة تعني أنهم قد قطعوا نصف الطريق لما يرمون إليه ويبتغونه. حسناً، لأول مرة لا يتصرف لوك سومرز بأسلوبه المعهود. كان عليه أن يغير مساره وأن يلف في دوائر – حتى استغرق ذلك اليوم بطوله كي يعودوا إلي الدار. لم يتكلم كثيراً منذ خروجهم من العيادة . الآن التفت إليها.


-" لقد سمعت ما قاله الطبيب. إنك بحاجة إلي الاسترخاء والراحة."


-" أستطيع أن أجد الراحة في لوس انجلوس."


لقد أدهشها التشخيص ؛ ذلك لأن إل م. ر. أ. تهتم دوماً بالكشف الدوري المنتظم علي موظفيها . وبعد كل ما مر بها خلال الشهرين الماضيين في بنجلادش ، لم يشر توم إليها عن حالتها الصحية ، بل إنه في شهر سبتمبر- أيلول – أخبرها أنها بحالة جيدة.


-" في حجرة بأحد الموتيلات ؟"


أنبأتها نبرات لوك عن رأيه في مثل هذه الأماكن . أخذت تسترجع هذا اللون الأصفر الكريه علي تلك الأرضية التي يختلط فيها اللونان البني والأخضر، أدركت راشيل أنها هي نفسها غير حريصة علي تنفيذ هذه الفكرة.


-" إن رئتيك بحاجة إلي الهواء النقي، وليس إلي عادم السيارات."


-" إن إل مز ر. أ. لها دار ضيافة .. أستطيع النزول فيها."


-" حنا لن تسامحني أبداً أن تركتك ترحلين وأنت علي هذه الحالة."


-" لا أستطيع أن أثقل عليك أكثر من ذلك."


لم يحر جواباً . وأخذت راشيل تفكر في هذا الواجب، لعله يظن أنه من واجبه أن يعود بس مرة أخري إلي المزرعة.


-" لوك يجب أن أذهب إلي لوس انجلوس اليوم."


كان الرحيل شيئاً ضرورياً وسألها بتعقل:


-" لماذا ؟ إنك لن تغادري البلاد بمجرد نزولك إلي لوس انجلوس ، ودياموندبار مكان جيد للإقامة كغيره."


-" لا أستطيع العودة ."


بل تستطيعين."


إنه لا يعلم شيئاً. إن هذا الرجل الكبير يظن أن الحياة تمضي سهلة مرتبة سعيدة.


-" لا."


-" بل نعم."

منتديات ليلاس
مطت راشيل شفتيها، ثم أخذت تنظر من نافذة السيارة بإحباط. إنها لا تريد أن تفقد أعصابها أمامه الآن. إنها تعاني بما فيه الكفاية، هذا النوع من الرجال الصعب المراس يجب أن يؤخذ بالهوادة.. لا تفلح الشدة معه مطلقاً . هل يوجد علي وجه الأرض من يفعل ذلك؟


-" حسناً، أنك تخشين المواجهة."


لم تصدق راشيل الكلمات التي سمعتها.


-" هذا هو التفسير الوحيد."


ودون أي تفسير ، امتلأت عيناها بالدموع. لقد كان يعلم أنها تحاول الهرب. لم يكن هناك أحد غير كريستينا ، يستطيع أن يعلم ما يدور بداخلها . لم يهتم مخلوقا من قبل بأن يحاول ذلك. لوك سومرز يبسط أمور الحياة . ربما هو علي حق . ربما آن الأوان أن تواتيها الشجاعة فتجرب السعي وراء السعادة. إنه جزء دفين من قلب راشيل ، جزء ظل لسنوات مغطي بطبقات كثيفة من الرفض، جزء انفتح أخيراً ليمتلئ بالأمل يأخذ طريقه إليه . أخذت تنظر إلي التلال . لقد انقشع الغمام الذي كان يغطي كل شيء. وأشرقت الشمس تحتضن الوادي بأكمله كما لو كانت ملاكه الحارس.





نهاية الفصل الثالث

justangel 25-07-09 09:38 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

justangel 25-07-09 09:43 PM

PLZ KMELEHA BSOR3A AND DON`T MAKE US WAIT FOR LONG

justangel 25-07-09 09:45 PM

THANK U SOOOOOOOOOOOOOOOO MUCH SWEETY

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:04 PM

اشكر لك مرورك الجميل justangel

هذا الفصل الرابع لعيونك

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:12 PM

الإيمان... الأمل , والحب
 
الفصل الرابع

أدركت راشيل في اللحظة التالية أنه لا ينبغي أن تترك نفسها لتنخدع بهذه الرقة البادية.إن كل ما يقدم إليها ، من تعبير عن الحفاوة والترحاب لا يفتح أمامها إلا باباً من المشاكل و المعاناة.
-" فقط ليوم أو يومين"
أحياناً يجب علي المرء أن يستسلم في إحدى الجولات حتى يحرز النصر النهائي في المعركة.
-" كما تشائين ".
-" ولكني أحتاج إلي بعض الملابس."
كان ردائها الأحمر قد تم غسله وكيه فعلاً ولكنها لن ترتديه إلي الأبد ، لو كان حوارهم هذا قد تم مبكراً بعض الشيء لكانت قد ابتاعت بعض حاجاتها من المدينة . لكن الأوان قد فات الآن . وأومأ لها لوك برأسه إلي مؤخرة السيارة . فاستدارت راشيل لتري زوجاً من الأكياس البلاستيكية بجوار أكياس البقالة الموضوعة بالمؤخرة. كانت الأكياس تحمل اسم أحد متاجر الملابس النسائية المعروفة. لقد ابتاع لها ملابس، وأحست راشيل بشيء من الحرارة يدب في أوصالها علي غير المتوقع.
منتديات ليلاس
-" لقد ابتعت لك بعض الأشياء."
لم تكن نبراته تعبر إلا عن جانب أكثر إشراقاً بداخله.
-" تستطيعين أن تختاري بقية ما يلزمك من الكتالوجات. عندما تتحسن حالتك سوف نتوجه إلي لوس أنجلوس ، كي نقوم بجولة شراء حقيقية".
واهتزت أنفاس راشيل بداخلها . عندما تتحسن حالتك. جولة شراء حقيقية. إن كلماته لأكثر مما تحتمل. استقرار، دوام، أبدية. إن هذا لمستحيل. عليها أن تتذكر أن إقامتها في دياموند بار شيء مؤقت، إنه حقاً رجل صعب المراس. إن فكرت في أي شيء آخر يكون هذا ضعفاً منها ، وراشيل قد طبعت دائماً علي ألا تضعف. حتى من قبل أن يولدوا . الحياة تكون أقل تعقيداً هكذا . بضعة أيام أخري في دياموندبار ثم ترحل. كانت حنا سعيدة بموقعها من خلفها.
منتديات ليلاس
-" سوف نعتني بك جيداً." كانت تعدها وابتسامتها تكاد تغلق عينيها تماماً،
-" في وقت قليل جداً سوف تصبحين بخير حال."
بابتسامة ضعيفة رفضت راشيل الدعوة إلي فنجان من الشاي وقطعة من الحلوى.
-" بعد إذنك، سوف أذهب إلي حجرتي لبعض الوقت".
-" بالتأكيد، لا بد أن الطريق أرهقك."
لقد تقدم لوك خطوة نحوها ، بينما تراجعت راشيل مسرعة، خائفة من رعايته لها واهتمامه بأمرها، خائفة من رغبته في الاحتفاظ بها معهم. كانت عيناه تنطق بما يقرأ ما بداخلها بوضوح:
-" دعيني أريك حجرتك."
-" إني أعلم أين توجد حجرتي".
هل أخبره الطبيب بشيء آخر لا تعلمه؟
-" لا، هذه حجرة الضيوف ."
وقادتها يد لوك الدافئة إلي الجهة المقابلة.
-" سوف تكونين أكثر راحة في هذه الحجرة."
لم تتنبه لنزولها إلي البهو الرئيسي ولا عند دخولها لهذه الحجرة الكبيرة اللامعة. كل ما كان يدور بخلدها هو هذه الحرارة التي صارت تدب في أوصالها.
-" إنني بخير حال حيثما كنت".
وأكمل لوك حديثه كأنما لم يسمعها :
إن جيسون يستعمل حجرة الضيوف عندما لا أكون موجوداً بالدار. وأحياناً تقضي أنجيلا الليل هنا معنا. أما هذه الحجرة فإن بها تليفوناً وتلفزيوناً خاصاً بك، وهناك حمام خاص مرفق بها، كما أنها تطل علي منظر رائع."
إن بها أيضاً صوانا للملابس بحجم الجامبو فردت :
-" شكراً لك."
وأضاف لوك:
كوني علي راحتك تماماً . أي شيء تحتاجين إليه اطلبيه فوراً من حنا. هناك من يذهب يومياً إلي المدينة. كل ما يلزمك هو أن تكتبي لحنا قائمة بما تريدينه فيكون عندك في نفس اليوم".
-" شكراً لك".
وشعرت أنها أصبحت تتمتم بنفس الكلمات، لكن لم يكن هناك شيء آخر يمكن أن يقال. كان لوك مهيمناً لا يمكن مقاومته. كان نوعاً لا قبلة لها بمواجهته.
ثم قال لها كالمقترح:
-" اخلدي إلي بعض النوم حتى يحين وقت الغداء . ماري سوف تأتيك بالصينية إلي هنا. يوم آخر بالفراش لن يضر."
وانصرف قبل أن تخبره أنها بخير حال. كانت حاجاتها قد وضعت بالفعل في الحجرة، أتت بها ماري. كانت الحقائب البلاستيكية تحتوي علي ستة أطقم من الملابس الداخلية، بنطلونين من الجينز، بلوزة بياقة وأربع بدون ياقة ، فستانين للسهرة ، روب ، زوج من السويترات ، وجاكتة من النوع السميك. ملابس أكثر مما يمكن أن تبتاعه لنفسها في مرة واحدة مطلقاً.
منتديات ليلاس
وجربت راشيل بنطلوناً من الجينز وأحد السويترات . ثم لاحظت وجود حقيبة أخري لم تنتبه إلها من قبل ، كان بها زوج من الأحذية الرياضية ، وزوج من الشباشب. ووجدت في قاعها الشبشب الذي كانت حنا قد أقرضته لها من فبل. وكأنما أرادت عاملة المنزل أن تضيف بعض الطرافة بأن تذكرها أن الشيء الوحيد الذي يتشابهان فيه هو مقاس أقدامهما. إذن فقد كان لوك متأكداً تماماً أنها ستعود معهم، وإلا لما أخذوا شبشب حنا ليبتاعوا لها واحداً علي مقاسه. ولا بد أن لوك قد ابتاع هذه الملابس حتى قبل أن تكتمل الاختبارات وتحصل علي النتيجة من الدكتور كنتون. إذن كيف يحتمل أن يعلم ما سيقوله لها الطبيب ؟ إلا إذا.....؟
وهزت راشيل رأسها . لا . إنها لا تشكل مثل هذه الأهمية لدي لوك حتى يلجأ للحيلة كي تبقي معهم. ولا يمكن أن يخادع دكتور كنتون في تشخيصه للحالة.
-" هل أرتب لك هذه الأشياء؟"
وأخذت راشيل تحملق في ماري التي أتت حاملة كوباً من العصير.
-" لا . أشكرك."
ثم قالت كمن تخشي أن تبقي ماري أكثر من ذلك:
-" سأقوم أنا بهذا العمل فليس لدي ما أقوم به علي أية حال."
وتركز بصر راشيل علي زوج الشباشب الجديد بينما تركت ماري كوب العصير علي طاولة من طراز الملكة آن ، ثم تركت الحجرة . ناعم وجميل الشكل ، زوج الشباشب هذا يناسب تماما ثوبها الأحمر، أخذت تتأمل تلك الخطوط الزرقاء التي تزركشه. لم يبتع لوك أول شيء وجده ، لقد أخذ وقتاً حتى ينتقي لها أشياء تتسم بالجمال والأنوثة. كما لو كان يعلم أنها في أعماقها تتمني اقتناء مثل هذه الملابس. كما لو كان يعلم أنها لم تقتن مثل هذه الأشياء الجميلة. وبلمحة سريعة ألقت راشيل ببصرها علي الحجرة وعلي ورق الحائط ذي الزهور الوردية علي تلك الخلفية بلون الكريم، هذا الغطاء الساتان الذي يغطي فراشها، الأثاث الفخم ذي الألوان الداكنة، إن

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:15 PM

الإيمان... الأمل , والحب
 
كل هذا يلاءم أثوابها الجديدة، ويجعلها أكثر تخوفاً من ذي قبل . يبدو أن صاحب دياموند بار قد عمل حسابه علي أنها ستبقي هنا بصفة دائمة. أخذت راشيل تفتح دفتر شيكاتها وتدور بالحجرة. إنها إن دفعت ثمن تلك الأشياء إلي لوك في الحال يكون ذلك الخطوة الأولي في لها لإثبات استقلاليتها.
وأجاب لوك علي النقرات الخفيفة علي الباب من فوره. رد بسعادة:
-" تفضلي يا راشيل".
منتديات ليلاس
فدفعت الباب داخلة ، نظر جوردي إليها وقام يمشي بخطواته المتعثرة، مستنداً علي عمه، وابتسامته تعكس براءته المحببة وتغلغل الألم داخل راشيل يهزها هزاً، هذا آخر ما كانت تتوقعه، ومدت يدها إلي الطفل . أبقت نظراتها علي وجه لوك وقالت:
-" أشكرك علي الملابس، هلا أخبرتني كم تكلف شراؤها، حتى أحرر لك شيكاً بالمبلغ".
كان الجينز والسويتر الأحمر اللذان اشتراهما لها ضيقين بعض الشيء عليها، بدا المقاس لا يناسبها . أثار الرباط البيض علي رقبة السويتر انتباه لوك إلي رقبتها الطويلة . كانت تلصق دفتر الشيكات علي صدرها كما لو كان درعاً يحميها، وجعله مشهدها يبتسم. كانت أشبه بإحدى الجواري الحسان تواجه سيدها. حركة واحدة وتكون عرضة للافتراس.
-" هل ناسبتك المقاسات ياراش؟"
شهقت شهقة مفاجئة.
-" راش؟"
إنه يريد زيادة التقرب، أنه يبغي ما تتفاداه هي بأي ثمن.
-" نعم تناسبني تماماً."
ووضعت يدها في خصرها واستدارت يمنة ويسرة كموديل تستعرض زياً ترتديه. أدرك لوك أنه لو أنتظر أن تقول أي تعليق آخر ، فلسوف ينتظر بقية حياته. إن اسم التدليل هذه – راش – يناسبها تماماً. يوماً ما سيخبرها أن معني تلك الكلمة في الإنجليزية العتيقة هو الجارية الحسناء. وإنها تذكره بإحداهن.
-" تعالي ، سأريك أين أقوم بعملي."
ودخلت إلي غرفة فسيحة، حيث كان هناك مكتب بجوار النافذة قد امتلأ بالأجهزة . بدا جهاز الكمبيوتر الخاص بلوك بالغ التعقيد ، إذا ما قارنته بصورة أجهزة الكمبيوتر التي تشاهدها في المجلات التي تصل إلي موظفي إل م. ر. أ. بالخارج. أكوام من الأوراق كانت موضوعة بأحد أركان المكتب، أما آلة الطباعة الخاصة بالكمبيوتر فقد كانت تقوم برسم بعض الرسومات البيانية. بالجانب الأخر من الحجرة كان هناك مكتب آخر ضخم، كان خلفه كرسي جلدي يضم كل من لوك وجوردي.
منتديات ليلاس
والتقط لوك إحدى زجاجات العصير مناولاً إياها لجوردي. إن نظرة الحنان الدافئة التي كانت في عيني لوك وهو يشاهد الطفل يشرب عصيره،قد جعلت الدموع تنساب من عيني راشيل . فابتعدت عنهما لتخفيها ، واستدارت للجهة الأخرى تجاه الحائط المقابل . كان مغطي بالشهادات المعلقة عليه. هارفارد. حصل لوكاس جاسبر سومرز علي درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر من هناك. شهادة أخري في إدارة الأعمال . إنها لا تتذكر حتى أين وضعت شهادتها الجامعية. علي الجدار الآخر علق لوك لوحة زيتية وحيدة. لمحارب هندي يمتطي صهوة جواده.
-" لقد كنا نأتي إلي هنا في صغرنا لنجلس علي ركبتي جدنا روبرت "،
كان لوك يتكلم من الخلف،
-" يوماً ما أخذ لوك ينظر إلي هذه اللوحة قائلا ، جدي إني أريد هذه الصورة ، ورد عليه الجد روبرت: يا بني، إنها إحدى معالم دياموندبار ، ويوماً ما ستصبح لك. كان هذا غريباً"

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:17 PM

الإيمان...الأمل, والحب
 
ثم ساعد لوك جوردي علي التجشؤ، وأخذ ينظف حول فمه ، وأجلسه علي السجادة . أخذ الطفل يلهو ببعض اللعب المتناثرة في أحد الأركان.
-" في ذلك الحين كان روب هو الذي يريد إدارة شؤون دياموند بار . كنت أستطيع القيام بهذه الأعمال، فقد تعلمت أنا أيضاً كل شيء عن أصول التربية والتدريب والاحتفاظ بنقاء السلالات. لكني في هذه الفترة كنت مشغولاً أيضاً بدروسي في الرياضيات وعلوم الكمبيوتر."
-" وهل كان والداك يمانعان في ذلك؟"
-" لا. لقد كانا يشجعانني بنفس مقدار تشجيعهما لروب . إني أتذكر كيف كانا يقضيان الساعات في مساعدتي في دروس الرياضيات بالمدرسة، إنهما حتى قد أرسلاني إلي أحد المعسكرات الصيفية للدراسة. كان اهتمامهما بحل مسائل الرياضة معي ، بنفس مقدار اهتمامهما بالحديث عن أصول التربية مع روب. لم أكن أشعر أبدا إن كان اهتمامهما بأعمال روب يفوق اهتمامهما بما أميل إليه ؟ وإلي الآن يتصل بي والدي فيقول: كيف أحوال عملك ، يا بني؟ ثم يتحدث معي بعد ذلك عن شؤون المزرعة."
أخذت راشيل تبتلع ريقها. إن لوك لمحظوظ أن يعيش هذا الحب والتفاهم. استطاعت الآن أن تفهم تصرفاته التي قام بها. فمن جانبه كان ما يفعله شيئاً طبيعيا وليس تضحية يقوم بها. فطبقاً للظروف التي عاشها تكون تصرفاته تلك شيئا عادياً جداً.
منتديات ليلاس
-" ولم اتجهت إلي علوم الكمبيوتر؟"
-" إنني لم أبدأ بالاهتمام إلا في آخر سنة لي في الجامعة. بدأت أستخدم تلك الحاسبات في الرياضيات، ولكن مع الوقت أصبحت بالنسبة لي متعة أن أتعرف إلي القدرات الأخرى التي يمكن الاستفادة بها عند استخدام هذه الحاسبات. فاشتري لي والدي حاسباً منزليا، وهكذا التصقت بها إلي الأبد. إن هذا المجال مشحون بالتحدي والإثارة، ولا حدود فيه لللأبتكار والتجديد."
شيء ما أخبر راشيل أن لوك سومرز رجل مفتون بالتحدي والإثارة.
-" وماذا كان نوع عملك قبل الحادث ؟"
-" الشركة التي أعمل بها هي أ ل ل. ج. م. التي تنتج برامج الكمبيوتر . في منصبي السابق كنت أجوب أنحاء الولايات. يوم في كل بلد، حيث القي محاضرات عن استخدامات الحاسبات الآلية الشخصية وتطبيقاته علي الإدارة المالية باستخدام البرامج التي نقوم بإعدادها."
-" والآن؟"
كان يمتلك كل مواصفات المحاضر الناجح: الصبر، التفهم ، الدفء_ بالإضافة إلي الشخصية الديناميكية.
-" إنني الآن أقوم بأية تعديلات علي برامج الشركة وفقاً لمتطلبات الشركات التي تستخدم هذه البرامج."
-" وهل كان من الصعب عليك التخلي عن منصبك السابق مع ما كان يصاحبه من أسلوب خاص في المعيشة، والانتقال إلي هنا؟"
لقد سمعته يجيب عن سؤال كهذا أثناء المحكمة ، وتسللت نظراته إلي ابن أخيه ، الذي ألقى بإحدى لعبه بعيداً وأخذ يحاول إمساك أخري.
منتديات ليلاس
-" لقد كنت أعيش في لوس انجلوس لأن عملي يتطلب ذلك. كان علي أن أقوم بالسفر لمرات عديدة، لذلك كان من المناسب أن أسكن بالقرب من مطار لوس انجلوس. وطالما أنني استطيع أن أواصل العمل الذي أفضله ، فإني أفضل المعيشة في دياموندبار علي أي مكان آخر بالعالم."
لم يذكر لها كم كان متعبا أن يظل في سفر وترحال طوال الوقت، وكيف أن حجرات الفنادق المنعزلة تشعر المرء بوحدته، وكم تصبح أمسيات العمل المتكررة مبعث ضجر وسأم، إنه الآن يريد حياة مختلفة عن كل هذا. دار ثابتة ، امرأة يشاركه فيها ، جوردي وربما المزيد من الأطفال.
-" لقد ذكرت محاميتك أنك قد تخليت عن ترقيتك لمنصب نائب المدير لتبقي بجوار جوردي. هل شعرت بالندم بعد ذلك؟"
وزمت راشيل شفتيها ، كانت تبدو الآن كإحدى مذيعات التلفزيون تقيم حواراً مع مسئول .
وفرد لوك أصابع كفيه وتراجع متكئا علي كرسيه.
-" لقد فكرت جيداً في القرار قبل اتخاذه، أخذت أقيم كل ما يترتب عليه من نتائج، ونحيت جانبا أي مؤثرات جانبية. وما إن اتخذت قراري ، حتى نفذته، ولم أنظر أبدا إلي الوراء لأراجعه مرة أخري."
أما أنه كان قويا صلباً، فهذا ما قد علمته عنه بالفعل. وأما أنه لا يشبه أياً من الرجال الذين كانت التقت بهم من قبل، فهذا ما قد بدأت تكتشفه الآن. ولكن هناك شيء آخر يجب أن تقوله. الأفضل أن تطرق هذا الموضوع فوراً.
-" إني... إني جد آسفة أن استدعيتك في المحكمة للحصول علي وصاية جوردي."
التفت رأسه إليها بسرعة . ونظرت أليه راشيل ، نظرت إلي عينيه مباشرة رغم دقات قلبها التي علت:
-" إنك أنت ودياموند بار الأفضل له بالقطع."
-" ولم فعلت ذلك يا راش؟" فرفعت إحدى كتفيها:
-" لقد ظننت أنني بذلك أسدد لكريس ما أعطته لي من رقة وعطف ، بتربية طفلها."
ومطت شفتيها،
-" أيضاً فعلت ذلك من أجل نفسي."
ولم يفقد صوتها نبرة المقاومة. لكن ما إن جلس لوك حتى تحولت عيناها إلي بحر من الدموع، مظلم ، غامض ، حزين.

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:19 PM

الإيمان ... الأمل, والحب
 
-" من أجل.......؟"
ودق جرس التليفون فقطع حديثه. ثم التقط السماعة، حانقاً من هذه المقاطعة. لم تكن لتأتي في وقت أسوأ من هذا. سمعته راشيل يحادث جون عندما تسللت راجعة إلي حجرتها . ما الذي يحدث لها ؟
من دقيقة واحدة كانت علي وشك أن تقول ما لم تقله لمخلوق آخر طوال حياتها وهزت راشيل رأسها. هذه المكالمة أنقذتها قبل أن ترتكب تلك الحماقة. لوك سومرز ليس بحاجة إلي الانغماس في مشاكلها الشخصية. فلديه العديد من مشاكله الخاصة. اجتاحها الفكر. راش. الطريقة التي أختصر بها اسمها تعتصرها، تصفدها بالأغلال. بقيد أبدى، إثارة. حياة.
إنها تشك أن تكون قد أثبتت له أي شيء عندما كانت في حجرة العمل الخاصة به، كان محاطاً بأشياء عديدة ثبطت حواسها، دعتها إلي أن تخلع درعها، أن تنسي المعارك التي كانت تعتزمها. وهزت راشيل رأسها ثانية، لقد أضاء اللون الأحمر في عقلها. ما هذه الزيارة إلا علامة عارضة في حياتها ، استراحة قصيرة قبل أن تعود مرة أخري إلي عملها . يجب أن تكون أكثر حرصاً من ذي قبل حتى تذكرت راشيل أنها لم تدفع له ثمن الملابس بعد. سوف تحرر شيكاً علي بياض، وستسأل ماري أن تضعه علي المكتب في حجرة عمله.
إن عودتها إليه في هذه الحجرة سيكون ضاراً بصحتها!
منتديات ليلاس
استيقظت من نومها بفعل أشعة الشمس التي أخذت تملأ الغرفة من حولها، وتذكرت راشيل أنها نسيت أنها لم تحكم إغلاق الستائر قبل أن تخلد إلي النوم. كانت تريد حينذاك أن تراقب النجوم التي بالسماء وهي مستلقية في فراشها. كان منظر السماء يبدو بديعاً من خلال النافذتين المواجهتين لها.
استدارت لتنام علي ظهرها، وأخذت راشيل تفرد أصابع كفها تحت رأسها تاركة لأفكارها العنان. لقد مر يومان علي رحلتها إلي سانت بار برا بصحبة لوك. بالأمس أصرت حنا أن تبقي بالفراش يوماً آخر. زمن الغريب، أن شيئا من الضعف قد أصابها بالفعل فأخذت بالنصيحة وبقيت بالفراش طوال هذا الصباح. بعد الظهر، قامت راشيل وقد أصابتها الدهشة من كل هذا النوم، فأخذت حماماً وتوجهت بأسرع ما يمكن إلي حجرة المعيشة قبل ظهور الآخرين. ثم اختارت أحد الكراسي الوثيرة ذات المساند كي تجلس عليها، لفت أرجلها بإحدى الملاءات ، ووضعت دليل برامج التلفزيون والريمونت كنترول بجوارها، وكومة من المجلات وكوباً من عصير البرتقال الطازج أمامها. وجلست تريزا تتحدث معها كي لا تشعر بالملل.
-" إنني علي ما يرام."
شارحة لحنا عندما اقترحت عليها الأخيرة أن تنام مبكراً لليلة أخري.
-" القليل من الراحة والطعام الجيد لن يضرك."
قالتها عاملة المنزل بنعومة. وشعرت راشيل أن ذلك القسط من الراحة أفادها بالفعل. فأغمضت عينيها مستمتعة بذلك الاسترخاء اللذيذ. إنها تشعر اليوم أنها أقرب ما تكون إلي سابق حالها في الأيام الخوالي.
لقد طافت بها إنجيلا بالأمس – بعد عودتها من المدرسة بكافة أرجاء المنزل.
منتديات ليلاس
كان منزل لوك يبدو كما لو إن مصممه أحد رواد فن المعمار. كان من الواضح أن تلك الدار لم يصرف فيها بنس واحد هباء. إنه ليس فقط مكاناً جميلاً . إنها دار دافئة، حية، مليئة بالحب والسعادة. أجيال من أبناء زوجة سومرز تشهد بذلك . إن راشيل تري كريس في كل شيء هنا، واضحة، تتكلم، تضحك، تحب. رأت أن الشخصيات التي تعيش في هذا المكان، أفضل وصف لهم هو تشبيه كل منهم بلون من الألوان المختلفة. عندما تتذكر ابنة عمها، تفكر راشيل في اللون الأصفر ، أصفر بلون كريمة كلون أصفر تنشر البهجة في كل المكان لمجرد وجودها فيه. حنا.. اللون الأخضر، فهي أم لهذه الأرض وصديقة لها. جوردي... اللون السماوي الصافي، براءة وحب. لوك؟ ... وأخذت أنفاس راشيل تتهدج بداخلها. أي لون يكون لوك ؟ القرمزي النادر يتبادر إليه الذهن. لون غني بالقداسة والأبهة . رجل يحقق الانتصار دوماً ويضحي من أجل الآخرين دائماً.

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:20 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
وكأنما تذكرت راشيل فجأة . كان يتحتم عليها الذهاب إلي الدكتور كنتون لمعرفة ما هو السبب في بطء تماثلها للشفاء. فالأمر قد يتجه إلي الأسوأ بدلاً من الأفضل. أخذت راشيل تتساءل كيف يمكن أن يكون حالها لو استقرت لتعيش في مكان واحد طوال حياتها ، تشعر بالأمان والحب، في وسط أسرة تحيط بها ، تشاهد طفلاً ينمو ويكبر بين ذويه ويكرر دورة الحياة. لسوف تري لوك في دور البطريرك بكل وضوح. سرعان ما سيتزوج، ويكون أسرة كبيرة.
منتديات ليلاس
تستطيع أن تتخيله وقد تحول شعره إلي اللون الرمادي، المزيد من التجاعيد حول عينيه، وتبدو عليه الرجولة الكاملة كما تدو عليه الآن. فالزمن لا يستطيع أن يجرؤ علي تغيير القوة والقدرة التي يجسدها لوك.
تنبهت راشيل علي صوت الباب عندما دخلت حنا عليها. قامت ، وذهبت ألي الحمام حيث أخذت حماماً سريعاً . جففت شعرها، مشطته ثم لمته برباط من المطاط. إنه دائما يجف هكذا . ارتدت البنطلون الجينز واحتارت في أي السويترات ترتديه فوقه. امتدت يدها إلي الأحمر ، وسرعان ما تذكرت نظرة لوك عندما رآها ترتديه لأول مرة ، فالتقطت الآخر. أخضر لامعاً وسميكاً ، سوف يدفئها حتماً . لقد أختار لها لوك ملابسها بعناية. الصباح في الشتاء هنا قارص البرودة، مع أن الحرارة قد ترتفع بعد الظهيرة.
-" يجب أن تأخذي الأمور ببساطة".
قالتها حنا مؤكدة عندما دخلت راشيل إلي المطبخ. أتاها صوت راشيل :
-" لا أستطيع البقاء في الفراش أكثر من ذلك. هل أستطيع أن أساعدك هنا ؟"
ربما لم تكن هذه فكرة جيدة. فالبادي علي كل شبر من المطبخ أنه يحمل بصمات حنا فهي تمتلكه تماماً. ولم تحمل لها ابتسامة حنا أي تعقيب.
-" تناولي فنجاناً من الشاي أولاً، بعد ذلك يمكنك مساعدتي في تجهيز المائدة."
فجلست راشيل إلي المائدة تحتسي الشاي، وكان ظهرها يواجه النافذة ، فأحست بأشعة الشمس تدفئ أوصالها.
لقد أصبح هذا المطبخ الريفي بستائره الزرقاء ورفوفه ذات اللون اللوري، مكانها المفضل بالمنزل. أثناء ارتشافها للشاي أخذت تحلل هذا الإحساس الغريب: أن تتواجد بهذه الدار. أن تنتمي إليها. وهزت رأسها. ربما لم تكن في حالة جيدة كما تظن .
-" هل هناك خطأ ما؟"
وكانت حنا تنظر إليها بتطلع. ردت راشيل مسرعة:
-" لا، لقد كنت أفكر لتوي في كمية المتاعب التي تسببت لكم فيها ."
-" أنت جزء من العائلة."
قالتها حنا ببساطة شديدة،
-" لو كانت كريس لا تزال هنا، هل كنت ستشعرين بعدم الراحة لإقامتك معنا؟"
-" لا، " قالتها راشيل بريبة، " كان الأمر سيبدو مختلفاً."
-" إنه لا يزال بيت كريس"، قالتها حنا لتثبت لها خطأ تفكيرها ، " كانت تريد أن تأتي لتعيشي معنا، وليس في أحد فنادق لوس انجلوس. لا تشغلي بالك بهذا الأمر أكثر من هذا. يا طفلتي."
وأتي لوك باحثاً عن زجاجة الرضاعة الصباحية لجوردي، حاملاً ابن أخيه علي كتفه.
–" صباح الخير. يبدو أننا قد تأخرنا في نومنا أنا وجوردي."
كان شعر لوك المنكوش وهيئته توحيان أنه خارج لتوه من معركة. كان يرتدي بدلة بنية من تلك التي تستعمل في الجري والتدريب. تشبث جوردي بذراعه، وأخذ يربت علي خده، لم يكن قد أفاق تماماً بعد . وأشاحت راشيل بوجهها بعيداً . كان هناك شيء مميز في مرأى الذكور من عائلة سومرز وتصرفاتهم معاً، يؤثر فيها ، يجعلها تتمني أن تصبح جزءاً من هذا الذي تراه. جزءاً منهم. لم يبد صوتها مسموعاً عندما ردت التحية.
منتديات ليلاس
-" هل نمت جيداً؟"
كان لوك يسلط أشعة أكس مرة أخري عليها.
-" استعمال فراش غريب كان يؤرقك ، أليس كذلك؟"
-" لا........ لقد نمت جيداً للغاية ."
أحمر وجه راشيل وأنزلت فنجانها ، ثم وضعته في غسالة الأطباق . كانت تعمل علي إخراج غطاء المائدة لتفرشه عندما أحست بانصرافه هو وجوردي. يبدو أنه يأخذ جزءاً كبيرا من إحساسها بالضغط والارتباك، يأخذ كل ذلك معه عند انصرافه . وأخرجت راشيل نفساً عميقاً ، ونظرت بجوارها لتجد حنا تتأملها .
-" إن الدار جميل للغاية."
كان هذا هو الشيء الوحيد الذي استطاعت أن تفكر فيه لتقوله. كانت تلك النظرات المرتابة علي وجه حنا تزيد من عصبيتها. –" كان البيت الريفي القديم أصغر من هذا بكثير."
واستدارت العاملة تجاه مائدة الإعداد لتجهز الفطور.
-" عندما بارك الجد روبرت فكرة جوردون وميريام كانا يعلمان أن الأمر سيكون شاقاً في البداية."

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:24 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
-" وماذا بعد؟"
قاطعتها راشيل وهي تراها تعجن دقيقاً في آنية، تختبره، وتضيف عليه الزبد واللبن. كانت حاجتها إلي معرفة المزيد عن عائلة سومرز لا يمكن تفسيرها ولكنها كانت حاجة ملحة وقوية.
-" قاما برهن كل شيء من أجل شراء فرس صغير عمره عامان _ جوبترز جولد كان هذا عام ولادة روب _ في هذا الوقت كنت قد جئت للعمل لديهم. كانت ميريام تقضي كل ساعة مع هذا الحصان ، في تدريبه، وفي حبه. كان شراؤه مقامرة . كانت تبدو عليه تلك العلامات من الأصالة والقوة، لكن لا شيء يذكر في عالم سباق الخيول، أمه لم تدخل أي سباقات أبداً. جوبتر لم يكن الأفضل، كان فقط كل ما يمكن شراؤه بما كانوا يملكون، لكن العمل المتواصل والحب، كل هذا أتي بثماره. لقد فاز بالتاج الثلاثي في ذلك العام الذي أقيم فيه سباق المتعة للجميع. وبالجائزة استطاع كل من ميريام وجوردون شراء ثلاثة أخري عمرها عام واحد، للتدريب والسباق. كانت ميريام متفوقة في مجال الخيول، وكان عقل جوردون خارقاً في مجال الاستفادة من نجاح تلك الخيول وإدارته لها . ولقد ولد لوك بعد روب بثمانية عشر شهراً، واستأجروا فتاة لتساعدني في أعمال المنزل، فاستطعت أن اخصص كل وقتي من أجل الصبيين. بلغ لوك الثالثة عندما فكروا في بناء هذه الدار الجديدة بدلاً من تجديد الدار الريفية القديمة."
منتديات ليلاس
ووضعت حنا البسكويت الذي تصنعه في الفرن، وأخذت تسوي الكورن فليكس في إناء، ورفعته عن النار، ثم أضافت:
-" ونمت دياموند بار سريعاً، واكتسبت شهرة واسعة في تربية وتدريب الخيول التي تفوز دائماً . كان جوبترز جولد هو أول منتج لنا ، هو الأب للسلالة وللأجيال التي تلته . بلغ الاثنان سن الثالثة والخامسة عندما قرر الأبوان التوقف عن التدريب، وتركيز جهودهما كلية في التربية لإنتاج السلالات النقية الأصيلة. كان الابنان يكبران بسرعة، وكانت حلبات السباق تأخذ جل وقت والديهما. رأت ميريام أنها يجب ألا الإنجاب لمزيد من الأطفال، وقد كان هذا أيضاً قراراً حكيماً منها. كانا يريدان إسعاد الصبيين الذين رزقا بهما بالفعل."
ووضعت حنا آنية الكورن فليكس علي المائدة، وبعضاً من الفاكهة الطازجة ، البسكويت والزبد، ثم أخذت تراجع ما أعدته عندما عاد لوك مصطحباً ابن أخيه. وخفق قلب راشيل لمرأى الطفل وقد أخذ حمامه ودهن جسده بالبودرة الناعمة. تصفيفه شعره علي جانب واحد أعطته مرأى طاهراً، جسد التربية، أخذ بلبها لعدة دقائق، خداه لامعان، أسنانه تبرق نظافة، إن ابن كريس لصورة للصحة وحسن الاعتناء به. وضع لوك جوردي علي المقعد ذي العدادات والخرزات البلاستيكية، وجلس هو إلي مقعده يعد لنفسه طبقاً من الكورن فليكس الساخن.
-" هل تركبين الخيول يا راشيل؟"
لقد قمت بامتطاء الخيول مرة واحدة في القرية مع كريس، من سنوات عديدة."
"خيول عصبية تفهم إن كان فارسها عصبياً حاد المزاج." إنها تشبه ركوب الدراجة ... لا ينساها المرء ." وصب لوك لنفسه شيئا من الحليب.
-" لدينا عدد من الخيول الجيدة نبقيها للركوب فقط اختاري أحداها من الإسطبل اليوم، وبلغي المكتب بالوقت الذي ترغبين فيه بذلك ، جوان سيقوم بإحضاره إلي الدار. لن يكلفك الأمر أي إجراءات أخري.:
إجراءات؟ لم يكن بنية راشيل امتطاء الخيول ، لكن تلك الكلمات أثارت انتباهها كثيراً. هذه الأيام القليلة التي أكدت لها فكرة واحدة ، إن لوك لا يخالف قواعده أو إجراءاته أبداً. إنه يحافظ عليها، والجميع يحتذون به في ذلك. أما أن يفعل ذلك الآن، فلابد أن له سبباً وجيهاً.
-" لا تركبي الخيل وحيدة أبداً."
منتديات ليلاس
ولم تفتها تلك النظرة ذات المغزى التي ألقت بها حنا إلي لوك قبل أن تستدير للجهة الأخرى. وأخذت راشيل تتناول طبقها وهي تفكر. هل يخشى عليها أن تظل الطريق ولا تستطيع العودة فتسبب في مشاكل أخري غير التي تسببها بالفعل؟ من المستحسن أن تذكرهم أنها لن تبقي معهم من الوقت ما يكفيها أن تمتطي الخيول أيضاً. إنها لا تريد أن تحسن من مهاراتها في ركوب الخيل، لأنها حيثما ستذهب لن تكون بحاجة إلي أي من ذلك. وانشغلت راشيل مع البسكويت، دهشة من هذا الغضب الذي استولي عليها. بعد فترة أصبح هذا الغضب متعمقاً بداخلها علي كل شيء، وأي شيء. أصبح إقناع لوك أن إقامتها في دياموندبار يحتل أهمية كبرى لديها فجأة، لكنها لن تناقشه في هذا في وجود حنا. سوف تتحدث معه فيما بعد.

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:25 PM

الإيمان... الأمل, والحب
 
مع مرور كل يوم كان يجد شيء جديد يربطها إلي هذا المكان. جوردي، الترحاب بلا حدود، حصان خاص بها. حقيقة، كان كل هذا قيوداً من الحرير، لكنها لم تكن تنذر بشيء. أن أبق علي هذا الوضع، فلن تستطيع أبداً أن ترحل. تساءلت راشيل:
-" كم ستستغرق من الزمن حتى تسبر غور هذا الرجل؟"
إنه يتصرف كأن لم يكن لها حياة أخري، كأنها في دارها حيث تنتمي. –" هل ستتجول مع راشيل خلال المزرعة هذا الصباح؟" سألت حنا.
-" بكل سرور."
منهمك في انتقاء تفاحة لتناولها.
-" هكذا سيزيد شعورها أنها في دارها."
يزيد شعوري أن هذه داري؟ أرادت راشيل أن تقول شيئاً واضحاً ، موضحاً للأمر مفسراً له. لكن الكلمات احتبست بداخلها، وبقيت هناك.
-" فلتستعدي، سنغادر خلال نصف ساعة."
لم يكن في نبرته ما يشير إلي أن اصطحابها للفرجة علي المكان ليست أكثر من احدي صور الترحاب. ربما هي تتخيل ذلك بسبب سوء حالتها الصحية الراهنة. وغمغمت راشيل بكلام غير مفهوم، وقامت محمرة الوجنتين تساعد حنا في تنظيف المائدة.
منتديات ليلاس
أخذ الطريق حوالي عشر دقائق لتعبر بهما الشاحنة المنطقة الجبلية حتى وصلا إلي المزرعة. وما إن عبرا البوابة بحوالي مائتي ياردة، حتى استدارت راشيل نحو لوك دهشة:
-" انظر."
تابعت حركة رأسه ملتفتاً حيث أشارت. ترامى أمامهما الوادي الفسيح. مكتسيا بالخضرة، تحيطه التلال فتبدو كالجواهر ترصع التاج. الجبال الحمراء تقف شامخة من كل جانب حولهما. دام صمت راشيل، نظرت مشدوهة، كان ذلك يبدو لها كعبور بوابة مسحورة إلي عالم آخر. بدا المكان لها متحفاً ريفياً يعج بالحياة. كان هناك أناس وخيول في كل مكان . ومبان كبيرة تحيط بالجهة الشمالية الشرقية. في منتصف تلك البنايات الضخمة مبني صغير أحمر الطلاء، بدا كأنه دار أو منزل، بقية المكان كان يعج بحظائر خشبية بداخلها الخيول. كانت المشاهد والأصوات كأنما تخط – من أول نظرة ألقتها عليها – مكاناً لها، حفر في ذاكرتها. إن هذا لأكبر من أي شيء تخيلته من قبل.
-" مرحباً بك فيس دياموندبار، يا راش."
شعرت بأنفاس لوك المعطرة بعبق المكان، ولم تكن واثقة من من رد فعلها، أو كيف سوف تتصرف، أو تفعل.
-" من الصعب التصديق أن كل هذا هو أحد الأركان المحيطة التي نراها من الدار."
قالت هذا ثم شعرت أن المشهد البادي أمامها يجعلها لا تستطيع أن تقول المزيد.
من رسائل كريس كونت في ذهنها صورة عن مزرعة صغيرة، بها القليل من الخيول. إنها حتى من علي هذه المسافة يمكنها أن تقرر أن ديامونديار هي عملية تجارية في غاية التوسع والضخامة .
-" لقد خطط أبي وأمي المكان علي الشكل الذي ترينه."
وتحرك لوك بالشاحنة وواصلا تقدمهما.
منتديات ليلاس
-" لقد أرادا لحياتهما الخاصة أن تكون بمثل هذه الخصوصية البادية أمامك. كانا يحبان عملهما حباً جماً ولكنهما لم يريدا أن يكون بالقرب من الدار التي يعيشان فيها. هذا الوادي هو أنسب مكانا للخيول."
أشار لوك إلي أحد الرجال عند البوابة وتوجه مباشرة إلي المبني الأحمر. كانت كلمة المكتب قد نقشت عليه باللون الأبيض. مر رجل بهما، ورفع يديه محيياً إياهما. كان يجر حصاناً كبيراً بلون أسود داكن.
أخذت راشيل خطوة إلي الخلف مأخوذة بحجم هذا الجواد. رأت الرحل يدخله إلي ما يشبه اللأسطبل الكبير. وبنظرة حولها لاحظت وجود ستة مبان كبيرة، وقد نقش علي كل منها رقمه بخط كبير واضح. أشار لها لوك إلي جهة بعض قطعان الماشية ترعي أحد الجبال بجوار مبنى طويل ذكرها بإحدى ثكنات الجيش التي قد رأتها ذات مرة.
-" مبنى العمال . لدينا هنا مجتمع خاص بالمكان، وأيضاً مخزن صغير."
بللت راشيل شفتيها . كانت تشعر كما لو كانت تشاهد أحد الأفلام. ربما كانت تشاهد أحد تلك الأحلام التي تصيبها بالسعادة والحبور فتصحو ولا تلبث أن تعود ثانية للنوم.
لم تشاهد أحد تلك الأحلام منذ مدة طويلة. ونظرت إلي لوك محاولة الابتسام.
-" لقد قمنا بتنشئة جياد تربو علي العشرين مليون دولار ثمناً للواحد منها."
كان لوك يحاول أن يجعل نبرته كمن يقرر أمراً واقعاً بقدر الإمكان. لكن النظرة التي كانت في عينيها أصابته بشيء من الارتباك. لربما كان من المستحسن إعطاؤها فكرة عن كل هذا قبل أن تراه.

الشجرة الطيبة 25-07-09 11:27 PM

الإيمان .. الأمل , والحب
 
-" أي حصان عمر سنة، يكلف في أي مكان ما بين نصف إلي مليون دولار."
-" وهل تشكل الإجراءات الأمنية لحراستها مشكلة؟"
وتبادر إلي ذهنها أحد برامج التليفزيون عن تغيرات بسوق الجياد، وتهريبها إلي الخارج.
-" المكان كله مؤمن بالمراقبة بكاميرات الفيديو، في نفس الوقت لدينا رجال الأمن المخصصون للحراسة. توم، حارس البوابة يعرف كل فرد يعمل هنا."
لم يطلعها علي رجلي الحراسة اللذان يعملان بالمنطقة المحيطة بالدار كنوع من الرقابة الأمنية. أو أن إجراء عدم ركوبها الخيل وحيدة من صميم تأمين سلامتها. أو عن تلك الاتصالات التلفونية التي هي جزء مهم من العمل.
-" وما هي الجياد الأصيلة؟"
كانت لا تعلم إلا القليل عن نقاء السلالات.أما حقيقة استثمار ملايين الدولارات في التربية فهي قد بدأت تدركها الآن فقط. وأن حقيقة أنها كانت ترغب في الحصول علي جوردي جعلتها تفكر في مدى إمكانها تلبية جميع احتياجاته.
-" إننا نقوم بشراء ذكور الجياد ذات السمعة في السباقات، والتي يكون لها سجل، ونصدر أسهما لكل حصان، ونبيع هنا خدمة الإعشار،"
ثم اخذ يفسر:
-" كل مساهم بنصيب في احد الجياد التي نربيها لدينا، تكون له الفرصة في إن نقدم للجواد المساهم فيه احدي السلالات التي لدينا وهو ما نسميه بالإعشار فرصة واحدة سنويا. إذا المساهم لا يمتلك مهرة يدفع نصف مليون دولار، وهو تقريبا ما يوازي تكلفة تربية أحداها لدى أي مرب اخرمن غير المساهمين لدينا، حسب أسعار هذه الأيام."
-" فهمت ".
منتديات ليلاس
هي في الحقيقة لم تفهم تماماً . لكنها فد أحاطت بالصورة عامة. المال، والمزيد من المال. إن لوك لرجل غني حقاً . غني جداً. وحقيقة كونه لا يزال يعمل في إحدى الوظائف العادية كان باختياره وليس للضرورة. كيف يمكن كان رد فعله عندما علم أنها تقاضيه من أجل الوصاية علي جوردي ؟ بالأمس ذكرت لها تريزا شيئاً بهذا الخصوص، وإنه لشيء رائع حقاً ذلك التحول الذي حدث.
إن جوردي موجود حيث ينتمي ، وهي جزء من هذه العائلة. كان بادياً ، أنهم جميعاً كانوا خائفين لفترة. كانت راشيل تقبض يديها كالمؤكدة. هل يعلم من يعيشون هنا عن سبب إصرارها علي اكتساب تلك الوصاية علي جوردي سومرز؟
لا بد أنها قد فعلت الكثير والكثير لتكون مصدر كل تلك البهجة والسعادة للآخرين.......

نهاية الفصل الرابع

رغد تبوك 26-07-09 01:13 AM

متى تكملي الرواية
تسلمي

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:32 PM

الحين يا رغد تبوك انزل الجزء الخامس والسادس

وانشاء الله ما أتأخر عليكم كثير

تسلمي ع المرور

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:41 PM

الفصل الخامس
 
الفصل الخامس
كانا يقفان بعتبة الإسطبل الأول. تابعت راشيل لوك إلي داخله. كان ما تراه يدل علي أنه لم يصرف دولار واحد هباء في هذا المكان. كان المكان في غاية النظافة والنظام، كان بيئة تصلح حقاً لهذه الجياد العظيمة المملوءة بالنشاط والحيوية.
-" إسطبل (أ) هو المخصص لإيواء الخيول الأصيلة التي نملكها."
كان لوك يتوقف أثناء تحدثه ليربت علي أحد تلك الجياد. وكانت راشيل بالتأكيد يقف متراجعة للخلف. لم تكن متأكدة من تصرف تلك الخيول مع الغرباء، ولم تكن بالتي تغامر لاكتشاف ذلك.
-" كل منها له حظيرة خاصة؟"
-" نعم، هذه هي أفضل طريقة مع الجياد الأصيلة. فنادراً ما نضع زوجاً منها في حظيرة واحدة. قد تتشاجر وتؤذي بعضها بعضا. وأحياناً يكون مع الجواد فرس أو فرسان في نفس الحظيرة، لكن غالبيتها تبقي علي حدة. بالإضافة إلي رعايتها فإنه يجري امتطاؤها بانتظام حتى تظل علي مستوى رفيع ثابت."
ومالت راشيل علي ذلك الجواد البني اللون الذي كان يدير عينيه نحوها كأنه ينظر إليها ، إنها تحمد الله أنها لم تقم بركوب أحد تلك المخلوقات الفخمة المكلفة.
منتديات ليلاس
-" أما ذلك العدد القليل من الجياد الموجودة هنا بالداخل، فهو محتجز في تلك المنطقة انتظارا للكشف البيطري أو لأن حالتها الصحية ليست علي ما يرام."
أخذ لوك يفسر وهو يربت علي ذلك الجواد البني،
-" إننا لا نحاول المجازفة أبداً بها."
وافقت راشيل علي ما تسمع في صمت: لن يكون هذا وهي تساوي الملايين بالتأكيد. بالتقدير الجزافي المتسرع يكون بهذا الإسطبل حوالي عشرين حظيرة، نضرب هذا الرقم عشرين مليون...... وبدأ رأس راشيل يدور. لابد أن من يعمل علي تلك الحسابات يضطر إلي العمل وقتا إضافياً. كانت الجياد نفسها بديع المنظر. إنها تفهم كيف يجدها الناس شيئا بديعا مدهشا. هذا التناسق العضلي البديع تحت ذلك الجلد اللامع، تلك الرقاب الباسقة، المظهر المعتد البديع، كل هذا يضعها في طبقة خاصة. كل حركة كانت كمقطوعة أدبية معبرة.
انتبهت راشيل فجأة علي صوت حوافر وصهيل، أدارت رأسها واستمعت مصغية. واستدار لوك دهشا عندما أمسكت به.
-" هل أنا أسمع شيئاً ما، أم أن نعجة هنا بالداخل؟"
بدت علي وجهه نصف ابتسامة جعلت حرارتها تعلو، حتى تغلبت علي برد صباح ديسمبر. حاولت أن تسحب يدها لكنه أمسك بها برقة، كما لو كان هذا هو أكثر الأشياء طبيعية في الوجود، أبقي يدها في يده وهما يسيران متوغلين إلي حظيرة أخري. هنا، بجوار ذلك الجواد الضخم، وجدت نعجة قد ربطت، نعجة ذات لونين: أبيض وأسود. تقف مرتبكة من المحيطين بها، أو تلك المخلوقات التي تزن عشرين ضعف وزنها وتتحرك بجوارها، كانت النعجة تأكل العلف الموضوع لها. أخذت عينا راشيل تدوران في تعجب.
-" أقدم لك قوس قزح، قالها لوك ببساطة ثم أكمل:
-" لقد اعتزل قوس قزح عندما بلغ الرابعة من عمره بعد أن فاز بحوالي مليونين ونصف من الدولارات في حلبة السباق. عندما اشتراه روب وأتي به إلي هنا، كان من المستحيل أن يستقر بالمكان. أخذ يلقي بنفسه في كل مكان حتى خشينا أن يصيب نفسه بأذى. كان مالكه خارج البلاد، ولم نستطع العثور علي مدربه. أخيراً اقترحت أمي أن نأتي له بنيللي من الحقول. وكان التغير الذي طرأ علي قوس قزح درامياً. إنه يفعل أي شيء يطلب منه طالما أن نيللي بجواره."
منتديات ليلاس
أخذت راشيل تتطلع إلي هذا الثنائي العجيب. كان من الغريب التفكير أن حيواناً بمثل هذه القوة والتكوين البديع وبمثل هذا التأصل ونقاء النسب، ومع كل ذلك يعتمد علي مثل تلك النعجة الضعيفة الرقيقة كي يشعر بالسعادة.
ذكرها بقصة الأسد والفأر؛ حيث لم تكن للقوة أي حيلة أمام الحجم وتلك العضلات الضئيلة الدءوب، حيث نحتاج ويحتاج إلينا. ودخل عليهما من يبحث عن لوك حاملاً رسالة من جوان. ثمة مستر كالاهان من إيرلند يريد التحدث إليه.
-" لن أتغيب عنك طويلاً."

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:43 PM

الفصل الخامس
 
أخبرها بذلك ، وأخذت راشيل تفكر إن كانت نبرة الاعتذار التي أحستها من نسج خيالها. خرجت راشيل إلي أقرب حظيرة، دخلتها، كان طلاءها أبيض اللون، وكانت راشيل مستمتعة بأشعة الشمس التي تسقط علي ظهرها، وتلمع علي وجهها . كان هناك حوالي ست أفراس من عمر عام واحد بالداخل، وكانت حركاتها تذكرها بأطفال تلهو وتلعب.
-" صباح الخير."
استدارت وابتسمت لجاسون هارنجتون، محاسب المزرعة. لقد أتي بالأمس بصحبة جوان رودريجز إلي المنزل ليراها. كان جاسون ولوك زميلي دراسة . والآن تساءلت راشيل إن كان قد أتي ليتأكد من خروجها من المكان. وسرعان ما تداركت خطأها، لأن تلك الابتسامة التي ارتسمت علي وجهه لم تترك مجالا لأي ظنون أو شكوك. وردت راشيل:
-" صباح الخير."
-" هل شاهدت كيف نقوم بعملنا؟"
-" نعم لقد اصطحبني لوك في جولة بالمكان ، لكن جاءته مكالمة هاتفية، فاستأذن بضع دقائق ليرد عليها."
-" هذا من حسن حظي". واتسعت ابتسامة جاسون ، " هل تريدين أن تلقي بنظرة عن قرب علي تلك الخيول ذات العام الواحد؟ "
منتديات ليلاس
كانا في منتصف الطريق للحظيرة التالية عندما مر بهما رجل يحمل سرجاً وإحدى المعدات الأخرى.
-" موجو هو أحد المساعدين."
ثم أخذ جاسون يفسر لها:
-" إنه ذاهب لقضاء بعض الوقت مع جاليفر ، الجواد المفضل عندنا، والذي يبلغ من العمر عامين."
رغم أن هذا الرجل كان يرتدي ملابس كالآخرين، إلا أن شعر هذا المساعد الذي كان طويلا منسدلا علي كتفيه، وبناءه الجسدي المتناسق، كل هذا أخبر راشيل أنه لابد أن يكون علي الأقل نصف هندي.
-" كيف حال الساق يا موجو؟"
-" ليست بخير يا جاسون، ليست بخير."
لم تستطع راشيل أن تمنع نفسها من التعليق علي العرج الذي كان يعتري مشية الرجل.
-" ما الذي حدث لساقه؟"
سألت راشيل بمجرد أن ابتعدا عن مجال سمع الرجل.
-" لا أعلم."
رد جاسون وهو يركز عينيه علي الجواد الذي أشار عليه موجو.
-" إنه المفضل لديه منذ مدة الآن. وهو لا يريد أن يدع الطبيب يكشف عليه. يقول إنه يعالج نفسه بنفسه، لكن يبدو أن الحالة تسير إلي الأسوأ."
-" لقد كنت أظن أنكم تشترون الخيول الصغيرة من عمر عام واحد فقط."
وانتابت راشيل رجفة عندما رأت الفرس وقد سد إليه سرج. كان يبدو أكبر حجما من الآخرين بالحظيرة التالية . -" إن جاليفر استثناء . لقد كسرت ساقه في العام الماضي قبل مزاد يناير- كانون الثاني- مباشرة ، وأراد روب الاحتفاظ به حتى تتحسن حالته . لو كان قد دفع به إلي تدريب مبكر، لكان من الممكن أن يصاب بكسر آخر ، لذا رفض روب بيعه. بعد ذلك قام موجو برعايته. ولما تماثل للشفاء تماماً بدأ في إعطائه جرعات في التدريبات الأساسية ."
-" هل سيباع هذا العام؟"
منتديات ليلاس
كان الحصان يتمسح برأسه في كتف الرجل، كانت حركاته تعبر صراحة عن تلك العلاقة التي صارت بينهما.
-" أعتقد ذلك. إننا لم نعد بعد مزرعة تدريب، هذا الجواد هو نتاج أسس التربية والتغذية التي نتبعها هنا."
أخذ موجو يشد لجامه. ولاحظت راشيل أنه كأنما يحاول أن يبقي الحصان ثابتاً في وقفته. كان بوجهه نفس تلك الألوان والرسوم التي علي بقية جسده. اعترته علامات الألم عندما أخذ يتقهقر للخلف.
-" هذا هو الوضع الذي يجب تدريب الخيل عليه باللجام."
وأخذ جاسون يكمل شارحاً:
-" إن التعليم في الصغر يسهل كل شيء بعد ذلك عند بيعها، عندما يبدأ مدربو الخيل في تدريبها للاحتراف. إن موجو يحاول أن يجعل جاليفر ثابتاً علي أقدامه، التي يجب أن تأخذ شكل مربع متساوي الأضلاع علي الأرض ، وأن يبقي رأسه وذيله مرفوعين عاليا في الهواء."
إن هذا ليتطلب الكثير من الصبر. وبينما أخذ جاسون ينظر إلي الحصان، أخذت راشيل تتطلع إلي وجه موجو. أخبرتها تلك النظرة الطيبة علي وجهه بكل ما أرادت أن تعرفه. قالت بهدوء:

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:45 PM

الفصل الخامس
 
-" إنه يتألم، يجب أن يذهب لرؤية الطبيب."
نظر إليها جاسون دهشاً :
-" لقد أخبرتك أنه لن يذهب."
-" هل سيسمح لي أن ألقي نظرة عليه"
أخذ جاسون يبتلع ريقه . ولم تنتظر راشيل حتى تسمع الإجابة فقد بدأت تعتاد علي المكان. استدارت ، وتقدمت نحو موجو. عن قرب، لم يبد لها مسنا كما كانت تظن..... إنه يقارب العشرين من عمره، وكانت نظراته تلك تخفي بالقطع شيئاً ما.
-" ما الذي أصاب ساقك؟"
بدا الارتباك علي وجه موجو، لكن راشيل لم تهتم بذلك. همس مرتبكاً:
-" لا شيء إنه جرح عادي."
-" أين؟"
وانتظرت برهة أن يرد عليها الرجل، فأومأ له جاسون كي يفعل، فأشار الرجل إلي قصبة رجله. أخذت عينا راشيل تدور وهي تعري سلق الرجل لتكشف عن الجرح. دم متجمدا، لقد تأكد لها ما كانت ترتاب فيه.
-" إنه ليس مجرد جرح عادي.. يبدو أن الجرح قد تقيح، وتأثير هذا التقيح هو ما يسبب لك الألم. يجب أن يطهر هذا الجرح جيداً، وأن يضمد، ثم بعد ذلك يجب عليك تناول المضادات الحيوية. لن يكون مبعث دهشة بعدما رأيت أن تكون مصاباً بالحمى أيضاً." مالت عليه وألصقت يدها علي جبهته متجاهلة ذلك الحرج الذي اعتراه. " إن جسمك يغلي."
فرد غاضباً:
-" ليس بي شيء."
-" هل تعلم ماذا يمكن أن يصيبك إن لم تعالج هذا الجرح؟"
كانت نبراتها تلقائية تماماً كأنها تناقش الأحوال الجوية مع صديق لها،
-" لسوف تصاب ساقك بالغرغرينا . إن تفكيرك العقيم هذا سوف يؤدي بك لأن تقطع ساقك، بينما يمكنك التغلب علي كل هذا بزيارة للطبيب لن تستغرق أكثر من عشر دقائق، حيث تشفى من كل هذا."
كش ملك، مات. لم يتكلم مخلوقا أو يحرك ساكناً لبضع دقائق. أخذ جاسون يبتلع ريقه بعصبية. لقد بعث به لوك إلي هنا كي يبقي بصحبة راشيل، وليس لتكوين عيادة حقلية عامة. كان فقط يأمل أن يكون تقريره إلي لوك مقنعاً كنبرتها تلك.
منتديات ليلاس
-" لقد رأيت رجالاً كثيرين مثلك،" قالتها راشيل بنعومة ثم أكملت : " جبناء. رجالاً بالغين أقوياء، لكن يخافون من المرض، من الدواء الذي قد يكون فيه شفائهم."
لقد مست بالفعل وتراً حساساً. زاغت نظرات موجو، وأخذ يلوح بيديه كأنه يرفض كل هذا .
-" إني لست بخائف."
-" يسعدني أن أسمع ذلك. يجب أن تري الطبيب في الحال."
واستدارت إلي جاسون:
-" هل يمكن أن يصحبه أحد للكشف علي ساقه؟ يمكنني التغيير علي الجرح غداً."
استدار الهندي ولم ينطق بكلمة. تبعه جاسون وعيناه تكادان تختفيان تحت شعره. ثم عاد بعد دقائق.
-"ألم يكن منعه من مواصلة العمل هكذا؟ " ثم أضافت راشيل متفكرة:
-" ما هو السبب الآخر هل تعلم؟"
-" حسنا،" وأرجع جاسون قبعته التي لا يتخلى عنها أبداً إلي الوراء وقال: " ربما يكون السبب أنه يعمل باليومية هنا ، فإنه إن لم يعمل لا يحصل علي راتبه. بالإضافة إلي أن العمال الدائمين يخضعون للرعاية الطبية، بينما لا ينطبق ذلك علي العمال الذين يعملون باليومية."
-" هذا ليس بعدل."
النظرة التي رمقته بها أصابت تلك القواعد السخيفة في مقتل.
-" أي مخلوق يمكنه أن يري ما يعانيه هذا الرجل، يجب أن يكون هناك استثناءات في حالات كهذه."
-" حالات مثل ماذا؟"

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:46 PM

الفصل الخامس
 
ولم يشعر أي منهما بقدوم لوك من خلفهما . كانت راشيل منهمكة في شرح قضية موجو.
-" لوك، ألا يمكنك التغاضي عن الإجراءات في حالات كحالة موجو؟ أي مخلوق في الدنيا يمكنه أن يري حاجته الملحة إلي الرعاية الطبية. جاسون يقول أنه إن أخذ يوم راحة فعليه الذهاب للعمل بمكان آخر. إن هذا ليس بعدل حتى إن كان أحد العمال الذين يعملون بالحد الأدنى من الرواتب، يجب أن تدفع له مصاريف العلاج."
لقد تحولت إلي نمرة متوحشة من أجل أحد الغرباء؟ أخذ لوك ينظر إلي عينيها تبرقان، وصدرها ينتفض ، ويساءل نفسه: يجب دائماً أن تكون القضية قضية شخص آخر حتى تقيم راش الدنيا وتقعدها. ألن تتعلم أبداً أن تهتم بالكفاح للحصول علي ما تحتاج إليه في حياتها؟
-" اتصل بدكتور كنتون، وأخبره أن يحمل مصاريف علاج موجو علي حساب دياموندبار."
قال لوك موجهاً كلامه إلي جاسون، ثم أكمل:
-" بعد ذلك أخبر موجو أنه يستطيع أن يأخذ إجازة مرضية مدفوعة الأجر. وإن وجدت حالات مرضية أخري ، أخبر الجميع بهذه الإجراءات الجديدة، طالما يتقدم الواحد منهم بشهادة طبية. ودع جوان أيضاً يعرف بهذا."
-" أشكرك."
منتديات ليلاس
ونظرت راشيل بعيداً عن لوك، نظرت إلي الخيول الصغيرة، لم تكن ترغب أن يري نظرة الارتياح التي بدت في عينيها. لم تكن واثقة أنه سيري فيهما مجرد نظرات العرفان.
أخذ يساءل نفسه عن رد فعلها، إن رفض رغبتها في تغيير الوضع . ربما كانت ستتكفل بمصاريف علاج موجو في هذه الحالة. لم يصادف لوك أبدا من لا يهتم مطلقاً بالمال أو يعيره جل اهتمامه مثلها. إن الشيك الموقع علي بياض، والذي وجده علي مكتبه، لأكبر دليل علي ذلك. وراء الدار، تشكلت دائرة رائعة الخضرة، ساعدت عاصفة قديمة علي اكتمال روعتها، اقتلعت تلك العاصفة شجرة كبيرة، فأرقدتها علي جانبها. اتجهت راشيل إلي تلك الشجرة التي أصبحت بمثابة مقعد في وسط الخضرة، واستندت إلي جذع شجرة أخري واقفة هناك. يجب أن تكون هذه البقعة هي أجمل مكان في الوجود. إنها تطل علي بانوراما رائعة. في الأفق البعيد، يمكنها أن تري مياه المحيط الزرقاء. وبالجوار هنا ترقد الدار، تخفيها عن الأنظار تلك الغاية من الأشجار الإيطالية. اليوم، علي أية حال، لم يكن يشغل بالها هو تلك المناظر التي تحيط بها. لقد حان الوقت لكي تراجع موقفها. لقد مكثت إلي الآن أسبوعاً كاملاً في دياموندبار، كل يوم منها حطم حجراً في بنائها الدفاعي المتين. إنها تقترب من الإصابة... بجرح غائر، لم تصب بمثله طوال حياتها. حان الوقت كي تدرس بعناية ما يحدث لها، كي توقفه وتمنعه من أن يخرج الأمر برمته من تحت سيطرتها.
منتديات ليلاس
ما يحدث لها هنا، هو أنها توشك أن تنسي كل درس قاس تعلمته من قبل أن تترك نفسها تتعلق بالأشياء، أن تصدق مرة أخري، ليس هذا فقط. فبالنسبة لشخص اعتاد العمل عشرين ساعة يومياً ، ثم تبدا في الاعتماد علي تدليل حنا لها، وفي العيش وسط هذه الأبهة الفاخرة التي تحيط بها ، كل هذا سيكون عقبة لها كي تعود إلي طبيعتها مرة أخري. لوك...... استمرت راشيل في سيرها قدماً، التقطت بعض الزهور وضمت عليها قبضتها. إنه يعاملها كما لو كانت في سن جوردي . لم تجادل. لم تعارض. فقط تنصت ثم تسرع لتفعل ما يريد. أدركت راشيل الآن شيئاً لم تجربه قبل طوال حياتها. الرجال الأقوياء اعتادوا كلمة نعم .
حنا..... كانت راشيل تود لو تلقي بيديها حولها، فتحتضن تلك المرأة من أجل كل هذا الحب والدفء الذين أعطتهما لها. لشخص يعاني كل هذا الخواء بداخله كراشيل، مجرد وجودها بجوار عاملة المنزل هذه. كان كافياً لملئ هذا الفراغ الهائل .
منتديات ليلاس
تريزا رودريجز اصطحبتها يوماً بعد الظهيرة، وأخذت تقدمها إلي كل الزوجات في دياموندبار . كانت تلقي الترحاب، بوصفها ابنة عم كريس، كانت تُسأل عن طبيعة عملها بالخارج، كانت تدعي لتعود ولتعاود الزيارة. كان ينتاب راشيل إحساس عميق، من هؤلاء الناس عندما يعرفون من هي، ومن تكون.
جاسون عرض عليها أن يقوم بتعليمها كيف تمتطي جواداً، كيف تسيطر عليه، وكيف تجعله يتراقص إن أرادت. نجح في انتزاع ضحكاتها مراراً، بنكاته، وبتعليقاته تلك البسيطة علي الحياة وعلي أمورها. أخبرها أنه مساء كل جمعة، يجتمع عمال المزرعة معا في الفناء القديم الذي أصبح بمثابة منطقة ترفيه ضخمة خصصت لهم. أي وقت تجد الرغبة في الانضمام إليهم سيكون سعيداً باصطحابها إلي هناك. شكرته راشيل بأدب، لكنها رفضت كل تلك العروض. إنها لن تبقي هنا بما يكفي كي تستفيد من أي من هذه الدروس. بالمنزل.... كان من الواضح أن هناك شبه اتفاق سري بين حنا ولوك. لم يكن مسموحاً لها أن تقوم بأي من الأعمال المنزلية البسيطة.
بينما كانوا يجادلونها دائماً حتى تأكل، كانوا يصطحبونها دائما لتري أجزاء المزرعة المختلفة، كانوا يطلبون منها أن تأخذ قسطاً من الهواء الطلق ليفيد رئتيها... لم يسألوها قط لم لمَ تحاول أن تحمل الطفل. كأن لم يفكر أحد منهم أبدا في هذا.

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:49 PM

الفصل الخامس
 
لأول مرة في حياتها فيما عدا ذلك الصيف الذي قضته مع كريستينا، تجد راشيل نفسها مرغوباً فيها كما هي، ودون أية رتوش أو زوائد. هذا الإحساس كان قوياً ، وكان خطراً. قد يعتاد المرء علي مثل هذه الأشياء، وقد يهيئ نفسه علي أنها قد تدوم. لكن الحقيقة التي تذكرتها، هي إنها لا تنتمي إلي هذا المكان، وإنه كلما أسرعت إلي روتينها الطبيعي، كلما كان ذلك أفضل. لقد اتصلت أمس بالدكتور ويلون سميث المدير العام ل م. ر.أ. في لوس أنجلوس .
منتديات ليلاس
كان قد تلقي بالفعل مكالمتين هاتفيتين بخصوصها. كانتا مفاجئتين أخريين لها . إحداها كما قال، كانت من لوك سومرز، أما الأخرى فقد كانت من دكتور كنتون في سانت بار برا. لم تكن تفكر بالعودة حتى يخطرها دكتور كنتون بتمام شفائها. كانت تعتزم أن تطلب أن تكون مهمتها الجديدة بعد حلول العام الجديد. إن رغبت، فإن هناك وظيفة في لوس انجلوس تستطيع الحصول عليها، حيث ستقوم بعمل المقابلات وبتدريب المتطوعين للعمل خارج البلاد. كان لا بد أن تحدث تلك المكالمة، كي تكتشف كيف أن لوك حريص كل الحرص علي أن يبقيها في دياموندبار . وأنه يهتم بها اهتماما تراه في كل يوم تقضيه هناك. ما كان يخيفها الآن هو شيء آخر، لقد بدأ يضمها إلي طبقته تلك التي ينتمي إليها. هل هو الذي أقترح علي الدكتور سميث بوجوب أن تحظي بوظيفة داخل البلاد وليس بخارجها؟ كانت تلك الفكرة تؤرقها. فهي إن عاشت في لوس انجلوس يكون باستطاعتها أن تري جوردون كثيراً. وهي تعرف أن لوك من الكرم بحيث يرحب دائما بزيارتها . صرخ أحد الطيور، فقطع حبل أفكارها. هذا هو ما عملت له ألف حساب من قبل. إن انسياقها وراء فكرة البقاء هنا، كان وراء المزيد من الرفض بداخلها لما يحدث. أي أحمق يستطيع أن يلاحظ أن الطريقة التي أصبحت تتعامل بها مع لوك صارت أكثر من رد الفعل الطبيعي للتقرب والترحاب الذي تلقاه. إلي متى سوق تستمتع بهذا؟ فكلم مر الوقت أصبحت تريد المزيد، أن هذا سيكون بداية المتاعب. إن أعياد الميلاد ستكون في غضون ثلاثة أسابيع. وهي يحب أن ترحل قبل ذلك.
* * * *

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:50 PM

الفصل الخامس
 
أخذت حنا تتطلع إلي لوك:
-" ألم يخبرك دكتور كنتون بما تعانيه؟ إنها لم تحمل الطفل بين يديها أبداً، إنها تراقبه وقلبها يقفز من عينيها، عندما لا يكون أحد بجوارها. إني لم أر شيئاً كهذا طوال السبعين عاما التي عشتها."
رد لوك في غضب:
-" أمنحيها بعض الوقت."
كانت حنا تدرك أنه ليس غاضباً منها. أو من راشيل. إنما غضبه هذا علي السبب أيا ما كان هذا السبب الذي جعلها علي هذه الحال. لا بد أنه كان درساً بالغ القسوة، ذلك الذي جعل راشيل كارستيرز تخاف من الحب.
منتديات ليلاس
-" ربما وجب علينا أن نجبرها علي ذلك."
واستغرق لوك متفكراً. " أن نبعدك عن الطفل."
-" تعني، أن تقول إني مريضة مثلاً، وأن نعيد ماري إلي بيتها مبكراً؟"
همس لوك:
-" ظهرك المتعب يمكن أن يشتد ألمه عليك، أو ربما قد تقعين وينكسر كاحلك."
زاد اقتناعه بالفكرة وأضاف :" شيئاً ما بحيث تصبح في وضع ، يتوجب عليها فيه حمل جوردي."
زاد اقتناعه بالفكرة وأضاف :
-" شيئاً ما بحيث تصبح في وضع ، يتوجب عليها فيه حمل جوردي."
ذكرته حنا بفوطة المطبخ التي تحتفظ بها دائما معلقة علي كتفها.
-" عد إلي عملك ، أيها الثعلب العجوز، قبل أن أبحث عن تلك المغرفة الخشبية التي كنت أستعملها معك ومع روب عندما كنتما صغيرين. ستراني في الجبس بعد ذلك."
وتغلغلت جذور الفكرة. عادت راشيل من جولتها خارج الدار لتجد حنا تئن، وتشكو، وجدتها جالسة علي مقعد تسند ظهرها، والألم باد عليها. كان جوردي يجلس بقربها، يستمع إلي تلك الأصوات باهتمام ويحاول أن يقلدها.
منتديات ليلاس
-" حنا ، ماذا بك ؟ "
كانت راشيل جاثية علي ركبتيها بجوار المقعد.
-" ظهري، " غمغمت حنا، " لقد سقطت علي ظهري، لا أعرف كيف، إنه يحدث صوتاً. أواه!"
-" سوف أتصل بدكتور كنتون."
اعتدلت نبرات صوت راشيل ، وتحولت إلي هدوء الاحتراف، ذلك الذي اعتادته طوال السنوات الأربع والنصف الماضية.
-" لقد فعل لوك ذلك بالفعل ." وبدا صوت حنا متهدجاً ، وأخذت راشيل تتساءل إن كانت حنا تشعر برعشة أو رجفة، ولا تريد أن تظهر ذلك . " لقد حدث ذلك من قبل. دكتور كنتون قال إنه يجب أن أعالجه بتعريضه للسخونة والبرودة، وأن أتناول أدوية إرخاء العضلات ومسكنات الألم، وأيضاً النوم علي فراش مستقيم، غير وثير."
ودخل لوك إلي المطبخ.
-" حنا ، هل تحسنت حالتك؟"
ضمت حنا شفتيها وهزت رأسها:
-" لقد ذهب جاسون إلي المدينة، وقد أعطيت ماري فترة بعد الظهيرة إجازة حتى تستطيع القيام ببعض المشتريات لأعياد الميلاد."
-" حسنا، لا تشغلي بالك بذلك، الآن دعينا نصطحبك للفراش أولا."
وتغير صوته كالمتحير في الأمر:-" لقد اتصل جوان لتوه. لن تتمكن تريزا من الحضور اليوم، أيضا. ودافيد مصاب بالحمى. إنجيلا ستكون قد خارت قواها تماما عندما تعود من المدرسة. بيتي ماري ذهبت اليوم للتسوق. يجب أن أنهي البرنامج الذي أعمل به قبل الغد. لكني لن أستطيع أن أفعل ذلك الآن. سأتصل بالمكتب كيا...."
-" لا تفعل ذلك لوك ،" قاطعته راشيل بسرعة. " أستطيع أن أساعد."
قدرتها علي أن تسكته ، أن تتمكن من التصرف ، أن تكون محل ثقة ، كل هذا أعجب لوك . اختفت كل لمحة خجل، أو عدم ثقة. عندما أخذت راش في الحديث، أجبرته علي التركيز فيما تقول:

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:51 PM

الفصل الخامس
 
-" دعني أعين حنا حتى تصل إلي فراشها، وسأعود من فوري. لقد كونت فكرة عامة عن روتين جوردي، وأستطيع أن أشغله تماماً طالما هو غير نائم، ستنجح هذه الطريقة."
ثم استدارت إلي حنا وأكملت :
-" ستشفي في غضون يوما أو يومين، ستري بنفسك."
أضافت حنا بطريقة ماكرة بعد أن تلقت من لوك إشارة فهمتها:
-" لا ، لا لن أبرأ بهذه السرعة. لقد حدث لي هذا من قبل. إن الأمر يستغرق دائما أسبوعا علي الأقل حتى أُشفي تماماً."
أحاطتها راشيل بذراعيها وراحت تساعدها علي إعادتها إلي حجرتها. ثم عادت بعد فترة قصيرة وقالت بسرعة :
-" سأعني الآن بأمر جوردي؟"
أطلعها لوك علي ورقة تحتوي علي جدول طعام جوردي.
-" لقد أُعد الطعام له بالفعل في الثلاجة. أما خلاصة الحبوب فستجدينها علي الرف بجوار جهاز تحميص الخبز. إن احتجت إلي أي مساعدة فقط أخبريني."
منتديات ليلاس
واحتضنت عيناه عينيها، تبحثان في عينيها عن علامات العصبية أو الارتباك، فلم تجدا أيا منها. إن راشيل كارستيرز لبارعة عندما تكلف بعمل أو مهمة. لا يوجد نساء كثيرات يستطعن الاضطلاع بما تستطيع هي أخذه علي عاتقها. ثم أكمل برفق :
-" أعتقد، من الفضل أن أعود الآن للكمبيوتر."
بكل هذه البساطة.
بعد ذلك بساعتين، تسلل لوك إلي الشرفة، فقط حركة الكرسي الهزاز، هو ما أخبر لوك أن راشيل تجلس عليه. تسلل إليه ذلك اللحن الجميل. أخذ لوك يتطلع إلي صورتها المنعكسة علي نافذة باب الشرفة. شاهد انعكاس صورنها وهي تريح رأس جوردي علي خدها. سرعان ما نام الطفل، كان من السهل عليه أن يلاحظ أنها لا تعتزم القيام لوضع الطفل جانباً. ابتسم لوك ، شعر بألم في داخله. ربما استطاع جوردي أن يبلغها الرسالة: إنها تنتمي إلي هذا المكان. ثم تسلل بعيداً كي يطلع حنا علي ما حدث.

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:53 PM

الفصل الخامس
 
-" لقد نجحت الخطة."
أبلغها ذلك وهو كله سعادة وسرور: " لقد سمعتها تحادث جوردي طوال الوقت وهي تطعمه وجبة الغداء، سمعتها مرة تقهقه بصوت عال، والآن إنها تغني له."
وغمرت السعادة حنا. إنها لم تر لوك مستريحا هكذا منذ فترة طويلة. ولكيلا تحرج أياً منهما ، غطت علي عواطفها بشيء من الخشونة المصطنعة:
-" وإلي متى يجب أن أبقي ها هنا ؟ إن الرقود في الفراش غير محتمل. راشيل رفعت الوسائد بعيداً. إنها تقول: إن هذا أفضل لما في ظهري من آلام. إنني أكاد أتنفس بصعوبة وأنا علي هذا الوضع."
-" هوني عليك، لن يطول الأمر أكثر من أسبوع واحد. أعدك بذلك."
كانت تراقبه مبهورة. لوك يصفر بفمه وهو في طريق عودته إلي غرفة عمله. أسبوعاً كاملاً!
ونظرت حنا إلي ذلك الباب الذي أغلقه وراءه. إن عدم الحركة هو الموت نفسه، بالنسبة لها. لم تكن غاضبة. في حقيقة الأمر أحضرت الوسائد مرة أخري من الدولاب، ووضعتها مكانها علي الفراش، ثم عادت للرقاد وابتسامة رضا ترتسم علي وجهها.
منتديات ليلاس
-" إن هذا ليشفي الجسد حقاً، أن أسمعه يصفر". قالتها لنفسها بصوت مسموع.
كانت ميريام سومرز متمكنة في أصول السلالات ونقائها، كانت تشارك زوجها كل واجبات إدارة دياموندبار. وكانت حنا هي التي تقوم برعاية الابنين في الأعوام القليلة الأولي من حياتهما، كونت معهما رابطة لا يمكن أن تنفك عراها أبداً. الآن، أحد ابنيها قد مات. كانت تريد السعادة للآخر، لم ترفض له طلباً أبداً حتى يستطيع القيام برعاية ابن أخيه علي أكمل وجه. وأحياناً كان يخيفها انغماس لوك الكامل مع جوردي.
-" أختي بتي ترغب في أن أذهب لزيارتها."
أعلنت حنا عندما دخلت عليها راشيل تحمل صينية، وكانت الساعة الواحدة. بصعوبة، استطاعت أن تخفي تلك الوسائد من الفراش، وفي الوقت المناسب.
-" هل أخبرتك أنها تعيش علي بعد حوالي نصف ساعة من هنا؟ حسنا، لقد اتصلت بها، فأخبرتني أنها تحتاج إلي أن أكون بصحبتها. هذا سيسهل الأمر عليك، أيضاً، لن تضطري إلي العناية بي في كل خطوة أخطوها".
-" لكن هذا لا يزعجني البتة."
قالتها راشيل كالمعترفة. أفلت الأمر من يد راشيل، فحاولت محاولة أخيرة باستماتة:
-" حنا ، لا تحاولي أن......."
-" ماذا ، يا عزيزتي؟" ، واستغرقت حنا في تناول الحساء متجاهلة النظرة الحزينة علي وجه محدثتها. ودون انتظار إجابتها أسرعت تقول:
-" إنه لشيء رائع أن أقوم بصحبة بتي الآن بالذات. هل أخبرتك أن زوجها باد قد سافر إلي سان فرانسيسكو وأنه سيتغيب بها مدة أسبوع؟ رحلة عمل، ولكن لأن الأعياد أصبحت علي الأبواب، لم تستطع أن تصاحبه في هذه الرحلة. إنها مرتبطة بطلبات علي المخبوزات التي تقوم بإنتاجها. لقد كنا أنا وبتي متقاربتين دوماً، إنها سعيدة جداً بزيارتي لها، إني أشعر بتحسن بالفعل."
-" سوف أكون في غاية الأنانية أن قلت أي شيء."
وضمت راشيل شفتيها. سوف تفتقد بشدة تلك الألفة والحرارة اللتين تنالهما من هذه العاملة المنزلية.
-" لقد أعد كل شيء" ، وأشاحت حنا بوجهها بسعادة ، متظاهرة بأنها لم تلاحظ نظرة اليأس التي تكسو وجه راشيل.
-" لوك يعلم طريقة تجهيز الرضعة لجوردي، لقد قام بهذا العمل من قبل عدة مرات. تريزا عرضت أن تأتي إلي هنا من الثامنة إلي الواحدة لتكون مع ماري. إنجيلا غالباً ما تأتي الساعة الثالثة وتبقي إلي السادسة ثم نعود في الثامنة وتنام هنا طوال فترة غيابي. سوف تكونين بخير. جوردي نادراً ما يصحو أثناء الليل، فلن تضطري إلي القلق من هذه الناحية. وعلي كل حال، لوك عنده شاشة مراقبة لحجرة جوردي في

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:55 PM

الفصل الخامس
 
حجرته، وسيكون بحجرة جوردي قبل أن يخرج الطفل نفساً آخر لصيحة ثانية. جوان سوف يقوم بتوصيلي عند أختي موفراً عليها أن تقوم هي بالرحلة . تذكري، يمكنك استدعائي بأي وقت بالتلفون فأكون رهن إشارتك."
حملت راشيل الحقيبة لحنا . وبعد ذلك بنصف ساعة رحلت العاملة، وتركت المنزل يبدو شبه خاو. تستطيع أن تتدبر أمرها جيداً....... طالما لا تصيبها نوبة من نوبات الحزن. كما أنها لن ترعب نفسها بتصور أسبوع كامل علي هذا الوضع. واختلف الأمر في الساعة التالية مباشرة. هذه هي الطريقة التي اعتادتها دائما عندما تسوء الأوضاع في عملها كمساعدة طبية. تصادف وجود إنجيلا مع استيقاظ جوردي . كانت الفتاة علي دراية تامة بالبرنامج المعد. فانهمكت مع المكنسة، وانشغلت تماما. كان جوردي يحتاج إلي تغيير ملابسه. حملته راشيل إلي حجرته، فقد قررت أن تغسل له وجهه وتغير له الملابس أيضا.
لم يشكل الجزء الأول أية مشكلة. ابتسم الطفل عندما بدأت تستعمل ذلك القماش الذي غمسته في الماء الدافئ . كان وضع الحفاظ له شيئاً مختلفاً تماماً. فالأطفال الذين صادف أن اعتنت بهم في عملها، نادراً ما كانوا يستعملون الحفاضات، غالبيتهم كانوا يلفون بقماش أبيض يربط بدبوس خاص من الأمام. انهمكت راشيل ولسانها بين أسنانها واستطاعت أن تلفه به. وظنت أنها قد لفته بعناية، حتى أوقفته فانفك اللاصق المربوط به . لحسن الحظ أن اللاصق يمكن استعماله لعدة مرات. وحاولت راشيل مرة ثانية. كم يكون هذا الرباط شديداً علي طفل؟
منتديات ليلاس
غمرتها السعادة بإنجازها هذه الخطوة، ثم أكملت إلباسه بقية ملابسه ثم حملته إلي حجرة المعيشة، الأمر كله ينحصر في البقاء في سكون، والاعتياد علي القيام بأعمال مختلفة عما اعتادته، كانت تخبر نفسها بذلك.
أخرجت إحدى زجاجات الرضاعة ووضعتها في جهاز التدفئة. أمسك جوردي برقبتها. كان هذا الإحساس بالسعادة الذي غمرها، كان تقريباً طلقة ألم أصابت راشيل، وابتسمت بحنان:
-" إنك حبيب قلبي . إني أهيم بك حباً."
-" جارية أخري؟"
خفق قلب راشيل ثم بقيت ساكنة تماماً. ووقف لوك بباب الحجرة يرقبها. وتوقف الزمن لدقيقة، شعرت بانفصالها عن الوجود كله، لقد كانوا يعيدون نفس المشهد العائلي، من زمان آخر، وحياة أخري.
-" هل أنت بحاجة إلي أية مساعدة؟"
كان قريباً منها لدرجة أنها لم تستطع أن تفكر، لم تستطع أن تتنفس. الدفء الذي انبعث منه يدعو إلي اللمس. الشعر البادي من فتحة قميصه كان يزعجها ويربكها.
-" لا أنا بخير."
وأشاحت راشيل بوجهها للجهة الأخرى ، لتتناول زجاجة الرضاعة. اقترب جوردي كعادته من الزجاجة. وعادت الابتسامة تعلو وجه راشيل عندما تواصل هز كرسيها الهزاز ، محتضنة الطفل بين ذراعيها....
كان جوردي كمن اعتقد أن وقت التغذية قد أصبح وقتا للألعاب الرياضية. عندما تركز تفكيرها في الطفل يتلاشي كل ما يدور حولها.
توجه لوك إلي دولاب المطبخ ، أخذ فنجانين، ووضع الإناء في السخان. –" هل ترغبين في بعض الشاي؟"
أسبوع واحد هنا واختفي تل البن الذي كان موجوداً.
-" نعم من فضلك. كيف حال العمل؟"
انحدرت عينا لوك إلي شعر الطفل الأسود الفاحم وقد تسلل إلي صدرها.
-" بخير. سأنتهي منه في كمنصف الليل تقريباً. غداً يمكنني أن أعينك في رعاية جوردي."
وصب الماء المغلي فوق أكياس الشاي. ولأول مرة تلاحظ راشيل تلك الخطوط التي تحيط عينيه.
-" لا تقلق علينا. نحن بخير معا."
-" إني أرى ذلك بوضوح."
كانت عينا جوردي مثبتتين علي راشيل وهو يشرب رضعته. ونظرت راشيل إليه فشعرت أن الرقة الفياضة تلك تضيء كيانها كله. أخذ لوك يرشف الشاي مستمتعاً بالمشاهدة. كان المشهد كفيلاً بجعل الرجل القوي يجثو علي ركبتيه احتراماً لما يري.
أخذ يقاوم الرغبة في أن يضمهما سوياً ويحتضنهما قريباً من قلبه. لقد حدث الأمر سريعاً. راشيل تحاول إعادة اكتشاف كل شيء. عن نفسها . عن الحياة. حركة واحدة خاطئة من جهته فيسقط كل شيء، ولا تجد الشجاعة ثانية لتعود لذلك. عليه بالصبر. هذه أول مرة يحدث له ما يحدث، هذا الانتظار من أجل امرأة، لكنه كان يريد أكثر من المألوف مع راشيل.
-" يمكنك ترك فنجاني علي الطاولة، إذا سمحت."
أعاده صوتها إلي الوقت الحاضر فانصرف آخذا معه فنجانه، وعاد إلي حجرة عمله.
أخذت راشيل تلاعب جوردي علي أرضية حجرة المعيشة، لعبة التقاط الأشياء والدمى. بعد فترة وضعته في الكرسي ذي العدادات والخرزات البلاستيكية، مذكرة نفسها أنه قد يتدحرج أثناء وقوفه علي الأرض، فيصاب بأذى. بالأمس، أخبرتها حنا أنه كان يقف خلف الكنبة في حجرة المعيشة، وقد أصابها ذلك بشبه سكتة قلبية، عندما بحثت عنه ولم تجده أمامها. لحسن الحظ أن أجابها بكاءه

الشجرة الطيبة 26-07-09 10:57 PM

الفصل الخامس
 
وجبة العشاء. عندما أخذت تفكر في الأطباق الرائعة التي كانت تضعها حنا أمامهم علي المائدة، أصاب ذلك راشيل بشيء من العصبية. عندما لم يكن هناك سواها هي وأبيها، كانت وجبة العشاء المعتادة تتكون من الحساء المعلب والشطائر. من آن لآخر كانت تجرب أن تعد شيئاً في آنية الطبخ، لكن هذا كان استثناء لمواهبها المحدودة. كما لم تتح لها أبداً الفرصة لتعلم الطبخ بالخارج. م. ر. أ. غالباً ما تقوم بتعيين أحد الطباخين المحليين لموظفيها بالموقع. بالتأكيد الأمر ليس بالغ التعقيد . حنا تجعله يبدو يسيراً سهلاً. بعد ساعة لم تصبح واثقة من ذلك. وبدأ جوردي يشعر بالملل. أخبرها صراخه بذلك . كان المطبخ قد أصبح كله فوضي. أحست راشيل أنها قد انتهت لتوها من ألعاب بهلوانية معقدة، دون أن تسعد أيا من مشاهديها. كانت قد وضعت في الفرن قطعتي ريشا من اللحم. إن استجابتا لما بذلته من جهد، فستكونان وجبة للعشاء. وانتهت لتوها من سلطة البطاطس التي ستصاحبهما. أخذت تنظر هنا وهناك علي الموائد والرفوف من حولها. فوضي كبيرة بالنسبة لوجبة واحدة. وبدأ جوردي يتعالي بكاؤه، ستؤجل مؤقتاً فكرة تنظيف المطبخ، رفعته راشيل إليها واحتضنته. كان الطفل يتبول. –" أواه يا عزيزي!" دون شك فأن مهاراتها في تغيير وإحكام الحفاظات تماثل مهاراتها في أعمال المطبخ. بدا جوردي كالموافق علي ذلك. وأشاح برأسه بعيداً. فجأة أتي لوك، جاء ليساعدها علي إسكات الطفل. أدخل ذراعه أسفل جوردي يتحسسه، ثم أخذ ينظر إلي معصمه المبتل ، لكن كل ما قاله:
-" سأضع أنا له الحفاظ . هلا حركت قدمك قليلاً؟"
منتديات ليلاس
وذهب به قبل أن تخبره أنها كانت بسبيلها للتغيير لجوردي. ليس أنها كانت تريد ذلك. تلك الحفاظات . تلك الحفاظات بدأت تشعرها أنها لا يمكن أن تحكمها بطريقة صحيحة. بدت الحياة فجأة في غاية الصعوبة. وبدأ الإحساس بالإخفاق يغمر راشيل . رائحة احتراق جعلتها تهرع إلي الفرن. أمسكت بقفاز المطبخ، دون أن تزعج نفسها بأن تدخل يدها فيه، وأخرجت الصينية.
-" أواه!"
لقد مست النار بأعلى الفرن . ألقت الصينية علي الطاولة، وجرت إلي الصنبور، تركت يدها تحت الماء البارد . من خلفها، كان هناك قطعتان متفحمتان ترقدان في الصينية، التي أصبحت تحتاج إلي شهر كامل للتنظيف، حتى تعود ألي درجة النظافة التي تقبلها حنا. لا بد أنها قد رفعت حرارة الفرن بدرجة كبيرة. فرت دمعتان، وانحدرتا علي وجهها. ألقت بقطعتي الريش مع القمامة، ووضعت الصينية، ثم أغلقت راشيل باب الفرن بعنف. هل يمكن عمل شطائر من سلطة البطاطس؟
عاد لوك إلي المطبخ بعد أن ارتدي قميصاً نظيفاً، والطفل تفوح منه رائحة عطرة أعادت إليه ابتساماته . تجاهل متعمداً الرائحة التي يشمها بالمطبخ ، ووجهها المضطرب. وأخرج برطمانين من أغذية الطفل ووضعهما في الميكروويف .
-" لقد أحرقت العشاء."
ذكرته نبرتها العالية بأحد الجراء، يقف محاصرا من كل جهة، أخذ في النباح.
-" يوجد بيتزا في الفريزر،" ثم عاد لوك برفق، " سأقوم بتسخينها بمجرد أن ينتهي جوردي من طعامه."
ثم متجاهلاً تلك الفوضى التي تحيط به ، بدأ يطعم جوردي شيئاً من البازلاء واللحم ، لم يسمح لنفسه أن يلقي نظرة علي المطبخ ، إلا بعد أن سمع باب حجرة راشيل يغلق من خلفها.
وارتسمت نصف ابتسامة علي شفتيه ، وأخذ يقول لجوردي ربما، من المستحسن أن نأتيها بكتاب عن الطبخ، كهدية بمناسبة الأعياد. أليس كذلك يا بطل؟



نهاية الفصل الخامس

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:00 PM

الفصل السادس
 
الفصل السادس
بعد أن جهز جوردي للنوم، أخذ لوك يوقد المدفأة في حجرة المعيشة. لا أثر لراشيل. أخذ يتساءل إن كانت قد قررت أخذ حمام طويل كعادتها. حيث أصبح الحمام هو التسلية الوحيدة التي تفضلها. في إحدى الأمسيات التي مضت، وبعد العشاء مباشرة، سألتها حنا إن كانت ترغب في رؤية أمسية شعبية غنائية معها. ترددت راشيل ثم قالت:
-" إن لم يكن لديك مانع، فإني أفضل أن آخذ حماماً."
إنه ألقي بها اليوم إلي تلك النهاية المظلمة. فقد فاجأته مرة أخري بقابليتها تلك للمواجهة والمجابهة، وبحالتها المعنوية الجيدة... مما أثر فيه. لقد عرف القليل من النساء اللاتي يستطعن أن يخطين مثل هذه الخطوة ، ويتحملن مسؤولية كهذه، ودون أي مقدمات، ودون الحاجة إلي الرقص والغناء، كان هناك القليل من النقاط الصعبة. لنت عواطفه عندما أخذ يتذكر تعبيراتها المحبطة عندما أخرج يديه ، ووجد معصمه مبتلاً، من تحت جوردي.
منتديات ليلاس
وهذا العشاء. لم يكن يتصور أنها قد تعتزم القيام بالطبخ أبداً. حنا دائماً ما تترك الفريزر مملوءا بالوجبات السابقة الطبخ والتجهيز، وفي الواقع، لقد كان يتحتم عليه أن يخبرها بشيء عن هذا الموضوع.
رفع لوك بصره ، ليجد موضوع أفكاره وتساؤلاته ، يقف بشحمه ولحمه أمام الباب. ترتدي جيبا متعدد الألوان، وبلوزة بيضاء ناعمة برقبة مفتوحة، تنم عن مفاتنها. شعرها كان معقوصاً إلي الخلف في جديلة واحدة، وخصلات رقيقة من شعرها تلتصق برقبتها، كدليل علي حمام منعش لم تمر عليه لحظات. ونظرة عدم الثقة قد عادت إلي وجهها . كأنما، لو لم يكن هنا جوردي أو حنا لتختبئ خلفهما لكانت تضيع تماماً. فلوي لوك فمه ثانية. تري كم من الوقت يلزمها حتى تكتسب ثقتها من جديد؟.
-" هل ترغبين في شيء تشربينه. يا راش؟"
لمعت عيناها عندما وقعت علي كأس الشراب الذي بيده.
-" لا......لا، شكراً لك."
-" تفضلي بالجلوس. البيتزا ستكون جاهزة بعد خمس دقائق. لقد اتصلت بحنا أنها بخير."
-" إن هذا ليسرني سماعه."
تقدمت راشيل داخل الحجرة، وجلست علي أحد المقاعد ، ثم التقطت إحدى الوسائد الصغيرة المتناثرة ، وضمتها بين أحضانها.
-" كم يبلغ عمر حنا؟"
-" سبعين عاماً."
-" إنها تبدو في حوالي الخمسين، فلديها قدر كبير من الطاقة والنشاط. إنها تجعل كل شيء يبدو سهلاً يسير."
ولم تذهب مسحة الحزن من وجه لوك.
-" لقد قمت بجهد رائع اليوم ."
وغمر وجهها لونا أحمر، فأعجبه ذلك. أخذ يفكر، من المؤكد أنها تعلم، كم هي جيدة وطيبة. لو كانت الطريقة التي تنجز بها كل شيء مؤشراً لأسلوب عملها لوجب القول إنها تساوي وزنها ذهباً، أخذ يتأملها، وهي تشبك أصابعها سوياً، ثم قال:
-" لقد كنت رائعة مع جوردي. أنا مسرور للغاية، للطريقة التي انجذب بها إليك. لقد بدأ يتعرف علي الناس، ويرهب الأغراب بعد دقائق معدودة، لكنني في كل مرة كنت أنظر فيها إليكما معاً، لقد أصبحت مألوفة جداً لديه. لم أكن أتوقع أن أتم كل ما قمت به من عمل اليوم، أشكرك يا راش."
أدارت وجهها سريعاً ، فرأي انعكاسات نار المدفأة تلمع علي حبات دموعها. مال لوك إلي الأمام، آخذا في التقرب منها. أراد أن يصل إليها . لا يستطيع أن ينكر تلك الراحة التي أراد أن يهبها إياها، ، أكثر من ذلك . وفجأة رن جهاز التنبيه بالموقد الذي في المطبخ ، فهبت واقفة :

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:03 PM

الفصل السادس
 
-" سأجهز المائدة."
عندما رأي إسراعها بالخروج، أدرك أن ذلك الجو المشحون بينهما، يجعلها في حالة ارتباك تام.
-" دعينا نأكل ها هنا . سيكون أفضل هنا بجوار النيران." منادياً عليها.
توقفت راشيل ونظرت من فوق كتفها إلي الخلف. سيكون أفضل بالفعل بجوار النيران أفضل بكثير. وارتفعت نبضات قلبها ، حتى صارت كدقات الطبول . كان لوك يبدو مختلفاً هذا المساء . كان بنطلونه الجينز ، وقميصه الأزرق الناعم ، يبدوان كما لو التصقا بجسده. جلست علي الأرض ، وامتدت ساقاها الطويلتان أمامه، في حين بدا هو مسترخياً تماماً. تلمع النيران علي وجهه، تصبغ خطوطه القوية بلون الذهب، نظراتهما تخيفها ، وتثيرها.
لا بد أنها تلك النيران، هي التي تبعث في الجو تلك الإثارة، تصبغ لون الحجرة بالفتنة والغموض. ذلك اللهيب البرتقالي بلون الأحجار الرمادية، يحيلها إلي لون ثالث غريب، فتصطبغ الحجرة كلها بانعكاساته.
عندما وضع لوك يده علي كتفها ، جعلها ذلك تقفز من مكانها. كان صوته الآمر لها ، به من القوة بقدر ما به من رقة وحنو:
-" اجلسي . استرخي. سأقوم أنا بالباقي."
لقد لمسها البعض من قبل . كثيراً. لكن أقل لمسة ، أو احتكاك ، مع هذا الرجل تبعث فيها تياراً كهربائياً ، يتركها غائبة عن الوعي. دفنت راشيل رأسها في الوسادة الصغيرة التي كانت تمسك بها، رفضت أن تنظر إليه عندما عاد يحمل الأكواب، فوضعها ثم ذهب ثانية ليحضر البيتزا.
جلس لوك علي الأرض قبالتها، وتناول قطعة البيتزا التي قدمتها له، انهمك في الأكل بعد أن تجاهلها تماماً وهي تقوم بالتقطيع لتقدمها له .
منتديات ليلاس
-" إنها لذيذة الطعم."
لكن نبراته التي اصطبغت بالرضا البادي، لم تحدث أي استجابة منها. تظاهرت راشيل بالاستغراق بمراقبة النيران، بينما كان كل عصب ينبض في جسدها، يتراقص جذلا، لاهتمام لوك بها. مد يده ليأخذ زجاجة الفلفل الحار، واحتك ذراعه بها، متمسحاً ببشرتها.
-" هل تعجبك البيتزا؟"
كان لوك يتساءل عما حدث الآن. لو كان هذا الصمت طبيعياً، لنحاه جانباً، وما فكر فيه. لكنه لم يكن كذلك.....يبدو عليها التوتر واضحاً ...... غير مريح كشيء خشن يعلق بالبشرة فيضايقها.
-" إني لم أذق البيتزا منذ زمن طويل، لكن طعمها رائع."
كانت تلعب بقطعة البيتزا بين يديها، وانسياب لعابها يعوق كلماتها.
-" إن لم ترق لك ، فقط قولي لي، يمكنني أن أجهز لك عجة بيض."
ووضع لوك يده علي يدها يمنعها أن تقضم من القطعة التي بيدها. لكن صرخة الألم التي انبعثت منها، آلمته بقدر ما آلمتها.
-" ماذا بك؟"
كانت راشيل تضع يدها إلي الوراء، خلف ظهرها . بدت كالأطفال ، تنطق عيناها المستديرتان بالإحساس بالخوف والذنب معاً. بدا جوردي هكذا تماماً ، عندما وجد يعبث ذات مرة بما هو غير مسموح له العبث به. برقة. رفع لوك ذراعها، وأخذ يتطلع إلي يدها. كان صوت أنفاسه يعلو، ويملأ السكون الذي يحيط به. ثلاثة حروق بلون بنفسجي تؤذي تلك البشرة الناعمة لظهر يدها.
-" متى حدث ذلك؟"

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:06 PM

الفصل السادس
 
كانت يدها تبدو كأنما تحاول التملص من يده، كما لو كانت تحاول أن تقلل الاحتكاك به.
-" اليوم، مبكراً"، وبدأت النبرة الحادة تعود إلي صوتها:
-" إنه لا شيء. لم أعر ذلك اهتماما."
-" إنه الفرن."
وأصلح لوك لها ما قالت:
-" بل وجبة العشاء. هكذا احترقت يداك، أليس كذلك؟"
-" نعم . إنه لا شيء."
ثم قالت راشيل بسرعة:
-" إنني فقط، لم أعتد استعمال الفرن. لقد كانت حماقة مني."
وهو الذي كان يعتقد أنها تستطيع القيام بكل شيء. فأخذ يركز همه في إتمام ما وراءه من أعمال.
-" هل وضعت شيئاً عليها؟"
-" لقد أجريت عليها بعض الماء البارد."
-" لهذا لم ينتفخ مكان الحروق، علي ما أعتقد، لكنك بحاجة إلي شيء يقلقل من الإحساس بالألم."
واختفي في الحمام، ثم عاد يحمل أنبوباً. وضع راحتها في يده، وراح يدهن المرهم علي منطقة الحرق. أخذت راشيل تنظر إلي يدها . كانت تضيع داخل كف لوك العريض. لكن، مع حجمها الكبير هذا كانت لمساته في غاية الرقة. كانت تقاوم الرغبة في أن تجذب كفه، وأن تدفن وجهها فيها.
-" دعي تريزا تعد وجبات العشاء بعد ذلك."
كيف يتركها وحدها تعد وجبة العشاء؟ كان من واجبه أن يشير إلي هذه البيتزا في وقت مبكر. ولم يشعر لوك ، بأن الغضب الذي بدأ يحس به، قد انعكس علي صوته.
-" حسنا. إنني أعتذر عن حماقتي."
نبرة الانكسار التي بدت في صوتها، نبهته، جعلته يرفع رأسه. كان ذقنها يرتجف، لكنها حتماً لم تكن قد انتهت مما تريد قوله. ضحكتها، كانت تعني افتراض أنه يرفض ما فعله، كانت تؤلم كما يؤلم الكحول عندما تصب علي الجرح.
-" إني أبدو كالبلهاء في المطبخ. كما أظن أني قد أفسدت أيضاً إحدى قدور الطهي. سيكون من الأفضل ألا أحاول بعد ذلك استعراض مهاراتي في المطبخ علي حسابك الخاص."
أخذ لوك ينظر إلي رأسها المطأطأ لأسفل . كان الوضع أسهل عليه هكذا، من أن تري نظرة الرعب التي تبدو في عينيه.
منتديات ليلاس
من، أو ما الذي جعل راشيل بهذا التعقيد الداخلي؟
لقد كان يجهز لتوه، أحد الخيول الأصيلة التي لديه، ليسلمه للشخص المسئول عن حراستها وأمنها.
-" اللعنة. إني لم أشر مطلقاً إلي حسابي الخاص أو أية مصاريف، أيا كانت."
ثم أكمل مسرعاً، "أني أهتم فقط بسلامتك."
ولم يستطع لوك أن يخفي نبرة الحزن و الألم في صوته. في لحظة ما ، الآن سيبدأ في اليأس من إقناعها بالكلمات، سيبدأ في تقبيل تلك الأحاسيس التي بداخلها.
-" يمكنك إحراق أي من قدور الطهي بالمطبخ، إن كان هذا يرضيك، لكن إن أصابك بعد ذلك أي أذي ، أريد أن أعلم في الحال. مفهوم؟"
ورفعت يده ذقنها إلي أعلي. كانت عيناها تلمعان، بدت عينا راشيل أمام النيران مستغرقة بعمق، في كل الاحتمالات في كل ما قد يتفوه به لوك. إن حديثه لغريب حقاً، كما لو كان من حقه أن يقول ما قاله الآن..... كما لو أنه يهتم بها. دمعة وحيدة أفلتت تلقفتها يد لوك، مسحتها. تحركت ذقن راشيل لأعلى ، لكنها احتضنت نظراته.
-" أحسب أني لا أصلح لأي شيء، سوى مساعدة طبية."
أجاب بسرعة:
-" لا يوجد إنسان كامل، أراهن أنه لا أحد منا هنا في دياموندبار ، يستطيع أن يؤدي نوع العمل الذي تعتبرين أنت خبيرة فيه. لطالما رأيت رجالاً أقوياء، يتهاوون لمرأى الدماء."
وابتسمت وبدا في عينيها أنه لم يكن من حقه أن يقول ما قاله. بدأت تشعر أنه قد يصبح لطيفاً معها، هل يمكن هذا؟ ولأول مرة في حياته، شعر لوك بالمعني الحقيقي لأن يكون المرء منهكا.
لفهما الصمت، وبدأت راشيل تشعر أن الزمن قد توقف، كما لو كان ينتظر شيئاً مهما.
تري هل سيحاضرها لوك عن مسؤولياتها تجاه نفسها؟ إن الرجل لديه الكثير من الأعمال، غير رعايتها والاهتمام بها.
لقد أرتها حنا مكان رف الأدوية والإسعافات الأولية. كان من واجبها، أن تتوجه إليه من فورها، لتأخذ ما تداوي يدها به، بدل أن تظهر نفسها في صورة امرأة معدومة الحيلة.
وأحذ لوك يحتضن وجهها، بين كفيه الدافئين، سارحاً في النظر إليها، فنظرت إليه.
-" اسمعيني يا راش،" قالها بجدية، " لست مضطرة إلي أن تثبتي أي شيء لأي مخلوق هنا. بنا فيهم أنا نفسي. لسنا نتوقع امرأة سوبر. إننا نحبك كما أنت."

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:10 PM

الفصل السادس
 
تراجع العالم كله، بما ملأ به أحاسيسها. كانت لمسة شفتيه، في البداية، كفراشة رقيقة تتمسح بها.
تمسحت بصدره المفتول، تمسكت به، كما لو كانت أخيرا، عادت غلي الديار.
مر الوقت ولم يشعر به أحد. لم تسمع راشيل تلك الطرقة الخفيفة علي الباب. كانت تغوص في إحساسها بما حدث منذ قليل.... فلم تكن تلك الأحاسيس بغريبة عليها، لقد قبلها لوك من قبل. احتضنها، فوجدت الأمان والسلام. كانت تعاني الإحباط، عندما انتحي لوك عنها أخيراً. أثار صوت انفتاح الباب اهتمامها. دخلت إنجيلا من الباب يتبعها أبوها.
منتديات ليلاس
-" إن الحرارة تنخفض بسرعة."
كانت راشيل ممتنة ، للطريقة التي وقف بها لوك، حائلا بينها وبين جوان وإنجيلا، ليعطيها الفرصة أن تصلح من أمر نفسها. كان جوان يتحدث عن الروماتيزم الذي بدأ يعاود الاشتداد علي تريزا، مما يعني أن الجو صار قارص البرودة. اصطحبتها إنجيلا وهي تحمل لها حقيبتها إلي حجرة الضيوف.
-" ألا ترغبان في شيء من البيتزا؟" قالتها راشيل والخجل يعتريها.
-" لا شكراً لك. لقد أكلنا لتونا. ربما، في أمسية تالية تلبيان دعوتنا أنت ولوك لتناول شيء من الفطائر المحشوة، ماري ستبقي مع جوردي."
-" ما رأيك، هل آتي بطفاية الحريق معي؟"
وابتسمت إلي جوان . شيء ما في مدير المزرعة يذكرها بتوم أتويل دافئ، صديق، متفهم. وأرجع جوان رأسه للوراء مقهقهاً:
-" أري أن حنا قد حذرتك منا، إنها لن تنسي حينما أحضرنا لها أحدي الفطائر التي نصنعها، وكانت مملوءة بالفلفل الحار."
ثم استدار إلي لوك:
-" كان هذا فور زواجها بكارلوس. أخذت حنا تصر علي الأطعمة الحريفة. فأخذت تريزا كلمتها مأخذ الجد، وقامت بإعداد وجبة خاصة لهما. وبعد قضمة واحدة، ظنا أن النيران سوف تشتعل بحنا."
وتوقف جوان ثانية، ثم واصل كلامه:
-" لا تخشي شيئاً، سوف نعد فطائر غير حارة من أجلك."
-" إن هذا ليسعدني."
-" إن وجدت الوقت ، فلا تترددي."
ثم استدار جهة لوك وقد شاب نبراته شبه اعتذار:
-" هل يمكننا أن نتحدث قليلاً بشأن دياموندبرايد، السيد كالاهان اتصل ثانية في الساعة الخامسة مساء. إنه متلهف علي إنهاء الإجراءات."
-" تعال إلي المكتب . بعد إذنكم، " ثم وجه لوك كلامه إلي راشيل، " لن يستغرق الأمر طويلاً."
عندما سمعت راشيل صوت إغلاق باب العمل، دبت في أوصالها الحركة. فرفعت طبقها، وأخذت تراقب الفتاة التي شرعت تفتح التلفزيون:
-" إني ذاهبة إلي الفراش الآن. لقد كان اليوم طويلاً. تصبحين علي خير."
-" تصبحين علي خير."

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:13 PM

الفصل السادس
 
كان صوت إنجيلا غائباً عن أن تسمعه، سرحت مع خيالاتها، راحت تتخيل امرأة ترتدي زي المساء، تصرخ، تطالب بحريتها. صفقت راشيل باب حجرتها، ثم راحت تستند عليه بظهرها. لوك . لقد لامست شفتيه. لقد قبلها، احتضنها كما لو كان هذا يعني شيئاً مهما. هل كان هذا محض خيال كضوء القمر الذي يتسلل إلي فراشها، أم أن تلك اللحظات كانت تعني له شيئاً حقاً؟ طوال الأسبوع الذي قضته هنا ، تعلمت راشيل أن لوك ليس بالرجل الذي يقول أو يفعل شيئاً، ولا يعنيه. شعرت بالنوم يرخي جفونها، وبالسعادة تملأ قلبها.
* * *
استيقظت في الثامنة علي رائحة مقانق يتم تحميرها. قفزت من الفراش، وارتدت راشيل ذلك الثوب السميك الذي اشتراه لوك لها، ثم اندفعت نحو المطبخ. كان جوردي جالساً علي مقعده العالي، ممسكاً بملعقة يلعب بها. وكان لوك يقف أمام الغلاية. كان يرتدي سويتر قد أغلق بإحكام علي الجزء العلوي من جسده، بلونين، البني والكريم. وكان يرتدي بنطلوناً سميكاً بلون الكريم أيضا . أدركت راشيل أنه يجهز شيئاً انشغل بطبخه.
-" صباح الخير. هل نمت جيداً."
أخذت عيناه تتفحصها بعناية من رأسها حتى أخمص قدميها . زاد إفراز الأدرينالين في أوصال راشيل، فأفاقت تماماً.
أخذ جوردي يخبط بالملعقة علي الصينية أمامه، فأخذت تقبله، سعيدة أن وجدت عذراً تخفي وجهها وراءه.
-" لقد طال نومي أكثر من اللازم"، اعترفت برقة ثم أكملت، " كان من الواجب أن توقظني."
-" لماذا؟" كان لوك يسألها، كأنما يقرر أمراً واقعاً:
-" لقد كنت بحاجة إلي النوم. أنا وجوردي ، دائما ما نتقاسم ساعات الصباح الأولي."
هل يمكن أن تحجز لنفسها مكاناً في ساعات الليل؟ صدمت الفكرة راشيل، جمدتها تماماً. فرفعت يدها، ووضعتها علي رأسها.
-" راشيل ؟ هل هناك ما يزعجك؟"
تحرك نحوها، فابتعدت مسرعة، جعلت جوردي وكرسيه العالي حائلاً بينهما.
-" لا. لايزعجني شيء." قالتها، ثم أفلتت يدها برفق من يد جوردي، الذي كان يمسك بإصبعها ، وأعطته ملعقة الفضة بدلا من يدها.
-" أعتقد، أنني سأذهب لأخذ حمام في الحال. لن أتغيب طويلاً."
ووضعت يدها علي رأسها ثانيةً، وهي في طريقها إلي الحمام.
هل هي مجنونة؟
منتديات ليلاس
ما يدور بخيالاتها نحو لوك ، كان يشبه الإقدام نحو تمساح يربض تحت الماء. تحت الدش أخذت تفكر في الرجال الذين صادفتهم في حياتها. في مرات محدودة، كانت تتلقي تلميحات من رجال يعانون الوحدة، عندما كانت خارج البلاد. أو يرغبون في نسيان المآسي التي كانوا يرونها، ويتفاعلون بها. أو من رجال كانوا فقط متعطشين لجسد أية امرأة. ولم تقبل أيا من هذه التلميحات، لأن أيا منها لم يلمس روحها.
أخذت راشيل تنثر شعرها، تحاول أن تغسل أفكارها نحو لوك، تحاول أن تزيلها. ولأول مرة منذ أمد بعيد، لا يسيطر عقلها علي أحاسيس جسدها. أن تترك قبلة لمست دفئاً بداخلها...هذا شيء، أما أن ترغب بأن تلقي بنفسها بين أحضانه كلما رأته ينظر نحوها، فهو ما تتعجب له تماماً. لا تستطيع أن تفهم لماذا يحدث لها ما يحدث الآن. لقد تعقدت الأمور بالفعل، بما فيه الكفاية.
مالت برأسها وجعلت راشيل الماء ينصب عليها ليزيل تلك الرغوة التي تكونت بفعل الصابون. كانت تأمل أن يزيل ما يدور بخلدها، من انفعالات غريبة، ومن أحاسيس.



نهاية الفصل السادس

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:17 PM

الفصل السابع
 
الفصل السابع

-" سوف نقوم اليوم باقتلاع إحدى الأشجار."
قالها لوك وهما بسبيلهما إلي تناول وجبة الفطور. كاد مظهر الإحساس بالحماية والأمان البادي علي صفحة وجه راشيل المنتعش المغسول، وتلك الشفاه الوردية بلا أحمر شفاه أن يذهب بعقل لوك في الليلة الماضية، استجابت له كما تستجيب الفراشة لضوء النيران. أما هذا الصباح، وقد غادرت فراشها لتوها، فهي تبدو فاتنة لأقصي حد. لو لم تتحرك سريعاً، لو لم تفعل، لقبلها مرة أخري.
لم تكن راشيل كارستيرز تمتلك ملكة المراوغة والتسليم بحساب، قطرة قطرة. لقد شعر منها بالاستسلام والتسليم المطلق في قبلاتها. والآن ، كانت مستعدة للبقية استعداد جوردي لقطعة لحم شهية.
كان عليه أن يري أنها لم تتخلص من التفكير في ذلك بعد.
رفعت راشيل رأسها إليه:
-"شجرة؟ شجرة أعياد الميلاد؟"
أوضح لوك:
-" كان كريس وروب يرغبان في أن يكون عيد الميلاد الأول في حياة جوردي شيئاً مميزاً. سنضع شجرة وأنوار ولكن ليس كالحفلات المعتادة. أبي عمل بنصيحتي وحجز في أحد الرحلات البحرية أثناء العطلة. إنه شيء يسعده وقد يعينه علي اجتياز تلك المرحلة. لقد عرض أن يأتي لزيارتنا، لكن حالته ستسوء إن فعل. أنا أخبرته أننا سنقوم بزيارته في أريزونا بمجرد عودته حين يحل موعد العام الجديد."
عندما استعمل لوك " إننا " هل كان لسياق الحديث، أم أنه يضمنها في كلامه؟ رعشة برودة خفضت من نظرات راشيل فجعلتها تنظر لأسفل، وارتعشت عندما تذكرت قبلة الأمس . هل كان ما حدث مجرد تجربة، أم كان شيئاً جاداً.
سهاد ،تساؤل حتى منتصف الليل، لم يشف أي من هذا راشيل فيجيب علي تساؤلاتها.
-" هل يمكنك الاستعداد لنرحل بعد ساعة؟"
إيماءة عينيه أخبرتها أنها تحلم وهي مستيقظة أمامه، وأحست راشيل بالدم يندفع فيدفئ صفحة وجهها.
-" سوف نأخذ معنا بعض الأطعمة الخفيفة للغداء، علي أن نعود في الرابعة."
-" وماذا عن أعمالك؟"
منتديات ليلاس
فجأة، أصبح اليوم بقوس قزح، وألوانه. رحلة غداء في الهواء الطلق بصحبة لوك.
انتابت أفكارها رجفة. كانت تريد أن تذهب. وكانت لا تريد.
-" كل شيء معد. جهزت إناء حفظ الماء الساخن من الثالثة صباحاً، وبعثت برسائلي عن طريق الكمبيوتر إلي العمل. كما أني غير مرتبط بشيء بقية الأسبوع لأعينك علي رعاية جوردي."
لم تكن راشيل واثقة في أن عدم ارتباطه بشيء كان نبأ سعيداً علي أية حال. تريزا زوجة جوان، جاءت كعادتها في الثامنة. ديفيد صغيرها ، تحسنت حالته اليوم فذهب إلي المدرسة
-" إنه يحب أن يخطو خلال جدول الماء الموجود بالقرب من الدار. وقد كان الطقس في غاية البرودة مؤخراً."
أخبرت كلا منهما، ثم أخذت ترفع جوردي إليها لتحتضنه وتقبله.
–" لا بد أنه قد أصيب بالبرد."
أنبأها لوك عن رحلتهم من أجل قطع الشجرة، فأومأت برأسها.
-" إنه يوم جميل حقاً للخروج والانطلاق. يقال إن الحرارة ارتفعت اليوم. لا تخشي شيئاً. سنقوم أنا وماري بكل شيء هنا."
-" أستطيع أن أبقي..."
عارضت راشيل وقد فوجئت بتلك المعارضة التي صدرت عنها.
-" بالتأكيد لا."
قالتها تريزا بدهشة.
-" إنك بحاجة إلي الخروج إلي الهواء النفي. ماري ستكون هنا في التاسعة، وهذه هي فرصتي الوحيدة للانفراد بجوردي."
عندما استعدا للرحيل، التقط لوك سلة الغداء من فوق المائدة. متى وجد الوقت ليجهز ما جهز؟ هل كان يطعم جوردي فطوره، بينما يجهز هذا الغداء لهم؟ ولم تفته تلك النظرة الحنون التي ألقتها راشيل علي جوردي في حين بدا الأخير متلهفا عليهم عند الرحيل. أدرك الطفل ذو الشهور العشرة أنهما سيتركانه خلفهما ويذهبان.
-" لا تخافي،" أكد لها لوك وهو يحتضن جوردي ويقبل خده، " فهذه هي دموع التماسيح. إنها لا تدوم لدقيقتين. إنه يحب تريزا."
-" ربما وجب علي أن أبقي؟ فإن الروماتيزم الذي أصاب تريزا....."
-" إنها بخير"، قاطعها لوك بجدية،
-" لقد سألتها عنه وقالت إنها ستكون بخير مع ماري. لقد اتصلت حنا عندما كنت بالحمام واقترحت أن نقوم بتسييح أحد أواني الطعام التي جمدتها لنا في الفريزر للعشاء. ليس هناك ما يجب علي تريزا أن تفعله سوي مراقبة جوردي."
ولف ذراعه حول كتفي راشيل ثم أدارها تجاه الباب.
–" إنك تستحقين يوما إجازة بعد كل ما حدث لك بالأمس. هيا بنا."
لم يسمح لها بحمل البلطة ولا سلة الغداء. وبصعوبة استطاعت أن تحمل عنه المفرش، فاحتضنته وضمته إليها. ورغم ذلك لم تنطفئ شعلة الإثارة بداخلها، تلك التي تشعرها أنها توشك علي القفز من ارتفاع شاهق. بعد نصف ساعة كانوا وسط تلك الغابة الصغيرة. توقف لوك قليلا وأخذ يدرس المكان من حوله ثم أخذ نفساً عميقاً، وحذت راشيل حذوه . إن التلال تضفي مظهراً رائعاً اليوم.
-" حاذري في خطواتك" ، حذرها لوك ، " فهذا المنحدر يزداد عمقاً، وتلك الأزهار والنباتات تغطيه فلا يكاد المرء يراه."

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:19 PM

الفصل السابع
 
نظرت راشيل أمامها. كان الطريق ينحدر فجأة ثم يختفي عن ناظريها. فبللت شفتيها وتراجعت.
-" هل تخافين المرتفعات؟"
-" لا. ليس هذا هو السبب."
كانت خائفة لتوها، لفترة. خائفة مما تحس به وتشعر، من هذه الأحاسيس التي تهدم سيطرتها القوية علي نفسها، التي طالما اعتمدت عليها. إن الطريق الذي بدا أمامه يشبه ذلك المستقبل المجهول الذي ينتظرها، عندما تفقد تلك السيطرة القوية علي نفسها وفقدانها لتلك السيطرة، تعني أن تعيش بقية حياتها عرضة للآلام.
-" دعينا نواصل طريقنا إذن، وإلا فلن نعود قبل حلول الظلام."
وأبطأ لوك ينتظرها ، كان يتوقف من أن إلي آخر حتى تشاهد تلك المناظر التي تحيط بهما، وحتى تلتقط أنفاسها.
وعندما بلغا الوادي الأخضر المتسع ، رفعت راشيل ناظريها إلي الشمس.
-" الساعة الحادية عشرة، " أعلنت ثم أضافت: " لقد استغرق وصولنا هنا حوالي الساعة إلا الربع. لقد ظننت أننا سنستغرق أطول من ذلك."
نظر لوك إلي ساعته دهشاً ثم قال:
-" إنك علي حق. أين تعلمت معرفة الوقت بهذه الكيفية؟"
لطالما أخذ لوك ينظر إلي معصمها الدقيق، ولم يكن ذلك ليعرف إن كانت تقتني ساعة يد من عدمه.
-" في الخارج."
وابتسمت راشيل وهي تتذكر .
منتديات ليلاس
-" أحد الطباخين في المعسكر الرئيسي م.ر.ا. كان يجهز وجبته في الموعد بالضبط. وأخبرني كيف أعلم الوقت من موقع الشمس في السماء."
وأخذ لوك المفرش من يدها، ثم فرشه علي البساط الأخضر، جلست راشيل وهي تشبك قدميها، بينما عهد هو إلي إخراج ما بالسلة.
-" إنك حقاً تحبين عملك أليس كذلك؟"
ماإن تشرع في الحديث عن حياتها بالخارج حتى يكتسي وجهها بتلك النعومة المحببة.
-" نعم "، وأخذت عيناها مظهرا جاداً، كما لو كانت تشاهد صوراً شخصية لها، لا يجوز له الاضطلاع عليها. " للغاية".
-" وما الذي جعلك تقررين الذهاب إلي أماكن بعيدة كهذه؟ لقد كنت طفلة عندما شرعت بالرحيل ، ولا شك."
-" ثمانية عشر عاماً."
قالتها راشيل متفكرة، أخذت تلعب بلسانها ، كأنها تلوك شيئاً في فمها. لم تجب عن الجزء الأول من تساؤلاته.
-" لم ذهبت ، يا راش؟ "
أصر لوك بعد أن انتظر لبرهة.:
-" إن كل من في الثامنة عشرة يفكرون في الجامعة، الوظائف، المتعة، السيارات السريعة، التواعد، الملابس...."
لقد بلغت الثامنة من عمرها يوم وفاة أمها،
-" لقد ملت إلي هذه الوظيفة. أحسست أن هناك من هم بحاجة إلي ."
إذن هذا هو السبب، هذا هو ما بداخل القوقعة، لكنه كان يريد المزيد.
-" ألم تكن هناك معارضة من والديك؟ إني أتذكر أن كريس قالت أنك كنت الابنة الوحيدة لهما."
وكأن سحابة باردة أخذت تتحرك في تلك العيون الرمادية التي أخذت تتوغل في الماضي، وأحس لوك بشوق لمعرفة المزيد.
كان في استطاعته مما يراه عندما ينظر إليها، أن يعرف أن أسرتها هي السبب الذي من أجله قررت الرحيل.. تنحنحت، محاولة أن يبدو صوتها عادياً.
-" إن هذا ما أردت أن أقوم به."
استدار جهة السلة، والتقط لوك كعكة فواكه كانت قد أعدتها حنا، لم يفك عنها قطعة الشاش التي كانت قد لفت بها، انتظر حتى تنقشع تلك الذكريات المؤلمة التي لفت راشيل.
كانت تبدو أكثر حياة في هذا المكان، تضحك من أعماق قلبها كلما حكي لها عن رواياته ومغامراته الفاشلة التي مني بها في المزرعة عبر السنين.
أخذ يتنقل بتؤدة في سرد رواياته، دون أن يفض لفافات الطعام، محاولاً أن يبقي علي اعتدال مزاجها.
كانت هناك بعض شطائر الديك الرومي وبعض شطائر اللحم، كما كانت هناك سلطة جاهزة في أحد الأكياس البلاستيكية مع صلصة الجبن المفضلة لدي لوك. وقضمت راشيل من أحدي شطائر اللحم.
-" هم م م، أن هذا لشهي جداً."
-" تريزا تقوم بتجهيزها فقط عندما لا تكون حنا موجودة. إن حنا متحكمة للغاية فيمن يطعم عائلتها."
ولاحظ لوك أنها تبحث عن شطيرة أخري، فأحس بالسعادة أنه تمكن من اقتلاع ما كان يكدرها من متاعب الماضي التي عانتها. إنها بالفعل تبدو مختلفة عن تلك المرأة التي رآها خارج قاعة المحكمة. كانت لا تتناول طعامها تلك الأيام، أما الآن فقد اصطبغ وجهها بالصحة. ابتسمت بارتياح، ذهبت عنها حالة الفأرة المذعورة تنتظر عقاب النمر.
-" من الواضح أنك لا تحبين السلطة. أليس كذلك؟"
سألها وهو يقضم أوراق الخس الطازجة وشرائح الطماطم المغموسة في صلصة الجبن. توقفت راشيل وهي تحمل الشطيرة في طريقها إلي فمها:
-" ليس الأمر أني لا أحب السلطة. فالأمر هو أننا لم نعتد علي أكل الخضروات الطازجة بالخارج. لقد كنت لا آكل سوى الخضروات المطهوة ."
وما إن انتهت من شطيرة اللحم حتى أخذت شطيرة من الديك الرومي، أخذ لوك يتطلع إليها.
كانت عيناها مثبتتين علي كعكة الفواكه.
-" ليست هذه الكعكة من صنع حنا. أليس كذلك؟" سألته.
-" بل أنها من صنع يديها."
-" لقد أخبرتني حنا، أن هذه الكعكات السابقة التجهيز يجب أن تبقي ملفوفة بالشاش بالفريزر لمدة شهر قبل أن تؤكل. ألن تكون غاضبة؟"
-" نعم لن تكون غاضبة، إننا دائما ما نأخذ إحدى كعكاتها الملفوفة معنا، في رحلاتنا لقطع الأشجار."
ونظر إلي طبقه، كما لو كان قد فقد شهيته فجأة.
كانت راشيل تعلم أنه أخذ يتذكر عندما كان يأتي هو وعائلته إلي هنا في الماضي. في تلك الأيام السعيدة التي خلت.
-" ومتى تم زراعة تلك الأشجار ؟"
رغبتها في إزالة هم لوك ، خففت عنه آلامه، وهي تتحدث بحيائها هذا الذي أحبه.
-" منذ خمس سنوات. ونحن نقوم بزراعة منطقة جديدة كل عام. جدي الأكبر جاسبر أخبر ابنه جدي روبرت أن الأرض هبة من الله، لذا لزم الحفاظ عليها لأقرب ما يكون من حالتها

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:20 PM

الفصل السابع
 
الأصلية. لقد أصبح إرثاً وتراثا في عائلتنا أن نفعل ما يمكننا للحفاظ علي البيئة ها هنا، أن نندمج فيها ونصبح جزءا منها، حتى لا تتخلي عنا."
حقيقة أن لوك رجل معطاء ، فهو ما كانت تدركه بالفعل . أما بأنه رجل يعطي بأكثر مما يأخذ، فهو ما قد بدأت تكتشفه لتوها.
-" عن هذه المنطقة كلها، لجميلة حقاً."
-" حدثيني عن عملك."
سألها لوك بشغف ، كان يريد أ، يعرف المزيد عنها ، أن يتوغل داخل أفكارها ويكتشف السبب فيما صارت إليه.
-" إن عملي ليس بالشيء الكثير. إنه نوع من المساعدة الطبية، قد يتحول أحياناً إلي الطب البيطري."
-" حيث كنت تقومين بعمليات التوليد بنفسك، وإعطاء الحقن، وحتى خلع الضروس والأسنان؟"
رمشت عين راشيل :
-" من أخبرك بهذا؟"
-" لقد سمعت كل شيء عن الحديث الذي سألك فيه جاسون أن تحضري الأمسية مع العمال، يوم أن قمت بتمريض موجو، الأربعاء الماضي. لقد أخبرني أنه كان اجتماعاً غير عادي."
ولما انهمكت في صب الشاي، عاد لوك يتذكر تلك الليلة التي حدثها عنها. لقد كان مشغولا مع حاسبه الآلي، وعندما قام يبحث عن فنجان من الشاي، أخبرته حنا بمكان راشيل حيث ذهبت إلي تلك البقعة التي تحولت إلي فناء لترفيه العمال واجتماعهم ، وقد أدركها هو في نهاية حديثها إليهم.
-" لم يكن حديثي إليهم بالشيء الرائع ولم يكن أبدا بالذي يكافئ ما يقومون به من مجهودات ."
ثم ملخصة كلامها:
-" لكنه كان بمثابة مكافئة من نوع خاص، أو جائزة أعطيت لهم."
-" أيستطيع أي شخص الالتحاق بال م. ر.أ. ؟"
"سؤال مثل هذا، لو وجهه شخص أصغر سناً، لكانت الإجابة عليه بثقة نعم، لكن وظيفة المساعد الطبي تحتاج إلي نوع خاص من القدرة علي التحمل.....القدرة النفسية والبدنية."
ورفع يده عالياً مرة أخري:
-" ألم تفتقدي حياتك هنا بشدة؟"
استدارت راشيل إلي محدثها.
-" نعم، لم افتقدها."
منتديات ليلاس
قالتها بنبرة اتهام صريحة، وفي الواقع أنها لم تكترث كثيراً أن كانت قد أجابت بقوة وحماس. الانفعالات التي رآها لوك علي وجوه الناس، أخبرته كيف أنها تمتلك القوة علي جذب انتباههم. كان ينظر إلي وجهها يشع بانفعالاتها وأحاسيسها، مع حب لما تقوم به من عمل ، وكيف شعر وقتها بالخوف من أن تشير إليه أصابع اتهاماتها. هل ما يقدمه لها، يعد كافياً لبقائها هنا؟ إنها لا تسعي وراء المال مما يترك له ورقة واحدة يلعب بها... الحب. بعد ذلك، أخبره جاسون أن العمال بدءوا حملة لجمع التبرعات لل م. ر. أ. ودار ذلك الاسم في القرية كلها، أما هتيي جوركي، إحدى الزوجات، فقد دعت راشيل لأن تتحدث إلي أعضاء ناديها نادي الكرافت، عن عملها في بنجلادش.
-" هل كنت سعيدة هناك بالخارج يا راش؟"
-" لم تصر علي مناداتي بهذا الاسم؟"
-" راش؟" ونظر لوك إليها مركزاً بصره في عينيها.
-" لأني أظن أن هذا الاسم يناسبك، لقد وجدت اسمك في أحد كتب أسماء الأطفال التي ننتقي منها أسماء الأبناء، فراشيل تعني أنثي الخراف، أما راش فهي تعني الأنثى، الجارية، الحسناء. وهذا ما وجدته يشبهك كثيراً. أنثي ، حسناء، رقيقة، رائعة الجمال."
وابتلعت ريقها بصعوبة. هل أخبر أحد هذا الرجل أن بداخله شاعرا ؟ إن روحه تنسج شعراً ؟
أي دفاع عن النفس تحاوله الآن، سيكون حتماً عديم الفائدة في مواجهته.
-" لم تردي علي سؤالي بعد،" قالها لوك مذكراً إياها، " هل كنت سعيدة هناك؟ "
-" للغاية."
وأدرك لوك من نظراتها أنها لن تقول المزيد في هذا الموضوع. فسألها:
-" احكي لي إذن عن أسوأ شيء صادفك هناك؟ "
لم تفكر حتى، قبل أن تجيبه من فورها:
-" كان هذا في بنجلادش، قبل أن أغادرها مباشرة. دمرت الفيضانات كل شيء تقريباً، كنا حينئذ في تلك القرية البدائية نقوم بتطعيم الأهالي ضد الكوليرا. كنت أعمل وحدي مع الأطفال، وكان توم منهمكا ً في عملية ولادة متعسرة، عندما فوجئنا بنهر من الطوفان يقتحم المكان بما فيه ومن فيه، أمام أعيننا."

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:22 PM

الفصل السابع
 
ابتلعت راشيل ريقها ، ولمعت عيناها بالذكريات.
-" كانت هناك امرأة تغسل قطعاً مهلهلة من القماش في الماء الجاري بالقرب من حافته. فجأة جرفتها المياه، أخذت تصرخ وتستغيث مددت لها جذع شجرة من فوق الماء المنهمر. استطاعت أن تمسك به، جعلت طرفه تحت إبطها وضمت ذراعها عليه بقوة. لم أكن أدري إن كنت سأتماسك وأظل قابضة علي طرفه بيدي. وفجأة ظهر توم وبعض الرجال معه. اجتذبوها إلي خارج الماء في اللحظة المناسبة."
الكابوس.. هذا يفسره.
-" وما هو أفضل شيء حدث لك هناك؟ "
سألها لوك . فأخذت راشيل تسترسل في ذكرياتها متفكرة ، ثم ابتسمت:
-" في منتصف العام الثاني لي بالخارج، كنا نعمل بإحدى القرى علي تعليم الناس أسس التغذية السليمة والوقاية من الأمراض. لم يكن هناك غيرنا نحن الاثنين أنا وتوم، لأنها كانت تعتبر مهمة سهلة."
سمع ضحكتها عندما تذكرت تلك الذكريات، ورن هذا الصوت في قلب لوك.
-" ثم ، وبعد أن قضينا أسبوعاً هناك، أراد الرئيس إن كنا ننوي الزواج أنا وتوم قريبا. وعندما أخبره توم أننا لا نعتزم شيئاً من ذلك، كثرت الهمسات والأيمائات. وفي اليوم التالي خرج توم من كوخه ليجد نعجة وخمس دجاجات بالخارج. هذه هي دوطة السيدة، هذا ما أخبره به الرئيس، إنها امرأة نحيلة ، لكن حديثها ناعم، وسوف تلد لك العديد من الأبناء. هل تريدها الآن؟ "
وأخذت راشيل تضحك عندما تذكرت كيف كان يبدو وجه توم.
-" وكيف خرج دكتور اتويل من هذا المأزق؟ "
منتديات ليلاس
-" لقد ذكر شيئاً عن عدم إمكانه الزواج مني لأنه مرتبط بامرأة أخري، ولكنه منذ ذلك الحين أخذ علي عاتقه أن يعثر لي علي زوج من بقية العاملين هناك. لم يكن الرئيس سعيداً بذلك، لكن كان عليه أن يتقبله. وعندما حان وقت رحيلنا، أخذ يذكر توم أن الدوطة ستكون جاهزة في أي وقت تدعو الحاجة إليها. بعد ذلك بعام، كنا بقرية مجاورة لتلك القرية، فبعث إلينا برجل ليعرف إن كنت لم أتزوج بعد وليذكرنا بالدوطة التي تنتظرنا هناك."
تلك المرأة التي استمعت إليه يذكر سعر جياده الأصيلة دون أن يرمش لها جفن، كانت دموعها تملأ مآقيها عندما تذكرت ذلك الاهتمام بأمرها وشؤونها. انتهت الشطيرة التي كانت تأكلها، لاحظ لوك ذلك . كأن الحديث قد فتح شهيتها للأكل . وتناولت راشيل الطبق الذي قدمه لوك إليها. بدت قطعة كعك الفواكه الكبيرة التي قطعها لها لوك ، شهية للغاية. أول قضمة لها أثبتت ذلك.

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:24 PM

الفصل السابع
 
-" هم م م...رائعة الطعم . يمكن لحنا أن تتاجر فيما تصنعه، فتحقق ثروة هائلة."
-" إنها بالفعل تفعل ذلك هي وأختها."
وذكر لها لوك الاسم التجاري الذي تبيع به هذه الكعكة .
-" لقد استطاعت حنا أن توفر قدراً معقولاً من المال. إن ما أعطيه لها لا يقارن بما تفعله من أجلنا. هذا هو حال كل عائلة رودريجز، لكن بعد الحادث، لم يتغير شيء سوى أن تريزا كان يجب أن تأتي إلي الدار يومياً لتعين حنا. اعترضت ، لكن جوان طلب مني أن أتركها تفعل ذلك. كانت هذه الطريقة الوحيدة لتتخلص من أحزانها تدريجياً."
-" وهل كان روب وكريس محبوبين هنا؟ "
فأومأ لوك برأسه.
-" نعم، لقد شاهدنا الناس هنا أنا وروب نشب ونكبر. كان جوان هو الأب الروحي لروب. ولقد وجدت كريس مكاناً لها في قلوبهم بسبب طبيعتها الدافئة، وقدرتها تلك علي الاهتمام بكل شخص كانت تقابله."
وضاقت عيناه تأثرا،
-" لقد كانت مصدر سعادة كبيرة، وإنما كانت تنصحني بالزواج، كي أجعل منها عمة، وكي أهب جوردي أبناء عمومة يلعب معهم."
-" هل يحب والدك أريزونا؟"
كان الوقت قد حان لتغيير الموضوع. كانت تريد أن تمحو ظل الحزن الذي بدا في عينيه.
-" لقد توفيت أمي من ثلاث سنوات، بعد ذلك فقد أبي اهتمامه بالمزرعة. دكتور كنتون نصحه بالتغيير، قال إنه سيساعده علي أحزانه حتى يتوقف عن اجترار ذكريات أمي. لقد كون عدة صداقات في أريزونا، وأصبح لديه إسطبل صغير حيث يستطيع ممارسة الفروسية يومياً. إنه يزورنا مرتين كل عام."
-" هو إذن لا يعيش في دار مستقلة؟ "
فنظر إليها لوك دهشا:
-" لا. لا. إن لديه داراً صغيرة، ملحقة بها قطعة أرض صغيرة فيما يسمي بمجمع المتقاعدين، لكنه يعيش مستقلا بنفسه تماماً"
منتديات ليلاس
الحياة. إن راشيل تعلم ذلك، تعلم هذا التعاقب المتواصل للأجيال . ولادة. وفاة. معاناة، سعادة...كلها أجزاء تكون منظومة واحدة. عندما يأتي لوك بعروسه إلي دياموندبار، ستعود السعادة لها مرة أخري. أخذت راشيل تتساءل مع نفسها عن المرأة التي سيختارها لوك. امرأة مثل أمه، تكون قد شبت ونمت بين هذه التلال. أو امرأة مثل كريس، دافئة ، رائعة، تبعث بأشعة الشمس في حياته هو وجوردي. وأرخت راشيل أجفانها. لسبب ما رفض عقلها تصورها تقوم بهذا الدور، الزوجة المنتظرة للوك.
خلع لوك سترته ، لفها تحت رأسه وتمدد علي الأرض. أغلق عينيه، أخذت تنظر إلي خديه البرونزيين وخطوطهما الداكنة.
كان يبدو كمن يعرض نفسه للألم وللإصابة به. سألته:
-" إنك لن تستغرق في النوم بعد هذه الوجبة الدسمة، أليس كذلك؟ "
ففتح لها عينا واحدة:
-" لا يمكنني أن أقوم بقطع شجرة في هذه اللحظة بالذات. لم لا تتمددين قليلاً أنت أيضاً؟ "
أخذت راشيل تنظر إلي ذراعه الممدودة كي تكون وسادة لرأسها، وإلي هذا العود الصلب والجسد القوي الذي يمتلكه لوك. أفكار غريبة أغرقت رأسها وملأته . ترقب، إصرار، لهفة. قفزت من مكانها كأنما رأت حية رقطاء.
-" سأقوم بالتمشية قليلا."
-" حسنا، " قالها وهو يشعر براحة، " لكن تذكري أن أمامنا طريق العودة أيضا. ولدي مهمة قطع الشجرة... فلن أكون بقادر علي حملك."

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:26 PM

الفصل السابع
 
لم تذهب راشيل بعيداً. ابتعدت عن مرمي بصره، توقفت وأخذت تنظر حولها. من هنا تستطيع رؤية المحيط بكل وضوح، تستطيع حتى أن تري الأمواج وهي تضرب الصخور. إن أغلقت عينيها، فستشعر بهذا الإحساس ، أن تكون محمولة بين يدي لوك.
ذراعاه تأخذانها في أحضان قوته. لم تصور لها خيالاتها أن يتركها بعد ذلك وحيدة في فراشها. تمد يدها إليه، تتغير نظرة عينيه عندما ينظر إليها، إلي نظرة تعدها بالسعادة التي لم تسمح لنفسها أبداً أن تحلم بها.
فتحت راشيل عينيها، ثم وضعت يدها علي رأسها . لا بد أن الشراب الذي وضع بالكعكة أدار رأسها. هذا هو التفسير الوحيد لخيالاتها المحمومة.
وعندما عادت كان لوك غارقاً في نومه. تمددت بجواره دون أن تلامسه، أخبرت نفسها أنها سرعان ما ينتابها النعاس، وأغلقت عينيها.
منتديات ليلاس
أخذ جوردي يداعب خدها ويتمسح فيه بيده ، عندما كانت تعطيه زجاجة الرضعة، كان ينطق اسمها بنعومة ورقة. ارتعشت. لابد أن هناك شيئاً خطأ في حلمها هذا.
إن جوردي لا يستطيع بعد أن ينطق اسمها. فتحت عيناً واحدة، لتري وجه لوك يواجهها تماماً، وقد امتلأ رقة لا يمكن أن توصف. لم يكن هذا حلماً .
-" ابتعد." قالتها ولم تعنها. " لقد أكلت كثيراً، فحلمت حلماً مزعجا."
-" شكراً جزيلاً."
وقهقه لوك عالياً، " لقد أطلقت علي أسماء كثيرة، لم يكن من بينها أبداً [حلماً مزعجاً] ."
ظل يراقبها وهي نائمة، فأعاد مشهدها ذلك في ذاكرته ، ليلتها الأولي في دياموندبار كانت تلتصق بين ذراعيه تتلمس الدفء حينئذ. شوقه لأن يضمها ثانية كان يؤرقه ويعذبه . اعتدلت راشيل، أخذت تفرك عينيها. وأخيراً فتحتهما .
-" أكان ذلك حلماً؟ "
-" لا."
ولكي يثبت لها كلامه أخذ يميل عليها، يعتزم تقبيلها مرة أخري. منعه رد فعلها السريع. ثم استسلمت له تماماً.
لكنه أخذ يحاول أن يتحكم في نفسه. إن تمكن منها الآن، فقد يفقدها كلية. كانت عيناها لا تزالان مغلقتين، لم يستطع أن يعرف فيما هي تفكر الآنً. وجهها الثائر وشفتاها البضتان تغلبت علي صبره وقدرته.
أمسك لوك برأسها، أخذ يمرغ أنفه في شعرها الناعم. زلزل شعرها كيانه، أحس كأنما يستنشق عبير زهور الصيف.
-" راش...."
تكلم أخيراً كان صوته يرتعش بالانفعال.
-" لا ترحلي الآن."
سرعان ما عاودها التجمد والصلابة ، شعر بخطئه. خلصت نفسها من بين ذراعيه، وقفت، شبكت يديها علي صدرها، أعطته ظهرها.
-" راشيل. ألن نقطع تلك الشجرة؟ لسوف تظلم الدنيا بعد قليل."
عدلت قامتها ، أخذت تزيل ما علق بالجينز من تراب ، كانت نبرات صوتها هي الدليل الوحيد علي توترها. هذا هو الأمر إذن؟ لقد بلغ به أن أخبرها أنه يحبها وكل ما كانت تفكر فيه هو العودة؟ إنه لن يدعها تتجاهل تلك العاطفة الحقيقية الصادقة.
قام علي قدميه بحركة مفاجئة ، ووقف مواجهاً لها. دق قلب راشيل. إنه لن يدع الأمر يمر هكذا . متي وقعت في حب لوك ؟ في اليوم الأول في المحكمة؟
عندما حملها إلي الحمام؟ عندما رأت كيف يكون مع جوردي ؟ لم تعد تستطيع أن تفرق بين التعرف إليه، والإغراق في حبه.
-" أنا.... أنا لم أعرف ما الذي ينبغي أن أقوله."
-" جربي هذه الجملة: " أريد أن أبقي يا لوك" ، مقترحاً عليها.
أخذت راشيل تتخلص من أفكارها وذكرياتها بألم.
-" لن يجدي هذا . لم أنجح أبدا في العلاقات الشخصية. ولا أريد أن أكون سبباً في جرح أي منكما: أنت أو جوردي."
-" كيف تفعلين ذلك؟"
سألها بتعقل.
-" لا أعلم."
وهزت راشيل رأسها، شعرت بانعدام حيلتها، شعرت بوقوعها في الفخ. كيف يمكن لأي شخص كائنا من كان أن يترجم مخاوفها إلي كلمات.
تلك المخاوف من أنها لم تعرف مخلوقاً قط وقع في حبها. المخاوف من أنها لو تركت أي مخلوق يحبها قد تعاني الآلام بعد ذلك ، مرة أخري كان والدها أوضح إثباتا علي ذلك .
رحلت والدتها ذات يوم ، وكانت راشيل ما تزال في المدرسة، ولم تكن قد عادت بعد. في صباح هذا اليوم أخذت أمها تجهز لها كعكة شهية، أخذت تحدثها أنها ستصطحبها إلي حديقة الحيوان. لم تترك لها حتى أية رسالة. كل ما أخبرها به والدها، هو أن والدتها لن تعود إلي الدار أبداً.
ولم تعد الحياة كما كانت عليه. يوم خال موحش تلو الآخر، تغير حال أبيها، جمدها، أكد لها الاعتقاد بأن ما حدث لم يكن سوى بسببها.
أخذت راشيل تنفض ما علق بجانبيها من نجيل الأرض .
-" راش."
ارتعشت عندما وضع يده علي كتفها، إنها لم تر عينيه وقد أصبحتا داكنتين دكنة حجر الصغير.
-" لن أتعجلك . دعينا نحاول الاعتياد علي فكرة أن نصير صديقين، قبل أن يبث أي منا لواعج مشاعره للآخر ."
-" لا دخل لمشاعري بهذا."
بدت شفتاها وهي تمطهما كما لو صارتا ضعف حجمهما، كان افتعالها للكذب أقوي من أن تحتمله.
-" إني لآسفة يا لوك."
هذا هو الأمر إذن ؟ لقد قررت أن هذا لن يجدي، ولا شيء آخر يهم؟ تملكه الغضب، وبدأت تشوبه الانفعالات.
-" ما الأمر إذن؟"
وضع يديه علي كتفيها، لا يعبأ سوى باقتلاع الحقيقة منها، أو يقبلها، ويقبلها حتى تمتثل له. لكنه عدل عن ذلك لما رأي الدمع يندفع بالخوف إلي عينيها. ضمها إلي صدره، أخذ يهزها برفق دون أن يقول شيئاً.
اندفاعة الغضب التي كانت قد تملكته كادت تتحول بداخله إلي شيء بغيض، لم يكن يشبهه بأي حال. لم يفقد أي منهما سيطرته علي نفسه. أطلق لوك علي نفسه كل مسمي خطر له علي بال. ثم أعادا الكرة مرة أخري...

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:28 PM

الفصل السابع
 
لم يرغب في اقتلاع شيء من داخلها. ولا حتى حقيقة مشاعرها وما تحس به عندما تهتم به بالقدر الكافي، ستستجيب له من تلقاء نفسها. إن أية هبة ،حتى هبة الحب ، لا تعني شيئاً إلا إذا منحت بكل حرية.
كانت دقات قلبها تذكره برياح عاتية تضرب صخوراً قاسية.
ضمها إليه، قربها أكثر من قربها إلي ذات نفسها، حتى هدآ تماماً.
فاضت عينا راشيل . إنها لن تعود قادرة أبداً علي الكذب عليه. أصبحت قبلاتها طريقاً مسدوداً. لم تفلح القبلات بعد في أن تغير أي شيء. الفاصل بين أفكارها وبين أحاسيسها لايزال موجوداً. لم يوصل بعد.
وتملصت من بين ذراعيه ، فتركها من فوره. عندما نظر إلي وجهها شعر بالرغبة في أن يركل نفسه. كانت تعبيراتها الممزقة تذكره بأول مرة رآها فيها.
أخذ يراقب شفتيها للحظات أتتكلم لكنها لم تتفوه بكلمة. مد يده إليها، أخذ يبعد خصلة شعر من علي وجهها، ونزل بيده يتحسس جانب وجهها، وأخذ يراقب اللون الأحمر يعود إليه.
-" سنجد حلاً لكل شيء ، لا تخافي،" قالها بسرعة.
لم كان يتحدث إليها كما لو كان ما فات من حياتهما قد فات وانتهي.
منتديات ليلاس
راشيل كانت تعلم شيئاً واحداً بكل تأكيد. يجب عليها أن تكون قوية. لا هو ولا جوردي، كلاهما ليس بحاجة إلي شخص يدخل حياتهما وقد اعتاد علي الفشل دائماً، الفشل في أي علاقة بالجنس البشري. ونظرت إلي عيني لوك فتاهت. بدأت تكره أنها أصبحت سبباً لاهتمامه، وهو ما بدا في عينيه، في اضطراب كل عضلات وجهه، محاولاً أن يبتلع ريقه. تراجع لوك لدقيقة أخري، ثم مد يده إليها.
-" أما الآن، فإن لدينا شجرة يجب اقتلاعها، أتتذكرين؟" قال ممتلئاً بالأمل " يجب أن نسرع."
وبارتباك ، وضعت راشيل يدها في يده. كيف استطاع أن يعود مرة أخري ليصبح صديقاً لا يطلب شيئاً؟ لمَ لم يغضب منها؟ إن الرجال الذين تعرفت إليهم كانوا يغضبون أياما إن رفضت التواعد معهم بعد العمل. تبعته عبر صفوف الأشجار الخضراء، وتوقفت راشيل حين توقف.
-" تلك الشجرة؟ "
أشار لوك إلي إحدى الشجيرات التي يصل طولها إلي ارتفاع ثلاثة أقدام تقريباً. كانت تبدو صغيرة جداً بالنسبة لراشيل. لسبب ما تخيلت أن تكون الشجرة أكبر من هذه، شجرة تقف بشموخ يتسامي مع سقف غرفة المعيشة الشاهق. اتجه بصرها جهة اليمين ، إلي واحدة أخري تقف شامخة بطول ثمانية أقدام،
-" هذه الشجرة؟ "
ومشي لوك في اتجاهها، أخذ يفحص فروعها ويتفحص جذعها.
-" انتظر ،" نادت عليه راشيل
-" لست علي ثقة. إني لا أعلم شيئاً عن الأشجار. دعنا نأخذ الأخرى."
ووضعت يدها علي الشجيرة التي اختارها لوك أول الأمر.
-" حبيبة قلبي، " قالها وهو مستند علي بلطته .
-" أريد أن أقتلع تلك الشجرة الآن. "
إن نظرته تسخر منك. أترين؟ لقد قالها، لم تكن في غاية الصعوبة كما كنت تظنين. كل ما يلزم هو نوع من العلاقات التبادلية. هات وخذ. عندما أخذت تنظر إليه ، بدت عينا لوك تأخذ في الدكنة كأنما تنذرها أنه يهم بتقبيلها.
تقدم خطوة إلي الأمام . فأصاب راشيل شيء من الذعر. فقبلة واحدة كتلك الأخيرة ولن تعود قادرة علي أن تتذكر اسمها، دعينا نخطط وحدنا للعودة إلي بنجلادش. تراجعت إلي الخلف، توقفت عندما اصطدمت بإحدى الأشجار،
-" سأقوم بجمع الأشياء في السلة بينما تقطع الشجرة. هكذا لن يضيع منا الوقت."
قالتها وشرعت في العمل من فورها.
أناخ لوك جذع الشجرة علي إحدى كتفيه، تاركاً أوراقها وأغصانها تتدلي من خلفه. وأمسك بالبلطة في يده الأخرى. أما راشيل فقد سارعت قبله في حمل السلة الخالية والمفرش ورفضت أن يحملهما عنها . سارا في طريقهما إلي الدار، والصمت يلفهما أغلب الوقت، كلاهما مشغول بما يدور بخلده.
وصلا إلي التلة الذي تقبع الدار عليه عندما قال لوك بعفوية:
-" أتعلمين يا راش، يوما ما سيكون عليك أن تتوقفي عن الجري وأن تواجهي تلك المخاوف التي كنا نتحدث عنها. كل ما أطلبه منك، حين يأتي ذلك اليوم، هو أن تعطي نفسك فرصة عادلة.".


نهاية الفصل السابع

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:33 PM

الفصل الثامن
 
الفصل الثامن
شرعت ماري تتولي أمر الطفل، وأصبحت راشيل لا يشغلها شيء بقية هذا الصباح. إنه دائما من الصهب أن تترك جوردي، غير أن الاستيلاء من المرأة لم يكن عدلاً أيضاً . بهذه الطريقة ستقل حدة افتقاد جوردي لها عندما ترحل. حرجت إلي تلك الحجرة المشمسة ، توقفت لدقيقة ولتشاهد تلك الشجرة وقد تم تزيينها ووضعها في أحد أركان حجرة المعيشة. غمر شعور منعش نقي أرجاء الدار.
لقد انتزع جوردي الضحكات من كل من بالدار عندما أخذ يقلدها وهي تأحذ أنفاساً عميقة، انتزع منهم الآهات.

منتديات ليلاس
قامت انجيلا وأخوها الأصغر ديفيد، بتزيين الشجرة بعد انتهاء المدرسة بالأمس. الكرات البيضاء والشرائط الفضية زادت من مظاهر العظمة والقدسية في نظرهما ، لتلك البساطة التي تميزهما . فغالباً ما تضفي أعياد الميلاد مظاهر الغموض تحت أقدام الشجرة ، بالآضافة إلي العبق الخاص لهذه المناسبة.
-" أتعلمين أين يوجد لوك؟ "
سألت تريزابعفوية. فهو لم يظهر علي الفطور، فاعتقدت ببساطة أنه قد يكون يعمل في مكتبه. لكنه شيء غير عادي ألا يأتي لتناول قدحه المعتادمن الشاي.
-" إني لم أره منذ وضع جوردي في كرسيه العالي ذي العدادات هذا الصباح. "
ردت تريزا بهدوء. ولأول مرة هذا اليوم تلاحظ راشيل كيف بدت علي المرأة المسنة عن علامات الضغط العصبي والانشغال.ن لكن لوك يختلف عنه.
-" هل تظنين أنه قد يكون بالمزرعة ؟ "
وفكرت تيريزا لدقيقة ثم قالت:
-" لا. لا أعتقد ذلك. يوجد العديد من الناس هناك . لو أنه روب لكان ذهب إلي هناك إن أحس بالضيق . كان دائماً يحتاج أن يشارك العمال في أعمالهم إن كان هناك ما يكدره، لكن لوك يختلف عنه. إنه يبحث عن الأماكن الهادئة."
-" وهل هناك ما يكدره؟ "
ونظرت تريزا عبر نافذة المطبخن
-" إن اليوم الرابع والثلاثين لميلاد روبي."
-" أين يمكنني أن أجد لوك ؟ "
لم تستطع راشيل أن تخفي تهدج صوتها وهي تسألها. كانت تريزا ستقوم بأعمالها في المطبخ ، ثم كان عليها أن تنزل إلي سانت باربرا كي تشتري أزهاراً. لكن حقيقة اختفاء لوك كحيوان جريح جعلت راشيل تخاف بشدة أن يجري بعيداً ليختبئ، لا بد أن حزنه مدفون في أعماق روحه . يجب أن تذهب إليه.
قالت تريزا ببطء :
-" هل تتذكرين القبقعة التي اقتطع منها شجرة عيد الميلاد ؟ بعد هذه المنطقة هناك طريق يؤدي إلي قمة جبل جاسبر. " واضطربت شفتا المرأة ثم واصلت . " بهذا المكان توجد مقابر الأسرة. أعتقد أنه قد يكون هناك. "

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:38 PM

الفصل الثامن
 
يبدو الطريق طويلاً عندما يذهب المرء وحيداً يمشي فيه . كانت راشيل ترتدي سترة فوق السويتر. جعلت الرياح الحرارة تنخفض بوضوح وبدت السماء بمظهر يتناسب مع المناسبة . مرت بتلك المنطقة الخضراء التي كانوا يجلسون بها. انتابتها الظنون والخواطر وهي تشق طريقها صاعدة إلي القمة.
هل كانت تفعل شيئاًً صحيحاً بإقحامها لنفسها علي لوك بهذا النجو ؟ لكنها أخذت تواصل طريقها ن أخذت تطيع خواطرها وظنونها كالعمياء . توقفت راشيل عند مدخل المقابر وقد انتابتها الدهشة. كانت في غاية الأتساع، يحيط بها سياج من الخضرة بارتفاع ستة أقدام من جميع الجهات. فقد تفتحت ورود ديسمبر في كل مكان ، توحي ألوانها بالخلود بدلاً من الموت. لو لم تكن تلك الورود قد جعلت لحجارة المقابر ، لاقتطفت منها حزمة تجعل منها ما يشبه الواحة الغناء . أخذت راشيل تنقل بصرها بين مقابر عتيقة وأخري جديدة البناء، ثم رأت تلك المقبرة العريضة من الرخام الأبيض. مقبرة واحدة. يبدو أن كريس وروب لم يفترقا حتى في مثواهما الأخير. كانت الزهور التي قد قطغت لتوها تغطي المقبرة، وتخبرها أن أصحاب باقي المقابر الذين يرقدون بالمكان قد أخذوا نصيبهم من التبجيل والأحترام أييضاً اليوم.
منتديات ليلاس
كان لوك يقبع جالساً وظهره مستند إلي شحرة، ينظر بعيداً عن المقابرن ينظر إلي الاتساع الممتد أمامه بلا نهاية. يثني ساقا ويمد الأخري أمامه. يد تلتقط الحجارة من الأرض وتطوح بها بعيداً إلي الفراغ الممتد، علي شيء ما بالأفق ، بينما عيناه تتابع، تنظر إلي هناكن وكأنما لا تري شيئاً. إحساس ثقيل سميك تود لو تدمره، حتى تفديه وتخلصه .
واقتربت منه راشيل بهدوء. لم يكن هناك حاجة لأن يقال أي شيء. لم يحرك لوك رأسه، لكن راشيل كانت تعلم أنه أحس بوجودها. أخذت تتطلع إلي الأفقزلا بد أن هذه البقعة هي أعلي مكان في دياموندبار . من هذا المكان يستطيع المرء أن بري المنطقة بأكملها، وإن نظر أمامه يري المحيط بوضوح. شيء ما بداخلها يخبرها أن جاسبر سومرز قد وقف في هذه البقعة يوماً من الأيام فأخذ بالجمال الذي يحيط به. لا بد أنه أدرك هنا أنه قد عثر أخيراً علي ضالته، فطلب أن يثمي جسمانه للراحة الأبدية في تلك البقعة التي شهدت عذابه الأول من أجل إقامة المكان كله.
جلست راشيل أحست في ردفيها بوخزة من صلابة الحجارة. وبدت عصبيتها كأنما تسمح لها بما بدأت تعتاد عليه من ضعف، في أي مكان يوجدبه لوك علي مقربة منها.
-" راش . "
-" كيف حالك يا لوك ؟ "
كان باستطاعتها أن تري أنه غير حليق الذقن، وقد امتلأت عيناه بالحزن. أما شفتاه فقد مالت للون الأبيض، مما كان يعني أن حالته البدنية ليست بخير أيضاً. تري متي أكل آخر مرة؟ حلةبدنية أغرقها العذاب والألم . جوع تضاعفه المعاناة. دائرة مفرغة.
كان ألم لوكمنذلك النوع الذي يحتاج أكثر من المعرفة الطبية ومن المهارة في العلاج. أكثر من القدرة علي رد الفعل والقدرة علي اتخاذ الازم. وبعصبية بللت راشيل شفتيها ولبثت تنتظر. تبادر مشهد بعيد إلي ذاكرتها..... بنجلادش . جنازة. كانت تشاهد النساء الثكالي والأيامي يولولن، يلطمن الخدود ، هذا النوع من الحزن مؤكد أفضل من المعاناة في سكون. هل أتيح للوك أبداً الوقت كي يأسي ويحزن علي روب وكريس ؟ دائماً هو الساهر علي راحة الآخرين، ولم يكن ليستريح أبداً، هل أشبع يوماً حاجته هو إلي الحزن والأسي ؟
اخذت "راشيل"تتفكر في القوة التي اكتسبتها منه منذ اول لحظة رأته فيها ، من طريقه معاملته لــ "حنا" و "تيريزا" . هادئ مجامل رقيق ، يتحدث إليهما عن عمله وعن المزرعه و شؤونها ،يستمه إليهما طول اليوم ، كما لو كان يشعر بأغراقهما في الوحده و الفراغ منذ وفاة "روب"و "كريس" .كما لو كان يريد ان يخفي حزنه عنهما ، حتى لاتشعرا بهذا الفراغ و هذه الوحشه فيمكن لأي انسان ان يحتاط من الاخرين ، ماعدا " لوك" ، فقد كان غذاء الروح للأرواح . اخذت "راشيل" نفساً عميقاً ثم اخرجته بهدوء واستدارت نحو جهته ،
_"لم يكن عليك ان تاتي الى هنا . فالجو قارس البرودة.-."
-"أعلم. "

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:40 PM

الفصل الثامن
 
أخذت تفرك يديها معا وتنفخ فيهما لتدفئتهما. أربعة أعوام ونصف في مناخ دافئ دوماً، هذا ما اعتادته . انكمشت داخل سترتها، وضعت كفيها تحت إبطيها.
-" تعالي إلي. "
أخذ لوك يديها بين يديه يحكهما لتشعرا بالدفء .أخذت راشيل ترنو إليه، تود لو تضع يده علي وجهها ،تلك الفكرة التي انتابت جسدها من جراء هذه الفكرة، جعلتها تشعر بالخجل . إنها هنا كي تعطي ما تقدر عليه ، وليس كي تأخذ. وبرقة سحبت يديها من كفيه ، لتتناول الحقيبة التي كانت تعلقها علي كتفها :
-" لقد أحضرت لك طعام الغداء. "
كانت شطائر البيض المسلوق هي المحببة لدي لوك . لم تنبس تريزا بكلمة عندما رأت راشيل تجهز له هذه الشطائر بنفسها، ثم تلف له قطعة كبيرة من كعكة حنا ذات الفواكه في الورق المعدني . إنها جهزت إناء الماء المغلي ووضعت فيه أوراق الشاي ، ثم سألتها أن ترتدي ملابس ثقيلة .
لم ينبس لوك بكلمة ، هو أيضاً . ونصحت راشيل نفسها بالتزام الهدوء، رأت أن ذلك أفضل من الاسترسال في مدي حاجته للطعام.
منتديات ليلاس
- " إن تجهيزي للشطائر رديء . "
كانت تتحدث بسرعة ، تكره أن تحاوره في الحديث ، لكنها كانت تكافح بقوة وتجرب أية محاولة .
- " أنا لن ألومك إن لم تستطع أن تأكل ولو واحدة إلي نهايتها ، فعلي الأقل ستظن أني اقوم بتجهيزها بطريقة أفضل من الآن . "
لقد أتت بنتيجة أخيراً ، نظر إليها ، أخذ إحدى الشطائر وقال لها :
- " لقد كانت الشطائر التي أعددتها بالأمس رائعة الطعم . "
أخذت راشيل تراقبه وهو يقضم قضمته الأولي ثم قالت :
- " هذا فقط لأن تريزا كانت تقف معي لترشدني إلي ما أقوم بعمله بالضبط . "
لم تشأ أن تطيل من حديثها ، كانت سعيدة أن الحزن قد فارق صفحة وجهه وهو يأكل ، ووضعت شطيرة أخري في يده ما إن أنتهي من الأولي . بعد بعض الوقت كانت قطعة الكعكة قد انتهت أيضاً ، وعاد لون شفتيع ، عاد إليهما لون الصحة.
وقفت راشيل علي قدميها ، وأخذت تنفض ما علق بملابسها من تراب . كانت هي نفسها قد أكلت شطيرة كاملة قبل أن تتذكر أنها لا تستسيغ ما بداخلها.
- " جوردي يجب أن يكون قد استيقظ من نومه الآن . لذا يجدر بي أن أعود ."
أخذت نفساً عميقاً . هل سيأتي لوك معها؟ أم هل سيختار الإستتغراق هنا مع ذكرياته ؟ كانت تميل نحوه ، تقترب منه ، أما الطريق إلي روحة فإن راشيل لم تكن علي ثقة أنه ستجده سهلاً ممهداً . لم يعاندها الحظ . لقد فام ووقف علي قدميه.
- " سأعود معك . "
لم يتفوها بكلمة في طريق العودة ، لكن عندما اقتربا من الدار ، نفض لوك أفكاره وقال :
-" أشكرك يا راش ."
وبمجرد دخولهما إلي الدار ، أعطت راشيل لماري إجازة ما بعد الظهيرة . الخطة الثانية من خطتها كانت تعتمد علي الحركة .
عندما عاد لوك من حجرته، بعد أن أخ حماما ، وقام بحلق ذقنه ، ناولته راشيل جوردي ليحمله .
-" هل بإمكانك أن ترافبه بدلا مني لبعض الو قت ؟ " كانت تسأله .
-" لم تكن ماري بحالة جيدة ، لذا تركتها تعود إلي دارها لتنال قسطاً من الراحة . سأجرب طريقة جديدة لإعداد كعكة الليمون، وهذا يستحوذ الآن علي كل تركيزي . "
الفقرة الأخيرة لم ترق لها تماماً . علي كل حال ، طريقة التجهيز لأي وجبة كانت حتى وإن كانت للبيض المسلوق ، بالتأكيد تحتاج إلي تركيزها التام.
كان جوردي منتعشاً وقد استيقظ من النوم لتوه ، لذا شغل لوك تماماً بمراقبته . اخذت تراقبه يحمل ابن أخيه بين ذراعيه ويذهب به إلي مكتبه . عندما وقفت باعتاب باب المكتب ، بعد مرور بعض الوقت ن اخبرتها أصوات جوردي التي تنبعث من الداخل أنهما يلعبان سويا علي السجادة . ابتسمت . واسرعت راشيل بالعودة لتنثر بعض الدقيق علي مائدة التجهيز مع بعض قطرات الليمون .أخذت تساءل نفسها ... تري ماذا يوضع أيضاً في كعكة الليمون ؟ إن حدث وفكر لوك في السؤال عن الكعكة، تستطيع كالعادة أن تخبره إنها قد لحقت بالكارثة السابقة ، وذهبت طعاماً للقمامة .
بينما أخذ لوك يطعم جوردي عشاءه كانت راشيل تفعل المستحيل في تنظيف ما اتسخ من حولها بالمطبخ. كانت رائحة إناء حنا محتوياً علي وليمة الدجاج في الفرن ، وكانت راشيل تمني نفسها أن تجتذب تلك الرائحة لوك إلي المطبخ. لكن ، لم يحدث هذا.

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:41 PM

الفصل الثامن
 
أعطي جوردي حماماً ، وألبسه ملابس النوم ، ثم عاد أدراجه إلي حجرة العمل، وأغلق الباب من خلفه لا يلوي علي شيء.
انتظرت راشيل نصف ساعة قبل أن تشرع في خطتها التي تعتمد علي الحركة . حملت الصينية التي أعدتها أعلي كتفها . كانت الغرفة غارقة في الظلام عندما دفعت بابها بقدميها ن كان شعاع الضوء الذي تسلل أليها من فتحة الباب هو البصيص الوحيد بداخلها للنور .كان مقعد لوك يواجه النافذة العريضة.
لم يحاول لوك أن يدير رأسه عندما أنزلت الصينية ووضعتها . ابتلعت راشيل ريقها واقتربت خلف كرسيه . إنها لا تقحم نفسها عليه ، هكذا أخبرت راشيل نفسها ، ليس عندما تحتاج آلامه إلي من يخففها عنه . ليس عندما يتلهف قلبها ليفعل ذلك. وبرقة . وضعت يديها علي كتفيه وبدأت تضغطهما وتدلكهما ، ثم ترنفع إلي عضلات رثبته . كانت عضلاته صلبة حقاً ، لا بد أن الصلب نفسه قابل للتشكيل أكثر من تلك العضلات .
- " حدثني عن روب ."
كانت الكلمات صعبة في البداية ، وببطء انتظم إيقاعها ، تكونت الجمل بسهولة مع الوقت . أخذ لوك يصف لها ذكرياته الواحدة تلو الأخري ، دهشا أن يجد نفسه ضاحكاً كلما ذكر فشلاً أو عقبة تواجههما عندما كانا صغيرين. ثم بعد ذلك أتي طور الفتيات والجامعة . وتلك المشاركة والتواصل العميق مما كام يثري حياة كليهما.
منتديات ليلاس
كان باستطاعتهما دائما مواصلة الحوار ، كل إلي الأخر ، والاعتماد ، كل علي الآخر. عندما توقف لوك عن الحديث ، قالت راشيل ببساطة :
-" الذكريات الحلوة تبقي دائماً حلوة لكونها ذكريات، أليس كذلك ؟"
وكان علي لوك أن يدرك ذلك عن الذكريات . كان يروي أنه يحس بوجود روب معه بالحجرة فكان كشعاع يمس شغاف قلبه. دافئ، مؤنس، مكتسح لكل ما عداه .
- " لو كنت أنت الذي قتل ، وليس روب وكريس " ، ثم اتجهت مباشرة للب حديثها ،
-" كيف كنت تحب أن تُذكر ؟ "
ركن إلي السكون حتى ظنت أنه لن يجيب . ثم أخذ لوك يتحدث برقة ، كما لو كان يزيح الستار عن أفكار معينة تعتمل برأسه لأول مرة :
-" كنت أحب أن أذكر بجب ، ببهجة . "
-" بنفس طريقتك عندما كنت تحيا ، وليس علي طريقة موتك هذه ؟ "
قالتها راشيل بصوت خفيض . ولم تزد قولاً لفترة طالت. لم تكن بحاجة إلي أن تزيد . كانت الساعة تشير إلي كل لحظة تمر ، تسمع تكاتها .
كان يمكنها أن تشعر بالتحول الذي أصاب لوك .
نظر لوك إلي الصينية . تري متى توقفت راشيل عن تدليك كتفيه والجلوس إلي المقعد ثم الاقتراب من مكتبه ؟ لقد حركت الطبق ، وضعته أمامه ، دفعت بسلة الشطائر في اتجاهه ، لكنها لم تقل شيئاً . وبعد أن أخذ كفايته من الغداء أثناء الحديث ، كان عليه أن يفي ذكري أخيه حقها .
راش كانت علي حق . فهناك الكثير من الجوانب السعيدة في ذكرياته عن روب ، الكثير مما يحق له احتضانه بسعادة واعتزاز .
ولسبب ما اختفي هذا الألم ، وأدرك لوك أنه ينبغي ألا يسمح لللآلم أن تغطي ذكرياته . ذلك الإدراك حرره من هذا الطوق الحديدي الذي صنعه بنفسه . شعر بالتخلص مما كان يعلق به ، شعر أنه قد انتعش ، اكتمل. امسك لوك بتلك اليد الممتدة للصينية ، لا يعني إلا الامتنان لها . لكن إحساسه بملمس معصمها أشعل ناراً بداخله . وبجذبة بسيطة كانت بين يديه.
كان يريدها بالقرب منه، فقط لبضع دقائق ، أخبر نفسه ، فقط ليتأكد من أن ملاكه هذا بشر له شحم ولحم . ذابت أحاسيسه عندما شعر بها بين ذراعيه . إنها تناسبه تماماً . لم تكن لتتمنع عليه . لم يتلق تحذيراً منها من أي نوع إنما انسلت تقترب منه ، تأوي إليه ، كما يفعل جوردي أحياناً. بضة ، شهية ، متلهفة، تركن إليه وتلجأ . رائحة الورود انبعثت تزلزل خياشيمه فأخذ يحاول كبح جماح رغبته .
-" لوك ؟ " . بدت الأثارة والاستحواذ علي وجهها فزادت رغباته استثارة . انفاسها حلوة ساخنة ، تضرب صفحة وجهه .
-" اشكرك ، لقد ساعدتني في إعادة الأمور إلي نصابها . "
كان صوته يتحشرج . لم يرد أن يخيفها بقوة أحاسيسه وما يشعر به . ربما تساعده الكلمات علي أن يهدأ .
- " لقد كان كل شيء علي ما يرام حتى اتصل والدي ذلك الصباح . "
بدا صوته حزيناً منهكاً . قال :
-" إن أكبر مصيبة يمكن أن تواجه رجلاً ، هي أن يعيش حتى موت أبنائه. تسلل شيء إلي في تلك اللحظة ، وكان علي أن اهرب بعيداً . "
-" فهمت . "
أخذت ترفع يدها عن وجهه ، لكن لجزء من الثانية تركت أناملها تتمسح بخده . الإنسان الأقوى دائماً ما يكون شعوره أشق وأصعب . لقد انشغل لوك بالانغماس ثانية في تسيير دفة الحياة من حوله ، فلم يدرك أنه يجور علي حقه في بعض الوقت للحزن ، للتأقلم .
رق لوك تحت وقع لمساتها. إنها أول مرة تلمسه راشيل بهذه الطريقة . أخذ ينظر إليها ، وفجأة أصبح يريد أن تقترب إليه أكثر وأكثر . أن يدخلها في أعماق أعماقه . فجذبها غليه ، بعد برهة أدرك لوك أن عليه مواعاة اعتبارات أخري عديدة . غنه يعلم ان عاطفته لم تخط هذا الحب الدافق .
لكن جزءا ما في عطائها كان مكبلاً ، كان ركناً مقفلاً محرماً ، لم توصله إليه بعد ، حتى لا تندم بعد ذلك . لكنه هو أحس بالندم .
هناك ما هو أكثر من هذا الشعور المؤقت بالالتصاق ن بالاندماج ، بالتوحد ، بالحاجة إلي ان يتوه المرء ويتوه في كل ذلك . إن راش لا تستحق إلا أن يحبها . وبنعومة لف يديه حول ذراعيها وضمها إليه . فلما صارت بين ذراعيه لم يعد يفكر في اي من ذكرياته أو أشجانه . . وضمها لوك إليه . عندما رأي هذا الارتباك الذي بدأ يصبغ صفحة وجهها ، طبع قبلة أخيرة ،

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:43 PM

الفصل الثامن
 
-" أظن أنني سمعت صوت انجيلا في غرفة المعيشة . "
أخذت راشيل تضغط براحتيها علي خديها تهدئ من احمرارهما مأخوذة من التغير تاسريع الذي طرأ عليه . لم تكن بحاجة غلي من يذكرها ن حتى تدرك انها قد اوشكت أن تصبح حمقاء تماماً .
-ط يجب أن أذعب للاطمئنان علي جوردي ."
كانت قد وصلت غلي الباب عندما أوقفها لوك . وضع يده علي فمها حتى لا تتفوه بكلمة ، ثم أدار ذقنها تجاهه بغصبعه ،
-" راشيل لا تسيئي فهم ما حدث الان هنا ، " أخذ يرجوها بشدة ،
-" إني أريدك ، لكن أن نقع في الحب حتى نغرق فيه ... فغن ذلك يجب أن ينبع من أعماق قلبينا ، كل تجاه الاخر . وإلا فلا. "
اخذ يتطلع إلي الاحمرار البادي علي وجهها ثم اضاف :
-" إن الحب رباط مقدس بين رجل وامرأة. ينبفي لأي شيء كان أن لا ينفصم عري هذا الارتباط . لا الآلام ، ولا الظنون، ولا الارتياب . " فتح لها الباب ، وسارت راشيل خارجة علي أقدام تكاد لا تقوى أن تحملها .
لم تكن تعلم ماذا تفول لإنجيلا التي لسوء الحظ تجلس بالفعل أمام التلفزيون في حجرتها ، استندت راشيل علي الباب ، تضغط براحتها فوق قلبها، كان يدق كالمطرقة الآلية . سريعاً غاضباً ثائراً . كانت كثيراً ما تفكر في الحب في أن تحب ، لكنها أبداً لم تفكر في الحب حتى في أروع احلامها علي انه شيء مقدس .
تمكثت سارحة ، تفكر في عيني لوك الداكنتين ، في يديه الماهرتين . نعم ، إن المرأة التي يحبها لوك لا بد أن تكون جزءاً من ارتباط مقدس .
* * *
أخذ لوك يرقبها من نافذة مكتبه وهي تمتطي سابرينا . إنها تمتطي جوادها كما كانت تفعل أشياء أحري عديدة دون أن يعتريها أي نقص في ثقتها بنفسها.
أخذ يتذكر كيف تركت نفسها بين يديه بالأمس وضاقت عيناه ، لو كان قد أخذ ما قدمته له علي طبق من ذهب ، تري كيف كان سيصبح شعورها اليوم ؟ أم تري أنها كانت قد اتخذت قرارها بالفعل ، أن تقيم علاقة معه ، ثم ترحل بعد ذلك راجعة إلي بنجلادش ، بقلب مفتوح وضمير خال ، سعيدة أن عرفت أنها قد أحبت رجلاً ؟
كان جوان يقول شيئاً ما عن بعض ما تحتاج إليه المزرعة . وكان لوك يستمع إليه وهو غائب عنه . لا. راشيل ليس لها القدرة علي قرار بلا قلب ، كهذا . إن عطائها كان دائماً بلا حدود إنها تأبه بالأشياء وبالناس من أعماق قلبها ، تهتم لهم ... هل يتعارض اهتمامها مع عطائها ؟ أخذ يتذكر اسلوبها مع جوردي ، نظرة وجهها عندما أخبرتها حنا أن ظهرها يؤلمها ، حديثها الذي أجبرت موجو علي الأنصات إليه .
لا يكفي أن يحبها مرة واحدة في الحياة . لا يكفيه أن يذوب في هذا الحب لمرة واحدة قد لا تتكرر بعد ذلك ، المشكلة هي أن يقنعها بذلك.
منتديات ليلاس
-" أنا أعلم أنها قائمة طويلة من الاحتياجات ، قالها جوان ثم أضاف : " لكن بهذه الأسعار ، وإذا كانت البضاعة تطابق العينات التي ارسلت إلينا ، فإنها تكون بالتأكيد صفقة رابحة . "
- " نعم . "
قالها لوك ليرد عليه . فلنحصر تفكيرنا فيما حدث بالأمس . لقد شقت طريقها إليه كما لم يفعل ذلك مخلوق ، منذ اختطف الموت روب وكريس . لكنه لم يغرق في هذه النقطة كثيراً .
راش ستفعل ذلك مع أي إنسان يكون في مكانه .

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:46 PM

الفصل الثامن
 
إن لديها سحراً من نوع خاص في أطراف أصابعها، في لمساتها ، تأثيراً اكتسبته من المعرفة المستفيضة ومن التجارب . وبالتأكيد أصبح مقتنعاً أن المعرفة المستفيضة ستجعلها تتعرف علي حقيقة مشاعرها وصدقها . معنوياً ، هي أقوي من أي شخص عرفه ، وبالتأكيد هي أقوي منه هو نفسه . هل هي هذه القوة المعنوية الجبارة ، التي ستجعلها تهجر تلك الفكرة ، ألا ترتبط بأي شيء في حياتها سوي عملها لدي ال م. ر .أ . ؟ أخذ لوك يتساءل عما سيفعله ، إن قررت أن لا مكان له في حياتها . ولأول مرة في حياته ، يصل إلي تلك النقطة ، التي تفَكر فيها بالشيء الذي يريده ، دون أن يفكر في أي اعتبارات أخري .
- " لقد خبا وميض الحب الذي كان بالأمس . "
قالها جوان بهدوء ، وبابتسامة في ركن فمه ، مختبراً حالة التركيز التي استغرقت لوك .
- " نعم . "
منتديات ليلاس
كانت راشيل تقول شيئاً لموجو الذي كان يمتطي جواداً بجوارها ، من العجيب حقاً ، أن هذا الهندي ، هو من استطاع إقناعها بمزاولة الفروسية ، أخيراً . ببساطة ، قام بتجهيز سابرينا للركوب ، ثم أتي بها إلي الدار بعد الظهيرة ، في أحد الأيام . أخبر راشيل أن الجياد بحاجة إلي التدريب ، وأنهما سيقومان بامتطائها لبعض الوقت . لقد أحبرت تريزا لوك بما حدث ، فقد بدت الدهشة علي راشيل ، واخذت تنظر إلي الهندي في هدوء ثم قالت :
-"انتظر ريثما ارتدي الجينز . "
شقت الصداقة طريقها مباشرة بينهما . الفروسية يومياً ، أحذ موجو يتحدث مع راشيل في أشياء نادراً ما كان يثيرها مع أي مخلوق آخر ، ولقد كانت في غاية التبسط والود معه . وبدأت مهاراتها في ركوب الخيل تتحسن وتتقدم ، ولم تعد تخشي من الجياد .
-" حاول شخصان اقتحام إسطبل ( أ ) مساء أمس . " قالها جوان فارجاً أساريره .
-" حسنا . " رد لوك
ثم أخذ يفكر في أن يرسل لشراء هذا السرج الجميل المصنوع يدوياً ، والذي كان قد رآه في إحدي المجلات ، ربما يقدمه إليها كهدية بمناسبة الأعياد.
-" لوك ، هل نناقش هذا الأمر في وقت آخر ؟ "
قالها جوان وقد نفد صبره فالتفت إليه لوك :
-" ماذا ؟ "
-" إن عقلك لا يفكر في غداء الخيول الآن ، " قالها جوان بأدب ، لكن عينيه تحدثتا بأكثر مما قال . وأحذ يتطلع عبر النافذة .
-" ربما يكون من الأفضل ، أن تذهب لتقوم ببعض الفروسية، أنت أيضاً . "
انفرجت أسارير لوك ، لكن ليس لمداراة ما شعر به من إحراج لتوه . فليس لديه شيء يخفيه عن الرجل ، الذي يعتبره عماً له .
-" إني آسف يا جوان " ، قالها غير نادم ، " سوف أكون كلي آذاناً صاغية الآن. " جذب كرسيه أمام المكتب ، وجلس عليه، محاولاً تحرير نفسه من التفكير في تلك المرأة .. الطفلة التي أصبحت تمنع النوم من عينيه .

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:47 PM

الفصل الثامن
 
-" الآن وقد اعتزمت حنا العودة يوم الجمعة ، ما رأيك في أن تصطحبيني في رحلتي إلي لوس انجلوس يوم السبت ؟
كان لوك يسأل راشيل صبيحة يوم الخميس .
-" هكذا ستتاح لك الفرصة للقيام بشراء بعض الأشياء الخاصة . عندي بعض الأعمال التي ينبغي علي إتمامها هناك، لكنها لن تستغرق وقتاً طويلاً . سيكون بامكاننا مشاهدة بعض العروض في المساء ، ثم نبيت ونعود لنلحق بوجبة العشاء مساء الأحد هنا . "
حنا اتصلت مساء أمس لتخبرهم أن ظهرها أصبح بخير وأنها ستعود صباح الجمعة .
وعادت راشيل ثانية تتحسس شعر جوردي الناعم . تمسك بإحدى يديه ، تمرر غصبعه علي شفتيه ، كأنما لتستشعر تلك النعومة اللذيذة في أنامل الطفل، تأخذ وقتها قبل أن تشرع في الجابة علي لوك . لم يبد هكذا أبداً منذ قبلتهما الأخيرة . لا يحاول الضغط عليها بأي شكل ، بل يخبرها أنه ينتظرها أن تقترب منه ، أن تقترب من طريقة تفكيره . لكن ما لا يعلمه ، أن باستطاعتها أن تصبح صعبة المراس ، أنها لا تعتزم أن تجعل له سبيلاً إلي أعماق مشاعرها .
-" دعني أولاً أحادث دكتور سميث هاتفياً لتحديد موعد لمقابلته يوم السبت ، " قالتها راشيل بهدوء " يجب أنأناقش معه تفاصيل مهمتي القادمة. "
ومرت سحابة سوداء بلوك .
-" ألم يوضح لك دكتور كنتون كل شيء بعد ، " واحذ يشيح بيديه .
- " سأقوم بعمل تحليل دو في إدارة ال م. ر أ . " أخبرته راشيل ثم اضافت : " ليس بي شيء الآن . إني آكل كالحصان ، أستطيع أن أسير أميالاً بلا كلل ، أنام جيداً ، كما أني أصبحت بدينة كإحدي بقرات تريزا. "
كانت تريزا تمتلك الحظيرة الصغيرة التي تمد دياموندبار باللبن الحليب طازجاً .
لم تبد علي لوك أي علامات الرضا ، لكنه لميجادلها ، وقال ببساطة :
- " دعيني أعرف ماذا تقررين .؟ "
منتديات ليلاس
وكانت الصفقة القوية لباب المكتب هي العلامة الوحيدة علي استيائه .. أخذت راشيل تنظر إلي جوردي وهو يجلس مستكيناً يتطلع إلي وجهها ويرتعش من الانفعال .
لقد بدأ يصبح جزءاً منها ، سيكون من الصعب عليها التخلي عنه . ولن تستطيع أبداً أن تجد سبيلاً لرؤيته بعد الآن . لقد أصبح يستدير متطلعاً إليها في كل صغيرة وكبيرة، كما لو كان يشعر أن حبها له أصبح أعمق من حب أية امرأة لأي طفل .
-" هكذا سيكون افضل . " قالتها تهمس له .

الشجرة الطيبة 26-07-09 11:49 PM

الفصل الثامن
 
أخذت تلعب في خصلات شعره ، تملأ ذاكرتها بهذا الملمس ، كي تعينها عندما تصبح في الجانب الآخر من الكرة الأرضية. كانت راشيل تقوم بآخر مهامها في القيام بدور المومة ، وهي تبقي عينيها تراقب جوردي . لقد أغرقت الحجرة به ، بإحساسها بوجوده ، عندما بدأ يعاود الصياح والصخب . لم يكن بالحجرة سوي لعبة ، دميته المحشوة ، زوج من الكراسي المبطنة ذات المساند ، والكرسي الهزاز .
أخذت تنظر إليه وهو يقف علي قدميه وينظر إليها بغبطة ، وقالت راشيل:
-" هذا عظيم يا جوردي . "
جال بخاطرها تلك الملاحظة التي ابدتها تريزا منذ قليل .
كانت تتحدث عن مدى الحب العميق الذي كان بين روب وكريس ، ثم أخذت تلخص قولها :
-" الناس العقلاء هم الذين يتمسكون بكل قوة ويتشبثون بالحب إذا أتي لهم . "
هل كانت تريزا تريد أن تقول لها شيءاً ما بين السطور ؟ من أن الحياة قصيرة ، ومن أن الناس الذين لا يتمسكون ويتشبثون بالسعادة إن أتتهم ، هم أناس حمقي !
أخذت راشيل تعض علي شفتها . لكن الحماقة أيضاً ، قد تصبح نوعاً من التعاقد والاتفاق المقدس ، كالزواج دون التأكد من القدرة علي العطاء .
منتديات ليلاس
زحف جوردي إلي المشاية حتى أمسك بها . فوضعته راشيل علي مقعدها الأحمر .
أخذ يتراجع بها في الحجرة بسرعته المعتادة ، حتى أعاقته الوسادة الكبيرة الموضوعة في نهاية الحجرة علي الأرض لأيقافه . كعادته ، بدا عليه الدهشة التي تعتريه دائماً كلما أعاقه شيء عن السير .
ألقت راشيل بيديها إلي أسفل . لقد امتلأ جسدها بتلك الأحاسيس التي زرعها لوك فيه ، كان يصرخ بها ، يطالب بالمزيد كلما طالت مدة بقائها هنا ، كلما خارت قواها . لكن ، لا بد ألا تضعف . أن تحصل الآن علي ما تريده ، ثم تكتشف بعد ذلك أنه لا يكفي لأن يظل ويدوم طوال الحياة ، سيكون كارثة تحل بكل منهما . فهناك ما يكفي من الآلام التي أصابتها في دياموندبار ، بما يكفيهما لزمن طويل .
أطلق جوردي إحدي صيحاته المحتجة ، فقامت راشيل تدير له المشاية للجهة الأخري ، كان قرارها قد اتخذ بالفعل .
بمجرد أن تأتي ماري لمراقبة الطفل ، ستتصل بدكتور سميث في لوس انجلوس وتصر علي الحصول علي مهمتها القادمة .

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:30 PM

الفصل التاسع
 
الفصل التاسع
يوم الأحد ، بدت الدنيا تصلح منظراً بديعاً يطبع علي إحدى البطاقات البريدية. كانت السماء كالصفحة الزرقاء. لم تكن هناك سحابة واحدة بالمشهد كله. والحرارة تعد بالصعود، حتي برودة الصباح المبكر ذابت ثلوجها تحت أشعة الشمس التي تلوح .
كان لوك قد أشار إلي أن الرحيل سيكون مبكراً. استيقظت راشيل في الرابعة والنصف، وكانت قد نالت نصيباً كافياً من النوم. في الخامسة لم تستطع البقاء في الفراش أكثر من ذلك. وجدتها حنا في المطبخ تخرج من الفرن إناء قد أعدت لنفسها فيه قطعاً من الشطائر.
-" صباح الخير! "
أصابها صوت حنا القوي كعادته بشيء من المباغتة والدهشة،
- " إنك إحدى الطيور المبكرة اليوم، أليس كذلك؟ تبدو هذه الشطائر وقد أعدت بطريقة شهية."
-" لقد عثرت علي كتاب للطبخ في أحد الأدراج، وقد أخبرتني تريزا أنك لن تعارضي إن استخدمته."
ربما كان من الأجدر أن تذهب للتمشية قليلاً بدلا من هذا الحديث الذي لا معنى له.
-" بالتأكيد لن أعارض،" قالتها حنا بسرعة ثم أضافت:
-" في الحقيقة، بما أنك قد أعددت ذلك، فسأجد وقتاً كافياً كي أكمل القائمة وأدون الاحتياجات. أواثقة أنه لن يسبب لك أي إزعاج أن تقومي ببعض المشتريات من أجلي؟ لا تبالي إن لم تستطيعي العثور علي كل شيء، ففي منتصف الأسبوع سنقوم أنا وبيتي بالنزول إلي المدينة طوال النهار."
أخذت حنا تنظر إلي القائمة ثم إلي المائدة تبحث عن شيء.
-" أواه يا عزيزتي لقد نسيت عينة الصوف."
-" هل أبحث عنها لك؟ "
منتديات ليلاس
عرضت راشيل وهي تتطلع إلي ثوبها الصوفي الذي أخذت العينة من بقايا قصاصاته. الشطائر بالفعل تبدو قد أعدت جيداً. والآن، هل ستسير بقية أمورها بطريقة جيدة. بالأمس كانت صلصة الجبن التي أعدتها تبدو بها الانبعاجات والتموجات أكثر مما تبدو في إحدى الوسائد العتيقة، أما أول أمس فقد كان مصير الكعكة التي كانت تعدها هو القمامة.
-" أشكرك، ولكني لا أتذكر أين وضعتها. إن ذاكرتي تضعف كل يوم."
أخذت حنا تهمهم وهي تغادر الغرفة. أثارت الملاحظة انتباه راشيل. فهذه أول مرة تسمع عن ضعف يطرأ علي ذاكرة حنا. إن عاملة المنزل هي أفضل مؤرخة عرفتها. تستطيع أن تتذكر أشياء قالها الجد الأعظم روب بكل دقة. التواريخ، المواعيد، حتى فصول السنة. إن الاستماع إليها تتحدث عن أيامها الأولي في المزرعة، أفضل من قراءة كتاب. استدارت راشيل إلي المائدة وأخذت تعد لنفسها بعض الشاي. لقد عادت حنا بالأمس وقد أتت لها بهدية. فنجان مخصوص لها وقد حفر اسمها عليه. تأثرت راشيل، احتضنتها وقد اوشكت علي البكاء.
-" جاجا."
-" صباح الخير يا حبيب قلبي."
استطاعت بصعوبة أن تكمل جملتها. كان البنطلون الرياضي الأزرق الذي يرتديه لوك يمتد طولاً حتى يكاد يغطي اسفل قدميه. لم ينتظر ليرفعه قليلا لأعلي ، كي يمنع البرودة من الانسلال إليه عبر قدميه. كانت بقايا قطرات الماء لا تزال تبلل شعره وتلمع علي صدره، فقد خرج من الحمام لتوهبدت نعومة الطفل، في مواجهة القوة العضلية لصدر لوك.. وجه غريب للمقارنة. تسللت نبضة إلي راشيل هزت كيانها هزاً.
-" إنه يتلهف لزجاجة رضعته."
وأخذ لوك يبحث في الثلاجة.
-" خل عنك. دعني اعاونك"
تغلبت راشيل علي ما اعتراها ندمن تجمد ، وأخرجت الزجاجة ثم وضعتها في جهاز التدفئة. عندما أصبحت أكثر قرباً من لوك، تسللت إليها رائحة عطر الصابون وقد امتزجت بعطر بعد الحلاقة الذي يستعمله، فغاب كل ما عدا ذلك من حولها. ذابت راشيل تحت وقع هذا الامتزاج العجيب.

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:34 PM

الفصل التاسع
 
-" هل أقوم بأخذه معي ريثما تجهز تماماً؟ "
أخذ لوك يتفرس فيها من راسها حتي قدميها، فشعرت راشيل بأن لونها قد تغير.. كانت ترتدي جينز وسويتر حتى تشعر بالراحة، والآن، كانت تتمني أن تمتلك شيئاً أكثر أناقة لترتديه. لكن الملابس الأنيقة لن تغير من شخصية الإنسان ولا من حقيقته.
-" لا مانع عندي، " قالها لوك بسهولة وعفوية ثم أضاف :
-" يبدو أن اليوم سيكون يوماً جميلاً ، لكن خذي سترتك علي أية حال. فسيصبح الجو بارداً في الليل."
-" حسناً."
أتت حنا إلي المطبخ، وقد جلست راشيل إلي المائدة تمسك بإحدى حفاظات جوردي، وتراقبه يرضع من زجاجته متعجلاً كعادته.
-" دعيني أحمله عنك ، كي تتناولي إحدي الشطائر وهي لا تزال ساخنة قبل أن تبرد. القائمة جاهزة في جيبي."
-" لا داعي، شكراً يا حنا،" ونظرت راشيل إلي تلك العيون الزرقاء الصافية المثبتة علي وجهها،
سوف آكل معكما أنت ولوك."
كانت هذه إحدى المرات النادرة هذا اليوم، التي يسمح فيها جوردي لأحد أن يحتضنه. كان يكبر وينمو في سرعة، وفي الحقيقة، إنها لا تريد أن تظل هنا فتري تلك التعيرات والنمو يطرآن عليه فتثبط عزيمتها. أخذ جوردي يبتسم إليها، كانت تعلم في هذه اللحظة أنها حتماً لن تغير مكانها مرة أخري. ربما ذات يوم، عندما تطعن في السن، قد تعود وتشاهد تلك الأفلام التي اعتاد لوك علي تصويرها دائماً بكاميرا الفيديو، فتشاهد ما فاتها.
منتديات ليلاس
ظلت حنا ساكنة للحظة تشاهد ذلك المشهد الذي يكونانه قبل أن تستدير وقد ارتسمت علي وجهها علامات الرضا.
أخذت تتذكر انفعالات راشيل عندما شاهدت لوك يأتي عاري الصدر، تركتها حنا تلقي نظرة سريعة، تعمدت أن تتجاهل النظر إلي وجه راشيل لبرهة. إنه غالباً ما يأتي بهذا الشكل أول الأمر كل صباح. لقد أخبرتها تريزا باشياء اثلجت صدرها منذ واقعة اقتطاع شجرة الميلاد، لكن المور لم تستقم حتى النهاية. ولقد اعتزمت حنا أن تعيدهما إلي الطريق الصحيح. تغيير بسيط في خط سير الأحداث سيعيد الأمور إلي نصابها.
بعد لحظات عاد لوك يرتدي بنطلونه الجينز وفانلة حمراء مفتوحة الرقبة، كان جوردي علي كرسيه ذي العدادات في الغرفة المشمسة مع راشيل، كان راضياً عما يدورمؤقتاً. هم لوك بالجلوس إلي المائدة عندما استوقفته كلمات حنا.
-" أبداً لم أعتقد أنك بطيء. مستبد الرأي، نعم ، بطيء، لا."
أخذ لوك يتلفت حوله. كان هو المخلوق الوحيد الموجود معها في المطبخ.
-" أستميحك عذراً ؟ "
ربما كانت حنا تتحدث إلي نفسها.

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:42 PM

الفصل التاسع
 
-" أنت." ، استدارت حنا من أمام الموقد وأشارت إليه بملعقة خشبية كانت في يدها، لتمحو أي شك فيمن تقصد بكلامها، " بطيء، مستبد الرأي، عنيد."
كل كلمة تصحبها إشارة بالملعقة .
-" هل تنوي أن تدع راشيل ترحل؟ لقد كنت أعتقد أن لديك القدرة علي التمييز، بدرجة أكبر من ما أراه الآن ."
بهت وجه لوك ، وقال بنبرات جافة:
-" إن قرار البقاء يجب أن يكون قرارها هي."
أخذت حنا تسائله:
-" وما الضرر في بعض التدليل؟ بعض من العبارات مثل : لن أدعك ترحلين أبداً."
-" لا"
كان عقل لوك حتماً قد فقد صوابه واستشاط
-" لكي تنجح أي زيجة، يجب أن ينبع القرار من فردين وليس من فرد واحد."
-" هم!"
منتديات ليلاس
وضعت إبريق الشاي علي المائدة ، ولم تزد كلمة واحدة فقد أتت راشيل."
إن النفس البشرية حمقاء للغاية، حمداً لله، لم يكن كارلوس يعاني أيا من ذلك. لقد قبلها ببساطة ونظر إلي عينيها مباشرة ثم قال: " سنتزوج في الخريف القادم. ستكونين لي ."
قررت حنا أن تمهل لوك أسبوعاً واحداً آخر كي يقوم بخطوة من جانبه.إن لم يعدل من تصرفاته حتى ذلك الحين، فإن وجبة الجزر المغلي يومياً قد تصلح له عقله.
كانت وجبة الفطور في غاية الهدوء ، كان كل منهما غارقاً بأفكاره .
-" فلتستمتعا بوقتكما تماماً، ولا يقلق بالكما أي شيء هنا."
كانت حنا تحدثهما وهي تقف بالشرفة لتوديعهما،"
-" جاسون سينام في الدار الليلة . وبما أن اليوم السبت، فإن ماري وتريزا لن تحضرا، لكننا أنا وانجيلا سنتدبر أمورنا جيداً."
كانت راشيل تدرك أن فكرة الرحيل عن جوردي توشك أن تتحقق الآن، لم يبق سوى أربع وعشرين ساعة، ويولد بداخلها خواء هائل.
يمكنها أن تلقي نظرة أخيرة علي وجهه فتحتفظ بذكري هذا المشهد معها وهي راحلة، استدارت علي مقعدها لتلحق بآخر نظرة.
-" سيكون بخير،" قالها لوك ثم أكمل: " لا تخشي شيئاً."
لكنها كانت تخشي. ماذا لو انكسرت واحدة أخري من أسنانه. ماذا لو لم تعثر حنا علي دمية البقرة البيضاء التي اعتاد عليها في الأيام القليلة الماضية . ماذا لو...
-" راشيل، إن خطوط التعاسة تكسو وجهك،" كان صوت لوك حزيناً رقيقاً، " إن جوردي سيكون بخير."
-" أعلم . الأمر فقط أن ..."
وغاب صوتها بعيداً.
-" قد كنت أشعر بنفس هذا الشعور في البداية. لكنني قد اتصلت بالدار بعد نصف ساعة من الرحيل، فاخبروني أن الأمر لم يستغرق سوى ثوان معدودة علي أختفاء السيارة عن أنظارهم، حتى عاد جوردي إلي حالته الطبيعية ولهوه . هذا يبدو صحيحاً . إن جوردي لطفل سعيد للغاية ولن يبقي حزيناً لفترة طويلة."
وبعد لحظة صمت قال لوك:
-" سيستغرق الطريق ساعتين ونصف إلي ثلاث ساعات . يمكنك الحصول علي إغفاءة قصيرة إن شئت."


كان لوك يقود سيارته المرسيدس ،فهو لم يستعمل شاحنته اليوم . لم تكن قد رأت تلك السيارة من قبل، لكنها كانت تتوقع أن تكون بالجراج الموجود علي يسار الدار، والذي يتسع لست سيارات، أن يكون به أكثر من الشاحنة الزرقاء. بدأ شكل الطريق يتغير مع اقترابهم من لوس انجيلوس. في هذا المكان اختلف شكل الجبال، كانت قد عبدت وتم تمهيدها طرقا من أجل التنمية . جديدة.. قبيحة الشكل تخلو من نعومة الأشجار التي تكسو المشاهد بالطبيعة الخضراء، المنازل تبدو كمساكن للأشباح، احست راشيل بالفخر أنها لا تنتمي إلي سكان المدن.

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:49 PM

الفصل التاسع
 
أوصلها لوك أمام مقر ال م. ر. أ. بوسط المدينة، أخبرها أنه سيأتي ليأخذها مرة أخري في الثانية عشرة ظهراً.
أومأت راشيل برأسها. إن ساعتين من الزمن ، وقت كاف جداً لتري دكتور سميث، ولتقم بعمل تحليل دم، وقد تجد الوقت أيضاً لأخذ حقن التطعيم.
لكن الوقت لم يكفها تماماًز اصر دكتور سميث أن يصحبها في جولة بأرجاء الادارة، كان يعاملها كما لو كانت ضيفاً هاماً يزور المبني، أخذ يقدمها إلي موظفي ال م. ر. أ. علي أنها واحدة من أهم العاملين الميدانيين.
أخذها لمشاهدة حجرة عروض الفيديو وجناح التدريب، متحدثاً طوال الوقت عن حاجتهم إلي مدير للبرنامج التعليمي للمتطوعين.
بدأت تشعر راشيل بشيء من التلميح الخفي وراء كلماته.
هل هناك غرض ما وراء هذع الجولة؟
يبدو علي دكتور سميث أنه قد أخذ انطباعاً عنها أنها قد غيرت رأيها بشأن العودة إلي بنجلادش. يجب أن توضح له موقفها تماما في هذا الصدد.
-" متى برأيك يمكنني العودة إلي بنجلادش ؟ "
كانا قد دخلا ثانية إلي مكتبه وجلسا كل في مواجهة الآخر. وعلي المائدة التي تفصل بينهما قد وضعت صينية بها فنجانان من القهوة وطبقاً من الشطائر.
-" حسناً..."
وفتح دكتور سميث أحد الملفات أمامه.
-" ما خططك بشأن الحتفال بقدوم العام الجديد ؟ لدينا مجموعة ستقوم بالسفر ئئئغلي الخارج في نهاية شهر يناير ( كانون الثاني )."
-" ارجوك، أريد الرحيل مبكراً عن هذا الموعد."
نظر إليها دكتور سميث من فوق طاولته. يبدو أن ثبات عينيها الرماديتين قد أوحى إليه بقرار.
-" حسن جداً، إن كنت تصرين علي الرحيل مبكراً، يمكن أن أقوم ببعض الترتيبات بحيث ترحلين في الخادي والثلاثين."
منتديات ليلاس
هكذا ستتمكن من الإحتفال بفدوم العام الجديد كما خططت تماماً وحيدة.
وقفت راشيل علي قدميها ، متجاهلة تلك الانتفاضة الرهيبة التي أحست بها في قلبها، ومدت إليه يدها.
-" اشكرك يا دكتور سميث. سأقوم بعمل تحليل الدم هنا الآن."
وبنظرة إلي الساعة فوقه أدركت أنها تسابق الزمن.
-" إن وقتي ضيق للغاية، لذا سأذهب لأري دكتور كنتون ليقوم بالتحاليل اللازمة، ولأخذ حقن التطعيمات."
-" قبل أن أنسي، " قالها دكتور سميث معاوداً النظر إليها من فوق نظارته.
-" لا تنسي أن تبعثي بخالص شكري للتبرع السحي الذي قدمه مستر سومرز إلي ال م. ر. أ. "
-" تبرع؟"
كانت هذه المرة الأولي التي تسمع فيها بذلك.
-" نعم."
وهو يخلع نظارته من فوق عينيه ، أخذ في تنظيف عدساتها ثم أعادها فوق أنفه، متفرساً في راشيل من فوق عدساتها.
-" لقد بعث إلينا شيكاً بمبلف خمسة وعشرين ألف دولار."
-" ف ... فهمت."
شكرت راشيل دكتور سميث علي وقته الذي قضاه معها، وودعته. تذكرت راشيل أن عليها أن تطلب من دكتور كنتون أن يبعث بفاتورة علاجها إلي ال م. ر. أ. ، وهرعت من المكتب متوجهة إلي الجناح الطبي.
كان لوك في انتظارها عندما خردت من المبني ذي اللونين الأزرق والأبيض. خفق قلب راشيل لما رأته ينزل من وراء عجلة القيادة ليفتح لها باب المرسيدس. خمسة وعشرون الف دولار! لم قام لوك بالتبرع بمبلغ كبير كهذا؟
-" كيف سارت الأمور معك؟ "
لم يحاول أن يحرك السيارة من مكانها، بالرغم من انه كان مكاناً ممنوع انتظار السيارات فيه. اشتد الانفعال براشيل لما أصبحت تواجهه وجها لوجه. انتابها شعور بأن السيارة قد ضاقت بهما، وانها قد اصبحت معزولة معه عن العالم خارجها.
-" لقد خيرني دكتور سميث بين أحد خيارين. يلزمني بعض الوقت للأختيار بينهما. لقد تأخرت بسبب تحليل الدم. ارجو أن لا أكون قد سببت لك المتاعب بسبب انتظاري."
كانت الجمل تخرج منها كما تحس بها وتشعر، غير مرتبة، غير منسقة ، حادة، وبهزة من رأسه تناسي لوك الربع ساعة التي وقفها ينتظرها. التقط بسهولة النبرة المرتبكة التي بدت علي صوتها.
-" وما تلك الخيارات؟ "
-" الأول: أن أدير البرنامج التعليمي للمتطوعين. والثاني : أن أعود إلي بنجلادش."
-" والثالث: أن تتزوجيني وتعيشي معي في دياموندبار."

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:51 PM

الفصل التاسع
 
بنعومة أدار لوك المفتاح في السيارة، وانسل بها في خضم ذروة المرور بوسط المدينة.
أخذت راشيل تنظر ألي لوك مبهورة. لقد قدم العرض بكل عفوية، كما لو كان مجرد فكرة للتدارس، كأنه يختار أي اللابس يرتدي في مناسبة خاصة.
-" أستميحك عذ... "
ربما لم يقل ما سمعت... ربما كانت زحمة المرور وتضارب الأصوات بين بشر وآلات، ربما تداخلت الأصوات والجمل في أذنيها فتخيلت تلك الكلمات.
-" إن ما سمعته صحيح."
وألقى إليها لوك بنظرو سريعة " أمامك ثلاثة اختيارات، لا اثنان."
كل هذه المحاولات من أجل توصيل الرسالة. لم هو مستبد برأيه علي هذا النحو؟ هل يعلم أن المحيط يزدحم بأسماك أكبر وأحلي وافضل تتلهف للقفز، حتى تلتقي به؟
أغرق ما بداخلها من معاناة في مزيد من الألم . لما طرأت تلك الأفكار. ليس من السهولة أن تتحول إلي حيوان مستكين في الخظيرة منتظراً أن توضع له العليقة.
لم يبدعلي لوك أنه ينتظر رداً علي عرضه في الحال، أما راشيل فقدتركت هوة الصمت تتسع بينما هي غارقة مع اختياراتها.
منتديات ليلاس
لقد اختار لها قلبها مؤقتاً أفضل هذه الخيارات وأحبها إليه، لكن عقلها لم يقبل هذا الاختيار. بعد عشر دقائق كانا قد ابتعدا عن الشوارع المزدحمة، وأصبحا يجلسان في أحد المطاعم الصغيرة الأنيقة. كان المطعم واحداً من ممتلكات العائلة، الكل فيه تعرفوا علي لوك وأتوا للسؤال عن جوردي. أخبرهم بأنها ابنة عم كريس، فبدا البشر علي الأب والأم باتريني وغمر المكان.
استرقت راشيل النظر نحو لوك وهو يتحدث إلي باتريني الابن، يسأله عنا أزعجه مؤخراً من شائعات وأقاويل. لكن لم يبد علي وجهه أي تعبير أو تجاوب. ثم أعاد تمثيل مشهد لقاء الأحبة بعد غيبة.
بمرور الوقت اصبح المشهد أشبه بأصدقاء قدامي، لا يرغب أي منهم من الآخر سوى قضاء بعض الوقت مع صحبة ممتعة.
-" هل تحبين الأطعمة الإيطالية؟"
سألها لوك وهو ينظر إليها من فوق قائمة الطعام التي يمسك بها، عندما أصبحا أخيراً منفردين.
-" هناك أيضاً بعض الأطباق الأمريكية ، إن كنت تفضلين ذلك؟"
-" أنا لا أعلم الكثير عن الطعام الإيطالي."
لا تتذكر إلا صلصة المكرونة التي تباع معبأة في اوعية زجاجية وخبز الثوم، كانت تبتاعهما من البقال في صغرها.
-" لا مانع في أن أجرب شيئاً منها ."
وضعت أمامهما أطباق السلطة مع خبز الثوم الذي لم تذق راشيل أفضل منه طعماً طوال حياتها ، ثم تلا ذلك أطباق الجمبري مع صلصة الجبن.
-" لقد كان هذا شهياً للغاية."
أخبرت لوك بعد بعض الوقت، وهي تنظر بدهشة إلي طبقها الخالي تماماً.
قال لها وهو يشير للساقي :
-" جربي شيئاً من الآيسكريم، لقد اشتهروابه."
أومأت راشيل برأسها بشيء من الضعف ، وهي تتسائل هل ستكون قادرة علي القيام بأية مشتريات بعد هذه الوليمة الدسمة.
كان الآيسكريم رائع الطعم ذا نكهة ذكية.
هم م م. الا تريد بعضاً من هذا الآيسكريم اللذيذ؟"
لم يطلب لوك لنفسه أياً من أطباق التحلية، فقط قدحاً من الشاي. فأخذ يرفع بصره إليها ، وعيناه تسترقان النظر إلي حركاتها وهي تأكل، ثم أومأ برأسه.
-" نعم ."
كان بنظرته شيء ما، وهي ترفع الملعقة وقد ملأتها من الآيسكريم تقدمها له، جعلها تشعر كأن فراشات تحلق، تتراقص بداخلها . أخذت تثبت رسغها لتحتفظ بوضع الملعقة مستقيماً، تناول طرف الملعقة الممدود إليه وأطبق عليه فمه، وعيناه مثبتتان علي شفتيها، فلم تخطئ رسالته الطريق إليها.
-" لذيذ."
شعرت راشيل بوهن حمل رضيع. أخذت تكمل طبق الآيسكريم، تصب فيه جهدها ، لتخفف الإعياء عن عقلها وافكارها.
-" هل يمكننا الانصراف الآن؟"
والتقط لوك بطاقة الائتمان التي نقد بها أجر الوجبة، وفتح حافظة بنية ناعمة فوضعها فيها.
-" قبل أن أنسي، دعيني أقدم لك هذه."
-" هذه!"
كانت بطاقة ائتمان تلمع بلون الذهب، واسمها مكتوب فوقها. أخذت راشيل تتطلع إليها مركزة بصرها.
-" ولأي شيء هذه؟"
-" كي تقومي بجولة المشتريات."
فردت بشيء من الجفاء:
-" لدي نقودي الخاصة."
-" أعلم." قالها لوك ببساطة ثم اضاف :
-" لكن إن لم تحملي معك النقود أينما ذهبت ، فسيلزمك إظهار نوع من الضمان كي تستعملي شيكاتك."
-" فهمت."
لم يكن لديها أدني فكرة عن ذلك. ولم يكن بحوزته أي إثبات هوية في الوقت الحاضر أو حتى عنوان لمحل إقامتها باليلاد مدون علي الشيكات . مما يعرضها للمشاكل في متاجر البيع.
-" إن حاول أي مخلوق الاعتراض علي قبةل شيكاتك، فقط استعملي بطاقة الائتمان، وفي وقت لاحق يمكنك تحرير شيك لي بالقيمة التي استنفدتها."
لديه دائماً حل متكامل لكل شيء ولكل موقف كما هو حادث الآن معها، رجل متصرف مسؤول عنهان عن ألا تصادف أي موقف يصيبها بالإحراج والارتباك. والتقطت راشيل البطاقة الذهبية المغلفة بالبلاستيك. أحست كأن مفتاح كل البواب المغلقة أصبح بيدها.
-" اشكرك."
قادها لوك إلي خارج المطعم واضعاً راحة يده علي ظهرها. كان جسدها يلتهب ناراً من ملمسه. أخذت تحاول التماسك، تامل ألا يخطر علي باله ما يدور بخلدها من رغبة في أن تستدير تجاهه تشتعل بداخلها، ركبا السيارة حتى سوق جلانديل التجاري، كان يحدثها في الطريق عن الغرف التي قام بحجزها في فندق باسادينا، وعن العرض المسائي الذي تتمني أن تستمتع به . كان الفندق الذي ذكر اسمه واحداً من افضل الفنادق.

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:54 PM

الفصل التاسع
 
اخذت راشيل تتساءل إن كان حسابها في البنك يتحمل مصاريف إقامتها بمثل هذا الفندق.
-"لم يتبق امامنا إلا حوالي أربع ساعات ونصف"! قال لوك وهو يقود السيارة إلي مكان الانتظار.
-" إن لم تكملي مشترياتك اليوم، بإمكاننا العودة في الغد مرة أخري."
شعرت راشيل بشيء من الدهشة. أربع ساعات ونصف، هل ظن لوك أني اريد شراء رخام لترميم تاج محل. ساعة علي الأكثر تكفيها لتشتري ما تحتاج إليهوما بقائمة حنا. داخل السوق التجاري، شعرت راشيل بالدهشة مرة اخري. المكان يبدو مثل كهف علي بابا الأسطوري. يملأ الناس المكان، يبدو أن كلا منهم يعلم تماماً أين هو ذاهب. مر بهما شابان مفتولا العضلات وقد طالت شعورهما، أخذا في النظر إلي راشيل بتطفل، دون مراعاة لتحرك راشيل جهة لوك، ملتصقة به. ففرج لوك بين أصابع يده، ثم شبكها باصابعها. علمت راشيل علي الفور أنه لا ينوي ان يتركها وحيدة ها هنا. جذبها برفق إلي الأمام ثم قال:
-" دعينا نبدأ من هنا."
منتديات ليلاس
تركها في القسم النسائي في المتجر الكبير، قائلاً أنه سيعود إليها بعد برهة.
أخذت راشيل تتطلع حولها، أخذ راسها يدور مما تجده معروضاً أمامها. تجولت بأرجاء المكان، ألقت مجرد نظرة علي كل الرفوف الموجودة، والآن أخيراً قامت بلمس شيء ما.
عاد لوك يحمل لفافة ليجدها لا تزال تشاهد.
-" إن لم يكن يعجبك أي شيء هنا ، يمكننا الانتقال إلي متجر آخر من متاجر هذا السوق، هناك العديد من المحلات الأخري، نختار منها ما يروق لنا."
-" ليس الأمر كذلك،" قالتها راشيل بسرعة ثم أضافت:
-" المشكلة أن هناك العديد والعديد من الاختيارات، وأنا لا أعلم من أين أبدأ."
بدت كطفل يقف في محل اللعب ، فضحك لوك.
-" خذي وقتك. إني ذاهب إلي قسم العدد اليدوية والآلات، سأبحث عن بعض الأشياء."
أخيراً اختارت راشيل فستاناً حريرياً أحمر اللون مرسوماً علي إحدى كتفيه وردة بلون رمادي، وقطعة من الملابس الداخلية، وسترة رياضية بلون أخضر لامع. لم يكن لديها أية نية لشراء المزيد. في مثل هذا الوقت من الشهر القادم ستكون قد عادت إلي بنجلادش حيث لن تكون بحاجة إلي هذه الملابس. لكنها في الوقت الحاضر علي الأقل كانت تريد أن تفعل شيئاً يُشعر لوك وجوردي بالفخر. فقد أخبرتها حنا أنه يتقاطر عليهم العديد من الزوار في أسبوع الأعياد. ولم ترد أن يفكر أي منهم أنها من الفرع الفقير من العائلة.
قامت باختيار بعض الأثواب الثقيلة لكل من حنا وتريزا. كلتاهما كانت في غاية الرقة معها، زوج من الأقراط العريضة اللامعة لإنجيلا، وحقيبة يد من أجل ماري ، لم تأخذ منها هذه المشتريات وقتاً طويلاً. ثم ابتاعت من قسم الأطفال بعض الملابس لجوردي.كان بداخلها ارتياح عميق وهي تتسوق للطفل. اعجبتها تلك الفكرة، فإن استخدامه لما اشترته له حتى بعد رحيلها، سوف يشعرها بشيء من السعادة.
كانت تدفع ثمن مشترياتها عندما عاد لوك. نظر إلي كومة الملابس المختلفة ولم يعلق بشيء.
-" اين نتوجه بعد ذلك؟"
سألها وهو يحمل عنها حقيبة المشتريات.
-" إلي أي مكتبة، ثم إلي أحد متاجر المشغولات الفنية."
أخذا يسيران بالسوق التجاري. كان لوك يحيط كتفيها بيده ليحميها من الزحام وليحافظ علي سلامتها من أن يصطدم أحد بها. أحدث هذا الالتصاق انفجار حريق بداخلها، حتى ظمت راشيل أن الدخان سينبعث في أية لحظة من أذنيها. بعد بضع دقائق ، توقفت راشيل أمام أحد متاجر الأحذية.وتحت ادعاء الاهتمام بمشاهدة احد الصنادل المعروضة، ابتعدت عن لوك. أي احتكاك آخر به، فسوف تنهار تماماً.
-" ألا تودين أن تدخلي المحل، فتجربيه علي قدميك؟"
سألها لوك.
هزت راشيل رأسها.
لا يوجد بين هذه الأحذية النسائية الرشيقة ما ينفعها حيثما هي راحلة، ثم إن الحذاء الاسود الذي ابتاعته أول يوم سيتناسب مع فستانها الأحمر.
في المكتبة قامت بشراء كتاب عن طيور الزينة من أجل جوان، وأحد كتب المطبخ من أجل نفسها. زجدت كتاباً عن فن المكرميات وآخر الكتب عن قصص الحب التاريخية التي طلبتها خنا في قائمتها، قامت بعد ذلك بشراء بعض الكتب الملونة من أجل جوردي.
لن تنسي يوم أن عثرت علي أحد الكتب الجغرافية وبه ضور للحيوانات فأخذت تعرضها عليه، واستطاع في اليوم الثاني أن يتعرف علي الصور ويشير إليها واحداً بعد الأخري، ثم يقفز لأعلي ولأسفل بطريقته المعهودة عندما يريد السؤال عن شيء. الآن قد اكتملت قائمة الهدايا التي اعتزمت شرائها باستثناء هدية لوك.
كانت قد طلبت عن طريق إحدى المجلات التي تعرض السلع، شراء إحدي ألعاب الفيديو من اجل ديفيد. وقلم أنيق لجاسون، وإحدى القنينات الكربستال لموجو. ربما اصطحبها جاسزن معه في أحد الأيام ، حيث تستطيع شراء شيء من أجل لوك.
لم تأخذ الجولة في محل المشغولات وقتاً كبيراً. أحد البائعين بالمتجر تناول منها قائمة حنا والعينات، ووجد لها كل ما كانت تريد في وقت قياسي بينما كانت تشاهد السجاد الخلاب المزركش بالحطوط المتقاطعة، المعلق علي جدران المتجر، كانت تتمني لو امتلكت الموهبة والصبر لعمل أشياء كهذه.

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:56 PM

الفصل التاسع
 
-" تلك هي آخر مشترياتي ."
أعلنت ذلك وهي تحمل حقيبتها.
-" هل أنت متأكدة من ذلك؟" وبدا لوك كأنه ود التراجع عن هذا القول.
أومأت راشيل برأسها.
-" نعم، لكن يمكنك أنت المواصلة لتبتاع بثية مشترياتك."
وسارا إلي متجر آخر فقال لوك:
-" دعينا ندخل هذا المتجر لدقيقة. أريد شراء هديتين أضافيتين."
أخذت راشيل ترمق الجناح النسائي بالمتجر. تبين لها أن هذا المتجر يختلف عن المتاجر الأخري، السجاد الفخم، الأناقة الهادئة، البائعة التي تشبه عارضات الأزياء. من أول نظرة ألقتها علي الأسعار المدونة علي البطاقات المثبتة في السلع تبين لها استحالة شراء أي شيء من هنا، لكنها تبينت من نوعية البضائع المعروضة أنها تساوي كل سنت يدفع فيها.
-" أي خدمة؟" نظرت راشيل إلي تلك المرأة التي تماثلها عمراً وتختال أناقة
-" ل....لا.. شكراً لك. إني ألقي نظرة فقط."
ثم مالت راشيل نحو قسم العطور وادوات التجميل وأخذت تشاهد المعروضات في صندوق العرض الزجاجي. لم تكن تدري ماذا تصنع بمثل هذه الأشياء.
-" إننا نعرض بعض الماركات الجديدة اليوم. أتريدين واحدة منها؟ "
أخذت تنظر إلي تلك المرأة، كانت أكبر سناً وقد جملت وجهها بعناية، ومن وراء عارضة البيع التفتت ثانية إلي أدوات التجميل المعروضة.
منتديات ليلاس
-" إنها مجانية . لست بحاجة ألي تشتري أي شيء." أخذت المرأة تحاول الدعاية للمعروضات.
توقفت راشيل وهي غير مصدقة. ولم لا؟ لا ضرر في أن تعرف طرق تجميل وجهها، سيفيدها لك حتى حيث هي ذاهبة. -" لا مانع."
وقدمت المرأة نفسها إليها : -" هيلين." ثم شرعت في الحديث بلا توقف.
-" إن تقاطيع وجهك ممتازة حقاً. ولو أن بشرتك من النوع الجاف. يجب أن تستعملي المستحظرات المرطبة للبشرة. هل تستعملين كريم اساس؟ حسناً. أنا أيضاً لا استعمله. بعض البودرة تؤدي الغرض. الآن بعض ألوان الظلال هكذا. هل ترين كيف تبرز ملامحك بطريقة أفضل؟ يالها من ملامج رائعة . كل ما ينقصك الآن هو لمسة م أحمر الخدود سوف أزيد قليلاً من ماكياج العينين. إنهما لجميلتان . ما هو لون الملابس المفضل لديك؟"
-" الأحمر."
منذ متي؟ صوت ساخر أخ يتساءل منذ رأت عيني لوك تلمعان كلما لبست السويتر الأحمر.
أتمت لها هيلين ماكياج العينين، وهي تروي لها شيئاً عن زيادة مقدار الماكياج بهما، بينما جزء من فكر راشيل ذهب بعيداً إلي ذلك الصيف الذي قضته مع كرستينا. كانتا تجربان يومياً طريقة ماكياج جديدة، وتسرسحة شعر مختلفة.
كانت العمة ماري قد اشترت لها بعض أدوات التجميل طهدية, ولما عادت إلي منزلها ألقي أبوها بهذه الأشياء بعيداً. قائلاً أنه لا ينبغي لها أن تجعل من نفسها شيئاً رخيصاً هكذا، طالما هي تعيش تحت سقف بيته. كان قد فعل مثل ذلك بما فيه الكفاية مع امها.
لم تتالم راشيل لهذه الذكري. كانت تسترجع كل لحظة اختزمنها في ذاكرتها عن ذلك الصيف البديع حيث كانت بالمكان الوخيد الذي لايستكيع أبوها أن يقتفي أثرها.
-" نعم هكذا . ظل العيون هذا يناسبك تماماً."
من البداية أدركت راشيل الفارق، كانت تقف أمام عارضة البضائع تواجه المرآة، فتري عيوناً عديدة تحملق في وجهها المنعكس في المرآة.
استعملت هيلين أحمر شفاه من النوع الخفيف الفاتح، فوضعته علي شفتيها. فاضفي هذا اللون غني عليهما مع مسحة غامضة.
-: ها هي قطعة من القماش. أطبقي شفتيك عليها كي أضع لك طبقة أخري. لقد انتهيت هكذا. تبدين رائعة الجمال."
تراجعت هيلين إلي الخلف وعي تنظر إليها وقد ارتسمت ابتسامة رضا علي وجهها.
-: ياليتني أستطيع أن احدث مثل هذا الأثر الجميل مع بقية زبائني. كل ما استعملته هو البودرة والألوان وقلم العيون وبعض الظلال أحمر الشفاه إنك تبدين الآن في غاية الروعة، إنك تشبهين الآن مليون دولار تقف علي قدمين. أليس كذلك يا سيدي؟"

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:58 PM

الفصل التاسع
 
تجمدت أوصال راشيل. كانت تفكر بأن تقوم بغسل وجهها قبل أن يراها لوك هكذا. لكن فات الأوان. ابتسمت، واستدارت في مواحهته. وقف لوك علي بعد ثلاثة أقدام منها، ونظراته تلتهم وجهها التهاماً. ببطء تسللت نظراتها بعيداً عنه لتنظر في المرآة التي تواجهها. بدأ يعتريها شيء من العصبية. بدا الأمر كما لو كانت هيلين قد غطتها بقناع مزيف وطمست هوية راشيل الحقيقية.. الوجه الذي تتطلع إليه الآن ، إنه وجه أمرأة، مرغوبة ، تتطلع إليها العيون، تريدها.
-" دعيني كي أري."
وضع لوك إصبعه تحت ذقنها يرفع وجهها ، متجاهلاً خبيرة التجميل الواقفة معهم. أحس أن راش تحاول أن تعود إلي روتينها المعتاد. القناع الذي كانت تحاول وضعه مرة أحري بدأ يبزغ من عينيها.
-" كنت أنوي أن اغسل وجهي علي الفور."
ضاقت عيناه . هل هذا هو كل سبب خوفها ؟ أنه قد يعجبه ما فعلته بوجهها؟ ثم عاد لتساؤل آخر.
إنه في الواقع، لم يفكر أبداً في وضعها شيئاً من المساحيق علي وجهها، فلا فرق لديه، ولا أهمية. الأهمية الوحيدة أنه يجب أن يقوم بإقناعها أن لها الحق، كل الحق، أن تفرد جناحيها، دون خجل، أو خوف.
-" إنك تبدين رائعة هكذا."
منتديات ليلاس
أخذت عيناه تتجولان بكل تقاطيع وجهها، عاملاً علي أن يكون صوته دافئ النبرات، يعبر عن إعجابه. أخذ يركز نظراته علي شفتها السفلى، ويلاحظ لون الاحمرار يرجع بخفة فيملأ وجهها،
-" يجب أن تستعملي دائماً هذا اللون من أحمر الشفاه."
أخذت راشيل تنظر إليه. كانت نظرات عينيه عندما تلاقت أعينهما كمثل الصدمة الكهربائية.
أنكر لوك نظرة الامتنان التي رآها في عيني راشيل . لم يكن هذا ما يريده منها .
-" كم ثمن أدوات التجميل التي استخدمتها؟ "
أخذ لوك يسأل هيلين وهو يدير لها رأسه من فوق كتفه. إن دفعه لثمن هذه المواد قد يجعل راشيل تألف أخيراً ما يدور في مكنون صدرها، فلا تعود تنكره.
أخذت راشيل تلاحظ هيلين، وهي تلبث برهة قصيرة قبل أن تدير الآلة الحاسبة وتسجل عليها أرقاماً، ثم تقول:
-" مائة وخمسة وعشرون دولاراً ، واثنان وثلاثون سنتاً."
-" حسناً، ها هي."
كانت راشيل مأخوذة من تصرف لوك، فلم يدر في خلدها أي شيء يمكن أن يقال. كان ينظر إليها كما لو كانت ... لو كانت شيئاً يشتهي أن يلتهمه.
وأخذ لوك ينظر إليها مرة أخري، ثم راح يرفع خصلة شعر تسترسل فوق وجهها.
-" لقد أخبرتني كريس ذات مرة بوجود كوافير ممتاز هنا. ألا تودين تصفيف شعرك؟ "
كادت خبيرة التجميل أن تفتح فمها لتقول رأياً، لكن لوك منعها بإشارة من عينه.
لم يستطع تحمل الأفكار التي أخذت تراوده:
قد تقوم راش بقص شعرها، أو بتصفصفه علي أحدث الصيحات التي يراها تشبه الغابات المشعثة . كانت تعجبه طريقة تصفصفها لشعرها اليوم. جديلة الشعر وتلك الخصلات التي تهرب منها ، ذلك هو الإطار الأمثل لطبيعتها البسيطة. الحب لا يأتي بالقوة. الحب عطاء، أن نعطي الطرف الآخر مكاناً، لينمو، ليتغير ويتبدل.
-" لا أعتقد ذلك . شكراً."
فردت راشيل ظهرها ، وقفت باستقامة، بينما كان لوك يدفع أجرة تجميلها. ستقوم لاحقاً بكتابة شيك له بالمبلغ، حيث ستشرح له أنها إن أرادت شيئاً من الماكياج لقامت بشرائه بنفسها. لكن، لا داعي لأن يحدث هذا المشهد ها منا.
-" هل ترغبين في شيء آخر؟ "
-" لا، شكراً."
هزت راشيل رأسها، ثم شكرت هيلين التي لم تكف عن الابتسام.
-" أتمني لك إجازة ممتعة وعيداً سعيداً."
قالتها المرأة المسنة بحرارة.
-" ألا ترغبين أن نصعد للطابق الأعلي لنلقي نظرة؟ "
ترددت راشيل، فقال لوك بسرعة:
-" إنك تفضلين أن نغادر المكان."
أومأت برأسها،
-" لقد شاهدت ما فيه الكفاية."
لقد بلغ بها التعب كما لو كانت قد قضت بضع ساعات تطارد جوردي وتلاعبه. لكن هذا التعب يبعث علي السعادة، أما ما فعلته الآن فهو بمثابة تصرفات لا تستطيع أن تجد لها تفسيراً. لم تعد تطيق صبراً حتي تغادر السوق، كما أصبحت تحدوها الرغبة في أن تعود إلي دياموندبار، لكنها كانت تجبر نفسها علي أن تحسن التصرف.

الشجرة الطيبة 27-07-09 12:59 PM

الفصل التاسع
 
-" ولكن ماذا بشأن مشترياتك؟"
لم يكن بحوزة لوك سوى زوج من الأكياس الصغيرة تخصه .
-" لقد ابتعت كل ما أود شراءه. هيا بنا."
وصلا إلي الفندق بعد ربع ساعة . كانت غرفتاهما في الطابق الثالث، غرفة في مواجهة الأخري.
-" هل نتقابل في حدود الساعة السادسة من أجل العشاء؟ "
فتح لها لوك باب غرفتها وانتحى جانباً. فدخلت راشيل إلي الغرفة الفخمة. لا بد أن هذا المكان يساوي كنوز الأرض سعراً .
-" نعم، السادسة موعد مناسب."
قالتها وهي غائبة، تتسائل كيف تفكر في أن ترد له تلك المصاريف. شيك آخر علي بياض؟ إنها فقط تتمني أن يكون ما بحسابها في البنك يكفي كل ذلك.
أنزل حقائب مشترياتها فوضعها علي مقعد بالحجرة. كانت قد اقترحت عليه أن تتركها بالسيارة جميعها عدا حقيبة واحدة، لكن لوك حمل معه كل شيء إلي أعلي، قائلاً أنه ربما يخطر لها أن تلقي نظرة علي مشترياتها وتقرر إن كانت بحاجة إلي شيء ىخر.
-" والآن أتركك. أراك علي خير بعد قليل."
أخذت راشيل تتفحص حجرتها والحمام الملحق بها، والدهشة ترتسم علي وجهها.كل شيئ في غاية الأناقة.
منتديات ليلاس
ثم راحت تتطلع كالأطفال إلي قائمة خدمة الغرف، تفتح أدراج المكتب الموجودة بالحجرة، تلتقط ما بداخلها من أوراق أعدت للكتابة، راحت تتحسس ملمسها. وبنظرة إلي أعلي ، رأت صورتها تنعكس في المرآة. أخذت لهذا المظهر الغريب الذي بدا عليه وجهها لبرهة، ثم اقتربت من تلك المرآة، تتفرس فس صورتها المنعكسة.
أتخذت أحد الأوضاع الذي تتخذه عارضات الأزياء عندما يعرضن ثيابهن. وفجأة تسللت الحقيقة الغائبة إلي داخلها مرة أخري .
كل هذا لن ينفع بشيء. ليس بمقدور الماكياج أن يغير ما بداخلها. استدارت راسيل وراحت تنظر من النافذة. وأخذت تفكر في الأمسية التي بانتظارها.
دهش لوك عندما سمع نقرة علي الباب. أخذ يجفف معجون الحلاقة من وجهه بالمنشفة التي وضعها حول رقبته، وذهب إلي الباب. لم يكن قد طلب شيئاً من خدمة الغرف.
-" راش. هل هناك ما يزعجك؟ "
دهش لمرآها من خلال العين السحرية للباب. وأدهشته أيضاً الطريقة التي كانت تشبك بها ذراعيها فوق صدرها كما كانت تفعل في المحكمة، تلك الطريقة المنذرة بما لا تحمد عقباه.
-" ما الخبر؟ "
أدخلها إلي الحجرة بجذبة خفيفة وصفق الباب.
-" أتشعرين بتوعك؟ " ووضع يده فوق جبهتها.
تراجعت راشيل ثم هزت رأسها. لاحظ حالتها، كانت تبدو كأنما تبتلع ريقها بصعوبة. أياً كان السبب، أياً كا يكلفها. وبرقة أخذ يزيح شعرها الذي تناثرت خصلاته فوق جبهتها. ثم سألها ثانية:
-" ماالأمر؟"
-" أنا ... أنا أعلم أن الأمر سيبدو سخيفاً ولكني أريد أن أطلب منك شيئاً."
-" دون شك."
أخرجت لسانها قليلاً لتبلل شفتيها، ثم استدارت حتى لا تواجهه قبل أن تتحدث.
-" هل يمكننا العودة إلي دياموندبار؟ "
الآن؟ "
-" الآن."
وانخفض رأسها لأسفل.
-" أعلم أنني بدأت أصبح مضجرة مملة، ولا أستطيع أن أفسر إحساسي، لكني أريد العودة إلي ال..."
منعت نفسها قبل أن تنطق بالكلمة الأخيرة، لكن لوك يعلم أنها الدار. امتدت ذراعاه تضمانها إلي أحضانه، تحتويانها، تخبرانها أن هذا هو ما كان يريده هو نفسه.
-" أمهليني خمس دقائق."
-" إني آسفة علي أن أفسدت عليك إحدي أمسيات الاستجمام. " قالتها راشيل وهي تتعجل الكلام. " سوف أحرر لك شيكاً بمصاريف الغرفتين."
لا بد أنه يراها الآن طفلاً مزعجاً فاسد التفكير. أي نوع من النساء الذي يرفض أن يتناول عشاؤه في أرفع الأماكن وأرقي المستويات؟ إنها لا تمتلك الحس الراقي الرفيع.
لا بد أن أنها علي ثقة بأن المراة التي تنتمي إلي عالم لوك لا بد تكون قد اعتادت مثل تلك الأشياء.
-" لقد اعتدت تلك السهرات وأصبحت لا أميل إلي هذا النوع من الترفيه" لم يجهد نفسه كثيراً ليتقبل مثل هذا الأعتذار. " إنني فقط اعتقدت أنك بهذا ستحصلين علي قدر من الراحة بعد أن تعبت أسبوعاً كاملاً مع جوردي... انك قد تستمتعين بقضاء أمسية في المدينة."
هل فعل ذلك من أجلها؟ يجب إعادة النظر في مدي نزاهة أقواله.
-" إن هذا هو الذي يشعرني بالتعب."
كان يعلم أنه تعني ما يسمي بالحياة المتحضرة. لمست وجهها بيدها، تشير إلي طبقات مساحيق التجميل التي وضعت عليه.
-" أشعر كأن علي أن أجبر نفسي علي القيام بدور لا أرغب في القيام به، أن أكون شخصاً آخر، وأنا لا استطيع أن افعل ذلك."
كانت اليد التي امتدت ترفع ذقنها لأعلي، جادة، حارة. العينان اللتان التقتا بعينيها كانتا تلمعان بشيء لم تستطع تحديدة.
-" لا تعتذري عن كونك تعيشين شخصيتك الحقيقية يا راش. قليل جداً من الناس، من يجدون الشجاعة ليفعلوا ذلك. إن الرغبة في شراء الأشياء وحمل أكياس المشتريات الجديدة، الرغبة في عمل كل ما يخص الأنا، الرغبة في أن نحوز القبول تجعل الناس يبدون أغراباً عن شخصياتهم الحقيقية. لقد استغرقت زمن طويل حتى تبين لي أن الشخص الوحيد الذي يمتلكني هو أنا ذاتي."
تسمرت في مكانها، تتألم من تلك اللمسة التي قام بها لوك . شعرت من موقفه بميل لما بداخله. لو تحركت أي حركة نحوه .... رنت نظراتها إلي الفراش، ثم إلي ما بعد ذلك. وجدت راشيل نفسها توجه الباب، حتى قبل أن تشعر بيديه تستقران علي كتفيها. كان صوت لوك يبدو لها ناعماً رقيقاً:
-" من يتاخر منا في حزم حقائبه وتجهيز نفسه، سيكون عليه غسيل الأطباق أسبوعاً كاملاً."

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:03 PM

الفصل التاسع
 
بمرور الوقت عليها في طريق العودة بدأت الشمس في المغيب. دكنة الشتاء، ناعمة كلون عينيها عندما تنظر إلي جوردي، تحيط به. كانت يدا لوك تمسكان بعجلة القيادة، وتفكيره يتركز في كيفية استجماعها لشجاعتهان لتلقي إليه بهذا الطلب. أخذ يقاوم الرغبة في النظر إليها ليخبرها أنه قد تحول لتوه إلي إنسان جديد ... يخاف من رد فعلها، من أي تصرف قد تقوم به. كما كانت تخاف هي أيضاً من نفس الشيء. لكن ما حدث كان بمثابة إصابة هدف ... نجاح. عليه بالصبر ليفوز بكل شيء. كان هناك الكثير مما يستطيع أن يقدمه إليها، لكن لا شيء من كل ذلك ... ولا حتى حبه سيكون ذا فائدة إن لم تعثر راشيل علي نفسها أولاً، وإن لم تدرك أن هذا ما كانت تبحث عنه وتريده من الحياة. لقد سمع عن أناس تسرعوا في زيجاتهم، ثم استيقضوا ذات يوم ليكتشفوا أنهم لم يفكروا بما فيه الكفاية فيما هم مقدمين عليه، أو حتى إن كان هذا هو ما يريدون من الحياة. خطأ كهذا يستحق أكثر من التحلي بالصبر الآن. لم تكن تعلم أنه تحدث هاتفياً مع ويلسون سميث من حجرته بالفندق، وأنه قد علم بقرارها الذي اتخذته بالفعل بالعودة إلي بنجلادش. القدرة علي التصرف والخبرة بظروف الأماكن المنكوبة بالطوفان، هذا ما أخبره به دكتور سميث وبأنه سيتركها بهذا البلد قرابة عامين، ثم يتم تحويلها لمكان آخر. إنه يجازف مجازفة كبيرة بانتظاره الطويل هذا. مجازفة كبيرة بالنسبة لرجل لا يعترف بالمقامرة، فمن الصعب علي نفسه أن يترك مصير بقية حياته للحظ، لكن ام يكن أمامه أي بديل آخر سوى أن يدعها تفاضل بنفسها بين جميع الاختيارات.
منتديات ليلاس
أضاء النور الموجود بسقف السيارة، أخذ ينظر إلي راش وابتسامة عذبة علي فمه. لقد قطعا شوطاً طويلاً منذ ذلك اليوم في المحكمة، وهي بالقطع قد استفادت من إقامتها تلك بالمزرعة. كذلك جوردي، لقد أحب تلك الطريقة التي كانت تحمله بها تحت إبطها احياناً، كانت تحمله علي صدرها، بطريقة أشبه بحركات القردة، كأنما لا تشبع منه أبداً . في أحيان أخري، كانت تجلس معه علي الأرض تشبك قدميها بالساعات، تتحدث إليه، تقرأ له . كان لوك يعلم أن جوردي يشعر تماماً بما تحس به نحوه . لقد بدأ ينظر إليها الآن، وبالأمس عندما فتح كل منهما ذراعيه إليه، اختار الذهاب إلي راش . وليس جوردي فقط . حنا وتريزا اصبحتا تداومان علي خطب ودها. جوان وجاسون لم يتمكنا من القيام بما يكفي نحوها . موجو أتي لها بباقة من الأزهار البرية، كان يأخذها لممارسة الفروسية. قص الهندي شعره، وكان يأتي إلي العمل تلك الأيام بذقن حليق، أصبح لا يتسبب في أية مشاكل. لديها الكثير هنا، لكن راشيل فقط هي التي تستطيع الوصول إلي كل ذلك، لا يوجد مخلوق آخر يمكنه أن يساعدها في اتخاذ هذا القرار. ونظر إليها مرة أخري، ثم أطفأ المصباح . إنها تبدو كالشعلة. ضئيلة لك ثابتة. تحتفظ بكيانها في مواجهة أي شيء آخر. تعطي كل شيء ولا تسأل لنفسها شيئاً. جوهرها الأصيل يمدها بما يحفظ لها اشتعالها ودوامها. يتساءل إن كان سيأتي الوقت الذي ستدعه فيه يحفظ تلك الشعلة. لا أن يعمل علي خفوتها، بل فقط حمايتها، حتى تستطيع أن تحترق فتضيئ وتضيئ.
استيقظت راشيل علي صوت إغلاق باب السيارة.
-" كل شيء بخير."
كان لوك يقول ذلك بينما لمحت راشيل خروج حنا إلي عتبة الباب.
-" لقد شعرنا فقط في العودة إلي الدار."
وبعيون شبه مغمضة من أثر النوم شاهدت جاسون يخرج، قائلاً:
-" مساء الخير." ثم ذاهباً باتجاه الجراج.
-" بما أن كل شيء بخير، فإني سأعود ثانية إلي الفراش."
وانسحبت حنا بعيداً قبل أن تتمكن راشيل من الخروج من السيارة.
اغتسلت ومشت في الدهليز المؤدي لحجرة جوردي، كانت فكرة أن تأخذه الآن فتضمه إليها أقوي من أن تقاومها. كان يبدو كملاك صغير نادر الوجود، ثمين، يرقد في سلام. لو تستطيع فقط لو تمنع عجلة الزمان من الدوران، لو تستطيع إيقاف الوقت، أن تبقي جوردي علي حالة الطفولة تلك لمدة أطول، أن تبقي معه بعض الأيام الأخري. لم تكن تدرك هذا الألم الكبير الذي جعلها تهرب.
-" هيا نذهب إلي المطبخ."
قفزت راشيل عندما تكلم وهو يقترب من أذنها خافضاً من صوته .

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:10 PM

الفصل التاسع
 
بمرور الوقت عليها في طريق العودة بدأت الشمس في المغيب. دكنة الشتاء، ناعمة كلون عينيها عندما تنظر إلي جوردي، تحيط به. كانت يدا لوك تمسكان بعجلة القيادة، وتفكيره يتركز في كيفية استجماعها لشجاعتهان لتلقي إليه بهذا الطلب. أخذ يقاوم الرغبة في النظر إليها ليخبرها أنه قد تحول لتوه إلي إنسان جديد ... يخاف من رد فعلها، من أي تصرف قد تقوم به. كما كانت تخاف هي أيضاً من نفس الشيء. لكن ما حدث كان بمثابة إصابة هدف ... نجاح. عليه بالصبر ليفوز بكل شيء. كان هناك الكثير مما يستطيع أن يقدمه إليها، لكن لا شيء من كل ذلك ... ولا حتى حبه سيكون ذا فائدة إن لم تعثر راشيل علي نفسها أولاً، وإن لم تدرك أن هذا ما كانت تبحث عنه وتريده من الحياة. لقد سمع عن أناس تسرعوا في زيجاتهم، ثم استيقضوا ذات يوم ليكتشفوا أنهم لم يفكروا بما فيه الكفاية فيما هم مقدمين عليه، أو حتى إن كان هذا هو ما يريدون من الحياة. خطأ كهذا يستحق أكثر من التحلي بالصبر الآن. لم تكن تعلم أنه تحدث هاتفياً مع ويلسون سميث من حجرته بالفندق، وأنه قد علم بقرارها الذي اتخذته بالفعل بالعودة إلي بنجلادش. القدرة علي التصرف والخبرة بظروف الأماكن المنكوبة بالطوفان، هذا ما أخبره به دكتور سميث وبأنه سيتركها بهذا البلد قرابة عامين، ثم يتم تحويلها لمكان آخر. إنه يجازف مجازفة كبيرة بانتظاره الطويل هذا. مجازفة كبيرة بالنسبة لرجل لا يعترف بالمقامرة، فمن الصعب علي نفسه أن يترك مصير بقية حياته للحظ، لكن ام يكن أمامه أي بديل آخر سوى أن يدعها تفاضل بنفسها بين جميع الاختيارات.
منتديات ليلاس
أضاء النور الموجود بسقف السيارة، أخذ ينظر إلي راش وابتسامة عذبة علي فمه. لقد قطعا شوطاً طويلاً منذ ذلك اليوم في المحكمة، وهي بالقطع قد استفادت من إقامتها تلك بالمزرعة. كذلك جوردي، لقد أحب تلك الطريقة التي كانت تحمله بها تحت إبطها احياناً، كانت تحمله علي صدرها، بطريقة أشبه بحركات القردة، كأنما لا تشبع منه أبداً . في أحيان أخري، كانت تجلس معه علي الأرض تشبك قدميها بالساعات، تتحدث إليه، تقرأ له . كان لوك يعلم أن جوردي يشعر تماماً بما تحس به نحوه . لقد بدأ ينظر إليها الآن، وبالأمس عندما فتح كل منهما ذراعيه إليه، اختار الذهاب إلي راش . وليس جوردي فقط . حنا وتريزا اصبحتا تداومان علي خطب ودها. جوان وجاسون لم يتمكنا من القيام بما يكفي نحوها . موجو أتي لها بباقة من الأزهار البرية، كان يأخذها لممارسة الفروسية. قص الهندي شعره، وكان يأتي إلي العمل تلك الأيام بذقن حليق، أصبح لا يتسبب في أية مشاكل. لديها الكثير هنا، لكن راشيل فقط هي التي تستطيع الوصول إلي كل ذلك، لا يوجد مخلوق آخر يمكنه أن يساعدها في اتخاذ هذا القرار. ونظر إليها مرة أخري، ثم أطفأ المصباح . إنها تبدو كالشعلة. ضئيلة لك ثابتة. تحتفظ بكيانها في مواجهة أي شيء آخر. تعطي كل شيء ولا تسأل لنفسها شيئاً. جوهرها الأصيل يمدها بما يحفظ لها اشتعالها ودوامها. يتساءل إن كان سيأتي الوقت الذي ستدعه فيه يحفظ تلك الشعلة. لا أن يعمل علي خفوتها، بل فقط حمايتها، حتى تستطيع أن تحترق فتضيئ وتضيئ.
استيقظت راشيل علي صوت إغلاق باب السيارة.
-" كل شيء بخير."
كان لوك يقول ذلك بينما لمحت راشيل خروج حنا إلي عتبة الباب.
-" لقد شعرنا فقط في العودة إلي الدار."
وبعيون شبه مغمضة من أثر النوم شاهدت جاسون يخرج، قائلاً:
-" مساء الخير." ثم ذاهباً باتجاه الجراج.
-" بما أن كل شيء بخير، فإني سأعود ثانية إلي الفراش."
وانسحبت حنا بعيداً قبل أن تتمكن راشيل من الخروج من السيارة.
اغتسلت ومشت في الدهليز المؤدي لحجرة جوردي، كانت فكرة أن تأخذه الآن فتضمه إليها أقوي من أن تقاومها. كان يبدو كملاك صغير نادر الوجود، ثمين، يرقد في سلام. لو تستطيع فقط لو تمنع عجلة الزمان من الدوران، لو تستطيع إيقاف الوقت، أن تبقي جوردي علي حالة الطفولة تلك لمدة أطول، أن تبقي معه بعض الأيام الأخري. لم تكن تدرك هذا الألم الكبير الذي جعلها تهرب.
-" هيا نذهب إلي المطبخ."
قفزت راشيل عندما تكلم وهو يقترب من أذنها خافضاً من صوته .


نهاية الفصل التاسع

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:12 PM

وضع إصبعه القوي يتحسس خد جوردي ثم تبعها إلي الخارج. توجها إلي الثلاجة، ثم أخذا يحملان مائدة القهوة التي تطوى وتفرد إلي غرفة المعيشة، والجائزة التي كانت تنتظرهما بما لذ وطاب. حساء نبات البروكولي، لبدجاج البارد، الخبز الطازج، وإناء امتلأ إلي منتصفه بكريمة الفواكه الشهية. لم يكن الطعام بهذا الطعم اللذيذ أبداً. كانا يتكلمان همساً، لا يريدان إزعاج حنا. كان لوك يحمل الأطباق يعيده إلي المطبخ، عندما غرقت راشيل مع أفكارها. قامت إلي جهاز الموسيقي المثبت تجاه الحائط، فضغطت علي الزر ثم أدارت المؤشر حتى وجدت المحطة التي تريدها. وانسابت الموسيقي الحالمة في الجو.
منتديات ليلاس
أحست بلوك يأتي من ورائها فاستدارت، لتصبح بين ذراعيه. لم تستطع أن تري وجهه، لذا لم تعرف إن كان قد دهش مما فعلت. أخذ يحتضنها، يقربها إلي دفئه. تراجع الليل لما مالت برأسها علي كتفه. أخذا يرقصان سوياً، لم يغيرا من وضعهما متقاربين متلاصقين حتى عندما تغيرت الموسيقي إلي لحن سريع الإيقاع. مال إليها قليلاً، أراح خده إلي خدها، نعومة وجهه ذكرت راشيل أنه كان يحلق ذقنه عندما نقرت علي باب حجرته بالفندق. غشتها رائحة عطره لبعد الحلاقة، ثم أخذت تدفن رأسها في صدره ترغب في المزيد من الإحساس بعطره الزكي. أخذت تفكر في أحداث اليوم، كم كان رائعاً أن تكون بصحبة لوك، وتصرفه مع خبيرة التجميل. أبقت عينيها مفتوحتين. لو أغلقتهما الآن لفاضتا بالدموع، وسيكون صعباً عليها أن تشرح للوك أنها تبكي لأنه أروع رجل قابلته في حياتها. غاصت راشيل في أحلامها، تشعر أنهما يحلقان، لحظات لن تنساها أبداً. وكان القمر كأنما يشعر بسحر تلك اللحظة، يسبح في جلال وراء السحب. إنه قمر المحبين، أخذت راشيل تفكر حالمة. وفجأة أصابتها صاعقة من تلك المشاهد التي اقتحمت عليها خيالاتها، أدركت أنها تسرق لحظات نادرة. إن لم تتوقف الآن، لن تستطيع التوقف أبداً. كما أن النهار لا بد آت بعد هذا الليل الحالم.. إن ما تحاول البحث عنه يكاد يحطمها فتصبح هباءً منثورا. تراجعت بعيداً عن لوك. أخذت تنظر إليه، تحاول افتعال نظرة حقيقية في صوتها.
-" سوف أتذكر دائماً هذا."
فاض الكيل بلوك. ها قد عدنا ثانية. الإنذار، حازم، مباشر، لا يتبدل. أخبرته أنها قد أعدت خططها. إنها تعتزم الذهاب للحاق بهم، لسبب ما لا يهمه. تقلصت كتفاه كأنما تلقي ضغطاً شديداً علي عصبه.
-" هل اتخذت قراراً؟ "
كان يشعر بما يجري أكثر مما يسمعه منها.
-" لقد حجزت مكاناً علي الرحلة من مطار لوس انجيلوس في اليوم الحادي والثلاثين."
أحس بالألم يمزق صدره، مع زوال آخر بارقة أمل كان يتمسك بها.
-"فهمت."
توقفت أقدامهما عن الحركة. كالمتصارعين في حلبة الملاكمة. قد لا يتكرر أبداً ذلك التقارب الذي كان منذ دقائق . انتظرت راشيل برهة . ولما تبينت أن لوك لا يعتزم أن يقول شيئاً آخر همست:
-" أظن أنني سآوي إلي حجرتي الآن أشكرك علي كل شيء."
انسلت خارجة، فاستدار لوك، وخطا في الظلام


نهاية الفصل التاسع

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:15 PM

الفصل العاشر
 
الفصل العاشر
في الصباح التالي، عندما دخلت راشيل إلي المطبخ، كان جوردي يجلس إلي مائدة الفطور وبقايا وجبة الحبوب تلطخ وجهه. أخذت تتطلع إليه، تغدي نفسها برؤيته بينما بدا مسروراً بذلك.
-" صباح الخير."
ولكي تبتعد عن اقتراب لوك نحو المائدة وهو يمسك فنجانه بيده، مالت نحو وجه جوردي تبحث فيه عن مكان لا يلطخه الغداء، حتى تضع قبلة عليه. فمد لها يده، كأنما يسخو عليها بملعقة من وجبة حبوبه.
-" لا.. شكراً" ، ابتسمت راشيل وهي تتفادي ملعقته الممدودة.." سأجهز طبقي الآن."
ثم أخذت تخرج الأطباق من الرف، وتجهز المائدة. كان جو المكان قد امتلأ بسكون لوك الذي أطبق، بعد تحيته تلك المختصرة.
منتديات ليلاس
لقد نامت جزءاً من الليل. إن العلم بما هو أفضل.. شيء، أما القيام بتنفيذه فهو شيء آخر.. شيئان مختلفان تمام الاختلاف . تنحنحت راشيل ثم استدارت، تهم بترك المكان، لا تصدق أنها مقدمة علي الرحيل، وتمتلئ خوفاً من أن تبقي. أخذ يدور بذهنها المضطرب العديد من الخطط والقرارات المتضاربة المتنوعة. أخذت تجمع طاقم المائدة وترفعه عنها. أوحت لها أشعة الشمس بموضوع للحديث،
-" إنه ليوم جميل ،أليس كذلك؟"
أي شيء أفضل من هذا الصمت المطبق.
تقلصت كتفا لوك.
-" إن الجو بارد والرياح تهب بالخارج."
وهكذا انتهي الحوار العظيم. في غير تعمد منها، فتحت أحد الأدراج ثم صفقته بشدة. فاجأها صوت سقوط طبق علي الأرض فقفزت من مكانها. استدارت نحو جوردي لتجد الذهول مرتسماً علي وجهه. يطل من فوق كرسيه العالي، ينظر إلي طبق الكورن فليكس الذي سقط علي الأرض. تقلص وجهه، بدا أن انهمار الدموع عليه ليس ببعيد. كان من الواضح أن تلك الجلبة استحوذت علي حواسه كلها. قبل أن يتفوه أي من راشيل أو لوك بكلمة، عاد الطفل ينظر إلي أعلى ويمد يديه نحوها،
-" ماما."
تسمرت راشيل في مكانها. ماما: امتص عقلها الكلمة، فاخذ رنينها يطن بداخله. لا بد أنه التقط تلك الكلمة من ديفيد وانجيلا، أنهما يناديان تريزا هكذا. لكن لم أطلقها عليها؟ أواه يا جوردي أخذت تفكر، ليس أنت، أيضاًً. وبصعوبة سمعت لوك يقول:
-" لا تخف يا جوردي" ، لكن بكاءه علا وملأ الجو، فحمله وأخذ يربت عليه مرة أخري ويحاول إسكاته.
-" اجلسي ياراش."
اخذت تنقل بصرها بين وجه جوردي ووجه لوك لأول مرة هذا الصباح. استقرت نظراته عليها كغشاء حريري يحيط بكيانها. دافئ ومتفهم. فجأة أصبح كل هذا يفوق احتمالها. استدارت وأسرعت إلي خارج الدار.
-" صباح الخير."
واستدار لوك ليجد تريزا تدخل إلي المطبخ. وضع جوردي ثانية في كرسيه العالي ثم قال:
-" أعطيه مزيداً من خليط الحبوب، من فضلك يا تريزا."
-" بالتأكيد."
كان لوك يعلم أين يمكن أن يجدها. حملته قدماه إلي تلك البقعة الخضراء المحاطة بالأشجار. كانت تلك البقعة هي المفضلة عند أمه ايضاً. كانت تتمدد ووجهها إلي أسفل فوق الأرض الخضراء الباردة، تنتحب كأنما قلبها يتمزق. بدت كالمهرة الصغيرة الضعيفة. لقد رأى ذلك التعبير الذي بدا علي وجهها عندم اندلعت دهشة جوري وخوفه. أتون العواطف هذا الذي يختبئ في هذا المكان أكد له ما كان يظنه. كانت تخاف أن ينهار ذلك البناء الحجري الذي شيدته ليحيط بأحاسيسها. بسهولة، رفعها علي ذراعيه، أوقفها فاستراح رأسها علي كتفه وببساطة عانقها وضمها إليه. بمرور الوقت تحول بكاءها إلي نحيب مزلزل أخذ يهز جسدها هزاً. ثم انفجر كل شيء بينما هو يحاول تهدئتها،

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:17 PM

الفصل العاشر
 
-" أنا.. لا أصلح .. للحب. لم...لم اكن أريد ج.زجوردي...أن ....يتعلق بي...هكذا. لم...أكن أ...أريد أن..أسبب..ألماً ..لأي مخلوق."
-" لم يحدث شيء من هذا؟"
كان يهمس إليها وهو يربت علي ظهرها.
-" إن الحب شيء لا يمكننا التحكم فيه. إنه إما يوجد أو لا يوجد."
-" لم أكن أريد أن يتألم جوردي عندما أرحل."
-" إذن ابقي."
-" لا أستطيع. ألا يمكنك إدراك ذلك. إنني لست مثل كريس. إني لا أصلح لأي علاقة شخصية."
أخذ الغضب يغلي بداخل لوك. أي نوع من الوحوش الآدمية، ذلك الذي جعلها تشعر هكذا؟
-" وما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟"
-" إن أمي لم تستطع احتمالي. ولهذا تركتنا ورحلت. لم يكن لدي أبي أي وقت لي بعد أن رحلت. لقد حاولت جاهدة أن أجعله مثلي لكنه... لكنه لم يكن يهتم بي مطلقاً. كان يقول إن كل ما حدث قد حدث بسببي."
تقلص وجه لوك،
-" إن أباك لم يكن يدرك معنى ما يقول يا راشيل."
كان يتحدث بأسي،
-" كان يلومكمن أجل نقائصه هو نفسه."
احس أنها قد بدأت تهدأ، وعندما بدأت أنفاسها تنتظم واصل حديثه وهو يمسح علي شعرها:
-" كل غنسان هنا يري أنك رائعة حقاً، حنا تقول إنك استجابة السماء لصلواتها. جوان وتريزا يتغنيان بك طوال الوقت، ديفيد أخبرني أنك قوية للغاية وأنك لم تستطيعي بعد العثور علي طريقة عمل الشطائر المغطاة بالشكولاتة بعد. جاسون لا يستطيع أن يرفع عينيه من عليك، وموجو يعمل متأخراً حتيى يجد الوقت لممارسة الفروسية معك. دكتور سميث أخبرني أن توم إتويل لا يستطيع التوقف عن امتداحك،لقد عرض علي ملفك أيضاً. تلتصق بذهني ملاحظة كتبها دكتور إتويل في تقريره عنكز يصفك بأنك امرأة رائعة تهتم بكل إنسان، ذات قدرة علي العطاء لا تنتهي ولا تنضب. كل هؤلاء الناس يا راش ، لا يمكن أن يكونوا مخطئين."
بعد برهة من الزمن، بدأ الأحمرار يعود إلي وجنتيها، أدرت وجهها إليه وأخرجت زفيراً عميقاً.
-" هل تحدثت مع دكتور سميث عني؟"
منتديات ليلاس
أومأ لوك برأسه وأخذ يزيح برقة خصلة شعر من فوق جبهتها الحارة، أنزل أصابعه يتحسس وجهها. كانت تبدو الآن في أكثر حالاتها استسلاماً واستكانة. سوف يكون من الأنانية أن يريحها علي النحو الذي كان يريده.
-" نعم تحدثت معه عنك يوم أن اتصلت به لأخبره أنك لست بحالة جيدة."
احتضنها لوك بحنان ، أدار رأسه ، احتمت شفتاه بصفحة خدها.
-" أحبك ياراش."
كانت الكلمات ترن وسط السكون المحيط . تلك الهالات المتسعة من الصلابة والصمود، أخبرت لوك أن الأمر يتطلب أكثر من مجرد الكلمات، حتى يخرجها من تلك الغابات المظلمة من تعذيب النفس، يخرجها منها إلي الأبد.
ومن البعيد، صهل جواد. أخذ لوك ينظر إلي السماء وهي تتعانق من جهة مع هذا البساط الأخضر ، ومن جهة أخري مع تلك السحب التي تلونها . أخذ يسترجع ذكري تلك المهرة التي اشتراها روب العام الماضي، تتألم من سوء معاملة مالكها السابق، كانت تعاني الظروف السيئة عندما وصلت إلي دياموندبار، وكان اسمها الفتاة الذهبية. كانت لا تسمح باقتراب أي إنسان منها، لقد فاز روب بثقتها واطمئنانها إليه، ليس بمطاردتها، بإجبارها علي شيء بالقوة، وإنما فقط بالذهاب يومياً إلي حظيرتها والوقوف هناك، والتحدث إليها حديثاً من جانب واحد.
في غضون أسبوع ، أصبحت تأتي إليه طائعة. إن راشيل تحتاج إلي وقت وصبر وهو لديه من الرجولة ما يكفي لأن يمنحها كليهما، باي ثمن كان.
-" لقد بللت قميصك عن غير قصد مني"
كانت دموعها علي قميصه تحيل جسده إلي حريق مضطرم، وتحيل تلك التحليلات التي كانت تدور في رأسه إلي رماد.
-" لا يهم. أتشعرين بتحسن؟"
في هذه اللحظة تركها تتملص من بين ذراعيه، ثم تعتدل. كان هذا أأمن لكليهما.
-" نعم أشكرك."
كان ظهرها إليه، وكان يشعر بمعاناتها وهو تبحث عن حاجزها النفسي الذي اعتادته. لا بد أنه أمراً شاقاً أن لا تعثر عليه الآن.
-" لا تغالي في خوفك ياراش. إن الأشياء تجد سبيلاً لتحل نفسها بنفسها."
لم يكن هناك رد. وهو لم يكن ينتظر رداً. اعتدل ومد لها يده. أخذتها، ووقفت تلتصق به. تسللت نظراته من عينيها إلي شفتيها. لم يستطع مقاومة تلك الدموع التي تنساب منها. للحظة، كاد ينساق لمنطق غريب، ويغرق معها في الحب لكنه معها قد علم أنه لو أراد كل شيء في خضم تلك المعاناة،فلن يصل لشيء أبداً، فمن أجل نجاح علاقتهما معاً ، يجب أن يقبل عقل راشيل .. أحاسيسها، وأن يتعرف عليها. وابتلع ريقه بصعوبة، أحاط كتفيها بذراعه وضمها إلي جانبه.
-" هيا بنا نعود للدار."

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:20 PM

الفصل العاشر
 
ماما". مرات عديدة خلال النهار، تجد راشيل نفسها تردد الكلمة مع تردد أنفاسها. ياله من عالم جميل رائع. لو فقط.. واغلقت عينيها تستعذب هذا الأمل ، لو فقط استطاعت أن تطالب بهذا اللقب. أم جوردي. زوجة لوك. إنها تعلم أنه تم تحديد موعد في شهر يناير المقبل ليتبني جوردي رسمياً. في هذا الوقت ستكون في الجانب الآحر من الكرة الأرضية. ستكون قد عادت إلي حيث تشعر بالأمان. حيث لا شيء.. لا أحد .. مطلقاً سيلمس قلبها مرة أخري. في هذه اللحظة، أدركت راشيل ، أنها لن تعود أبداً.
في الأيام التي تلت ذلك ، قدمت هداياها، ساعدت حنا في عمليات الخبيز الزائدة وقضت أوقات فراغها مع جوردي، اتصلت بمكتب دكتور كنتون، ونزلت مع جاسون إلي سانت بربرا يوم الجمعة لتأخذ حقن تطعيماتها. فيما بعد فتحت راشيل حساباً جديداً في البنك وحولت كل نقودها إليه. سوف تترك دفتر التوفير علي مكتب لوك، مع الشرح والتفسير الكافي.
منتديات ليلاس
عاد لوك من مكتبه في المساء ليجد مكانين فقط قد أعدا علي مائدة المطبخ. جال ببصره ليجد حنا. هل أخذها باد لجولة أخري من جولات المشتريات؟ وضعت حنا طبقاً من الجزر المسلوق علي المائدة، قدمته له بحفاوة بالغة.
-" لم لم تخبريني من قبل؟"
-" لم أكن أعلم إلا من نصف ساعة فقط."
أنذرته كلماتها أنه قد حكم عليه أنه يقضي بقية حياته يأكل الجزر المسلوق. حيث سيقدم له علي الفطور والغداء والعشاء.
-" لقد ظننت أنها ترتب هداياها في حجرتها، لكني عثرت عليها في الفراش وحرارتها أربعون درجة."
كان قد غادر المكان قبل أن تكمل كلامها. وبعد نقرة قصيرة علي الباب، دخل إلي حجرة راشيل. كانت ترقد بالفراش، يبدو عليها التعب الشديد.
-" ما الخبر يا راش ؟"
أخذ مشهدها يمزق حناياه وارتعشت يده التي وضعها علي خدها يتحسسه.
-" لا شيء."
كانت عيناها وهي محمومة تمتلئ بإحساس آخر غريب، وهي تنظر إليه.
-" دائماً تحدث هذه الأعراض عندما آخذ حقنة التيفود."
مرت برهة طويلة حتى استطاع أن يأخذ نفساً إلي رئتيه. إذن، سوف تمضي قدماً مع ما خططت له. حوارهما معاً لم يغير شيئاً.
-" متى أخذت هذه الحقنة؟"
-" اليوم، بعد الظهر. كان جاسون ذاهباً لإحضار بعض المستلزمات، وأوصلني في طريقه إلي عيادة دكتور كنتون."
-" فهمت."
من الخير لجاسون أن يقوم باستشارة العالم الفلكي بشأن طالعه ومستقبله. أخذ ينظر إلي راشيل وغضبه يكاد يغلي . كانت عيناها الممتلئتان بالدموع وذراعاها المحيطتان بجسدها تبعثان إليه بالرسالة. شيء ضئيل أحمق في غاية العناد يرقد ها هنا أمامه.
لا بد أن حوارهما أمام المقابر لم يحدث أبداً.
-" لم تضعين الوسادة هكذا تحت ذراعك؟"
-" بسبب حقنة الكوليرا. دائماً ما تتورم ذراعي قليلاً ."
كانت ترد كالمعتذرة اللعنة. كم من الوخزات أعطوها اليوم ؟
-" دعيني أري."
كانت الرقة التي في يديه وهو يشاهد هذا التورم بذراغها، علي النقيض تماماً من الطريقة التي زم بها شفتيه. مرت أصابعه برفق علي المنطفة المتورمة، تبعث شحنات من الدفء خلال جسدها.
-" كم من الحقن أخت اليوم؟"
-" اثنتان فقط.. الأسبوع القادم سآخذ آخر حقنة، ثم أكون جاهزة تماماً."
-" فهمت."
ومال عليها يتحسس حرارة جبهتها لكنها كانت باردة ومرطبة بطبقة رقيقة من العرق.
-" يجب أن تأخذي شيئاً ضد ارتفاع الحرارة."
ثم انسحب عنها، واضعاً يديه في جيبيه، وأخذ يتطلع من النافذة.
-" لوك ؟"
أخذ قلب راشيل يخفق كالمطرقة. سيكون الحال أفضل لو صرخ، لو قال شيئاً. كان الصمت كالفراغ السحيق. ثم استدر ليواجهها.
-" إذن، لقد قررتِ أن ترحلي كما خططت من قبل؟"
-" هذا هو ما يجب علي أن أفعله."
كان الغضب يقف الآن في مواجهة جدار السيطرة علي النفس الذي كان قد بناه. خوفه من أن يفقدها فتح الأبواب. فاندفعت الكلمات لتنهمر من خلف هذا الجدار.
-" لن أتمسك بك أبداً تمسك الجبناء، ياراش، إنك أنت التي تتسمين بالجبن، ألست كذلك؟ إنك لن تواجهي الحقيقة إلا حينما يكون الأوان قد فات. وربما لا تواجهينها أبداً. متى ستدركين أن الحياة لا تأتي بأية ضمانات؟ إنها إن فعلت، لكان كريس وروب لايزالان هنا اليوم، ولامتنعت أشياء عديدة، فلا ألم، ولا معاناة، ولا جوع.في كل مكان . في العالم بأسره."
خرج الغضب بأكمله، وحل الألم محله. الألم الناتج عن فقدها. الألم من المستقبل الخاوي. واتجه إلي الفراش، فجلس علي حافته، ووضع يداً بجوار كل من جانبي رأس راشيل، دون أن يلامسها. أوصل نظراته بنظراتها.
-" الحياة تمنحنا فرصاً فقط ياراش. والأمر يتوقف علينا نحن في أن تنجح الأمور. عندما كنت طفلة صغيرة، لم يكن بإمكانك أن تفعلي شيئاً لما كان يحدث لك" ،
ومن موقع اختيار حر، رفع يده يزيح خصلات الشعر من علي جبهتها.
-" أما الآن فإنك امرأة بالغة. لديك القدرة علي تغيير الأشياء. فهل ستستطيعين إلي الأبد أن تمنعي نفسك من الركض واللهاث المستمرين، وتعطي لنفسك الفرصة لاستخدام تلك القدرة؟"
كان الباب الذي أغلق من خلف لوك يشبه الستارةالتي تنسدل. لقد انتهي العرض.
لكن، لم يصفق أحد.



نهاية الفصل العاشر

الشجرة الطيبة 27-07-09 01:22 PM

الليلة بإذن الله انزل الفصل الاخير:flowers2:

الشجرة الطيبة 27-07-09 09:06 PM

الفصل الحادي عشر
 
الفصل الحادي عشر


يوم عيد الميلاد، مظاهرة حاشدة من الزوار، إنه يوم حنا حيث وجبة العشاء الخاصة التي قامت بإعدادها.... أخذت راشيل تركز جهدها في أن تبقي ذهنها وعينيها بعيداً عن لوك. لم تتلق أبداً طوال حياتها مثل هذا العدد الكبير من الهدايا. الحقيقة أن هؤلاء الناس الذين قدموها لها قد أحدثوا تأثيراً هائلاً مس شغاف قلبها. قدم لها لوك في صباح يوم العيد علبة ملفوفة بعناية، كان قد التقطها من مكانها الذي وضعت فيه من تحت شجرة عيد الميلاد. سلمها لها وهو يقول:
-" من جوردي ومني. البسيها وليباركك الله."
الساعة ماركة جوتشي وتلك الماسة الوحيدة الرائعة منعتا لسانها من النطق . أخذ يشكرها علي الإطار الفضي الجميل الذي اشترته ووضعت صورة جوردي بداخله، ثم ترك الحجرة قبل أن ترد بشيء. عاد يتقمص دور المضيف المرحب بزائريه مهذباً، متزناً، منعزلاً. بينما كان الناس يحيطون براشيل. كان من السهل عليها أن تتجنبه، لكن في اليوم التالي لعيد الميلاد أخذت تساءل نفسها كيف ستتصرف خلال الأيام القليلة القادمة؟ كانت أحاسيسها تشبه أوتار كمان قد شدت عن آخرها... أي قطرة زائدة من التوتر ستكون بمثابة كارثة حتماً. تعمدت هذا الصباح أن تذهب إلي المطبخ متأخرة، حتى تتجنب رؤيته وهو يجري عاري الصدر مرة أخري . أخذت ترتب الملابس التي ستأخذها معها علي مائدة المطبخ، وتطابقها علي القائمة التي أعدتها من قبل. كانت قد طلبت شراء تلك الملابس عن طريق أحد المحلات المتخصصة، مما وفر لها الوقت والطاقة. أصبح لديها كل ما تحتاج إليه.
منتديات ليلاس
آلام ظهر حنا ذكرتها بهذا التغير الذي طرأ علي دور كل منهما. لقد امتلأ جسد عاملة المنزل وتحسنت صحتها بعد تلك الأيام القليلة الماضية ، أما راشيل فهي التي أصبحت تملأ السكون الذي يغلف المكان بالكلمات.
-" يجب علي أن أغسل تلك الأشياء قبل أن أضعها بالحقائب. فالنشا الذي يضعونه بأقمشة الملابس الجديدة لا يطاق في الحر."
كانت تتكلم عندما دخل لوك إلي المطبخ . تجمد بصره عندما وقع علي كومة الملابس البيضاء. لكنه ذهب بهدوء إلي الغلاية يصب لنفسه كوباً من الشاي. فسحبت حنا المنشفة من علي كتفها وأخذت تمسح شيئاً لا وجود له فوق المائدة التي قد وضعت عليها الغلاية. وملأ لوك كوبه ثم استدار وبقي مستندا علي طرف تلك المائدة.
--" لدي بعض الأعمال سأقوم بها في سكرا منتو، كنت أؤجلها منذ فترة مضت ،"
كانت نظراته تتركز بمكان ما علي النافذة، وكان كأنما يتحدث إلي المطبخ كله علي اتساعه.
-" ولا أستطيع تأجيل هذه العمال لفترة أطول. لذا فإنني قد أرحل إلي هناك غداً..."
-" كم من الوقت ستتغيب هناك؟ "
لم يبد علي حنا أقل دهشة لهذه الأنباء. وأخذت راشيل تتطلع إلي بطاقات الأسعار المثبتة علي ملابسها، ورأسها مطأطأ تنتظر إجابة لوك، قلبها علي فمه.
-" سأعود متأخراً في ليلة رأس السنة. بعد أن تكون قد رحلتِ."
-" هل ترين أن بيتي وباد قد يرغبان في الحضور لزيارتنا، فيبقيان هنا حتى ليلة رأس السنة؟"
-" إن هذا ليسعدهما."
كانت حنا تتكلم وصوتها لا يحمل أي نبرة بهجة.
-" عظيم سأقوم بالترتيبات إذن."
كان قد ذهب، وقد ترك خلفه صمتاً يكاد يطبق علي راشيل فيفتك بها. التقطت ملابسها، حملتها إلي غرفة الغسيل وأخذت تزج بها داخل المغسلة.
-" هكذا أفضل."
أخذت تخبر نفسها لتقويها، ثم انفجرت دموعها غاضبة. لقد أمسك لوك زمام الأمور في يده ، تقبل عنادها وقرر أن يترك لها الميدان خالياً حتى ترحل. لقد جعل الأمر سهلاً لكليهما. إن الألم الذي أصبحت تشعر به، هو ألم لاختفائه. كانت بغرفة المعيشة تحاول التركيز في إحدى قصص أجاثا كريستي " جريمة علي النيل"، وأخيراً عندما حل المساء سمعت صوت باب المكتب يفتح ثم يقفل.
-" سأرحل في الرابعة صباحاً. لذا فإني أقول لكم وداعاً من الآن."
وقفت علي قدميها فلم تكن تتوقع أنه جاء إلي هنا. حاولت أن تبقي علي تماسك نبراتها،
-" وداعاً يا لوك . أشكرك علي كل شيء."
كانت تنظر إلي الزر الثاني من أزرار قميصه، تثبت عينيها عليه.
-" عفواً." لقد استطاع أن يواصل حديثه،
-" كوني علي اتصال دائم بنا. نريد أن نسمع أخبارك."
ربما هي ذاهبة إلي لوس أنجلوس بدلاً من الجانب الآخر من الكرة الأرضية.
-" سأرسل لكي صوراً لجوردي ... حتى يمكنك متابعة نموه وتطوره."
مد لها يده، صافحها بسرعة ثم ترك يدها، ووضع يده علي كتفها. هكذا الأمر، أخذت راشيل تتفكر، هذه هي القبلة الأخيرة. بعد ذلك بدقيقة كانت تقف وحيدة . كل ما شعرت به علي كتفها هو ضغطة خفيفة، لمسة صداقة، كما لو كان لوك قريباً لها طاعناً في السن، يتمني لها التوفيق.

الشجرة الطيبة 27-07-09 09:08 PM

الفصل الحادي عشر
 
بزغ فجر يوم رحيلها، واضحاً، جلياً. استيقظت راشيل من نومها تتعثر. أخذت عيناها تتطلعان إلي صورتها تنعكس بمرآة الحمام، هالات سوداء تحيط بعينيها. أخذت تحدث نفسها هامسة،
-" إن كان هذا هو ما ستفعله بك تصرفاتك، فأرجو ألا تواجهي مثل هذا الموقف كثيرا."
أخذت تبحث عن المنشفة وهي لا تزال تثبت نظراتها علي صورتها المنعكسة. لن تأخذ حماماً إلا قبل الرحيل مباشرة.
منذ رحيل لوك وهي تمضي ساعات النهار الأولي مع جوردي. أصبح يتمكن من تناول طعامه بواسطة فنجان خاص، لكنه لا يزال يفضل زجاجة الرضعة لأول وجبة في الصباح ، ولآخر وجبة في المساء.
-" أحبك يا جوردي."
أراحت خدها علي ملمس خده الناعم وراحت تطبع جملتها في أعماقه،
-" وسأحبك دوماً."
أخذ يمسك بزر قميصها محاولاً أن يفكه.
-" صباح الخير."
لم تنزعج راشيل من هذا الصوت المفاجئ ولا تلك الخطوات السريعة لحنا ، وهي متجهة إلي الموقد. كانت العاملة تتألم بنفس قدر تألمها.
-" أهلا!"
الوجه المبتسم يجب أن يبقي هكذا لساعات قليلة لا تزال باقية.
-" هل أساعدك في تجهيز الفطور؟ "
-" لا."
وفتحت حنا رف الفناجين ثم صفقته. أخذت تنظر إلي أشياءها التي قد جهزتها بالفعل علي المائدة.
–" لقد رحل بيتي وباد مبكرين هذا الصباح متوجهين إلي قلعة هيرست وقد طلبا مني أن أبلغك سلامهما وتحياتهما."
نظرت إليها راشيل بنفس العينين المتجمدتين ولم ترد بشيء، كانت تحاول التحكم في نفسها وفي أعصابها بأي ثمن فالأمر لايحتمل المزيد من الكلمات. حتى مع نيتي وباد. لم تكن الأيام القليلة الماضية سهلة. بالأمس اصطحبها جاسون إلي المزرعة، لتلقي نظرة أخيرة علي المكان. الأشخاص الذين يعرفونها أتوا ليتمنوا لها السلامة والتوفيق، أخذت راشيل تخبرهم أن عليها أن ترحل لتعود إلي عملها وواجبها، وكانت هي اقل المقتنعين بذلك.
منتديات ليلاس
-" سيكون الفطور جاهزاً حالاً."
كانت حنا تتحدث بخشونة وهي تنظر إليها من فوق كتفها.
-" إذن سأذهب لألبس جوردي ملابسه."
في حجرته، أخذت راشيل تلاعبه لعبة التقاط الأشياء، وأخذت تقرأ له. وعندما نادت حنا من أسفل السلم أن الفطور أصبح معداً، حملت جوردي وهبطت به درجات السلم. كانت تضمه إليها بقوة، تتنفس بعمق، تشتم رائحة أنفاسه الطفولية، تختزن الإحساس به، تكتنزه للوقت الذي ستصبح فيه وحيدة.
علي مائدة المطبخـ وضعت فاكهة راشيل المفضلة، ثمار التوت. لما رأتها كاد سكونه ينجلي. التقطت إحداها وأخذت تريق عليها الماء تغسلها. وبمجرد وصول تريزا استأذنت راشيل وقامت عن المائدة حاملة طبقها وكوبها إلي خوض الغسيل. ثم خلعت سترته وعلقتها علي المشبك المثبت بباب الدار، وخرجت دون أن تنطق بكلمة إلي أي مخلوق.
كان الهواء البارد بمثابة التحدي، رحبت به وهي تأخذ طريقها صاعدة إلي التل. ترك الطين آثاراً بفعل ندى الصباح رطبت أسفل البنطلون الجينز الذي كانت ترتديه، لكنها لم تلاحظ ذلك. وعندما وصلت إلي بقعتها المحببة، ارتمت راشيل إلي الأرض، وظهرها يرقد علي الحشائش. بنظرة سريعة إلي ساعتها أدركت أن الساعة لا تزال العاشرة. يتبقي لديها ساعتان، قبل أن يصل جاسون ليقلها إلي لوس أنجلوس . لقد أخبرها جوان بالأمس عن الترتيبات التي أعدها لوك من أجل رحيلها، لوك. واقتلعت راشيل قطعة من التربة بيدها. كان يتصل يومياً فيتحدث إلي حنا. طوال المكالمة كان التليفون يحمل إلي أذن جوردي أيضا، حتى يسمع صوت لوك. لم يحاول أن يتحدث إليها أبداً. كانت حنا تقول دائماً "لوك يبلغك تحياته". في نهاية المكالمة، لكن راشيل لم تكن حقيقة متأكدة، ربما عاملة المنزل تفعل ذلك فقط من باب الأدب.
-" راشيل."
وقفت علي قدميها تتطلع. كان موجو يقف بمواجهتها. لم تسمعه عندما أتي.

الشجرة الطيبة 27-07-09 09:10 PM

الفصل الحادي عشر
 
-" موجو، كيف حالك؟ "
لسوف تفتقده. هناك شيء ما في أحاسيسه تشعر به، دون أن يصوغه في كلمات.
-" هل أعددت العدة للرحيل؟ "
-" نعم."
استدارت راشيل بعيداً حتى لا يري الألم في عينيها.
-" سابرينا سوف تفتقدك."
وابتلعت راشيل ريقها بصعوبة. أينما وقع بصرها، وقع علي شيء يخفق له قلبها. أما تلك المهرة البيضاء بلون الحليب، فإنها شيء خاص جداً.
-" هذا من أجلك."
استدارت لتتناول منه ذلك الشيء الملفوف في قطعة من القماش، يقدمه إليها. بداخلها كان سلسلة دقيقة من الفضة الخالصة، يزينها حجر أزرق أخاذ.
-" أشكرك."
لم تستطع أن تتصور كم كلفه ذلك. لم يكن موجو يهديها هدية. كان يعطيها قطعة من نفسه. استدارت راشيل بعيداً بينما انهمرت الدموع علي وجهها. إنها برحيلها، تحرم موجو من صديق يحتاج إليه بشدة. فهؤلاء الذين يعرفون الوحدة، يعودون إليها عندما تسوء بهم الأمور.
-" هل تتذكرين أول يوم، عندما تحدثت إلي؟"
كان يقيس نبرات صوته حتى لا تفضح أحاسيسه.
-" نعم."
ومسحت راشيل دموعها بظهر يدها. إن كان حديثه هذا سيعينه، فلابد أن موجو هذا سيدخل ضمن طابور المعذبين بذاكرتها.
-" لقد قلت أنني كنت جباناً."
-" فقط كي أجعلك تذهب إلي الطبيب."
-" إنك أنت الجبانة الحقيقية، أليس كذلك؟ "
استدارت راشيل تواجهه.
-" ماذا تعني؟ "
لقد أخبرته أن عليها أن تعود لعملها ولواجبها. ما الذي استطاع أن يخمنه أكثر من ذلك.؟
-" لقد كنت أخاف أن يقتلني الدواء."
كانت عيناه تعكس الأسى أكثر مما تعكس الغضب. وتعكس الحقيقة.
-" إنك تخشين من الوثوق في أحاسيسك."
كان قد ذهب قبل أن تسأله متى حصل علي شهادته في علم النفس. كل شيء تلاشي قبل الحقيقة. الأعذار، التبريرات، التعديلات. جلست ثانية علي البساط الأخضر، واقتلعت راشيل بعضا من نجيل الأرض فنثرته. عادت بذاكرتها إلي اليوم الأول في المحكمة، وذلك الضغط العصبي الرهيب الذي أصبح جزءاً منها.
عندما أحضرها لوك إلي هنا كانت عبارة عن مجموعة من الأعصاب المتوترة، عاجزة عن أي شيء علي المستوى الشخصي. لقد قطعت شوطاً طويلاً منذ هذا اليوم. لقد أخنفي شعورها بعدم الأمان، حل محله التقبل والثقة، علت روحها المعنوية حتى وصلت إلي عنان السماء. خفف الحب آلامها، أضاء لها ما كان يحيطها ويحيط ماضيها، أوضحه لها، وفسره. لقد منحت وقتاً للتفكير والتأمل، وقتاً لتبحث في أعماق نفسها عن الحقيقة، حقيقة هذا الماضي. قطرة قطرة، أخذت تتذكر تلك المشاهد مع أمها، في الأسبوع الأخير.
طفت تلك المشاهد علي السطح أخيراً، تخرج من الماضي السحيق المظلم، تتحرر، فتثبت لها أن ذلك الوهم الذي جثم علي أنفاس طفولتها قد ذهب بلا عودة. تذكرت أمها. تضحك معها، تستمع إلي صوت البحر ينبعث من الودع حين تضعه علي أذنها، تصفف شعرها، تضعها في فراشها، تودعها بقبلة المساء، حقيقة واحدة ، مؤكدة، طفت تلمع كحبة الكريستال. إن أمها كانت تحبها. وأيا ما كان سبب رحيلها عنهم، فإنه بالقطع لم يمس ذلك الحب الذي تكنه لأبنتها. علمت راشيل أنها لن تعذب نفسها بعد الآن بتلك الفكرة السخيفة، فكرة إنها السبب في افتراق والديها.
منتديات ليلاس
لقد أعطاها لوك هذا، منحه لها جلياً واضحاً. أخذت تسترجع ما فات، لا تستطيع أن تتذكر لحظة واحدة لم تحب فيها لوك، لكن في يوم رحلتهما الخلوية في تلك البقعة الخضراء، عندما أخذ يقبلها، كانت علي ثقة، لم تكن قدرتها علي الحب أبداً يمثل هذه الثقة، وهذا الوضوح. لقد أخبرها لوك أنها يوما ما ، ستتوقف عن الركض واللهاث. تري فيها الحقيقة. لقد أوقفتها كلمات موجو لها الآن، بما فيه الكفاية، لتنظر نظرة طويلة، تري فيها الحقيقة. إنها تريد أن تواجه تلك الحقيقة الآن، هنا، أن تعيد الحياة إلي كل حادثة صغيرة، ثم تدفن كل ذلك هنا، في هذه البقعة، التي أصبحت تعلم أن جزءا منها سيظل باقياً فيها إلي الأبد. كان لديها أمل. بداخل أعمق أعماقها، علمت راشيل أن هذا الأمل كان موجوداً طوال الوقت. إلي أن مات أبوها، لم يخفت بداخلها الأمل أبداً، أن يعيرها أية لمسة اهتمام أو رعاية. لقد كان الأمل هو الذي حفزها أن تقاضي لوك في المحكمة. الأمل في أن تحصل علي إنسان ينتمي إليها، لتحبه. إنسان يبادلها هذا الحب، وقد أتاها الحب من حيث لم تتوقع، لم يأتها الحب من الطفل فقط، ولكن من الرجل أيضا. ورفضته. أخذت راشيل تتساءل إن كانت غريزة الجبن هي أسوأ شيء في الوجود. كانت كلمات لوك تعلق برأسها كما تعلق التربة في العجلة وهي تدور. والإجابات تنبع من قلبها تزيل هذه التربة العالقة, توقفي عن الجري، وواجهي مخاوفك.
لقد دأبت علي القول أنها لا تريد أن تجرح أياً من لوك وجوردي، لكن هذه لم تكن الحقيقة، ما كانت تريده حقيقة ، هو أن تحمي نفسها من أن تصاب هي بجراح. عندما يحين الأوان، آمل أن تتعاملي مع نفسك جيداً.
لقد اختارت ألا تفعل شيئاً مطلقاً. لجأت إلي أسهل الحلول، أقنعت نفسها بأن الحب والأمل ليسا بكافيين. كان تعهداً يتطلب شجاعة. إن الحياة لا تأتي بأية ضمانات.... إنها فقط تتيح لنا الفرصة.
عليها أن تؤمن أنها ستستخدم هذه الفرصة وتنتهزها، ولا تدعها تفلت منها أبداً . لقد توقفن العجلة عن الدوران. ولم تبق لديها إلا حقيقة واحدة بسيطة وفي غاية الروعة. إن ما تحتاج إليه _ الآن _ هو الإيمان.
الإيمان، بنفسها، بلوك، بحبهما. إيمان بأنهما هي ولوك سيفعلان ما بوسعهما لإنجاح زيجتهما. إيمان بأن ذلك سيتحقق. غنه كل ما يملكه أي إنسان....... الإيمان.
" الإيمان" أخذت راشيل تكرر الكلمة حتى أكثر مما أخذت تفكر فيها. إنه آخر دواء في روشيتة سعادتها. حتى الآن.

* * *

الشجرة الطيبة 27-07-09 09:12 PM

الفصل الحادي عشر
 
-" حنا"
استدارت نظرات كل من المرأتين إليها وهي تدخل إلي المطبخ، كان شعرها يطير في الهواء، وعيناها تتسعان، تملآن وجهها.
-" هل هناك ما يزعجك؟ "
لم تكن حنا قد أدركت أي شيء بعد. كان وجه راشيل يبرق، يتجلي بضوء وضاح. فلم تجد حنا صعوبة في التعرف علي الحب عندما نظرت إلي هذا الوجه.
-" هل أنت بخير؟"
كان وجه تريزا يتضح بالقلق.
-" كل شيء علي ما يرام."
نحت راشيل باهتمامهما وقلقهما جانباً، كانت تعبيراتها تكذب أي ظنون.
-" لم يحدث أي شيء مزعج. يجب أن أتحدث إلي لوك في الحال أين الرقم الذي تركه معكما؟ "
-" بجوار التليفون في مكتبه. ولكنه قد لا......"
تلاشي صوت حنا بعيداً بينما هرعت راشيل إلي المكتب، وأغلقت وراءها الباب.
أخذ جوردي ينقل بصره بين باب المكتب وبين حنا ولأول مرة هذا اليوم تحمله علي ذراعيها، لقد كانوا جميعاً يمرون به، دون أحضان/ ولا قبلات.
-" نانا ماما ذهبت؟ "
إنه يسأل، وهو يثبت أنظاره علي باب المكتب. أخذت حنا تتطلع إليه دون أن تنبس بكلمة. يتحدثون عن الفوز بالتاج الثلاثي!!
منتديات ليلاس
اتحدت نظراتها مع نظرات تريزا كانت صدمتها الفرحة تدوي. ثلاث كلمات، ومتفقة مع بعضها تماماً. ولقد ناداها نانا ... لم تكن تفكر أبداً بلقب أروع من هذا. ولم يكن هذا هو كل شيء.
من النظر إلي وجه راشيل يتبين أن كل شيء سيكون علي ما يرام بينها وبين لوك. حملت جوردي، أخذت تضمه إلي صدرها. ومن فوق رأسه، أخذت تتبادل مع تريزا الابتسامات المبتلة بالدموع. ثم أخذت تخبر سومرز الصغير.
-" لا، لا أظن أن ماما ذاهبة إلي أي مكان."
ورفعت عينيها إلي أعلي؛ وقالت وهي تقترب من إذنه:
-" ولكنها مكالمة خاصة للغاية. كما يجب أن تتذكر أنني أصبحت طاعنة في السن علي أن أتنصت علي الغير."
أخذت راشيل تخلل أصابعها في شعرها وهي تسمع رنين الهاتف في الطرف الآخر. خمس. ست مرات. أخذت تعد وهي لا تطيق صبراً. إنه ليس هناك.
التقط لوك السماعة مع الرنة التاسعة.
-" نعم؟"
لم يكن صوته مشجعاً. أخذت راشيل نفساً عميقاً ثم انخرطت في الحديث.
-" لوك إنه أنا... راشيل أرجوك لا تقل أي كلمة قبل أن أنهي حديثي. لوك، لقد فاجأتني الحقيقة علي حين غرة. لا أستطيع أن أتركك أو أن أترك جوردي إني أحبك, من داخل أعماقي، كنت أشعر دائما أنني يوماً ما، وفي مكان ما، سأقابل رجلاً يغير مجري حياتي بحبه. كان هناك دائماً أمل، ثم منحتني أنت حبك. لقد أحببتك منذ اللحظة التي فتحت عيني فيها بحجرة الضيوف وكنت أنت هناك. كل ما كنت بحاجة إليه هو الإيمان. الإيمان بنفسي. الإيمان بأن زواجنا سينجح، لأن كل منا يعتزم أن يفعل ما بوسعه ليؤمن له ذلك. وأصبح لدي الآن هذا الإيمان."
أزعجها هذا السكون في الطرف الآخر." لوك؟ "
ربما قد طلبت رقماً خطأ. ربما لم يعد لوك يريدها، بعد كل هذا.

الشجرة الطيبة 27-07-09 09:14 PM

الفصل الحادي عشر
 
-" لوك؟ هل أنت معي؟ "
-" إنني معك."
كان يتنفس كأنما انتهي من سباق المارثون لتوه،
-" هل أنت متأكدة ياراش؟ "
-" أنا متأكدة يا لوك... هذا إن كنت لا تزال تريدني؟ "
-" أريدك؟ لقد جن عقلي في طلبك، وفي انتظارك حتى تقومي بهذه الخطوة."
-" هل كنت تعلم أني سأقوم بها؟ "
-" كنت أتمني يا عزيزتي."
وذابت سحابات عدم التصديق، غرقت في الحب الذي انفجر به صوت لوك.
-" أواه يا لوك إني أحبك . لقد أضعت وقتاً طويلاً. إني آسفة."
جرت الدموع علي وجهها فاختلطت بصوتها .
-" هل تبكين ثانية؟ "
-" نعم". وأومأت راشيل برأسها ثم أدركت أن لوك لا يستطيع أن يراها.
-" ولكنني أبكي فقط لأنني سعيدة.... سعيدة للغاية. أنا لا أدري لماذا تحبني..."
فقاطعها بإصرار:
-" كفاك يا راش ، إني رجل محظوظ للغاية."
-" إن كنت تري ذلك فإني أود سماع المزيد، لاحقاً."
ووصلته تلك الرنة الدافئة التي اختلطت بنبراتها السعيدة، فخفق قلب لوك جذلا. كان يتمني أن يملأ حياتها بالمزيد من أشعة الشمس الدافئة، فلا تعود لها أبداً تلك السحابات تكدرها.
-" إنني لأبيع الدنيا كلها، وأضمك بين ذراعي، في هذه اللحظة يا راش."
كان صوته يذوب حباً فغشيتها السعادة، وقالت له بنعومة:
-"وأنا أيضا."
-" أنا لست آسفاً علي اتصالك الآن _ بالقطع _ قد تخيرت فرصة فريدة كي تعرضي علي هذه الأنباء الرائعة. إني _ الآن _ لا أستطيع أن المسك، أن أري وجهك."
-" متى ستعود؟ "
أخذت راشيل تسأله.
-" هذا ليس بالظرف الذي كنت أتوق له لعرض الزواج. إني أريد أن أعرض عليك الزواج مني في الظروف إلي أتمناها منذ رأيتك...ضوء القمر، الورود وأنت بجواري."
-" سيكون لك ذلك."
كانت نبراتها يغلفها غشاء حريري من الحب الدافئ فبدت لذيذة نادرة الوجود.
-" سأعود هذا المساء."
-" سوف أتصل بدكتور سميث لأخبره أني لن أكون بتلك الطائرة."
وفجأة انتابها الخجل والحياء؛ قد تساعدها الكلمات،
-" ليتني علمت كل هذا مبكراً ... كنت وفرت علي نفسي وخزات تلك الحقن اللعينة. لسوف تسعد حنا بهذه الأنباء."
أخذ لوك يقول لها:
-" كل إنسان سوف يسعد بها، سوف أتصل الآن بالقس رفراند هانسون، لأسأله أن يعقد لنا قراننا بالمزرعة غداً."
-" غداً؟" وأخذت راشيل:
-" ألن يكون هذا في غاية السرعة؟"
فرد عليها لوك بحزم:
-" لا. لقد كنت صبوراً بما فيه الكفاية. لسوف أبدأ العام الجديد ومعي زوجتي. إلا إذا كنت لا تريدين أن...؟"
ولم تجد راشيل وقتاً للتصنع.
-" إني أريد هذا." كانت تقاطعه بجزم هي الأخرى، " بشدة."
-" لقد طلبت من الدكتور كنتون أن يعمل لي تحليلاً للدم منذ أسبوعين، كي ينفعني إن احتجت لاستصدار تصريح للزواج،"
وأخذ لوك يكمل لها، " تحسباً لأي تغير قد يجد في أحاسيسك، فقد استخرجت تلك الرخصة وتحدثت بالفعل إلي القس رفراند هانسون."
-" حسناً!!"
وهي التي كانت تقضي الليالي مسهدة، والساعات تمر بها بطيئة، تخاف أن تخرج بتلك الإجابة.
-" سيكون عليك أن تخبرني من أين أتتك تلك الثقة قي المحصلة النهائية."
-" كان هذا هو الشيء الوحيد الذي لم يكن بإمكاني أن أقدمه لك يا حبيبة قلبي."
منتديات ليلاس
وأخذت نبرات لوك تصبح جادة غاية الجدة.
-" ألا ترين؟ لكي ينجح زواجنا، كان عليك أن تتخذي قرارك بنفسك. لم يكن الأمر أبداً انتظاراً سهلاً مني لمحصلة نهائية ستأتي حتماً. لم يكن هذا الانتظار سهلاً أبداً. بجانب أنني في لحظة اعتقدت أن هذا التصرف النبيل الذي قمت بعمله قد يكلفني أن أفقدك نهائياً. كما أن حنا لم تكن لتؤازرني بالمرة، لتقديمها لي وجبة الجزر المسلوق كل يوم في وجبة العشاء، وبثرثرتها تلك عن ذوي القلوب الميتة إن وقعوا في الحب."
ضحكت راشيل وأخذت تتخيل فارسها الحبيب، الرائع، بملابسه الأنيقة ودرعه اللامع.
-" هناك الكثير مما يجب انجازه يجب أن أعين حنا وتريزا ليكون كل شيء معداً من أجل الغد. سيكون العمل كثيراً عليهما هذه الليلة."
-" إنك لن تقومي بعمل أي شيء، " قاطعها لوك بحزم. " سيكون غدا الزفاف في أحدي دور المناسبات في سانت بار برا، لها سمعة ممتازة في هذا المجال. سأتصل بهم من فوري. وسوف نأخذ معنا فقط حنا وبيتي وديفيد وعائلة رودريجز وجاسون . هل تتفقين معي علي ذلك؟"
وبعد أن سمع همساتها بالموافقة قال لها:
-" بعد ذلك، وعندما يعود أبي من رحلته البحرية، سنقوم بعمل حفلة كبيرة."
-" دعنا نصطحب موجو أيضا."
كانت تشعر أنها أصبحت أماً روحية له، تلك الأم الروحية التي تنشر عدلها علي صور متعددة هذه الأيام، فتملأ الأرض رحمة، وتملؤها عدلاً. ثم مالت أفكارها إلي منعطف آخر.
-" ولكن ليس لدي فستان زفاف لأرتديه. ربما أطلب من جاسون أن يصطحبني إلي سانت بار برا."
-" اهدئي بالاً،" ثم قال لوك:
-" إن حنا وتريزا قد أشارت أن يرتدي ثلاثتكم نفس ثوب الزفاف. لقد ارتدت كلتاهما ثوب زفاف أمي، وقد أشارتا أنك قد تحبين ارتداءه بدورك. لقد قامتا بتنظيفه بالفعل، وأخبرتاني أنهما تستطيعان ضبط مقاسه عليك في ظرف نصف ساعة."
-" بأمانة!"
كان صوتها يبدو ضعيفاً، لم تع حقيقة كل هذه الترتيبات، إنها لمحظوظة أن تعثر علي كل هؤلاء القوم الذين يهتمون بأمرها ويقومون برعايتها.
-" لسوف نأتي بكافة جهازك ولوازمك من ملابس وأدوات تجميل وخلافه بمجرد انتهاء شهر العسل."
-" وهل سنسافر حقاً لقضاء شهر عسل؟"
لم تكن لتفكر بمكان تقضي فيه الأسابيع الأولي لزواجها أفضل من دياموندبار.
-" نعم سنسافر"،كان لوك يتحدث بنبرته تلك الحازمة،
-" والمكان الذي سنسافر إليه سابقيه سراً عنك ولا أريد أن أسمع كلمة واحدة بشأن جوردي. سيمكث بيتي وباد بالمزرعة حتى نعود، وسيكون هو بخير. نحن بحاجة إلي هذا الوقت نمضيه منفردين كل بصاحبه."
قالت راشيل بخبث:
-" حاضر يا لوك."
فسألها متشككاً:
-" هل تسخرين مني؟"
-" من؟ أنا؟"
كانت راشيل تسأله ببراءة ماكرة
-"إني لا يمكن أن أفعل مثل هذا."
إنه بحاجة إلي ألقت الكافي كي تخبره بخططها بشأن تكوين عائلة كبيرة، مما سيكون شغلهم الشاغل لسنوات عديدة قادمة، إذ سيكون لجوردي عدد غير قليل من الأخوة والأخوات.
-" فلتقومي الآن بأخذ قسط كاف من الراحة، ولتنتظريني."
كان لوك يتحدث إليها ، وسعادته تطير إليها عبر الأسلاك، تأتيها واضحة جلية كما لو كان يقف الآن أمامها.
-" أنتظرك الآن؟ ولكن لماذا؟ "
كانت راشيل تسأل بلهفة. فأخذ خطيبها يشرح لها بالتفصيل لماذا.



* * *

الشجرة الطيبة 27-07-09 09:17 PM

عندما عاد، عثر عليها بغرفة المعيشة. تستعدلأحدى خططها الصغيرة. كان المصباح الوحيد
الذي أضاءته يغمر الحجرة ببريق وردي أخاذ.
حركة الكرسي الهزاز أخبرته أنها تجلس عليه.ألحان أغنية رقيقة تنساب إلي أذنيه وهو يقف من خلفها. لبث واقفاً مكانه ، تاركاً انسياب هذا اللحن إليه، داعياً آملاً أن يحتفظ بها دائماًغلي جواره، معه هنا في الدار.

منتديات ليلاس
مرت إنجيلا بجواره ، قالت شيئاً لراشيل، حملت منها جوردي إلي ذراعيها وهرعت به إلي خارج الحجرة، ثم أقفلت الباب من ورائها،وابتسامة سعادة تملأ وجهها.لا يوجد الآن مخلوق آخر معهما. كان كل من
بالدار يعلم ما يجب عليه فعله، كل منهم كان قد أخذ تعليمات خاصة بما يفعل وبما لا يفعل. وقفت
راشيل، استدارت لتري أين أخذوا جوردي بمثل هذه العجلة. رأته فتجمدت مكانها. انتظر لوك. هل غيرت رأيها ثانية؟
-" لوك."
كانت ابتسامتها لا تزال تحمل معاني عدم التصديق.
-" راش."
خرج صوته قوياً، لا يشبه ما بداخله، يخفي مخاوفه. جرت إليه، رمت بنفسها بين ذراعيه المفتوحتين
تنتظرانها، تتعلق به كأنما لن تسمح له بالابتعادعنها مرة أخري،
-" إني أحبك يا لوك."
كانت الثقة التي تملأ حبها، يشعر بها في لمساتها. في وجهها. تلمع من عيونها، فعلم أنها ستمنحه
نفسها، جسداً وعقلاً وروحاً.
-" وأنا أحبك ياحبيبة قلبي."
التقت شفتاهما، مع وعد عذب بالأبدية والخلود.وعلم لوك أنهما سيقضيان البقية الباقية من حياتهما، يحتفلان بهذا الحب.



تمت "

AZAHEER 04-09-09 05:34 AM

حلوة اوى الرواية دى

rana_rana 06-09-09 11:59 PM

بجد من احلى الروايات اللى قراتها مشكورة ويعطيك الف عافية

عمرو2004 26-09-09 07:10 AM

:dancingmonkeyff8:
الرواية هائلة مشكور

الشجرة الطيبة 05-10-09 01:33 PM

شكراً لمروركم

ammaddahir 05-10-09 09:30 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

المحروسه 08-10-09 06:45 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . جزاك الله الف خير بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

nemerhmde 08-10-09 06:50 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

hsh 13-10-09 10:44 AM

مشكووووووووووووورين

نونا المجنونه 15-02-10 04:23 PM

جامده اووووووووووووووووووووووي

انسى العالم 21-04-10 10:28 AM


يعطيك الف عافيه
ثانكسس......انسى العالم

Zezoo 11-05-10 09:04 AM

الله يسعدك

جاسم المهاجر 11-05-10 04:48 PM

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

NOGA33 20-06-10 09:32 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

lolita07 31-10-10 09:34 PM

كتييييييير حلوووة
بجد راااائعة الرواية

تسلم ايدك

Rehana 24-12-10 06:42 PM

يعطيك العافية ..طيوبة
على جهدك في كتابة الرواية

http://ruoitrau70.violet.vn/uploads/...in_-thanks.gif

ميكو1 27-12-10 08:55 PM

شكراااااااااااااااااا

قلب حائر 04-01-11 10:41 AM

رائعة جدا جدا شكرا

sarina3 08-01-11 01:58 PM

merci rewayat jamila

شاهد 18-01-11 07:40 AM

شكرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررا حلوة

wedad r 03-07-11 02:51 PM

من جد اكثر من رائعه شكرا لك

حنان محمد ابراهيم 22-12-11 12:27 AM

الرواية فى منتهى الروووووووووووعة شكرا لك

قلوب مرهفة 04-02-12 06:08 PM

شكرااا جزيلاا

درة احمد 18-04-12 05:59 PM

شكككررااااااااااااااااااا

اسيل فلسطين 12-09-16 04:09 PM

رد: الإيمان... الأمل , والحب ( روايات غادة المكتوبة )
 
بجد من احلى الروايات اللى قراتها مشكورة ويعطيك الف عافية

doda qr 04-05-17 08:06 PM

رد: الإيمان... الأمل , والحب ( روايات غادة المكتوبة )
 
جميله جدا شكرااا

ام منى مصطفى 23-07-17 05:49 AM

رد: الإيمان... الأمل , والحب ( روايات غادة المكتوبة )
 
راية جميلة وممتعة جدا شكرا

هتونا 24-12-21 02:57 AM

رد: 6- الإيمان... الأمل , والحب - جيتا كينجسلي ( روايات غادة المكتوبة )
 
روعة جدا أحلا تحية وتقدير وشكرا ودمتم في قلبي سكنة

هتونا 29-06-22 02:52 PM

رد: 6- الإيمان... الأمل , والحب - جيتا كينجسلي ( روايات غادة المكتوبة )
 
🤔صراحة توقعت خاتمة جدا في خيالي
احلا رواية بجد رؤعة احلا تحية واحلا شكر


الساعة الآن 05:13 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية