منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   طائر الظلام -كارول مورتير (https://www.liilas.com/vb3/t114970.html)

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:08 PM

طائر الظلام -كارول مورتير
 
طائر الظلام
روايات احلام



الملخص
http://soor.rghh.com/data/media/237/sunshinebar.gif


.. كأنها والعذاب علي موعد ... كأن الام الذكريات لم تعد تكفي فأتي اللقاء ليوقظ نيران السنين القديمه .

وكما كان اللقاء الاول ، عادت سيليا فالتقت حبيبها القديم في المستشفي ،
واكتشفت انه مازال سيد قلبها الوحيد رغم اصابته بالعمي .
لكن برودي بادجر الذي تخلي عنها منذ ست سنوات من اجل امرأه اخري
لم يعد يتذكرها وهو يرفضها الان بعنف
قائلا لها : لااريد شفقتك ، اخرجي من حياتي الي الابد .

اهانته اغرقت عيني سيليا بالدموع ،
لكن قلبها قرأ في ظلام عينيه لهفه وحنين فهل يمكن ان يخدعها قلبها ؟

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:18 PM

1-التقينا وسط الدموع
http://soor.rghh.com/data/media/237/lin86.gif
- مستعده سيليا ؟
تنهدت سيليا وهي تتوجه الي الباب لتسمح لليندا كنغ بالدخول . وليندا هذه فتاه صغيره جميله في السابعه عشره من عمرها ذهبيه الشعر .
قالت سيليا للفتاه العابسه :
- الاتفضلان انت وجون حقا الذهاب وحدكما ؟ يمكنني الخروج لاتبضع بعد الظهر .. هناك اشياء كثيره استطيع ..
ردت ليندا تصرف النظر عما تقول :
- لاتكوني سخيفه .. أهذا ثوبك ؟
قالت ذلك وهي تلتقط ثوب سباحه ملون تاركه الثوب الاسود الاخر علي السرير .. فردت سيليا :
- بل الاسود ..
قاطعتها الفتاه الصغري تهز أنفها :
- قديم الطراز ؛
ثم لفت البيكيني بالمنشفه ووضعتها تحت أبطها متنهده :
- ان جون كما تعلمين يشعر بالراحه عندما تكونين قربه .
عقدت سيليا جبينها حينما فكرت في مريضها ، وقد ظهر التفكير جليا في عينيها الخضراوين .. انها اكبر من الفتاه الاخري بسبع سنوات مع انها لاتشعر بهذا الفرق خاصه حينما تلقي عليها ليندا الاوامر بهذه الطريقه ؛
وماكان يبدو عليها الكبر كذلك وشعرها الذهبي الاحمر يلتف حول وجهها المفعم صبا وعزما وهي مرتديه القميص الاسود الضيق ، والتنوره الخضراء والسوداء المنسدله حول خصرها الرشيق الذي بانت منه ساقاها النحيلتان . قالت بصوت منخفض :
- لا استسيغ هذا الوضع فسأرحل بعد يومين . فقد تعافي وما عاد يحتاج الي الاعتماد علي .
ضحكت ليندا بثقه ثم قالت مازحه :
- انه لا يعتمد عليك .. بل هو معجب بك ، شاكر جميلك . ان معظم الممرضات يتمسكن بفرصه قضاء الظهيره بكسل قرب بركه السباحه ...
وهذا صحيح .. فقضاء الظهيره دون فعل شئ عدا التشمس والسباحه هو ماتحتاجه بالضبط .
مع ذلك كانت متردده في قبول الدعوه :
- لكن .. ألن تفضلي وجون ان تكونا معا منفردين ؟
كان افراد عائله هاملتون من الام والاب الي الشقيقه الصغري لطيفين معها في الفتره التي امضتها معهم كممرضه خاصه لجون بعد خروجه من المستشفي ، وذلك قبل ثلاثه اشهر اثر حادثه سياره خطيره . لكن ، لابد ان هناك حدود للطف ، والتطفل علي موعود جون مع صديقته الحبيبه ليندا هو الحد علي ما تعتقد .
ولكن ليندا لم تفكر هكذا .. فقد قالت :
- كيف نكون وحدنا وثمه ثلاثون شخصا اخر .
اتسعت عينا سيليا :
- وهل سيكون هناك هذا العدد ؟
- تقريبا .
- اذن .. ربما يجب ان اذهب . فهذه المره الاولي التي يكون فيها جون بين الناس .. ولا ادري كيف سيتصرف حين يرون عرجه .
- سيكون علي افضل حال .. حسنا .. لن يستطيع لعب كره القدم في المنتخب القومي وهو اصلا لا يلعب .. ان عرجا بسيطا كهذا لن يؤثر في دراسه الهندسه المعماريه :
ردت سيليا ممازحه :
- ولن يؤثر فيك .
كانت تعلم ان الشابين سيعلنان خطوبتهما في عيد ميلاد ليندا الثامن عشر . ضحكت الفتاه :
- هذا مالايحتاج تعليق .
ضحكت سيليا ايضا :
- يالتواضعك؛
ثم تبعت ليندا الي السياره حيث كان جون يجلس بنفاذ الصبر منتظرا .
قال متأوها حين انطلق بالسياره الريفيه :
- كنت سأرسل فرقه للبحث عنكما . لن افهم ابدا كيف تجد النساء هذه الاحاديث التي تطول وتطول . تري عما يتحدثن ؟
ردت ليندا :
- عن الرجال حبيبي .
رد متصنعا الغيره :
- لعلك تعنين بكلامك هذا صيغه المفرد ؟
ردت بتكبر :
- لن ارضي غرورك ؛
جلست سيليا تنصت الي مزاحهما الخالي من الهم ، تبتسم لنفسها ... ستفتقد افراد هذه العائله واحدا واحدا ابتداء من كارين الساهمه ابدا الي جاك الممازح الدائم فالوسيم جون فالواثقه من نفسها ليندا وانتهاء بايزابيل الخجوله . كانت الثلاثه اشهر التي امضتها مع هذه العائله في منزلهم الكبير اطول مده تقضيها في تقارب مع اي كان ... ان افتقارها الي علاقه حميمه مع ذويها جعلها تقدر هذه العائله المحبه المحبوبه حق قدرها .
ولكن سرعان ما سينتهي هذا فخمسه ايام وترحل للاعتناء بمريض اخر : امرأه عجوز وقعت وكسرت ساقها ، او مريض اخر يحتاج الي عنايه خاصه ... ان التورط عاطفيا مصدر خطرفي مهنتها لم تستطع قط التغلب عليه .. وتشك في قدرتها علي التغلب عليه ابدا .
حين وصلوا الي منزل ال ريتشاردز كان في بركه السباحه عده مراهقين يهرجون ويمرحون ، وسرعان ما انخرطت سيليا مع هذه المجموعه الضحاكه رغم فارق العمر بينها وبين معظمهم .
شعرت بالسعاده لان جون لم يظهر اي ارتباك في ارتداء ثوب السباحه مع ان جرح ساقيه مازال يظهر للعيان بشكل سئ ، والعرج واضح علي احداهما ...ولكنه شاب قادر علي التكيف نفسيا ، فقد تعاطي مع عجزه عن الحركه في شهره الاول بهدوء وتقبل ، وان كان جزع احيانا حين كان يشك في قدرته علي السير ثانيه ... ولكن تقدمه الرائع من العجز الكاملالي السير دون مساعده احد كان سريعا بالنسبه الي سواء اصابته ... وهو الان يتعامل مع عرجهبنضوج كبير.
قطع صوت انثوي شاب علي سيليا افكارها :
- اترغبين في استعاره مرطب يحمي بشرتك من الشمس ؟
كانت سيليا بدأت تشعر فعلا بالشمس تحرق بشرتها الناعمه ، فجلست مبتسمه ترفع نظارتها الي مقدمه شعرها الاحمر .
- شكرا .
- سيليا ؛
نظرت سيليا بفضول الي الفتاه الشابه الجالسه علي الكرسي الطويل القابع جانبا .. لم تكن تبدو مألوفه لها .. شعرها الاسود الطويل معقود الي الخلف كذيل حصان ، وجهها صغير وجميل وعيناها المتسعتان دهشه رماديتان .. عينان رماديتان ؟
سرعان ما تعالي اهتمام سيليا وهي تمعن النظر في وجه الفتاه . فالذقن عنيد والفم شديد العزم ، ام هاتان العينان الرماديتان فأليفتان .
- كارول ... ؟
صاحت الفتاه بأثاره :
- اجل ... كيف حالك ؟ تبدين بصحه وعافيه .. ماذا تفعلين هذه الايام ؟ اوه .. جئت بصحبه جون ، مما يعني انك الممرضه التي يتحدث عنها بفخر .. هل قلت شيئا مضحكا ؟
كان ثغر سيليا قد أفتر عن ابتسامه ازدادت اتساعا وهي تسمع سؤال الفتاه :
- حسنا .. حتي الان اجبت عن جميع الاسئله .
لولا ضحكتها هذه لبكت ؛ كانت تظن ان عائله بادجر قد خرجت من حياتها ، فاذا رؤيه كارول ثانيه بعد هذا الزمن كله تذهلها وتفاجئها .
ابتسمت كارول ايضا :
- اسفه .. ولكنني فوجئت بك .
وهذا دون ريب اغرب تصريح سمعته هذا السنه .
- كيف كانت احوالك ؟ سألت سيليا
هزت الفتاه رأسها : بخير
- ووالدك ؟
نظرت كارول بلهفه الي التعبير الكليل علي وجه سيليا واجلبت :
-انه بخير ايضا ..يعمل جاهدا بدا التصلب علي وجه سيليا وهي تشيح صوره برودي عن رأسها :
- طالما عمل جاهدا .
لن تسمح لهذه الصدمه ان تربك تناغم حيانتها ..
وتناهي اليها صوت كارول سائلا : ألم تريه منذ ..
فقاطعتها بحده :
- لا .. لا . ذكرت شيئا عن مرطب للبشره ..
- اوه .. بالطبع . الا ترغبين في الحديث عن اي شئ ؟
لم ترفع سيليا بصرها عن المرطب الذي كانت تضع منه قطرات علي بشرتها ..
- وهل هناك ما يقال ؟
كانت تعرف انها تتوق الي معرفه اي شئ عن برودي ، ومن المؤكد ان ابنته تعرف الكثير ...
- كنت افكر انني لم اتوقع انفصالكما هكذا ، كنتما ...حسنا .. كان معجبا بك حقا ..
- انا واثقه من هذا ... لكن كانت هناك امك وكنت انت .
ابتسمت كارول :
اوه .. اجل .. امي .
دهشت سيليا من ردها فعبست :
- لم تشعري يوما بهذا الشعور تجاهها .
هزت الفتاه كتفيها :
- - الناس يتغيرون . كان هذا منذ ست سنوات .. يوم ذاك كنت في الثانيه عشره ، طفله حقا .
ولكن تلك الطفله هي من ساعدت علي توسيع الشق بينها وبين برودي .. كانت كارول ترفض اي انثي في حياه ابيها عدا امها .. مما جعل علاقه سيليا مع برودي مستحيله .. وكان ذلك قبل عوده دونا ؛
اضافت سيليا بضعف :
- لم اكن افهم الموقف حينذاك .
- بالطبع ما فهمته ولا اظنني انا ايضا ، فقد كنت في الثامنه عشره يومذاك .
- لكنك احببت ابي ؛
- ربما ظننت هذا ...
- بل احببته .
- ربما لفتره ما . ولكن رجلا مثل ابيك لن يتورط مع فتاه في الثامنه عشر ، علي اي حال ... فقد كان كبير الجراحين حينذاك .
هزت كارول رأسها :
- ومازال ، انما في مستشفي اكبر حجما .
لاشك في هذا .. وهو الان في التاسعه والثلاثين ، مازال يرتقي درجات المجد في مهنته .. وكأنه خلق من اجله .
- وماذا عن امك كيف حالها ؟
انتفضت كارول :
- امي ؟ ولكن ألم تعرفي ؟
- اعرف ماذا ؟
- امي ماتت منذ ثلاث سنوات .
- لم ... لم يكن لدي فكره .. اسفه .
دونا بادجر ميته منذ ثلاث سنوات ، وهي لا تعرف ذلك وهذا يعني ان برودي يعيش وحيد منذ ذاك الوقت .. ام تراها مخطئه في ظنها هذا ؟ برودي ليس ممن يؤثر الوحده طويلا ... الم يلتقيا اثناء فتره انفصاله المؤقت عن زوجته ؟ أولم يتخل عنها حالما حالما قررت دونا العوده ؟ انها واثقه من وجود امرأه في حياته .
- هل ن-تزوج والدك ثانيه ؟
- تزوج بعمله وسيبقي علي زواجه به دائما .
وقفت سيليا بحده :
- اجل .. اظنني سأتوجه للسباحه .. وداعا ...
عدت الي حافه البركه فنادت كارول :
- اوه .. ولكن ..
لم تنتظر سماع المزيد بل رمت نفسها في المياه الزرقاء الصافيه مرحبه ببرودتها مجتازه البركه عده مرات قبل ان ترفع رأسها .. كانت كارول قد تركت مكانها ووقفت تصغي دون اهتمام الي شاب كان يحادثها من طرف البركه الاخر . فسحبت سيليا نفسها الي حافه البركه قبل ان تسرع الي غرفه الملابس تجنبا لمحادثه ثانيه مع كارول .
التقت بليندا خارج غرفه الملابس:
- اه .. انت مستعده للرحيل .. لعلك لا تمانعين فجون اخذ حاجته من الحركه اليوم .
انصب اهتمام سيليا علي مريضها :
- كان يجب ان افكر في هذا ...
- بالطبع لست مضطره .. انه راشد نفسه .. ويجب ان يعرف متي عليه الذهاب ، وقد ادرك لحسن الحظ ذلك . اذا اردت البقاء اجد من يقلك حتي ...
- لا .. انا مستعده للذهاب .. فالشمس مرهقه .
- طبعا .. هل حاول احد اصدقائنا ازعاجك ؟ هناك بعض الشبان ...
- لا ..لا .. ليس الامر كما تتصورين . انه التعب ليس الا ...
- تبدين .. منزعجه من شئ ما ؟
اهي شفافه الي هذه الغايه ؟
ظنت انها قد بنت قوقعه واقيه حول نفسها ، ولكن محادثه قصيره مع كارول بادجر شتت افكاركها وارهقت اعصابها :
- انه التعب .
ثم تبعت الفتاه الاخري الي السياره .
اثناء الطريق نظر جون في المرأه من الخلف فسأل عابسا :
- انت بخير ؟
ردت ليندا :
- انها متعبه .
- لكنك كنت مستريحه حينما القيت عليك نظره وانت قرب البركه . تحدثت الي كارول فتره وجيزه .
رطبت سيليا شفتيها ، وسألت بصوت عادي .. عادي جدا :
- لم تزركم في منزلكم اثناء مرضك ..اليس كذلك ؟
- بل زارتني مره وذلك في يوم اجازتك .
ردت مازحه :
- اوه .. ذلك اليوم الفريد؛
ضحك لها : وقحه .
ردت ليندا :
- لم تبتعد عنك الا اياما قليله .
- ولكنها تمتعت بكل دقيقه قضتها معي .
ردت سيليا بحراره :
- اجل .. لقد تمتعت كثيرا .
ضحكت ليندا :
- لا تقولي هذا له .. والا اصابه الغرور .
تأوه:
- وانا حسبتك مغرمه بي .
ردت ليندا ببرود :
- احبك .. احيانا .
- شكرا
ضحكت سيليا :
- اظنك جلبت ذلك علي نفسك .
اه كم ستشتاق الي افراد هذه العائله المتكاتفه ولكنها اختارت مهنتها ، وتمتعت بها ، واذا كانت تحس احيانا بالوحده فهذه غلطتها .. فعروض الصداقه من الشبان كانت موجوده منذ سنوات طويلة . ولكن ما من رجل كان يقاس ببرودي .
برودي .. ألن تتخلص من التفكير فيه يوما ؟ يبدو أن هذا مستحيل ، فقد سمعت جون يذكر كمارول أمام أبيه .
-
- لقد عادت كارول من فرنسا .
سأله جاك :
- وماذا عن برودي ؟
- لقد عاد علي ما اظن ومعه جده كارول .
كريستبال .. كريستبال اير انها حماه برودي التي استقبلتها سيليا استقبالا باردا يوما .
سألت كارين : - اليستقر ام ليزور المنطقه فحسب ؟
رد ابنها :
- ليستقر .
رددت كارين بصوت منخفض :
- مسكين برودي ..لا اظن ان المجدي بقاء كريستبال في فرنسا بعد وفاه زوجها .
كريستبال اير ارمله الان .. ولكن سيليا لم تستطع تصور ان هذه المرأه المتكبره المتعاليه حزينه مصدومه بخسارتها ... لا هذا الدور لا يناسب هذه المرأه ابدا .
وجهت كارين حديثها الي سيليا مبتسمه :
- اسفه سيليا .. فمن الفظاظه التحدث امامك عن اناس لا تعرفينهم .
قالت ليندا :
لقد التقت كارول اليوم .
سألتها كارين :
- صحيح عزيزتي ؟ انها فتاه لطيفه .. اليس كذلك ؟
- هذا ما بدا لي .. ارجو عفوكم لدي تقارير اقرأها قبل الالتحاق بعملي المقبل .
هزت كارين رأسها متفهمه :
- طبعا عزيزتي .
وقفت سيليا قرب جون قليلا :
هل ستكون علي ما يرام ؟
ضحك :
- لماذا ؟ هل ستأتين فيما بعد لتدثريني ؟
صاحت صديقته مهدده :
- عليها الا تفعل .
رد ساخرا :
- ولم لا ؟ ألم تكن تقوم بذلك في الاشهر الماضيه .
نظرت ليندا اليها بفزع :
- سيليا ...
- انه يمزح .. كنت أسعاده علي الجلوس في السرير لا علي تدثيره ؛
تركت الغرفه وهي تسمع الدعابات والتعليقات الساخره الموجهه الي جون .. لقد نسوا علي الاقل موضوع كارول وبرودي ...
ولكنها لم تنس .. فالذكريات جميعها اندفعت اليها اندفاعا مع كل حبها وخيبه أملها والمها ...
كانت مهمتها الاولي هذه تقوم علي رعايه اطفالكانو معظمهم يعانون من امراض شديده الوطأه ولكنها رغم ذلك امضت وقتا ممتعا ولم يؤثر الموت فيها كثيرا .
اما مهمتها الثانيه فكانت شيئا مختلفا ...فقد كان عليها رعايه الاناث ابتداء من عمر الثانيه عشر . ولكن الصغيرات سرعان ما كنا يشفين اما العجائز فلم يكن شفاؤهن سهلا دائما.
تعلقت خلال هذه المده بالسيده دفيسون وهي امراه في السبعينات من عمرها .. كانت تقضي معها يوميا عده دقائق تختلسها من اوقات عملها الدؤوب لتصغي اليها وهي تتحدث عن زوجها بارني واولادها السته واحفادها العشرين واحفاد احفادها الاربعه .
كانت سيليا تحب هذه العجوز وتجد عندها الود والحب مالم تجده عند والديها .
في الواقع شاهدت سيليا بروي للمره الاولي في غرفه السيده ديفسون وذلك حين كانت تتحدث العجوز عن زياره زوجها المرتقبه وهي زياره احي علي قلبها من اي شئ اخر .. يومذاك نظرت جوانا الي الخاتم الذهبي والذي اصبح رقيقا بفعل الزمن وقالت بفخر :
- لم يخرج من يدي منذ وضعه بارني هنا .
وجدت سيليا ان الحب الذي مازال في قلب العجوزين
بعد خمسين سنه من الزواج رائعا . فخلال اوقات الزياره كان الزوج يمسك يد زوجته وكأنهما مراهقان ولم يبد عليهما يوم الغضب او الخصام .
تناهي اليها صوت رئيسه العنبر الاخت ان :
- الستائر ايتها الممرضه .
شعرت بالذنب فارتدت مسرعه ولكنها اصطدمت بالواقف وراءها مباشره ، فتمتمت معتذره ترفع عينيها المرتجفتين الي عينين رماديتين باردتين ، ليس فيهما اشفاق من الحرج الذي وقعت فيه.
تراجعت بسرعه فانضمت الي الممرضات اللواتي دخلن غرفه العياده مع احد الاطباء.
وقالت باني دوغلاس هامسه :
- اري انهم احضروا الرجل الكبير .
سألت سيليا بصوت هامس ايضا :
- من هو ؟
- برودي بادجر .. أليس ساحرا ؟
كان وسيما فعلا كما قيل عنه تماما . فالقال والقيل عن السيد بادجر الجذاب لم ينقطع يوما .. وهاهي تري ان التقولات لا تفيه حقه فهو اكثر من وسيم بل ان وسامته مدمره ... كان طويلا رمادي العينين ذا انف طويل مستقيم ، وفم صارم يعلو فك مربع الزاويه . وهو اشبه بمستشار منه بطبيب ، وكان يرتدي الزي الابيض المعتاد فوق بزه دكناء مؤلفه من ثلاث قطع تنسجم كل الانسجام مع جسده القوي الرشيق.
وهو الي ذلك يخطف الانفاس ، وقد ابدت السيده ديفسون اعجابها بطبيبها الشاب الوسيم .. مع ان برودي بادجر كان في بدايه الثلاثين وهو عمر صغير بالنسبة للعجوز أما بالنسبة لسيليا فهو عمر النضوج .
بعد ذلك اللقاء الاولي شاهدته سيليا عده مرات في المستشفي وذلك مع مستشارين اطباء . بدا لها رجلا منعزلا جعلته عزلته هدفا رئيسيا للشائعات ... مع ان العزله نفسها جعلت منالصعب علي احد معرفه الكثير عنه . وكانت سيليا تتوق الي معرفه المزيد عنه خاصه وانها بدأت تعاني من شغفها الاول برجل اكبر منها سنا .

بعد اسبوعين من لقائهما الاول ، تحدث اليها برودي يوما ... وليته لم يكلمها .
كانت السيده دفيسون تتطلع بلهفه الي باب العنبر المفتوح خلال ساعات الزياره حين دخل برودي بادجر منه فدنا من العجوز ووقف علي مقربه منها يشد الستائر حول السرير بنفسه ثم ظهر بعد عشر دقائق متجهم الوجه .
نادي سيليا التي كانت تجوب العنبر بقلق : ايتها الممرضه .. فنظرت اليه بعينيها الخضراوين .
- نعم؟ سيدي
- ابقي مع السيده دفيسون عده دقائق . فلا اريد ان تبقي وحيده ... احدي بناتها ستحضر حالا .
ذعرت:
- اوه .. طبعا .. ماذا ..
- لقد مات زوجها .
لم تنتظر سيليا سماع المزيد ، واسرعت تصرخ صرخه الم مكتومه .. كان النور قد اختفي من عين السيده العجوز التي كان كل ما فعلته الامساك بيد سيليا وكأنها لا تريد تركها والغريب انها لم تكن تبكي .
وبدا ان الوقت توقف جامدا بعد هذا .. كان يمر دون ان تحس اي منهما به .. لم يكن هناك حديث بل صمت كانت تستمد منه العجوز ومن وجود سيليا الي جانبها بعض الراحه . فجأه تمتمتالسيده دفيسون بصوت منخفض :
- كنا نقول اننا نريد الرحيل معا .
- سيده دفيسون ...
قاطعتها العجوز بحزن :
- لن احيا دون بارني .. يوما ما ستفهمين ما اعني . احببته طوال حياتي لذا لن اعيش بدونه .
- سيده ديفسون يجب الا تتحدثي هكذا ...
- انسه هالام .
رفعت سيليا رأسها فرأت برودي بادجر واقفا خارجالستائر المسدله حول الفراش ، فحررت يدها بلطف من يد العجوز ودنت منه تسأل بصوت منخفض :
- نعم سيدي ؟
- كيف حالها ؟
انه سؤال غريب يطرحه مستشار علي ممرضه صغيره . رطبت شفتيها بتوتر :
- انها مصدومه كثيرا .. سيدي . ولكنها بدأت تستعيد وعيها .. وتتحدثعن رغبتها في الموت .
- يالهي اسف انسه هالام . سأدخل لا اتحدث اليها بضع دقائق .. لقد تأخر اولادها .. فقد كانت صدمه لهم ايضا . ولكن الاخت ان قالت انك علي علاقه حميمه مع السيده دفيسون .
تعال الدم الي وجهها :
- اجل .. احب ان اعتقد هذا .
- اذن سأقدر جلوسك معها حين ارحل .
- اجل .. دكت .. او اسفه .. سيدي طبعا .
لم تتردد مع انهما كلاهما يعرف ان مهمتها انتهت منذ ساعات ... ام تراه لا يعرف ذلك ؟ ولكن الامر لا يهم علي ايه حال فهي لن تترك العجوز.
- اعدي لك فنجان شاي أو ما تأكلينه في الوقت الذي اكون فيه مع السيده دفيسون .. امامك عشر دقائق .
كان من حسن حظها ان الاخت ان اعدت لها وجبه ساخنه مع كوب شاي . وقالت لها :
- كان عليك الذهاب منذ ساعات . ولكن السيد بادجر اصر علي ان تلازمي السيده العجوز ... وانا اوافقه الراي في مثل هذه الظروف .
خرج المستشار من العنبر بعد عشر دقائق بالظبط غارقا في افكاره ، أما سيليا فأسرعت تتجاوزه قاصده العجوز التي تنهدت قائله :
- انه شاب لطيف . ولكنه لا يفهم الحب الذي بيني وبين بارني .
- أهو متزوج ؟ ...
- لقد قيل لي انه انفصل عن زوجته .. أنتم الشبان في هذه الايام لا تبالون كثيرا بقسم الزواج .
- انا لست متزوجه سيده دفيسون .
هزت المرأءه رأسها :
- ستتزوجين .. وسيكون زوجك رجلا محظوظا . انت طفله جميله سيليا ، فانتظري الرجل المناسب .. كما فعلت انا .
بعد وقت قصير نامت العجوز ولكن سيليا لازمتها ... كان الظلام قد هبط منذ ساعات حين اطل عليها برودي بادجر مجددا .
ولانها تعرف كثره الاعمال الملقاه علي عاتقه تأثرت وهي تري منهالاهتمام المنصب علي مريضته .
سحبت سيليا أصابعها من اصابع المرأه وخرجت لتكلمه :
- كيف حالها ؟
- نائمه .. اين عائلتها ؟
رد عابسا :
- ابنتها التي كانت ستأتي لتجلس معها انهارت امام مدخل المستشفي فأدخلت الي قسم الطواري .. وقد جئت الان لا اعين الام قبل السماح لا ابنتها برؤيتها .
ثم دخل متفقدا مريضته .
خرج بعد عده دقائق ، ويده علي صدغه قائلا بأيجاز :
- بامكانك الذهاب انسه هالام .. ماعدا أمامنا ما نفعله هنا .
دفعته سيليا غير عابئه بمن هو تنصب نظراتها المذعوره علي جسد السيده الجامد ، وقالت تجهش بالدموع :
- انا .. انت .. انها لم تمت .. لا يمكن .
امتدت يده لتعينها فقد ترنحت بشده حتي كادت تقع ارضا ..
- لقد ماتت.. منذ ساعه . تبدو وكأنها توقفت عن التنفس .
- لا
- انسه هالام ...
انتزعت نفسها من ذراعيه .
- دعني وشأني .
وراحت تعدو ودموعها تنساب دونما رادع .
خرجت من المبني الي الحدائق . تشق طريقها متعثره .. دون ان تعي ان احد يتبعها حتي اوقفتها ذراعان قويتان اداراتها فوجدت وجهها وقد دفن في صدر قوي .


تمتم برودي :
- تمت أسف.
وتركها تبكي عدة دقائق على قميصه الناصع البياض الذي تتصاعد منه عطر ما بعد الحلاقه . ثم هزها بلطف حينما عجزت عن إيقاف الدموع:
- كفى .. سليا.
رفعت وجهاا الطافح دمع إليه:
- هذا ليس عدلاً .. كانت .. لطيفه
أخرج منديلاً أبيض وبدأ يجفف به دموعها ويقول بلطف
- ؟أنت لا تنظرين إلى الأمر من وجهة نظرها .
- لا أفهم ...
أنها مع زوجها الأن, وهذا ما كانت ترغب به .
- أتصدق هذا فعلاٍ ؟
هز رأسه:
- طبعاً.. ليس الوقت وقت بكاء, فلم تكن ستشفى ثانيه سيليا .. فعلنا كل ما بوسعنا لها.. ولكن ما فعلناه لم يجدي .
عضَّت شفتيها :
- ورغم ذلك لا يبدو لي عدلاً.
أعطاها منديله:
الحياة نادراً ما تكون عادلة .. أنفخي أنفك . ستشعرين بتحسن.
- لديّ.. لديّ منديل
بعد مرور الصدمه الاولى أحست بأن هذا الوضع غير طبيعي ,
فيجب ألا يعرف برودي بادجر بوجودها أصلاً .. فما بالك بمواساتها هكذا!
- أنا .. أسفة . لم أقصد البكاء على قميصك!
-هذا لأنك لم تكوني قريبه من الموت هكذا من قبل.
كان صوته خشناً وهو يرفع كتفيه المرهقتين:
- صدقيني إن الأمر ليس سهلاً أبداً .
انتفضت سيليا وهي تنظر إليه بدهشة.. كان شاحباً جداً.. حول فمه توتر وعلى تعابير وجهه التهجم .قالت:
آسفه.... لم أكن أعرف.
-نادراً ما يعرف الناس أن للأطباء مشاعر !
لم يخطر ببالها البتة أن هذا الرجل الصلب قد يؤصر فيه الموت كما أثَّر فيها هي .
- أنا آسفة حقاً.
-ولكنك لم تقتنعي .. أليس كذلك؟
-أقتنع ؟
-إنني أشعر كما يشعر سائر الناس...
- أوه . . أنا .. ولكنني . . .
انقطعت كلماتها حين انحنى وجههه إليها . . برودي بادجر يعانقها إنها لا تصدق ذلك . ولكن كيف تنكر وجود هاتين الذراعين اللتين تحتويانها برقه . . عندما رفع وجهه لينظر إليها شهقت باستغراب:
- سيد بادحر.
- هل صدمت؟
تضرَّج وجهها حياء:
-حسناً .. لن اتمادى حتى أقول هذا.
ارتفع الحاجبان الأسودان فوق العينين الرماديتين:
- ألن تقولي هذا؟
-لا .
لقد أعجبتها طريقة عناقه, ولاكنها لاتصدق بل دهشت . . تعم الدهشهة أفضل كلمه لوصف ما أحست به .. فبرودي بادجر رجل خبير بالعواطف , وقد عانقها بنعومه جعلت قلبها يتوقف عن الخفقان ولكن ذلك لم يمنعها من الاستجابه له عفوياً.

-ولكنني أقول هذا لأن لدي إبنه تصغرك بست سنوات .
- ولدي أب يكبرك بخمسة عشرة سنة . لذا رجاء لا تظهر نفسك بمظهر الأب لي.
أضاء المرح حول عينيه , وقال:
- هذا يضني بحزم عند حدي . . شكراً سيليا .. أظنني بحاجه إلى من يذكرني أنني في الثالثة والثلاثين . والآن اذهبي , على أن تصدقي أن السيده دفيدسون هي الآن حيث كانت ترغب أن تكون مع زوجها

ردت سيليا دون وعي التحيات التي تلقتها وهي في طريقها إلى غرفتها .. كانت ما تزال حزينه على صاحبة الوجه البشوش والقلب العطوف , وقد انساها حزنها ذاك العناق الغير متوقع .

كان في ذاك الوقت قد بقي أنانها يوم واحد من العمل حتى تأخذ عطلتها التي ستمتد إلى أربعة ايام , وهي فترة تتيح لها الراحة . لكن اليوم المتبقي بدا لها طويلاً مملاً وخاصة ولأن السرير الفارغ وسط الغرفة يذكرها بشكل دؤوب بموت اليدة العجوز التي أتت ابتها لتجمع حاجيات امها , وهي في حالة حزن شديد على واللديها اللذين فقدتهما في يوم واحد.

كانت عطله سيليا مريحه بعد المحنه التي مرت بها .. مع انها كالعاده امضت الايام مع الممرضات لانها نادرا ما تقوم بزياره والديها .
في اليوم الثالث حضرت جنازه الزوجين دفيسون المشتركه احتراما لهما واضهارا لحبها .
لم ترتد الاسود لانها ليست فردا من العائله .. ولكنها عقدت شعرها الطويل بشريط اسود عقصته علي مؤخره رأسها .
كانت تقف خارج المستشفي تنتظر الباص للتوجه حيث تقام الجنازه حين سمعت احداهما يقول :
- أتودين ان اقلك سيليا ؟ عبست في وجه سائق السياره الفخمه :
- سيد بادجر .
مد يده ففتح الباب :
- اصعدي
-ولكن ..
- انا متوجه للمشاركه في العزاء . رجاء اصعدي قبل ان يزدحم السير .
صعدت الي الرولز رويس الحمراء التي كان هدير محركها لا يكاد يسمع .
فجأه كسر برودي بادجر الصمت المتوتر بينهما :
- تبدين مختلف دون بزه التمريض الرسميه .
- شكرا لك .. اظن هذا .
رأته للمره الاولي مبتسما ابتسامته اظهرت غمازتيه العميقتين واسنانه الشديده البياض امام بشرته السمراء كما اظهرت عينيه الرماديتين الدافئتين .
- قد تعتبرين قولي اطراء .. لكني اري ان الزي الرسمي رائع عليك .
توردت خجلا .. لم تكن منذ ثلاثه ايام قد شاهدته الا قليلا وكانت كلما لمحته تشعر بالحرج بسبب ما جري بينهما .
قال لها بعدما طال صمتها :
- نحن نقصد جنازه سيليا لا منزلي .
- اجل .. سيدي .
- اسمي برودي .
لا يمكن ان تكون علاقتها مع هذا الرجل المتسلط غير رسميه فبقيت صامته حتي اوقف السياره امام الكنيسه .
تفرس في وجهها الشاحب وهو يساعدها علي الخروج قال لها بصوت منخفض :
- لاباس عليكي سيليا . سأكون الي جانبك .. اذا اردت الخروج قولي لي وسنخرج حالا .
كانت مراسم الجنازه هادئه ومؤثره تأثيرا جعل الدموع تتدفق من عينها . حينما انسابت الدموع حاره وجدت منديلا ابيض امام عينيها ، فأخذته شاكره .. وسمعته يتمتم :
- ستصبح هذه عاده .. احتفظي به فقد تحتاجينه ...
وامسك ذراعها ليتوجها لتقديم التعازي وعندما تلقيا دعوه من الابنه الكبري للذهاب مع العائله رفض بأدب قائلا :
- اخشي ان اكون مظطرا وسيليا للعوده الان .
ابتسمت المراءه بوهن :
- اعرف انكما مشغولان .. ونحن شاكرون مؤساتكما لنا .
وكأنهما زوجان حقاً ! فما من أحد رأى في وجودهما معاً ما يدعو للغرابة ولكن الأمر غريب فعلاً وهي لا تكاد تصدقه . . فالأطباء المستشارون الكبار، لا يبدون مثل هذا الإهتمام بمن هم أصغر منهم سناً ورتبه . ولكن كيف لا تصدق ذلك ورائحة العطر الرجولي العابق في المنديل يؤكد لها أن ذلك أمر حقيقي.
-أثناء الطريق اقترح عليها :
- أتودين شري شاي ؟
-- .. لا . . شكراً لك . . علي العوده
- - ولماذا عليك العوده ؟ أليس اليوم يوم عطلتك ؟ أم لديك موعد آخر؟
- - وكيف عرفت أن اليوم عطلتي ؟
- ردًَّ ساخراً:
- - ألست هنا معي ؟
- جعلها غباؤها تتضرج خجلاً ولكن ذلك لم يمنعا من الرغبة في مشاطرته فنانجاً من الشاي أو معرفة الأسباب التي تدفعه إلة فسخ زواجه . إنما هل استطيع الاستفسار ؟ لا . . ذلك مستحيل . وهل تسنظيع قبول دعوته ؟ وقالت كاذبة ؟
- لدي موعد فعلاً . ربما في وقت آخر
- حسناً . . كما تشائين ، في وقت آخر
حين وصلت إلى غرفتها في مسكن الممرضات ، تذكرت أن منديله ما يزال معها . . وعليها الآن غسله وكويه . . ولكن لو كانت صادقه مع نفسها لاعترفت بانها مسروره بهذه الحجه التي ستتيح لها التحدث إليه من جديد .

أتتها هذه الفرصة في اليوم الأول بعد العطلة . وكان يومذاك برودي يقوم بجولته المعتادة مع ستة من تلاميذ الطب الملهوفين لسماع كلمة منه ، وكانت الأخت آن تتقدم بين يديه لتزوده ببطاقة المعلومات عن كل مريض حينما يحتاج إلى ذلك . وكان هو أول من غادرمكتب الأخت آن بعد الجولة فانتهزت سيليا الفرصة :
-سيد بادجر !
تناوله منها دون كلمة ، ثم وضعها في جيبه . .
-قالت له "شكراً " ويدها تلمس كمّ سترته . فنظر إلى يدها القابعة على كمه ، ثم نقل بصره إليها ببرود .
- أجل هل تسمحين الآن ؟
أخذت صده على ما هو عليه تماماً . . وأقسمت على عدم إزعاجه ثانية . فقد اتضح لها أنه ندم على صداقته التي أقامها معها يوم أمس لذلك لم تذكره بها أبداً .

ذلك المساء تلقت مخابرة ، كانت خطواتها بطيئه وهي تقصد غرفة الهاتف المشتركة لأنها تعرف من المتصل ، فهي أمها التي ستتجادل معا لأنها لا تزورهم إلا قليلاً. وضعت السماعة على أذنها :
-آلو . .
الصوت الذي رد عليها كان صوت رجل بكل تأكيد :
-سيليا ؟
علَت وجهها تقطيبة حائرة ، فليس المتصل والدها .
_نعم .
-أريد رؤيتك . . يجب أن أراك.
- من المتكلم؟
تمتم لنفسه :
- يا إلهي ! لقد جننت دون شك . . يؤسفني إزعاجك . . . أنا
فجأة عرفته :
-برودي أهذا أنت ؟
-أجل . . لقد واجهت مشكلة منذ برهة مع كارل . . .
-كارول؟
-ابنتي . . لا يهم . . ما كان يجد أن أتصل بك . أنا آسف لأنني أزعجتك .
ردت بالطف :
-أتريد التحدث عن الأمر ؟
ران صمت طويل قبل أن يتنهد
:
-أجل . يجد أن أتحدث إلى أحد . ولكنني أجد صعوبة في التحدث عنه هاتفياً . . . ولكنني لا أستطيع ترك كارول لأن مدبرة المنزل في إجازة.
- أين تقطن ؟
- أين . . ؟ سيليا . . . هل تقصدين أنك قادمه إلى منزلي ؟
-إن شئت ذلك .
-سيليا أمتأكدة من رغبتك في المجئ ؟
ردت بسرعة :
- كل التأكيد . . . ما هو العنوان ؟
لم يتردد ثانية ولا هي ترددت . إردت سترة خفيفة فوق قميصها الموضوع تحت الجينز المشدود على خصر نحيل ضيق . حين أعطته العنوان رفع سائق التاكسي حاجبيه وطلب أجراً مرتفعاً ،

فالعنوان يدل علي انها قادره علي الدفع ، فهو في حي فاخر من المدينه والمنزل في ساحه خاصه .
فتح برودي الباب قبل ان تدق الجرس فاذا به مختلف عن برودي بادجر الذي تعرفه في المستشفي .. كان يرتدي ملابس بسيطه كملابسها : سروالا اسود وقميصا رماديا غير مزرر عند الياقه .. قال هامسا ونظراته تجول عليها وعلي وجهها الخجول :
- سيليا
- اجل
تنهد بأسي وأدخلها الي المنزل قبل ان يضمها بجنون بين ذراعيه .
- يا الله سيليا
كان عناقه حار وعنيفا ليس فيه الا الرغبه القويه .
- سيليا سيليا سيليا
كانت صيحته الاخيره باسمها ممزوجه بضحكه انتصار وابتسامنه من ابتسامته النادره تضئ وجهه المتجهم .
- ياالهي .. ما اجملك
رطبت شفتيها وهي تعي تماما قوه مشاعرهما من خلال هذا العناق العنيف .
- وهل انا جميله حقا ؟
- اجل
وضع ذراعه علي خصرها ثم رافقها الي غرفه جلوس عضريه اثاثها متعه للنظر . فثمه بسط بيضاء فوق ارضيه لامعه ولوحات حديثه معلقه علي جدران بيضاء .
- زوجتي اختارت الديكور .. ولم تتح لي فرصه تغييره بعد .

طبعاً أنتما منفصلان .
- على طريق إتمام معاملات الطلاق . . وهذا بالتحديد ما جعلني أتجادل مع كارول .
- أوه . . أتظن أن من الحكمة مجادلتها في أمر كهذا ؟ إنها تحتاج إلى حبك وتفهمك ، لا إلى جدالك .
- حاولت أن أكون متفهماً ، ولكننيأخشاه أن التفاهم معدوم بيناا في الوقت الحاضر . فلديها فكرة سخيفة عن رغبتي في إحضار نساء إلى المنزل ، وهذا تصرف ليس من شيمي .
- أبي . .
وقف فتاة صغيرة في الباب ثائرة العينين اللتين ما إن وقعتا على سيليا حتى اشتعلتاه غضباً :
- لم تهدر وقتاً إذن . . أليس كذلك ؟ وأنا من أردت الاعتذار عما بدر مني !
- كارول . .
- دعني وشأني . . أمي على حق ، يجب ألا نثق بالرجال !
ثم خرجت من الغرفة كالصاعقة ، فتبع خروجها ذالك صمت هائل لكن سيليا استجمعت شتات نفسها فقالت :
- لم تكن فكرة مجيئي إلى المنزل صائية . . اعتقدت أنك حين تكلمني أستطيع مساعدتك ، ولكنني بدلاً من هذا . . .
- تعرضت لفظاظة إبنتي . . الأمر على حاله من افتراقي عن دونا وقد بدأت أفتقر إلى الحلول .
- أظن أن ما تحتاج أليه أبنتك هو الوقت وخروجي أنا كم هذا المنزل لتصعد لترضي خاطرها.
- وماذا ستفعلين ؟
- سأعود إللى بيت الممرضات لأدرس ، وهو ما أنا بحاجة إليه حقاً ! لا أدري كيف تتمكنون
من تذكر تلك الدروس كلها .
- بالممارسة . . أتريدين الذهاب حقاً ؟
- لا ..
- أملت أن يكون هذا ردك . . حين تكون مديرة المنزل موجودة ، تلازم كارول في غيابي ، فهل تشاركينني العشاء غداً؟
كانت سيليل مخدرو تقريباً بعمق عينيه الرماديتين ، فردت مخطوفة الأنفاس :
- أجل . . أجل. . سأحب ذلك .
وكانت تلك الأمسية إحدى عدة أمسيات قضياها معاً. ولم يكون في أي منها توتر كما كانت بالأمسية الأولى . كان بينهن شبه إتفاق لجعل صداقتهما غير معروفه في المستشفى . لذلك كانا باردين في تعاملهما حين يلتقيان ، علماً بأن صديقاتها كن يمازحنها بشأن صديقها الجديد ، ولكن لم تتوقع أي منهن أن يكون برودي بادجر هو الصديق . . . بل لم تكن تثق بأن أياً منهم ستصدقها وإن أخبرتها . .

رفضت كارول بادجر بشدة أن تقابلها ، نظراُ للظروف ، لم تستطع سيليا أن تلومها . فهم لم تكن تعلم الدور الذي تلعبه في حياة برودي ، فكل ما تعرفه أنه في الوقت الحاضر يحتاج إليها ، يحتاج إلى وجودها وهدوئها ، يحتاج إلى مزاجها حين يكون متهجماً .

في إحدى الليالي تغيرت علاقتهما بشكل عنيف . تلك الليلة اتصل بها برودي ليلغي موعدهما :
- وصلت حماتي لترى كارول . ولا يمكنني تجاهلها . . إنها جدتها .
ردت سيليا بهدوء :
- طبعاً أفهم هذا .
هل يخجل برودي من علاقتهما . . ألهذا كان مصمماً ألا يعرف أحد بها ؟
قال بعد صمت متوتر :
- تعالي وقابلي كرستبال وعندئذ تعرفين لماذا لا أريدك أن تريها .
وهذا ما فعلت . . كانت كرستبا لاتزال جميلة رغم بلوغها العقد السادس ، فجسدها نحيل وشعرها أسود تشوبه شعيرات بيضاء وهي على ذلك سليطة اللسان وقد عاملت سيليا وكأنها ليست أكبر من حفيدتها التي رضيت بالجلوس مع سيليا للعشاء لتتمتع بمعاملت جدتها السيئة للمرأة التي لا تحبها ولن تحاول أن تحبها .

كانت أمسية متوترة غير مريحة ،فقد عمدت العجوز إلى تحذيرها بكلمات ودود عن سعي الرجال المتوسطي العمر إلى إستعاددة شبابهم مع نساء أصغر منهم عمراً . وقد حدث أن وجدت سيليا نفسها وحيدة معها في غرفة الجلوس وذلك عندما صعد برودي ليتمنى لإبنته ليلة سعيدة ، فاستغلت كرستبال الفرصة لتحذيرها منه .

سألها برودي وهو يعيدها إلى المستشفى :
-حسناً . . ؟
- ما كان يجب أن أحضر . إن حماتك مؤمنه بعودتك في النهاية إلى زوجتك .
تجهمت أسارير وجهه :
- لم أكن من غادر المنزل بل هي من فعلت .
- وإذا طلبت العودة ؟
- لم تطلب هذا إطلاقاً .
- ولكن . .
- لا أريد مناقشة أمر زوجتي سيليا ، فلا علاقة لها بعلاقتنا ،ولكرستبال أن تعتقد ما تشاء ، فلا أتوقع منك أن تصدقيها .

ولكن ليتها تثق بمشاعره التي يكنها لها ! وصفت كرتستبال إهتمامه بها وكأنه حلم رجل في العبث مع فتاه صغيرة . وقالت أنه بحاجة إلى إمرأة أكثر حنكة ، وأنه سرعان ما سيضجر من طفلة مثلها . ولكن الإنذار الأخير كان أشدها تأثيراً، فقد قالت لها أن دونا بادجر قد أدركت غلطتها وإنها تريد العودة إلى زوجها وإبنتها .
وها هو بردي لا ينكر رغبته في عودة زوجته ، بل كان ما قاله أنها لم تطلب العودة .
- سيليا !
- آسفة . .
استيقظت من شرودها لتنظر إليه ، فإذا بنظرته مستقره عليها . .
فأردفت :
- حماتك لا تحبني .
- أجاب وقد رد بصره إلى الطريق:
- ليس من المفترض أن تحبك . . فأنا أحبك .
سألته بصود أجش :
- وهل تحبني ؟
تركت يده الموقد وأمسكت يدها:
- تعرفين هذا. .
- أنا . . أنت لم تظهر لي يوماً حبك . . كنت دائماً . . متحفظاً معي .

لم يرد عليها بل أرجع يده إلى الموقد محدقاً إلى الأمام بجفاء . . يالله! ماذا فعلت ؟
أوقت برودي السيارة على مسافة غير بعيدة عن المستشفى كما كان يفعل عادة ، ثم التفت إليها وكأنه يبحث عن الكلمات المناسبة :
- سيليا . . لولا . . أخشى حين أبدأ بمعانقتك أن أعجز عن ردع نفسي عنك . أتفهمين هذا ؟
اتسعت عيناها دهشة :
-لا.
تنهد :
- ما ظننتك أن تفهمي . . تعالي إلى هنا . .
وفتح ذراعيه لها ، فانسلت إليهما دون سؤال ، تشهق من شراسة عناقها لها ، تذيب نفسها عليه ، تتحسس سرعة خفقان قلبه. .
كان يتأوه وهو يقول لها :
- أحبك . . . أحبك سيليا .
ضاعت في متاهات عواطفه بعد أسابيع من الشوق . . أمسكت رأسه بحرارة تضمه إليها .
- عودي إلى منزلي سيليا . تعالي معي . . .
- أنا . . .
- سيليا مخابرة لك!
توقف شريط ذكرياتها فجأة . . فبدا لها كل ما مضى . . حياً . . حقيقياً وكأنه حدث بالأمس القريب لا منذ ست سنوات .
بعد طرقة خفيفة على الباب دخلت ليندا :
-سيليا !لك مخابرة .
جرت سيليا نفسها من الماضي بجهد ووقفت تدفع شعرها بعيداً عن وجهها وتسأل:
- أتعرفين من ؟
- كارول بادجر وهي تبدو في لهفة إلى مكالمتك .
تسمرت سيليا حالما سمعت الإسم . لماذا بحق الله تريد كارول بادجر مكالمتها ؟ بدت الفتاة مسرورة برؤيتها اليوم ، ولكنها لا تريد لهذا اللقاء أن يتفاعل وهذا ما ستوضحه لها .
- كارول . . أنا . .
- أشكر الله لأنك هنا ! إنه أبي ، حصل له اصطدام سيارة خطير . . لقد أصيب في رأسه . . سيليا . . ليسوا واثقين . . من أنه . . سيحيا!

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:27 PM

2- قلب في الظلام
http://www.mooode.com/data/media/181/1--.gif
- سيليا . . سيليا. . أما زلت هنا ؟
- أنا. . أجل . أقلت أن والدك مصاب ؟
كان صوتها هادئاً ، وكأنها في حلم مزعج ، بل وكأن كارول لم تخبرها بأن برودي في حالة خطرة .
ردت كارل باكية :
- لقد اصطدم بشاحنه .. إنه في قسم الطوارئ في المستشفى .. لقد وقعت الحادثة وهو في طريق العودة .
أحست سيليا بوهن في أحاسيسها .
- فهمت .
- هل ستزورينه في المستشفى ؟

صدمها الاقتراح . . ونشلها من صدمتها . . تزور برودي ؟ لا يمكنها ذلك!
- لا. .
شهقت كارول :
- انا بحاجه إليك سيليا .
- وجدتك . . .
- انهارت تماماً . . فلم يمضي وقت طويل على وفاة جدي . وقد وقع الحادث على رأسها كالصاعقة . . أعطيناه منواماً . . أنا بحاجة إلى من يحبه كما أحبه أنا . . .
قاطعتها بحده :
ـأنا لا أحب أباك كارول.
- ولكنك أحببته يوماً . . أليس هذا ما اعترف به اليوم . . أوه سيليا أرجوك!
-لا أستطيع كارول ، تعرفين أنني لا أستطيع .
كان صوتها حزيناً ، ويدها قابضه بشدة على السماعة ، فرت كارول بصوت مخنوق:
- ظننتك تهتمين . . ظننتك تهتمين به !
ثم سمعت صفعة السماعة في الجهة الأخرى . . فانهارت قرب كرسي قريب من الهاتف ، تحدق دون أن ترى إلى الجدار المقابل لها ز لا تستطيع الذهاب غلى المستشفى . . فما الفائده ؟ برودي لا يريدها هنالك وهي لا تريد أن تراه كذالك . ولكن كارول قالت أنه يموت ! برودي يموت ! لا . . لن تتقبل هذا الخبر.

صاحت ليندا بصوت مصدوم حين خرجت من غرفة الجلوس فرأت وجهها الشاحب:
- سيليا ! ما الأمر ؟ ما الخطب ؟
بللت شفتيها المخدرتين وقالت ببطء :
- وقع . . وقع لوالد كارول . . حادث وتريدني أن أتوجه إلى المستشفى لأكون معها .
علت وجه لينجا تقطيبة :
- فهمت على ماأظن .
تعالى الإحمرار إلى وجه سيليا وهي تشؤح :
- عرفت السيد بادجر منذ سنوات .
- أحسست شئ من هذا اليوم . . .
- كاتا تعمل بالمستشفى ذتها . . وهذا كل شيء.
ضغطت ليندا على يدها وكأنها تفهمها ، ثم صالت بلطف :
- سأخبر العائله أنك مضطرة للذهاب لرؤية صديق في المستشفى .
- شكراً لك .
وقفت دون تردد وتجهت إلى غرفتها .
لم تكن تعرف المستشفى الذي أدخل إليه برودي وقد جعلها ذلك تتأخر دقائق حتى تعرف أين هو ، ودقائق عدة أخرى لتتأكد أنه ما زال في غرفة العناية وأن ابنته في غرفة الإنتظار.

كانت كارول مجرد طيف بائس ، يجلس وحيداً في زاوية الغرفة ولكنها نظرت نظرة رجاء إلى الباب وهو ينفتح ، ثم أجهشت ببكاء هاد منحبه وهي تركض لتلقي نفسها بين ذراعي سيليا التي راحت تهدئ روع الفتاة بصوت ناعم :
- لا بأس عليك . . لا بأس عليك كارول .
تعلقت كارول بها :
- علمت أنك ستأتين . . علمت بأنك لن تخذلينني!
إذن ، كانت تفهمها أكثو مما تفهم هي نفسها ! حين أوقت السيارة في الخارج أعادت التفكير في ما تقوم به . أهي على صواب في قدومها ؟ فقد لا يتذكرها برودي . . . لأنها لم تكن تعني له شيئاً ز ز . ولربما أ.عجته رؤيتها له مجدداً . إذا كان مصاباً كما تقول كارول فلن تساعده زيارتها أبداً . سألت بلطف :
- ثوة أخبار جديدة ؟
هزت كارول رأسها وتفخت أنفها ، قبل أن تمسح الدموع عن وجنتيها :
- أبداً . . جلست هنا ساعات . . تقريباً ساعتين . . بدتا لي دهراً . أما الطبيب فلم أره منذ أن وقعت أوراق المعاملات لأدخاله غرفة العمليات .
- أتعنين أن برودي . . . في غلرفة العمليات الآن ؟
- أجل جمجمته مكسورة .
تأوهت سيليا :
- يا رباه . . . !
لكنها أدركت أنها لن تساعد كارول بتصرفها هذا.
فراحت تهدئ من روعها :
- سيكون بخير . سأرى إن كان باستطاعتي معرفة شئ. اجلسي هنا وسآتيك بفنجان قهوة .
تعلقت كارول بيدها مذعورة :
- لن تتأخري ؟
سرعان ما وجدت الممرضة المسؤوله عن قسم الطوارئ ،
فذكرت إليها من هي ثم طلبت معلومات إضافيه عن برودي .
نظرت إليها الممرضة الشابة بإشفاق .
- نحن جميعاً قلقون عليه . أنه رئيس الجراحين في المستشفى . أتعلمين هذا .
لا . . لم تكن تعرف هذا !
- من يجري له العملية ؟
تنهدت الفتاة :
- كانت حالة السيد بادجر خطره حين وصل . . وقد عمد إلى إجراء العملية مساعده الأول جوناثان هال . أحس أنني المسؤوله جزئياً

عن الحادث .
عبست سيليا .. فماذا تعني الفتاه بقولها ؟ انها صغيره وجميله ليجدها جذابه :
- لولا استدعائي له في حاله طارئه لما كان في هذا الجزء من المدينه .
تنفست الصعداء ... مع انها لم تعرف السبب . فما برودي بادجر الاجراح ماهر بالنسبه لها الان . وهي لا تعباء بما في حياته من نساء ... فلم الغيره اذا .
قالت الممرضه :
-سأدخل الي غرفه العمليات لاتفقد حاله لك ... لن أتأخر .
- سأكون في الانتظار ... مع كارول ابنه السيد بادجر .
حملت سيليا القهوه الي كارول وقد زادت السكر ... ولكن كارول اشمأزت قليلا من مزاقها ومع ذلك راحت ترتشفها لانها ستفيدها هكذا . بعد عشر دقائق جاءت الممرضه لتقول بلطف :
- سيخرجون السيد بادجر من غرفه العمليات الان .
سألت سيليا بلهفه :
- و ...ماذا ؟
- اجتاز مرحله الخطر ...
انهارت كارول بين ذراعي سيليا :
- الحمد لله
ولكن سيليا علمت ان الممرضه لم تقل كل شئ بعد ، بل رأت الشفقه في اعماق عينيها الزرقاوين .
- لقد ازال السيد هال عده شاظيا من العظام المحطمه ولا نعرف بعد مدي الضرر نهائيا .
شهقت كارول :
- أتعنين ضرر الدماغ ؟
- انها امكانيه ...
وهذا ما توقعته سيليا فشعرت بثقل كارول التي اغمي عليها بين ذراعيها . ساعدتها الممرضه علي تمديد كارول علي المقعد .
- اسفه .. لكن السيد هال مشغول بحاله طارئه اخري الان . لذا اعتقد ان علي الانسه بادجر الا تتوهم كثيرا ...
- كان يجب ان تعرف .
- ادخل السيد بادجر الي غرفه خاصه حيث ستلازمه ممرضه ولكني لا احسب ان السيد هال يعارض وجدكمامعه اذا اردتما .
نظرت سيليا الي كارول :
- سيتحدث السيد هال اليكما حالما يستطيع .. ثمه امر اخر .. لقد اصيب السيد بادجر بجروح في وجهه ايضا .. يجب ان تفهمي هذا ؟
احست سيليا بقشعريره كادت تشلها .. وجه برودي الوسيم مجروح وممزق .. ماذا سيفعل ان بقي الجرح في وجهه ؟ ولكن هل سيبقي علي قيد الحياه . يالله يجب ان يكون بخير .. يجب قالت للمرضه بصوت منخفض :
- سأهيئها نفسيا للخبر .
وبدأت كارول تسترد وعيها متأوهه.
ولكن ما من احد هيأ سيليا نفسيا لما ستواجه . كان برودي مستلقيا فوق الاغطيه البيضاء شاحبا شحوبا كبيرا وضماده سميكه حول صدغيه وعده جروح عميقه في وجهه استدعت الحاجه الي تقطيبها كما كان في يديه جروح اخري وكأنه رفعها ليحميوجهه . الله وحده يعلم ما كان سيصيبه لولاهما.
جذبت كارول دون أن تتنفس بكلمة كرسياً لتجلس إلى جانبه ، تتلمس برقه يديه المصابتين . . ونظرها لا يفارق وجهه الساكن.
فجأة راحت تتحدث بهدوء مما دفع سيليا لنظر إليها بحدة:
- لن أدعه يموت .
- كارول. . .
- ولن أدعه يبقى صرة هامده
شهقت سيليا التي لم تكن تريد الاعتراف بهذا حتى لنفسها.
لا . . لن يحدث مكروه له. . ليس وهو من ساعد الناس على الشفاء ببراعته وذكائه . كررت كارول بشراسة:
- لن أدعه !
بقيت سيليا صامتة ، لا تريد قول أو فعل شئ قد يدفع كارول إلى الإنهيار . بعد ذلك خرجت لتخابر آل هاموند لتخبرهم أن برودي ما يزال صامداً . .

حين عادت إلى الغرفه وجدت كارول في الكرسي نائمه ، ولكنا لم تحاول تحريكها لئلا تزعجها ، فالنوم هو خير ما تقوم به إذ ستحتاج إلى قواها حين يسترد برودي وعيه .
نظرت سيليا إلى الرجل المستلقي على السرير هامداً تفكر في ماسببه من دمار في حياتها . نعم لقد كانت صغيرة على متطلباته ، لكن صغر سنها لم يمنعها من أن تريد ما أراد .
بدأ يتحرك متململاً دون إصدار صوت وجسده يقاوم الأغطية التي تقيد حركته . فعلمت أنه لم يسترد بعد وعيه ومع ذلك أرادت طمأنته بطريقة ما :
- أنت بخير برودي ، نحن هنا ، كارول وسيليا .
تمتم ، فانتفضت بحدة :
- سيليا . . يا إللهي . . دونا . . لا تعني لي شئ . . ياإللهي أحبك . . أحبك . . أرجوك لا تتركيني ثانية . . دونا . . .
وغاص في عالم اللا واعي مجدداً .
كانت الدموع تتدفق على وجه سيليا حين انتهى . . فتحركت مبتعدة وقد تقدمت الممرضة منه . . لم ينسه حتى وهو في غيبوبته حبه زوجته . . ذلك الحب الذي كان السبب في انفصاله عن سيليا .
بعد أيام من رجوع زوجته إليه انقطعت عنها أخباره خاصة وقد طلب إجازة من المستشفى . وكان الداعي إلى إجازته تلك أسباب عائلية .فلقد شاهدت بعينها جمال دونا بادجر الخلاب ،
وعرفت أن برودي يريد أن يقضي بعض الوقت مع زوجته لانطلاقة جديده ، فكان وقت ذاك أن طلبت نقلها من المستشفى وقد قبل طلبها بسرعة . وحين ما عاد برودي كانت قد رحلت ولم تره منذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظه .
ويا لها من طريقة .
كان يبدو ضعيفاً عاجزاً في سريره ، وهي لم تره قط عاجزاً . . . وسيحدث حتى يسترد وعيه أن يكره ضعفه هذا وعجز ه ذلك . ولكنه رجل على أي حال . . كائن بشري ، لا نصف آله كما كانت تراه في أفكارها .
تحركت إحدى يديه فجأة على الأغطية البيضاء :
- كارول؟
- إنها هنا .
وأومأت إلى اللمرضة لتحضر الطبيب .
أدار رأسه وهو يسمع صوت إقفال الباب خلف الممرضة . . ما زالت عيناه الرماديتان على حالهما وصوته ما زال عميقاً أجشاً :
- من أنت ؟
رطبت شفتيها اللتين جفتا فجأة . . وقالت هامسه :
- اسمي سيليا .
- سيليا .
بدأ أن وعيه قد عاد إلى الضياع للحظات ، رمش بعينيه الناعستين :
- لماذا تجلسين هنا في العتمة ؟
عبست ناظرة إلى عينيه ، والخوف يعصر قلبها :
- أتبدو الغرفة مظلمة جداً برودي ؟
أين هو الطبيب ؟ كان يجب أن يكون هنا الآن ! بلل برودي شفتيه ، وكأنه يجد صعوبة في الكلام . هز رأسه :
- ظلام شديد . . لماذا لا تضيئين الأنوار لأراك ؟
ارتجفت سيليا عاجزة عن ردع يديها عن الإرتجاف غير قادرة على فهم مايقول لها ، عاجزة عن الكلام . أين هو الطبيب ؟
- ياإلهي !
الذعر الذي يصرخ فيها انتقل إليه فجأة . فحاول الجلوس ، بعدها وجد القوة لمقاومة يديها . . فرجته متوسلة تحاول تهدئته:
- أرجوك برودي . . استلق . . الحركة قد تزيد الأمر سوءاً .
شهق:
- سوءاً ؟ وكيف تسوء ؟ لا أرى . . .
ومأوه :
- يا إلهي . . أنا أعمى . . أنا أعمى . . !
خرجت الكلمة الأخيرة ممزوجة بصرخة عذاب ، وهو يقع على الوسائد فاقداً الوعي من جديد .

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:32 PM

3_ صوتك القاسي
http://www.mooode.com/data/media/181/glitter17.gif
ايقظ صراخه كارول التي راحت تنظر إلى تعابير وجه سيليا لتتأكد من صحة ما سمعت . فلما تيقنت أن هاتين العينين الرائعتين فقدتا النور وغرقتا في الظلام انهارت من جديد .
وصل الطبيب أخيراً مسرعاً إلى الغرفة وهو ما يزال في الثوب الأخضر الذي يرتديه أثناء إجراء العمليات ، فعاين برودي قبل أن يخرج كارول من الغرفة . وقال لسيليا :
- يستحسن اصطحاب الآنسة إلى البيت ، فالسيد بادحر سيبقى فاقد الوعي بضع ساعات أخرى , وليس أمامها ما تقدميه ،
- ولكنه فقد البصر . . برودي فقد البصر . .
- هذا ما كنت أشك فيه .
كان شاباً في اوائل الثلاثين ، عيناه بنيتان لطيفتان ، وشعره أشقر ، ووجهه وسيم . .
- اسمي هال آنسة هالام . . جوناثان هال . . . أنا من أجرى عملية السيد بادجر .
- أجل . . كيف كانت عمليتك الطارئة الأخرى ؟
- جيد جدأ . أنت ممرضة كما علمت ؟
- أجل .
- إذن ليس علي أن أخبرك بخطورة عمليته . . تلك الشظايا التي انتزعتها من الدماغ كانت قريبة من أعصاب البصر .
اتسعت عيناها رعباً :
- إذن . . .
تنهد :
- العمى . . قد يكون مؤقتاً وقد لا يكون . استدعيت أخصائياً ليراه غداً . اعلمي يا آنستي أنني أشعر بما تشعرين به ، فأنا وبرودي اشتغلنا معاً ما يزيد عن السنتين ، وأكن له احتراماً عميقاً على براعته كجراح وحباً على إنسانيته ، ولكنني لست الجراح المختص الذي يحتاج إليه . . ولولا العملية التي أجريتها له لمات :

كان الطبيب مصدوماً ومتوتراً توتواً احتاج معه إلى المواساة هو أيضاً ، فما مر به قد أثر على اعصابه .
- فهمت .
وقد فهمت فعلاً . . برودي أعمى أفضل من ميت . . ولكنها لم تكن تعلم ما إذا كان شعور برودي سيكون كشعورها هذا .
قال الطبيب متجهماً وكأنه يستشف أفكارها :
- آمل أن يفهم الوضع .
ضغطت على ساعده تهدئ روعه :
- سيفهم . . والآن علي اصطحاب كارول إلى البيت .
- عرفت أن جدتها إنهارت أيضاً ؟
- أجل .
- ليتك بسبب ما تربطك بالعائلة من صداقة تلازميها هذه الليلة .
- أوه. . ولكن .
- لا أظن أن من الحكمة ترك الآنسة بادجر وحيدة وإذا كانت جدتها مخدرة . .

أدركت أن لا خيار أمامها . . كما أدركت أن بمجيئها إلى هنا الليلة قد زجت نفسها مع عائلة بادجر .. . وأن وأن كل من يرها الليلة هنا سيحسبها صديقة العائلة ، وسيبدو من الغريب ، إذ لم نقل من قسوة الفؤاد التخلي عن كارول في وقت كهذا .

فهمت مدبرة المنزل الموقف بنظرو واحدة ، فسارعت إلى مساعدة سيليا في إصال كارول إلى فراشها حيث حقنتها سيليا بمخدر كان قد أوصاها به حوناثان . وما هي إلا لحظات حتى غطت في نوم عميق ، فكان أن انسلت سيليا من الغرفة بهدوء .
جاءها صوت مصدوم من خلفها :
- يالله . . . أنت !
التفتت سيليا لتواجه كريستبال إير التي بدت مختلفة كل الإختلاف عما مضى ، فوجهها غضنه الحزن وجسدها أنحلته السنون . كانت تتأرجح حتى كادت تقع فأسرعت سيليا إليها قبل أن تقع ، وساعتها في العودة إلى غرفتها . قالت لها كريستبال دهشة :
- هذا أنت . . أليس كذلك ؟
- أنا سيليا هالام . . أجل .
- أنت الفتاة . . التي كان برودي على علاقة معها . . منذ سنوات ؟ هل شاهدت برودي ؟
- أجل. . كنت معه .
- وهل هو . . هل هو بخير ؟
- استعاد وعيه فترة قصيرة ، وبدا الطبيب راضياً عن حالته . . .
يجب أن استرخي الآن فبرودي سيحتاجك غذاً.
ربما في الصباح قد تتقبل كربستبال خبر فقدان برودي بصره . .

هذا اذا كان هناك مجال لتقبل خبر كهذا بهدوء حينما ابدت كريستبال استعدادها للنوم انسلت سيليا منت الغرفه
قابلتها مدبره المنزل في الاسفل عارضه عليها فنجان شاي
- افضل القهوه.
وكان ان شربت تلك الليله اكثر من فنجان ولم تغف الا فتره قصيره علي المقعد حرصا علي ابقاء اذنيها حذرتين لتبقي اي اتصال ... حين انضمت اليها كارول في الثامنه صباحا لم تكن تلقت اي اتصال .
قالت كارول بهدوء :
- لن تنزل جدتي هذا الصباح .. لقد شرحت لها حاله ابي .
- وكيف كان وقع الخبر عليها ؟
- لم يكن سهلا ... ولكنها الان اهداء حالا . اه ما الطفك سيليا .. انا لا ادري كيف اشكرك .
- لا تشكريني لاني سعيده بما قدمت من مساعده .
- هل .. عرفك ابي ؟
- يصعب عليه ان يعرفني .. وما اظنه عرفني .. سأل عنك كارول وهذا لا يعني عطب في دماغه .
ردت ردا خاليا من العاطفه :
- اصيب بالعمي فقط .
كانت الفتاه هادئه هدواء غريبا ، ومتمالكه وعيها اكثر من الالازم ولكن حينت حصل الانهيار تدفقت مياه السد بغزاره .
- انه حي كارول . وهذا هو المهم الان .
وقفت بشراسه :
- سأعود الي المستشفي .. اترغبين في مرافقتي ؟

- بل ساعودالي منزل هاموند لتبديل ملابسي .
هزت الفتاه رأسها :
- اشكر لك عونك .. يجب الا اتطفل عليك اكثر من هذا .
عندما وصلت سيليا الي منزل ال هاموند كانت ماتزال قلقه علي كارول ، ولكن كلماتها الاخيره كانت تصرفها ..وماذا تتوقع غير هذا ؟
مضي علي سيليا شهر الان في تمريض السيده سميث .. شهر لم تر خلاله برودي ولكنها علمت من كارين ان صحته الجسديه جيده وانه سيخرج من المستشفي قريبا وعلي مايبدو ان كارول لم تتعرض للانهيار كما توقعت سيليا بل اصبحت الان عيني ابيها .
ذات يوم ودون سابق انذار اتصلت كارول تطلب لقائها لم تكن تريد الذهاب . فقد تمكنت للمره الثانيه من التخلص من تأثير عائله بادجر ... ولكن كارول اصرت وبما ان مريضتها السيده سميث كانت تستريح بعد ظهر ذلك اليوم فقد قررت مقابله الفتاه في مقهي قريب .
تطرقت كارول الي صلب الموضوع ما ان قدمت القهوه لهما في المقهي ؟:
- الامر يتعلق بأبي ..
- ماذا عنه ؟
تنهدت كارول :
- يصعب ان اشرح لك .
- حاولي
- ليتك تزورينه وترينه بنفسك .
ابتلعت ريقها بصعوبه :


لا أظنها فكرة صائبة .
- ولكن عليك رؤيته فليس بمقدوري شرح وضعه لك ولكن أستطيع أن أوجز فأقول أنه ليس كما كان . . .
- إنه أعمى كارول . . وسيمضي وقتاً طويلاً قبل أن يتكيف . . .
- ليس هذا فقد . يجب أن تشاهديه لتعرفي ماذا أعني .
- لا .. .
- لماذا ؟ ألم تقولي أنه لم يتعرف إليك . . ادّعي أو تظاهري أنك صديقتي وعندئذ لن يعرف هويتك
- - لست مرتدية . . .
- لن يعرف أبي ماذا ترتدين .
نعم بالطبع لن يستطيع رؤية الجينز العادي والقمييص الحرير الواسع ، وشعرها المسترسل على كتفيها . . . تنهدت :
- حسناً . . ولكن ماذا أقدم له مما لم يقدمه الأطباء ؟
كاد قلبها يتوقف وهي تتبع كارول إلى الغرفة الخاصة في المستشفى التي مايزال فيها . كانت الغرفة مليئة بالأزهار العابقة .
ولكن نظر سيليا انصب على الرجل الجالس قرب النافذة . . كان جامداً في كرسيه ، وجهه نحو النافذة ، جسده أكثر نحولاً ولكن جروح وجهه التأمت ، والقطب أزيلت ، والضماة الني كانت حول رأسه أزيلت ومع ذلك كان وجهه أكثر شحوباً ونحولاً.

أدار رأسه حين أحس بهما تدخلان الغرفة وقد اضطرت سيلسا إلى كبت شهقة وهي ترى عينيه تنظران إليها مباشرة .
ولكنها عادت فتذكرت أنه لا يراها .
سأل بحدة :
- كارول .
- أجل أبي . . جلبت لك الفاكهة .
أدار رأسه ثانية نحو النافذة :
- شكراَ لك .
وقفت سيليا قرب الباب ، وهي تتمنى لو رفضت المجئ، فمجيئها غلطة ، فليس بمقدورها تقديم يد المساعدة لبرودي . .
فجأة تصلب جسده . . وأدار وجهه إليها عابساً :
- ثمة شخص آخر هنا ؟ كارول أيرافقك أحد ؟
انتفضت كارول فقالت :
- أحضرت صديقة لتراك .
-صديقة؟
- سيليا .
اتسعت فتحتا أنفه غضباً والتّف إطار ابيض حول فمه وصاح ساخطاً :
- أنا لست صندوق فرجة للعين!
- أبي . . .
- ماذا ترينني يا كارول ؟ شخص عجيب في يديك ؟ مذا قلت لصديقتك الصغيرة سيليا " تعالي وتفرجي على أبي . . أنه أعمى " ؟

شحب وجه كارول من الصدمة . فصاحت تجهش بالبكاء تعدو خارج الغرفة ، ولكنه رغم ذلك تابع صراخه على سيليا :
- ألن تهربي أنت أيضاً ؟
أرادت أن تهرب ، أن تعدو وراء كارول لتواسيها . . فقد آلمها برودي وهي لا تستأهل غضبه الوحشي . ولكنها قالت بهدوء :
- أنا لا أهرب سيد بادجر . لاا أهرب من متسلط ظالم مثلك على أي حال .
- ظالم ؟ وكيف لي أن أكون ظالماً وأنا لا أرى من أظلم ؟
- لقد آلمت منذ برهة الفتاة التي تحبك حباً لا يكنه لك أحد في الدنيا . وهذا ما يجعلك ظالماً عاطفياً سيد بادجر .
- رأيك ربما لا يهمني.
- ولكنك ستسمعه شئت أم أبيت .
- أخرجي من هنا .
- لم أنهي كلامي بعد .. .
- بل أنهيته .
- لا . . لم انهه بعد . كارول قلقة عليك . أما سبب قلقها فأفهمه جيداً . . . اسمع سيدي متى تتوقف عن الإشفاق على نفسك لتبدأ حياتك من جديد ؟
- ومن أجل من أبدأ ؟
- من أجل كارول أو من أجل حماتك أو من أجل الجحيم ! أنت رجل موهوب . . .
- أوه . . وهل بدأوا باستخدام جراحين مكفوفين هذه الأيام ؟ لا أظن هذا .
- قد لا يدوم عماك .
- وتعتقدين أن علي حتى ذلك الوقت المحافظة على موهبتي . . ؟ أتودين أن تكوني أول مرضاي ؟ أتفعلين هذا ؟ أعرف تماماً أي عضو فيك أبتره أولاً.

- وأنا أعرفه أولاً لكنك لا تستطيع الرؤية . .
- لا . . لا أستطيع الرؤية وهنا تكمن المشكلة .
وقف مضطرباً ، يتعثر بكرسيه فتحركت سيليا بعفوية وأسندته . . ولكنها أحست بتصلب جسده تحت يدها وندمت على تسرعها أمام غضبه . .
صاح بها يدفعها عنه :
- ابعدي يديك عني لا تلمسيني !
- أكنت تفضل لو تركتك تقع أرضاً ؟
- ربما أفضل ذلك !
- سأتذكر هذا في ا لمرة القادمة !
لن يكون هناك مرة أخرى لك ! اخرجي من هنا ! اخرجي !
وشق طريقه إلى سريره فجلس عليه متهاوياً بوهن . . فصاحت :
- برودي . . .
ولكن صوت جوناثان هال قاطعها :
- ماالذي يجري هنا . . أسمع صياحاً .
رد عليه برودي حانقاً :
- أخرج هذه الفتاة من هنا .
- لكن . . .
شهقت سيليا وهي تقول:
- لا تقلق . . أنا خارجة . ولكن لو كنت مكان كارول . . لقلت لك اذهب إلى الجحيم !
وخرجت من الغرفة تستند على الجدار خارجاً وتشنجات بكاء جاف تهز جسدها كله . لكن سرعان ما قطع عليها حالتها البائسة تلك صوت كارول :
- ما الذي حدث بعد خروجي ؟
- فقد والدك أعصابه . . ولم نكن هي المرة الأولى على ما أعتقد .
- بل هي المرة الأولى لأنه عادة يجلس هناك دون أن يقول شيئاً لأي كان .
- ولكنه قال لي الكثير .
- سمعته ولم أصدق ما سمعت . . . لم أشاهده قط على هذه الدرجة من سوء الخلق . فليس هذا من طبعه أو خلقه .
- ولكنك نجحت ، ألا ترين هذا ، جدالك معه أخرجه من قوقعته وانغلاقه على نفسه .
- ربما يجب أن أذهب الآن كارول . . . فلدي مريضة علي الإعتناء بها .
- ولكن .. .
- آسفة كارول ، يجب أن أذهب . . وأتمنى لو يتعافى والدك قريباً

كانت تعدو وهي خارجة تفكر في أن رؤية برودي ثانية كانت غلطة كبيرة . وهي إحدى الأغلاط العديدة التي ترتكبها مؤخراً .

بعد ظهر أحد الأيام ، وصلت كارول تطلب مقابلتها في منزل السيدة سمث . . .
- احتاج إلى عونك .
سحبت سيليا نفسلً عميقاً .
- في المرة الأخيرة التي وافقت على مساعدتك قطعني والدك إرباً إرباً .
- بالضبط .
- بالضبط ؟

- بعد فقد أعصابه ، تفاءلت وفي ظني أنه سيخرج من قوقعته ليبدأ بالمقاومة . ولكنها بقيت المرة اليتيمة التي تجاوب فيها مع أي شئ . . أنه يجلس فقد في الكرسي طوال اليوم ، وأحياناً طوال الليل ، يرد علينا بصوته الكالح الخالي من المشاعر ، وكأنه لا يهتم بشئ . وقد ظننت أن حالته ستختلف بعد عودته إلى المنزل . . .
- وهل عاد إلى المنزل الآن ؟
- أجل . . منذ أربعة أيام
. وبقي على حاله حتى بت أعجز عن التفاهم معه !
- ستتمكنين من ذلك مع الوقت .
هزت رأسها :
- ولكن الطبيب على ما يبدو لا يرى اعتقادك هذا ، فهو يقول إن أبي يزداد انطواءً على ذاته أكثر فأكثر ويظنه مقبلاً على إنهيار عصبي كامل هذا إن لم نحل دون ذلك فعلاً.
- ليساعده أخصائي نفسي . . .
- لن يسمح أبي بدخول طبيب إلى المنزل .
- وجوناثان هال ألا يستطيع فعل شئ ؟
- لقد تعب . . إنه صديق طيب . إنما عاجز عن إجبار أبي على التجاوب . ولكن شياً قلته في المستشفى دفعني إلى التفكير في أمر ما .
- شياً قلته ؟
- قلت أنك ممرصة ، وإن لك مرضى تعتنين بهم .
-أوه . . لا كارول لدي الآن عملي ، ووالدك لا يحتاج إلى ممرصة دائمة .
- بل يحتاج . . وثمة ممرضة ترعاه في الوقت الحالي .
- حسناً . . .
- أنه يعاملها بالبرود الذي يعامل به الجميع .
قطبت جبينها مفكرة :
- لم أكن أعلم أنه بحاجه إلى ممرضة . ألم تقولي إن حالته الصحية جيدة ؟
ما زال يتعب بسرعة ، وما يزال يخضع للمعالجة . وقد رأى الطبيب أن عليه عدم الوصول إلى الحبوب المنونة .
شجب وحه سيليا :
- أو . . . لا . . لن أصدق أن والدك يقدم على شئ كهذا !
- وما كنت لأصدق أنا كذلك ، لولا قوله شيئاً في رغبته في الموت.
- إنه رد فعل طبيعي . . .
- ليس في والدي ما هو طبيعي . . لقد احتقر ضعف الآخرين واحتقر محاولات الانتحار . . ولكن رغبته في الموت تؤكد لي أنه يعني ما يقول .
تنهدت سيليا :
- وماذا تريدين أن أفعل ؟ قاومني مرة وقد رفضني ثانية .
- قابليه ثانية وعندئذ نتأكد .
إن لم يستحب ، أتكون تلك النهاية ؟
- أجل . . أعدك . . إنما إذا تجاوب . . . ؟
- سأرافق السيدة سمث في رحلة بحرية الأسبوع القادم . . .
- أوه . . هكذا إذن . . لم أكن أعلم أن رحلة بحريه هي أهم عندك من أبي !
- ليس الأمر كما ترين كارول !
- هذا ما أراه . . . أبي بحاجة إليك . . .
هزت سيليا رأسها :
- وكيف لك أن تعرفي أنه يحتاجني .
- ولكنك أنت لا ترغبين أيضاً في معرفة ما إذا كان يحتاجك .
اسمعي لو عرضت عليك تحمل نفقات رحلة بحرية بعد الانتهاء من العناية بأبي . . فهل تعدلين عن رأيك ؟
حبست كلمات الفتاة المهينة أنفاسها في حنجرتها . . فردت ببرود :
- سأقابل أباك وعندها أرى ما ستكون عليه ردة فعله ، وبعد ذلك أتحدث إلى الطبيب ، ومن ثم أتخذ قراري .
أشرق وجه كارول :
- لا أعرف كيف أشكرك .
- لك أعد بشئ حتى الآن . . كارول . . . إن كلمتني ثانية بالطريقة التي تكلمت بها منذ قليل ضربتك فهمت ؟
تضرج وجه كارول حياءً فبدت صغيرة غير واثقة من نفسها :
- أنا آسفه ولكنني قد أعيد الكرّة إن كان في عملي هذا إفادة لأبي .
- عندي إجازة غداً .
- عظيم ! جوناثان قادم غداً لمعاينته صباحاً . . . ويستحسن أن تتريثي حتى وقت الغداء لمناقشة الأمر معه .
- هذا إذا بقيت سالمة !
- لا تقلقي . . سنسحبك من هناك قبل أن يتمادى .
تقدمت لتقبيلها بحرارة :
- أراك غداً ، في الحادية عشرة .
هزت سيليا رأسها :
- سأكون هناك .
سرني قدومك
- وماذا عن والدك ؟
تنهدت
- ما زال على حاله .
ابتسم جوناثان لها :
- ماأسعدني برؤيتك ثانية آنسه هالام . . . ولكنني كنت أتمنى لو قابلتك في ظروف احسن من هذه .
قالت كارول :
- سأرافقك إلى الغرفة . . . أما جدتي فستقوم بواجب الضيافة دكتور . لن أتأخر .
وقفتا خارج غرفته فسألتها سيليا :
- لماذا ليس والدك معكم تحت ؟ أيلازم غرفته طوال الوقت ؟
- أنه يرفض مغادرة غرفته.
- لماذا ؟
- لا يقول السبب ، إنه يرفض فقد . تعرفين أبي . .
- أيأكل في غرفته أيضاً ؟
- لا ينزل إلى الصالة أبداً .
أخذت سيليا نفساً عميقاً ثم عقدت العزم على مواجهة برودي

في اليوم التالي ازداد توترها وذلك حينما دخلت إلى غرفة الاستقبال فوجدت كريستبال إير واقفة برشاقة تستقبلها
- كارول فوق مع الطبيب برودي . . أترغبن في قليل من الشاي ؟
في تلك اللحظة بالذات دخلت كارول برفقة الطبيب فتهلل وجهها رضى .
حالاً
-أيعلم شيئاً عن قدومي ؟
ضحكت كارول ساخرة :
- أتمزحين ؟ كان سيرميني بشئ لا محالة !
- سنرى . . إذا سمعتني أصرخ . . .
ضحكت :
أركض لنجدتك . . حظاً سعيداً 1
سمعت كارول تقهقه من وراءها فساعدها ذلك على الدخول إلى الغرفة بهدوء .
كان الرجل جالساً أمام النافذة ، رافعاً رأسه إلى السماء . وكان على عينيه نظاره سوداء لم تعجبها لأنها أحست أن جزاءاً منه مختبئ خلفها .
التفت إليها حين سمع صوت الباب يوصد فسأل :
- كاثرين .
إن كاثرين هي تلك الممرضة على ما يبدو . فردت :
- لا .
توتر وجهه .
- من . . إذن ؟
سارت إلى الغرفة ببطء فتحرك ثوبها حول قدها الرشيق بنعومة . . . وقفت إلى جانبه قرب النافدة :
- إنه يوم جميل . إن البستاني الذي يعمل لديك ماهر حقاً . . . فقد استطاع غرس أزهار جميلة وحافظ على مظهرها وكأنها بّرية . أوه . . وهناك كلب في الحديقة . أهو لك ؟
ردًّ بنرة وحشية :
- ماذا تفعلين هنا ؟ هل جئت تطلبين مني ثانية التوقف عن الشفقة على نفسي ؟ والبدء بحياة جديدة ؟
- هل عرفت صوتي ؟

- وكيف لا أتعرف إلى ذلك الصوت القاسي الذي طلب مني البدء بحياة جديدة وليس هناك أحد احيا من أجله .
- لن تجد ما تحيا من أجله وأنت قاعد في الكرسي كئيباً طوال النهار . . لا .
سأل بمراراة :
- وماذا عليّ أن أفعل ؟ أقرأ الكتب أم أشاهد التلفاز ؟
ثمة أمور عديدة يستطيع القيام بها أعـــ . . .
- قولي أعمى . . . ولكن سمي لي شيئاً ؟
- قم بنزهات . . . اجلس في الحديقة ، انطلق بالسيارة ، كُل مع سائر أفراد العائلة . أليست هذه بأعمال كثيرة بالنسبة لك في البداية !

- لا أظن هذا . لا سبب يدفعني إلى السير في حديقة لا أرى منها شيئاً وهذا ينطبق أيضاُ على الجلوس فيها . . . أما الخروج في السيارة فأمقته لأنني أرفض أن يقود السيارة أحد غيري . . أما تناول الطعام مع العائلة فكارثة . . . ترى ماذا سيحدث عندما أسكب الطعام على قميصي أو أوقع كوب الماء على شخص آخر . . . ؟ هل ستضحكين آنسة هالام ؟ لا أظن . . أما الكلب ، أجل ، فهو لي . . ولكنه لسوء الحظ غير مدرب على قيادة العميان . . هل هناك أفكار أخرى ؟
- لديّ منها الكثير . . . لا يمكنك البقاء في غرفتك ما تبقى من عمرك .
- ولماذا لا يمكنني ؟
- لأنك . . لا تستطيع . . فعماك ليس دائماً ربما .
- أرفض العيش على وعود كاذبة . .
- لكنك تملك دماغاً نشيطاً جداً ، فكيف تجلس طوال حياتك في كرسي ؟ أنت لا تسطيع ذلك ؟
- صحيح ؟
أغضبتها سخريته :
- أجل .
- وكيف لك أن تعرفي آنسة هالام ؟ أنت لا تعرفين حتى . . . لم نلتق إلا منذ أسبوع . . أنت صديقة ابنتي ليس إلا . . . لذا لن أقبل هذه النصيحة منك .
أدار وجهه وكأنه بذلك أشار إليها بالانصراف .
أنه حقاً لم يعرفها حتى الآن ، وكلماته هذه خير دليل .
قالت له وهي تسترد ثقتها بنفسها :
- أنت مخطئ سيد بادجر . أنا أكثر من صديقة لكارول أنا ممرضة أيضاً .
- لا . . . لست ممرضة !
- بل انا كذلك . وبدءاً من صباح الاثنين سيكون لديك " هذا الصوت القاسي " ليقول لك ليل نهار أن يبدأ باالعيش .
وقف برودي فبدا وكأنه ينتقل بثقة في غرفته ، فقد ساع بخطوات ثابتة إلى الباب ففتحه ثم تراجع ولكنها لم تتحرك لتخرج . . فبدأت عندئذٍ معركة إرادات بينهما ، فمن سيتراجع أولاً . . . ثم قال لها :
-أريدك أن تخرجي من هنا .
- أعرف .
- حسناً .
- لم ننهِ نقاشنا المتعلق بوظيفتي الجديدة كممرضة لك سيد بادجر .
- انت مخطئة آنسة هالام . . لا وظيفة نفتح نقاشاً عليها .
- لقد وظفتني أبنتك . . .
- ابنتي لا تدير هذا المنزل آنسة هالام بل أنا من أديره .
- حقاً ؟ ولكنني لا أراك تديره بل أراك مختبئاً هنا غرفتك .
صفق برودي الباب فأغلقه بعنف ، وصاح :
-ماذا قلت ؟
- ما تزال كارول صغيرة على تحمل مسؤولية كهذه ، ولكنني أراها تقوم بعمل رائع ، وقد اختارتني لهذي المهمة وانا قبلت . اسمع سأسمتر بالعمل لدى ابنتك حتى تتمكن انت من طردي بالقوة .
شحب وجه برودي شحوباً شديداً واحت أنفاسه تتقطع غضباً ولكنه صاح بصوت ضعيف :
- اخرجي من هنا . . اذهبي . . فقد .
اتجهت هذه المرة إلى الباب وهي تعلم أنه تلقى ما يكفيه من تأنيب . . وقالت بخفة :
- سأكون معك صباح الإثنين سيد بادجر .
لم يرد عليها ، بل انطوى على نفسه مهزوماً . . وخرجت سيليا وهناك اطلقت لدموعها العنان . . . فقد كان إيلام برودي أصعب مهمة قامت بها في حياتها . . ولكن فعلتها هذا ما ارتدت عليها ألماً أيضاً .
كانت كارول تجلس على أعلى الدرج ، فوقفت حين شاهدت سيليا تبكي ، وفتحت ذراعيها دون كلام لتحتضنها مواسية . وقالت سيليا تشهق بالبكاء :
- لقد آلمت نفسي بمقدار ما آلمته . . . وكنت مستعدة للتخلس عن كل شئ في الدنيا في سبيل ان أعقد ذؤاعي حول عنقه لأبكي وأبكي .
لم تستطع سيليا تجاهل الرجاء في عينيها الرماديتين الشبيهتين بعيني برودي .
- قلت لأبي إنك ستكونين هنا صباح الإثنين . . فإن لم تحضري ظنَّ أنه ربح الجولة وأخافك .
تنهدت بثقل :
- أجل . . مع أن للسيد هال القول الأخير .
- سيوافق بكل تأكيد .
وسيليا تشعر أيضاً بأنه سيوافق

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:38 PM

4 - سيدها الوحيد
http://www.mooode.com/data/media/181/bannerblank50.gif
أشرق يوم الإثنين مشرقاً براقاً ، فسعت سيليا إلى تركيز أفكارها على جمال هذا اليوم ، وذلك عندما كانت تتناول الفطور مع كارول وحدها ، فكريستبال إير طلبت الفطور إلى غرفتها وكانت العجوز قد اختفت عن الأنظار منذ وصول سيليا إلى المنزل في الليل الفائت .
أصرت سيليا على عودة كارول إلى كليتها بداءاً من اليوم . . فعلى حياتها أن تعول إلى فلكها الطبيعي .
- وأضيفي أن والدك حينما يرى نفسه وحيداً معي في المنزل سيتقبل وجودي أكثر وتتضاءل رغبته في التخلص مني .
- - لا أعتمد على هذا . . صحيح أنه لم يعرف أنك وصلني ، إلا أنه في مزاج رهيب منذ ليلة أمس ابتسمت سيليا :
- - ربما عرف أنني وصلت .
- - لا أظن هذا . . من المستحسن ذهابي الآن . هل أنت واثقه أنك ستكونين على ما يرام ؟
- - كل الثقة . كان عندي مرضاً أسوء حالاً منه .
ترددت سليا أمام غرفة برودي ، تتساءل عن نوع الإستقبال الذي ستتلقاه . فإن كان ما قالته كارول عن مزاجه صحيحاً فهذا يعني أنه لم يفرش لها الارض ترحيباً .
حين دخلت بعد طرقة خفيفة ، كان خارج فراشه مرتدياً ثيابه ،
جالساً أمام النافذة ، ولكنه لم يرفع وجهه إليها وكأنه كان يعرف من دخل عليه حتى قبل دخولها .
قالت تهاجمه ما إن رأت النظارة :
- لم تضع هذه النظارات وعينيك لا تشوبهما شائبة ؟
بدلاً من الغضب التي أملت أن تثيره ، التوى فمه بابتسامه ساخرة :
- ولماذا ترتدين بزّة الممرضات الرسمية ، وأنت تعلمين أنني لا أراك ؟
- لكن هذا لا يجيب على سؤالي .
- أضعها لأنني أ{يد أن أضعها .
- هذا ليس رداً !
- وهو الرد الوحيد الذي عندي . . . وماذا عنك ؟ أنت لم تجيبي عن سؤالي بخصوص بزَّتك الرسمية .
- أنا . . ممرضة . .
- سبق أن قلت إنك ممرضتي . . . أنا أستحسن ألا ترتدي بزّة التمريض عندما تكونين معي . . . اخليعها .
تصاعد الللون الأحمر إلى وجنتيها :
- عفواً ؟
تشدق ساخراً :
- عزيزتي آنسة هالام . . . ماذا أعني برأيك ؟ ألا تقيمين في المنزل ؟
- أجل .
- إذاً توجهي إلى غرفتك وارتدي شيئاً آخر علماً أنك قادرة على خلع ما تريدين دون أن أستفيد من هذا شيئاً ! فقد حرمت حتى من متعة النظر إلى إمرأة جميلة .
- أنا لست جميلة .
- وكيف لي أن أعرف ؟ قد يكون وزنك مئة كيلو غرام أو تشتبهين " غوريلا " فكيف أعرف ؟
ابتسمت :
- لست على هذا القدر من البشاعة . . . كما أنك غير مضطر لرؤية جمال المرأة ما دمت قادراً على الإحساس به .
- أوه . . أجل. . وهل ستحب المرأة أن تجد يدي طريقاً إلى جسمها . أترغبين معي هذا آنسة هالام ؟
عضت على شفتيها غير واثقة من قدرتها على تحمل حديث حميم كهذا . فقال معلقاً بخشونة :
- عرفت أنك لم ترغبي .
أخذت نفساً عميقاً :
- سأعقد معك إتفاقاً .
تغيرت أسارير وجهه.
- أي نوع من الاتفاق ؟
- تخلع النظارة السوداء ، لأنها غير ضرورية خاصة وأن لك عينين ساحرتين ، وعندئذ أسمح لك بالتعرف إلي لمساً . . . اتفقنا ؟
فكر برودي برهة ، وهز رأسه ببطء :
- اتفقنا . مع أنني قد أصاب بخيبة أمل .
تقدمت تجثو أمامه وسألت :
- خيبة أمل ؟
- ابتسم :
- لك صوت مثير آنسة هالام ، لذا أخشى أن أكتشف أنك مختلفة تماماً عما أتصور .
أمسكت يديه مبتسمة ، وهما يدان حساستان ما زالتا تحملان آثار الجروح ، فوضعتهما على جانبي وجهها . لأن من الطبيعي أن يرغب في التعرف إلى وجهه الفتاة التي يسمع صوتها ولكن ليتها . . ليتها فقد لا تشعر بالتوتر .
لمس شعرها أولاً :
- همم. . . ناعم الملمس ، متجعد . . مالونه ؟
- أحمر ذهبي تقريباً .
راحت أطراف أصابعه تمر على وحهها . . فاقشعرت بشرتها لملمسه . . . كان مستغرقاً في مهمته ، حتى تمنت ألا يشعر باضطرابها . . وتمتم :
- حاجبان جميلا المظهر . . أهداب طويلة حريرية . . . مالون عينيك ؟
- عيناي خضراوان .
- خضراوان قاتمتان أم .. .
- قاتمتان .
- أنف مرتفع . . أهناك نمش ؟
- القليل منه .
أخذ توترها يزداد قوة كلما أمعنت يداه في لمس كل جزء من وجهها . . وتابع :
- وجنتان مرتفعتان . . مجوفتان . . إذن أنت لست سمينة .
- خمسون كيلو غراماً أما طولي فمئة واثنان وسبعون سنتمتراً .
- أنت نحيلة بالنسبة لطولك . ما عدت أستغرب أن يكون خداك أجوفين ! لك ثغر جميل . . همم ، يغري يتقبيله .
احتاجت إلى كل ما تملك من قوة إرادة لئلا تسحب نفسها بعيداً عنه . . . ولكنها كانت تعلم من التواء فمه أنه يقصد إثارتها ، فبقيت صامتة تبذل جهداُ كبيراً .
تحركت يداه إلى ذقنها وقال متمتماً :
- ذقن صلب . . . كنت أعلم هذا .
- رفع يديه إلى أذنيها ، ثم هز رأسه ينزلهما إلى جنبيه :
- هل أنتهيت ؟
هز رأسه :
- عليَّ الآن أن أرى جسدك بيديّ .
شهقت :
- لا! قست تعابير وجهه :
- هذا هو الإتفاق سيليا .
- لا . . .
- بلى . . سألتك إن كنت تقبلين أن تجدى يداي إليك طريقاً
- وقد وافقت على ذلك إن قبلت أن أنزع النظارة التي لا تعجبك
شهقت :
- عنيت وجهي ! لا جسدي !
- أنت تتراجعين عن الإتفاق إذن ؟
- لا أتراجع بل أقول إن الإتفاق ليس كما تصوره أنت .
أ- مر مؤسف . . مع أن نحولك لا يغريني أبداً بالاقتراب منك .
كانت الإهانة شديدة الوقع عليها ، فقد تذكرت سيليا زوجته الشهية التي فضلها عليها منذ ست سنوات.
صاح بها وهي لا تزال جاثية أمامه .
- حسناُ ؟
فوقفت تنظر إلى المرارة البارزة في وجهه . . ما أشد ما تكره هاتين النظارتين ! ولكن أتكرههما إلى درجة أن تتحمل يديه على جسدها ؟ وجدت في هذه الفكرة ما يبعث عن التوتر ومع ذلك صاحت به :
- حسناً. . لك ذلك .
نبض عرق في فكه ، ولكنه لم يتحرك ، بل قال يصرف النظر عن الأمر ببرود :
- لست يائساً إلى هذا الحد .
ثم هب واقفاً ولكن سيليا لم تكن قد تحركت ، فاصطدم بها حتى كاد يوقعها ولكن يديه سرعان ما أمسكتا بها .
- أنا آسف .
ثم ما لبث أن ابتعد عنها بحده ماداً النظارة إليها .
- هاك . . خذي هذه النظارة اللعينه إن كانت تهمك إلى هذه الدرجة .
تناولتها منه قائلة :
سأسعى إلى تبديل ملابسي لأنني أفكر في القيام بنزه في الحديقة . . .
- لا . .
- لا؟
- لقد سبق وقلت لك أن لا فائدة منها .
ردت بعناد مماثل :
- بل هناك فائدة . . فالكلب بوبي الذي رأيته البارحة لا يأكل كما يجب . أحسبه مشتاقاً إليك .
- الكلاب مخلوقات متقلبة ، كالنساء تماماً . سرعان ما ينقلب حبها إلى شخص آخر .
- ولكنه ليس مضطراً إلى البحث عن آخر وأنت أمامه .
بدا غاضباً حقاً :
- لا أريد الكلب هنا كما لا أريد النزول إلى الحديقة ! بالله عليك . . . دعيني وشأني . . !
- لا أستطيع . . هل حلقت لحيتك هذا الصباح ؟
علت وجهه تقطيبة :
- وما شأن هذا ببوبي ؟
لا شئ . . كنت أشأل .
- حسناً . . لا تسألي فلا أحتاج مربية أطفال . تدربت على القيام بما يلزمني في الحمام . لقد مررت بهذا كله في المستشفى . . لماذا إهتمامك بحلاقة لحيتي أو عدمها ؟
ثم راح يلمس بشرة وجهه الناعمة . . فقالت :
- إنها جيده . . تسأل فقد عما إذا كانت باستطاعتك القيام بأشياء معقدة كالإغتسال أو الحلاقة أو ارتداء ملابسك . لماذا ترفض القيام بنزهة في الحديقة ؟
- لأنني أرفض السير معتمداَ على عصا بيضاء . . !
لماذا لم تفكر في هذا السبب من قبل . فلبرودي كبرياء يمنعه من عرض عجزه أمام الناس . . . لقد حفظ ما يحيط به في غرفته وحمامه . . ولكن في الحديقة ما زالت مجهوله بالنسبة له ، محفوفة بأخطار غير مرئية . فسارعت تقول له بمرح :
- لديّ ما هو أفضل بكثير من عصا بيضاء .
أوه . . صحيح ؟
- أجل. . جرب هذه .
وضعت يدها بيده ، فاتنفض :
أو هذه إذا شئت .
ثم وضعت يدها في ذراعه .
- هذا يسهل علي إعطائك التعليمات التي تحتاج إليها .
- - لا! .
- - لماذا ؟
- لأنني سعيد هنا .
- ربما ولكنني غير سعيدة ! فلن أمضي الصيف في هذه الغرفة الخانقة وهناك حديقة جميلة تمد يديها مرحبة .
أكملت هذه الكلمات ثم تحركت مبتعدة عنه :
- تهربن آنسة هالام ؟
- أبداُ . . إنما بوبي على ما أظن سيقدر صحبتي له أكثر منك .
رد ساخراً :
- دون شك .
نظرت إليه نظرة إحباط قبل أن تترك الغرفة خافقة القلب . . . فقد يظن أنه دفعها إلى الهروب . . ولكنها لم تنته منه بعد !
- بدلت ملابسها ثم قصدت الحديقة ، فسارع بوبر لملاقاتها . . فقالت بصوت مرتفع وهي تدرك أن الجالس جامداً أمام النافذة سيسمعها .
- سيدك المتقلب المزاج ما زال جالساً مقطب الجبينين في غرفته . .
- إذن لم يبقى سوانا . . . فلنبحث عن قطعة تلعب بها . . . هه ؟

قضت ساعة كاملة مع الكلب وهي تحاول بذلك أن يعرف برودي أنهما يتمتعان بوقت عظيم . . ولكن عندما أزف وقت عودتها إلى الداخل شعرت بالندم .
توجهت إلى غرفتها الملاصقة لغرفة برودي تريد الاعتسال وترتيب نفسها قبل الغداء . وعندمت هيأت نفسها توجهت إلى المطبخ حيث مدبرة المنزل تقدم الطعام . قالت لها :
- سأحمل طعام السيد بادجر مع طعامي .
بدا التردد على الآنسه ويل:
- اعتدت أن أحمل له الطعام على صينية .
- سأحمل طعامنا معاً على صينية واحدة .
- لا أحسبه يرضى بذلك .
- وهذا ما أعتقده أنا أيضاً .
بدت الحيرة على وجه مدبرة المنزل .
- ألا يقلقك هذا ؟
- أبداً .
- حسناً ولكن لا تقولي إنني لم أحذرك .
حملت سيليا الصينية ضاحكة ثم توجهت إلى غرفة برود ي فقرعت الباب بقدمها .
- ادخل .
صاحت ترد عليه :
- لا أستطيع!
- مالذي يمنعك ؟
سمعته يتمتم ثم فتح الباب . مرت به تحمل الصينية سائلة عن المكان الذي يفضل أن يتناول طعامه فيه , فقال لها :
- طننتك ممرضة لا ساقية في مطعم .
- لن أجادلك الآن ولن أسمح لك بإفساد شهيتي . . فلحم الغنم يبدو لذيذاً .
- إذن لم تموتي جوعاً . . صحيح ؟
جلست براحة على مقعد يقع قبالة مقعده :
- ألن تجلس ؟
رفع رأسه بعجرفة :
- حين تخرجين .
- أوه . . ولكنني لن أخرج .
- لا أريد مراقباً يراقبني أثناء تناول الطعام !
- لن أراقبك بل سأكون مشغولة بطعامي . .
التفت إليها بحدة :
- تتناولين طعامك ؟ لن تأكلي هنا !
- لكنني بدأت . . همم.. كنت على حق . . اللحم لذيذ لماذا لا تتذوقه ؟ انا واثقة أنك . . .
- لا تعامليني كطفل .
- إذن توقف عن التصرف كطفل ! هل في تناول الطعام ما يضرك ؟ اكره أن آكل وحيدة .
- كرتستبال . . .
- تتغذى عند أصدقاء .
تمتم:
- هذا تصرف مثالي منها .

لم يكن يستطيع مسامحة حماته على تجاهلها له ، فهي لا تزوره على الرغم من أنها تعيش معه تحت سقف واحد . ..
توسلت إليه سيليا بصوت ناعم
- رجاء إجلس برودي . . . سيبرد الطعام .
نظر إليها نظرة غاضبة جعلت عينيه تنصبَّان عليها حتى استصعبت تصديق أن هاتين العينين النافذتين لا تريانها . . قال بحدة :
- ألن تقطعي طعامي ؟
- أتريد مني ذلك؟
- لا!
كان في الواقع يتناول طعامه بطريقة رائعة ! ولكنها لم تعلق على هذا لأنها تعرف كرهه لمن يراقبه .
بعد تنظيف الطاولة قالت :
- سأحضر القهوة .
أدار ظهره إليها :
- سيليا . . .
- نعم ؟
- شكراً لك . . يستحسن أن أعرف ما أتناول قبل أن أقدم على الأكل ، الآنسة ويل تترك الصينية عادة دون تفاصيل هامة .وقد حدث أن تناولت الحساء مع حلوى التفاح .
- أوه . . برودي .
- لحضري القهوة
حين عادت تحمل صينية القهوة كانت لحظة التقارب قد تلاشت ، إذ رجع برودي إلى وجومه . . . ولكن ما حدث من تقارب قبل قليل كان بداية جيده . لذا لن تدفع الأمور قبل الأوان ، فكانت أن عرضت عليه قراءة الصحيفة . فصرف النظر عن الاقتراح قائلاً:
- أستمع إلى الراديو
ولكن الراديو لا يذكر إلا العناوين الرئيسية وهناك أمر آخر يتعلق بي . فأنا لم أقرأ الصحيفية اليوم .
- تردين قرأءتها أثناء دوام العمل ؟
- ولم لا ؟ لاعبت الكلب أثناء الدوام .
التوى فمه ساخراً:
- نعم . . عندما كان " سيده المتقلب المزاج مقطب الجبين في غرفته " .
بدا لها ما فعلته طفولياً فقالت :
كان بوبي يفضل أن تلاعبه أنت .
- لقد تمتع بصحبتك كثيراً . كنت تبدين مرحة .
- صحيح . . والآن هل أقرأ الصحيفة ؟
رد ساخراً:
- هيا إقرأي . أكره أن أفسد عليك يومك الرائع .
تركها في البدء تقرأ بلا تعليق ثم لم يلبث أن راح يسألها عن نقاط معينة ، فعلمت أنه يصغي إلها باهتمام . . أخيراً وضعت الجريدة من يدها .
- هذا يكفي الآن . . أحتاج إلى فنجان شاي ، ماذا عنك ؟
- آسف . . لم أفكر في الأمر . . . اذهبي وتناولي الشاي .
- سأحضر الشاي هنا . . .
- أفضل أن أكون على انفراد عندما احتسي الشاي وعندما أتناول العشاء أيضاً.
- طبعاً . . ولكنني سأحمله لك بنفسي . هل من مانع ؟
وعندئذ أقول لك ما هو على الأقل .
قال لها : " حسن جداً " ثم أشاح عنها وجهه .
عندما وصلت سيليا أسفل الدرج كانت كارول قد عادت من كليتها . فسألتها :
- أكل شئ على ما يرام ؟
- نعم . . . لماذا لا تصعدين إليه ؟ فسيكون سعيداً برؤيتك .
- أكان على ما يرام ؟
- حسناً . . لم يرميني بشئ . كيف كان يومك في الكلية ؟
ردت وهي ترتقي الدرج :
- رائع ..
- اهتمي بكليتك وانسي القلق على والدك . . . بالمناسبة ماذا تدرسين ؟
ضحكم كاروول:
- احزري!
- لا تقولي الطب ؟
- وما سواه .
- حقاً . . أراك فيما بعد .
وقفت كارول أمام غرفة أبيها تهمس :
- هل الدخول إليه آمن ؟
- إنه آمن من البقاء خارجاً !
ضجكت كارول وهي تدخل ، فابتسمت سيليا ثم توجهت إلى المطبخ لتقول لمدبرة المنزل أن برودي وكارول يطلبان الشاي . أما هي فتريده في غرفة الجلوس.
بدت كارول هانئة البال تضئ وجهاا إبتسامة مشرقة .
- لقد جالس يحادثني . . مهتماً بما أقوله . . فعلاً.


لكن هذا لا يدل على نجاحها . . فقد يطلب منها غداً الرحيل وقد يشجعها على التنفيذ تعليقات خبيثة أخرى تطلقها كريستبال .
تلك الليلة عندما حملت إليه صينية الطعام حيث كان في النهار جالساً امام النافذة التي أحدق بها الظلام . وهذا ما ذكرها بأنه لا يستطيع إلا رؤية الظلام الذي يلفة ببراثنه .

- أحضرت لي العشاء ، وهذا يعني أن الظلام هبط على الكون خارجاً . أليس كذلك سيليا ؟
- كيف عرفت انني قادمة ؟
بدأت ترتيب الطعام على المائذة . فهز كتفيه :
- من عطرك .
قطبت جبينها :
- ولكنه عطر جديد . لم أضع مثله من قبل .
دنا منها حتى كادت أنفااسه تحرك شعرها :
- قلت لك عطرك سيليا . . . عطر جسدك كعطر الأرض والقمر والسماء . . . كأفروديت تماماً..
- أوه . . .
- أليس عندك أكثر من الآهه ؟
ولكنها عوضاً عن الرد راحت تصف له عشاءه , متجنبه النظر إليه . . فما برودي إلا مريض تعتني به . . ولكنه تمتم رداً على سؤاله :
- جبانه .
ردت بعنف :
- لست جبانه . . إنما أعتقد أن هذا النوع من الحديث قد يفضي إلى أية نتيجة .
- أنت على حق سيليا . . فلن يجدي الحديث نفعاً ما دمت أؤمن أن اللأفعال صوتاً يعلو صوت الكلمات .
وقبل أن تعرف نواياه شدها إلى فوق يضمها إليه بلهفة . . . أرادت ان تقاوم بل حاولت المقاومة ، ولكن جسدها خانها . . . فاندست في صدره متأوهة وكأنها لا تعرف لها سيداً غيره ز.تأوه هو أيضاً :
- ماذا تردين . . صفي ثوبك ؟
- إنه ثوب أسود . . .
- أله ياقة مقفلة ؟
راحت أصابعه تعبث بالزر المستلقي قرب عنقها :
- أحب ملمس بشرتك . ولكنني أعرف أن جمال شعرك البراق يتوهج متألقاً أمام اسوداد الثوب .
- وكيف عرفت ؟ . . .
- لقد وصفته أمامي . . . أتذكرين ؟
عرفت سيليا سبب تحركاته ، وندمت عليها . . كانت تعرف أنه في هذه اللحظات نسي عماه الذي ما عاد يهمه في هذا الوقت فقد كان يداعبها بيديه لا بعينيه .
تصرف برودي بوحشيه بغيتة إثارتها ومعاقبتها ، وقد كادت فعلاً تشهق ألماً . ولكن المشكلة أنها كانت تحس يالسعادة بين يديه رغم هذا الألم . . . فقد مضى زمن طويل منذ أن ضمها على هذا النحو . . . زمن طويل . . طويل .
فجأه أبعدها عنه بفظاظة وقد تحجرت عيناه قسوة والتوى فمه ازدراء حتى حسبته يراها .
قال لها وهو يمرر أصابعه في شعره الكث :
- لقد إستطعت لمسك أخيراً .
ابتلعت لعابها بصعوبة :
- برودي . . . أنا . . .
- ما أغرب الأمر ! لقد شعرت أنك مألوفة .
يستحيل . . يستحيل أن يتذكرها ! لقد مضى ست سنوات ، وقد تغيرت ، باتت أنضج . . . يالله . . . إن لم يثر فيه أسمها الذكريات فكيف لجسدها أن يذكره بها .

نادها عابساً
-سيليا ؟
- ما زلت هنا .
- أعرف . . أظنني برهنت أن كل حواسي ما زالت تعمل بشكل طبيعي .
اجمر وجهها وتلعثمت حياء وهي ترد :
- صحيح . . أعني . . لقد برهنت . . والآن يجب أن أنزل لتناول العشاء . . سيبرد طعامك ، بل برد طعامك . . سأحمل إليك صينية أخرى .
- ياللغرابة ، لم أعد جائعاً ! لقد اكتفيت .
كانت أنفاسها مقطوعة في حلقها أمام كلماته المهينة . فردت باشمئزاز :
- إذن ، من السهل إرضاؤك سيد بادجر ، لأنني لم أكتفِ بعد وأستطيع أن أجد ، إن تركت هذا السجن ، من يساعدني على الإكتفاء . . . عمت مساءً سيد بادجر . . .

- أيتها الـــ . . . .

استطاعت ، قبل أن تقبض عليها يدها ، الفرار إلى خارج الغرفة ، فقد بدا لها مجرماً يرغب في وضع يديه على عنقها لخنقها .

ترى أما زال برودي في عقله الباطني يذكرها ؟ ألهذا أحسَّ بأنه عانقها واحتواها بين ذراعيه على هذا النحو من قبل ؟ هل تذكرها ؟ لو تذكرها حقاً لوجب عليها الرحيل . . . نعم . . الرحيل . منذ ست سنوات أحبت برودي ولكنه أختار زوجته ورفضها . . . وإن ثابرت على عملها هذا علم برودي أنها ما تزال تكن له ذاك الحب . . .

الليلة ، عندما عانقها ، أيقنت أنها ما تزال تحب برودي بادجر !

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:44 PM

5 - الكلمات لا تقتل
http://www.mooode.com/data/media/181/71oi.gif
كان لسان كريستبال إير خلال العشاء أكثر حدة ولذاعة ، أما كارول فكانت تتكلم بسرور وسعادة غير مدركة للجو المشحون ، فقد شعرت بالراحة لأن سيليا ترعى أباها ولكن سيليا ودَّت لو يكون عندها الثقة نفسها ، فلم تكن تعرف كيف تواجه برودي على أساس مهني بحت بعدما جرى بينهما .
ظهرت مدبرة المنزل بباب غرفة الجلوس أثناء احتساء القهوه , تقول مبتسمة :
- لك اتصال آنسة هالام .
لحقت سيليا بمدبرة المنزل إلى حيث الهاتف .
- آنسة هالام ؟
كان المتكلم رجلاً .
- أجل .
- أنا جوناثان هال سيليا . . . هل أقدر على مناداتك سيليا ؟
- أوه . . طبعاً . . حرت في هوية المتصل .
- قطعت عليك عشاءك ؟
- أبداً . لقد أنهيته منذ برهة .
- وأنا كذلك . . وهذا أفضل . . لأنني . . ما أحاول قوله . . أنني أحب مقابلتك الليلة .
- اوه .. لكنني
- علينا التحدث عن مشكله برودي .
- طبعا .. اين نلتقي ؟
- سأترك المستشفي حالا وأوفيك في منزل ال بادجر بعد عشرين دقيقه .. حسنا ؟
- عظيم .
- كيف تشعرين بعد يومك الاول ؟
- كما تتوقع تماما .. مجهده .
ضحك قبل ان يقفل السماعه .. كانت سيليا جالسه في المقعد حين نزلت الانسه ويل تحمل صينيه عشاء بردوي . فسألتها :
- كيف حاله ؟
- ليس جيدا . سأل عنك .
- كنت سأصعد اليه .
ارتقت السلالم ببطء غير تائقه الي مواجههته ، لكنها لم تعد سيليا هالام الخجوله بل اصبحت ممرضه ذات خبره لذا قررت معامله برودي كما تعامل اي مريض اخر .
ولكن المنظر الذي واجهها في غرفته ابعد عنها تصميمها وعزمها هذا .. فقد كان برودي خارجا منذ برهه من الحمام مبتل الشعر مرتديا بنطلون بيجاما فقط.. توقف فاجأه عندما شعر بها فرفع رأسه .
- من هنا ؟
رطبت شفتها استعدادا للرد ولكنها وجدت صعوبه .. فقال ساخرا :
- سيليا ادخلي .. بالله عليكي ماكنت اريد ان تعود الانسهويل فتصدم .
- وانا اتراني لا اصدم؟
- اشك في هذا فانا لست اول رجل تشاهدينه هكذا .
- لا .. لقد اعتنيت برجال كثر في السنوات التي عملت فيها ممرضه .
- لم اكن اشير للتمريض .
وجلس علي حافه السرير ثم سألها وقد شعر بها تتحرك .
- الي اين تذهبين ؟
- الي الحمام . حان وقت الدواء .. اترغب في اقراص منومه ايضا ؟
- استلقي فوق اغطيه السرير :
- اجل .. وما غير النوم قد افعل ؟
حين عغادت اليه كانت عيناه مغمضتين ولكنه سرعان ما جلس لتناول كوب الماء منها راميا الحبوب في حلقه مع قليل من الماء .
- ظننتك خارجه ؟
- انا خارجه فعلا .
- الي اين ؟
- ارعبتها نبرته المتعجرفه :
- لم اتباحث مع كارول تفاصيل عملي ... ولكنها بألتاكيد ستمنحني حريه التصرف مساء .
- بكلمات اخري : ليس من شأني ان اسألك عن المكان الذي تقصدينه .
- بالظبط .
- سيليا ...

-أتريد شيئاً قبل خروجي ؟
أشاح وجهه عنها وقال ببرود :
- أحتاج أشياء كثيرة . ولكنني لن أطلب أياً منها .
دفعتها نبرته المهزومة إلى العبوس :
- لا أفهم . . .
- ولن تفهمي . بل لماذا تفهمين ؟ . . من هو . . سيليا ؟
- هو . . .؟
- الرجل الذي سيخفف عنك الإحباط الذي سببته لك .
احمر وجهها لأنها تذكرت ذاك الإدعاء الذي تفوهت به حين أغضبها وأفقدها أعصابها . . .
- أنا لن . . .
- من هو سيليا ؟ .. .
- إنه جوناثان . . . سأخرج مع جوناثان هال ؟
- مساعدي ؟
أجل .
- فهمت . . أو على الأقل أظنني فهمت . . هل تتورطين عادة مع كل طبيب مسؤول عن حالة مريضك ؟
إهاناته تجرحها فعلاً . وعليها الإبتعاد عنه حالاً ولو لبضع ساعات . . ولكنها لن تلوم إلا نفسها على هذا الوضع ، فنفور برودي منها جزء من العلاج الذي راح يحطمها شيئاً فشيئاً .
ولكنها ردت ببرود :
- إذا قضيت الظروف ذلك . . .
- إي إذا كان بهي الطلعة ووسيماً .
أجل . . هذا بالضبط ما أعنيه !
تحركت يداه لتطبقا على معصمها :
- وهل تشاركين الأطباء حياتهم عادة ؟
انتزعت سيليا يدها من قبضته متوردة الخدين ترد بغضب :
- إذا أعجبوني . . ألا تعلم أن المشهور عن الممرضات أنهن يشاركن الأطباء فراشهم ؟
التوى فمه :
- ولكن ممرضاتي لم يقمن بذلك معي.
- ربما لأنك لم تطلب هذا من الممرضة المناسبة !
ثم انسحبت من الغرفة دهشه من ارتجاف يدها . ماذا سيحدث يا ترى قبل أن تمضي هذه الحالة ؟
هز جوناثان رأسه بتفهم حين أخبرته بما جرى من حديث بينها وبين برودي :
- ليس برودي برجل يسهل فهمه . . . حتى وهو سليم الجسم .
- بكل تأكيد .

لم تكن أعصاب سيليا قد هدأت على الرغم من أنها وجوناثان يجلسان في هذه الصالة الهادئة المريحة منذ ربع ساعة تقريباً . . . كانت قد أخبرته بما قام به برودي اليوم معها ، ولكنها تمنعت عن ذكر ما حدث قبل العشاء .
قالت كارول أنك وبرودي تعرفان بعضكما بعضاً قبل الآن !
- كان هذا منذ زمن بعيد .
- لم ألاحظ أن برودي يذكرك .
- لم نكن صديقين بكل ما للكلمة من معنى !
- أوه ؟ ورغم ذلك هرعت إليه حالما سمعت بالحادث ؟
- اتصلت كارول بي . . .
قاطعها بنعومة :
- سيليا . . . هل أحببت برودي في ما مضى ؟
- لا ! بلى ! منذ زمن بعيد . . أجل . . لماذا تسأل ؟
- أحب أن أعرف شعورك تجاهه ؟ مع أنني لا أزج أنفي في شؤون الآخرين . ولكنني أود أن أعرف إلى أي مدى يصل اهتمامك ببرودي .
تورَّد وجهاا :
- إن أية ممرضة ستهتم به فهو جراح لامع و . . .
- لا تهمني مشاعرك كممرضة مع أن لهذا تأثير كذلك . أعتقد أنك تريدين لبرودي كل خير .
- طبعاً !
- حتى لو كان ما هو خير له وخير لي لا يتفقان ؟
التوى ثغرها :
- لو نفذ ما في رأسه لقضى ما تبقى من حياته أسير كرسي قرب نافذة غرفته .
ابتسم :
- وهل قلت له هذا ؟
- هذا ما قلته ضمن أقوال أخرى . . .
- كانت المرة الوحيدة التي شاهدته في أسوء حالاته عندما زرته في المستشفى .
تنهدت :
- حين فقد أعصابه .
- ولكنه على الأقل كان يحارب .
- حسناً . . ماذا تريد أن أقدم لمساعدته ؟
مال إلى الأمام بلهفة :
- سام بيانشن قدم من أمريما يوم الجمعة . أنه أشهر أطباء العيون في العالم . . وهو آتٍ لمعاينة برودي .
- هذا رائع !
- لا . . ليس رائعاً . ز
- لا . . ؟ أوه . . ثمة شخص واحد لم تخبره بقدوم بيانشن ؟
- بالضبط .
- وتريد أن أقوم بالمهمة ؟
- أوه . . أستطيع إخباره . . بل أن مطلق شخص قد يخبره ز ولكن لن يستطيع أحد إقناعه برؤية بيانشن إلا . . .
- انا .
- أجل .
- ولكنني لا أفهم . إن برودي يريد إستعادة بصره بقوه ، لذا لن يرفض أن يعاينه بيانش . . .
تنهد جوناثان :
- افهمي سيليا . . . برودي رجل غير عادي . إنه نابغة في ميدانه . . لذا هو خائف .
- خائف ؟ إتما ممَّ يخاف ؟
- أَوَلن تخافي أنت ؟
إنه في الواقع يخبئ نفسه رافضاً رؤية أخصائي لأنه يوهم نفسه أنه سيرى يوماً ، معتقداً أن عماه مؤقت . . .
- ولكنه بدا لي واثقاً أنه لن يرى مجدداً !
- لا . . المرارة هي أفضل دفاع له حالياً . . ولو قابل بيانشن وقال إن عماه دائم ، لفقد كل أمل ورجاء بالحياة . . . وهذا ما لا يقوى على تحمله .
- لماذا تكبده هذا العناء ؟ لقد عانى كثيراً ولن أكون المسوؤلة عن المزيد من المعاناة !
- ولو كان هناك أمل في استعادة بصره ؟ هذا ليس حقل إختصاصي سيليا . . . كانت أعصاب البصر بعد العملية حساسة جداً فلم نستطع تشخيص حالتها بدقة . وقد حان الوقت الآن ؟ فهل تحرمينه الفرصة ؟ هل تحرمينه العودة إلى مهنته ؟
شهقت :
- تعرف أنني لن أفعل هذا . ولكنني لا أريد أن أكون السبب في مزيد من الألم .
- وقد يتمكن بيانش من إجراء عميه له .
ردت بفتور :
- برودي يكرهني . . . ولا اظنه يسمع كلامي أو يتقبله .
لمس يدها بلطف :
- فكري في الأمر سيليا . . . أمامك مهلة حتى مساء الخميس وبعد هذا الوقت قد أضطر بنفسي إلى إخباره .
- أنت تعلم أنه لم يخرج من البيت منذ أن عاد إليه . . . إن مجرد إقناعه بالخروج أمر مرهق . . أما إقناعه برؤية أخصائي ، فأمر أكثر إرهاقاً. بل يكاد يكون مستحيلاً .
ضغط جوناثان على يدها :
- لا اطلب منك إلا المحاولة . . . والآن كفى كلاماً عن العمل الليلة . . فلنتحدث عن أشياء أخرى . . . فأنا موضوع مهم جداً .
أضحكها مزاحه ، ثم لم يلبث أن راحا يتناقشان في موضوع العمل والمستقبل فوجدته مرحاً جذاباً . يحب برودي ويحترمه وهو إلى ذلك معجب به جراحاً.
نظرت إلى ساعتها ، فدهشت حينما وجدت ان الوقت متأخر .
- يجب أن أعود حالاً . . . لأطمئن عليه قبل ان أنام .
- سأراه يوم الخميس إذن ن وعندئذ قد نتعشى معاً .
- سأحب ذلك . شكراً لك .

كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة حين وصلت إلى المنزل . وهذا يعني أن برودي نائم منذ ساعات .. . ارتقت الدرج ببطئ متوجهة إلى غرفة برودي التي ما زال النور مضاء فيها ، ففتحت الباب بهدوء فإذا برودي مستلق في السرير والأغطية على الأرض . لم تستطع مقاومة الرغبة في الوقوف إلى جانب السرير لتتمكن من تركيز بصرها عليه دون التعرض بسخريته.
فجأة نهرت نفسها ، فهي تخوض معركة فوق أرض خطرة . . تعلمت منذ أن تدربت على هذه المهنة أن تهتم بالمريض , دون التورط عاطفياً معه ، ولكن مع برودي تحطمت كل القوانين .
أبعدت بنعومة شعره عن جبينه ، فأحبت ملمسه الناعم بين أصابعها . . غذاً سيعود كل منهما إلى إظهاار الكره ، ولكنها الآن ستسمع بحبها بالتدفق ولنفسها بالغرق قليلاً في أحلام اليقظة . . . ما أروع ان تكون زوجة برودي . . . ليتها تستطيع الجلوس قربه لتوقظه بأفضل طريقة محببه ما بين الرجل والمرأة .
- بإمكانك فعل هذا لو أردت .
نظرت العينان الرمادتيان إليها مباشرة فابتعدت يدها عنه مذعورة وامتقع وجهها .
- دخلت لأرى إن كنت بحاجة إلى شيء . . و . . و . . ظننمط ناضماً.
التوى فمه وهو يجلس مستنداً إلى الوسائد:
- هل تلسين مرضاك عادة وهم نيام؟
- بالطبع لا !
- ألم يكن جوناثان مرضياً لك ؟ يا للأسف ! . . دعوتي ما زالت قائمة .
رفعت سيليا يدها وعي إلى حنجرتها :
- آية دعوة ؟
- التي قدمتها لك . . ما إن تصبحي قربي حتى يزول بيننا هذا الوضع غير المتساوي معك .
- لك تكن يوماً غير متساوٍ مع أيِّ كان برودي . لا الآن . . ولا . . .
- ولا . . ماذا ؟
- لك سمعة رائعة في الجراحة . كان جوناثان يتغنى بك طوال السهرة .
- حقاً ؟
- أجل . . إنه . .
- لا أعبأ بجوناثان سيليا .
- قال إنه سيزورك مساء الخميس .
- يا- سأكون هنا . . فأيم أذهب ؟
الله ! رثاؤك على نفسك يثير غضبي !
- إذن أتركيني .
- تعرف أنني لا أستطيع .
- أوأعرف ؟
- أجل . . اسمع لم تجبرني على تركك . قد تحاول ، وقد تهدد . .
- ما نوع التهديد الذي يشكله أعمى لك ؟
- أتريد فعلاً أن تعرف ؟
- ما كنت لأسأل لولا جهلي .
توجهت إلى الباب حيث أطفأت النور ، فعمت الظلمة الغرفة .
- ماذا فعلت. . هل أطفأت النور ؟
- أجل . . أوه . . هل لك أن تساعدني . . لقد خضت تماماً في الظلام ؟
- أضيئي النور إذن .
- لا أستطيع . . فلا أعرف أين أصبح الزر .
ما هي إلا لحظة حتى تعثرت ووقعت على الأرض . . فصاح برودي خائفاً :
- سيليا . ماذا حدث ؟
-
- بقد وقعت . . اللعتة .
أمسكت يده الثابتة بها لترفعا على الأرض . . ها هما في الظلمة سواسية .
- سيليا ! هل انت بخير ؟
- أجل . .
- ماذا تحاولين إثبانه ؟
- لا شئ . . أحاول قد أن أظهر لك إننا متساويان في العتمة .
- لقد أثبت أنني في الظلمة أتفوق عليك . كنت أعرف أين أنتِ بالضبط ، أما أنتِ فلم يكن لديك فكرة .
قادها ببطئ حتى أشعل نور الغرفة .
- هاك . . هل أنت أفضل حالاً ؟
ردت بجفاء :
- علي الإيواء إلى فراشي فقد تأخرالوقت .
- مازال عرضي مفتوحاً . وبإمكانك ترك النور كما هو . . لقد مضى علي زمن طويل سيليا ...

ليته صاغ طلبه بشكل آخر . . . ليته قال أنه يشتاق إليها منذ زمن طويل . . نعم إليها ! ولكن إسمعوا ما قال ؟ شعرت بالغضب يستحوذ عليها فصاحت به :
- كيف تجرؤ على هذا الكلام ؟ أنا ممرضتك سيد بادجر لا شئ آخر .
- أنت تدخرين كل شيء للطبيب المختص . . هه ؟
لم ترد على إهانته . . بل تركت الغرفة بهدوء متجاهلة نداءه الملح . . . ما أشد كرهها له على تحقير حبها . . .
كان برودي بارداً مريراً كعادته في اليوم التالي ، فقد رفض ثانيه مرافقتها إلى الحديقة ، كما رفض مغادرة غرفته . . فصاحت به :
- انت تتصرف كالأطفال .
- وأحس أن كارول هي الأب المسؤول وأنني الطفل الذي يقاد من يده . . هل لديك فكرة عما يفعله هذا في نفسية رجل ؟
- أوه . . برودي . . .
- أخرجي من هنا !
وأدار لها ظهره ، فأمسكت ذراعه :
- برودي . . .
- ألا تفهمين . . أريد الإنفراد بنفسي ! إذهبي إلى الحديقة وتسلي مع بوبي .
في الواقع ، وقعا أسيري رتابة متوترة مملة في الأيام التالية .فمزاج برودي بقي متفجراً بل راح غضبه يوماً فيوماً يزداد حتى باتت تعجز عن محادثته ، وكانت النتيجة أن إمتنعت عن ذكر زيارة سام بيانش .
ذلك أنها لم تجد الفرصة المؤاتية لأعلامه . . . بعد ظهر يوم الخميس ، سيطر اليأس عليها ، فهي تعلم أن جوناثان يعمد عليها ، وأن كارول تضع الآمال الكبيرة على زيارة الأخصائي وعلى الرغم أن سيليا هيأت الفتاة لأسوء الإحتمالات ، فد بقيت كارول على تفاؤلها . . وهذا ما دفع سيليا زخماً من الشجاعة لتعرض على برودي الفكرة .
بعدما أنهت قراءة الصحيفة عليه ، تأخرت في الذهاب لإحضار الشاي كما اعتادت . فأحس بترددها :
- حسناً . . ماذا هناك ؟
- برودي . . ماذا تعرف عن سام بيانش ؟
انتفض حينما سمع اسم الطبيب العيون وشحب وجهه .
- وماذا يجب أن اعرف ؟
- برودي . . .
- ماذا علي ان اعرف سيليا ؟
وقف بشراسة :
- جوناثان . . .
- لا . . لن أسمح بأن تتآمرا علي من وراء ظهري !
- أنت مصاب بعقدة الإضطهاد !
- صحيح ؟ حقاً ؟ ألم تقرري وجوناثان عرضي على بيانشن حتى دون استشاري؟
- حسناً . . أنا . .
- تعاملاني وكأني صرة من المهملات . وكن الحادثة لم تؤثر على عقلي سيليا . . . ولا يحق لكما اتخاذ قرار دون استشارتي .
- ولكن لو طلبنا منك . . .
- لقلت لا ! وهذا ما أقوله الآن !
- ولكنه قادم من أمريكا من أجلك فقد !
- إذن فهو يضيع وقته ورحلته سدى . فلن آراه لا الآن ولا في المستقبل !
- برودي . . .
- الرد هو "لا " سيليا .
ردت بغضب :
- إذا كنت لا تريد أن تراه من أجل نفسك فعلى الأقل من أجل كارول ! إنها تضع آمالها على هذه الزيارة .
ازداد احمرار وجهه :
- لم يكن من حقك تصعيد آمالها قبل أن تسأليني !
- أنا أثق بذكائك . . .
- أخطأت حين وثقتي بي . . . فأنا لن أقابل بيانشن أو أي شخص آخر .
ارتدَّ عنها مستقيم الظهر متوتراً , ولكنها دنت منه تضع يدها على ذراعه ، فلمّا انتفض من جرَّاء لمستها ردّت يدها إلى جانبها .
- اصغي إلي برودي ، أعرف أنك خائف . . لكن . .
جعلتها وحشيته عندمت التفت ترتد إلى الخلف .
- خائف ؟ انا لست خائفاً . . بل أحس بالسقم من بلهاء مثلك تحاول أن ترشدني إلى مت هو خير لي ! ماذا تعرفين عن العمى ؟ ماذا تعرفين عن مشاعري ؟ لا تعرفين شيئاً . . ! اخرجي من هذا المنزل . . الليلة .. أسمعتي ؟
- سمعتك .
- إذن إرحلي . . . ارحلي . . . اليلة . وقولي لجوناثان إنني لن أقابل بيانشن أو أي أخصائي آخر .
- إن سام هو أمهر طبيب في هذا المجال كما تعلم .
عندما لم يرد برودي عليها ، رأت أن لا خيار لديها إلا مغادرة الغرفة التي ما إن تركتها حتى استندت غلى بابها القوي بوهن . . . برودي يعني ما سقول . . إنه يريدها خارج منزله . . . وهي لا تريد الرحيل إذ لا تسطيع تركه وهي تحبه كل هذا الحب .

ذكرى المرجوحه 15-07-09 12:49 PM

6- لا امل
http://www.mooode.com/data/media/181/78.gif
لم يظهر برودي ما يشير على التراجع في قراره . . وعندما حان وقت جرعة الدواء مساءً ، وجّهت سيليا كارول إلى ما عليها فعله .
وكانت كارول قد أبلغتها أن والدها ما زال يرفض مقابلة سام بيانشن عاماً أنه بات أهدأ حالاً ، ولكن سيليا تعلم أن مجرد ظهورها أمامه سيعيد إليه تكدره وغضبه .
وهكذا بقيت بعيدة عنه . . فظنها غادرت المنزل . كانت تعلم أن اللوم يقع عليها لأنها سمحت لنفسها باتختذ قرار يتعلق به ، ولكنها ما فعلت ذلك إلا في سبيل مصلحته . . . وانظر ما كانت النتيجة . اعتبر أنها وجوناثان خدعاه وهذا ما لا يغفره .
وصل جوناثان في السابعة والنصف مساءً . . فبدا وسيماً ببدلته الأنيقة . . . أدخلته سيليا على غرفة الجلوس وهي تعي نظرة كريستبال إير الممعنة . قال جوناثان بعد تحية مهذبة :
- علي فوراُ التوجه إلى غرفة برودي مع انني أعرف ما ينتظرني هناك .
ضحكت سيليا :
- فليكن الله في عونك .
- نعم أنا فعلاً بحاجة إلى العون .
قالت كارول بعد أن صعد الطبيب :
- عندما كنت معه رفض الحديث .
- عندما كنت معه رفض الحديث . . .
وردَّت السيدة إير ببرود :
- لأنه يعرف أن الأخصائي لن يقدم له شيئاَ . . . وكذلك الحالة بالنسبة للممرضة . . . إنه بحاجه إلى أن يترك وشأنه .
ردت سيليا بتحدٍّ وقد أغضبها تصرّف المرأة العجوز :
- لماذا نتركه ؟
تشدقت كريستبال باستخفاف :
- ليستعد عافيته طبعاً . .
- وكيف يستعيد عافيته دون معونه طبية ؟
- إنه لا يجتاح إلى النوع الذي تقدمينه له !
شهقت كارول من الإهانه المتعمدة :
- جدتي !
أما سيليا فوقفت تقول ببرود:
- عذراً . . علي الاستعداد لموعد العشاء . . لا أريد ترك جوناثان منتظراً .
ضاقت عينا العجوز الزرقاوين :
- ستخرجين مع السيد هال ؟
ردت بتعال :
- أجل . . ولا أريد التأخر عن خروجنا .
كانت السيدة إير امرأة سليطة اللسان حقاً ولولا حاجة برودي إلى عونها لتركت المنزل الليلة إلى غير رجعة . . ولكنها قد تضطر إلى الرحيل إذا أصرَّ برودي على ذلك . . . إذ كيف لها البقاء رغماً عنه !
كانت تنتظر في غرفة الجلوس الصغيرة حين نزل جوناثان بعد نصف ساعة . . فضاقت عيناه إعجاباً بما رآه . . وتلاشى التوتر الذي مرَّ به عندما كان مع برودي ، فابتسم لها . . . وانحنى يلثم وجهها . في هذه اللحظه بالذات كانت كارول تتقدم نحوهما ، متضرجة الوجنتين .
- أوه . . آسفة ! لم أقصد مقاطعتكما . .
التفت جوناثان إليها وذراعه ما تزال حول كتفي سيليا !
- لم تقاطعينا . . . فكلانا مرَّ بالجحيم مع والدك حتى بتنا نحتاج إلى القليل من المؤاساة .
ضحكت كارول منزعجة ، ورفعت حاجبيها متسائلة :
- وهذا ما حدث لي أيضاً . . . فهل أستحق قبل’ ؟
تمتم جوناثان متردداً ثم لم يلبث أن سحب يده عن كتفي سليا .
- حسناً !
وانحنى يلثم وجهها . . . ارتبكت كارول ثم تمالكت نفسها وقالت بمرح تمازح جوناثان على ترددة :
- هذه هي المرة الأولى التي أتلقى فيها قبلة وأنا في سن النضوج !
ضحك:
- ستحصلين على أكثر مما ترغبين إن لم تتأدبي.
فضحكت :
- ما عليك إلا أن تطلب . .
ثم التفتت إلى سيليا . . .
- أريد الاعتذار على ما بدر من جدتي . . . إنها تتصرف بطريقة غريبة منذ حادثة أبي .
- لقد مرَّت دون شك بتوتر شديد كارول . . . أما أنا فلا أهتم بتعليقاتها اللاذعة .
- حسناً . . إذا كنت واثقة . . . ؟
ابتسمت وهي لا تريد تكديرها :
- أنا واثقة . . والآن اذهبي قبل أن يبرد العشاء .
سألها جوناثان وهما في الطريق إلى المطعم :
- عمّ كانت تتحدث ؟
- عن أمر تافه . . السيدة إير تكره وجودي في المنزل . . كما تكره وجود أي ممرضة لأنها ترى أن برودي لا يحتاج لمن يرعاه .
- لا أذكر أن كاثرين عانت من مصاعب معها .
إذن ربما لا تحبني وحدي . . . مع أن ذلك لا يقليني أبداً . . . كما عليك أن لا تقلق أنت . . . ماذا جرى مع برودي ؟
تنهد تنهيدة عميقة :
- لم أفلح كثيراً . . سنتحدث عن الموضوع خلال وجبة العشاء .
قال لها وهم يأكلان :
- لقد رفض بالطبع وهذا ما كنت أتوقعه منه بل لو كنت مكانه لرفضت . . . فليس هناك أخبار جديدة جيدة بالنسبة له . . ولكنني أعطيته شيئاً يفكر فيه . بيانشن دبر زيارته هذه بصعوبة فإن رفض برودي مقابلته ضاعت الفرصة من يديه لأنني لا أعرف متى يتمكن من رؤيته ثانية .
- وهل شرحت الأمر لبرودي ؟
- أجل .
- وماذا كانت ردة فعله ؟
- لم يهتم . . ولكن أمامه ست عشرة ساة لتفكير . فالموعد محدد في الساعة الثانية ظهراً . . . وأظن أن عليك أن تصحبيه بنفسك . . . أتجدين قيادة السيارة ؟
- أجل . ولكن لو غير رأيه ، فأنا على استعداد لحمله إلى هناك ! هل تعتقد بأن الوقت كفيل لتغير رأيه ؟
- إذا لم يقنعه الزمن فقد فشلنا . . .
ردت بصوت منخفض متهجم :
- وأنا فشلت . . وإذا قرر برودي غداً الذهاب إلى المستشفى ، فسيكون هذا من صنيعك وحدك .
- وكيف تجدين كارول ؟ أتقوى على تحمل هذه المسؤوليات كلها ؟
- إنها تتحملها بنضوج ووعي .
- إنها تحب مداعبتي كتلك القبلة مثلاً .
داعبته سيليا هذه المره بالقول :
- أكانت مزاحاً ؟
بدا عليه ما يشبه الغضب .
- ظبعاً . . كارول إلا طفلة .
تهلل وجهها شفقة :
- ابنة الثامن عشر قادرة على الحب كابنة الخامسة والعشرين تماماً . . هذا مت أعرفه تمام المعرفة لأنني جربته بنفسي .
- لكنه حب لا يدوم .
- بل كانت كذلك . . .
تأوه :
لم يكن لدي فكرة عن هذا . . حسبتك تغلبت على ألم ما كان بينك وبين برودي .
- كان حب من طرف واحد ، وبرودي إلى هذا لم يكن يعرف أنني أهبه .
- البقاء معه في الوقت الحاضر جحيم إذن عليك .
- لا يهم هذا . . أما الأهم فإلغاء فكرة الابتعاد عن كارول بسبب صغر سنها . . إنها ليست طفلة .
- ربما . . حين ينتهي هذا كله . . .
- هذا إذا انتهى . . وهذا واقع يجب أن نواجهه .
- ليس الآن إنما بعد أن يقابل برودي بيانشن .
انتقلا من المطعم إلى نادي الرقص حيث رقصا إلى بعد منتصف الليل . . بعد إنتهاء السهره توجه جوناثان إلى منزل آل بادجر ليوصلها .
- أراك في الغد .
- أرجو هذا .
كان الجميع نياماً ، فالساعة تجاوزت الواحدة ليلاً . . ولا مجال لتأخير دخولها إلى غرفة برودي . . . عندما دخلت عاودها الاضراب ثانية . فعوضاً عن رؤيته نائماً في سريره ، وجدته جالساً على الأريكة أمام النافذة ، في كامل ثيابه . والستائر مسدلة بحيث لم يعد أمامه إلا المخمل البني .
التفت بحدة حينما شعر بوجودها رافعاً رأسه مقطب الجبين . لم تكن تحلم أنه ما زال خارج فراشه ، وكانت المجابهة آخر ما تحتاج إليه .
- آسفة برودي .. . ظننتك . . نائماً .
بدلاً من الغضب الذي توقعته ، ارتعش صوته وهو يقول :
- وأنا ظننتك رحلت !
مدت يديها متوسلة ولكنها لك تلبث أن أسلبتهما بعدما تذكرت عجزه عن رؤيتها . قالت بحزن :
- لن أرحل برودي . . مهما كان عدد المرات التي تطلب مني فيها الرحيل .
- ولكن كارول قالت أنك تركت المنزل .
- صحيح . . خرجت هذا المساء .
- برفقة جوناثان ؟ لا تنكري ! أشم رائحة عطره عليك . . . سيليا . . أهو كفؤ لك ؟
شهقت :
- برودي !
مد يده يمسك يدها :
- أهو كفؤ ؟ أخبريني ؟
سحبت يدها منه بقوة :
- لن أخبرك شيئاً . . دخلت أريد الإطمئنان عليك . . . وبما أنك بخير أقول عمت مساءً !
وأسرعت تخرج من الغرفة قبل أن تتفوه بشئ يزيد الأمور سوءاً .
سمعته يتجول في الغرفة دون هوادة ، فوضعت الوسادة على رأسها . . لأنها لا تستطيع تحمل ما شير إلى قلقه . . كانت تشعر بالالم لأنه يرفض رؤية بيانشن ، وبالعجز لأنها لم تقدر على إقناعه !
- سيليا ؟
تسمرت في الفراش ولكنها لم تلبث أن ازالت الوسادة عن رأسها في عتمة الغرفة فشاهدت برودي بوضوح يقف قرب سريرها . في تلك اللحظات لم تستطيع التفكير إلا في أنه غادر الغرفة أخيراً . . لقد غادر أخيراً الغرفة التي أصبحت سجناً له .
كرَّر بصوت أجش : "سيليا ".
ردَّت وهي تجلس أمامه على الأرض :
- أنا هنا . . أنا هنا برودي .
أمسكت يديه بيديها ، فقال ببساطه :
- أحتاج إليك .
- تحتاج . . ؟
- أحتاج أن أكون معك . . أحتاج أن تمسكي بي . . أن أكون معك وحسب . . .
ثم أنهى صوته بصوت متقطع : " فهل أطلب الكثير ؟ "
بدا لها وهو واقف تحت ظلال القمر متوتراً ، معرضاً لكافة أنواع المخاطر ، فعصف الألم بقلبها ولم يعد عقلها أو روحها أدنى رفض له . فردت بخشونه :
- لا . . هذا يس بالكثير .
- أيمانع جوناثان .
- برودي . . .
ولكنه سرعان ما ابتعد عنها .
- انسي أنني قلت هذا . . انسي أنني جئت إلى غرفتك . . إنها غلطة . . أنا فقد . . فكرت . . أنك رحلتِ حقاً .
مرّر يده على وجهه دليل تعب . . فرددت قولها مطئمنه :
- أنا هنا برودي .
ثم وقفت تطوق خصره بذراعيها من الخلف ، وتُحرِّك يديها على صده وااضعة خدها على ظهره الصلب :
- سأبقى هنا . . اجلس قربي. . .
- أواشقة ؟
ردت دون تحفظ :
- جداً .
استدار إليها متنهداً تنهيدة عميقة تحتضنها ذراعاه كطوق فولاذي . .
شهق قائلاً : " سأقابل بيانشن " .
ثم دفن رأسه في شعرها العطر ، مرتعشاً ، مرتجفاً . . فصاحت بإثارهة ولهفة :
- ستراه ؟
- سأراه . ولكن سيكون الأخير . إذا قال إن لا أمل . . فهذه النهاية . . موافقة ؟
- برودي . . .
- قلت لا مزيد من الأطباء سيليا . . هل توافقين ؟
عضت على شفيها مرتبكة ، بيلنشن هو أفضل طبيب عيون وإن قال لا أمل فهذا يعني أن لا امل طبعاً . فهل ستستطيع قطع الوعد ، والأمل يلازم الحياة دائماً ؟
- أعني ما أقول سيليا . . سأرفض بعده أي طبيب . . .
- حسناً جداً .
نظرت إليه بكل الحب لاذي في قلبها وكيانها ، ثم اندست بين ذراعيه تريد أن تشعره بما يعتمر في نفسها من حب وشغف .
- أنا متعب سيليا . . . متعب جداً .
- إذن أخلد إلى الفراش .
كان قلبها يعتصر ألماً وشوقاً إليه : " هيا أصعد . . . "
بعد لحظات قليلة عرفت من انتظام أنفاسه أنه غطََ في نوم عميق .
ولكنها تشعر بخيبة أمل كبيرة . . فحين قال لها أنه يحتاجها ظنت . . . يا الله . . اعتقدت أنه يحتاجها فعلاً . . فإذا به نائم قربها عاجزه عن الإقتراب منه رغم توقها الشديد إلى لمسه .
سمعته يتأوه وكأنه يحتج على وجودها معه :
- لا أريدك . . ألا تفهمين هذا . . دونا ! لا تذهبي . حباً بالله لا تتركيني ثانية . . أحبك . . وقد أحببتك دائماً . . سيليا لا . . ! لماذا تتخلين عني . . يالله . . لماذا تركتني ؟
بدا لها أنه فقد حين يغفو يذكر في عقله اللا واعي أنه عرف يوماً ممرضة صغيرة تُدعى سيليا هالام . . . ولكنها بالنسبة له لعبة يلهو بها ، أما المرأة التي أحبها فعلاً فهي دونا .
- برودي !
كان عليها أن توقظه الآن ، لأن بدأ بالصراخ . وقد يوقظ صراخه هذا أهل البيت جميعاً . . هزته قليلاً .
- برودي . . لا بأس عليك .
- ماذا . . .
ارتفعت الاهداب السوداء الطويلة وهو يستيقظ ، فسأل :
- أين أنا ؟ من انت ؟ سيليا . . ؟
- أجل . . كان كابوساً حعلك تصرخ وتصيح . . .
مرر يده على عينيه :
- أنا آسف . . أما زال الوقت ليلاً ؟
- أجل . . نمت ساعتين فقد .
اشتدت ذراعاه حولها :
- سيليا . . !
كانت تعلم أن عليها أن تمتنع عنه ، فهو ما زال يحب زوجته ، وسيبقى يحبها رغم موتها . فحاولت الابتعاد ولكنه منعها متمتماً :
- أنت بنعومة الحرير . . . أهناك كثيرون شعروا بملمسك الحريري ؟
شهقت : " أنا لم . . . "
- أكان هناك أحد ؟ أنت تتجاوبين بسرعة أكاد معها لا أصدق أن الوضع جديد عليك .
- برودي . . .
- أريد أن أعرف . . ألا تفهمين ؟
- لماذا تريد أن تعرف ؟ أتريد أن تعرف قوة منافسك؟
- لا . . ليس الأمر هكذا .
- ما هو إذن ؟
ثم نهضت من السرير ووقفت تنظر إلى الرجل المستلقي ، وسألت بحدة :
- لماذا تسألني هذا السؤال وأنا لم أطلب منك شيئاً . . أبداً ؟
- إذن ربما كان يجب أن تطلبي .
- ماذا تريد أن أطلب . . ؟ لائحة بأسماء النسوة اللواتي عاشرتهن منذ وفاة زوجتك ؟
التوى فمى سخرية :
- لن تكون لا ئحة كبيرة .
وابتعدت . . فقال شاهقاً :
- إلى أين ؟
- لأحضر بعض الحليب الساخن . . . وأكون شاكرة لو عدت فوجدتك خارج غرفتي .
- سيليا .
- أرجوك برودي . . أعرف أن ما حدث يظهرني انني أنانية . . أنا آسفة . . .
صمتت قبل أن يتحول الحديث إلى إحراج . أكملت :
- أريد منك أن تترك غرفتي على ألا تعود إليها ثانية أبداً . . . أبداً . . فأنا لا أقدم خدمات كهذه لمرضاي .
وخرجت تتعثر في خطواتها لا تلوي على شيء وعندما عادت كان قد رحل . وبما أنها كانت عاجزه عن كبت مشاعرها ارتمت على السرير تجهش بالبكاء ألماً .
كان الوقت متأخراً عندما إستيقظت في صباح اليوم التالي . بعد أن إغتسلت وارتدت ثيابها توجهت إلى المطبخ فوجدت الآنسة ويل التي قالت لها بحرارة :
- ألن تتناولي الفطور ؟
- في العاشرة والنصف ، إنه وقت الغداء . . لا سأنتظر ، سأتفقد السيد بادجر أولاً . . .
- إنه ليس في غرفته .
- ليس في غرفته ؟
- أنه في الحديقة يتناول فطوره فيها هذا الصباح .
لم تصدق ما تسمع ، فأخيراً قام برودي بخطوة أخرى لكسر سجنه !
- وكيف نزل ؟
- نزل وحده . . . هكذا . . وكان يتمتم لاعناً . . أظنه صدم رأسه بضع مرات . كان صدمة العمر حين دخل المطبخ يطلب الفطور !
- أستطيع تصور صدمتك . . سأخرج إليه حالاً . . .
كانت الشمس مشرقة في الخارج ، برودي جالس تحت مظلة مبهرجة الألوان ، وإلى جانبه كوب عصير . . كان أول من شعر بها بوبي الذي هبَّ من رقدته أما قدمي برودي وقفز إليها يحييها بابتهاج . فالتفت برودي إليها وسأل بصوت منخفض :
- سيليا ؟
- أجل .
فدعاها إلى الجلوس : " هيا شاركيني جلستي هذه ؟ "

أخذ بوبي يشم يدها فقال برودي مازحاً :
- يريد البسكوت الذي تقدميه إليه عادة .
- وكيف عرفت ؟
- لقد شمَّ يدي حين خرجت . . . سيليا . . أعتذر عمّا بدر مني ليلة البارحة من إهانات . . .
- لا بأس . . كانت غلطتي . . كا مان يجب أن . . .
صاح نافذ الصبر :
- أنت لا تفهمين . . أنا آسف لانني حاولت التطفل على حياتك الخاصة فأفسدت عليك مزاجك .
- فهمت .
- أشك في هذا . وأنا لست في وضع يخولني تأكيد ذلك لك وقد لا أتمكن إطلاقاً . . .
- لا أفهم إذن .
- ولا أريد أن تفهمي .
ثم هبَّ واقفاً وهو يقول : " هل اقودينني إلى غرفتي الآن . . أريد الاستلقاء قليلاً ، فقد أمضيت ليلة مضطربة " .
وضعت يدها على ذراعه ، ثم راحت توجهه بدقة لئلا يتعثر . . .
- أتريد أن أبقى معك ؟
- لا . . سأراك في الساعة الثانية .
- والغداء . . .
- ليس اليوم سيليا . .
احترمت رغبته في الانفراد وفهمت الاضطراب الذي يعتمل في نفسه ترقباً لما سيحدث عندما يذهب إلى المستشفى .
عندما قادت السيارة إلى المستشفى جلس إلى جانبها متوتراً يرفض الكلام . . . وكان قبل خروجه برفقتها قد أصَّر أن تذهب كارول إلى الكلية بدل مرافقته ، وفهمت رغبته في إبعادها . فلو ثبت أن الفحص سلبي ، فلن تشهد كارول إنهيار أحلام أبيها . وإذا كان إيجابياً فأمامهم وقت طويل للإحتفال بالمناسبة .
قابلها جوناثان أمام أبواب المستشفى الرئيسية مرحباً .
بعد الترحيب انتلقوا إلى المستشفى فالتقى برودي باشخاص كانوا يسارعون لإلقاء التحية . أما سيليا كانت تشعر بتصاعد توتره مع كل خطوة .
حين وصلوا إلى غرفة الإنتظار قال لسيليا :
- انتظري هنا .
نظرت إلى جوناثان :
- أوه . . ولكن . .
قاطعها بشراسة :
- قلت إنتظري هنا !
- حسن جداً.
قال جوناثان :
- برودي . . أعتقد . . .
صاح برودي بوحشية في وجه الرجل الآخر :
- أتتصور أنني أريد من يشهد هذا ؟ ابقَ معها هنا إذا أردت . . ولكن لا تدعها تدخل معي . لا أريدها . . اتفهم ؟
ردت سيليا بحده :
- أفهمك برودي .
حين لامس جوناثان كتفها بعد قليل كانت تقف سيليا . . برودي مع بيانشن وقد طلب مني أن أكون معك .
- لتلتقط القطع التي بعثرها ؟
- بل لئلا تذهبي .
- أليس هذا ما يريده ؟
- تعرفين العكس . . في هذه الللحظات يريد برودي أن يضرب في كل اتجاهات . . . ولعله اختارنا في خط المواجهة .
- تنهدت :
- نعم . . أعرف هذا تماماً . ولكنني لا أستطيع تحمل هجومه . .
- اصبري قليلاً . . هه ؟
تنهدت :
- سأصبر ولكنني لن أسمح له بإغضابي . . فأنا أحبه ، وهذا ما يجعل كل شي مختلفاً .
بعد عشر دقائق ، بدا أنها لن تضطر إلى الإنتظار دقيقو أخرى فقد خرج رجل طويل أشقر من غرفة الفحص تدل خطواته الطويلة السريعة على استرخائه . فعرفت أن هذا المقبل إليها هو سام بيانشن .
سألته بهفة :
- هل أنهيت الفحص ؟
ارتفع حاجباه بتساؤل وقال بصوت هادئ:
- هل أنت . . . . ؟
- سيليا . . سيليا هالام . . . ممرضة السيد بادجر . .
تجهم وجهه :
- كيف أستطيع مساعدتك آنسة هالام ؟
- كيف كانت نتيجة الفحص ؟ أيمكن إجراء عمليه له ؟
لم تستطع إخفاء القلق عن صوتها .
- لن تفيد العملية الجراحية السيد بادجر أبداً . . . إنه . . .
لم تسمع سيليا ما تبقى من كلامه , فقد أجست بصوت مزعج يهدر في رأسها ، أعقبه ظلام دامس . . سيبقى برودي أعمى طوال عمره !

ذكرى المرجوحه 16-07-09 11:08 AM


7 – رجل غيرك !
http://www.mooode.com/data/media/181...erteblomst.gif
هيا . . استيقظي عزيزتي . . سيليا افتحي عينيك !
كان الصوتيأمرها ، فستجابت لا ارادياً . فتحت عينيها ببطئ تنظر إلى الوجه الوردي البرونزي ذيالشعر الأشقر الذي زادته الشمس شحوباً
- أوه . . يا إلهي ! أين أنا ؟
- فيغرفة الفحص . أقنعت جوناثان بنقل مريضك إلى بيته .
- أوه . . لا! ماذا يظن بروديبي !
- يظننا نتشاور بخصوصه .
وما الفائدة ؟ لن يرى مجدداً . . ولا شئ يقال .
هز الاخصائي الشهير رأسه ، والتوى فهمه :
- لو تركتني أتم كلامي منذ دقائقلما أغمي عليك . . .
- ما . . ماذا تعني ؟
هز كتفيه العريضتين بثقة :
لوتركتني انهي كلامي لقلت لك إن برودي بادجر لن يحتاج إلى العملية جراحية حتى يستعيدبصره . . . وإن الوقت . . . كفيل بإعادة بصره إليه . . إما لا تسأليني متى . . . ولكني سيرى مثلي ومثلك . . . انظري ! حتى أنا اضطر إلى إرتداء نظارة طبية .
وابتسم ساخراً . فعرفت أنه يقصد بدعابته هذه بعث الفرح إلى نفسها وقد نجح فيذلك فسألت

- أتعني أن عماه مؤقت ؟
- إنه مصاب بما نسميه : العمى الهستيري . وهو يعني . .
نظر إليها بحدة وقد رأى وجهها يشحب من جديد :
- هاي . . لا تفقدي وعيك ثانية ! قد أغمى عليك حين ظننت أن عماه دائم وكدت تقعين ثانية حين قلت أن عماه مؤقت . هلأنت حقاً ممرصة ؟
ردت معتذرة :
- أنا أتورط عاطفياً مع مرضاي .
نظر إليهابريبة :
- هكذا إذن .
- برودي بادجر آخر من قد يصاب بعمى هستيري.
- تعرفينجيداً أن هذا مجرد وصف لحالته ، فأنا أوافقك الرأي ، فهو آخر من قد يصاب بهستيريا . سمعت أنه أفضل جراح في هذه البلاد . . ولكنني كلي ثقة بعودته إلى حاله ، فقدانالبصر مؤقت عنده وأحسب السبب صدمه عاطفية سبقت الحادث . . . الضربة التي تلقاها علىرأسه منحته عذاراً لاذ به من الواقع . وهي طريقه لصّد ما يزعجه .

كانت سيلياتعرف تماماً معنى هذا التشخيص , ولكنها لم تصدق أن برودي قد يتعرض إلى ما يشير إليه .
- أتعني أنه نفسياً لا يرغب في الإبصار .
- إن ردة فعله هذه غير واعية لأنعقله الباطني هو من يندوب عنه باتخاذ هذا الحل . . ثمة ما لا يريد عقله الباطنيمواجهته أو يعجز عن مواجهته . . . وهو تجنب المواجهة بهذه الطريقة . وما إن يزولضغط حالتة النفسية . . حتى يسترد بصره ثانية . . ولو عرفت السبب ، لما تكبدت مشقةالمجيء إلى انجلترا ولاقترحت عرضه على طبيب نفسي .
- وهذا ما يرفضه !
- تعرفين مريضك جيداً !
- أوه . . لا !
ضحك الأخصائي:
- أعتبر هذا الوصف منرجل كبرودي إطراء ً .
- هو على الأرجح كذلك .
ابتسم لها :
تعجبينني آنسةهالام . . . لن أغادر أنجلترا قبل الغد . فما رأيك أن نتناول العشاء معاً الليلة؟
هزت رأسها متأسفة :
- قد يحتاجني برودي .
- اسمعي . أنا أقيم في فندقالغلوستر ، فإن وجدت نفسك حرة ، اتصلي بي قبل السابعة والنصف . حسناً ؟ اشفقي علىرجل وحيد في بلد غريب .
- أحسن أنك لن تكون وحيداً أينما حللت .
- هذا ماأحاوله .
- والآن . . عليّ العودة . . قد طال التشاور .
ثم ابتسمت مازحة .

كانت كارول مع والدها حين وصلت سيليا إلى المنزل فكان أن اغتنمت الفرصةلتدخل غرفتها بغية إنعاش نفسها . . لو علم برودي بردة فعلها أمام بيانشن ، لعرف دونشك أنها تحبه . بعد فتره غير طويلة طرقت كارول بابها ، ودخلت لتجلس على حافة السريرفيما كانت سيليا تردتي جينزاً ضيقاً ، وقميصاً أسود . . قالت كارول :
- لا يبدومسروراً حتماً !
- إنه مسرور ولكنه يعجز عن تصديق الحقيقة .
- وأنا كذلك أكادلا أصدق ، فقد أخبرني جوناثان حين وصلت . . فتوقعت رؤية والدي مبتهجاً فإذا به. . . أوه . . أوه . . لا أدري . . غير واثق . . كما أعتقد . . ما رأيك ؟
- لم أره بعدالمعاينه . . وها أنا ذاهبة إليه ألآن .
- حسناً . . لا تتوقعي شيئاً لأن والديلم يقتنع بتشخيص بيانشن .
اكتشفت سيليا هذا بنفسها بعد دقائق وذلك حين سألهابرودي غاضباً :
- أين كنت ؟
- مع بيانشن .
- أوه . . . صحيح ؟ وهل أمضيتماساعتين في التشاور بأمري ؟
- في الواقع لا . . لقد تمشيت قليلاً بعد مغادرةالمستشفى .
- أوه . . . أجل . . . مع بيانشن !
- لا . . . احتجت فقد إلى بعضالهواء النقي .
- وهل أخبرك بتشخيصه ؟
- أجل . .
- عمى هستيري ؟ إن الرجلأحمق !- هذا ما ذكره لي . . برودي . . ماذا حدث لذلك الرجل الذي خرجت لإجراء عملية طارئة له ليلة الحادث . . ؟
- هه . . محللة نفسية هاوية سيليا ؟
- أرجوك برودي . . أجبني فقد . . فقد قال بيانشنإنه عمى هستيري ، ولكنه يعني صعوبة في التصديق ضربة نفسية . . أرجوك برودي .
التوى فمه ساخراً :
- لقد غادر المستشفى قبل مغادرتي إياها . . وقد استعادصحته تماماً . . ابحثي عن سبب آخر سيليا !
- لماذا لا تصدق أن بصرك سيرتد إليكثانية . . كارول في غاية الإضطراب . . وأنت تزيد من احباطها . . وأنا . .
- نعم؟ أنت تتوقين إلى ترك عملك هنا . . ولكن فكري في الناحية الإيجابيه سيليا . . لقدالتقيت رجلين رائعين وأنت في خدمتي . . جوناثان ، ومن ثم بيانشن .
ما كانت في أيظرف من الظروف لتترك إهانة كهذه تمر ولكنها صبرت قليلاً لأن صاحب الإهانه هو برودي .
- وأنت أيضاً .
- انا ؟ ليس لي حساب .
- حقاً . . ؟ ولكنني لا أوافقكالرأي .
- أيدهشك أن تعلمي أناني لا آبه البته برأيك ؟
رفضت حتى إظهاراشمئزازها من احتقاره ، فردت ببرود:
- لا . . لا يدهشني هذا . ولكنك ستستمع إلىرأيي شئت أم أبيت . . .
سحبت نفساً عميقاً ثم أردفت تقول رأيها :
- سترىمجدداً برودي . . وهذا ما يسرني . لذا أرفض أن أدعك تفسد علي سعادتي بإهاناتك . والآن ، هلا عذرتني . . عليَّ الذهاب .
- ستخرجين مع بيانشن ؟
- عفواً ؟
- هل دعاكِ للخروج ؟
- أجل . . ولكنني . .
- هذا ما أعتقده . بدا لي من خلالصوته شاباً . كم يبلغ من العمر سيليا ؟
- أنه في أوائل الأربعين .
- أكبر منيسناً !
- أجل . . ولكن . . .
ابتعد عنها
- لم أؤخر . . قد يكون بيانشنمسلياً أكثر مني . .
- أنا واثقه أنه كما تقول . . ولكن . . .
ردت بغضبرافضة استنتاج ما يشاء دون انتظار دفاعها :
أنا لا أسمح لنفسي بالتأخر عن رجلينتظرني ولن يكون سام الاستثناء . إنه رجل فاتن .
- إذن . . إذهبي اللعنة عليك ! إذهبي إلى رجل قادر على وصف مفاتنك . . .
شهقت :
- ماذا قلت ؟
التوى فمه :
- اعرف أنك تحتاجين إلى من يطري على جمالك ، ويثني على هندامك . . وأنا عاجزعن ذلك . . أليس كذلك ؟
تصاعدت أنفاسها بصعوبة وهي تحاول السيطرة على أعصابها ،ولكنها لم تنجح !
- يا الله ماذا تقول ؟ أنا لا أحتاج إلى ثناء . ولكنني رفضتالبارحة محاولة استغلالك لي .
رد سخراً بحدة :
- أتشيرين إلى طهارتك . . لقدفقد هذه الطهاره من سنوات . . دون شك .
جعلها عنف كلماته تشهق :
- هذا صحيح . . فماذا يهم إن أضفت إلى لائحتي رجلاً آخر . . عد إلى قوقعتك وأشفاقك على ذاتكبرودي . . . ولكن لا تتوقع مني أن أشاركك فيها .
غادرت الغرفة ، تصفق البابوراءها ، مرتجفة غضباً ، تشعر أنها على شفيرة الإتهيار .
كان آل هاموند بالنسبةإليها أفضل دواء لقلبها المجروح .
اتصلت ببيانشن فأبلغته عدم قدرتها على قبولالدعوة ، ثم قادت سيارتها إلى منزل هاموند حيث وجدت كارين التي رحبت فيها أفضلترحيب . . عندما جلست أخذت تخبرها بما حدث لبرودي بادجر . . لم تكن تعي ما تكشف عنهحتى رأت نظرة العطف في عيني كارين , فأشاحت بوجهها عنها متورة الخدين .
- وكيفهو شعور برودي ؟
- إنه لا يطيق أحداً . . وهو إلى ذلك فظ . بل رهيب.
أضافتكارين بنعومة : " وأنت تحبينه كثيراُ " .
تنهدت سيليا :
- أجل . . يا الله . . يجب أن أبتعد عنه ولو فتره. . . .

- أفهمك . . لقد توقعت شيئاً من هذا القبيل منذ قابت كارول للمرة الأولى . . لن أتطفل عليك عزيزتي ، فالصداقة لا تعني الفضول . . وبما أننا صديقتان فلم لا تبيتين عندنا ليتك ؟ امنحي نفسك فرصة .
- لا أستطيع .
- لماذا ؟ سنحضر غرفتك القديمة بسرعة ، وسيقوم جاون صباحاً بحمل الفطور إلى فراشك ليرد جميل عنايتك به .
أعجبها هذا الإقترح فابتسمت :
- سيكون ذلك رائعاً . .
- جيد إذن . . اتصلي بكارول وبّلغيها .
الأمسية لها ، والغد كذلك . . لذا فهي حرة في عمل ما تريد .
استقظت في الصباح التالي على صوت جون وهو يحمل صينية الطعام غلى غرفتها .
- هيا أسرعي . . سنصحبك أنا وليندا في رحلة هذا الصباح . . . فلا تتأخري . . . كانت أمي عادة تجذب عني الغطاء إن لم أخرج من السرير سريعاً .
أمسكت سيليا بطرف الغطاء بشدة :
- لن تجرؤ !
بقي يضحك على ردة فعلها وهو ينزل الدرج . أما هي فاستلقت على الوسادة ثانية متنهدة . أنها تعبة . . وآخر ما ترغب فيه هو القيام بنزهة .
ولكن ، تبين لها في النهاية أن رحلة عائليه . . . فقادهم جون إلى خارج لندن ليمضو اليوم في التفرج على املاك الدوق بدفور الذائعة الصيت ، فراحو يطوفون في الحديقة العامة التي تحيط الأملاك التي فتحها الذوق للزوار . . أثناء العودة إلى لندن قالت كارين بأسف :
- من العاد ما يفعله مثل هؤلاء في أملاكهم التي هي أساساً بيوتهم .
ردّ زوجها جاك :
- لو لم يفعل بها ما فعل لما كان لديه حل إلا البيع .
ابتسمت المرأة إلى سيليا :
- لماذا الرجال عمليون دائماً .
قاطعها جاك يقول :
- نستطيع أن نكون رومانسيين متى شئنا ذلك .
فتلقّى نظرة صارمة من ليندا وضحك الجميع .
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة حين وصلوا إلى لندن . . . فلمّا دعوها إلى العشاء رفضت الدعوة لأن برودي رغم قسوته وعنفه ما يزال المريض الذي عُهِد إليها رعايته .
كانت كارول وجدتَها في غرفة الجلوس حين وصلت ، وقد سارعت كارول تخبرها ان برودي عاد إلى عزلته رافضاً صحبة احد .
فسألتها كريستبال بلؤم :
- أكان يومك وليلتك ممتعين آنسة هالام ؟
- نعم كانا رائعين . . شكراً لك ، سأتفقد مريضي . .
وغادرت الغرفة قبل أن تتمكن العجوز من إلقاء إهانة أخرى في وجهها .
تصلب برودي عندما شعر بها تدخل الغرفة ، ولكنه بقي مشيحاً لها وجهه .
- لقد عدتِ إذن ؟
- قلت لك أن ما من أحد قد يجبرني على الحيل .
- أشم رائحة عطر ما بعد الحلاقة ، مختلف هذه المرة .
- حقاً ؟
- أجل . . . ألم يكن بيلنشن ؟
- لا .
- رجل آخر ؟
- صحيح .
- من ؟
- مجرد رجل .
- مجرد . . . ! لا أصدق هذا عنك سيليا ! فما هذا التصرف يصدر عنك .
- ومن أين لك أن تعرف كيف أتصرف ؟
- تبدين ناعمة وبريئة .
- ألم تقل لي " صوتاً قاسياً " .
- صحيح . . ولكنه أحياناً ناعم ولطيف . لماذا نتجادل كثيراً سيليا ؟
- " نحن " لا نتجادل ، بل أنت من تجادل .
تنهد بغضب :
- من كان الرجل سيليا ؟
- صديق قديم .
- ألديك عدد كبير من الأصدقاء القدمى ؟
- القليل . . ولكن لدي الكثير من الجدد . كما تقول أنتدائماً.
- لماذا عدلتِ عن بيانشن ؟
- ليس المرأة مضطرة لشرح ما يدفعها إلىتغير رأيها . . .


- أخبرتني كارول أنك كنت على ما يرام أثناء غيابي .
- وماذا تعرف هي ؟
- إنها مجدّة في دراستها وقد اصبح طبيبة راائعة .
- أهذا رأيك المهني ؟
- بالضبط . حسناً . . تبدو في مزاج جيد فاتن . . سأترك إذن وحدك . . فأنا بحاجة إلى النوم باكراً الليلة .
- متعبة ؟
- في الواقع ، أجل لم أنم كثيراً ليلة أمس ، وعليّ غداً أن أقوم بأعباء نفسي ، فلا أظن أن هناك من قد يحمل الفطور إلى غرفتي .
- حبيبٌ يعرف كيف يراعي شعورك .
- أجل .. كثيراً . . أتريد شيئاً قبل ذهابي ؟
- ما أريده . . لا تستطيعين تأمينه لي . ولكنني سآخذ حبوباً منومة .
حين نزلت سيليا كانت كارول قد انسحبت إلى فراشها ، ولم يبق في الغرفة إلى كريستبال إير . . . وهذه الليلة لم تكن مختلفة أبداً عن سابقاتها معها . إذ قالت كريستبال متشدقة بزدراء :
- إذن لقد غيرت رأيك آنسة هالام . .
رطبت سيليا شفتيها / تستعد لاستقبال عش الدبابير الكامن في لسان العجوز ، وسألت ببطئ :
- بشأن أي أمر ؟
- لقد عدلت عن جعل نفسك أمراً واقعياً لا يستطيع برودي الاستغناء عنه . . بطريقة ما .
- الممرضة لا يمكنها إلا أن . . .
- عنيت كإمرأة آنسه هالام ز أترين . . أعاني أحياناً من الأرق . . .
انتفضت سيليا :
- نعم ؟
- وحين أقلق أسعى إلى السير قليلاً . وهذا ما فعلته يوم الخميس .
ضمت سيليا يديها لتمنع إرتعاشهما . . لم تقابل قط إمرأة حقوداً ككريسبتال إير . ! والتوى فم العجوز بزدراء :
- وهل اعتقد أن زيارة برودي لغرفتك قد تمضي دون أن يلاحظها أحد .
- سيدة إير . . .
وقفت المرأة برشاقة :
أردت أن تعرفي فقد أن تصرفك أللا متناهي بات معروفاً . . وانا أعرف بالضبط إلى أي مدى أنت مستعدة للمضي في الاعتتناء بمصالح مرضاك . ولكن تذكري آنسة هالام وهو أنه كان من السهل عليه التخلص منك يوماً . . وهذا ما سيحدث مجدداً . .
عرفت سيليا أنها لن تطيق المزيد ، وأن المرضوع بات شائكاً . . . فماذا سيقول برودي لو علم أن كريستبال والدة محبوبته دونا ، تعرف أنه زارها في غرفتها ليلاً؟

ذكرى المرجوحه 16-07-09 11:13 AM

8- الحب لا يُسترد
http://www.mooode.com/data/media/181/linjelightrose.gif
علمت سيليا أن هناك تغيراً كبيراً قد حصل لبرودي ، ولكن صعب عليها تحديده . . فلم يعد إلى التشاجر معها ، بل أصبح مهذباً بشكل بارد ، وقد عاد إليه اكتئابه السابق بأقصى قوة .
سألها جوناثان بعد معاينته ظهر الإثنين :
- توقف عن المقاومة . . أليس كذلك ؟
- أجل . . لقد تجادلنا مساء السبت ، ومنذ ذالك الوقت عاد إلى قوقعته .
- اهملي الأمر . . فهذا مزاج عابر . . .
- وإن لم يكن عابراً ؟
- أعيدي التفكير في خططتك إذن .
ابتسمت :
إنك تصور الأمر وكأنني في حرب .
- أرى الوضع كذلك في بعض الأحيان . . إذ أشعر أن برودي على الجبهة الثانية يترصدنا . ولكنه سيستعيد بصره ولو كان آخر ما أقوم به في حياتي .
وصلت كارول إلى الغرفة كالإعصار . . .
- وهذا ما أحب أن أسمعه . كيف تراه الآن ؟
- لم يتحسن .

- سيتحسن . . لي ملء الثقة بكما .
رد جوناثان :
- شكراً لك !
- ألا تحب الإطراء ؟
على الرغم من موهبته وبراعته ، يحمر خجلاً امام كارول . . . وهذا ما تعرفه الفتاة ! فتساءلت سيليا للمرة الثانية عما إذا كان اهتمام جوناثان متبادلاً . وأجاب بخجل :
- إذا كان صادقاً . . أجل .
- أنا لا أثني على أحد خداعاً ، لأنني صادقة لا أعرف الكذب .
وقف يقول لسيليا :
- سأزوركم بعد يومين . . إلا إذا احتجتموني قبل ذالك الوقت .
وسألته كارول خائبة الأمل :
- وهل ستذهب ؟
- مضطر أنا يا صغيرتي . فمن يدير المستشفى في غياب والدك . . .
هزت رأسها ببطء :
- أفهم سأرافقك إلى الباب .
- لا حاجة . . .
فوقفت بمرح :
- أوه . . ولكنني أرغب في هذا .
- نشاط شباب.
احمر وجهها ، وردت بحدة :
- أتعلم ما هي مشكلتك ؟
-
لا . . ولكنك دون شك ستخبرينني .
- لأنني صادقة سأقول إنه يجب أن تخرج نفسك من جو المستشفى قبل أن تصبح عجوزاً .
أمسكت سيليا ضحكتها بجهد مصغيه إلى تلاسنهما الضمني الذي يفع البهجة إلى قلب إنسان . وردَّ عليها :
- أتذكرين ما هددتك به يوماً . . ربما حان الآوان لاستخدامه .
ضحكت كارول :
- تقصد معاقبتي ضرباً !
أمسكت ذراعه ترافقه إلى الباب :
- ربما وجدت في العقاب ما يثير الإهتمام .
كانت سيليا تهتز ضحكاً حين عادت كارول .
- أنت سنخرجينه عن طوره يوماً .
تنهدت ككارول :
- هذا ما أرجوه . . لقد ضقت ذرعاً به ، فجميع محاولاتي للفت إتباهه باءت بالفاشل .
- أتريدينه حقاً ؟
- قبل أن أرد على سؤالك . . سأسألك سؤالك ؟
- نعم .
- أيعجبك جوناثان ؟
- طبعاً . . إنما ليس كما تظنين .
- واثقة ؟
- جداً . . وماذا عنك ؟
- أوه . . أنا واثقة منذ كنت بالخامسة عشرة ، أو لعى الأقل أنا واثقة من مشاعري اتجاهه . وقد قررت الزواج به .
شهقت سيليا وهي لا تصدق ما تسمع .
- كارول !
- ولكنني سأفعل . . أنا وأبي هكذا . . حين نعطي حينا لا نسترده . . . ليتني أستطيع ان أدعوه إلى حفلة ما . . فهو متعصب رجعي وقد يشمئز من مطلب كهذا .
- لا ضير من المحاولة . . سيصل غلى المستشفى بعد دقائق . . فلماذا لا تتصلين به ؟ أين ثقتك بنفسك ؟
- أنت على حق . . لن يقول " لا " .
ما هي إلا لحظاات حتى عادت كارول كالعاصفة إلى الغرفة .:
- قال أجل . قال أجل سيليا .
- ماذا توقعت أن يقول .؟
- حسناً . . أجل . . ولكنني ما ظننته قائلها يوماً .
- أنا سعيدة من أجلك كارول .
- هل تسرعت ؟
- لا أحسب أن جوناثان يراك متسرعة ، فقد وافق على الذهاب إلى الحفلة . . . علينا العودة إلى أبيك فقد قلت له إني لن أتأخر إلا دقائق معدودة ، فإذا بي أتأخر نصف ساعة .
عبست كارول :
- هل ترين أن على إطلاع أبي على لقائي بجوناثان ؟
فكرت سيليا لحظات :
ربما ليس الآن . فلديه ما يكفيه من هموم ، ولا أحسبه يريد أن يشغل باله بشأن ابنته التي أختارت أخيراً زوجاً .
- أنت على حق . . . لا أريد أن يصاب بصدمة .
ولكن برودي كان غافلاً عن اهتمام جوناثان بأبنته إذ قال لسيليا بعد أسبوعين من زيارات جوناثان المتكررة :
- أرى أن علاقتك بجوناثان في تحسن . .
كان بإمكانها تصحيح معلوماته . . ولكن بعد أيام من أللامبلاه ، علمت أنها يجب أن تستغل ميله إلى التمرد . فردت متحدية :
- وماذا في الأمر ؟
- لا شيء . . .
- إنه مثير للإهتمام .
رد ببرود:
هذا حسن لك . . هلّا تناولنا الشاي الآن؟
هنا تنهدت سيليا بإحباط :
- إذا كان هذا ما تريد .
- سبق وأن قلت لك أن ما أريده لن تتمكني من تقديمه لي .
- وماذا تريد برودي ؟ شفقة على عماك ؟ لا . . لن أشفق عليك . . أنت تجلس في هذا الكرسي يوماً بعد يوم ، دون أن تحاول معرفة الحاجز النفسي الذي يمنعك من الرؤية . . ترفض المساعدة التي أحاول تقديمها . . . .
- لا أريد هذه المساعدة . . . فأنا أعرف ما يحول بيني وبين الإبصار . . .
- برودي . . . ؟
- هل لك أن تذهبي لإحضار الشاي ؟
- ولكن لو كنت تعرف . . .
- لا يهم ما أعرف . . . وأنا أرفض مناقشة مستقبلي معك .
- أنا بشكل خاص . . . أم أي شخث كان ؟
- وهل هذا يهمك ؟
ردت ببساطة :
-أجل .
- هلا تركتنا بعض الوقت على انفراد آنسة هالام ؟
كانت صاحبة الصوت المتسلط كريستبال إير التي أضافت بعجرفه :
- أريد التحدث إلى صهري . . على انفراد .
نظرت سيليا بدهشه إلى المرأة التي منذ أن وقعت الحادثة ، لم تحاول زيارته . . . وقد جعلت هذا الزيارة المباغته سيليا عاجزة عن النطق . أما برودي فقد كان أكثر ذهولاً منها ، إذ قال مقطباً :
- كريستبال.
تجنبت العجوز النظؤ إليه مباشرة ، وهذا لم يلاحظه برودي ، فشعرت سيليا أن العجوز عاجزة عن تقبل وضعه الحالي كأعمى .
ردت كريستبال :
- أريد التحدث إليك برودي .
ردّ بسخريته المعتادة :
- هذا شرف لم أتوقعه .
سخريته أجفلت كريستبال التي صاحت في وجه سيليا :
- أتمانعين آنسه هالام ؟
-أبداً . . كنت على وشك الخروج لإحضار الشاي ، ربما تودين الإنضمام إلينا ؟
- تناولت الشاي منذ برهة . . لن يستغرق ما أقوله وقتاً .
ارتدت سيليا على عقبها تطلب الخروج ، ولكنها سمعت برودي يقول :
- وكأن ما جئت من أجله ينذر بالسوء .
ردت حماته بإيجاز :
- أبداً . . إنه نتعلق برحلتي إلى سويسرا . . .
أغلقت سيليا الباب وراءها بهدوء . . وهي تفكر في أن كريستبال ما تزال غير قادرة على التعاطي مع محنة برودي ، وقد قررت على ما يبدو الإنسحاب من خط المواجهة .
كانت ما تزال تفكر في هذا الأمر حين عادت ترتقي الدرج حاملة صنية الشاي ، وقد كادت توقعها حين سمعت أصوات الغضب المتصاعدة من الداخل . .
- الأمر فقد من حسن الأحتشام . . .
قاطعها بحده :
- أنا رجل أعمى !
- كانت دونا زوجتك .
- ولكنها ماتت .
- وهذا ما أعنيه بالضبط .
- أكانت ستفعل الشيء نفسه لي ؟
- لا أظن . . .
- تعلمين جيداً أنها ما كانت ستفعل ، وهذا يعني أن السألة فُضَّت .
- أنت هكذا دائماً . . تصرفك هذا سيؤدي إلى منع كارول من مرافقتي .
- لكارول حرية القرار .
تسمَّرت سيليا من جراء حدة ما تسمع ، غير عابئه بتجسسها على حديث عائلي خاص .
سمعت برودي يقول بصوت أقل حدة :
- لقد مضت ثلاث سنوات كريستبال . . . لذا لا ضرورة للمثابرة على هذا " الحج " .
- دونا ابنتي . . وإن كنت ترفض انت أو إبنتك مرافقتي أذهب وحدي .
- هذا شأنك .
كان يجب أن أعرف أن هذا ما سيكون عليه ردك . لقد قلت دائماً لدونا إنه ما كان عليها الزواج بك لأنك لم تحبها قط ، بل كان كل ما أردته منها المال والسلطة التي وهبتك إياهما لإبراز مستقبلك العملي .
- كريستبال . .
- لا تنكر هذا برودي . . أنت تعرف أنها الحقيقة . لقد حطّمت قلب إبنتي الصغيرة ببرودتك . . . ودفعتها إلى أحضان رجل آخر .
لم يصدر رد عن برودي . . ففهمت سيليا السبب . . لقد أحبها كثيراً وسامحها ، وما اتهامه بتحطيم قلب ابنتها إلا سخافة . . . ولكن لماذا تريد كريستبال أن يرفقها برودي وكارول إلى سويسرا ؟ وما علاقة دونا بهذه الرحلة ؟
- سأسافر وحدي إذاً . . وبما بعد الظهر . . أجل مت عدّت أطيق البقاء في المنزل يوماً آخر . . معك ومع عشيقتك . . .
- ماذا ؟
- نعك . . إنه خير وصف لعلاقتك بالآنسة هالام !
صاح برودي :
- اتركي سيليا خارج الموضوعنا هذا .
- قلت لك ما أريد . . ولكنني أطلب منك أن تعيد النظر في المثال الذي تضعه امام كارول .
- وداعاً كريستبال .
ردت بسفالة :
- لا تنكر أن كارول أصغر من أن توافق على الخروج مع جوناثان هال .
ظهر اهتمام عميق في صوت برودي :
جوناثان ؟
- إنهما يخرجان معاً منذ أسبوعين . . . فهل تظن أن هذا زوجاً مناسباً لكارول ؟
- ألا يأتي من أجل سيليا ؟
- لا تكن سخيفاً برودي . . . أعرف كل شئ عن علاقتك بالممرضة ، فقد شاهدتك تغادر غرفتها في إحدى الليالي . . . كيف ستعرف كارول الحب الحقيقي ، وانت تظهر علاقتك الغرامية أمامها ؟
- منذ متى يدور هذا الحدث ؟
ذعرت سيليا حينما سمعت هذا السؤال الهامس ، وقد شحب وجهها وهي ترى كارول خلفها . . ز ماذا سمعت من الحديث يا ترى ؟ هل تعرف أن بردوي زار غرفتة ممرضته ، مره على الأقل ؟ ولكنها سمعت كارول تسأل :
أنا دهشة لأن هذا الشجار لم يحدث قبل الآن ، فمن عادتهما التشاحن في مثل هذا لاوقت من السنة . . حذار أن يزعجك ما تسمعينه سيليا ، فما انا وأنت إلا هامش هذه المجادله . إن جدتي تتذمر من رفض أبي مرافقتها إلى سويسرا لزيارة قبرأمي .
- أمك مدفونة في سريسرا ؟
- أجل . . وابي مؤمن أن زيارة قبر الميت لا تعوض عما أصابه في حياته . وأنا أوافقه الرأي . أما جدتي في تعتبر هذا قلة إحترام .
قالت سيليا بهدوء :
- لقد أخبرته كذلك بعلاقتك مع جوناثان .
هزت الفتاة كفيها :
- لم يكن هذا سراً . . ه دخل الصينية عوضاً عنك ؟ فإن دخلت أستطيع التحدث إلى أبي حين تتركنا جدتي .
- شكراً لك . . . أود تبديل ثيابي على أي حال .
ابتسمت كارول بتفهم . . . ثن رفعت كتفيها تأهباً لدخول الغرفة . أما سيليا فلم تنتظر لمعرفة النتيجة . . . بل هرعت إلى غرفتها . ولكنها سمعت صوت باب غرفة برودي يُصفق بقوة وهذا يعني أن السدة إير أنهت ما تريد قوله .
لماذا كانت دونا بادجر في سويسرا عندما ماتت ؟ ولماذا ما وال برودي يحس بالمراة بشأن زوجته ؟ ألم تكن عودة المساه إلى مجاريها ناجحة بينهما ؟

ذكرى المرجوحه 16-07-09 11:41 AM

9 – رحيل إلى الغد
http://www.mooode.com/data/media/181/linjeflowers.gif
احتاجت سيليا إلى كل ما أوتيت من قوة إرادة للذهاب غلى غرفة برودي ذلك المساء إذ تفرض عليها واجباتها كممرضة الموااجهة . . . . مع أن كارول أكدت لها ان شيئاً لن يحصل ، وأنها شرحت له كل شيء . . ولكن ما أقلق سيليا هو " كل شيء " الذي شرحته له !
كان مستلقياً على سريره حين دخلت ، والنظارة السوداء مكانها
إلتفت إليها سائلاً :
- سيليا ؟
- ومن سواها ؟
- لماذا كذبت علي ّ ؟
ابتلعت ريقها بصعوووبة فالهجوم مباغت :
- كذبت عليك ؟ ولماذا أكذب عليك ؟
- هذا ما أحاول معرفته . قالت كارول أنها هي من يقابل جوناثان ، فلماذا جعلتني أظن أنك أنت الفاعلة ؟
- وهل فعلت هذا ؟
رد بخشونة :
- تعرفين جيداً أنك فعلت ! وماذا عن بيانشن ؟
- إنه طبيب لا اكثر ولا أقل .
- وماذا عن ذلك الرجل الذي قضيت الليل معه . ذالك الذي حمل إليك فطوؤك إلى السرير ؟
- زرت كارين وجاك هاموند ، فدعوني إلى المبيت عندهما . أما الذي حمل لي الفطور فهو إبنهما جون .
سمعته يتمت شيئاً .
فقالت : " ماذا قلت ؟ " .
- قلت اللعنة عليك ! لماذا فعلتِ بي هذا ؟ ألا يكفيك عجزي حتى تزيدي عليه تبججك بعلاقاتك الغرامية ؟
- لم اتبجج قطّ . . . أنا فقد . . .
- جعلتني أشعر أنني غير قادر على أن أكون ؤجلاً ! وبتُّ أجلس هنا في هذا الكرسي متمنياً لو أكون حبيبك !
- برودي . . .
- اخرجي من هنا سيليا ، لا أطلب منك ذلك طلباً بل آمرك ، فلن أطيق وجودك بعد الآن .
- سأتركك قليلاً ، ولكنني سأعود وقت العشاء . .
- أريد أن تتركي المنزل سيليا . . ما عدت بحاجة إليك . . .
- لكن . . . .
- تعرفين أن هذا صحيح . . فأنا لا اتناول علاجاً أو حبوباً منومة . . . لذا ما حاجتي إلى ممرضتي ؟ سيكون رحيلك مفيداً للجميع وخاصة لك ولي .
- ما رأيك بصديقة ؟
- لن نكون أنا وأنتي صديقين أبداً .
- هذا غير صحيح . . .
- أنا لا أريد أن أكون صديقك سليا . وهذا ما تعرفينه منذ ان دخلتِ عليَّ في المستشفى وبدأتِ تغيظينني بصوت قاس للحصول على رد . . . وقد كنت وقتذالك أعرف غايتك تلك فلم تعجبني . . . . وها أنا الآن أطلب منك الرحيل فما عاد من المناسب بقاؤك .
- فهمت . ولكن يجب أن يوافق جوناثان أولاً ، فهو طبيبك .
- وأنا كذلك طبيب قادر على تقرير ما إذا كنت بحاجة إلى ممرضة أم لا . سألتني قبل الآن إن كنت أرفض أن أناقش وضعي معك وحدك ، وأقول نعم هذا صحيح .
شهقت بصوت مرتفع وكأنه صفعها . . فأردف :
- هل يناسبك الرحيل غداً ؟
- إذا أردت هذا حقاً سأرحل غداً .
- نعم أريد ذلك سيليا . . .
وقفت امام الباب فأردف :
- أنا سعيد بعلاقة كارول وحوناثان ، فلا بدَّ أن يجدا السعادة معاً .
- أجل وأنا مسروره بهما كذلك ، فكارول شابة تعرف ما تريد .
وتحصل على ما تريد . . . أوه . . . ليتها تحصل على الرجل الذي تريده . . . على الرجل الذي تحبه . . . ولكنه يبعدها عن منزله . . . وعن حياته . . . ربما إلى الأبد . فهو ما عاد يريدها ، وما عاد منجذباً إليها . . . أوه. . . ليتها لاحظت ذلك الانجذاب في البداية واستغلت الفرصة لتكون بين ذراعيه !
كانت تةضب حقيبتها حين قرعت كارول الباب .
- ماذا يجري هنا ؟ هل تشاجرت مع أبي ؟ أرجوك لا تتركي المنزل بسبب هذا الشجار . . فسينسى كا شيء غداً . أترحلين بسبب أتهامات جدتي ؟ إنها راحلة غداً .
- لا شأن بجدتك برحيلي .
- ولم َ تشاجرت مع والدي ؟ إن هذا مفاجيء .
- هذا صحيح . . ولكن عندما أصبح ممرضة لا يجدي وجودها نفعاص فالخير في رحيلي . ألا ترين أن من الأجدى لك مرافقة جدتك ؟ إنها متكدرة .
- إنها دائماً هكذا .
- ماذا كانت أمك تفعل في سويرا ؟
- كانت تعيش هناك .
- في سويسرا ؟
- ألم يذكر لك امر رجيلها ؟ لقد ذهبت لتعيش هناك بعد انفصالهما .
- ولكنني اعتقدتها . . عادت إليه .
- كانت تعود أحياناً لقضاء العطلات . ولكن زوجها لم يكن يحب زيارة إنجلترا . . وهو رجل لم يدخل حبه إلى قلبي يوماً . كان أصغر منها بعشر سنوات وهو إلى ذلك رجل عابث .
ابتعلت سيليا ريقها وقد صدمها الخبر . . . فعودة برودي إلى زوجته ما باءت بالفشل فحسب بل أدَّت إلى الطلاق والزواج برجل آخر . . يالله . . . إنها تفهم الآن ما يشعر به من عذاب !
- لكن أمي كانت سعيدة مع زوجها . . آه سيليا ليتك لا تتركين والدي ! فأبي لا يعرف ما يفعل بنفسه بصرفك من خدمته .
- يل يعرف . . لقد كنت شوكة في خاصرته منذ مجيئي غلى هنا .
لقد وافقت على الذها ب في الصباح ، ولكنها لم ترحل قبل أن تراه للمرة الأخيرة .
الطعام اللذيذ الذي حملته إليها كلرول على صينية ، لم يرق لها . . وقد مرَّ الوقت حتى تأكدت من نوم برودي . . فهي لا تستطيع أن تراه إلا بهذه الطريقة .
كان الضوء يغمر غرفته . . . ولكنه كان نائماً ، لا يدثره إلا غطاء ؤقيق . . مت زال منظره يخطف منها الأنفاس . . . ارتعشت أصابعها وهي تلامس صدره بنعومه ، فتحرك ولكنه سرعان ما عاد يغطُّ في نوم عميق . . . جلست على حافة السرير وقالت هامسة :
- لم أقصد إيذاءك قد برودي . . . ولم أشأ أن تشعر بأنك أقل من رجل . ولكنت شاركتك حياتك بكل سعادة لو عرفت ولو مرة أنك مهتم بي . . . أوه حبيبي . . . لم أتوقف قط عن حبك حتى عندما آلمتني . كنت أتمنى أن تكون حبيبي برودي . . .
وتدفقت دموعها غصباً عنها وهي تنظر إليه ، غير قادرة على مقاومة تطوقها إلى ضمه إليها . . . . وعادت تهمس :
- إذا احتجتني يوماً أو أردتني . . . فأنا تحت طلبك دوماً .
وقفت على مضض . ثم هرعت إلى الخارج لا تلوي على شئ . بدت غرفتها باردة ، وحيدة فاندست يائسة تحت أغطية السرير , تدفن وجهها في الوسادة لخنق نحيبها . فلم تكن تعرف إلى أين تذهب في الغد ، ولم تكن تهتم لأنها لم تشعر ببؤس كهذا من قبل . . .
- سيليا .
تسمَّرت في مكتنها عندما سمعته يناديها فالتفتت إليه فإذا هو في الباب . رمشت بعينيها لأنها ظنت أن الخيالات تتراءى لها .
- هل لي بالدخول ؟
لا . . . لا تتراءى لها الخيالات . . . إنه حقاً هنا . . . ونظرت إليه مذعورة . . . هل كان مستيقظاً طوال الوقت .؟ هل سمع ما قالته عندما كانت تودعه ؟
- استيقظت منذ لحظات ووجدت صعوبة في الإغفاء من جديد . . . كان عليّ أن آتي إلى هنا لأودعك . لأنني أعرف أنك لن تودعيني قبل رحييلك في الصباح . . أين أنت ؟
رطبت شفتيها ، وهي لا تدري كيف ترد عليه ، فكرر بنعومة :
- أتأذينين لي بالدخول ؟ لا أريد أن تسمعنا كريستبال فتظن بنا الظنون .
تصلبت ، ولكنها لم تلبث أن جلست :
- لا تقلقي . . لن أقنعك بعدم الرحيل . فنحن نعرف أن لا حاجة إلى رعايتك .
- أجل . .
- ولكن هناك ما انا فعلاً بحاجة إليه .
- نعم ؟ وما هو ؟

جلس قربها عل السرير ، ومال إلى الأمام يمسك ذراعيها ثم يرفع يديه ببطء حتى كتفيها . . . فوجهها :
- ليتني أستطيع رؤيتك . . . أنت جميلة ، اليس كذلك ؟
- لا . . .
- بلى . . . أنت جميله . سألت كارول منذ أسابيع فقالت إنك جميلة ، فشعرك شعلة نارية حين تتداخل الشمش فيه . . . وبشرتك ناعمة عاجية وعيناك زمريتان أما ثغرك . . . فشهيّ .
شهقت أنفاسها متألمة :
- برودي . . .
- أتعلمين كم اشتقت إلى عناقك ؟ كم احتجت إلى أن تحضنيني . . . ؟ ولكنكِ كنتِ دائماً رسمية بالتعامل معي . . . ممرضة بكل ما في الكلمة من معنى . . . أليس فيك إمرأة ؟
تأوهت :
- تعرف تماماً ما يوجد فيَّ . . . ألم يسبق ان زرتني من قبل فأمضيت الليل عندي .
- لم أبت طول الليل بل جزءاً منه لأنك طردتني .
- اضطرت إلى ذلك .
- وهل ستطردينني اللية أيضاً ؟
- حماتك . . .
- اللعنه على كريستبال . . . هل ستطردينني ؟
أعطته الرد الوحيد عندها :
- لا .
- سيليا ؟
- قلت لا . . . لن أطردك لأنني لا أقدر على إبعادك عني . . ألا تعرف هذا ؟
- عانقيني سيليا . . . إن لم أشعر بك بين ذراعي حالاً جننت .
صاحت صيحة مخنوقة متحشرجة ثم رفعت ذراعيها إليه تشعر يتجاوبه السريع معها . . . كان عناقاً عنيفاً وعاصفاً ، فتعلقت بكتفيه العريضتين ، لتغرق في عالم أصبح مجنوناً تماماً . . . فبرودي وحده هو الحقيقة فيه . وأخذ يهمس لها :
- ليتني أراك . . . ليتني أرى جمالك المسترسل أو عينيك التائقتين إلى شوقاً .
- ليس الأمر مهماً . . .
- لكنه مهم عندي .
وضعت يديها على وجهه .
- أزل الحاجز الذي يحول بينك وبين الرؤية .
- درس آخر في علم النفس ؟
لا تهزء بي برودي . . .
- أهزأ بك ؟ كنت غبياً عندما جئت غلى غرفتك . . . أترضين عادة مرضاك وتجعلينهم يتنفسون عن ضغط أنفسهم بهذه الطريقة .
أمسكت أعصابها بجهد كبير وهي ترفض أن يفسد عليها هدوءها .
- لماذا أحرمهم مما يتمتع به الأطباء ؟
راقبته وهو ينتفض مبتعداً . . . فأردغت بصوت ناعم :
- أنا لا أقول إلا ما تتوقع سماعه ، ولكنك تعلم ان أقوالي هذه غير صحيحة . . . فما من طبيب أو مريض ، بل ما من أحد اقترب مني من قبل . برودي أنا أريدك أنت ، أنت وحدك . . .
- سيليا . . . .
- لماذا لا تفهمني . ألا تشعر بقلبي الواجف . . . ألا تسمع أنفاسي المتهدجه . . .
- سيليا!
- لن أتوسل إليك أكثر . . .
- يا إلهي ما عدت أحتمل . . ما عدت أستيطع تحمل المزيد . .
وأبعدها عنه متألماص .
- هل رغبت يوماً في أن يكون لك طفل سيليا ؟
- كل إمرأة تحلم بالاطفال .
- ستبدين جميلة في حملك ، ولكنني لأسف لن أكون ذالك الرجل الذي يبعث فيك حياة جديدة .
ثم نظر إليها نظرة طويلة حتى شعرت أن بصره قد ارتدَّ إليه ، ولكنه وقف بسرعاً وخرج من الغرفة لا يلوي على شيء .

استيقطت في الصباح التالي على طرقة خفيفة ، أعقبها دخول كارول التي نظرت إلى سيليا :
- كيف كانت ليلتك ؟
- لا بأس بها .
- سيليا ؟
- هل شاهدت أباك هذا الصباح ؟
ضجكن :
- أجل . . . إنه يصيح بالجميع . . . جوناثان معه في الوقت الحاضر .
- أهو مريض ؟
- لا تسأليني عنه ، إنه لا يتفوه بشئ .
- وماذا عن جوناثان ؟
تنهدت :
- يمارس قواعد المهنه عليّ .
لا بد أن أمراً مهماً دفع برودي إلى استدعاء جوناثان باكراً هكذا .
- أوالدك بخير ؟
- إنه تعب . . . أما زلت تريدين الرحيل اليوم ؟
- نعم ، إلا إذا عدل والدك عن رأيه ، ولا اظنه فاعلاً .
- سيليا ؟
- نعم ؟
- هل قصدك أبي البارحة ؟



ابتلعت سيليا ريقها بصعوبة . . ولكنها ابتسمت :
- لا فائدة من الإنكار . . . أليس كذلك .
- ولماذا تريدين الإنكار ؟
- لا أريد الإنكار . . . ولكنني أؤكد لك أن إتهامات جدتك غير صحيحة . فقد أتى والدك ليلة البارحة ليودعني ليس إلا . . . .
- ولكن ألا ترين أنه بقدومه ذاك أشار إلى ما في قلبه تجاهك . . . أنا لا أصدق ما تقولينه عن عدم إهتمامه بك . . . . خاصة وهو من كان يبدي اهتماماً كبيراُ بك قبل ست سنوات ولا أظن مشاعره تغيرت تجاهك . . . .
تنهدت سيليا من عناد كارول :
- إنه لا يذكرني حتى . . .
- لا أكاد أصدق قولك .
- لن يغر تصديقك أو عمدمه من واقع إصراري على الرحيل .
- حسناً سأتحدث إلى أبي .

أكملت سيليا ارتداء ملابسها وهي سروال أسود ضيق وقميص أخضر واسع . وفيما كانت توضب الحقائب انفتح الباب على غير توقع فالتفتت تتوقع رؤية برودي ولكنها دهشت من رؤية كريستبال إير التي كانت واقفة هناك وعيناها الصغيرتان تحدقان إليها بعجفة وازدراء :
- إذاً أنت راحلة حقاً آنسة هالام ؟ ويبدو أن قرارك هذا اتخذته بعدما اقتنعت للمرة الثانية بأن لا وجود لك في حياة برودي .
- هو لا يحتاجني ممرضة .
- ولا عشيقة !
- سيدة إير . . .
- سئم منك هذه المرة في وقت أسرع من المرة الماضية . . . أليس كذلك ؟ لقد سئم دونا بالطريقه ذاتها.
- في المرة الأولى أم الثانية ؟
- ماذا تقصدين بالثانية . . . ؟ تعنين الصلح!ّ
ضحكت كريستبال .
- أنت تشاركينه فرشه طوال هذه المدة وأنت لا تعرفين أنه لم يكن بينهما صلحاً

تنجت سيليا فتمسكت يدها بالكرسي القابع خلفها ، ترتجف بشدة :
- ولكنك تلك الليلة عندما اتصلت ُ هاتفياً . . . ببرودي قلت لي أنهما عادا إلى بعضهما بعضاً . . . وإنهما يستعدان للخروج معاً .
- لا اعتقد أن ما سأقوله الآن سيضرّ أخداً . . ولا يهمني حتى وإن أخبرتي برودي بما ادَّعيته تلك الليلة , فقد تأخرت على توضيح الأمور ست سنوات . . . . لقد ذكرت تلك الليلة ما كنت تتوقعين سماعه . . . . أتذكرين أنك رفضت أن تحدثيه حينما عرضت عليك استدعاءه للرد إلى مكالمتك .
- ولكنني رأيت دونا معه .
- ممكن . . . لأن كارول أصيبت بحادث أثناء عودتها من المدرسة . فكانت أن رجعت دونا من سويسرا لتكون معها .
- لا لتكون . . . . . مع برودي ؟
ضحكت ضحكه تخلو من أي إحساس :
- لا . . . علمت منذ عرَّفني إليك إن علاقته بك جادة . . . ولكنني أرفض أن تحل نكرة مثلك مكان ابنتي ّ لا أستطيع السماح بهذا !
- إذن . . . لم تخبري برودي بإتصالي ؟
- أوه . . . أخبرته ولكنني قلت له أيضاً ما توقع سماعه . قلت له إنك أدركتي أنه كبير السن على فتاة مثلك ، كما قلت له إنك لا تستطيعين قبول واقعه الذي تشاركه فيه طفله وزوجة ، كما قلت له إنك لا تملكين الشجاعة على قول هذا وإنك لا تريدين رؤيته ثانية . حين رجعت من المستشفى مع كارول شعرت بكابوس يطبق علي ، ولكن مخاوفي لن تكن في محلها .
- إنه لا يذكرني حتى .
- انا لم أنسك قط .
تناهى إليها صوته من الباب المفتوح . . . دخل الغرفة ووقف قربها والنظارة السوداء تخفي أساريره .
- صدقت في السنوات الست أنك لم تهتمي بي . . . وأنك . . .
التفت إلى حماته يرتجف غضباً :
- أظنك بحاجة إلى عطلة طويلة كريستبال . . . عطلة تمضينها بعيداً عني وعن سيليا . . .
- برودي . . .
لم تُجفله نبرتها المصدومة فأردف ببرود :
- أرى أن من واجبك الرحيل .
- ولكن . . . .
- أعتقد أن كارول وجوناثان سيسرهما استدعاء سيارة أجرة لك .
- ولكن إلى أين ؟
- ليتك تذهبين إلى الجحيم بسبب ما جعلتني أقاسي منه ست سنوات !
راقبت سيليا العجوز تخرج كالعاصفة من الغرفة تصفق الباب وراءها . . ثم لم تلبث أن أدارت عينيها الخضراوان إلى برودي لتقول متأوهة :
- كنت تعرفني طوال الوقت ؟
- اجل . . . ولكنني كنت أعمى . . . . عادت كارول من حفله لتقول لي أنها قابلتك وإنها وجدتك جميله كما كنت دائماً . . . . ذلك المساء استدعيت لتلبية حالة طارئة ، وكان تفكيري منصباُ عليك . . . كنت أفكر فيك حين وقعت الحادثة . . . .
شهقت :
- اكان الإصطدام بسببي ؟
- لا . . . بل كان غلطتي . . . . كنت خائفاً من أن تصدميني ثانية بعد هذه السنوات ، وكنت مقتنعاً فيما بعد أن عماي وسيلة لتجنب الواقع . وحين استعدت وعيي في المستشفى وجدتك هناك . خِلتُ نفسي أهذي ، ولكن مع مرور الأيام والأسابيع عرفت أنني أحببتك أنت وحدك دون دونا . . . . وأنني ربما أجبرتك على الظهور في مخيلتي فقد . ولك أذكر حتى لكارول لئلا تظنني فقد عقلي .
لم تصدق أنه كان يناديها هي ألا ترحل لا دونا . . . لقد فهمت همهماته خطأ . . . .
- ثم عدت ثانيه تعذبينني . . . تثيرين غضبي . . ز . نعطينني سبباً أعيش من أجله وأنا كنت حتى ذاك الوقت أرفض الحياة . لماذا جئت . . . يا إلهي ! ماأعظم ما مان عليه عذابي عندما جئت علي أنك ممرضتي فلمست وجه وأنا أشعر ببشرتك الناعمة كالحرير . هل كنت ستدعينني أُتمّ ما أريد يومذاك . يجب أن نبوح بالحقيقة الآن ، فالوقت ليس متأخراً كنا ادَّعت كريستبال . . . . ولم يتأخر يوماً . ؟
حاولت ، وكنت أنجح أحياناً في إيعادك أياماً ولكنني لم أتمكن من نسيانك كلياً ، فقد كنت أول رجل أجببته . . .
- الأول ؟
- والأخير . . . كدتُ أبوح لك بمشاعري ولكنني رأيتك تخرج من المستشفى مع دونا ، وكنت قبل ذلك قد اتصلت بك فإذا بالسيدة إير تقول لي إنك على وشك أن تخرج الليلة بصحبتها لأن المياة عادت إلى مجاريها بينكما .
- أخبرتني كريستبال بمكالمتك . . . وكمنت مستعداً لإرتكاب جريمة بسبب ما أخبرتني به ّ ثم قررت أن أمهلك وقتأُ للتفكير فاصطحبت كارول للقيام برحلة نقاهة طويلة ، حين عدنا وجدتك قد انتقلت إلى مستشفى أخرى . . . وكان هذا خير دليل على قرارك .
- ولكن الأمر لم يكن كما تقول . فقد وجدتني عاجزة عن العمل معك في مستشفى واحدة بعد عودتك إلى زوجتك .
تنهد :
- لماذا وافقت ـن تكوني ممرضتي ؟ ألتعذبينني ؟ أم لتنتقمي مني ؟
- لا أنا من كنت أتعذب . . ولكنك كنت تحتاجني ، ولا تتجاوب إلا معي . أما كنت تعلم أنني أقوم بأي شئ في بسيل مساعدتك ؟
- أي شئ ؟
- نعم أي شئ .
- إذن كنت تقصدين ما قلته بالأمس ؟
_ ماذا قلت ؟
- إنك لم تتوقفي عن حبي .
اتسعت عيناها دهشة :
أكنت مستيقظاً ؟
- طوال الوقت . . . وكيف لي أن انام ؟ حين دخلت إبى الغرفة فلمستِ وجهي وصدري ورحتِ تبوحين لي بما في قلبك ، علمت أنني لن أدعك ترحلين .
- إذن لقد عرفت أنها الحقيقة . وأنني كنت صادقة عندما قلت إنني لم أرد رجلاً آخر سواك من قبل .
- وأنا لم أرد امرأة أُخرى مُذ رأيتك . . . بل لم يكن في حياتي امرأة أخرى طوال هذه السنوات .
دارت حول نفسها بحدة فرأته مبتسماً .
- برودي ؟
فتقدم كنها بخطوات واثقة .
- كنت أعذب نفسي وأنا اتخيلك مع رجل آخر . . . .
ثم توقف امامها حتى كاد يلتضق بها فاندفع الدفء منه واجتاح مشاعرها :
- ثم أخبرتني كارول أن ليس لديك صديق . . . أو زوج أو أولاد ، وأعتقد أنها سألت جون عن هذه المعلومات . . . فتصاعد الأمل عندئذ في نفسي ولكن أدركت أنني أعمى ولم أجرؤ على الأعتراف بأنني تذكرتك . ولكنك كنت ممن يقوم بالتضحيات . . . . وعرفت أنه حين تعلمين مدى حاجني إليك ستتخلين عن الدنيا . . . أوه . . ز ما أشد أسفي على ما سببته لك من ألم بقسوتي عليك سيليا .

كانت متسامحه عى الآلام التي انزلها بها .
- اخبرني برودي . . . ما كان شعورك نحوي . . . منذ ست سنوات ؟
- ألم أبح بخ هنيهة ؟
لا ليس بالكامل .
- أولاً يجب ان أشرح لكي شيئاً عن زواجي . . . كنت أريد زوجة تعزز مركزي الذي تبوأته . . . وكانت هي تتمتع بمزايا تخولها ان تكون زوجة رجل مشهور ولكن لسوء الحظ لم يقل لها أحد إنني سأمضي سنوات قبل بلوغ القمة . . . ولم أدرك يومذاك صعوبة لأن يكون لشاب زوجة أبوها مستعد لشراء أي شيئ تطلبه . . . . وحين ولدت كارول كنا منفصلين . . . ولكنني أحببت إبنتي كثيراً . . . وصممت على المحافظة على العائلة من أجلها حتى جاء هاري .
- أخبرتني كارول عن زوج أمها .
- بعد ذلك أدركت أن زواجي لم يكن زواجاً بقدر ما كان صفقة تجارية ، وقد أدركت ذلك اليوم الذي توجهة فيه إلى العنبر لأزور مرشة ، فاصطدمت بفتاة ، شعرت أنني أكاد أغرق في عينيها البريئتين ، وأنني أرغب في أن تحتويها ذراعي بقوة . . . يومذاك نظرت في عينيك . . . كما انظر الآن . . . فوقعت في حبك .
- برودي ؟ أقلت . . . غنك . . . تنظر إليً ؟
- أيعمك أن أبقى أعمى ؟
- لا يهمني أبداً لو كنت أعمى ، او كان لك ست زوجات وعشرون ولداً . . . ز لأنني أحبك . . . وسأظل أحبك . . .
- ليلى أمس ، بعدما بحت لي ما بحت وأنت تظنني نائماً دخلت عليك في الغرفة . في تلك اللحظة قفز شيء داخلي ، أزال الضغط النفسي عني ، فنظرت إليك . . . فجأة رأيتك . . ز جميلة كما عهدتك .
- لماذا لم تقل لي ؟
- كنت أفكر في أشياء أخرى . . ز مع أن لا شئ كان أهم عندي منك عندئذ ، ولكنني شعرت بحاجتي إلى الإنفراد بتفسي لأتأكد إن بصري قد عاد إليَّ مؤقتاً أم دائماً ، فخرجت من غرفتك لأتحقق من حالتي لانني ما كنت أستطيع إجبارك على الزواج بأعمى .
- لن تجبرني على الزواج ، بل كنت ستسعدني به .
- حبيبتي..... هل تتزوجينني ؟
- يجب ـم أكون غاضبة منك ، فكيف تهينني ظاناً أن حبي شفقة عليك ؟
- لأنه لم يكن باستطاعتي تقديم أقل ما تستحقينه .
- ومن كان يهتم ؟
- انا من كنت أهتم .
- وهل
كنت ستتركني ارحل لو بقيت اعمى ؟
- لا أدري . . ز أترين ، بقيت حتى سمعت أكاذيب كريستبال . اعتقدت أنك تخليت عني منذ ست سنوات . وبعد معرفتي الحقيقة ، لم أعد واثقاً من ردة فعلي.
لفَّت ذراعيها حوله ، وأغرقت وجهها في صدره .
- إنك ترى من جديد . . . . ولن تلبث أن تعود إليك عافيتك . . .
وهل ستتزوجينني ؟
- سأفكر بالأمر .
ألم تكفك ست سنوات ؟
اشتدت ذراعاها حوله .
- أظنني لأحببتك منذ وقعت صدفة بين ذراعيك . . . أجل . . . . سأتزوجك .
وكان لها ولبرودي السعادة التي كانت للزوجين العجوزين دفيدسون . . . وقد عرف كل منهما هذا وقدسه

تـــمــتhttp://www.mooode.com/data/media/181...stersloefe.gif

اتمنى تعجبكم الرواية
وقراءة ممتعه للجميع

http://www.mooode.com/data/media/45/...agreat_day.gif

moura_baby 17-07-09 03:18 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

تمارة 20-07-09 11:53 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

posy220 02-09-09 05:27 PM

شكرا على الرواعه ورمضان كريم

AZAHEER 03-09-09 10:39 PM

شكرااااااااااااا

Rehana 11-09-09 06:42 PM

يعطيك العافية

لكن الرواية مكررة

تنقل إلى الإرشيف


الساعة الآن 01:04 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية