منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t110192.html)

زونار 02-05-09 09:01 PM

239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
الملخص
كان صوتها يبدو عميقا بالنسبة لمن فى مثل نحافتها ، كما ظهرت


فى صوتها لهجة بريطانية لم يكن من الممكن تفاديها بعد أن عملت


لمدة عامين على ظهر يخت يمتلكه ملياردير بريطانى ، وكل طاقمه


من البريطانيين ، أما الآن وقد عادت لوطنها نيوزيلندا فقد حاولت
بإخلاص التخلص من تلك اللهجة . كان عليها أن تعود من حيث
أتت إذا لم تستطع تحديد مكان مزرعة ما قريبة من حيث فقدت
طريقها ، اسمها القلعة الاسبانية ، وقد شعرت مينرفا وهى تائهة
فى سيارتها تحت هذا المطر أن هذه المزرعة ربما تكون فى أسبانيا


فالخمسة أيام الأخيرة كانت آخذة فى الاتجاه شمالا من أوكلاند


وهى تحاول إقناع نفسها أنها فى أجازة .منتديات ليلاس


زونار 02-05-09 09:02 PM

الفصل الأول


تمتمت منيرفا روبير ستون وهى تحدق خلال الأمطار نحو اللافتة :
" يجب أن تكون هناك علامات على هذه اللافتة ، اللعنة على المهملين "
كان صوتها يبدو عميقا بالنسبة لمن فى مثل نحافتها ، كما ظهرت فى فى صوتها لهجة بريطانية لم يكن من الممكن تفاديها بعد أن عملت لمدة عامين على ظهر يخت يمتلكه ملياردير بريطانى ، وكل طاقمه من البريطانيين ، أما الآن وقد عادت لوطنها نيوزيلندا فقد حاولت بإخلاص التخلص من تلك اللهجة . كان عليها أن تعود من حيث أتت إذا لم تستطع تحديد مكان مزرعة ما قريبة من حيث فقدت
طريقها ، اسمها القلعة الاسبانية ، وقد شعرت مينرفا وهى تائهة فى سيارتها تحت هذا المطر أن هذه المزرعة ربما تكون فى أسبانيا فالخمسة أيام الأخيرة كانت آخذة فى الاتجاه شمالا من أوكلاند وهى تحاول إقناع نفسها أنها فى أجازة . وليس هناك من تبقى معه حيث ذهب والدها وزوجته فى رحلة عمل لأمريكا الشمالية لذلك قررت أن ترى بعضا من ساحل نيوزيلندا الشمالى الطويل ربما حتى تصل إلى كيرى كيرى . ولم تكن لديها أية نية لزيارة المكان الذى أمضت فيه أختها آخر عام من عمرها . ولكنها ما أن رأت اللافتة تشير إلى القلعة الاسبانية حتى سارت فى اتجاهها وهى ترفع درجة المكيف الساخنة فى سيارتها فى محاولة لتبخير الماء المتراكم على زجاج سيارتها الامامى والذى يعوق رؤيتها لحد غير قليل ، ولكم ها هى الآن فى مفترق طريقين لا تدرى أيهما يؤدى للقلعة الاسبانية والجو رغم رداءته الا أنه متوقع فى مثل هذا الوقت من العام ولكن هل تأخذ أى طريق ولترى كيف يكون حظها ؟
لكنا خرجت من السيارة إلى المطر محتمية بمظلة رقيقة وقد حدست بأن المطر لابد أنه حطم بعض اللافتات أو أوقعها وأن عليها أن تبحث عنها ، ولكن بعد وقت غير طويل وتحت تأثير المطر عادت فى اتجاه سيارتها دون أن تجد أى أثر لأى علامة أو لافته .كان صوت تساقط حبات المطر على المظلة ذا إيقاع منتظم جعلها لا تشعر بوجود ذلك الرجل الذى كان ممتطيا صهوة جواد رمادى لامع ، وقد رقد أمامه على الجواد كلب أبيض اللون به بقع سوداء بينما ارتدى الرجل معطفا من معاطف المطر الطويلة وأخذ ينظر إليها دون أن يأتى بأية حركة وكأنه متجمد من البرد والمطر . ابتسمت مينرفا وهى تتذكر أنها لم تر منزلا فى آخر ثلاثة أميال وأن حولها آلاف الهكتارات من الأراضى التى تغطيها الاعشاب ونباتات الغابة .منتديات ليلاس
قال الرجل وهو يجذب لجام الحصان الذى بدأ يتحرك بقليل من العصبية :
" لا تحركى مظلتك فى الهواء فهى تزعج الحصان "
شعرت مينرفا أن الرجل يشع قوة وتحكم ذكرها برجال الفايكنج المحاربين بينما أخذت حبات المطر تتساقط على زوايا وجهه الحادة ، لكن يدها أصبحت أكثر تحكما فى المظلة وهى تسأله :
" هل يمكنك أن تدلنى على الطريق إلى القلعة الاسبانية ؟ "
أخذ يتفحصها بعينين باردتين بدا لها أنه ينظر بهما خلالها وليس لها فحسب ، ورغم أنها كانت متأكدة أن لا شئ سيهرب من ملاحظته التى بدت قوية وحادة إلا أنه ذكرها بهؤلاء المغامرين الذين يسافرون وراء طموحاتهم إلى أى مكان دون أن تجذبهم أسرة أو بيت إلى وطنهم . كان الحصان يتحرك تحركات قلقة ، بينما بدا الكلب لمينرفا وكأنه خارج من خارج هذا الكوكب . لقد بدا ثلاثتهم : الحصان والرجل والكلب وكأنهم يسخرون منها أو يضايقهم وجودها فى ذلك المكان . قالت مينرفا بأدب فى محاولة لاسترداد ثقتها بنفسها رغم أن الرجل لم يجب على سؤالها :
" إنها مزرعة لتربية الأغنام قريبة من هنا ، مملوكة للسيد نيك بيفريل "
فأجاب الرجل بصوته الخالى من لمسة إنسانية وكأنه صوت صادر من آلة :
" إننى أعرف من يمتلكها ، لماذا تودين الذهاب هناك ؟ "
فقالت وقد رفعت حاجبيها فى تعجب :
" وهل يهمك هذا فى شئ ؟ "
" أعتقد ذلك ، فأنا أملك القلعة الاسبانية :
كان عليها أن تعرف ذلك . فقد رأت صور الزفاف ولكن العريس الذى كان فى الصور كان مبتسما دائما ومختلفا عن هذا الرجل تماما ، ولكنها صور زفاف ... الجميع يبتسمون فى صور الزفاف ويبدون كالسعداء .
فقالت وهى تأمل أن تظهر ثقتها وتحكمها :
" سيد بيفريل . أنا مينرفا روبير ستون "
فقال دون أن يبدو عليه أى اهتمام :
" وهو كذلك ، هل من المفترض أننى أعرفك ؟ "
" أنا أخت ستيلا "


زونار 02-05-09 09:04 PM

اهتزت قبضته على لجام الفرس الذى عاود التحرك بعصبية بينما رفع الكلب رأسه لصاحبة القاسى للحظة ثم خفضها ثانية لكتفى الفرس الذى كان راقدا فوقه . فقال نيك بيفريل :
" إذن الأمر كذلك "
كيف تزوجت ستيلا من ذلك الرجل البارد بل من تلك السمكة الباردة ؟ لكن مينرفا تمكنت من أن تقول بتودد :
" لقد عدت لتوى من الخارج وقررت أن أمضى عطلتى فى الشمال بعدما وجدت روث وأبى مسافرين"
لقد ذكرت روث نيك بيفريل أحيانا ، لكن إلى أى مدى كانت علاقتهما وثيقة لم تخبرها . وهو بالطبع لم يفعل فوجهه القاسى الخالى من أى تعبير لا يبدو عليه أن عضلاته تتحرك وهو يتحدث .


فأضافت وفى حديثها مسحة من الشعور بالذنب لقدومها :
" لم يكن فى نيتى القدوم هنا . ولكننى رأيت اللافتة فى أسفل التل فأتيت هاآنذا "
ولكنها تضايقت عندما انتبهت لاعتذاراتها المتكررة التى لا يوجد ما يستوجبها . فهى لم تفقد كرامتها لمجرد أن زوج أختها ينظر إليها وكأنها شيئا غريبا وجده تحت إحدى الصخور . لكنه قال :
" انا آسف . فقد كنت فظا للغاية ولم أرحب بك "
ما زالت نفس اللهجة الخالية من اى انطباع تملأ صوته وأضيفت لها ابتسامة صغيرة مغلفة بنوع من السخرية لم تسترح لها مينرفا .
" لم تكن لدى أدنى فكرى بعودتك "
" لقد عدت للوطن منذ ثلاثة أسابيع "
فأومأ برأسه دون أن يتوقف عن النظر إليها ثم قال :
" المزرعة على بعد ميلين من هنا . اتجهى يسارا حتى تجدى لافتة تشير للمزرعة ثم اتجهى يسارا ثانية واتبعى الطريق حتى تصلى للمنزل ، وعندما تصلى اخبرى السيدة بوردوس من أنت . هل تنوين البقاء ؟ "
فأجابت بسرعة :
" لا . سأقضى الليلة فى أحد الفنادق الصغيرة ، أعتقد أن اسمه مانجونوى "
لم يبد عليه انه ارتاح لذلك مما أدهشها ، بل ظل كما هو ثابتا خاليا من أى تعبير لكنها قالت برقة :
" أتمنى ألا يزعجك ذلك "
لم تتلق أى رد فعل . وتنبهت مينرفا أنها لم تكن واضعة أى مكياج وربما تدلت خيوط شعرها البنى على كتفيها فى فوضى تامة بفعل المطر . لكنه قال :
" على الاطلاق . سألحق بك بمجرد انتهائى من بعض الاعمال "
وانطلق بحصانه فى حركة مدربة ، وبمجرد أن جذب اللجام ودفع الحصان بقدميه انطلق فى طريقه الذى بدا عليه أنه يحفظه عن ظهر قلب وما هى الا لحظات حتى ابتلع الضباب ثلاثتهم : الرجل والحصان والكلب . أخذت تحملق مينرفا فى غباء حيث اختفوا حتى نبهتها قدماها المثلجتان إلى أنها تقف تحت المطر . إذن هذا هو نيك بيفريل .
إنه مناسب لهذا المكان الممطر بمعطفه الثقيل الداكن وحصانه وكلبه ، ولكن ما الذى عنته ستيلا عندما كتبت لها عن طيبته وضحكاته وعطفه الرائع . لم يكن هناك شئ عاطفى فى ذلك الرجل ، إنه يبدو كسادة الأرض التقليديين من القرن التاسع عشر. رغم جمال ستيلا وتعدد علاقاتها إلا أن نيك بيفريل كان أول رجل أحبته بحق . ولكن بالتأكيد قد شارك هذا الرجل فى قلقها ببروده حتى دفعها لتناول الأقراص التى وضعت حدا لحياتها التى لم تتجاوز السادسة والعشرين .
عادت مينرفا للسيارة وشعرت بالدفء ثانية بعد أن أدارت المكيف ، وفى طريقها للمزرعة اعترفت لنفسها أنها لم تأت لهذا المكان سوى لرغبة فى معرفة ما حدث لأختها الحبيبة وأدى لوفاتها .
ورغم مرور عام على وفاة ستيلا إلا أن مينرفا عادت لبيتهم لتجده ما زال فى حالة حداد .
لقد كانت روث – والدة ستيلا – تبتسم كثيرا لكن سلوكها الرفيع لم يخف ضعفها وحزنها الذى بدا على وجهها وفى فترات صمتها الطويلة .
لقد فوجئت مينرفا بتدهور صحتها عندما عادت من سفرها الطويل وقد تحدثت مع والدها فى إحدى الليالى بعد أن ذهبت روث للفراش .
كان براين روبير ستون رجلا مرحا بالنسبة لأحد رجال الأعمال لكنه كان يشعر بعذاب زوجته التى تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى التى أنجب منها مينرفا .
لا أعتقد أنها ستجتاز هذه الأزمة أبدا .فما زالت تبكى كل ليلة عندما تعتقد أننى نعست تماما حتى لا تشركنى فى أحزانها المسكينة . إنها تشعر بذنب وكأنها قتلت ستيلا بأن تخلت عنها وتركتها هناك وحيدة فى الشمال "
فتساءلت مينرفا :
" وماذا عن نيك ؟ لابد أنه يعرف شيئا عما حدث لستيلا وسبب وفاتها "
" لقد صدم مثلنا تماما ولا يعرف شيئا نهائيا "
لكنها قالت فى عناد :
" لابد أنه يعرف شيئا "
" لقد قال أنه لا يعرف وأنا أصدقه "
تذكرت مينرفا تلك المناقشة وهى فى طريقها للقلعة الاسبانية . كان أبوها حكما جيدا عن الرجال لكن ذلك الرجل الذى برز من الظلام لم يبد أنه من الصعب عليه أن يكذب لو كان ذلك فى مصلحته . هل كان يكذب بالنسبة لحالة ستيلا العقلية ؟
توقفت مينرفا أمام السور الصخرى الكبير الذى يعود عمره إلى مائة سنة خلت حيث استقر نيكولا بيفريل الاول . كان المنزل أشبه بقصور البارونات بلونه الداكن وطرازه الكلاسيكى وحديقته الواسعة . بدت القلعة لمينرفا وكأنها اطلال أحد القلاع الحربية التى قرأت عنها وشاهدتها فى الأفلام القديمة . وشعرت برجفة خفيفة عندما تذكرت أن أغلب أفلام الرعب تتم فى أمكنة شبيهة بتلك القلعة . لكنها وبخت نفسها لذلك الشعور فقد شاهدت حصانا وكلبا ولم تشاهد خفافيش .
كان واضحا أن نيك بيفريل مزارع جيد . فالأسوار فى حالة ممتازة وكذلك المنزل ، كما قصت حشائش الحديقة بخبرة ومهارة .كما بدا أيضا أنه مالك وصاحب عمل جيد ، فمنزل العمال كان ضخما وظهر أنه يعتنى به فى مكانه الجانبى من الحديقة لكن منزله هو كان من طابقين ظغى عليهما الطابع الفيكتورى فلابد أن من بناهما كان نيكولا الأكبر جده . كما كانت هناك فى مواجهة البوابة شرفة كبيرة فى الطابق الثانى وصلت إليها أغصان نبات الوستريا المتسلق مما أعطاها مسحة من الرومانسية ، أو هكذا اعتقدت مينرفا . أما الحديقة فكانت تشبه بالحدائق التى تظهر فى حكايات الأطفال الخيالية والتى تظهر فيها الملائكة ليلا لتغنى مع بطلة الحكاية .
وقفت مينرفا أمام الباب الحديدى الضخم بعد أن عبرت السلالم الخشبية القليلة الموصلة بين الحديقة والمنزل ، وقفت للحظات تلتقط أنفاسها قبل أن تدخل للمنزل الذى شهد وفاة أختها الوحيدة .
رنت مينرفا جرس المنزل الذى أحدث صوتا عاليا أزعجها ،وبعد حوالى دقيقة فتح الباب قليلا وظهرت سيدة فى منتصف الخمسين بدت على ملامحها الجدية والصرامة وقد جمعت شعرها الرمادى بإحكام فى مؤخرة رأسها .
نظرت إليها المرأة بإمعان ثم قالت فى صوت قوى :
" نعم "
" أنا مينرفا روبيرستون "
فلم يبد على المراة أى تأثير بل واصلت النظر إليها بإمعان فأضافت مينرفا :
" أنا أخت المرحومة ستيلا "
وللحظة بدا على المرأة أنها فوجئت فقالت مسرعة بلهجة اعتذار :
" طبعا ، تفضلى ..... تفضلى "
دخلت مينرفا وهى تقول دون ان تنظر للمرأة لتحاشى عينيها الفاحصتين :
" لقد قابلت السيد بيفريل فى الطريق فى أثناء توجهى للشمال "
توجهت مينرفا للقاعة الكبرى المزينة باللوحات الزيتية والسجاد الذى بدا باهظ الثمن وهى تحاول استجماع قوتها حتى لا تبكى فى المكان الذى ماتت فيه ستيلا . لم يكن قبل هذا المنزل غريبا عليها فلسنوات عملت فى مطابخ أثرياء أوروبا وأمريكا وكانت لديهم منازل وقصور أعظم وأضخم ولكن هذا المنزل بقدمه ولأن أختها كانت سيدته ظهر لها مختلفا .
كان المنزل دافئا رغم أنها لم تر ما يدل على أنه مكيف مركزيا لكن المدفئة التقليدية فى صدر القاعة كانت تشع دفئا رائعا أراح مينرفا بعد صباحها التى قضتها وسط الأمطار فى سيارتها الصغيرة . ودون أن تتحدث للمرأة خلعت معطفها ووضعته على أريكة ضخمة وجلست بجانبها وقد تركت مظلتها المبتلة على الأرض قالت بعد أن استراحت وهى تدير رأسها فى المكان :
" إنه لرائع ،كم عمر هذا البيت ؟ "
" مائة وعشرون عاما "
" لا يبدو عليه ذلك القدم فهوفى حالة جيدة تماما "
فقالت ربة المنزل وكأنها ترفع عن نفسها تهمة عدم الاعتناء بعملها :
" لقد تم الحفاظ على القلعة الأسبانية دائما كما أن الاعتناء بها وبصيانتها ونظافتها لا يتوقف "
فلم تجب مينرفا بل اكتفت بابتسامة ، فقالت المرأة بصوت أكثر رقة وضيافة :
" هل ترغبين فى قدح من الشاى بينما تنتظرين السيد بيفريل "
كانت مينرفا بدأت تشعر بالندم لقدومها لهذا المنزل . فالمنزل يبدو مرحبا لكن من يعيشون فيه ليسوا كذلك بالتأكيد . لكنها هنا الآن وعليها أن تبقى لتقابل نيك ثم تفعل بعد ذلك ما يحلو لها . فقالت بتودد لم تعرف له سببا وهى تتحدث للمرأة :
" نعم من فضلك "
وعندما ذهبت المرأة لتحضير الشاى بدأت عينا مينرفا تتجولان فى المكان ثانية ومر الوقت سريعا جدا .
فلم تشعر مينرفا بالمرأة إلا وهى تضع صينية الشاى أمامها وما لبث سيد المنزل أن وصل هو الآخر فى نفس الوقت . شعرت مينرفا ببعض الارتباك فهى لم تتوقع عودته المبكرة جدا . والأن وهى تراه على قدميه تحققت من ملامحه جيدا التى اختفت تحت حبات المطر عندما قابلته فى الطريق .
لم يكن كثيرا من والدها ولكن كانت هناك مسحة من السيطرة فى ملامحه مع برود عينيه التى لم تتعرف مينرفا على لونهما جعلتها تشعر بالصغر والضعف أمامه . لكنها تمكنت من أن تقول بابتسامة مؤدبة : " مرحبا "
فقال بطريقة مهذبة لكن بصلابة أقرب للهجة القساوسة :
" إذن فقد وجدت طريقك بسهولة " ثم ملتفتا لربة المنزل :
" هيلين ،هل يمكن تناول قدح أنا الآخر ؟ "
فقالت المرأة :
" لقد وضعت لك قدحا بالفعل "
" هل اتصل أحد بعد ؟"
" لا " قالت المراة ذلك بدا عليها الاهتمام والقلق فى الوقت نفسها .
" دعينى أعرف عندما يتصول مباشرة "
فقالت المرأة وهى تحاول الابتسام :
" طبعا سأفعل "
إذن لا تعامل رسمى هنا ، فكرت مينرفا فى ذلك بينما غادرت المرأة القاعة . وعندما اختفت تماما قال نيك :
" إن ابنة هيلين تنتظر مولودها فى كريستشترش . إنه الحفيد الأول لها بذلك فهى متوترة ومستثارة قليلا . كيف كانت رحلتك على ظهر يخت الملياردير ؟ "
فقالت مينرفا بمسحة من السخرية لتذكرها تلك الرحلة التى لم تر فيها صاحب اليخت سوى لثلاثة أسابيع طوال العامين اللذين أمضتهما على يخته :
" لقد كنت مجرد الطاهية ولكنى استمتعت بالرحلة كثيرا "
وهو يتناول فنجان الشاى لاحظت مينرفا يديه الجميلتين وأصابعه الطويلة الرقيقة التى اكتسبت لونا نحاسيا كوجهه تماما . وقد جعل منظر أصابعه وهى تتعامل مع الفنجان بأرستقراطية ،جعل مينرفا تشعر بتناقض فى شخصية هذا الرجل .
" إنها مهنة غريبة بالنسبة لمرأة لديها كل مميزاتك "
على الأقل لقد اعتبرها مهنة . فابتسمت مينرفا ابتسامتها المعتادة وأجابت إجابتها المعتادة لذلك السؤال :
" إنها موهبتى الوحيدة وأنا أستمتع بها كثيرا "
" ولكنك لا تبقين فى عمل واحد طويلا . فقد قالت ستيلا أنك لا تمكثين فى أى مكان أكثر من عام "
فقالت وهى تحاول أن تضفى نوع من الأهمية على عملها :
" إننى أوقع عقودا صغيرة . بهذه الطريقة يمكننى رؤية أماكن اكثر والتعرف على خبرات أكثر مما يفعل السائح "
" لابد أن اليخت كان ممتعا للغاية لدرجة أنك أمضيتى عامين على سطحه "
كانت قد التحقت بطاقم اليخت عندما وصلها خطاب ستيلا المتأخر بسبب البريد عن الزفاف ، لذلك لم تتمكن من اللحاق به ، وعندما ماتت ستيلا كانت فى وسط الاطلنطى . ولكن بمجرد عودتها للأرض طارت عائدة للوطن ولكن متأخرة عن موعد الجنازة لكنها تمكنت من البقاء أسبوعين بجانب روث وأبيها وأخيها كين قبل أن تعود لعملها ثانية .


تذكرت مينرفا ذلك ثم قالت :
" لقد أصر صاحب اليخت على عقد لمدة عامين وكنت فى حاجة ماسة للعمل فقبلت "
فقال بصوته الجميل المتعدد الطبقات :
" تجربة عظيمة عبر البحار "
كان صوته جميلا لكنه خال من أى تعبير كوجهه وعينيه الرماديتين الفضيتين . لقد أختبأ هذا الرجل خلف ستار من الثقة والتحكم جعل الوصول لشخصيته الحقيقية أمرا شديد الصعوبة . فقالت محاولة إعادته للحديث :
" بدلا من قضاء العمر فى مكان واحد لم نر العالم ولو لمرة واحدة "
فقال بلهجة شعرت فيها ببعض السخرية :
" ولتوسعى من أفقك أيضا "
فرفعت حاجبيها فى دهشة ولكن ما لبث أن قالت :
" ربما . فالبعض لا يمكنهم نسيان تعنتهم الزائف لإضفاء مسحة من العظمة على شخصياتهم "
بالطبع لم يعلم أنها تعنيه بما قالت ، فهى لا تكاد تعرف شيئا عنه لكى تصفه بأى شئ ، فأومأ برأسه وقال :
" لقد سافرت أنا نفسى كثيرا ، ولكن أجمل رحلة لى كانت الأولى . من الهند عن طريق البر حتى وسط أوروبا . أمضيت ستة أشهر فى انجلترا ثم ذهبت فى رحلة عبر أفريقيا حتى كيب تاون قبل أن أعود عبر كندا وأمريكا "
لو كان شخص آخر هو المتحدث لاعتقدت أن هناك حزنا فى صوته وهو يتحدث ، لكن هذا الرجل كان من الصعب بل من المستحيل تخيله حزينا فقد كانت ثقته وتحكمه أشبه بتهديد لكل من يتعامل معه . كان من الصعب تخيل رجل ما يعيش فى هذا المكان ويعمل بالزراعة وتربية الخراف وهو يتجول حول العالم .
فاختطفت مينرفا نظرة سريعة لوجهه ، الملامح الحادة والفم المستقيم كانا وكأنهما يتحدثان عن القوة وعدم الاقتناع بالحلول الوسطى ، فإما أن يحصل على الأشياء كما يريدها أو لا يريدها على الإطلاق .
إن هذا الرجل الجالس أمامها ليس بينه وبين الذى كتبت عنه ستيلا فى خطاباتها أى أوجه للشبه . الآخر عطوف ومرح أما هذا فمتجهم وطلب وتشع القسوة من ملامحه ونظراته . وأنبت مينرفا نفسها لتوترها الذى لا مبرر له عندما بدا قدح لشاى يهتز فى يدها عندما تحدث هو ثانية :
" كم ستمضين قبل أن تسافرى ثانية ؟ "
" شهر "
لم يكن لديها أن تأخذ أطول من ذلك فهى بحاجة للنقود لكى تحقق ما تخطط له فى المستقبل . لكنه قال :
" وبعد ذلك ؟ لقد كانت ستيلا تعتقد أنك ستستقرين فى نيوزيلندا آجلا أم عاجلا "
قالت بصوت غير واثق :
" أتمنى أن أعود يوما ما وأفتتح مطعمى الخاص . ولكن بالنسبة للوقت الحالى فأنا أريد حياتى كما هى . لقد عرضت على وظيفة فى بريطانيا لدى عائلة من المغتربين "
عندما ابتسم ارتفع أحد جانبى فمه عن الجانب الآخر فبدا ساخرا ولم يعلق . بدأت مينرفا تشعر بالضيق لوجودها فى ذلك المكان .
إن هذا الرجل أكثر من مقبض. واعتقدت أن أية امرأة تعاشره لمدة طويلة لابد وأن تقدم على الانتحار فما بالك بستيلا التى أحبت حياة السهر والحفلات أكثر من أى شئ آخر . لابد أنها أصيبت باكتئباب فى هذه المنطقة البعيدة . رغم أن ستيلا كانت أكبر من مينرفا بعام عندما تزوجت أمها – روث – من والد مينرفا إلا أن مينرفا كانت تقوم بدور الأخت الأكبر. فقد كانت أكثر عقلا ونضجا . ولكن ربما يعود ذلك إلى أنها كانت أقل جمالا فلم تكن تحتاج للتدبر طويلا قبل الاندماج مع الشباب فى علاقات عاطفية ، تحكى ستيلا التى كان وراءها معجبون دائما .
لقد كانت تحب ستيلا كثيرا رغم أنها ليست أختها حقا ، وكانت تحب روث أيضا ومازالت فقد كانت بمثابة أم لها وعاملتها دون تفرقة ما عاملت ولديها ستيلا وكين الصغير . لذلك فقد شعرتمينرفا بضيق لأن أختها ماتت وهى وحيدة هنا مع ذلك الرجل الخالى من أى شعور .
قال نيك وهو يتفحصها جيدا :
" لأمر ما توقعت أن تكونى مثل ستيلا فى الشكل ، لكنك مختلفة "
فأجابت مينرفا بسرعة :
" لأننا عائلة مختلطة . فستيلا ليست أختى بل ابنة زوجة أبى روث . لذلك فهى جميلة . أو كانت جميلة أم أنا فلا "
فى اللحظة التى قالت فيها ذلك شعرت كأنها محاولة ساذجة منها للحصول على مجاملة من نوع ما . ورغم أنها لم تعتقد ذلك فقد شعرت بسخافة ما قالته . لكنه قال : " نعم لقد كانت جميلة . وأنت جذابة للغاية ، بالتأكيد تعرفين ذلك "
لم يتبع ذلك بنظرات طويلة فاحصة كما يفعل الرجال ، ولكن لسبب ما غامض فى صوته شعرت مينرفا أنه يرى ساقيها الطويلتين واستدارة ثدييها اللطيفة وخصرها الضيق عبر ثيابها بعينيه الحادتين .
كم تمنت أن يكون لها لون أختها البرونزى . كان لون ستيلا يناسبها تماما أما هى فلونها الشاحب كان يسبب لها حرجا فى بعض المناسبات أو هى تشعر بذلك . كانت تعرف أن الرجال يستمتعون دائما بتفحص النساء ، كذلك تفعل النساء . وقد شعرت هى ببعض الذنب تجاه ستيلا عندما أخذت تتفحصه فى متعة ، عيناه اللتان يتراوح لونهما بين الرمادى والفضى ، رموشه الطويلة الداكنة ، حاجبيه الكثيفة وشعره الذى بدا فى لون العسل الصافى . وشعرت بارتياح عندما اندفعت السيدة هيلين بوروز ربة المنزل إلى القاعة وقد بدا على وجهها الانزعاج وجهت حديثها لنيك :
" نيك ، لقد تحدث موراى لتوه ، الأمور ليست على ما يرام . ويرى أن على الذهاب بأسرع ما يمكن "
وقف نيك بسرعة وقد بدا عليه الاهتمام والقلق الواضح وقال فى لهجة آمرة :
" احزمى حقيبتك ، وسوف آخذك للمطار لتلحقى بطائرة المساء إلى أوكلاند . وسوف أرتب لك مكانا على الرحلة المتجهة إلى كريستشرش "
لكن هيلين قالت بصوت متردد :
" لا يمكننى الذهاب يا نيك "
" ولم لا ؟ "
" أنسيت دعوة العشاء التى تقيمها يوم السبت لهؤلاء البرازيليين . فنحن فى منطقة بعيدة ، لن تتمكن من شراء الطعام ولن تجد من يطهو بدلا منى ...."
فقاطعها بهدوء وقد تركزت عيناه على مينرفا :
" لحسن الحظ ، مينرفا طاهية محترفة ، سوف يسعدها البقاء لكى تتأكد أن ضيوفنا سيتناولون عشاءهم . أليس كذلك يا مينرفا ؟ "
لم يكن سؤالا . فقد باغتها بفكرته تلك التى طرحها وكأنها أمر فى غاية البساطة . وشعرت مينرفا أن لسانها قد تصلب فى حلقها فقالت بعد أن رأت نظرات الأمل فى عينى المرأة :
" بالطبع ، بالطبع سيسعدنى ذلك "
فنظرت إليها المرأة نظرة ودودة بدت غريبة عليها فواصلت مينرفا لتؤكد استعدادها وترحيبها :
" فقط أعطنى قائمة بالأصناف المرغوبة وسأقوم أنا باللازم على خير وجه واطمئنى "
ولكن بدا على المرأة أنها ما زالت مترددة فقالت وهى تحول بصرها بينهما :
" ولكن ، هذا غير لائق أعنى ...."
فقال نيك بلهجة حازمة :
" هيلين . إن مينرفا عضو فى العائلة فلا تقلقى "
ابتسمت مينرفا فقد أراحتها عبارته تلك كمبرر قوى لقبولها فقالت بابتسامة :
" هذه هى فائدة العائلات فى الأوقات الصعبة "
وبعد نصف ساعة كان ثلاثتهم فى السيارة الرانج روفر الفخمة فى طرقهم لأوكلاند . كانوا فى نفس الطريق الذى قطعته مينرفا من فترة قصيرة ولكن فى الاتجاه الآخر . ولم تكن لدى هيلين سوى التعليمات لتعطيها لمينرفا التى لم تكن فى أدنى حاجة لها . ولكنها تعاطفت مع المرأة التى لم يكن لديها سوى القلق فى رحلتها لابنتها أخذت تطرح عليها بعض الأسئلة من حين لآخر لتشغيل ذهنها .
وصلوا متأخرين عشر دقائق لكن الطائرة انتظرت هيلين بوروز الذى يدل على نفوذ واتصالات نيك بيفريل فى المنطقة . وبعد وداع متعجل ركضت السيدة للطائرة واختفت وراء بابها الضخم . وقال صوت نسائى ضاحك من خلفهما وهما يشاهدان الطائرة تقلع :
" أهلا نيك : هل وصل الطفل بعد ؟ "
فاستدار نيك ليرى المتحدثة إليه . كانت امرأة فى الثلاثينيات بدت أنيقة فى ثياب أقرب ما تكون لثياب العمل ، بنطلون جينز ورداء أسود ، جنفيف تشاستوود . وبعد أن تم التعارف بينها وبين مينرفا أخذت تفحص مينرفا بعين باردة لكن باهتمام واضح :
" أخت ستيلا ؟ لكن لا تبدين شبيهة بها ؟ "
" إننا أخوة بالتبنى فحسب " . أجابت مينرفا وهى تحاول إخفاء استيائها من ملاحظة المرأة : " لقد تزوجت والدتها من أبى "
وبعد نظرة طويلة حولت جينفيف نظرها لنيك وقالت :
" إذا كانت السيدة بوروز مسافرة لابنتها فماذا ستفعل فى عشاء السبت ؟ "
فقال نيك وقد بدت عليه السعادة :
" هنا تدخل يد القدر ، سوف تتولى مينرفا الأمر بأكمله ، وبالمناسبة فهى طاهية محترفة "
فقالت المرأة وقد أصبح صوتها أكثر برودة :
" يا لحسن الحظ . هل تنوين البقاء طويلا يا مينرفا ؟ "
فأجابت مينرفا باقتضاب : " لا " . لم يكن لديها استعداد لإجابة أسئلة الغرباء الذين ليس لهم الحق فى السؤال .
فقال نيك وقد تركزت نظراته الغامضة على مينرفا :
" إن مينرفا فى رحلة للشمال ، ولكنى أتمنى إقناعها بالبقاء لبضعة أيام بعد عشاء السبت "
ضاقت عينا جنيفيف ثم اتسعتا ثانية وهى توجه حديثها لنيك مبتسمة :
" حسنا ، إذا احتجت لمساعدة فسأكون سعيدة لو اتصلت بى . وسيسعدنى لو قمت بدور المضفة لك مرة ثانية ....." ثم ذهبت ابتسامتها عندما تحولت عيناها لمينرفا وأكملت :
" على أن أذهب الآن . هناك أعمال لابد من إنهائها "
وابتعدت فى ثقة ، متأكدة من جاذبيتها وفتنتها . وشاهدتها مينرفا وهى تسير فى تمعن قائلة لنفسها لو أن هذه النوعية المقتحمة هى الغالبة على النساء هنا . لكان من السهل معرفة لم وجدت ستيلا صعوبة فى تكوين صداقات . لقد جعلتها تشعر بالأسف تجاه المهتمين بالجمال ، فهم لا يعرفون هل يتم تقديرهم لملامحهم أم لشخصياتهم وذواتهم .
أخفت مينرفا ابتسامة ساخرة وهى تحكم حزام مقعدها حول نفسها ، ان هذا الرجل الجالس بجانبها يبدو أشبه بأبطال قصص الفرسان الخيالية . لابد أن لديه نقطة ضعف من نوع ما . لا يمكن أن يكون هناك إنسان بهذا الهدوء بل البرود . لكنه بدا حاذقا فى اختيار ما صلح لمركزه الاجتماعى ، السيارة الرانج روفر والقلعة الاسبانة والفرس والكلب للسيد المالك الكبير . من المؤسف أن الحصان لم يكن أسود فقد كان يمكن تسميته إبليس أو الشيطان ، ولا يمكن لأحد امتطاؤه سوى سيد المنزل . أخذت تتخيل مينرفا ذلك والسيارة عائدة بها للقلعة الاسبانية وهى تسخر فى سرها من تلك الخواطر . ولكن بالرغم من كل شئ فقد كان نيك بيفريل هو أول رجل جعلها تشعر منذ أغراها بول بين وهى فى التاسعة عشر من عمرها . كان ذلك علامة خطر مما جعلها تنظر أمامها مباشرة بينما قاد هو السيارة فى صمت . ولكنه قال بعد فترة طويلة وكأنه تذكر شيئا ما فجأة :
" لن يكون عليك أن تؤدى أيا من الأعمال المنزلية ، فهناك من يساعد هيلين ثلاثة أيام فى الأسبوع . إحدى زوجات العاملين فى المزرعة ، فقط ركزى على الطهى للعشاء "
فقالت وهى تحاول إخفاء الاستثارة فى صوتها :
" ربما أتمكن من أداء بعض الأعمال الخفيفة "
فابتسم نيك ، كان ذلك أشبه بشعاع الشمس وهو يخترق السحب . كان الجانب الغامض البارد فى شخصيته مختفيا عندما ابتسم مما جعل مينرفا تشعر بالتوتر . فعندما يتبعثر الدرع الذى يحيط مشاعره به يكون رائعا وقد سبب لها ذلك ضيقا . فهى لا تثق به وتعتقد أنه بشكل أو بآخر يمكن أن يكون مسئولا عن وفاة ستيلا لذلك فهى ترفض شعور الاعجاب نحوه وتقاومه بداخلها . ليس من العجيب أن تقع ستيلا فى حب مثل ذلك الرجل . رغم برودته إلا أنه يشع قوة . وبالتأكيد كان يعاملها بشكل آخر ، فقد كانت زوجته .
لم يكن لديها أى سبب لشعور بالضيق . هكذا فكرت مينرفا وهى تتذكر ستيلا . فكان لديها زوجا رائعا وكل ما يمكن ان تحيا من أجله . لقد كانت محبوبة أيضا من الجميع لجمالها وشخصيتها العطوفة . لم يكن من السهل تخيلها وهى تتعاطى الحبوب التى تقضى على حياتها . لقد انتظرت حتى رحل نيك لثلاثة أيام ثم انتحرت عامدة متعمدة بعد أن سرقت الحبوب من امها . لقد وجدتها هيلين فى الصباح التالى ميتة ، لا عجب فزعت عندما رأتها اليوم وأخبرتها أنها أخت ستيلا . " انتحار فى أثناء اضطراب الحالة الذهنية " كان نتيجة التحقيق النهائى . ولكن مينرفا وجدت من الصعب تصديق ذلك كما وجدته روث أيضا مستحيلا . لقد كانت ستيلا ذكية ومرهفة ومحبة للحياة . حقيقة كانت تنتابها نوبات من المزاج المتقلب تشعر بالإحباط والتعاسة ، ولكنها نوبات لم تستمر طويلا ولم تكن خطرة لدرجة دفعها للانتحار .
لقد شهدت هيلين ربة المنزل بأنها لم تلحظ أى تغير على سلوك ستيلا لم تر أى علامة من علامات الاكتئاب عليها ، فهل شهدت كذلك لكى تحمى سيدها الذى بدا عطوفا عليها للغاية .
هل كانت شهادتها تلك بدافع الولاء . لقد قال إن ستيلا شعرت بحنين للوطن أحيانا وغير قادرة على البقاء فى فورتلاند .
ولكن كانت ستيلا تبدو غارقة فى حب نيك لدرجة تمكنها من الذهاب معه لنهاية العالم ولكن لم تكن رسالتها الأخيرة لمينرفا ممتلئة بالمشاعر الفياضة والحب الجارف تجاه نيك كبقية الرسائل .
لقد حدث شئ ما ، فقد كانت الرسالة تقليدية ومجرد سرد للأحداث كما لو كانت ستيلا تحاول إخفاء شئما عن عواطفها وراء الكلمات .
ولكن بعد أن قابلت مينرفا نيك ودخلت القلعة الأسبانية أصبحت الأمور أثر غموضا فى

زونار 02-05-09 09:07 PM

الفصل الثانى



عندما عادا للقلعة وضع نيك السيارة فى الجراج الكبير وقد لاحظت مينرفا عندما وضعت سيارتها الصغيرة التى استعارتها من روث فى المكان الخالى من الجراج سيارة من طراز مرسيدس للمناسبات الخاصة . وبجانب الجراج كان هناك باب آخر مؤدى للقصر مفتوح على قاعة واسعة قادها نيك خلالها ثم أشار إلى أحد الأبواب قائلا :
" هذا هو المطبخ "
كان مطبخا رائعا . فقد تأكدت منيرفا من ذلك بعين خبيرة بعد أن أمضت أعواما طويلة فى مطابخ الأسر الراقية . كان مجهزا بكل الامكانات الحديثة ومع ذلك فقد احتفظ بالطابع الكلاسيكى للبيت كله .
سألها نيك :
" هل تعتقدين أنه بإمكانك إعداد العشاء بمفردك ؟ "
فأجابت بثقة وطريقة عملية :
" نعم . لا تقلق "
انحلت عقدة شعرها فانسابت الخصلات حتى وسطها ، فأخذت مينرفا تلملمها بسرعة وخجل من نظراته الثابتة والتى شعرت فيها بسخرية من نوع ما .
"إنك لا تبدين مثل الطهاة ، أو على الأقل ليس كفكرتى عنهم "
" لأننى لا أرتدى تلك القبعة الطويلة البيضاء ؟ أنا أرتديها فى مطابخ الفنادق فحسب "
ثم تساءلت هى لتمنعه من مواصلة أسئلته :
" ما هى الأطعمة التى لا تحبها ؟ "
" لا شئ . سأكل كل ما يوضع أمامى طالما أنه شديد الحلاوة " . ثم قال بعد أن نظر فى ساعته :
" سنتحدث عن الأطعمة فيما بعد ، بعد أن أريك بقية المنزل "
وقبل أن يخرجا من المطبخ تسللت قطة كبيرة للمطبخ وكأنها تبحث عن شئ ما وما أن رأت نيك حتى اندفعت نحوه فحملها من على الأرض قائلا :
" هذه بيونلبى . مهمتها القضاء على أى فئران "
وتركها من يديه لكى تهبد وتجلس عند قدميه فى هدوء تام . كانت مينرفا تحب القطط ، وهذه القطة التى تدل على الثراء ستعطى المطبخ مسحة لطيفة من الصداقة . سألته مينرفا :
" ما اسم الكلب ؟ "
" الصدئ "
عقدت مينرفا حاجبيها من الدهشة " الصدئ ؟ " وقالت بتعجب :
" اسم عجيب . إننى مستعدة أن أراهن أنه خال من أية بقعة بنية اللون . مجرد أبيض وأسود "
فقال بنصف ابتسامة بسطت ملامحه الحادة :
" أنت محقة . لم أكن من أطلق عليه هذا الاسم "
" من إذن ؟ "
" الرجل الذى رباه فى البداية سماه الصدئ . لقد اعتبرته دائما مصابا بعمى الألوان "
فسألته :
" هل تدعه داخل المنزل ؟ "
فقال رافعا حاجبيه وكأنه اندهش من سؤالها :
" لا . إنه كلب المزرعة . كلاب المزرعة لا تدخل البيوت " . إذن كلاب المزرعة ليست حيوانات مدللة ، المرء يتعلم الجديد كل يوم ، هكذا أخبرت مفسها بينما واصل هو :
" لقد كان لدى كلب مدلل . لكن ستيلا لم تحبه . عندما مات لم استبدله بكلب آخر "
لم تكن هناك علامة حزن فى صوته عندما ذكر اسم زوجته الراحلة . كما لو لم تكن تعنى شيئا بالنسبة إليه ، أو ربما كان الحل الوحيد فى نظره التأقلم مع حزنه وفقده إياها هو أخفاء مشاعره بداخله .
" وما إسم الحصان ؟ "
فقال وقد بدا عليه الاعجاب بالاسم :
" الجن الفضى "

لابد أن كان فى رد فعلها ما جعله يبتسم فى سخرية ويقول :
" لم أكن أنا من سماه أيضا . اسم سخيف أليس كذلك ؟ "
فقالت وهى تخفى استياءها من الاسم :
" لا . لآ . إنه يناسبه فهو فضى وأعتقد أنه سريع كالجن "
فهز رأسه قائلا :
" لا إن الاسم لا يناسبه . إنه حصان مزرعة فلسنا فى حلبة السباق هنا " . ثم انتظر برهة قبل أن يضف : " أنا لا أدعه داخل المنزل أيضا " .
عندما ضحكت مينرا أخذ ينظر إليها بتفحص وكأن منظر امرأة ضاحكة غير مألوف بالنسبة إليه . وبالطبع فقد توقفت عن الضحك شاعرة بحرج لكنه خرج من المطبخ قائلا :
" سأريك الطابق الأسفل أولا حتى تعرفى طريقك ، ثم سأريك حجرتك "
وتبعته مينرفا خارج المطبخ وهى لا تدرى لم تضايق أو بدا عليه أنه تضايق من ضحكها .
كان البيت كله رائعا مؤثثا تأثيثا من الطراز الكلاسيكى مما جعل القلعة أشبه بقلاع الأمراء لدرجة أن مينرفا تساءلت برغبة صادقة فى المعرفة :
" إن المنزل رائع . من الذى أثثه ؟ "
" أمى "
هل ما زالت أمه على قيد الحياة ؟ نعم لقد ذكرت ستيلا فى رسائلها عن امرأة طويلة جذابة تزوجت للمرة الثانية . قالت مينرفا :
" إن موهبتها رائعة "
فقال :
" نعم . رغم أن معظم الأثاث كان موجودا قبلها ، إلا أنها أعادت ترتيب المكان واختارت الألوان والأقمشة الجديدة للستائر والمقاعد . ففى وقتها لم يكن من العادى أن تعمل النساء فكان البيت هو شغلها الشاغل . إنها تعيش فى سنغافورة الآن مع زوجها الثانى وهى سعيدة للغاية فهى تزين المنزل والحديقة هناك "
قادت السلالم إلى ممر غمره الضوء الآتى من نافذة كبيرة فى نهايته . وامتلأ بلوحات بعضها لفنانين كانت تعرفهم مينرفا وبعضهم تجهله ، لكن كل اللوحات كان بها نوع من الاصالة بل والعراقة . تساءلت مينرفا وهى تنظر للوحة زيتية لامرأة على الشاطئ :
" هل قامت والدتك بتجميع كل اللوحات ؟ "
" بعضها فقط . لقد قام أجدادى بشراء البعض الآخر كما أضفت إليها أنا بعض اللوحات "
فقالت وهى تحاول أن توصل المعنى الذى أردته :
" إنها .... إنها متناسقة كما لو كانت مجموعة واحدة "
" ربما لأننا لم نشتر إلا ما أعجبنا "
كانت غرفتها فى نهاية الممر كبيرة بشكل يثير الدهشة . وقد وضع فى مقابل الباب سرير كبر ذو أربع قوائم قال نيك وهو يحاول ترتيب ملاءاته :
" إنه مرتب تقريبا ، سأساعدك "
لكنها قالت بسرعة لأنها شعرت بالسخف أن يساعدها فى ترتيب فراشها :
" سأفعل أنا ذلك . أين خزانة الملاءات ؟ "
فأشار بيده إلى خزانة كبيرة بجانب دولاب ضخم فى طرف الغرفة :
" هذه ، وهذا الباب بجانب الدولاب يؤدى للحمام ، لو احتجتى لشئ دعينى أعرف "
" حسن . متى يكون العشاء ؟ "
" فى السابعة والنصف . أعتقد أن هيلين تركت قائمة ما "
" نعم "
فقال ولكن بدون عاطفة :
" شكرا لتطوعك لمساعدتى . لقد كانت هيلين مشتاقة لرؤية ابنتها . ولكن لم تكن مستعدة للذهاب وتركى بمفردى خصوصا وذلك العشاء يوم السبت "
فقالت مينرفا بهدوء :
" هذه هى الأمانة والإخلاص "
هل كانت ربة المنزل مخلصة لدرجة أنها كذبت عندما سألها المحقق عن علاقة سيدها بزوجته المنتحره ، لو لم تكذب فعلى الأقل قامت بسرد الحقائق قليلا لصالح من تعمل لديه . ربما كانت مينرفا متميزة ، قليلا فى احتياجاتها بسبب شعورها الطاغى بأن أختها كانت ضحية لظروف ما شديدة الصعوبة عليها .
لقد كان اسم عائلة بيفريل معروفا فى طول نيوزيلندا وعرضها ، ونيك هذا كانت لديه أعمال خاصة أخرى فى القطاع الزراعى بجانب أرضه وتسويق محاصيلها . كان ماهرا وذكيا بجانب انتمائه لأصول عريقة ، ومن الواضح أن لديه قدرا لا بأس به من النفوذ أيضا . ولكنه طيب أيضا فاهتمامه بهيلين لم تضعه مينرفا فى حسبانها ولكنها بدأت تتخلص من انطباعها الأول عنه . فربما لم يهتم أحد بموت زوجته لأنه كان غائبا من المنزل فى ذلك الوقت فالولاء له لا يعنى الولاء لزوجته التى اعتبرت غريبة تماما عن المنطقة .
تحرك كتفاه العريضان وهو يقول بهدوء ويقصد ستيلا :
" لقد كانت تحب أمى وأمى كانت تحبها " . ثم عادت إليه طريقته العملية :

" بخصوص الأجر ، سواء كنت من العائلة أم لا أنا بالطبع لا أتوقع منك التخلى عن اجازتك دون مقابل "
فرفعت مينرفا عينيها وقالت بخفة :
" الأسرة سلاح ذو حدين . أنت لا تعطى أجرا لعائلتك عندما تساعدك فى مأزق ما "
فقال وقد بدا عليه الاقتناع رغم أنها تضايقت من عرضه الذى جعلها تشعر بغياب روح القرابة :
" حسن للغاية كما تشائين "
وللغرابة فقد تضايقت من موافقته السريعة . كانت تتمنى لو امر ليحدث بينهما نوع من النزاع لتثبت لنفسها فيه أنها قادرة على فرض إرادتها حتى مع هذا الرجل . لكنه أضاع عليها الفرصة بموافقته على كرمها العائلى !! كان سيكون خصما جيدا ، عنيفا لكن عادل وستكون ثقة خالصه فى تحديه . كانت مينرفا تختلف فى ذلك عن ستيلا تماما ، فستيلا تكره النزاعات وتنسحب منها قبل أن تبدأ لعدم قدرتها على الوقوف والتحدى . ولكنها شعرت فجأة بعدم الاخلاص لتبادلها الحديث الردى ولتفكيرها فى رجل قد تكون له يد فى وفاة أختها ، فعضت شفتيها بينما قال هو فى صوت عال دون مبرر :
" حسن ، سأتركك لترتبى أشياءك "
عندما غادر الغرفة أخذت مينرفا تفكر فى شخصيته القوية التى تبدو وكأنها تفرض إرادتها على كل من وما حولها .
كانت هناك نظرة غريبة فى عينيه تتوقع من الجميع الطاعة التامة ، ولكن مع ذلك فقد كانت هناك علامات لعاطفة غير محددة وصدق شعور يحاول إخفاءهما تحت درع صلب من البرود . ومع ذلك فقد كانت مينرفا متأكدة أن حالة أختها الذهنية لم تكن طبيعية عندما أقدمت على الانتحار وسواء كان لذلك الرجل دخل أم لا فى وفاتها فإن عليها أن تعرف ، هى لم تأت هنا عمدا لكى تتجسس وتبحث ولكن بما أنها هنا فإن عليها أن تحاول . وموت أختها ستيلا يزعجها ويطالبها بأن تفعل شيئا ، أن تجعل شخصا ما يعانى كما كانت أختها .منتديات ليلاس
كانت تلوم نيك مبدئيا ، ولكن من الواضح الآن أن وفاة زوجته جعلته مثل روث يعيش فى ظلام ووحشية وحزن يحاول إخفاءه بطريقته كما تحاول روث إخفاء حزنها تحت ستار من المرح . يا ترى ماذا كانت أفكار ستيلا فى ليلتها الأخيرة فى هذا العالم ؟ لن يعرف أحد هذا للأسف . لقد أرادت ستيلا ذلك على ما يبدو فهى لم تطلب مساعدة من أحد ، لم تصارح أحدا بعذابها ومعاناتها . أحيانا تعتقد مينرفا أنه لم يكن هناك أى فرق لو عرف أحد أم لم يعرف . فالحزن لا يمكن القضاء عليه بمجرد الإفضاء به لشخص آخر ، لكن ربما كانت ستيلا تجد فيها عونا لو كانت موجودة معها فى ذلك الوقت ، رغم أن مينرفا كانت أصغر بعام إلا أنها كانت أكثر تفهما للحياة من أختها التى سبب لها جمالها كثيرا من المشكلات فى مراهقتها ومطلع شبابها . لم تكن مينرفا فى جمال أختها فلم يكن لديها سوى عينين داكنتين واسعتين ووجه منحوت بدقة أما ملامحها فكانت عادية مقارنة بكثير من الفتيات .
لقد ضايقها ذلك كثيرا فى الماضى ولكنها تعلمت من علاقتها الأولى أن الجمال ليس ما يجعل الفتاة مرغوبة ، بل قدرتها على المقاومة والاحتفاظ بكرامتها هو ما يجعل لها قيمة ، لقد أحبت بول كثيرا وسلمته نفسها تماما لكنه تخلى عنها لفتاة أخرى وأصابها بصدمة ما زالت تعانى منها للآن رغم أنها تعلمت منها الكثير . وعندما تتذكر تلك العلاقة الآن تشعر برغبة عارمة فى استغلال كل موقف لتأكيد سيطرتها على عواطفها وحمايتها لنفسها من أى رجل يريد استغلالها واللهو بها . لم يكن بول يحبها بل يستغلها ليثير غيرة فتاة أخرى أما هى فقد كانت من السذاجة لكى تقع فى حبه وتظن أنه يحبها . هل حدث نفس الشئ لستيلا يا ترى ؟ !
عندما دخل نيك للمطبخ فى حوالى الرابعة والنصف كانت مينرفا تخرج صينية فطائر خفيفة من الفرن ، لاحظت نظراته الفاحصة لها فابتسمت وواصلت ما تفعل دون أن تتحدث . لكنه قال بابتسامة كالوميض :
" هل هذه لشاى المساء . إن رائحتها جيدة "
فقالت باقتضاب وهى تشعر بانقباض فى صوتها :
" نعم "
لكن رنين التليفون قاطعها فتناول السماعة المعلقة فى المطبخ وتحدث قليلا ثم وضع السماعة سريعا .
" هل الشاى معد ؟ "
" لا ليس بعد "
" فى هذه الحالة هل يمكنك أن تأتينى به فى المكتب عندما تنتهى منه ؟ "
" بالطبع "
ان مكتبه واسعا وكان هناك كمبيوتر بدا أنه حديث للغاية موضوع على منضدة بجانب المكتب .
وضعت مينرفا – التى كان لديها شئ ما ضد التكنولوجيا – صينية الشاى على المكتب واستدارت لتذهب .
كان نيك يقرأ شيئا عندما دخلت ويضع بعض الملاحظات على الورق وقد أشار لها بالدخول عندما نقرت الباب ولم ينظر لها . ولكنها عندما تحركت لتغادر الحجرة سألها بتعجب :
" لماذا هناك كوب واحد ؟ "
" حسن إن .... "
رفع عينيه من الورق ونظر إليها وقد ضاقت عيناه قليلا :
" اذهبى وائتى بكوب آخر لك "
أمر مباشر آخر وبدا عليه أنه لا يتوقع العضيان ، لماذا لا يعتقد أنها ربما تفضل بعض الخصوصية ؟ !
لم يكن هناك دفء فى عينيه وهو يتحدث وقد ترددت هى قبل أن تجيب أو تتحرك فبادرها بحزم :
" مينرفا ، إنك عضو فى العائلة يجب أن يكون ذلك واضحا . إنك ستساعديننى فشكرا لك ولكنك لست مأجورة لتعلمى هنا . أنت عضو فى عائلتى "
فقالت وكأنها تدافع عن نفسها :
" لقد عملت لخمس سنوات كأجيرة . سوف أستغرق وقتا لأعتاد على الوضع الجديد "
" إذن أعتادى عليه سريعا " . قال ذلك وهى تستدير لتغادر الحجرة لتأتى بكوب لنفسها .
عندما عادت كان لا يزال يقرأ ويكتب ملاحظاته لكنه وقف عندما رآها قد جلست ثم قال بلطف :
" هل رتبت كل شئ ؟ "
" نعم ". قالت ذلك وهى تصب الشاى وقد بدأ يتسرب إليها إحساس غامض بأن لطفه هذا ليس طبيعيا بل مصطنعا . ثم قالت :
" ستحتاج لبعض العون مع ذلك . فسأقوم بالطهو ولكننى لن أتمكن من إعداد المائدة لعشرين شخصا بمفردى "
" لقد تم ترتيب ذلك . ستأتى جوليان هوارد لتساعدك طوال الجمعه والسبت . وإبنا كبير الرعاة سيأتيان ليقدما الطعام للضيوف : إنهما فى المدرسة الثانوية "
أخذت مينرفا بذلك فقالت وهى تحاول إخفاء انطباعها :
" هل يعلمون أنهم سيفعلون ذلك "
" نعم لقد فعلوا ذلك مرارا . إننى أفضل استخدام أناس من المزرعة لمساعدتى "
بدا الأمر طبيعى غير أن مينرفا تساءلت لو أنهم يقبلون ذلك تحت تهديد من الرجل .
فقال بوضوح لدرجة أنها شعرت أنه يقرأ أفكارها :
" أنت بالطبع ستأكلين معنا "
فقالت بجزع محذرة :
" سيكون ذلك صعبا للغاية "

" صعبا للغاية ؟ "
" أعنى .... لا ..... "
فقال بثبات :
" إننى أود لو قمت بدور المضيفة من أجلى "
" نعم ... لكن ..... " . توقفت الكلمات عندما قابلت عيناها عينيه الحادتين وقبل أن يسقط اسم جنيفيف من فمها .
فسأل بأدب :
" حسن اتفقنا . هل هناك شئ آخر تودين السؤال عنه ؟ "
فهزت رأسها قائلة :
" لا ، ليس الآن "
فقال وهوينحنى للأمام :
" إننى أعلم أنك قبلتى ذلك متورطة . فما كانت هيلين لتتركنى لو لم تقبلى وأنا ممتن للغاية . وفى الحقيقة لم تكن حالة ابنتها مطمئنة كما أخبرها زوجها فى التليفون " . ثم أضاف :
" هل أعجبك ما رأيتى فى الشمال حتى الآن ؟ "
فقالت بمرارة :
" كل ما رأيته حتى الآن هو المطر . لقد تركت أوكلاند فى يوم رائع ولكن بمجرد أن وصلت لتلال برين ديروين بدأ المطر وما زال مستمرا من آن لآخر "
" حسن إذا أتيت فى الربيع ستجدين الأمور أفضل "
وقبل أن تتحدث رن التليفون فالتقط السماعة وأصغى قليللا ثم قال :
" فرانك ؟ أين هو ؟ ماذا حدث ؟ " ثم قال بعد أن قطب :
" أنا أتناول الشاى الآن . سآتى بعد أن أنتهى منه . لا يهمنى إذا كان مقبلا " . ثم وضع السماعة بعنف .
حاولت أن تبدو مينرفا غير مهتمة على الاطلاق بما سمعت لكنه بادرها :
" فرانك أحد عمال المزرعة ، اليوم عطلته وقد ذهب للبار حتى ثمل تماما وخرج على قدميه للطريق فهو لا يستطيع القيادة فى تلك الحالة . لقد أخذ يفرط فى الشراب بعد أن هجرته زوجته . يجب أن أذهب لآخذه لبيته قبل أن تصدم سيارة هذا الغبى "
بدا على مينرفا التعجب لذلك فقال هو :
" من الصعب الحصول على مساعدة هنا . إنها العزلة فى هذا المكان "
من الواضح أن لديه اهتماما بالعاملين لديه، فموقفه من هيلين ومساعدته لفرانك هذا تؤكد ذلك ، لا شك أنهم يحبونه لذلك . لقد تضايقت روث زوجة أبيها عندماقررت أن تتعلم الطهو رافضة فكرة أن يكون أحد أعضاء العائلة " خادما " . لكن مينرفا تقبلت رأيها النابع من الحب والحرص على مستقبلها بسعة صدر ، كانت تتمنى لو حصلت على وظيفة سهلة حتى تتزوج كستيلا . لكنها سألته بتعجب :
" عزلة ؟ أى عزلة ؟ "
رجع نيك بظهره للوراء وقال :
" ألا تمانعين فى العزلة هنا ؟ "
" نحن على بعد عشرين كيلومتر من كيرى كيرى لا أسمى ذلك عزلة "
" إن العزلة إحساس أكثر منها عزلة مكانية "
شئ ما فى صوته جذب انتباهها . فتحت هذا الستار من البرود كان هناك شعور بحزن عميق وافتقاد للعاطفة والحب . قالت بهدوء وهى تنظر لوجهه الثابت :
" نعم أعتقد أنك على حق " . ثم قالت لتقطع الصمت :
" أعتقد أن المكان المنعزل هو الذى لا يصله البريد "
" نحن نتلقى البريد ست مرات فى الأسبوع "
" وماذا عن استقبال التليفزيون والراديو ؟ "
" ممتاز "
" ولديك الماء والكهرباء . بالإضافة لمكتبتين على الأقل فى كيرى كيرى وسينما أيضا .لا أعتقد أنك منعزل على الاطلاق . فلقد ذهبت لأماكن أقل ما يقال عنها أن الحضارة لم تصلها بعد "
كانت ابتسامته ساخرة فقال :
" يبدو أنك خبيرة بالعالم . أين ذهبت . مجاهل أفريقيا ؟ "


فقالت باختصار " حول العالم " . كانت تعتقد أن هؤلاء الذن يتحدثون عن رحلاتهم مملون للغاية .
" أعتقد أن على العودة للمطبخ "
قالت ذلك وقامت وقد أخذ هو ينظر إليها كما لوكان يعرف أنها تتراجع . وقال وهو يقوم :
" أشكرك مرة أخرى "


وانتظر حتى اقتربت من الباب وقال مرة أخرى برقة :
" مينرفا "
" نعم ؟ "
" مرحبا بك فى القلعة الاسبانية "
بدا لها وكأنه تحذير ، ولم تدر سبب هذا الاحساس وما لبثت أن استشعرت سخافته فسألت :
" لماذا الاسبانية ؟ فيمكننى رؤية القلعة ولكن لا يبدو عليها أنها أسبانية أكثر منها إنجليزية "
" من مائة وخمسين عاما حلم نيكولاس الكبير بأن تكون له قلعة فى أسبانيا لكنه لم يتمكن من ذلك فسماها القلعلة الاسبانية "
ثم عاد لعمله مرة أخرى الذى كان قد قطعه عندما دخلت هى وقبل أن تخرج قال دون أن يرفع عينيه من على الورق :
" من الأفضل أن تتصلى بوالديك وتخبريهما أين أنت . فأنا أعرف روث قلقة للغاية "
" حسن "
عندما صعدت لغرفتها لتبدل ثيابها سمعته وهو يخرج فى مهمته الانسانية لإنقاذ فرانك ، أصبح بإمكانها أن تسترخى الآن قليلا قبل أن تواصل العمل وقد قررت الاتصال بروث فى المساء .
إن من الغريب أن يتركها هكذا وحدها فى المنزل دون ان يكون لديه أى دليل أنها أخت ستيلا فعلا ، ربما كانت أى فتاة أخرى جاءت لتخدعه ولكن لم يبد عليه أنه من ذلك الطراز الذى يسقط فى الشراك بسهولة .
لقد كان باردا ولكنه جذاب أيضا , شعرت مينرفا بإعجاب نحوه رغم أنه لم يبد معها سوى أقل قدر من الترحيب .
رغم كل عبارات المجاملة ، إلا أنه بدا عليه التكلف أكثر من الحميمة ومع ذلك فقد شعرت نحوه بنوع من العطف .
وقبل العشاء تلك الليلة أعطاها نيك كأسا من النبيذ ، أخذا يتحدثان عن والديها وعن أخيها كين الذى كان يذهب لنفس المدرسة الداخلية التى كان نيك يذهب إليها . تناولا العشاء فى الحجرة الصغيرة الملحقة بالمطبخ ،كانت مضاءة جيدا وقد أمضيا الوقت فى الأحاديث العامة . وقد وضح من حديثه أنه واسع الخبرة والاطلاع . على الأقل فيما يخص عمله ومصالحه .بعد العشاء عاد لمكتبه وطلب منها أن تشعر بحرية تامة وتتصرف كما تشاء فى المنزل . لكنها ذهبت لتتصل بروث التى ما أن سمعت صوتها حتى سألتها صائحة :
" مينرفا أين أنت ؟ "

" القلعة الاسبانية . لقد مررت لأقابل السيد بيفريل وحدث أن مدبرة المنزل كان عليها الذهاب لظرف طارء فبقيت لأساعده فى حفل العشاء الذى سيقيمه يوم السبت "
" إن ذلك رقيق منك يا حبيبتى " . قالت روث ذلك وبدا فى صوتها أنها ****ة . ثم سألت :
" هل نيك معك ؟ "
" لا . إنه فى مكتبه يعمل "
" حسن . لا أود إزعاجه "
قالت مينرفا وهى تعلم حب روث للحديث فى التليفون :
" روث . إن هذه المكالمة تكلفنى الكثير "
" نعم ولكن لا بد أن نيك سيـ..."
فقاطعتها مينرفا : " لا أنا سأدفع ثمنها "
" حسنا حبيبتى . لا تسرعى بالعودة إذا كنت مستمتعة بالبقاء هناك "
مستمتعة !؟ آه لو عرفتى يا روث . وفى طريقها لحجرتها ترددت مينرفا إذا كان يجب عليها أن تذهب للأسد فى عرينه وتلقى عليه تحية المساء . لقد بدا مؤدبا ولكنه ربما يزأر لمقاطعتها إياه . لكنه لم يزأر ولم يظهر أى مخالب ، كان واقفا يقرأ أحد الملفات عندما دخلت عليه واستغرق دقيقة قبل أن يلحظ وجودها . فقالت مسرعة :
" أنا ذاهبة للنوم . متى تود الإفطار ؟ "
" فى السابعة . ولكن لا تستيقظى مبكرا فأنا أعد إفطارى . ليلة سعيدة وأشكرك ثانية لمساعدتى "
" العائلات مؤسسات رائعة " . قالت ذلك ضاحكة وهى تغادر الحجرة بينما حياها بإيماءة من رأسه .
كان المطر قد توقف فى أثناء العشاء . وفى حجرتها أخذت مينرفا تفكر فى نيك وهى تبدل ثيابها . بالطبع هو رجلجذاب أو على الأقل مثير للاهتمام . كانت متعبة للغاية ولم تستغرق طويلا فنامت ولكنها استيقظت فى وسط الليل بعد أن رأت حلما غريبا لم تتذكر منه شيئا ، ولكن خاطرا ما برق لذهنها وهى نصف نائمة ونصف مستيقظة ، لم يكن هناك أدنى علامة تدل على أن امرأة عاشت فى هذا المنزل وكان اسمها ستيلا . لم تجد لها صورة أو أثر وكأنها لم توجد على الاطلاق .

زونار 02-05-09 09:28 PM

ما رايكم اكملها ولا.....................

فيفي و بس 04-05-09 09:03 AM

مرحبا زونار الروايه حلوه وارجوا منك ان تكمليها ويعطيكي العافيه:flowers2::flowers2:

بنيتي بنيه 04-05-09 01:03 PM

اهلين زو نار بليز تكمله الروايه جدا جميله :f63::f63: انا انتظرك اليوم:rdd12zp1::rdd10ut5:

زونار 04-05-09 01:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيفي و بس (المشاركة 1945061)
مرحبا زونار الروايه حلوه وارجوا منك ان تكمليها ويعطيكي العافيه:flowers2::flowers2:


يسلمو عزيزتى باكملها لعيونك

زونار 04-05-09 01:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنيتي بنيه (المشاركة 1945171)
اهلين زو نار بليز تكمله الروايه جدا جميله :f63::f63: انا انتظرك اليوم:rdd12zp1::rdd10ut5:

يسلمو يا عسل ما راح تنتظري وايد باكملها لعيون الحلوين

زونار 04-05-09 02:03 PM

الفصل الثالث
فى الصباح استيقظت مينرفا ولديها احساس مخيف بعدم التعرف على المكان ولكنها ما لبثت أن تذكرت أين هى . قامت من الفراش الوثير وفتحت ستائر النافذة لترى الصباح المشرق وكأنها فى أحد أيام الصيف . كان منظر الحديقة فى الصباح جميلا مما أنعش مينرفا التى كانت تختار وظائفها فى الأماكن التى تتمتع بالجمال ، ولكن القلعة الاسبانية فى ذلك الصباح بدت أجمل من أى مكان آخر .منتديات ليلاس
عندمااغتسلت وارتدت ملابسها وفى طريقها للطابق الأسفل رأت نيك على وشك الخروج مما أدهشها . لابد أنه قد استيقظ مبكرا للغاية . بالتأكيد لم يتناول إفطاره . وبعد تبادل تحية الصباح سألته فى صوت ناعس :
" ماذا ستنتاول فى الإفطار ؟ "
" أى شئ ، سأطعم الكلاب أولا "
" هل ستتأخر؟"
" خمس دقائق على الأكثر "
أعدت مينرفا إفطارا كاملا يحتوى على بيض وفطائر وقهوة وعصير طازج . وبعد أن انتهى من إفطاره قال :
" إنه إفطار لذيذ "
" أشكرك"
" معذرة . ولكنك تبدين أصغر من سنك خاصة وأنت تجمعين شعرك وراء وجهك هكذا .لا يمكن تخيلك طاهية خبيرة كما أنت بالفعل "
جذب انتباهها لهجته الجافة ، لكنها رفضت أن تتساءل عن معناها بل واصلت تناول إفطارها فى صمت . حتى فى هذه الساعة المبكرة من الصباح أمكنها بأن تشعر بجاذبيته . قالت وهى تبذل جهدا كبيرا لتبدو فى حالتها الطبيعية :
" هل ستكون موجودا لشاى الصباح والغداء "
" لا لدى موعد أعتقد أنه سيستغرق اليوم ولن أعود قبل السادسة . لاتنسى أن جوليان هواردستأتى تساعدك فى التاسعة "
" ماذا تفعل جوليان عادة ؟ "
فهز كتفيه ثم قال وقد لوح بذراعيه :
" لا أعرف تكنس وتلمع الأثاث ، هذا النوع من العمل . الأعمال الخفيفة تقوم بها هيلين وشركة من شركات النظافة فى كيرى كيرى تقوم بتنظيف الزجاج. البيت كله يتم تنظيفه بأكمله مرة كل عام فى الربيع " . ثم قال بوضوح :
" لا تشعرى بأن عليك أن تفعلى أى شئ أكثر مما ترغبين فى فعله "
وبعد أن ذهب شعرت أن شكوكها حوله لا أساس لها من الصحة .لقد كانت علاقته جيدة بوالديها وقد شعر الجميع بالشفقة نحو الأرمل الشاب الذى انتحرت زوجته دون ما سبب واضح . ولكن مع ذلك لا يبدو عليه الحزن لفقدان ستيلا وهذا ما أقلق مينرفا وجعلها متشككة . رجل مثله يمكنه أن يتزوج وقتما يشاء أو يعقد صداقات مع من يشاء فهو من أهم الرجل فى نورثلاند بالإضافة لشبابه ووسامته وثرائه رغم كل مميزاته إلا أنه كان هناكشئ ما يقلقها من ناحيته .
كانت جوليان هواردشابة ومرحة أيضا فى أقل من نصف ساعة أثبت أنها كفء وجادة فى عملها أيضا . لكنها كانت ثرثرة أيضا . فأثناء تناول شاى الصباح أعطت مينرفا – التى لم تكن مرحبة بالثرثرة – تقريرا مفصلا عن العاملين فى المنزل والمزرعة . تقرير لا يخلو من النقد طبعا ، ولكن مينرفا أنصتت فى محاولة تجميع أى قدر من المعلومات بخصوص وفاة ستيلا ، كما أخذت تحكى لجوليان بعض الحكايات المسلية عن رحلاتها وعن الأناس المشهورين الذين عملت لديهم كطاهية . وفى أثناء حديثهما عاد نيك للمنزل لكى يلتقط شيئا نسى أن يأخذه معه وسأل جوليان إذا كانت قد رأت فرانك ذلك الصباح فأجابت بأنه حضر للافطار وكالعادة ، كان متعبا قليلا ولكن لا بأس به . وعندما ذهب نيك تنهدت جوليان وقالت :
" يا إلهى إنه رائع ، أليس كذلك ؟ آسفة . دائما أنسى أنك أخت زوجته الراحلة "
لقدحرص نيك على أن تعرف جوليان من هى مينرفا حرصا على سمعته . فماذا يقول أهل البلدة لو عرفوا أن امرأة ما أمضت الليلة فى منزله ؟ لن يكون لطيفا لمن هو فى مثل مركزه . أجابت مينرفا :
" أعتقدأن لديه هذا التأثير على معظم النساء "
فقالت جوليان بهمس كمعظم الثرثارين :
" نعم رغم سلوكه المتحفظ دائما . ولكن للعلم إنه سيئ المزاج وخطر للغاية عندما يغضب "
فقالت مينرفا مندهشة : " نيك ؟ "
" نعم نيك " . سعدت جوليان بالدهشة التى أثارتها عبارتها الأخيرة فواصلت فى حماس :
" إنه ليس عصبيا ونادرا ما يغضب ولكن عندما يحدث ذلك فمن الأسلم الابتعاد عنه . لقد أخبرنا فرانك بأنه رآه مرة يضرب أحد العمال لأنه كان يضرب كلبه بالسوط . ويقسم فرانك بأنه حطم فك الرجل وطرده وأمره بعدم العودة للمزرعة ثانية "
فقالت مينرفا معترضة :
" كسر فكه ، نيك لا إنك تبالغين بالتأكيد "
" لا أقسم أنها الحقيقة . إسالى بنفسك . كل من يعرفه يعلم أنه يأخذ وقتا طويلا لكى ينفجر ولكن عندما يحدث ذلك يجب البحث عن مخبأ ،يصبح مثل البركان "
لقد خمنت مينرفا أن تحكمه فى نفسه الذى يغلف كل تصرفاته ليس سوى ستار ليخفى وراءه شخصيته الحقيقية هل كان ذلك ما حدث لستيلا التى كانت تكره الشجار والتحدى ؟ هل سبب لها خوفها من تقلب مزاجه اكتئابا ؟ لا لم تكن ستيلا ضعيفة لهذه الدرجة . كانت ستترك له المنزل وتعود لمنزل أبيها أما الانتحار فسببه آخر .
لم يكن لدى مينرفا الاستعداد لسماع أى ثرثرة أخرى خاصة عن نيك فقالت وهى تضع كوبها فى الحوض :
" من الأفضل أن نعود للعمل "
" حسن سأقوم بالتلميع . لقدلاحظت أنك تقطنين فى غرفة أختك الآن . لقد أحبت تلك الغرفة ، اعتادت أن تقول أن طرازها رائع "
" أنا أيضا معجبة بها "
حجرة أختك ؟ ! ألم يكونا سويا فى غرفة واحدة ؟ خليط غريب من المشاعر اقتحم مينرفا .فقالت جوليان بصدق دون أن تلاحظ اضطرابها :
" لقد حزنت كثيرا على أختك . كانت تبدو لطيفة للغاية لكنها لم تكن سعيدة هنا "


لقد استمتعت ستيلا بحياتها الاجتماعية ولكنها لابد وكانت تعرف أن حياة الريف مختلفة . شعرت مينرفا وكأن كتلة من الثلج فى معدتها مما سبب لها انقباضا مؤلما ، لكنها لم تظهر ذلك لجوليان . لو كان هناك من يعرف لماذا أقدمت ستيلا على تلك الخطوة فلابد أنها هذه المرأة الثرثارة ، علقت مينرفا محاولة أن تبدى عدم اهتمامها الشديد :
" لقد كنت أعتقد أنها أحبت الحياة هنا "
فقالت جوليان بسرعة وبلهجة حازمة متأكدة من معلوماتها :
" لا ولها عذرها . فالحياة هنا مملة للغاية مما يدفع المرء للرغبة فى الصراخ أحيانا . أشعر أنا بذلك رغم أننى نشأت فى مزرعة . لقد أمضيت عاما واحدا فى أوكلاند ومع ذلك عندما عدت لهنا شعرت بملل قاتل فما بالك بها . إن القلعة الاسبانية تبدو كنهاية العالم "
فقالت مينرفا وهى تحاول أن تجعل صوتها محايدا :
" إذا كانت الحياة مملة هنا لهذه الدرجة فما الذى يبقيك ؟ "
فهزت جوليان كتفيها وقالت :
" إنه العمل . نيك يساعد المزارعين الصغار ماليا لكى يتكنوا من الحصول على أعمالهم الخاصة ، لكنى لن أقضى بقية عمرى فى مزرعة أنظف البيون وأطبخ للمزارعين "
" ولكن يبدو أن نيك مالك جيد "
" مثله مثل غيره كلهم واحد، لكنه على أى حال افضل من كثيرين . سيفعل أى شئ من اجل هؤلاء الذين يعملون بإخلاص وجد . لكنه رجل صعب المراس كل من لا يعمل يتم الاستغناء عنه فورا "
فقالت مينرفا :
" لكنه ذهب لنقذ ذلك الرجل فرانك الذى ثمل فى الحانة وسار تحت المطر "
" نعم إنه مسكين . لكنه لو استمر على هذه الحال فسوف يطرده نيك بالتأكيد "
ثم استدارت بعد أن وضعت كوبها فى خزانة الأكواب بعد أن غسلته لتكون فى مواجهة مينرفا وتابعت :
" لن يكون غريبا ان يصل فرانك الأمر فيحدث له ما حدث لأختك ، فهو قريب جدا من الانهيار العصبى لقد اقترحت أن يرى طبيبا لكنه لم يستجب . بعض الناس كذلك يرفضون المساعدة "
فسألت مينرفا برفق :
" هل اقترحت أن تعرض ستيلا نفسها على طبيب أيضا ؟ "
ترددت جوليان قبل أن تجي فاستطردت مينرفا قائلة :
" لأنك لو كنت فعلتى فشكرا لك "
انبسط وجهها الصغير بعد أن تلقت هذا الشكر فواصلت بحماس :
" فى الحقيقة نعم .لقد اقترحت ذلك . يمكننى ان اؤكد أنها لم تكن سعيدة رغم براعتها فى إخفاء مشاعرها .لم ألحظ أنها وصلت لقمة الاكتئاب إلا فى الأسبوع الذى سبق وفاتها لقد رأيتها وهى تبكى فى السيارة كانت عائدة لتوها من عند الطبيب . لم أعرف بماذا أخبرها لكنها كانت محطمة القلب "
فقالت مينرفا وهى تحاول ان تحافظ على ثبات صوتها :
" شكرا لمساعدتك "
فى التحقيق لم يذكر أحد شيئا ما عن زيارة الطبيب . فكرت مينرا فى ذلك بينما واصلت جوليان :
" عندما اقترحت عليها أن تخبر نيك رفضت رفضا باتا لم أدر سببه لقد كان ذلك غريبا فقد بدا عليهما السعادة معا رغم أن .... "
لكنها ترددت ، بالطبع كانت على وشك أن تقول شيئا أخر لكنها لم تفعل . حاولت مينرفا أن تبدو مسالمة وليست لديها رغبة فى المعرفة لكن لحظة الثقة انتهى عمرها هذه المرة ، فسألتها مينرفا :
" وهل أخبرت نيك بذلك ؟ بعد أن ماتت أختى "
" نعم بالطبع لقد أخبرته . كان يعرف بالفعل وقال لى إن ذلك لم يكن شيئا هاما "
كان من الواضح على جوليان أنه لم يقنعها لكنها هذه المرة قررت قطع الحديث قائلة :
" حسن . على ان أعود للعمل "
ذهبت جوليان فى الثانية عشرة ، وبعد أن تناولت مينرفا غداء خفيفا خرجت للتنزه قليلا ورأت فى طريقها كلبين من كلاب نيك ما ان رأياها حتى أخذا يلوحان بذيلهما مما اعتبرته هى تحية لها فابتسمت لهما واتجهت هى نحو الحديقة الكبيرة الممتلئة بالأشجار الطويلة التى جعلتها اشبه بالغابة . أخذت مينرفا تفكر وهى تسير بين النباتات والأشجار شاعرة بأن احدا لن يصل إليها هنا او يقاطعها . لماذا ذهبت ستيلا للطبيب ؟ وكذلك لم يذكر أحد شيئا من ذلك فى التحقيق الذى أعقب الوفاة ؟ هل تمتد سرية الحالات الطبية حتى بعد موتها ؟ شعرت مينرفا بحزن شديد يغمرها وهى تتصور ستيلا العزيزة وحيدة حزينة . لم تكن مينرفا من النوع الذى يستمتع بالغموض والأحداث المبهمة خاصة إذا تعلق ذلك بتعاسة شخص آخر ومن ؟ أختها العزيزة ماذا تعرف جوليان ايضا عن نيك غير أنه مالك جيد ومزارع جيد ؟ ولكن ماذا عن مزاجه المتلقلب الذى يتحول أحيانا إلى ممارسة العنف ؟ بالتأكيد لم يكن زوجا جيدا وإلا كان سيشعر بما تعانيه ستيلا . ثم قفزت إلى ذهنها تلميح جوليان إلى أنهما كانا ينامان فى غرفتين مستقلتين ، ماذا يعنى ذلك؟ بغض النظر عن مساعدته لهيلين كى تسافر لابنتها ، وبغض النظر عما كتبته ستيلا فى خطاباتها ، عن ظرفه وأسلوبه الراقى ، إلا أن شخصية الرجل لا يمكن أن تتغير . قد يسلك سلوكا غريبا عليه لفترة ثم لا يلبث أن يعود لطبيعته الحقيقية .
يبدو أنه أقنع ستيلا بأنه الرجل الذى أرادته ولكنها عندما اكتشفت عكس ذلك أحست بالاكتئاب وانتحرت .
فبرغم كثرة تجاربها العاطفية لم تكن ستيلا تستمتع بها .كانت تقيم علاقات كثيرة فى محاولة للعشور على الرجل الذى يناسبها حقا ، وكانت تعطى رفاقها ما يريدون وهى مؤمنة أنهم لن يستطيعوا أن يأخذوا شيئا رغما عنها لكنها لم تكن تبالى كثيرا . كانت رومانسية لدرجة كبيرة وقد جعلها ذلك هشة المشاعر هل كان الأمر كذلك مع نيك ؟ هل كان قاسيا معها واتبع أساليب حقيرة ؟
عندما ظهر نيك فجأة فى الحديقة كأحد الأشباح أو المردة الذين يظهرون بعد العواصف فى الحكايات الخيالية شعرت مينرفا وكأنها أحست بوجوده قبل أن تراه ربما بالفطرة او ربما لأنها مشغولة بأمور تقليدية كان عليها أن تعترف لنفسها أنها تريده ، وأن هناك ما يجذبها نحوه رغم أنها لم تقابله سوى من يوم واحد . كانت تعرف أن هذا الرجل خطر للغاية فهو يمكنه أن يبقى عواطفه حبيسة إرادته . كانت تود لو تتأكد أنه برئ تماما من موت ستيلا تقضى على هذا الشعور الباطن بالذنب تجاه أختها للإعجاب برجل ما ربما يكون له يد فى وفاتها .
أخذت نفسا عميقا لكى تعيد ترتيب ذهنها للقائه الذى لن يكون طبيعيا على الأقل من ناحيتها بعد أن عرفت من جوليان حكاية ذهاب ستيلا للطبيب . كان عليها ان تكون عاقلة فيما تقول وتفعل . كل ما عليها هو ان تقاوم ضعفها المخجل تجاه ذلك الرجل . كان نيك قد دخل المنزل مباشرة دون ان يلاحظها وقد أراحها ذلك فلم تكن مستعدة للكلام معه قبل أن تنفرد بنفسها قليلا ، استدارت مينرفا وأخذت الممر المؤدى إلى باب القلعة الاسبانية . كان نيك جالسا فى مكتبه عندما عادت للمنزل ، نبض قلبها بشدة عندما راته فتوجهت نحوه مباشرة وقد وضعت على وجهها ابتسامة مصطنعة :
"مرحبا "
قالت ذلك وللحظة شعرت أن هناك مسحة من الكراهية فى الطريقة التى ينظر بها إليها لكنها سرعان ما شعرت بغباء تلك الفكرة .
" مرحبا . هل ذهبت جوليان ؟ "
" نعم . لقد عدت مبكرا " . قالت ذلك بلهجة شعرت معها وكأنها تتهمه بالعودة مبكرا .
" نعم . لقد ألغى الموعد لظروف طارئة "
فقالت وهى تشير بيدها لخارج النافذة وتبتسم بتصنع :
" إن حديقة المنزل رائعة . بها نباتات نادرة وأشجار تبدو وكأنها منذ بداية العالم فى مكانها لم تبرح أبدا "
فقال وكأنه يؤمن على كلامها :
" نعم . غن الحديقة هى مكان أمى المفضل . لقد كانت تذهب فى رحلات فى طول نيوزيلندا وعرضها لتحصل على بعض النباتات النادرة والمشاتل . حتى عندما ذهبت لأمريكا عادت ومعها بذور لنباتات نادرة "
ذهبت مينرفا للنافذة المطلة على الحديقة متظاهرة بأنها مستغرقة فى جمالها تماما وكأنها لا تشعر بالرجل الواقف بجانبها . لم تدر لم تذكرت فى تلك اللحظة تجربتها المهينة مع بول . اختطفت نظرة إليه وهو منحنى على مكتبه يبحث عن بعض الأوراق فقالت فى نفسها لابد أن ستيلا كانت تحترق بالحب أو الغيرة على هذا الرجل الذى قد يجب امرأة ولكن لا يعترف بذلك أبدا .
سألته مينرفا بغتة :
" هل لديك أنشطة اجتماعية هنا ؟ "
فقال ولم يبد عليه أى أثر أنه فؤجى بسؤالها :
" نعم .أنا عضو فى كثير من اللجان " . وبعد أن أومأت برأسها وكأنها تقول له " أحسنت " واصل هو :
" إن اللجنة التى ألغى موعدها اليوم أكثرها أهمية فى رأيى وأفضلها لدى . فهى تساعد صغار المزارعين على أن يمتلكوا مزارع صغيرة يبدأون بها حياتهم العملية "
هل هذا ما كانت تعنيه جوليان ؟ يا ترى هل يعرف أن هناك من يحاول الاستفادة منه لذلك يخدمه ؟ نظرت مينرفا إلى وجهه إلى الملامح كان ينظر فى بعض الورق ثانية وقد تمنت فى تلك اللحظة أن تنظر فى هذه الملفات ربما يكون فيها شئ بخصوص ستيلا ولكنها ما لبثت أن شعرت بسخافة فكرتها . ربما كان من طراز الأثرياء التقليديين الذين قناعا من الحزم والشدة على وجوههم حتى لا يفكر الآخرون فى استغلالهم .
لقد قابلت تلك النماذج دائما وهى تعمل لديهم فى الفنادق أو فى أماكنهم الخاصة . ولكن ألم يخرج فى المطر ليأتى بفرانك ؟ قالت ببطء لتزن كلماتها :
" لم أكن أعرف أن فى القطاع الزراعى هناك لجانا من ذلك النوع . لقد بدا لى أن الزراعة تتدهور فى نيوزيلندا " .

زونار 04-05-09 02:05 PM

فقال وقد بدا عليه أنه أكثر اهتماما الآن :


" لقد تجاوزنا أزمات كثيرة بالفعل فى الأعوام الأخيرة . لذلك يجب البدء من المزارع ثم الدولة كلها بعد ذلك ، المزارعون أولا "


" ألا يزعجك أن مستقبلك مرهون أما بحالة الجو او بحالة الأسواق المستهلكة فى دول أخرى ؟ "


تذكرت بعد أن طرحت سؤالها أنه لم يكن من المهددين بتقلبات السوق فقد كان لديه عمله التسويقى الخاص لكنه قال ولم يبد عليه أنه شعر بغباء ملحوظتها :


" الناس سيأكلون دائما وهم بحاجة لذلك . والمزارعون هنا من الأفضل فى العالم كله . لذلك أنا لم أفقد ثقتى أبدا فى العمل الجاد وفى مزارعى نيوزيلندا الأشداء "


فقالت وهى تحاول أن تتجاهل تلك الرغبة التى بدأت تشعر بها بداخلها ، فالحديث عن الزراعة كان أسلم من أى نوع آخر :


" يبدو أنك تزرع الكثير من الأشجار فى أرضك كما هو الحال فى حديقة المنزل "


فأومأ برأسه مبتسما وقال :


" نوعا ما "


أبقت مينرفا عينيها مسلطتين على البوابة الكبيرة وقالت مصرة على عدم تغيير الموضوع :


" ما الداعى لكل هذه الأشجار ؟ "


فابتسم قائلا :


" العالم بحاجة للخشب والورق كحاجته للطعام ، كما أنها تفيد التربة فتساعد على الإقلال من إستخدام الكيماويات كما تساعد طبقة الأوزون على ألا يتسع الثقب الذى بها . ما هو لون عينيك ؟ "


باغتها سؤاله فارتفعتن رموشها فور أن سمعته واتسعت عيناها . نظرت إليه فوجودته يحملق فيها دون ان يكون هناك أى تأثير لسؤاله على وجهه فعاودت النظر من النافذة للحديقة وهى تعلم أنه لا يزال يراقبها وقد انحرفت زاوية فمه بابتسامة ساخرة ثم قال فى هدوء :


" أقدم خدعة فى الكتاب . انا أعرف انهما زرقاوان "


فقالت بعد أن ابتلعت ريقها لتعالج جفاف حلقها :


" لا ، أعنى نعم هما زرقاوان "


" لون منتصف الليل فى الصيف ، عندما تكون السماء صافية "


سيبدأ فى الحديث عن منتصف الليل وعن النجوم ، لا لن تسمح لذلك بأن يحدث لها ثانية أنه يحاول الإيقاع بها فى شراكة أو ربما يبحث عن تسلية .لقدعاودتها ذكرى بول بإلحاح ، الذكرى المهينة المخجلة . لم تثق أبدا بالرجال الذين يسيرون ممتلئين بالثقة من جاذبيتهم وسحرهو . ها هو ذا وحش آخر من الوحوش لكنه ينتمى للطبقة الأرستقراطية . فقال وقد رفع أحد حاجبيه فى لهجة قوية :


" لقد كنت أعتقد أن اللون الأسود هو لون منتصف الليل "


" لا . إنه أزرق داكن للغاية يمكن للمرء أن ينسى نفسه وهو ينظر إليه "


رغم حرصها وحذرها منه إلا أن صوته قد لمس وترا عميقا داخلها تتخيل نفسها فى شرفة القلعة تشاهد معه الليل الأزرق ، لكنها أخذت تقاوم لتستعيد طبيعتها العملية فقالت بلهجة حاولت أن تجعلها جافة :


" إن ذلك يبدو جميلا لكنه فى الحقيقة لا يعنى الكثير "


وما إن انتهت منم جملتها حتى ضحك هو وقهقه عاليا . كانت أول مرة تراه يضحك فيها وتساءلت هل يضحك سخرية منها أم لأنه عرف أنها تفهم جيدا ما يرمى إليه من حديثه عن لون منتصف الليل الأزرق .




لكنه قال :


" ربما لا يعنى ذلك الكثير بالنسبة لك . لكنك على أى حال لك عينان رائعتان وانا متأكد أنك أخبرت بذلك قبل "


فقالت وهى تنظر نحو الباب :


" أحيانا . انت أيضا عينيك جميلتان . كذلك كانت عينا ستيلا . يبدو أنه شئ وراثى .على أن أذهب لأعد العشاء "


قال وقد وضح عليه أنه لم يتأثر بذكر اسم زوجته الراحلة :


" سآتى معك "


تناولا العشاء معا ثانية فى تلك الليلة ، ولحسن حظها فقد عاد لمكتبه بعد العشاء ليكتب بعض الرسائل أو ليفعل ما يحلو له ، كانت مينرفا تريد أن تقرأ قليلا فى حجرتها . لكنها لم تستمر فى القراءة طويلا بل أطفئت نور المصباح الموضوع بجانب فراشها وحاولت النوم . لكن فى هذه الليلة لم تتمكن من النوم حتى تتأكد أنه صعد لغرفته ونام .


كانت حجرته المقابلة لحجرتها فى الردهة الطويلة بالطابق العلوى والتى اشتملت على كل حجرات النوم فى القلعة الضخمة . يا ترى هل كانت تشعر ستيلا بالوحدة فى تلك الحجرة وهى تنتظر عودته كل ليلة ؟ هل كان يخرج كثيرا ويتركها بمفردها ؟ حاولت أن تتخلص من أفكارها لتنام لكن ظله كان يطاردها حتى وهى مغلقة عينيها .


لقد كان فيه نوع آخر من الجاذبية لا علاقة له بشكله وملامحه الوسيمة . شخصيته المسيطرة الآمرة التى وضح أنه يفرضها على كل من فى المكان . لا ليس كبول المراهق وليست هى كما كانت منذ ستة أعوام . انه رجل ناضج يعرف ما يريد من الحياة وهى شابة سافرت كثيرا وقابلت أناسا من مختلف الأنواع وعليها أن تتعرف بشكل ناضج . ربما يود لو يقيم معها علاقة عابرة فمعظم الرجال لا يجدون صعوبة فى ذلك . لقد ماتت زوجته منذ عام فما المانع لديه فى أن يتسلى قليلا ولكن مع أختها ؟ إن ذلك يبدو فظا لها على الأقل . أما الرجال فنظرتهم ، لتلك الأمور مختلفة . إن شعورهم بالولاء يختلف عما تشعر به النساء . حتى لو كان حزن عليها حقا فلن يمضى بقية عمره راهبا فى محراب الحداد .


لقد كانت غبية بأن ترقد فى سرير أختها وتسمح لرغبة مجنونة أن تتحكم فى ذهنها بهذا الشكل ، رغبة مجنونة لكنها قوية . لكنها قررت أن تتجاهل تماما ثرثرة جوليان ، واتخذت قرارا آخر بألا تدع جاذبية نيك تسحرها . ستبقى حتى ينتهى حفل العشاء ثم تغادر المنزل متعلله بأى شئ


كانت هيلين قد اتصلت فى المساء لتطمئن على أن كل شئ على ما يرام بخصوص العشاء . كانت تود أن تبقى أسبوعا آخر مع ابنتها فحالة المولود لم تكن جيدة . وقد طمأنتها مينرفا تماما . عندما عاد نيك أخبرته بحالة هيلين فوافق على بقائها أسبوعا آخر لكنه أكد لها أنها ليست مضطرة للبقاء بعد انتهاء عشاء السبت .


لم تكن لديها رغبة فى البقاء لكن إعلانه بأنه لا يمانع فى ذهابها سبب لها بعض الضيق . وهى راقدة فى فراشها أخذت تستعيد ما حدث بينهما على العشاء . لم يتحدث كثيرا ولكنه بدا عليه أنه يشعر بالحواجز التى تضعها بينها وبينه .


بدا لها وكأنه رآها لا تستحق عناء أن يختبر قدراته معها ، ورغم أن ذلك أراحها إلا أنه أشعرها بنوع من المراهقة وكأنها من فصيلة أدنى من النساء . لقد أخبرته أنها ستبقى ثلاثة أو أربع أيام فلم يكن من الذوق ان تتركه وحده دون طهاة وكان تبريرها لذلك أنهما عائلة . لكنه قال بلهجة مترددة :


" هل تفعلين هذا لأى عضو فى العائلة يا مينرفا ؟ "


" نعم " . أجابته بسرعة وحزم فلم تعجبها اللهجة المؤدبة المتسللة فى صوته . لكن طالما كان الحديث سطحيا ورمزيا هكذا لم يكن هناك حاجة لأى نوع من التروى . فقال وكأنه يقرر حقيقة :


" إن عائلتك مهمة جدا لك "




" جدا "


" ومع ذلك فقد أمضيت سنين طولة بعيدة عنهم "


فقالت بتقطيب :


" وما دخل هذا بأى شئ آخر ؟ "


فقال دون ان يرفع بصره من عليها :


" لا دخل له على ما أعتقد . لقد كان والدك أرملا عندما قابل روث أليس كذلك ؟"


" نعم . لقد كانت أمى قعيدة الفراش لثلاث سنوات قبل أن تموت .وبعد وفاتها بأربعة أعوام قابل والدى روث وتزوجا . كنت انا فى العاشرة وستيلا فى الحادية عشر . وقد خاف والدانا من ان نكره بعضنا البعض ونسبب لهما المشاكل . لكننا فأجأنا الجميع بأن أصبحنا صديقتين حميمتين فى غير زمن طويل وكأننا شقيقتين بالفعل . لقد تضايقت ستيلا من أبى قليلا فى البداية لكنها بعد ذلك أحبته . أما أنا فقد أحببت روث للغاية لأنها كانت تعاملنى كأبنتها تماما "


فقال نيك :


" إن روث لديها قدرة كبيرة على الحب "


تساءلت مينرفا عما كان يشغل تفكيره وهو يقول ذلك فسألته بدورها :


" وماذا عن والديك ؟ "


فقال بشكل عادى "


" لا شئ غير طبيعى . مات أبى وأنا فى الرابعة والعشرين ، وبقيت أمى هنا لعامين حتى تزوجت ثانية وذهبت مع زوجها إلى سنغافورة . وقد أحببت روث للغاية ، فلم يكن لدى شئ آخر أفعله سوى أن أحبها بعد أن عاملتنى بمنتهى الرق والعطف "


فقالت بحب استطلاع :


" هل أردت البقاء فى القلعة بعد وفاة والدك ورحيل أمك ؟ "


تحركت كتفاه العريضتن قليلا وقال :


" لا ، لكن التقاليد أقوى من أن يحاربها إنسان كما أننى – وهذه حقيقة – أحب هذا المكان


" هل تندم على ذلك ؟ "


لم تتيقن أن السؤال شخصى جدا إلا بعد أن خرج من فمها لكنها تعجبت عندما أجاب بصراحة شديدة وأصبح وجهه أكثر تعبيرا عن الضيق وهو يتحدث :


" نعم . لقد شعرت ستيلا بالوحدة والعزلة هنا . كثيرا ما أفكر إذا كانت الأمور ستستقر لو كنا ما زلنا فى أوكلاند مثلا "


فقالت كانما تخفف من حزنه :


" لن يفيد التفكير . لو كانت فقط طلبت مساعدة من أحد . لقد أحزنت الجميع . روث المسكينة يملأها الإحساس بالذنب ولو لم تقنع نفسها بأنها غير مسئولة فستنتهى حتى لانهيار عصبى "


فقال بصوت محايد :


" أعلم ذلك . لقد اعتقدت أن ستيلا ربما كانت تكتب لك "


" لا .... أتمنى لو كانت فعلت " . عضت على شفتيها مترددة ولكنها كان يجب أن تسأله :


" لكن ألم يظهر عليها شئ يا نيك . لقد قالت روث أنه لم يكن هناك شئ لكن من المستحيل أنها فقدت عقلها هكذا فجأة . لابد وأنه كانت هناك بعض الدلائل ..."


فقال بثبات :


" لم يظهر عليها نهائيا أنها من الممكن أن تنتحر "


شعرت أنه لا مجال لمزيد من الأسئلة وقد بدا عليه أنه لا يود مواصلة الحديث فقد أغلق عينيه وأستلقى برأسه على ظهر مقعده .


قال دون أن يفتح عينيه :


" إذا استيقظتى مبكرا غدا سآخذك فى تمشية لغابة أشجار الكيورى "


فسألته :
" هل هذه الأشجار التى يمكن رؤيتها من نافذة الطائرة كما يقولون ؟ "
" نعم . لا يمكن ان تأتى لنورثلاند وتذهبى دون ان تشاهديها . ورغم أن الأشجار هنا ليست فى حجم الأشجار على الساحل الغربى إلا أنها تدل على حجم يمكنها أن تصل "
كانت قد أوشكت على الرفض بأدب لكنها عدلت عن ذلك . فالزيارة للغابة لن تؤدى لتصرف غير مسئول تندم عليه بعد ذلك .
فقالت ببطء :
" وهو كذلك "
فتح عينيه وأدار وجهه حتى رأت جانبه فى ظل الضوء وكأنه مصور فى لوحة زيتية لفنان تشكيلى .
قال وهو ينهض ليتجه لمكتبه :
" غدا صباحا إذن فى السادسة والنصف ، ارتدى ملابس دافئة وحذاء طويلا ، تصبحين على خير "
تذكرت مينرفا وهى راقدة فى فراشها مغمضة العينين وشعرت بدفء فى أوصالها جعلها تبتسم وتحلم بنزهة جميلة فى الغابة السحرية ....

زونار 04-05-09 02:06 PM

الفصل الرابع


قادهما ممر مرصوف إلى تل صغير بدا لها فى ضوء الصباح الباكر وكأنه صخرة عظيمة ملقاة على الشاطئ . كانت الأعشاب الطويلة ذات لون أخضر داكن بدا وكأنه يلمع فى ضباب المصباح . وعلى مقربة بدت الأشجار الضخمة كأنها سور عال يحيط بالغابة ويحميها من الدخلاء . كانت الأشجار تبدو صلبة للغاية وعالية لا يمكن رؤية آخرها بسبب الضباب ، وقد كادت مينرفا تنزلق أكثر من مرة لكن نيك كان على مقربة منها يمسك بذراعيها ويحميها من السقوط على الأعشاب الندية حتى تستعيد توازنها .منتديات ليلاس
كانت تشعر بحرارة شديدة فى جسدها تزداد كلما يقترب منها او يلمسها . وقد شعرت بطمأنينة داخلية عندما بدأت الطيور تغرد وهى تنطلق من أوكارها فى جماعات كبيرة , أخذت مينرفا تشاهد منظرها الجميل وتستمع لتغريدها لتحاول تقليل التوتر الذى يسببه وجود ذلك الرجل لديها ، وبجانب أصوات الطيور لم تسمع وى صوت تنفسها السريع .
وقف نيك بجانبها وأخذ يجول بنظره فى المكان حولهما وقد بدا عليه أنه ينوى البقاء صامتا فقالت بهدوء بصوت يكاد يرتعش :
" إن هذه الأشجار رائعة فعلا ، لقد رأيت أشجارا أطول منها لكنى لم أر مثلها فى كثافة أوراقها وامتداد غصونها لهذه الدرجة ، إن رؤيتها تجعلنى أتمنى لو كنت أول شخص يضع قدمه على أرض نيوزيلندا وأراها وهى تبدأ فى النمو دون ان تمتد لها يد إنسان "
فقال وقد بدا على صوته أن تأثر بكلامها :
"تودين لو تضعين قدمك فى الأرض المجهولة ؟ "
رغم أنه من المغرى أن يشاركها النظرة والمشاعر إلا أنه كان عليها أن تبقى هادئة ومتحكمة فى عواطفها بل وقاسية أيضا . ليس هناك مستقبل لهذا التجاذب المفاجئ . الكرامة والعقل وعلى كل الظروف المحيطة تحتم عليها أن ترفض أى عاطفة غبية تجاهه . فقد علمتها تجربتها مع بول أهمية احترام الذات . فقليل من المعاناة الآن سيوفر عليها قدرا عظيما من الألم بعد ذلك . لو استسلمت لغريزتها الآن ستنتهى بقلب محطم بدلا من قلبه المشروخ الآن بالفعل . ولكن حتى يغادرا هذا المكان عليها الاستمتاع بسحر اللحظة الراهنة . وبعدوقت غير طويل نظر نيك فى ساعته قائلا :
" علينا أن نذهب "
وفى السيارة وهما فى طريق العودة بقيا صامتين تماما . ورأت مينرفا اللافتة التى قد تدل على الطريق بعد أن تم إصلاحها متساءلة فى نفسها هل كانت ستذهب لو كانت تعلم ما ينتظرها هناك . لا بالطبع لا فلم تكن غبية .
كانت ستعود أدراجها لأوكلاند ولا تتوقف حتى تبدأ فى عملها الجديد فى بريطانيا .فليس هناك من يبحث عن التعاسة .
قال فجأة وكأنه يعد طفلة بشئ ما لو أحسنت التصرف :
" فى يوم سنرى بزوغ الفجر من أعلى القلعة الأسبانية ، إنه منظر يستحق الاستيقاظ فى الظلام لرؤيته "
فقالت بصوت ملئ بالانسحاب كما لو كانت تتراجع عن دخول معركة ما :
" أنا متأكدة من ذلك "
لم تستطع مينرفا تصور نيك غارقا فى حب امرأة لدرجة أنه يتزوجها بعد التعرف عليها بشهر واحد ، وهى ستيلا والتى رغم كل شئ يبدو أنها اقتحمته بشكل من الصعب تصوره . ولأول مرة منذ أن بلغت مينرفا سن النضج تمنت لو كانت أكثر من مقبولة شكلا . تمنت لو كان فى وجهها ملامح أجمل من عينيها الواسعتسن الزرقاوين فحسب .
أما الآن فلا تتصور أن لديها تلك الجاذبية الجنسية التى تجعل الرجال يتتبعون أثرها . حسن كل ما عليها الآن هو أن تتجاوز تأثير أرمل أختها عليها وتتذكر محاولة بول لاغتيال كرامتها واحترامها لذاتها من ستة أعوام .
اليومان التاليان كانا ممتلئين للغاية . أخذت مينرفا تعد لحفل العشاء بكل ما أوتيت من جهد ومهارة ووجدت أن من السخرية وهى الفتاة العاملة التى تخطط لمستقبلها أن تبين عواطفها تجاه الرجل فى أكثر الأساليب تقليدية : تطبخ له .
كان نيك بالخارج فى الليلة التى سبقت العشاء وقد ذهبت مينرفا لفراشها مبكرا سعيدة بخصوصيتها رغم أنها تساءلت فى غيرة عن مكانه ...هل ذهب لجنيفيف تشاتسوود ؟ ربما .
لقد اتصلت به مرتين تلك المرأة التى يبدو عليها أنها لا تيأس بسهولة ، وفى المرتين لم يكن موجودا وردت عليها هى ولاحظت أنها لا تطمئن لوجودها فى المنزل . وفى إحدى المرتين اتصلت وجوليان موجودة معها فى المنزل وقد بدا عليها الامتعاض الشديد عندما ذكر أمامها اسم جنيفيف ووصفها بأنها إحدى الساقطات من الطبقة الراقية . ورغم أن مينرفا لم تؤيدها فى ذلك إلا أنها وافقتها فى سرها .
من حسن الحظ أن جنيفيف لن تأتى للعشاء فلديها موعد عمل مهم عليها ان تسافر من أجله لأوكلاند صباح السبت .
ولكن مينرفا كرهت ذلك . كرهت الشعور بالغيرة تجاه جنيفيف وكرهت ذلك الشعور بالوحدة والوحشية كلما تخيلت أى امراة أخرى بين ذراعى نيك . كرهت عدم قدرتها على الندم حتى تتأكد من عودتها قبل كل شئ كرهت عدم قدرتها على السيطرة على مشاعرها .
لكن ليس هناك ما يمكنها عمله حتى تترك نيك والقلعة الاسبانية وراءها ، عليها أن تعبر وتفعل ما عليها تأمل ألا يحدث ما يجعلها تندم لست سنوات أخرى !!
سمعت سيارته وهى تدخل للجراج حوالى الثانية صباحا فتنفست مينرفا الصعداء ، يمكنها على الأقل أن تنام الآن . أخذت ترهف السمع لتتأكد انه دخل حجرته لكنها سمعت وقع أقدامه يتوقف أمام حجرتها فشعرت للحظة بالخوف لكنها ما لبثت حتى همس باسمها . لابد أنه يهمس هكذا كى لا يقلقها لو كانت نائمة .
نهضت بسرعة لتفتح الباب دون ان تفكر فيما إذا كانت تفعل الصواب أم لا . وقد نظرت فى رعب إلى وجهه الشاحب والمنشفة الغارقة فى الدماء التى كان يضعها حول يده .
فقال بصوت متعب :
" لا أستطيع تضمدها بنفسى . هناك خزانة إسعافات فى حمامى . هل يمكن أن تساعدينى ؟ "
" نعم بالطبع " . قالت ذلك وأسرعت لتلتقط روبها وتحكم ربطه حول وسطها جيدا وهى تتبعه إلى غرفته ومنها إلى حمامه الذى كان شبيها بحمام غرفتها تماما . أو حمام غرفة ستيلا على الأصح.
جلس على الكرسى الكبير فى جانب الحمام وتركها تربد يديه . ازدادت سرعة تنفسها عندما رأت آثار مخالب وأسنان حادة على يده ومعصمه الأيمن .فسألته وهى تغسل إحدى المنشفات بالماء .
" ماذا حدث بحق السماء ؟ "
عاد بظهره للوراء وقال وهويراقبها وهى تتناول منشفة جديدة :
" كان على أن أقتل نمسا "
" بدون سلاح ! ثم ما الذى وضعك فى طريقه ؟ "
وضعت بعض الضماضات والمراهم على يده ، ورغم أنها كانت مؤلمة إلا أنه لم يرمش بل قال بنفس الصوت الثابت :
" كنت عائدا ورأيته على ضوء السيارة ملقيا فظننت ان أحدهم صدمه بسيارته .فأوقفت السيارة لأزيحه بعيدا عن الطريق إلا أنه لم يكون قد مات بعد فتعلق بذراعى ونشب مخالبه فى يدى كما ترين "
كان وجهها قريبا من وجهه وقد تمكنت من أن تشم رائحة البراندى تنبعث منه بينما ثبت هو عينيه على وجهها تماما .
" لقد قتلته بعد أن ضربت رأسه على حجر كبير ثم أجهزت عليه بحجر آخر .إنه حيوان حقير عندما يقاتل "
قالت مينرفا وقد ارتسم الامتعاض على وجهها :
" حسن لقد انتهينا " . ثم وضعت الضماضات والأدوية فى مكانها بخزانة الإسعافات .
قال وهو يغلق عينيه :
" الموت على مراحل شئ حقير وقاس ، ليس هناك أفضل من الميتة المفاجئة السريعة لأى مخلوق "
لم تكن جروحه عميقه لكنها بدت مؤلمة وحارقة فقالت مينرفا :
" ألن تتناول شيئا لهذه الجروح ؟ "


" هناك بعض المضادات الحيوية سآخذها لبضعة أيام ولو أنى أعتقد أنى لست بحاجة لها "
قالت بهدوء وهى تضع يدها على يده المجروحة :
" أعتقد أنه عليك الذهاب للطبيب أول شئ فى الصباح سأقودك إليه "
فقال وهو يشير بيده فى لا مبالاة :
" لا تزعجى نفسك "
فقالت وقد تأكدت أن عليها أن تظهر اهتمامها:
" لست منزعجة . فبعض عضات الحيوانات تكون خطيرة ويمكنها ان تسبب نوعا من المرض . من الإهمال ألا تفعل شيئا حيالها "
كان صوتها رقيقا وكأنها ترجوه وقد ابتسم ابتسامكة واسعة . كانت مينرفا تعلم أنها ترتدى قميصا خفيفا من القطن يبرز تفاصيل جسدها ولكنها لم تفكر طويلا قبل أن ترتدى الروب الشفاف الذى لم يخف الكثير .
فقال بتسليم وقد قام ليغسل وجهه :
" حسن ، ولكن ان يكون ذلك مبكرا . فالغد مشحون بالعمل "
" حسن سأراك فى الصباح "
فقال وقد انتصبت قامته أمامها تماما :
" شئ آخر ، هل يمكن أن تساعدينى فى فتح أزرار الأكمام إنها صعبة قليلا "
للحظة شعرت بتجمد ، لكنها قالت " بالطبع " محاولة أن تجعل صوتها يبدو طبيعيا
لم ترتعش وهى تفك له أزرار الأكمام ، حتى هى تعجبت من ذلك . كانت أنفاسه المشبعة برائحة البراندى تلفح وجهها الذى صعدت له الحرارة من طول قربها منه لما يقرب من عشرين دقيقة فى مكان ضيق وحدهما شعرت وكأن أعصابها تقفز وهى تفك له الأزرار وما إن انتهت حتى ابتعدت قائلة :
" ها هى ذا ، ليلة سعيدة سأراك فى الصباح "
فابتسم لها وقال :
" شكرا مينرفا لاهتمامك بى ولعلاجى "
ودون أن تشعر بحركته كان قد انحنى قليلا بوجهه على وجهها وقبلها قبلة سريعة لكنها شعرت بحرارتها على شفتيها . شعرت مينرفا برغبة عارمة فى احتضانه لكنها تذكرت بسرعة أن عليها ألا تصور لنفسها الأمور بشكل على غير ما هي عليه فليست سوى قبلة امتنان وشكر , لكن المفأجاة هى التى صنعت كل ذلك .
ولكنها شعرت بأن القبلة ستبقى على شفتيها طويلا طالما ما زال ينظر إليها هكذا . وفجأة أشاح بوجه عنها الى المرآة ثم قال :
" اللعنة . لقد حاولت ألا أدع ذلك يحدث منذ أن رأيتك "
شعرت به داخل كل خلية من خلايا عقلها وجسدها معا ولكن كانت لديها الارادة والقدرة على أن تبعده عنها بذراعيها دون أن تهينه , لكنها تذكرت فجأة ألا مستقبل لهما معا كما أنها لم تقابله الا منذ يومين مما يجعل تصرفها معه غير مسئول ومضيع لكرامتها .
ولكنها ما إن أبعدته عنها حتى جذبها ثانية وهو يتمتم " لا " وبدأ يقبلها ثانية .
كان عقلها الباطن يصيح بها بأن ما تفعله هذا غير ممكن , مستحيل , لكن حتى هذه المقاومة الأخيرة لم تستمر طويلا , لقد تساءلت دائما كيف يكون عندما يزيل هذا الستار من على عواطفه , والآن لقد عرفت .
الرغبة والحرارة , انه يعرف تماما ما يريده وكيف يصل إليه وما يريده الآن هو استسلامها الكامل , لقد كان ينضج بالرجولة , قوى ومغرور حتى وهو يطلب شيئا .
ولكنه فجأة وبدون مقدمات دفعها بعيدة عنه حتى انها كانت ستسقط لولا أنها استندت على الحائط ونظرت اليه برعب بينما اشاح عنها بوجهه واعطاها ظهره ولم تفق من الصدمة الا على صوته وهو يصرخ :
" اذهبى بعيدا عنى "
وقفت لبرهة لا تدى ماذا تفعل وقد رأت صورتها فى المرآة منهكة ومتعبة وتذكرت يوم أن تخلى عنها بول .
نعم نفس الشعور بالمهانة والضياع . أسرعت خارج الحمام لغرفتها واغلقت بابها عليها ثم أوصدته بالمفتاح .
ما اتبع ذلك كان أطول ليلة قضتها مينرفا . أخذ الشعور بالاهانة يأكل روحها وهى راقدة على الفراش ليست لديها القدرة على أن تبكى بصوت مرتفع . كان شعورها بالضياع يملأ كيانها لدرجة أنها لم تجد القدرة على إخراج أى صوت بينما انسابت الدموع على خديها .
كيف سمحت له أن يفعل بها ذلك ؟ هل فقدت عقلها ؟ وفى وقت ما قرب الفجر قررت أن تصع حدا لذلك . لن تذهب وتتركه لا . فهى شريكة فيما حدث ولكن لن تسمح له بأن يفعل معها أى شئ حتى ينتهى ذلك العشاء الملعون ثم تذهب إلى الأبد .
لقد كانت تعرف أنه ينجذب اليها , لكنها ليست مسئولة عن عقده النفسية وتغير حالتها لكى يعاملها بهذا الشكل الفظ . ليس هى من يجب عليها أن تشعر بالخجل والاحراج بل هو . فى الغد سترفع رأسها عاليا . كان من السهل أن تصل لهذه النتيجة لتحفظ كرامتها على الأقل امام نفسها . كان من الصعب عليها أن تلقاه على مائدة الإفطار بوجه بدا عليه الارهاق الشديد و الأرق .
قال بصوت هادئ لا أثر للتعجل فيه :
" أنا آسف لأننى كنت فظا للغاية الليلة الماضية "
صمتت مينرفا لأنها لم تثق بقدرتها على البقاء صامدة وقوية أمامه . فقطب هو لكنه واصل ببرود :
" لقد فقدت السيطرة على نفسى . لو لم أضع حدا لما كان سيحدث كان الأمر سينتهى نهاية غير مرغوبة من كلينا "
لابد أنه كان هناك عدة وسائل تخبره بها بانها لا تهتم بأن تعرف أعذاره , لكن ذهنها أصبح خاليا من أية كلمات .
" كما أننى أعتقد أنك تعارضين ذلك مثلى تماما "
أخيرا استطاعت أن تنطق لكن صوتها كان خفيفا وهشا وهى تقول :
" نعم "
كان رجلا , خبيرا كان يعرف أنه طالما تعانق رجل وامرأة وتبادلا القبلات فلا يمكن أن يعودا أصدقاء كما كانا , هناك طريق من يبدأه لايمكن أن يتراجع أبدا . كان كلاهما مدركا لما لايمكن تجاهله أبدا .
فقال نيك ومازلت رنة الاعتذار فى صوته :
" عندما ينتهى العشاء يجب أن تشعرى بحرية تامة إذا أردتى الرحيل "
انتظر قليلا ليرى ماذا ستقول لكنها بقيت صامتة فواصل :
" لقد اتصلت هيلين هذا الصباح وقد أخبرتنى بتحسن حالة ابنتها والمولود , ولكنها ترغب فى البقاء معهما بالطبع حتى تتأكد أنهما سيستطيعان الاعتماد على نفسيهما دونها "
على الأقل هيلين موضوع محايد لكنها وجدت نفسها متساءلة :
" كيف حال يدك الآن ؟ "
لم يحدت لهما منذ التقيا أن تبادلا الحديث بهذه الطريقة الحذرة والرسمية , بحاجة صادقة لأن يخفى كل منهما مشاعره عن الآخر , ولكن على الرغم من العواطف المتضاربة التى كانت تمر بها , تمكنت مينرفا من أن تبقى وجهها وصوتها فى حالة من يمتلك زمام أموره تماما .
" بخير , لقد اتصلت بالطبيب المحلى وسوف يرسل لى بعض الادوية "
" حسن "
تناولت قطعة من الخبز وتظاهرت بانها تفكر فى عمق فى اليوم المقبل فسألها :
" هل لديك كل ما تحتاجينه ؟ "
" نعم "
حاصرها ما حدث الليلة الماضية طوال هذا اليوم وكان هناك حمل ثقيل فى وعيها الباطن . لكن لحسن الحظ لم يكن لديها وقت لتفكر فيما حدث بينهما لانشغالها بالاعداد للعشاء . جوليان أيضا كانت تعمل بأقصى طاقتها . فقد أمضت الصباح كله فى التنظيف والتلميع ثم قامت بكى المفرش الكبير الذى سيوضع على مائدة الطعام بعد أن انتهت من تناول غذائها .
قالت جوليان وهى تقوم بكى الفرش :
" لقد قمت بعمل أفضل من هيلين . إنها مجتهدة ولكن ليس لها لمسة جمال . أنها تكتفى بوضع الأطباق المعروفة . على أى حال سأنصرف وأعود فى السادسة . ولكن لا تتركينى فى المطبخ بمفردى طوال المساء فلن أستطيع التصرف وحدى "
" لا تقلقى ، سأمر عليك من آن لآخر كلما استطعت ، اطمئنى "
قالت جوليان وقد بدا عليها الاطمئنان :
" ومن سيأتى مع البرازيلين ؟ "
" النائب المحلى ووزير وشخص ما من النقابة التجارية "
" أشخاص مهمون . كيف يمكنك أن تكونى هادئة هكذا .كانت هيلين ستصبح فى غاية القلق وتسبب توترا لكل من حولها . أعتقد أنه مجرد عمل عادى بالنسبة لك "
فقالت مينرفا بابتسامة مقتضبة :
" ما زلت أشعر بعصبية أحيانا فى المناسبات المهمة . لكننى أخفى توترى ، هذا ما أجيده "
كانت قد تحدثت إلى الولدين الذين سيقومان بتقديم الطعام فى أثناء العشاء وتأكدت أنهما يعرفان ما عليهما تماما . والآن لم يعد لديها ما تفعله سوى الانتظار جلست فى المطبخ وأعدت لنفسها قدحا من الشاى وهى تحاول ألا تفكر فيما حدث الليلة الماضية . كل ما عليها أن تشرب الشاى ثم تستحم وتستريح قليلا ثم ترتدى ثياب السهرة .
كانت أول مرة تقوم بإعداد الطعام وبدور المضيفة أيضا لذلك فقد كانت تشعر بقدر قليل من العصبية .
عندما انتهى العشاء كانت تشعر بإرهاق شديد , فقد استيقظت مبكرا وعملت طوال اليوم فى إعداد العشاء ثم قامت باستضافة المدعوين طوال المساء . لكنها كانت سعيدة وشاعرة بزهو خاصة عندما أخذت عبارات المجاملة والاستحسان تنهال على مهارتها وقدرتها فى إعداد الطعام أمام نيك الذى رغم ما فعله الليلة الماضية إلا أن مشاعرها نحوه قد أخذت تتحرك قليلا . كان يختلس إليها النظرات طوال العشاء فى أثناء انهماك الضيوف فى الحديث أو تناول الطعام لكنها لم تبد أية استجابة بل كانت تشيح عنه بوجهها كلما التقت عيونهما .
انصرف الضيف الأخير بعد منتصف الليل بقليل وقد وقف نيك بثياب السهرة السوداء أمامها وقد بدا عليه أنه يود لو يقول شيئا لكنها تحركت بسرعة فى اتجاه المطبخ قائلة :
" سأقوم بغسيل .. "
وقبل أن تتم جملتها قاطعها هو فى صوت آمر لكن شعرت فيه بالعطف :
" لا . بل اذهبى مباشرة للفراش . لقد تعبت كثيرا اليوم "

زونار 04-05-09 02:08 PM

عضت شفتيها قبل أن تتحدث لكنها أطاعت واتجهت للسلالم اتصل لغرفتها . وهى فى منتصف الدرج ناداها هو بصوت بدا فيه نفاد صبر :
" مينرفا .. "
وقفت قليلا ثم استدارت لتنظر إليه , كانت عيناه لأول مرة تفضحه .
لم تكن هناك النظرة الباردة الخالية من التعبير بل نظرة أخرى مليئة بالرغبة والندم , قالت وهى تشعر بمقاومتها تنهار :
" نعم "
قال وهو يحاول الحفاظ على غروره وكبريائه :
" أشكرك على كل ما فعلتى "
فقالت وهى تحاول الابتسام :
" لا داعى لذلك , فقد سعدت بمساعدتك "
كان قلبها ينبض بشدة وهى واقفة على السلالم تنظر إليه من أعلى , كانت متوترة ومتعبة وفريسة لمشاعر كثيرة متناقضة وفجأة شعرت بدوار وأنها ستسقط من أعلى السلالم فأغلقت عينيها ولم تفتحهما ثانية إلا وهى بين ذراعيه .
لم تدر متى صعد وأمسك بها لكنها وجدت نفسها بين ذراعيه وغير قادرة على الوقوف بمفردها , فتحت عينيها واغلقتهما ثانية فرفعها من على الأرض وحملها تماما بين ذراعيه واتجه بها نحو غرفتها ولم يعبأ بطلبها أن يضعها على قدميها . وضعها على الفراش برقة أكثر مما أرادت ثم بدأ يخلع لها حذاءها فقالت وهى تحاول القيام :
" يمكننى أن أفعل ذلك بنفسى "
" بالطبع يمكنك "
مرت أصابعه على عظام قدميها وصعدت لتدلك ساقيها فشعرت بلذة عارمة وأن عضلاتها تسبح على الفراش فقال :
" إن عضلاتك متعبة للغاية , لابد أنك أجهدت نفسك طويلا اليوم . لا أدرى كيف اعتذر لك "
فقالت وقد حاولت أن تبدو مسيطرة على نفسها :
" سوف يصلح حمام ساخن كل ذلك "
كانت تحاول أن تتجاهل النظرة المليئة بالرغبة فى عينيه , فقالت وهى تحاول النهوض :
" نيك من فضلك اذهب "
فقال وكأنه يتحدث من وراء أنفاسه :
" هل تريدين منى حقا أن أذهب ؟ "
بللت شفتيها الجافتين بلسانها وقالت بصوت متكسر :
" أرجوك يا نيك من فضلك "
فقال ونظراته تشى برغبته :
" لقد تخيلتك مرارا تقدمين لى ذلك "
كانت نظراته تحرق جسدها كله بلهيبها وإغرائها ودعوتها الخفية وهى ممدة على الفراش أمامه كالقربان المستسلم وقد بدأ يفك رباط عنقه ليقبلها قبلة طويلة ثم واصل :
" يمكنك أن تطلبى منى الذهاب مرة بتوسل ومرة بلهجة آمرة ومرة برجاء وفى كل مرة أستجيب أنا لك لكن هذه المرة لن أذهب . إننى أريدك . أريدك أن تكونى لى جسدك وروحك . ولكن الأهم صراحتك وأمانتك أكثر من أى شئ أخر "
لكنها حاولت بكل ما لديها من إرادة ألا تستسلم له . فهى لا تعرف إن كان صادقا أم يعبث بها فقالت وهى تبتسم :
" إننى متعبة للغاية , أرجوك أذهب الآن "
فقبلها قبلة رقيقة ونهض قائلا :
" حسن , سأراك فى الصباح "
فقالت قبل أن يذهب :
" نيك يجب أن نتحدث , ليس الآن "
" سأكون مشغولا طوال اليوم غدا , يجب أن تنتظرى حتى المساء "
شعرت بنبرة التحذير تعود لصوته وكأنه ينتقم من رفضها له هذه الليلة . لكن يغضب قليلا أفضل من أن تندم هى طويلا كما أنها ليست واثقة من صدقه معها . فأومأت برأسها موافقة وقالت بصوت محايد :
" حسن , غدا مساء إذن "
عندما ذهب أخذت هى تخلع ثيابها وهى تفكر فيما حدث . كان بإمكانها أن تستمر حتى النهاية ولو كان ذلك هدفه كانت ستستسلم له آجلا أو عاجلا . لقد غرقت تماما فى جاذبيته ولكنها عادت لوعيها فى الوقت المناسب .
ولكن تراجعه يؤكد أنه شئ أكثر من مجرد علاقة عابرة تستمر لأيام . ولكن أيكون قد احتقرها لاستسلامها السريع ؟
لم تكن مينرفا من المؤمنين بالحب من أول نظرة , هذا ما تعلمته من علاقتها مع بول لو كانت حتى تعلمت شيئا ما . ولكن هل هذا الحب ؟ تلك الرغبة فى الأخذ والعطاء ؟ بالتأكيد إنه حتى لو كان حبا فلا يمكن أن يستمر مع نيك . إنه زوج ستيلا فهل من الولاء أن تقع فى غرامه .
كما انه لم يصرح لها بأى شعور أو عاطفة , من الغباء أن تعتقد أنه يحبها وهو لم يقابلها إلا منذ بضعة أيام . ليس حبا بل مجرد رغبة من كليهما . رغبة محمومة عليها أن تتخلص منها .
وشعرت بمرارة سافرة لأنها وقعت فى الإغراء ثانية بعد تلك السنوات الطويلة من الحذر والتحفز , ولكن ما أوقعها هذه المرة كان ضعفها وليس سذاجتها كما كانت فى المرة الأولى . لقد كانت دائما مصممة على أن تهزم أية رغبة تجتاحها حتى لو كانت رغبة الحب نفسها دون أن يكون لديها دليل على انها لن تفقد كرامتها واحترامها .
هل فشلت فى إقناعه بأنه يمكنها أن يبقيا أصدقاء مع حفاظهما على كرامتها أم أن مجرد مسامحتها له على ما فعله معها الليلة الماضية كانت بمثابة دعوة له لأن يفعل بها ما يشاء وقتما يحلو له ؟!
عندما هبطت مينرفا فى الصباح كان نيك قد ذهب وقد جاءت جوليان مبكرا لكى تقوم بالتنظيف بعد انتهاء العشاء الليلة الماضية .
قالت الفتاة الثرثارة وهما يتناولان الشاي :
" يبدو أنك ونيك على اتفاق "
فأجابت بطريقة عادية :
" ولماذا نختلف ؟ "
فنظرت إليها جوليان وبدا عليها أنها تود لو تقول شيئا لكنها خائفة :
" اعتقدت ان الأمور ستكون على غير ذلك "
" لا داعى لذلك . فلسنا سوى غرباء حقيقة وهى أول مرة أقابله فيها "
فبدا على جوليان أن صبرها نفد فقالت وهى تحاول ان تبدى نوعا من اللوم لمينرفا :
" لو كان نيك زوج أختى أنا لما نسيت ابدا ما فعله بها "
لقد كان ذلك خطأ مينرفا من البداية . لو لم ترد سماع الثرثرة لكان عليها إظهار ذلك من البداية لكن طالما بدأت جوليان فى الحديث عن عيوب الآخرين وأسرارهم فلن تتوقف أبدا . لكن مينرفا قالت بحزم :
" ما حدث بينهما ليس من شأننا "
فقالت جوليان وكأنها تتراجع :
" كل ما أعنيه أن تكونى حذرة . إنه رائع ولكنه ... أعنى لا يمكن الثقة به تماما "
شعرت مينرفا بأن بعضا من الأقل القليل الذى كان بداخلها تخبو جذوته فأدارت وجهها إلى أن جوليان واصلت :
" لقد ترك أختك وحدها هنا بينما أمضى عطلة الأسبوع مع صديقة له . لقد كانت العطلة التى انتحرت فيها "
تدلت شفة مينرفا السفلى وقالت فيما يشبه الصراخ :
" ماذا ؟ من ؟ "
بدا على جوليان الغضب والتقزز وهى تتذكر :
" نعم . لقد أبقى الأمر سرا لكن كل من هنا يعرفون بذلك . لقد كان مع جنيفيف تلك ال***** "
" جنيفيف ؟ " تساءلت وهى تشعر بغصة فى حلقها وألم فى صوتها .
" نعم . لقد كانت بينهما علاقة حارة عندما تزوج نيك أختك , وبالطبع لم تكن تلك الساقطة تتخلى عنه بسهولة فانتظرت حتى ذهب بريق الزواج الأول وبدأت تحوم حوله ثانية "
شعرت مينرفا بتقزز من كل ما حولها , كل ما فى القلعة بأثاثها وسكانها وحديقتها لكنها قالت وهى مازالت لا تثق فى جوليان :
" هل كان معها عندما ماتت ستيلا ؟ "
فقالت الأخرى بلهجة انتصار :
" بالتأكيد . لقد اتصلت به هيلين عندها لتخبره بوفاة ستيلا وقد استمعت انا للمكالمة من السماعة المعلقة فى المطبخ دون أن تشعر بي المرأة العجوز , وكانت جينيفيف هى من ردت عليها فى البداية "
لقد كانت تقول الحقيقة , بدا ذلك واضحا . إذن هذا هو السبب فى انتحار ستيلا . فسألتها وهى تكاد تبكى :
" لماذا لم تخبرى أحدا بذلك فى التحقيق ؟"
فضحكت جوليان ضحكة تنم عن المرارة أكثر من الفرح :
" إننا نعمل لديه هنا ويساعدنا لنبدأ حياتنا الخاصة , لقد ماتت أختك منتحرة وكل ما كنت سأقوله لم يكن ليعيدها للحياة بل سيطردنى أنا وزوجى للطريق "
فسألتها بلهجة هجوم :
" ولماذا تخبرينى أنا الآن ؟ "
فقالت الفتاة وقد بدا الصدق فى نبرتها :
" لقد كنت أحب أختك . كانت تعاملنى برفق وأنت كذلك مثلها . أنا أعرف نيك جيدا ولا أحب ان تتورطى معه فى شئ تندمين عليه بعد ذلك "
فصمتت مينرفا محاولة استيعاب ما سمعت لكن جوليان واصلت :
" على كل حال لم تكن مفأجاة لستيلا . فهى ونيك لم تكن الأمور بنيهما على مايرام فى الفترة التى سبقت وفاتها لدرجة أنهما كانا ينامان فى غرفتين منفصلتين "
ودون أن تنبس بكلمة أخذت مينرفا كوبها ووضعته فى الحوض وفتحت صنبور الماء وهى تنظر للكوب دون أن تغسله وقد شعرت بالماء ينساب على يديها فخفف ذلك من توترها قليلا فقالت جوليان كالمعتذرة :
" كان يجب ألا أخبرك . إن زوجى جون يقول لى دائما أن لسانى هذا سيضعنى يوما فى المشاكل وأعتقد أنه على صواب . لكنك طيبة ولذلك أحببتك "
فقالت مينرفا بصوت لا أثر فيه للحياة :
" لا بأس "
لم تكن تعرف من تحتقر اكثر , نيك لاقامته علاقة قذرة ومحاولة إخفائها , أم نفسها لانها سقطت فى إغرائه وجاذبيته . لكن ما تعرفه هو أن عليها أن ترحل عن القلعة الأسبانية بأسرع ما يمكن

الجنية السمراء 04-05-09 04:53 PM

زونار يسلمو الايادي
وفي انتظار التكملة


http://sl.glitter-graphics.net/pub/1...ugjds4v5xi.gif

بنيتي بنيه 05-05-09 12:59 PM

زونار وينك انا انتظار الروايه بليز بسرعه اسفه علشان ممكن انت مشغول لكن انا اعجبتني :rdd12zp1::rdd10ut5:

زونار 05-05-09 02:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنيتي بنيه (المشاركة 1945877)
زونار وينك انا انتظار الروايه بليز بسرعه اسفه علشان ممكن انت مشغول لكن انا اعجبتني :rdd12zp1::rdd10ut5:



لعيونك الحلوة باكملها

زونار 05-05-09 02:51 PM

الفصل الخامس
أخذت مينرفا تراقب انعكاسها على زجاج النافذة ، عيناها الواسعتان كانتا فى لون السماء الملبدة بالغيوم وقد التوى فمها الأحمر الصغير ليشبه ما يضعه المهرجون بأفواههم ، أبعدت الطعام بعيدا عنها فلم تكن لديها أية رغبة فى الأكل .
لم تستغرق جوليان طويلا حتى عادت ومعها حزمة من الرسائل وضعتها أمام مينرفا وقد بدا عليها الارتباك وقالت وهى تشير للرسائل :
" هناك رسالة لك "
فقالت مينرفا وهى تشعر بانقباض لم تدر له سببا :
" رسالة لى أنا "
وقفت وحملت الرسائل ووجدت نفسها تتجه بطريقة عفوية ناحة حجرة المكتب وتغلق بابه عليها ، وضعت الرسائل التى كانت مرسلة لنيك على المكتب ونظرت للخطاب المرسل إليها . كان مرسلا على عنوان اليخت بخط ستيلا .
يبدو أنه قد بعث منذ فترة طويلة فقد بهتت الأختام التى عليه لكنها استطاعت أن تعرف أنه قد بعث قبل الوفاة بيومين وقد طبع عليه بخاتم أحمر : " لم يستدل على العنوان . يعاد للمرسل " . شعرت مينرفا برغبة فى البكاء حتى قبل أن تفتح الرسالة .
إذن هذه آخر رسالة كتبتها ستيلا قبل وفاتها وربما يكون فيها سبب ما أقدمت عليه . وبالفعل أخذت دموعها تتساقط على الظرف وهى تفتحه بيدين مرتعشتين .كان الخط مهزوزا مما يدل على أن يد ستيلا كانت ترتعش وهى تكتب الخطاب لكنه كان واضحا فمسحت مينرفا دموعها وبدأت تقرأ وقد تهاوت على الكرسى الموضوع أمام المكتب :
" عزيزتى مينرفا ، أنا تعيسة للغاية .
كان يجب على أن أعرف أن النهايات السعيدة فى القصص الخيالية فحسب . لقد كنت أعتقد أن كل شئ سيكون على ما يرام ورائع لكن ما يحدث الآن ليس عدلا من الحياة .
أنا فى تعاسة تامة ولا مكان ألجأ إليه . لماذا على أنا أن أعاقب على جريمة لم ارتكبها يوما ؟ أو ربما كان محقا وهناك خطأ فى . لا يهم على أى حال .
كنت أتمنى لو كنت هنا . مينرفا أحبك وأفتقدك للغاية "
شعرت مينرفا بقواها كلها تنهار . رغم مرورعام على وفاة ستيلا إلا أن الخطاب قد أعاد كل الذكريات المؤلمة للحياة . إذن نيك له يد فى وفاتها . ما هى الجريمة التى يعاقبها عليها ؟ لقد كانت ترى دائما أن من الحمق الوقوع فى الحب مع الرجال غير المخلصين ونيك لم يكن مخلصا لها ، فقد تركها لتموت وحيدة بينما قضى العطلة مع جنيفيف .
ورغم حزنها الشديد وغضبها إلا أن مينرفا لم تكن تستطيع الهروب من حقيقة بدت واضحة أمام عينيها كالشمس . إنها تحب نيك حتى بعد أن قرأت هذه الرسالة ما زالت تحبه . لقد شعرت بتغيير فى شخصيتها فى الأيام القليلة الماضية لم يكن له سبب سوى نيك بيفريل .
إن مينرفا روبير ستون الآن تختلف عن مينرفا روبير ستون الفتاة الواقعية التى تخطط لمستقبلها تخطيطا عاقلا بعيدا عن نزوات العاطفة وشطحات الهوى . إنها الآن مستعدة أن تسامح وأن تغفر ، ولكن هل من حقها أن تسامحه على ما فعله بأختها ؟ إن هذا حق ستيلا وليس حقها كى تسامح فيه .
شعرت بنفسها ممزقة بين حب لنيك وولائها لستيلا تلك الفتاة التى عاشت معها أجمل سنين الطفولة وصباها ولم تكن بجانبها عندما ماتت وحيدة وتعيسة . هل يسلبها الحب الآن احترامها لنفسها وولاءها لعائلتها ؟ هل تتجاهل هذا الخطاب أم تسأل نيك عما يعرف عن وفاة أختها ؟
وضعت الخطاب فى جيب بنطلونها وأسرعت لحجرتها فى الطابق العلوى بعد ان تأكدت من ذهاب جوليان . لم تكن لديها رغبة فى أن ترى دموعها وتسألها عما فى الخطاب ، كانت تود لو تذهب لآخر مكان فى العالم . أخفت الخطاب والظرف فى أحد الأدراج وجلست لا تلوى على شئ . انبعث صوت ساخر من ضميرها يسألها عما ستفعل ؟ هل تفضل رجلا لا يعرف حتى إذا كان يحبها أم يعبث بها على ذكرى أختها العزيزة ؟
هل تذهب وتتركه ؟ أليس لهذا الحب الملعون من نهاية ؟ بالتأكيد لن تحب رجلا أذى أختها لدرجة أنه دفعها للانتحار .
مضى بعد الظهر ببطء شديد وكأنه حيوان جريح يزحف وكانت كل دقيقة تمر تزيد من توترها وخوفها حتى وصل نيك أخيرا فى السادسة والنصف مساءا . غم أنه لم يبتسم عندما أتى من الباب إلا أن عينيه أخذت –كالعادة – تتفحصان وجهها بعمق وكأنما يهدف للدخول لأعماقها دون أن يتحدث ، كانت الرغبة مستعرة فى عينيه ، رغبة تمنحها السعادة لكن كان عليها أن تتجاهل كلا من رغبته وسعادتها الآن
قالت بهدوء :
" العشاء تقريبا جاهز "
لم يقم بأية محاولة للمسها وخبت جذوة النار فى عينيه وقال بما يشبه خيبة أمل من لقائها الباهت :
" شكرا "
وعلى العشاء كان نفس الرجل الذى عرفته من البداية ، مختبئا وراء حواجز صنعها هو لتمنع أى إنسان من الوصول لعواطفه . كان يبدو مستحيلا أن يفقد مثل هذا الرجل أعصابه فقررت أن تفتح الحديث أى حديث ولتحاول أن تتطرق لموضوع ستيلا حسب مجرى الحديث ،فسألته كيف أمضى يومه لكنه أجاب إجابات سريعة لا تنم على شئ أكثر من عدم رغبته فى التحدث عن العمل . ورغم أنها تظاهرت بالاهتمام إلا أنهما أصبحا بعيدين من بعضهما مهما حاولا كل منهما التظاهر بعكس ذلك ، لكنه هو على الأقل لم يتظاهر بشئ حتى انتهيا من العشاء .
لكنه قال وهى جالسة على الأريكة أمام المدفأة بنفاد صبر :
" حسن ما الأمر ؟ "
لم تنظر إليه بل أخذت تنظر لنار المدفأة وتستمع لصوتها وهى تأكل ما يلقى إليها من خشب وشعرت بثقله على الأريكة عندما جلس بجانبها .فقال بصوته البارد :
" لم يكن على أن أتركك بمفردك اليوم ولكن ما الأمر يا مينرفا ؟ "
لم يكن هناك أسلوب لائق لطرح السؤال يتسم بالتهذيب فقالت بصوت حاد مهاجم :
" لماذا قتلت ستيلا نفسها ؟ "
أجبرها صمته على أن تشيح عنه بوجهها فقد بدا متجهما ثم نادما . هز رأسه ثم قال بصوته البارد :
" كنت اعلم أنك ستسألين عاجلا أم آجلا ، لكننى كنت أتصور أنك لن تسألى قبل أن نتقارب أكثر ، أنانية ربما ولكنى رجل أنانى أعترف بذلك "
فقالت بصوت يشبه الهمس وكأنما لتجعله يفهم وضعها :
" يجب أن أعرف "
فقال بصوت شعرت فيه بنوع من الغضب المكتوم :
" لماذا ؟ لأنك لا تثقين بى ؟ " ثم واصل بعد أن استعاد بروده :
" يمكننى أن أفهم ذلك رغم أننى لا أوافق عليه . حسن إذن لقد قتلت ستيلا نفسها لأسباب كانت كافية بالنسبة إليها ولكنى لا أعرف إذا كانت تود لو تعرفنى هذه الأسباب أم لا "
فقالت وقد استحال وجهها شاحبا تماما ولمعت عيناها الواسعتان وهى تشعر بخيبة أمل " لا أصدق ذلك "
فقال هو دون أن يرفع عينيه عن وجهها :
" إذن لماذا لم تخبرك هى ؟ "
ففقدت مينرفا أعصابها وجذبته من قميصه وهى تصرخ :
" اللعنة لماذا لا تخبرنى ؟ لماذا تعذبنى هكذا ؟ "
لم يدافع عن نفسه بل أخذ ينظر إليها بعينين باردتين ووجهه بلا تغير ثم أغلق عينيه برهة وقال بلهجة اعتراف :
" نعم أعرف . إن الأمر بسيط ، مهين ربما ومخجل لكنه بسيط . لقد .... لقد وجدت ستيك الأمر غاية فى الصعوبة أن نكون معا كزوجين أعنى كرجل وامرأة . وأعتقد أن هذا هو ما جعلها تعيسة . وقد جعلنى تعيسا أيضا خاصة أننى كنت أعرف أنه مهما طال صبرى لم يكن لدينا أى أمل فى تجاوز تلك .... العقدة ؟ "
فتحت مينرفا فمها ، لم تصدق ما سمعت . لقد كان لستيلا علاقات عديدة منذ أن كانت فى السادسة عشر ولم تعان يوما من مشكلة مهذه . لماذا نيك ؟ تساءلت بغباء أو هكذا بدت : " لماذا ؟ "
" لقد سمعتنى ، ما كانت تذهب معى للفراش لذلك كنا ننام فى غرفتين منفصلتين "
نظرت إليه مينرفا ثم أعادت النظر لنار المدفأة وهي تشعر أن النار تحترق فى رأسها هى وليست المدفأة . واصل نيك وقد بدا عليه أنه رجل آخر تماما فقد أصبح صوته أكثر ضعفا واسطقت كل الحواجز :
" هناك أشياء اخرى . أعرف ان ستيلا لم تكن عذراء هى اعترفت لى بذلك . طالما عرضت عليها أن تتلقى نوعا من المساعدة , علاجا أو شيئا من هذا القبيل ولكنها كانت ترفض . كانت أشعر أنها تتلذذ لذة مرضية بتعذيبى وتعذيب نفسها . والأغرب من ذلك كانت أحيانا تقوم بإغوائى عندما أكون غاضبا أو أفقد أعصابي ولكنها تتركنى بعد ذلك فى منتصف الطريق . لقد كنت أشعر أحيانا بأنها تقصد ما تفعل ولكنى لم أكن مستعدا لأن أستمر فى تلك المأساة أكثر من ذلك "
فقالت مينرفا وهى تضع يدها على يده التى سحبها بسرعة :
" أنا أسفة لأن ... "

فقاطعها وهو يبتسم ابتسامة استهزاء :
" لست فى حاجة لتعاطف أو شفقة . لقد أخبرتك بما وددت أن تعرفيه عن أختك . لقد كانت مريضة نفسيا ورفضت تلقى أى علاج لذلك فقد أخبرتها بانها أصبحت لا تمثل شيئا بالنسبة لى , لم أعد أحبها أو أكرهها "
شعرت مينرفا بغضب من كلمته الاخيرة , لقد كانت ستيلا مريضة وفى حاجة لمساعدة , ولكنه لم يكن صبورا على أى حال فقالت :
" ربما انتحرت عندما علمت أنك استعدت علاقتك بتلك المرأة . جنيفيف وأنك استغنيت عنها للأبد "
فانقلب وجهه فجأة ونظر إليها بعينين حادتين , لأول مرة تراه كذلك , لقد ذهب الجمود الذى لازم عينيه وحل محله الآن غضب عارم .
قال بصوت ظهرت فيه بودار العاصفة :
" من اخبرك عنى انا وجنيفيف ؟ "
فقالت وقد بدأت تتخيل جوليان وزوجها وهما يحملان أمتعتهما ويغادران المزرعة فشعرت بالذنب لأنها لم تحكم لسانها وقد تعرض أبرياء لفقدان عملهم :
" لايهم من اخبرنى . ولكن هل حقيقة ما كان بينكما سبب انتحار ستيلا ؟ "
فابتسم نيك ابتسامة مليئة بالمرارة وقال :
" أتعرفين ماذا فعلت بى أختك ! لقد أصبحت لا أثق فى نفسى مع أية امراة أخرى . لقد كانت جنيفيف تطاردنى بمكالماتها طوال الوقت . كنت فى البداية أرفضها لأننى كنت احب ستيلا , أما بعد ذلك فقد أصبحت لا أثق اننى قادر على حب أية امراة . لقد جعلتنى ستيلا أفقد ثقتى فى نفسى كرجل .. !
وفجأة تنحنح وكأن الكلمات ترفض الخروج من فمه ..
" لعلك تتعجبين لماذا تركتك الليلة الماضية وذهبت لغرفتى رغم أن كل ذرة فى كانت ترغبك , ولعلك تتعجبين أيضا لما حدث منى يوم أن جرحت يدى . إن هذا ما فعلته بى ستيلا أختك ...
لم تصدق مينرفا أذنيها . هذا الرجل الذى بدا لها لأول مرة رأته فيها على حصانه تحت المطر كأحد آلهة الأغريق لا يمكن أن يكون هكذا .. عاجزا , هل يا ترى يحاول خداعها والإيقاع بها ؟ ولكنها تساءلت بصوت يكاد يكون آليا :
ولكنك كنت مع جنيفيف عندما انتحرت ستيلا ؟
نعم ولكنى لم أكن أعرف أنها فى منزل والديها . لقد دعانى والدها لقضاء نهاية الأسبوع معه وعندما ذهبت لم تكن هناك بل أتت فى منتصف السبت ولم يحدث بيننا أى شئ . أقسم لك ... ثم مستدركا :
" ولكن لماذا أقسم ؟ لابد أن تعتبريننى مسئولا عن وفاة ستيلا . لست مسئولا عن ذلك "
شعرت مينرفا برغبة فى الصراخ . من تصدق ؟ جوليان أم نيك ؟ هل تصدق انه برئ أم تصدق جوليان التى أبدت تعاطفا مع ستيلا ؟ ولكن جوليان لم تكن تعرف شيئا بالطبع عن مشكلة ستيلا الخاصة مع نيك .
نظرت إليه وقد وضع رأسه بين كفيه أخذ ينظر للأرض , شعرت نحوه بشعور جديد , شعور الحب ممزوجا بالشفقة وتمنت لو تأخذه بين ذراعيها كطفل صغير , ولكنه لم يكن كذلك . لم يكن طفلا بل رجلا قويا مر بتجربة أثرت على كبريائه وجعلته أكثر خطورة وحدة .منتديات ليلاس
قال وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالسخرية والرغبة فى آن واحد :
" ربما تكونين مثل أختك "
فأجاها قوله ولم تفهم ماذا يعنى فواصل وهو يبتسم بمرارة :
" ربما تستمتعين مثلها بتعذيب من تحبين . نعم أعتقد أنك كذلك . قولى لى كم رجلا عرفت ؟ "
فقالت وهى تحاول ألا تجعله ينقلب عليها ويحملها تبعة شئ ليست مسئولة عنه :
" ليس هذا من شأنك "
فقال وقد ملأ التحدى صوته وبدا عليه أنه بدأ يفقد هدوءه وصبره أيضا :
" ولم تكن علاقتى بجنيفيف من شأنك أيضا , لكنى أخبرتك بها . أنت مثل أختك تعطين لنفسك حقوقا تخفينها عن الأخرين "
فقالت مدافعة عن نفسها وعن أختها :
" لسنا كذلك . أنت لا تعرف شيئا عنى . وستيلا كانت تكره الصدام والشجار منذ صغرها , لذلك فضلت الانتحار على المواجهة "
" آه نعم "
قال ذلك بلهجة أقرب إلى الامتعاض ثم قام واتجه نحو المكتب وهو يقول لها بلهجة أقرب إلى الطرد :
" على أى حال لم يعد شئ من هذا الأمر يهمنى على الإطلاق "
تركها وحيدة لا تعرف ماذا تفعل . كانت تشعر بمشاعر متضاربة , حبها لها وعطفها عليه وغضبها منه , وحزنها على ستيلا ورغبتها فى الدفاع عن نفسها وعن أختها الميتة وهى فى قمة التعاسة جلست على الأريكة وحدها لا تعرف ماذا تفعل وبقيت كذلك حتى بزغ الفجر .
صعدت مينرفا لحجرتها مع الفجر وبدأت تجمع أشياءها فى هدوء , لقد قررت الرحيل أما نيك فلم يغادر مكتبه طوال الليل . حملت حقيبتها الصغيرة وتسللت من الباب الخلفى الى الجراج حيث سيارة روث الصغيرة التى استعارتها منها لرحلتها للشمال .
أدرات محرك السيارة وانطلقت بها فى طريق أوكلاند . كان الطريق موحشا ومخيفا ولكن أصوات الطيور المبكرة وتغير لون السماء من الأسود الكاحل إلى الفضى جعلها تشعر ببعض الامان . عندما وصلت لمنزل والدها كان الصباح قد ملأ الدنيا بنوره وكانت الساعة تجاوزت السادسة بقليل .
فتحت مينرفا الباب الأمامى بمفتاحها ودخلت الصالة لتجد روث واقفة تتحدث فى التليفون وما أن راتها حتى بدا عليها الاندهاش ووضعت يدها على المرسل وقالت :
" صباح الخير يا حبيبتى . إنه نيك يريد التحدث إليك "
فأجابت مينرفا بصوت متعب :
" لا أريد التحدث إليه "
فتساءلت روث في إشفاق :
" لماذا يا عزيزتى ؟ "
" فقط لا اريد "
أخذت عينا روث تتفحصان وجهها كانت مينرفا تعرف أنه ملئ بالدوائر السوداء وعلامات الأرق والإرهاق , علامات لم يكن فى وسعها إخفاؤها . قالت زوجة أبيها بسرعة :
" حسن , سأخبره أنك وصلت بسلامة "
وضعت مينرفا حقيبتها على الأرض وهى تشعر براحة شديدة بنيما يلاصق ظهرها الأرضية الصلبة واستمعت لروث وهى تقول لنيك فى التليفون فى صوتها الدافئ الملئ بالعاطفة :
" نعم لقد وصلت .. لا براين ذهب للعمل ... حسن "
قامت مينرفا وذهبت ببطء لغرفتها , عندما طرقت روث الباب كانت جالسة على المقعد المجاور لنافذة ممسكة بخطاب ستيلا . ناولته لروث عندما دخلت وقالت بصوت يائس :
" لقد وصل هذا بالامس "
بمجرد أن تعرفت روث على خط ابنتها تحول لون وجهها للشحوب وتهاوت على أقرب مقعد . نظرت لمينرفا بذعر وكأنها رأت شبحا أمامها وقالت بصوت يشبه الهمس :
" ماذا تقول فى الخطاب ؟ "
" من الأفضل أن تقرأيه بنفسك " .
أخذت تتنفس بهدوء وعمق بنيما أخذت روث تقرأ الخطاب بعينين متحجرتين . ولكنها أصيبت بصدمة عندما سمعت زوجة أبيها الطيبة تسب وتلعن وقد بدت الكلمة التى قالتها أكثر قبحا مع صوتها الرقيق الهادئ .
" روث ! "
" آه يارب . يا لتنى كنت قتلته "
قالت ذلك بصوت كأنه متحجر وقد نظرت فى اتجاه مستقيم كأنما تنظر لشئ حدث فى الماضى تراه الآن امام عينيها .
سألت مينرفا بقوة :
" ماذا فعل ؟ "
وعندما لم تجب روث سألت بإلحاح أكثر :
" ماذا فعل نيك يا روث ؟ ماذا فعل ؟ "
نظرت إليها روث وقد تبدل الغضب والحقد اللذان كانا فى عينيها إلى اندهاش تام .
" نيك ؟ عم تتحدثين ؟ نيك لم يفعل شيئا على الاطلاق إنه أبوها "
وفجأة بدا كل شئ واضحا أمام مينرفا , عقدة ستيلا , خوفها الدائم وانسحابها , عدم قدرتها على أن تكون زوجة لنيك , حتى لتلك المسحة الطفولية التى استمرت بها طوال عمرها , كل هذا بدا واضحا أمام مينرفا التى همست بصوت يملؤه التقزز :
" أبوها ؟ "
ملأت الدموع عينى زوجة أبيها التى قالت بصوت محطم :
" نعم . ولذلك طلقته . لقد أخذ ذلك يحدث لعام قبل أن أكتشفه أنا "
" آه يا ربى "
" نعم , ستيلا المسكينة , كانت لا تزال طفلة وهو ... وهو .. "
وتحول بكاء روث الى نحيب حاد أخذت أنفاسها تتلاحق معه وكأنها تشهق بعد أن خرجت من الماء . تكلمت مينرفا لتملأ الصمت الذى لا يطاق , شعرت أن عليها أن تقول شيئا أى شئ لتشغل ذهن روث , لكن كل ما استطاعته هو أنها أخذت تردد :
" والدها ؟ والدها ؟ أيصدق هذا ؟ والدها ؟ "
امتدت يد روث لمنديلها الصغير وهى تقول :
" نعم والدها "
تحركت مينرفا نحو روث وجلست على ركبتيها أمامها وأخذت يديها المرتعشتين بين يديها وهى تقول :
" روث , يا له من أمر فظيع بالنسبة لك , ولستيلا المسكينة , ستيلا المسكينة "
بدأت روث تبكى ثانية واحتضنتها مينرفا بشدة وقد أخذت تحملق بلا وعى فى الغرفة حولهما . قالت روث وقد تهدج صوتها من الحزن :
" لقد قالت إنها بخير , لقد بدت بخير ولكنها كانت تعسة طوال الوقت طفلتى المسكينة "
طالت لحظات الحزن بينهما وهما امرأتان جمعهما الحزن على فقيد غال يشعران نحوه بالذنب , لكن مينرفا قالت وهى تختار كلماتها بحذر:
" يجب ان تخبرى نيك , فمن حقه أن يعرف "
لكنها شعرت بتراجع روث حتى قبل أن تتكلم " لا , لا يمكننى , لا يمكننى , سيلقى على اللوم "
" ولماذا يلومك أنت ؟ "
فقالت وهى تمسح عينيها بمنديلها الوردى :
" كان يجب على ان ألاحظ , فقط لو كنت أما أفضل ... "
أخذت مينرفا تهز روث برقة وهى تنظر إليها بعمق :

" لا تقولى ذلك . لقد كنت أما رائعة , لست مسئولة عما فعله إنسان حقير . هل استمر زواجكما بعد أن عرفت ؟"
عكس وجه روث رفضها القاطع فقالت بحزم :
" لا . لقد ذهبت للشرطة . لقد أمضى عدة سنوات فى السجن ومات هناك , ولكننى طلقته قبل ذلك بوقت طويل "
" إذن لماذا يلومك أى شخص ؟ "
فهزت المرأة رأسها وقالت وكأنما تؤنب نفسها :
" كان على أن اجعلها تتلقى علاجا ما لكن فى ذلك الوقت لم تكن تلك الأشياء منتشرة , وعلى أى حال لقد أخبرنى الطبيب الذى استشرته أنها ستتجاوز تلك المحنة . ولكن بعد ذلك علمنا بالأضرار النفسية لتلك الأمور اقترحت عليها ان ترى طبيبا لكنها ضحكت منى وقالت إنها ليست فى حاجة لمنوم مغناطيسى "
فقالت مينرفا مضحية بذكرى ستيلا فى سبيل مساعدة روث الآن :
" لقد كانت فى السادسة والعشرين , وناضجة بما فيه الكفاية لكي تتحكم فى حياتها كما شاءت . حتى لو لم يكن لديها القدرة على إخبار نيك . كان يمكنها أن تحاول مساعدة نفسها بتلقى مساعدة من متخصص او شئ ما قبل أن تتزوجه . أعرف اننى قاسية , ولكن لأنها لم تستطع أن تفعل ذلك فقد جعلت من نيك ضحية لأبيها قاتلها . إن من حقه أن يعرف . من واجبك إخباره
عضت روث شفتيها لكنها أومأت برأسها موافقة وقالت بتصميم :
" نعم إنك محقة . يجب أن أخبره "
نظرت مينرفا للتليفون نظرة ذات دلالة وكأنما تحث روث على الاتصال به , فى حين بدت روث مترددة وتمتمت فى صوت غير واضح :
" لكن .. " ثم قالت وكأنها غريق وجد حبل النجاة :
" هل يمكننى أن أصنع لنفسى كوبا من الشائ أولا ؟ "
" سأعده لك أنا " . قالت مينرفا ذلك واحتضنتها ثم قالت بتأكيد :
" لم تكن غلطتك يا روث , لم تكن تريدك أن تلومى نفسك لو كانت حية , تعرفين ذلك "
" لقد تخليت عنها "
قالت مينرفا وهى تبعد ذراعيها عنها :
" لا لم تفعلى "
ثم أخذت المرأتان تتجهان صوب المطبخ , وبعد أن شربت روث الشاى كان من الواضح انها ليست لديها القدرة على الاتصال بنيك أو إخباره أى شئ . فقد أصابتها إحدى نوبات الصداع وكل ما استطاعت مينرفا ان تفعله هو ان تصعد بها لغرفتها وتبقى معها حتى ذهبت فى سبات عميق .
سارت مينرفا للشرفة الأرضية المفتوحة على الحديقة . كان جو الربيع يملأ المكان حولها برائحته وألوانه الزاهية . أخذت تفكر كيف تساعد روث وتقنعها بالاتصال بنيك , وكيف سيكون رد فعله هو عندما يعرف الحقيقة . تذكرت مينرفا وهى تتجول فى الحديقة ستيلا والسنين التى قضياها سويا ولعبتا فيها فى هذه الحديقة الجميلة .
لأول مرة لم تكن مينرفا قادرة على الاستمتاع بالحديقة الجميلة التى شهدت أحلى لحظات طفولتها مع ستيلا المسكينة . لقد تلقت صدمات كثيرة فى الأيام الاخيرة . بعضها خاصة بها و الآخر بستيلا . ولكن عندما أخبرها نيك عن ستيلا كان واضحا أنه لم يتجاوز بعد محنته مع زوجته التى أحبها وكرهها فى آن واحد , لذلك فلا يهم شعورها نحوه على الإطلاق . وحتى يتجاوز ستيلا لم يكن لديه ما يعطيه لها أو لأية امرأة أخرى .
كان نيك كل ما تتمناه أية امراة , عطوف وجذاب وحنون ولكنه مسكين لقد أقفرت رجولته مع ستيلا وهى التى عليها أن تعانى من ذلك الآن .
كان عليه أن يتخلص من ذكرى زواجه المؤلمة قبل ان يدخل فى أية علاقة جديدة . لقد أصبح سجينا لذكرياته .
شعرت مينرفا برعشة خفيفة مع هبوب نسمات باردة فوضعت ذراعيها حول جسدها وقد ثبتت عينيها على الزهور التى بدأت تتفتح فى الحديقة حتى بدأت تشعر ببطء ولكن بيقين أنها لم تكن وحدها .

زونار 05-05-09 02:53 PM

الفصل السادس
لم تكن مفاجأة أن ترى نيك بجسده الضخم واقفا بجانبها دون حراك . سألت بجفاف :
" كيف جئت هنا ؟ "
فقال بصوت لا ينم عن شئ سوى الحياد والتهذيب :
" لقد جئت بالطائرة لماذا ذهبتى هكذا ؟ لم تكون فى حاجة للهروب "
لم تكن مينرفا مستعدة لتجيب أى تساؤلات , نظرت إلى ستائر حجرة روث فكانت لا تزال مغلقة فقالت دون تردد :
" أعرف لماذا لم تمارس ستيلا معك الحب "
" لماذا ؟ "
ارتجف فمها لكنها أخذت نفسا عميقا مشبعا برائحة الورود ثم أبعدت عينيها عنه وهى تحكى له . وبعد أن أنتهت وقف الصمت حائلا بنيهما لفترة ثم أخذ يسب ويلعن الرجل الذى كان سببا مباشرا فى تحطيم حياة ستيلا وتنغيص حياته .
كانت مينرفا تتمنى لو تساعده ليجتاز حزنه ولكن كان عليها أن تجتاز حزنها هى , أن تتجاوز موت ستيلا المفجع الذى سيبقى حائلا منيعا بينها وبين نيك إلى الأبد . حتى لو حدث ما هو مستبعد واحبها نيك فإنها لن تبنى سعادتها أبدا على ذكرى ستيلا المؤلمة .
فقالت ببطء :
" أنا آسفة لك ولستيلا أكثر من الجميع "
" كيف عرفتى ؟ "
وبطريقة آلية وهى تتجنب النظر لعينيه حكت له عن الخطاب وعما قالته لها روث.
" أين روث الآن ؟ كيف حالها ؟ "
" محطمة تماما "
فقال بصوت متهدج :
" لماذا لم تخبرنى ستيلا بحق الله ؟ لا يمكن أن تكون تصورت أننى سألقى عليها اللوم "
" لست أعرف ... " ترددت مينرفا ثم واصلت :
" أعتقد أننى أعرف لماذا تصرفت هكذا . لقد كانت ستيلا تريد كل شئ لدرجة الكمال , كانت تكره عدم النظام والفوضى . كل الرجال الذين مارست معهم الحب لم يكونوا مهمين لها بل مجرد علاقات عابرة ., أما أنت فقد كانت تحبك بحق لذلك لم تستطع أن .. كانت تريد أن تكون علاقتكما كاملة وسليمة ... "
ثم ابتلعت ريقها وقد تحجرت الكلمات إلا أنها واصلت :
" وقد كانت تحب والدها أيضا .. "
فقال والاستهزاء يملأ صوته :
" هل تريدين أن تقولى أنها كانت مشوشة الذهن بينى وبين والدها وأنها ... لا هذا سخف "
" لا , ما أعنيه هو ارتباط الحب بالألم فى ذهنها لدرجة أصبحت غير قادرة فيها على التفريق بينهما "
فقال بإختصار :
" لا , إنك مخطئة "
ولكن كلماتها كانت فى الصميم , لم يكن لديها ما تقوله غير ذلك لتقلل ذلك التعبير بالقرف الذى ارتسم على وجهه . فقال فجأة وكأن الكلمات قد ثقلت على لسانه :
" أنا آسف , ربما تكونين على صواب . ما تقولينه منطقى ويبدو واضحا للغاية الآن , ولكن وقتها لم يبد الامر كذلك على الاطلاق حتى فى الأوقات التى كدت أفقد فيها صوابى وانا أفكر ماذا هنالك . عندما قلت لها بأننى لم أعد مهتما لابد أن ذلك كان خيانة لها , طعنة اخيرة ولم تستطع أن تفكر فى شئ سوى ابتلاع تلك الحبوب اللعينة "
شعرت مينرفا بأن قلبها يتألم بالتعاطف معه والحزن على ستيلا ولكنها قالت بسرعة لأن التفكير فيما ستقول كان مؤلما :
" لقد كان هناك شئ آخر . لقد أخبرتنى جوليان أنها رأت ستيلا تبكى فى سيارتها قبل أن تموت بعدة أيام بعد أن عادت من عند الطبيب "
قال نيك بصوت ميت :
" لقد أخبرها بانها لا يمكن أن تنجب اطفالا "

فقالت بمرارة :



" كان ذلك سيوفر كثيرا من القيل والقال لو أنك أعلنت ذلك فى التحقيق , كانت روث ستفهم ذلك وتتأقلم معه بدلا من تأنيب نفسها هكذا "




فقطب ثم قال :



" لقد كان ذلك من شأن ستيلا وحدها ولم يكن من حق اى شخص أن يعرف . بجانب أن روث كانت تعرف ذلك "




أخذت مينرفا نفسا عميقا بعد أن فهمت أخيرا كل شئ . كل هذه المدة كانت تعتقد أن روث تعيش فى عذاب لأنها لم تكن تعرف لماذا انتحرت ابنتها , وكل هذه المدة كانت روث تلوم نفسها لأنها لم تلحظ أن ابنتها فى حاجة لمساعدتها , وربما أيضا لأنها لم تمنع الاعتداء عليها منذ عدة سنوات .




استرقت مينرفا نظرة سريعة لنيك , كان وجهه حادا وكأنه قد من صخر , ملامحه متصلبة وبدا فجأة وكأن عمره قد زاد فقد بدت الخطوط واضحة حول فمه وعينيه . بهدوء شديد قالت :



" نيك , لقد أحبتك ستيلا , لا تعتقد أبدا أنها لم تفعل "




" ولكنها للأسف لم تحبنى بالقدر الكافى الذى يجعلها تحصل على المساعدة اللازمة لإنقاذ زواجنا "




لم يكن هناك رد فعل على ما قاله , وقد بدأ تعاطفها يتحول ليأس إلا أنه كان عليها أن تبقى هادئة , فهذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكنها أن تساعده بها .




" لقد كنا مختلفين أنا وهى , ومع ذلك فقد تحابينا كثيرا واعتدت أنا أن ارعاها . لا أستطيع أن أصفها بشئ سوى أنها كانت هشة , نعم هشة . أعتقد أنها كانت تشعر بالقهر . ليس عليك لوم ولا على روث , وكذلك ستيلا لا يمكن لومها , آه كم كنت أتمنى لو قتلت أباها ذلك "




فقال دون أن ينظر إليها :



" للأسف , لا يمكنك ذلك الآن "




شعرت مينرفا وكأن دمها قد برد فى عروقها , فقد رأت فى نيك للحظة ما رجلا يمكنه أن يقتل . لو كان والد ستيلا حيا لقتله نيك بسرعة وبلادة كما لو كان يقتل كلبا مجنونا . قال بصوت مرن :



" فى الوقت الحالى لدينا مشكلة أخرى أكثر إلحاحا . إن ما حدث بالأمس يجب أن نتحدث عنه "




عندما غادرت القلعة الأسبانية ووصلت للمنزل لم يكن لديها الذهن أو الوقت لكي تفكر فى موضوعها هى معه فقالت :



" لا أدرى "




وضع يديه على كتفيها فارتعدت قليلا لكنها بقيت ساكنة ووقفت فى تحفز , لكي تظهر له أنها ليست مستثارة أو منجذبة له . أما هو فقد بدا كتمثال منحوت من الصلب بملامحه المنحوتة والحادة وقد حولت أشعة الشمس شعره إلى اللون الذهبي , لكن عينيه كانتا كالزجاج اللامع , قويتين وخاليتين من أى دفء . قال بصوت آلى :



" كنت أتمنى لو كان لى طفل , لكنى لا أعتقد أننى سأتزوج ثانية أبدا , ليس لى القدرة على إيلام أية امرأة أخرى أو تحمل الألم من أية امرأة أخرى "

منتديات ليلاس


لقد آذتها كلماته أكثر مما تصورت , إنها ألم بالنسبة له ويرى فى نفسه ألما لأية امرأة أخرى . نظر إليها وابتسم ابتسامة مجاملة ثم أنزل يديه من على كتفها ومشى ... مشى خارج حياتها للأبد .

رحلت مينرفا إلى عالمها الجديد فى بريطانيا متأخرة عن موعدها أسبوعا فقد اضطرت أن تلازم روث فى موقفها الذى استمر أسبوعا , فقد كانت قد انهارت تماما بعد أن أخبرت براين زوجها أمر ستيلا , لقد بدا عليها فى ذلك الأسبوع أنها ستصاب بذلك الانهيار العصبى الذى كانت بوادره تبدو عليها لفترة طويلة , على أى حال لقد أقنعت نفسها أنها بخير , وقد استلزم ذلك جهدا من جانب مينرفا ووالدها ليقنعاها برؤية طبيب يساعدها فى محنتها .
لقد كان أبوها من أقنعها بأن ترحل وتبحث عن مستقبلها , لقد قال لها أنها أمضت وقتا طويلا من عمرها لتساعد الأخرين لتجاوز آلامهم وإحباطاتهم وأن عليها أن تبحث عن مستقبلها الآن ,. قال لها فى إحدى الليالى :
" إن روث حقيقة تحتاج للعون , وكذلك ستيلا . أما أنت فمستقلة وشخصيتك قوية ولكن عليك أن تعيشي حياتك وحدك من الآن فصاعدا "
" إذن كنت تعتقد أن روث لم تعد بحاجة إلى ... "
لكن والدها ربت يدها وقال مقاطعا :
" بل تحتاج إليك وأنا كذلك , لكن عليك أن تذهبى و تشعرى بشبابك "
فقالت مندهشة :
" وكيف عرفت أننى أشعر بأننى عجوز لدرجة أننى ربما لن أتمكن من الضحك ثانية ".

فقال بهدوء :
" أنا أعرفك , ما مدة تعاقدك ؟ "
" فقط لعام واحد "
" فلتعودى إذن "
فأومأت برأسها وقالت :
" حسن , سأعود "
وقد عادت بالفعل فى نهاية نوفمبر , كل من كتب لها – أبوها وروث وزميلاتها القدامى الذين أبقت على علاقتها معهم – حكوا لها عن الربيع الرائع الذى تتمتع به نيوزيلندا وقد رأت بعينيها بالفعل من نافذة الطائرة الغطاء الأخضر العظيم الذى بدا لها من ذلك العلو الشاهق وكأنه مفرش جميل على إحدى موائد الطعام الفاخرة , وهى تنظر من نافذة الطائرة تخيلت كما لو كانت ترى القلعة الأسبانية .
كان ذلك سخيفا فقد امتلأت نيوزيلندا بالأبنية الحجرية , كما أنها لم تعرف شيئا من أخباره سوى ما ذكرته عنه روث فى خطاباتها وكان ذلك قليلا وعابرا . لقد كتبت له خطابا رسميا وانتظرت الرد عليه فى حرقة مخجلة وقد جاءها الرد مختصرا ورسميا أيضا متمنيا لها السعادة ووقعه بالمخلص نيك .
لقد آلمها ذلك كما آلمها رفضه الأول لها . أخرجتها المرأة التى كانت فى المقعد المجاور لها من أفكارها وقد تبادلت الكلمات والأحاديث العابرة طوال الرحلة :
" هل هناك من ينتظرك فى المطار ؟ "
"آه نعم . أبى وزوجته التى تعتقد أن كل من يأتى من السفر يجب استقباله فى المطار وإلا يشعر بحرج عميق .... "
فابتسمت المرأة بينما عاودت هى النظر من النافذة . بعد شهرين من رحلتها بدأت خطابات روث تصبح أكثر بهجة لدرجة أن مينرفا لم تعد بحاجة لتأكيدات والدها على تحسن روث ، حتى عندما اختير كين ابن روث ليمضى عاما فى أمريكا فى منحة تبادل طلابى لم تتأثر معنويات روث لذلك بل على العكس سعدت به .
بعد عشرين دقيقة هبطت الطائرة فى مطار مانجر ولأول مرة منذ سنوات شعرت مينرفا بأنها هائمة بالأهل والأصدقاء . كانت عيناها تلمع بالفرحة وهى تضحك وتعانق روث ووالدها وذرفت روث دموع الفرح ثم انطلقوا جميعا للمنزل .
لم تكن قد حددت ماذا ستفهل بعد فى الأسبوع التالى ، كان الجو فى أحسن حالاته وقد نشط البيت فى محاولة من الجميع لابداء الترحيب بها .
نامت مينرفا قليلا ثم ذهبت للعشاء الذى أعدته صديقاتها وزميلاتها القدامى . لقد جعلها الاحتفال الذى شارك فيه أصدقاؤها ووالداها تشعر بسعادة غامرة أنستها عناء الغربة والعمل ، واستمعت لثرثرة عن أناس تعرفهم وآخرين لا تعرفهم ، ولكنها لم تسمع شيئا من نيك .
لم يذكره أحد على الاطلاق . وعندما مرت الأيام دون أن يتفوه أحد باسمه بدات تتساءل إذا كان ذلك متعمدا . وفى النهاية سألت وكأنها تتذكره تذكرا عابرا :
" كيف نيك ؟ أم أنكم لا ترونه الآن نهائيا ؟ "
فقالت روث :
" نيك , آه نعم . إنه بخير " ثم غيرت الموضوع قائلة :
" عزيزتى كم تنوين البقاء هذه المرة ؟ ألا ترين أن الوقت حان لتستقرى مع رجل لطيف وتعطينى أحفادا "
فقالت مينرفا وهى تغلق عينيها وتتخيل أشياء خاصة :
" أعتقد أننى سأمنح نفسى أجازة .. " ثم ربما أذهب أنثار كتك فى الشتاء فأنا لم أره أبدا "
وعندما ذهبت زوجة أبيها لتعد الغداء جلست مينرفا تحت شجرة الجاكا راندا وهى تتساءل عن سبب عزوفها عن الزواج . لقد كانت لا تزال تحب نيك ولكنها تعرف ان هناك الكثير يقف حائلا بينها وبينه .
ربما كان عليها أن تبقى وحيدة , قدرها كذلك على أى حال فإن وضعها هذا له مميزات كثيرة , فحياتها فى منتصفها تماما تتحكم فيها كما تشاء , أينما تشاء . تستطيع أن تفتح مطعمها الخاص وتكون سمعة رائعة وتحقق دخلا كبيرا أما فكرة الزواج فليس لها البريق نفسه الذى لدى معظم الفتيات فى عمرها . ولكنها شعرت بالدموع تبلل رموشها , إنها ترواغ نفسها فهى تحب نيك ..
عدة ليال بعد ذلك كانت مينرفا مدعوة مع أبيها وروث لحضور استقبال مهم فى أحد الفنادق الضخمة .

كانت قد أمضت يومين مع إحدى صديقاتها فى إحدى جزر أوكلاند وقد عادت بعد ذهاب والديها . لكنها قررت أن تذهب لأن الموعد كان مهما جدا لوالدها . كان بخصوص تصدير فاكهة الكيوى التى كان والدها من كبار مصدريها , لذلك فقد استمتعت وارتدت فستانا أنيقا واستقلت سيارة أجرة للفندق . ولدهشتها فقد استمتعت مينرفا بوقتها , قابلت نوعيات مختلفة من البشر , واخذت تهمس لروث عن رأيها فى الطعام المقدم كما أخذت روث تهمس لها عن رأيها فى أثواب النساء اللاتى حضرن الاستقبال . وعندما ذهبت لتعدل من مكياجها فوجئت بالرجل الطويل الواقف فى بهو الفندق بشعره العسلى يتحدث لامرأة .
شعرت مينرفا بمقدمتها تسقط لقد كان نيك , ومعه جنيفيف . ولكن بعد النظرة الأولى نسيت وجودها تماما وأخذت تحملق فيه بشغف . لم يكن واقفا فى مواجهتها , كل ما استطاعت رؤيته هو جانب وجهه فحسب , ومع ذلك فقد لاحظت أن تحكمه الكامل فى نفسه وثقته التامة لم تتغير بعد مرور أكثر من عام .
تجمدت عندما استدار ونظر إليها فى خط مستقيم , وقد صنعت الأضواء الخافتة للبهو ظلا خفيفا على وجهه جعله يبدو وكأنه حلم وليس حقيقة , لم ترفع هى عينيها من على وجهه بل بقيت ساكنة كما هى .
ثم قالت له جنيفيف شيئا ما فنظر بعيدا عنها وابتسم لها . وعندما غمغم شخص ما وراءها " عن اذنك " , بدأت تشعر بما حولها ثانية بعد أن استغرقت تماما فى نيك بيفريل لدقيقتين نسيت فيهما العالم .
ثم عادت إلى حيث تركت أباها وزوجته . كان هناك أكثر من خمسمائة مدعو فى الحفل ولكنها أبقت عينيها مسلطة على باب القاعة حتى وصل نيك ومعه جنيفيف . كانت تعلم أن هناك كثيرات أجمل منها واكثر أناقة فى هذا المكان الفاخر ولكن قوة المصادفة جعلتها تنسى ما حولها تماما وتتخيل أنه لو رآها سينسى هو الآخر كل ما حوله . كانت تشعر بشخصيته داخلها وكأنه وهى شخص واحد رغم وجودها وسط هذا الزحام الذى لايعرف فيه الناس بعضهم , لكنه رآها وتظاهرت بانها لم تلاحظ حتى اتى من خلفها وقال بصوته الهادئ :
" مينرفا "
شعرت وكأنها حيوان أطلق سراحه وتمنت لو ركضت بأقصى سرعتها .استدارت بكبرياء ونظرت إليه . عيناه الرماديتان الهادئتان , صافيتان كالزجاج . لم يكن مبتسما ولم تكن مبتسمة ولم تكن هناك لمحة من عاطفة فى وجهه , أو حتى أى تعبير . لم يكن من السهل تذكر هذا الرجل وقد احتواها فى ليلة ما بين ذراعيه وطبع شفتيه على شفتيها .
قالت بهدوء : " نيك " كاد صوتها يتحشرج لو لم تبذل مجهودا لتبقيه هادئا : " كيف حالك ؟ "
" أنا بخير وأنت ؟ "
لقد ملأ بجسده الفارع نظرها ببدلته السوداء وقميصه الناصع البياض , كانت تعرف انها مهما طال بها الزمن حتى تصبح امرأة عجوز ستظل تشعر بجاذبيته الطاغية تخترقها كلما نظرت إليه . ولكنها لن تدعه يرى ذلك فأجابت :
" أنا بخير , لم أكن أعرف أنك مهتم بفاكهة الكيوي "
فقال بجفاف :
" إننى أعمل فى التصدير أحيانا لحساب آخرين أشترى منتجات مزارعهم وأقوم انا بتسويقها "
أومأت برأسها متظاهرة بان ما قاله كان له معنى , أى كلمات لا تهم ولن يكون لها معنى .
وفاجأها صوت جنيفيف الساخر آتيا من وراء نيك :
" نيك , آه ميراندا , أليس كذلك ؟"
نظرت جنيفيف لمينرفا نظرة لا تحتاج لعناء لكى تفسر , إبق بعيدا عنه كانت النظرة واضحة وصريحة لقد شط ذهنها , فردت نظرتها بنظرة مماثلة وقالت :
" اسمى مينرفا مرحبا , كيف حالك ؟"
بدت جنيفيف مأخوذة قليلا ولكنها أجابت بسرعة . ثم قالت مينرفا :
" يجب أن أذهب فلابد أن روث تبحث عنى الآن "
فقال نيك ببساطة ولم يلاحظ توترها :
" سنأتى معك فانا لم أر روث أو براين منذ فترة طويلة "

زونار 05-05-09 02:55 PM

حيت روث الجميع بطريقتها الودودة المعروفة ووقفوا يتحدثون لعدة دقائق . كانت جنيفيف تعرف والدها وروث جيدا وشعرت مينرفا بالسخرية لانها هى التى كانت الغريبة بينهم . سألتها جنيفيف فى معبر الحديث :
" وماذا تفعلين الآن بعد العودة يا مينرفا ؟ " , طرحت سؤالها بطريقة أغاظت مينرفا لكنها أجابت :
" إننى فى عطلة الآن "
ابتسم والدها قائلا :
" مينرفا لا تستطيع البقاء فى مكان واحد طويلا , سرعان ما تسافر ثانية "
لكنها نظرت اليه وقالت :
" إنها مؤامرة من والدى ليزيد من صادرات نيوزيلندا , فأنا استخدم الكثير من منتجاتنا عندما أطهو "
وقالت روث بفخر :
" لقد عملت مينرفا مع أناس من طبقات عالية للغاية "
فقالت جنيفيف بلهجة ناعمة بدت لمينرفا كالثعبان :
" لابد أن لديك حكايات كثيرة عمن تعملين لديهم "
فقالت مينرفا وهى تبتسم ابتسامة مقصودة :
" أنا أعمل فقط لدى أناس يهتمون بتناول طعام جيدا , لكننى لا أختلط بهم فأنا أعرف حدودى جيدا "
فقالت جنيفيف وقد شعرت بالإحراج لانها لم تتوقع إجابة كهذه :
" آه , أنا لا أقصد ..."
فنظرت مينرفا نظرة باردة لتضيق الخناق عليها أكثر فقالت :
" لم أقصد أن أوجه لك إهانة "
فقالت مينرفا مبتسمة :
" أعرف , ليس من عادتى أن أغضب بسهولة فقد تعودت أن أقابل كل الشخصيات "
صفعة جديدة لكن روث أسرعت بمعالجة الموقف بتغيير الموضوع . أما مينرفا فقد شعرت براحة لأنها وضعت تلك المرأة فى حدودها قبل أن تتمادى فى سخافتها . كان نيك يستمع باهتمام لروث , ثم نظر لمينرفا بعينين نصف مغلقتين بينما زم شفتيه تماما . كان عليه ان يعلم " لعبته " الصغيرة بعض السلوك حتى لا تتعرض للكسر !!
لقد قال لها أنه يود طفلا ربما هذا سبب علاقته بجنيفيف , وهى أيضا تود طفلا ولكن منه هو وليس من أى رجل أخر . لحسن حظها ذهب هو وجنيفيف سريعا وقد ابتسمت روث بعد أن ذهب قائلة :
" سيكون من الرائع لو تزوجا "
فتساءلت مينرفا دون ان تحاول أن تكتم امتعاضها :
" هل تعتقدين أنها الزوجة المناسبة له "
فبدا على روث التردد قليلا ثم قالت :
" مثلها مثل غيرها . أعتقد أننى لن أحقد على أى امرأة سيتزوجها نيك . أصارحك يا حبيبتى بأنه قد أتى على وقت حقدت عليك شخصيا لأنك حية وستيلا ماتت , هذا شر وجنون منى أعلم ذلك ولكن الان من حقه أن يعيش فليس أول رجل تموت زوجته وهو لا يزال شابا أنه بحاجة لشابة تقف بجانبه ولا تمانع حبه للبقاء فى القلعة الأسبانية . لقد كانت ستيلا تكره غيابه الطويل فى المزرعة ولم تكن على حق فى ذلك "
فقالت مينرفا رغم انها رأت أن تغيير الموضوع سيكون أفضل :
" إنهما متناسبان " . قالت ذلك وهى تأمل أن روث ستنكر ذلك لكن المرأة قالت :
" نعم هما كذلك كما ان خط حياتهما واحد "
آه بالتأكيد إن نيك تجاوز عقدته واًصبح طبيعيا الان وعلى اى حال فجنيفيف تستحقه بعد كل هذا الانتظار , قالت ذلك لنفسها دون ان تواصل الحديث فى هذا الموضوع وكأنما لتقنع نفسها ان لقاءها به ليس سوى هدنة عابرة . انتهى الاستقبال عند منتصف الليل ولكن مينرفا قابلت مجموعة من أصدقائها فى طريقهم لملهى ليلى فقررت الذهاب معهم حتى تنسى نيك وأنه مع جنيفيف فى مكان ما الآن . لكنها لم تستغرق وقتا طويلا حتى عرفت أنها لن تستمتع بوقتها معهم .
كانت الموسيقى صاخبة للغاية والمكان مزدحم وبه بعض السكارى لذلك استقلت سيارة اجرة وعادت للمنزل . لم تكن لديها رغبة فى النوم فقد كانت صورة جنيفيف وهى تتأبط ذراع نيك تلح عليها , لذلك قررت أن تسبح قليلا فى حمام السباحة الذى فى حديقتهم , فقد كان الجو جميلا وبه لمسة دفء .
ارتدت روب الحمام واخذت منشفة طويلة على كتفها وهبطت للحمام , وهى تضع المنشفة وتخلع الروب الذى ارتدته فوق المايوه كادت تسقط فجأة عندما رأت نيك واقفا على بعد خطوات منها , لكنه أسرع إليها وأمسك بها كما أمسك بها ذلك اليوم على سلالم قلعته منذ عام مضى . قال بصوته العميق البطئ :
" مهلا , مهلا "
كاد قلبها يقفز من قلبها لكنها استعادت توازنها وقالت وهى تضع يدها على صدرها :
" لماذا لم تخبرنى بأنك هناك بدلا من أن تفزعنى هكذا ؟ "
" آسف " لم يبد عليه أى أسف حقا كما أنه لم يتركها من ذراعيه أيضا . كان قد خلع سترته للعشاء ورابطة العنق وشمر قميصه حتى ساعديه فبدا وكأنه احد العمال الزراعين الأقوياء بجسده الفارع .
" لقد وصلت لتوي "
تذكرت أنها لا ترتدى شيئا سوى المايوه فأسرعت للروب وارتدته وأحكمت حزامه حول وسطها , قال وهو يتركها من يديه :
" هل أنت بخير ؟"
فقالت وهى تبتعد عنه :
" نعم . ماذا تفعل هنا ؟"
فقال باستغراب :
" سأقضى الليلة هنا , ألم تخبرك روث ؟"
" لا , ربما لم تجد فرصة . لقد كنت فى رحلة اليومين الماضيين ولم أعرف "
فقال وقد لمعت أسنانه البيضاء :
" عادة ما أمضى الليلة هنا عندما أكون فى أوكلاند , كيف كانت وظيفتك الاخيرة ؟ "
" رائعة " قالت باقتضاب
" لابد أن تشعرين بالنفير فى درجة الحرارة "
كان يضحك منها فقد كانت تتصرف بغرابة وهى تبتعد عنه قليلا بقليل وكأنها خائفة أو مذعورة . لكنها قالت :
" نعم , بريطانيا أكثر برودة , هل جنفيف معك ؟ "
" لا , إنها مع والديها "
إذن ربما كانت جوليان قد بالغت قليلا فى أمر علاقة نيك بجنفيف منذ عام مضى , فهو لا يبقى معها فى بيتها فى وجود والديها ولكن ماذا يهمها على أى حال ؟ فواصل هو وكأنه يقرأ أفكارها:
" إننى أفضل البقاء مع عائلتى "

بدأت مينرفا تكره هذه الكلمة , كانت تكره فكرة أنها مجرد عضو فى عائلة , لكنه قال بصوت مؤدب وكأنه يجري محادثة مع شخص يتعرف عليه لأول مرة :
" كم ستبقين هنا هذه المرة ؟ "
فحاولت أن تتذكر خططها وقالت بترتيب :
" سأبقى حتى نهاية فبراير فى نيوزيلندا , ثم سأبقى لمدة مع بعض الأصدقاء فى سنترال أوتاجو بعد الكريسماس , لقد قررت تقريبا أن أبحث عن وظيفة فى أحد فنادق أنثار كيكا التى تعقد فيها المؤتمرات العلمية "
فقال وقد رفع حاجبيه :
" أنثار كيكا ؟ "
فقالت وهى تنظر إليه وقد آثارها شئ ما فى صوته :
" إننى طاهية , أتذكر ؟! "
فقال : "ولكن هل سيقبلونك ؟ أعنى فى الشتاء ستكون المرأة الجميلة عنصر تشويش للعلماء "
فقالت دون أن يبدو عليها التأثر بما قال بل بلهجة أقرب للغضب :
" لكننى لست جميلة ولن أؤثر على العلماء إذا كان هذا ما ترمى إليه "
فقال بتفهم بصوته الهادئ :
" لا , ليس هذا ما عنيته "
" على أى حال لا أحب المجاملات الرخيصة "
فقال وقد بدا عليه أنه يتسلى معها :
" ولماذا تصرين على أنك لست جذابة ؟ "
فقالت بعنف :
" لست جذابة , كما أن المجاملات الرخيصة إحدى خدع الرجال لكى يستدرجوا الفتاة للفراش "
كانا قد سارا نحو المنزل وبعد عبارتها الأخيرة شعرت بغباء ما قالته إلا أنه لم يكن هناك سبيل لتجنبه . لم يكن لديها القدرة على الركض حتى لو أرادت ذلك فسوف يلحق بها بساقيه الطويلتين قبل أن تبعد خطوتين .
فواصل هو :
" إن الجمال أنواع . كثير من الرجال سيروق لهم قوتك وتحكمك فى نفسك . كما أننى بحاجة لان أقول أن عينيك جميلتان وفمك المزموم يشكل تحديا جذابا "
فقالت بصوت هادئ :
" إنك مجامل للغاية "
فقال ضاحكا :
" ولكنك لا تصدقين كلمة مما أقول . لابد أن رجلا ما قد قام بخدعة عليك أليس كذلك ؟ فمن هو ؟ "
دهمتها ذكرى بول وخداعه لها وغبائها , لو فقط تسقط تلك الأيام من ذاكرتها . قالت بإصرار :
" نظرة واحدة فى المرآة تؤكد أننى لست جميلة "
" إن هناك جمال الشخصية "
كان صوته باردا وغير شخصى لذلك فقد استغرقت برهة حتى عرفت أنه كان يعنيها بما قال , ووقتها أحست أن عليها أن تبتعد عنه بمنتهى السرعة لكنه أمسك بيديها ومر بأصبعه على وجهها ثم على رقبتها وقال :
" حتى أصابعك لها جاذبيتها الخاصة وأثر العمل الشاق واضح عليهم "
اختلطت رائحة الورود فى الحديقة برائحة عطره الذى أضفى عليه لمسة وحشية طاردت أحلامها لمدة عام كامل .
لكنها قالت :
" لقد بدأت أشعر بالبرد , من الأفضل أن أذهب . طابت ليلتك "
كان انسحابها بسيطا وخالصا , لكنها صعدت درج الحديقة إلى المنزل دون اهتمام . أما هو فلم يصعد للمنزل إلا بعد ساعة , أخذت تستعيد ما حدث بينهما عن سبب ما قاله لها . هل كان يسلى وقته أم أنه عنى ما قاله فعلا . هرب منها النوم وهى تسأل نفسها وتعيد السؤال مرات ومرات . لو كان يهتم بها حقا لماذا لم يتصل بها العام الماضى ؟ هل يعاقبها لانها تركت منزله وذهبت بدون وداع ؟ لقد عوقبت بالفعل على غبائها , مجرد بعدها عنه لعام كان أقسى عقاب ممكن .
ولكنها قررت ألا تعبأ لما حدث وبتلك التمثيلية التى قام بها فى ضوء القمر , إنه مع جنفيف ولم يسأل عنها لمدة عام كامل فلا داعى لإضاعة وقتها وإفساد إجازتها الصيفية فى أوهام . كانت تتناول إفطارها فى الشرفة مع " روث " عندما أتى هو مقبلا عليها بابتسامة هادئة . انحنى على " روث " فقبلته وقالت :
" كم هو جميل أن نراك , هل استمتعت بليلتك الماضية يا عزيزي ؟ "
فقال وهو ينظر عبر المائدة مباشرة تجاه مينرفا :
" لقد كانت ليلة مسلية , صباح الخير يا مينرفا . إنك تبدين أكثر رسمية مما رأيتك أخر مرة "
تبادل هو وروث نظرات التعجب لكن مينرفا شرحت مسرعة :


" عندما أتى الليلة الماضية كنت آخذ حماما وقد رأنى ملفوفة فى المنشفة الطويلة "




فقالت روث وهى تصب له كوبا من القهوة :


" فى وقتنا كنا نرتدى أغطية للرأس , لقد كان ذلك أفضل للشعر , متى تنوى العودة يا نيك ؟ "




" اليوم للأسف . سأذهب بعد الإفطار مباشرة "




فقالت روث بخيبة أمل :


" زيارة قصيرة , ولكنك سترانا فى خلال أسبوع "




" هل ستأتون بالطائرة أم بالسيارة ؟ "




نظرت مينرفا لروث بدهشة بعد أن عرفت أنه يقصدها هى أيضا فسألت :


" هل أنت ذاهبة للقلعة الأسبانية ؟"




" سنذهب كلنا يا عزيزتى ألم أخبرك ؟ سنمضى بعض الوقت هناك "




وابتسمت روث لنيك دون أن تدرك أثر المفاجأة على مينرفا وقالت :


" إننى أتطلع لتلك الرحلة يا نيك أليس الإفطار رائعا ؟ لقد صنعته مينرفا "




" إنه رائع " , قال ذلك وتناول قضمة كبيرة من السجق ثم تناول رشفة من العصير .


لم تكن على علم بما اتفقت عليه روث معه فأخذت تجول ببصرها بينهما بنيما انهمكا هما فى تناول الطعام والحديث .

منتديات ليلاس


وبعد ساعة استقل نيك سيارة أجرة للمطار وسألت مينرفا روث :


" كم تنوين البقاء فى القلعة ؟"


" ثلاثة أسابيع على ما أعتقد " . ثم أخذت الأطباق من مينرفا قبل أن تغسلها وقالت وعلى وجهها ابتسامة خبيثة :


" لا ياعزيزتى لن تعملى وانت هنا مطلقا . لقد تركتك تعدين الافطار اليوم ربما لسبب ما خاص بك "

منتديات ليلاس


فقالت بوضوح لتنفى ما لمحت اليه روث بطريق غير مباشر :


" ليس ذلك صحيحا , فقد استيقظت مبكرا فحسب , هذا كل ما فى الأمر ".


ثم قالت بعد تردد :


" ربما أقوم بالطهى فى القلعة الأسبانية وقد تحتاج مديرة منزله لإجازة , أما زالت هيلين باروز ؟"




" نعم , ولكنى لا أعتقد أن نيك سيوافق على ذلك فقد سبق لك مساعدته من قبل . عزيزتى ماذا تنوين أن تفعلى اليوم ؟"




فقالت بملل وهى تنظر لأشعة الشمس وقد ملأت الحديقة ولمعت الحشائش الخضراء الندية :


" لا أدرى , أعتقد أننى سأبقى فى المنزل "




قالت ذلك وهى تعلم أنها ستمضى طوال اليوم فى تذكر وتحيل كل لحظة مرت منذ أن وقع بصرها على نيك الليلة الماضية فى حفل الاستقبال ..."

زونار 05-05-09 02:57 PM

الفصل السابع
استغرق الرحيل للشمال صباحا طويلا حارا عبر الطرق المحفوفة بالأشجار والمزارع على الجانبين .وعند جنوب كيرى كيرى تركوا الطريق الرئيسى للطريق الغربى الموصل للساحل ، وبعد ثلاثين كيلو مترا تفرعوا ثانية ليبدأوا الطريق المؤدى إلى غابة الكيورى والقلعة الاسبانية .قال براين وهو يقود السيارة بسرعة :
" إنه لمكان رائع "
أخذ براين يتلفت حوله ليشاهد الأشجار الباسقة وهو يقود السيارة مما جعل روث تبدو كأنها تقف على أصابع قدميها ولم تجد بدا من أن تطلب منه برفق أن يركز بصره على الطريق أمامه
فقال براين :
" اسف . إن القيادة فى هذه الطرق ليست سهلة . عندما أتى كين هنا العام الماضى فشهد لنيك بأنه خبير بهذه الطرق ويعرف متى يسرع ومتى يبطئ متبعا لحالة الجو ودرجة رطوبة الأسفلت "
فقالت مينرفا ببعض السخرية :
" كين يتخذ نيك مثله الاعلى "
وأخذوا يتبادلون الكلمات حتى وصلوا إلى اللافتة التى أصلحها نيك العام الماضى والتى تشير للقلعة . ازداد توتر مينرفا وهى تقترب من القلعة وعندما ظهرت كالسفينة فى الأفق من بعيد تخيلت مينرفا أنه لابد أن هناك من كان قرصانا فى عائلة بيفريل .
فلا يسكن هذه القلعة بلونها الداكن وسورها العالى سوى القراصنة . حتى نيك فانه يبدو كقرصان من طراز حديث بنظرته المعدنية وتمكنه من نسه وانحرافة فمه الساحرة عندما يبتسم . إن الثلاثة أسابيع التالية يمكنها أن تصبح بالنسبة لها غاية فى التوتر .
لقد مر عام على ما حدث ولو جاءت جنيفيف لتبقى معهم فسيتطلب ذلك منها مجهودا ضخما كى تحافظ على أعصابها .
أوقف والدها السيارة قليلا ليتمعن فى القلعة عن قرب ثم تحرك ثانية حتى دخل من البوابة بسيارته ثم عبر الممر المرصوف وسط الحشائش حتى توقف أمام المنزل الضخم .
وهم يخرجون حقائبهم من السيارة ظهرت هيلين باروز وقالت مرحبة :
" مرحبا بكم ، نيك يعتذر لأنه لن يمكنه الحضور قبل السادسة فهناك أعمال مهمة يجب انجازها فى المزرعة وقد ذهب منذ الفجر "
ثم قالت وهى تفتح لهم الباب وتساعدهم فى إدخال حقائبهم :
" بعد أن تستقروا فى غرفكم سنتناول جميعا قدحا من الشاى "
لم يتغير المنزل ، إلا أن الأثاث قد فاحت منه رائحة الشمع الذى يستخدم للتلميع ، لكن رائحة الورود كانت لا تزال تملأ الحديقة ومدخل البيت ، ونفس اللوحات الأنيقة والمدفأة الكبيرة إلا أنها لم تكن تعمل الآن ، شعرت مينرفا وكأنها عائدة لبيتها .
لكن كان عليها أن تبتلع اعتراضها عندما وضعتها هيلين فى نفس الغرفة التى بقيت فيها العام الماضى ، غرفة ستيلا الشديدة القرب بل والملاصقة لغرفة نيك ، غرفة لا تحتفظ بعلاقة أو ذكرى واحدة على وجودها .
جلست مينرفا أمام المرآة تراقب حبة عرق تهبط من جبهتها على خديها ثم على ذقنها ثم ابتسمت وهى تمضى داخل قميصها القطنى . قامت للحمام لتغتسل من تراب السفر وهى تشعر بإحساس رائع بأنها فى مكان تنتمى إليه وينتمى إليها .
عاد نيك والشمس تكاد تغرب ، كانت راقدة على سرير مطاطى مشدود بين شجرتين فى الحديقة عندما دخل وقد أغلقت عينيها تقريبا وأخذت تعبث بشعر القطة بنيولوبى التى كانت راقدة فى حجرها . لكنها شعرت به قبل أن تراه وقبل أن تتحرك القطة النائمة ، ترددت قليلا قبل أن تفتح عينيها وتنظر لوجهه الذى كان داكنا من العرق وقد انفتح قميصه حتى صدره الذى بدا وقد لفحته الشمس أيضا .
كان ينضح بالرجولة والقوة وهو واقف أمامها أزاح قبعته حتى منتصف رأسه وشمر ساعديه وارتسمت على شفتيه ابتسامة آلية .
سألته مينرفا :
" هل أنتهيت ؟ "
" تقريبا ، ولكن مازال هناك عمل بالجرارات لإزالة النباتات التى حرقها الصيف "
فقالت وهى تقوم من رقدتها :
" لابد أنك متعب للغاية ، سآتيك ببعض عصير البرتقال "
كان العصير والأكواب موضوعة على المائدة الصغيرة بجانبها فصنعت له كوبا وهى تؤنب نفسها على اهتمامها به واظهاره هكذا بدون تحفظ . أخذت تشاهد عضلات رقبته وهو يبتلع العصير وقد بدأت تشعر ثانية بتلك الرغبة التى تجتاح جسدها كله عندما تراه ، تلك الرغبة التى كانت تجتاحها منذ أكثر من عام مضى .
فقال وهو يضع كوبه الفارغ وقد ضاقت نظرة عينيه :
" إنك تبدين منتعشة كالربيع نفسه "
لم تجب مينرفا بل اكتفت بالابتسام فقال وهو يذهب :
" سأذهب لأستحم ، أراك بعد قليل "
أومأت مينرفا برأسها وأخذت تراقبه وهو يختفى بجسده الفارع داخل المنزل ثم أخذت نفسا عميقا وكأنها مرت باختبار رهيب . لقد أعدت نفسها للقائه ما ستقول وكيف ستقوله ، ولكن بمجرد ظهوره نسيت كل شئ سوى الشعور به والرغبة المحمومة فى القرب منه .
لقد غلبت عواطفها كبرياءها وكرامتها وانتهى كل تخطيطها ، وانهارت دفاعاتها عندما ظهر لها فجأة كما يظهر دائما . ولكنه لحسن الحظ لم يعد وحده بل كانت روث معه . لذلك بالأمور ستصبح أكثر سهولة وقالت لنفسها وهم يتوجهون لتناول العشاء : " كيف سيمكننى أن أستمر فى ذلك ثلاثة أسابيع ؟ "
وعلى مائدة العشاء اقترحت مينرفا أن تذهب هيلين فى اجازة لرؤية عائلتها وأنها ستقوم بالطهى للجميع . وقد وافق نيك بينما اشترطت روث أنهم جميعا سيساعدونها فى إعداد الطعام . وعندما وافقوا جميعا شعرت بان وقوفها فى مطبخ القلعة الاسبانية بمفردها سيجعل منها بالفعل ولو لمجرد ثلاثة أسابيع ملكة متوجه فى منزل نيك بيفريل .
وعندما ذهبت للفراش أخذت تخطط لما ستشتريه من السوق لكى تجعل من وجبات هذه الأجازة وجبات لا ينساها الجميع . ولكن من هم الجميع ؟ إنها لا تهتم سوى بنيك ، هو وحده من يهمها أما روث وبراين فهما سيحباها بغض النظر عن أى شئ آخر .
ربما كانت تتصرف بحماقة فرغم كل شئ كانت هناك منطقة بداخلها يضيئها بصيص ضعيف من الأمل فى نيك ، لكن لو كانت كل هذه أوهام فسوف تندم طويلا .
لكنها شعرت بالأمل يزداد داخلها عندما تذكرت أن نيك قد أعلن على العشاء ردا على سؤال روث أن جنيفيف ستمضى الصيف فى منزل عائلتها .... ولكن ! إلى متى ستستمر تلك الحمى تجتاح لياليها كلما تذكرت جنيفيف أو نيك . شعرت برغبة فى أن تنهض لتأخذ دشا أو تستحم فى بحيرة باردة لكنها كانت متعبة للغاية فلم تستغرق وقتا طويلا حتى نامت .
فى الصباح التالى استيقظت على صوت الجرارات وهى تسير نحو المزرعة مارة بالممر الذى يشق الحديقة . قامت واغتسلت وهى تشعر بانتعاش ثم ارتدت ثيابا قطنية خفيفة لأن الجو كانت به لمسة من الحرارة .
وهى تغسل وجهها وتذكرت أفكارها الليلة الماضية وهى بين اليقظة والنوم فابتسمت لنفسها فى مرآة الحمام وتخيلت نفسها بعد عدة أعوام عندما يصبح نيك مجرد ذكرى عابرة ، ستتذكر القلعة ونيك وتبتسم لأنها حمقاء فى تضييع وقتها فى أوهام .
لكن على أى حال سيمضى نيك أغلب وقته فى المزرعة ويمنحها ذلك الفرصة لكى تستمتع بالمنزل والحديقة والجو الرائع والهدوء مع روث أو وحدها . سينتهى كل شئ كما تخبو النار المتوهجة ، سينتهى حبها لنيك كما انتهى حبها لبول من قبله .
وعلى الإفطار سألها نيك إذا كانت تود الذهاب لكيرى كيرى معه .وقد قالت روث قبل أن تتمكن هى من الإجابة :
" يا لها من فكرة جيدة "
فسألتها مينرفا بأمل :
" هل ستأتين ؟ "
فقالت المرأة العجوز :
" لا ، فما زلت متعبة من رحلة الأمس . اذهبا أنتما واحضرا لى دواء الضغط من الصيدلية فقد نسيته فى البيت "
حتى والدها قال إنه سيبقى ليرقد فى الظل أو يتمشى قليلا أو يقرأ كتابا خفيفا مع كوب من العصير المثلج
لم يكن لديها أى عذر لعدم الذهاب فقالت وهى تصب لنفسها فنجانا آخر من القهوة :
" حسن ،يمكننى أن أشترى بعض الأشياء من السوق "
كانت قد أعدت قائمة بالمشهيات والأصناف التى ستصنعها لهم بعد أن رحلت هيلين وهى فى منتهى الامتنان لها . كانت هذه هى المرة الثانية التى يمنح وجودها هيلين وقتا لتزور أسرتها وتمضى معهم إجازة ، لذلك فقد شكرتها المرأة بصدق رغم أنها لم تبد ودودة عندما رأتها أول مرة منذ عام مضى .
جلست بجانبه فى السيارة وقد استرسل شعرها على كتفيها ولم تجمعه فى عقدة كما تفعل دائما . توقعت أن يقول شيئا لكنه بعد نظرة طويلة لها ابتسم ثم بدأ يتحدث عن آخر فضيحة سياسية تشغل الرأى العام . فكرت وهما فى الطريق كيف يبدو ذكيا وغير متميز وهو يناقش الأمور .
فقالت وهى تبتسم :
" إن المرء يتوقع دائما مناقشات عقيمة من أصحاب الأملاك ،لكن هذا لا يحدث معك ؟ "
" ولماذا ؟ "
" إن المزارعين لديهم تلك السمعة بأنهم عادة محافظون "

اتسعت ابتسامته وقال :


" ربما نكون فى حاجة للمحافظين حتى لا يفقد هؤلاء المتمردون صوابهم ويجذبون المجتمع وراءهم "


وعندما لم تجب واصل هو بلهجة أكثر جدية :


" قد يبدى المزارعون بعض المحافظة لأنهم يرتبط رزقهم بالجو والطبيعة ومن الصعب عليهم أن يقتنعوا بالنظريات "


وفجأة برز أمامهما فى الطريق خروف صغير شارد من قطيعه فأوقف نيك السيارة على مقربة منه ثم ظهرت أم الخروف وكأنها تبحث عنه . قال نيك بحزم :


" علينا أن نعيدهما إلى مرعاهما "


فقالت مينرفا :


" حسن ، ولكن كيف ؟ "


فقال بلهجة من يعرف عمله جيدا :


" سأدفعهما أنا إلى أعلى التل من حيث هبطا وأنت أمامهما حتى نجبرهما على السير فى الطريق الذى نريد "


لم يكن الأمر سهلا كما اعتقدت مينرفا . فقد استغرق منهما ذلك وقتا وجهدا أكثر من عشرين دقيقة . ولحسن الحظ لم تمر أى سيارة أخرى مسرعة فى الطريق وإلا كان سيحدث ما لا يحمد عقباه . وعندما تأكد نيك من أن الحيوانين قد عادا لقطيعهما قال وقد بدا عليه الرضا :


" حسن ، فلنذهب "


ها هو ذا شئ جديد تعرفه عنه . إنه صبور . لم تكن هذه خرافه ولكنه لم يشعر بالملل وهو يحاول إنقاذها من الموت على الطريق السريع . قالت لنفسها إن هدوءه وحزمه لا يعنى أن مشاعره ميتة ، لكنه ربما يتعمد إخفاءهاأو ربما تكون هذه طريقته .


قالت وهى ما زالت تلهث :


" تصور ، لقد تذكرنى الصدئ ! "


" نعم . طبيعى لقد كنت تعطيه الذى كان يتبقى "


فقالت مينرفا بشئ من الخجل :


" هل كنت تعرف "


" نعم . ولكن لا تعجبى فالكلاب يمكنها أن تتذكر أبعد من عام "


ثم أضاف :


" إننى ألاحظ كل شئ "


قال ذلك ومنحها نظرة طويلة من نظراته الطويلة الباردة .


كانت كيرى كيرى مزدحمة بالسياح ومن يمضون إجازتهم . حتى التلاميذ ملأوا الشوارع فقد أخذوا الاجازة الصيفية فشعرت مينرفا أنها سائحة وسط السياح .


اتفقا على أن يتقابلا بعد نصف ساعة حيث سيذهب هو ليقابل شخصا ما وستذهب هى للسوبر ماركت لكى تشترى ما تحتاجه وقد أعطاها نيك مفتاح السيارة حتى إذا عادت قبله تجلس فيها .


عادت بعد عشرين دقيقة ووضعت مشترياتها فى حقيبة السيارة ، لكن فكرة انتظار نيك فى السيارة فى هذا الجو الحار لم ترق لها بل وجدتها – بغرابة – فكرة مهينة !!


لكنه لم يتأخر على أى حال فقبل أن تفتح السيارة ظهر بجسده الطويل ولاحظت مينرفا أن الناس من أصحاب المحلات والعاملين فى السوق يعرفونه ويحيونه بتقدير ، كان يرد تحيتهم بيده ويصافح البعض ويقف لتبادل الكلمات قليلة مع بعض . وقد وصل عندها :


" أتمنى ألا تكونى قد انتظرتى طويلا"


كان شعرها دافئا وقد شعرت بأن يلتصق برقبتها فهزته بقوة قائلة :


" لا ، لقد جئت لتوى "




"حسن " ، قال ذلك وهو يبتسم ويفتح لها باب السيارة .


جعلتها ابتسامته تفكر فى الكثير لدرجة أنها لم تلاحظ أنهما غير متجهين للمنزل إلا بعد فترة فقالت وهى تحاول ألا تبدو معترضة :


" هذا ليس طريق البيت ! "


" أود رؤية أصدقاء فى اجازة هنا ، هل تمانعين ؟ "


" لا " ، لكنها فى الحقيقة كانت تمانع ، أما هو فقال واعدا :


" سوف يعجبونك "


كان أصدقاؤه يعيشون أسفل التل فى منزل خشبى فخم صنع خصيصا لعطلات الصيف . كان المنزل على الساحل أى له شاطئه الخاص به مما جعل المنزل يبدو وكأنه قطعة فنية مرسومة او مكان ما فى الجزر الاستوائية . تيجان وزوجها كيران سينكلير مع ابنتيهما أتوا جميعا من أوكلاند لقضاء العطلة فى هذا المكان الرائع . بدا على المرأة وزوجها انهما يتساءلان عن مينرفا لكنهما أجادا إخفاء ذلك . بالطبع أصدقاء قدامى لنيك كما ظهر أنه يهمهم أن يعرفوا من هى .


ها هو ذاك جانب جديد من شخصيته يتفتح أمامها . عندما يكون مع اناس يعرفهم ويثق بهم عندما يكون مع أصدقائه بدا مسترخيا وقد أزاح الستار الحديدي عن عواطفه , لابد ان لديه طاقة خارقة لكي يبدو هكذا صلبا طوال الوقت .


قالت مينرفا ذلك لنفسها وهى تراه يداعب البنتين الصغيرتين فى رقة وعطف لم تعتقد أنه من الممكن أن يبعدوا عنه .


لقد كان نيك مثل غيره لديه نقاط ضعف لكنه كان يعرف كيف يدافع عنها ويحميها جيدا .


كانت الابنة الكبيرة ملتصقة به طوال الوقت وقالت لمينرفا وهى تحتضنه :


" عمى نيك هو ابى الروحي "


فقالت مينرفا :


" إنه رجل سعيد الحظ جدا "


فقالت البنت الصغيرة بسعادة :


" إنه يجلب لى هدايا كثيرة "


فقالت الأم موجهة حديثها لمينرفا :


" إنه لا يعطينا فرصة حتى نمنحها عنه تلك الهدايا . ففى كل المناسبات يكون هو الأسرع . إن نيك إنسان رائع "


ماذا تعنى المرأة بتوجيه كلامها لمينرفا ؟! أما نيك فقال وهو نصف مغلق العينين :


" إننى أحب الأطفال يا تيجان ولوسى حبيبتى القديمة "


فقال كيران ضاحكا :


" ونحن أيضا . ولكن أرجوك لا داعى للآلات الموسيقية التى تجلبها لهن فأنا لا أستطيع أن أعمل فى البيت مطلقا "


ثم أخذوا يتكلمون عن الاطفال ويضحكون


كان كل ما تريده مينرفا مرتبط بهذا الرجل . لقد بدأت شخصيته تتضح أكثر أمامها , لم يكن مجرد رجل جذاب للنساء , بل كان عطوفا وحنونا على الاطفال والحيوانات , على من يعملون عنده , على كل من حوله , فقط كان حظه غير قليل . وفى طريق عودتهما قال لها :


" اعتقد انك لم تحبيهم "


فقالت بسرعة :


" على العكس إنهم لطاف للغاية "


فقال وقد رفع حاجبيه :


" أنا سعيد . كيران أحد أصدقائى , من أقدمهم وزوجته رائعة وطيبة للغاية "

زونار 05-05-09 02:58 PM

تساءلت مينرفا عن السبب الذى جعله يأخذها لزيارتهم , لقد كان من الممكن أن يمر عليهم فى أى وقت آخر بمفرده , ولم يكن الأمر مجرد استمتاع بصحبتها . لقد كانت هناك عاطفة فى صوته وهو يتحدث لروث , للطفلة لوسى , أما عندما كان يتحدث إليها لم يكن هناك سوى هذا التحكم البارد فى صوته الذى جعله أشبه بالرنين . ومع ذلك فقد أرادها ورغبها يوما ما , لكن الرغبة غير الحب , الرغبة تزول أما الحب فلا , ربما ماتت قدرته على الحب مع استيلا , كانت تشعر أنها بالنسبة له ليست سوى كلبه أو حصانه , او كالقلعة الأسبانية نفسها ,



هل تقضى ستيلا على كل أمل فى مستقبلهما معا .



لكنه قال لها :



" ما هذه النظرة المبتهجة ؟ فيم تفكرين ؟.. "



نظرت إليه ولم تجب فقال وكأنه يعرف ما تفكر فيه :



" ستيلا , آه لو كانت تعرف أن قتل نفسها سيجعلها حية بيننا هكذا "



" أشك فى ذلك " قالت ذلك بهدوء وهى تشعر بألم فى قلبها ثم أضافت :



" لم يكن تفكير المسكينة واضحا "



فقال بنبض مكتوم :



" آه كم أتمنى لو قابلت والدها هذا ولو مرة واحدة "



تصورت مينرفا ما كان يمكن أن يحدث وحمدت الله ان كان الرجل ميتا . بغض النظر عن الجانب الشخصى المتعلق بستيلا فقد بدا من معاملة نيك لاطفال سينكلير أنه يحب الاطفال ويعتبرهم كالكنوز .



سألته لتبقى ذهنها مشغولا :



" كيف حال فرانك ؟"



" بخير , لقد استقرت زوجته فى كيرى كيرى ويمكنه الآن أن يرى أطفاله وقتما شاء . وقد أقلع عن الخمر أيضا وقد اشترى جون وجوليا هموارد مزرعتهما الخاصة على الطريق إلى ويلفورد "



" حسن .. حسن " . قالت ذلك باقتضاب وهى تشعر ببعض الراحة لأنها لن تقابل جوليان ثانية



مرت عدة أيام ببطء ودون أن تشعر مينرفا بأى تغير فى مشاعرها تجاه نيك . كان مضيفا رائعا وضيفا رائعا أيضا . فقد ذهبت معه لعدة حفلات لدى بعض أصدقائه مع روث وبراين . كانت تكره تجمع النساء حوله كالفراش حول المصباح . لقد عرف نساء كثيرات ونساء كثيرات كن يتعمدن الحديث معه والتواجد بالقرب منه لكن مينرفا شعرت بأنها الوحيدة التى كانت تعرفه من الداخل . لقد رأته مع عائلة سينكلير ورأته وهو مسترخ مع روث وبراين , كان انسانا مختلفا . أما النساء الأخريات فينظرن إليه على أنه مجرد رجل جذاب ووسيم وواسع الثراء , أما هى فقد استطاعت الوصول إلى ما هو تحت هذا السطح , إلى الانسان وليس للرجل فحسب .



ولكنها بدأت تشعر بأنها تضيع وقتها . فلا أمل لهما معا . يخرجان سويا ويضحكان ويمرحان ولكن ليس هذا ما كانت تريده .



لقد أرادته لنفسها تماما كما هى مستعدة أن تمنحه نفسها تماما . لذلك عندما سألها اذا كانت تود الذهاب معه إلى حفل راقص فى كيرى كيرى فى إحدى الليالى الممطرة اعتذرت وتعللت بأنها متعبة وستأوى للفراش مبكرا بعد العشاء فذهب وهو يبتسم ابتسامة مقبضة .




أخذت مجلة وصعدت لغرفتها وأخذت تقرأ قليلا وهى تعلم أنها لن تخلد للنوم حتى يعود نيك . وبعد قليل سمعت نقرا خفيفا على الباب , لابد أنها روث جاءت لتتحدث قليلا فقالت بصوت مرحب :



" تفضلى يا روث "



دخلت المرأة وعلى وجهها ابتسامة رقيقة ثم سارت للنافذة وقالت :



" يبدو ان المطر لن يتوقف الليلة "



فقالت مينرفا وهى تبتسم وقد رفعت المجلة على وجهها حتى لا تراها روث :



" نعم , إنها تمطر منذ الصباح "



كانت مينرفا تعرف أن روث تبدو قلقة ومترددة عندما تريد أن تقول شيئا ولا تعرف كيف تقوله فبقيت صامتة حتى جلست روث على طرف السرير وقالت بصوت حنون :



" مينرفا , لماذا لم تخرجى معه الليلة ؟ "



فقالت مينرفا وكانت قد بدأت تشعر منذ فترة بأن لروث خططا معينة :



" إننى متعبة قليلا "



" هل هذا هو السبب الوحيد ؟ "



" وماذا غير ذلك "



اقتربت روث منها أكثر وقالت وهى تبتسم :



" مينرفا , ألا يعجبك نيك ؟ "



" بلى , يعجبنى "



فسألت المرأة بعتاب :



" إذن لماذا لا تعطينه الفرصة ؟"



" الفرصة لم ؟ "



وقبل أن تجيب المرأة ابتسمت مينرفا ونظرت لروث بعينين ضاحكتين وهى تقول :



" روث هل تحاولين أن تقومى بدور الخاطبة ؟"



فقالت المرأة بصوت جاد :



" وماذا فى ذلك ؟ ألست ابنتى وهو مثل ابنى . تعرفين أننى أحبكما كثيرا "



فقالت مينرفا بحسم :



" لست سوى أخت زوجته الراحلة . روث إن نيك أرمل ستيلا , كما أن مجرد أعجاب ببعضنا البعض وخروجنا سويا – الذى ليس له سبب سوى أننا الوحيدان من نفس العمر فى هذا المكان – لا يعنى أننا متحابان وسنتزوج ... " وقبل أن تجيب المرأة سألتها مينرفا :



" هل تحدثتما عن شئ ما ؟"



فهزت روث ذراعيها وقالت بصدق :



" لا لا , لا شئ . كل ما هنالك أننى لاحظت أنه مهتم بك "



مهتم , آه يا روث لو عرفتى إنها تريد ما هو أكثر من ذلك بكثير , لكنها لن تظهر ذلك بالطبع بل قالت :



" إنه مهذب وكريم لذلك يعاملنى برقة , كما أنه يعتبرنا عائلته "



فنهضت المرأة وقد ارتسم على وجهها شعور عميق بخيبة الأمل وقالت بصوت رقيق :



" حسن يا عزيزتى , كل ما هنالك هو أننى ... "



ولم تجد ما تقوله فنهضت مينرفا واحتضنتها بشدة وقالت بحب صادق :



" روث . إن لديك قلبا يسع للعالم كله ولكن ليس كل الناس مثلك "



فقالت المرأة وهى تغالب دموعها وتحاول الابتسام :



"فقط أردتك سعيدة . لكنى أعدك ألا أتدخل ثانية فى ذلك "

ثم قالت وهى تتجه صوب الباب :
" سأتركك الآن لتنامى يا عزيزتى , طابت ليلتك "
" طابت ليلتك يا روث "
وخرجت المرأة لكى تتركها لتنام وهى لا تعرف أنها لن تنام قبل أن يعود نيك .

زونار 05-05-09 03:00 PM

الفصل الثامن



استيقظت مينرفا فى الصباح على صوت حبات المطر وهى تتساقط على زجاج النافذة , كانت السماء ما زالت تمطر بشدة مما جعلها تشعر بنوع من الكآبة . إلا أنها نهضت سريعا لتغتسل وتبدل ثيابها وتهبط لتنضم للمجموعة . كان براين ونيك يلعبان البلياردو بينما كانت روث تطالع كتابا .
قال براني وهو ممسك بعصا البلياردو بعد أن أنتهى الدور :
" فى يوم من الأيام سأهزمك "
فقال نيك وهو يضع عصاه على مائدة اللعب :
" ليس اليوم على أى حال , فلدى عمل هذا الصباح "
ثم غادر الحجرة بينما تناول براين الصحف وبدأ يقرأها . لذلك قررت أن تعد لنفسها الإفطار فخرجت للمطبخ ولكنها قابلته فى الردهة الموصلة للحديقة فبادرها :
" هل تودين نزهة على ظهر الخيل ؟ "
فقالت بدهشة :
" لقد اعتقدت أننى سمعتك تقول إن لديك عملا هذا الصباح "
" لقد قلت ذلك عندما رأيت أن المطر توقف , والغابة عادة ما تكون رائعة بعد المطر فرأيت ألا أضيع هذه الفرصة . هل ستأتين ؟"
لم يكن لديها أى سبب للرفض سوى الخوف من شئ مجهول لكنها هزت كتفيها وقالت :
" وهو كذلك "
فقال بصوت مشجع :
" حسن تعالى معى لكوخ الحديقة . هناك أدوات ركوب الخيل الخاصة بأمى "
سارت وراءه وهى تشعر بانه لم يكن من المفروض أن تقبل التنزه معه . يجب ان تمضى ما يتبقى لها من الوقت فى المزرعة دون أن تورط نفسها فى شئ معه , ولكن كلمات روث " أنه مهتم بك " . أخذت ترن فى أذنيها وهى ترتدى حذاء الركوب بينما ذهب هو ليحضر الحصانين , الجن الفضى حصانه ومهرة أخرى بدت وكأنها تناسب الجن الفضى تماما .
ساعدها نيك فى امتطاء صهوة الجواد وهى تضحك لانها كانت تخشى الوقوع فى كل مرة , ولكن أخيرا ثبتت على ظهر المهرة " بسكيت " وقد بدا لها العالم مختلفا تماما من فوق صهوة جواد .
سار بهما الجوادان فى طريق الجداول التى تشغل الجانب الغربى من غابة الكيوى ودون أن يتحدث نيك كانت تشعر مينرفا بأنه يريدها ويرغبها ولكنها لم تستطع أن تقاوم أن ما تريده منه لا يمكن أن تحصل عليها فقررت أن تستغرق تمام فيما حولهما ثم تساءلت :
" أين الصدئ ؟ ألا يأتى معك ؟ "
فقال بلهجة قاطعة :
" لا" ليس وأنا أتنزه , يأتى معى فى أثناء العمل فقط "
بدا لها وهو فوق صهوة جواده أنه فارس من العصور الوسطى , كان ممسكا بلجاد الجواد برفق بدا أنه متحكم فى كل خطوة تحكما تاما .
وبعد قليل لحق بهما الصدئ راكضا فضحكت مينرفا بينما ابتسم نيك وهو يهز رأسه .
كان كل شئ حولهما طبيعيا ومنعشا . وشعرت مينرفا برغبة شديدة فى أن ترقص بالحصان لكنها لم تفعل فلم تكن مدربة على ركوب الخيل كما أن الأرض كانت مبللة ومتعرجة فى مواطن كثيرة . قالت وهما يمضيان فى الغابة أكثر حتى وصلا للجداول :
" لقد فاتنى كل هذا العام الماضى ولم أر سوى الغابة من جانبها الآخر . إن هذه الجداول رائعة وكأنها فى الجنة "
فقال نيك بلهجة لم توضح ما يشعر به :
" لقد فاتك الكثير العام الماضى "
لم تحاول أن تفهم ما يعنيه لكنها ابتسمت دون تعليق فقال هو دون أن ينظر إليها :
" هل تصدقين أنك أصبتينى بالرعب أول مرة رأيتك فيها ؟! "
" الرعب ؟ " قالت ذلك فيما يشبه المصادفة ., أما هو فقد واصل بهدوء :
" نعم " ذلك اليوم الممطر عندما كنت تسألين عن الطريق "
على الأقل ما زال يتذكر اليوم كما تتذكره هى لكنها لم ولن تسأله عن سبب رعبه منها .
قد تكون تلك خدعة منه , ما كان يجب ان تأتى معه فى البداية . أخذ يقترب منها بجواده وقد أمسكت هى بلجامها بتوتر خائفة من أن تسقط من عليه حتى أشار بيده الى صخرة مرتفعة قائلا :
" هذا هو الشلال ولكن من ظهره , علينا أن نصعد حتى نراه "
قال ذلك وترجل ثم مد ذاعيه اليها فوجدت نفسها ترتمى فى أحضانه وهى تهبط من على الحصان . كان جسدها ملتصقا بجسده للحظة لكنها لم تستطع الابتعاد عنه فقد جذبها بشدة نحوه وقبلها قبلة طويلة انهارت مقاومتها لها حتى قبل أن تبدأ , وعندما ابتعدت شفاههما حاولت أن تدفعه بذراعيها لكنها صرخت فجأة :
" الصدئ سيسقط فى الجدول "
استدار نيك بسرعة ليجد كلبه العزيز قد سقط بالفعل فى المياه , أخذت مياه الجدول المندفعة المتدفقة بقوة من أعلى التل الصخرى تجرفه ناحية الشلال . وضعت مينرفا يدها على فمها لتكتم صرخات الرعب بينما خلع نيك سترته وألقى بها على الأرض وتناول حبلا كان يحتفظ به دائما فى سرج الحصان .
سألته مينرفا وهى لاتصدق ماسيفعل :
" لا يا نيك , لا لا تذهب "
لكنه لم يجبها بل أخذ يبحث عن غصن قوى يربط فيه الحبل , واخيرا وجده ثم ربط الحبل حول وسطه وقال لها بلهجة آمرة :
" عندما أصل له اجذبى الحبل ببطء "
كان الكلب قد استطاع أن يسبح حتى وصل لصخرة مغمورة ارتمى عليها وأخذ يهز ذيله فى انتظار أمر سيده , صاحت به مينرفا لكن نيك صرخ فيها :

" لا تناديه , هل تضمنين أنه لو هبط الماء ثانية سيمكنه الرجوع ؟ "
كان محقا , لو طلب منه سيده أن يعود فسيعود حتى لو كان ذلك يعنى ان يلقى حتفه . أخذ قلب مينرفا ينبض بشدة ونيك يهبط فى الماء ببطء وقد التف الحبل حول وسطه وقد أخذ يسير حتى وصلت المياه إلى منتصف صدره ثم بدا لها من حركته فى الماء أن الأرض لم تصبح تحت قدميه الآن , كان الجدول عميقا والتيار قويا , كتمت أنفاسها حتى وصل إلى الصخرة التى كان الكلب واقفا عليها فأمسك به نيك ورفعه بذراعيه القويتين ودفعه بحركة ما بدا لها أنها متعارف عليها بينهما على ظهره ثم بدأ طريق العودة .
أخذت هى تجذب الحبل المربوط فى الغصن القوى كأنها تجذب روحها التى كادت تسحب منها . وعندما وضع نيك قدمه على الأرض كادت ترتمى بين أحضانه لكنها تماسكت وأخذت تراقبه وهو يجلس بتعب على أقرب صخرة وقد ابتلت ثيابه تماما . وقف الصدئ على الأرض واخذ يهز جسده بشدة كأنما يطرد عنه الماء .
نظرت إليه مينرفا وابتسمت ثم قالت لنيك :
" لن أتركك تفعل ذلك بنفسك مرة ثانية أبدا "
فقال بصوت أجش بعد أن سعل سعلة قصيرة :
" حقا , بأى حق ؟ "
فلم تجب فواصل هو وقد لمعت عيناه فجأة وكأن نارا اشتعلت فى رمادها البارد :
" هل تعلمين لماذا أصبت بالرعب فور أن رأيتك لأول مرة ؟ لأننى عرفت أنك ستغيرين حياتى تماما ولم أكن أريد ذلك . كنت ما زلت معقدا بما حدث مع ستيلا ولم أشأ أن أدخل فى علاقة جديدة "
فلم تجب مينرفا بل وقفت تنظر إليه فيما بدا الذهول وهى تمنع نفسها بأن تشعر بالسعادة , لم تكن واثقة بعد من معنى حديثه . لو كان يحبها حقا لماذا لم يتصل بها لمدة عام ؟ لكنها لن تسأله , لا تريد شيئا منه شعرت بدوار وهى مذبذبة بين ما يريده قلبها وبين ما يفكر فيه عقلها . لكن نيك قال وهو يسعل ثانية :
" لقد كنت أخشى أن تكونى مثل ستيلا . لذلك عندما ذهبت قررت أنك مثلها "
وقفت ساكنة تنظر اليه عاجزة عن أى كلام . هل تدافع عن نفسها أم تنتظر لترى ماذا يريد فى النهاية . لكنه بدا متضايقا من صمتها فقام واتجه لحصانه قائلا :
" من الواضح أننى أصيبك بالملل , من غبائى كنت أعتقد أنك ستقبلين أن ... "
ولم يكمل بعدها أخذ يرتدى سترته الجافة على قميصه المبلل أما هى فقالت فى مفاجأة له ولنفسها أيضا :
" نعم يا نيك . إننى أقبل أن أتزوجك "
لم ينظر اليها بل لبث واقفا برهة فى سكون ثم استدار وقال بصوت بدت فيه بوادر الغضب :
" أنا لست فى حاجة لشفقة منك "
فقالت بسرعة وقد أخذت الكلمات تنساب من بين شفتيها وكأن عقلها فقد سيطرته عليها نهائيا :
" ليست شفقة ؟ لقد حلمت دائما بزوج يحترمنى ويهتم بى و ... "
" وماذا ؟ "
" ويحبنى . هل تحبنى يا نيك ؟" . طرحت هذا السؤال وقد امتلأت نبرتها بعدم الثقة . كانت لا تزال تشعر بأنه غير جاد فيما يقول , لكنه ضحك ضحكة عالية وقال وهو يقترب منها :
" نعم . أحبك . لقد أحببتك منذ العام الماضى ولكننى كنت أخشى عليك من نفسى "
فقالت والدهشة تملؤها :
" تخشى على , لم ؟ "
فقال وصوته يتأرجح بين الفرح واليأس :
" كنت ما زلت أعتقد أن العيب كان فى لذلك ستيلا لم تمارس معى الحب "
أمسكت وجهه بيدها وقالت بحنان :
" لقد انتظرت أن تكتب لى طويلا , لكنك لم تفعل "
" أكتب لك . لقد قررت أن أسافر لك فور أن ذهبتى , ولكنى عندما وصلتنى رسالتك القصيرة الأشبه بالبرقيات الرسميه تأكدت أننى كنت أعيش فى أوهام . لقد كنت سآتى إليك وأختطفك كما فعل جدى الأكبر "
فقالت بدهشة :
" نيكولاس ؟"
" نعم . أتذكرين يوم سألتينى عن السبب الذى سمى قلعته له القلعة الأسبانية ..."
ثم قبلها قبلة سريعة ووضعت هى ذراعيها حوله بينما واصل هو :
" كان انجليزيا وأحب امرأة أسبانية فى أثناء عمله فى اسبانيا . وقد اختطفها وأتى بها لهنا . وبعد عام وصل زوجها وأعادها معه بعد أن تركت ابنهما الوحيد "
فقالت مينرفا :
" بالتأكيد لم تكن تحبه حقا , أو كانت شخصيتها ضعيفة "
" ربما ولكن العجيب كما كتب نيكولاس فى مذكراته أنها كانت تحب زوجها أيضا لحد ما "
فتمتمت مينرفا بدهشة :
" تحبه أيضا ؟ ! ماذا تعنى ؟ ! "
"لا أدرى . لقد كان رجلا رائعا كما شهد بذلك له نيكولاس نفسه . فقد كان معجبا به ويعتبره رجلا عظيما اذا نحينا جوانب الغيرة والخصومة عليها بينهما "
فقالت مينرفا :
" لذلك أطلق على مزرعته وقلعته الأسبانية "
شعرت مينرفا وهو يقبلها ثانية بأنها لا تصدق ما يحدث . لقد تم ما انتظرته فى عام فى أقل من ساعة .
هل حقا ستتزوج نيك ؟! ولكن هل لروث دخل فى هذا ؟ قالت وهى تبتسم وقد تقارب وجهاهما :
" هل كنت تنوى الزواج من جنفيف ؟ "
فضحك ضحكة ماكرة وقال وهو يطبع قبلة على خدها :
" لا , إننا منذ تزوجت ستيلا مجرد أصدقاء "
ربما من ناحيتك أما هى فلا تعتقد أنها مازالت وراءه ؟ ألن تستريح مينرفا من ذكرى ستيلا وجنفيف ! قالت وهى تبعد عينيها عن وجهه الذى اختفت منه الحدة وحل محلها عطف أكيد :
" لماذا ذهبت معها لحفل الاستقبال ؟ "
فقال وهو يرفع وجهها لينظر اليه :
" لقد أخذتها معى خصيصا لكى أثير غيرتك . عرفت من روث أنك ستكونين هناك لذلك أخذتها معى وقد نجحت خطتى .. "
فلما ابتسمت واصل هو اعترافه :
" وقد دعوتكم لقضاء عطلة الصيف هنا لأتأكد من مشاعرك نحوى . مينرفا إننى أحبك وأريد أن أتزوجك ! "
الزواج أخيرا . لكن لقد قال لها قبل ذلك أنه يريد أن ينجب أطفالا فهل هذا هو السبب الوحيد . ابتعدت عنه مينرفا عندما تذكرت ذلك .
ثم سألته وهى تدير له ظهرها :
" نيك لماذا تريد أن تتزوجنى ؟"
فقال ببساطة ولكن بصدق :
" لأننى أحبك "
" فقط ؟ "
" وهل يمكن أن يكون هناك سبب آخر ؟"
فقالت وهى تحاول أن تزن كلماتها حتى لا تقول ما تندم عليه :
" أليست رغبتك فى طفل هى السبب الأساسى ؟"
لم تسمع رده لكنها شعرت بيديه القويتين تمسكان بكتفيها ثم أدارها ونظر فى عينيها وقال :
" نعم أريد طفلا ولكن منك أنت , منك أنت وحدك "
فلم تجب فواصل هو :
" لقد أرادت ستيلا أن تنجب أطفال أنابيب لكننى لم أوافق . إننى عندما أريد طفلا أريده من المرأة التى أحبها فحسب . عندما قلت لك ذلك كنت غاضبا ويائسا ولم أكن واثقا بعد من حبك لى "
فاحتضنه واحتوته بذراعيها , كان جسده العريض يملأ العالم أمام عينيها , لم تكن تريد شيئا سوى أن تبقى معه للأبد . همس فى أذنيها وهو يحتضنها :
" لنتزوج بأسرع ما يمكن "
فقالت :
" كم يستغرق ذلك من الوقت ؟ "
" ثلاثة أيام لإتمام كل الاجراءات اللازمة "
فقالت بدهشة :
" ثلاثة أيام ! ستصاب روث بخيبة أمل "
" لم ؟ "
فقالت مينرفا موضحة :
" إنها ستريد بالطبع زفاف وفستانا أبيض وثلاثمائة مدعو "
فقال بثقة :
" كل ذلك يمكن إتمامه بسهولة "منتديات ليلاس

زونار 05-05-09 03:01 PM

فلم تجب بل استغرقت فى عينيه الرماديتين اللتين أصبحتا فى لون الفضة وقد نسيت العالم من حولهما . وببطء رفعها ووضعها على صهوة المهرة الشابة وامتطى هو جواده وعادا إلى القلعة الأسبانية دون أن يتكلما .
شعرت بأنها قد وصلت لنهاية رحلة طويلة ولكنها لم تكن متعبة بل سعيدة . وجدت فى القلعة الأسبانية . وقد بدت عن بعد محطتها الأخيرة التى كملت كل أحلامها وعذاباتها منذ عام مضى , لكن الآن بدت القلعة لها كبيتها القديم , وقد فتح لهما المستقبل ذراعيه حاملا فى يديه باقة الأمل الجميل .


تمـــتـــــــــــــ بحمد الله

بنيتي بنيه 05-05-09 04:48 PM

شكرااااا لك زونار:rdd12zp1: اسفه على الازعاج

abdonoran 05-05-09 06:06 PM

ياريت علي الاقل طريقتك جميلة ولكن منكتب في صفحات كتير جدا وعند فتحها لا نجد شئ ارجو ان يدوام منتدي ليلاس علي السمات الجميلة لموقعه وعدم التطويل
وياريت تعرفني طريقة الغي بها فتح صفحات الشات التي تفتح وحدها بدون داع

اسماء88 05-05-09 09:10 PM

بارك الله فيك, يعطيك الف عافيه موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

زونار 05-05-09 09:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abdonoran (المشاركة 1946085)
ياريت علي الاقل طريقتك جميلة ولكن منكتب في صفحات كتير جدا وعند فتحها لا نجد شئ ارجو ان يدوام منتدي ليلاس علي السمات الجميلة لموقعه وعدم التطويل
وياريت تعرفني طريقة الغي بها فتح صفحات الشات التي تفتح وحدها بدون داع

عزيزتى مشكورة على مرورك الرائع ولتلغى صفحات الشات باخر الصفحة يوجداختيارات ( افتراضى - تصفح سريع ) اختارى تصفح سريع وما رح تفتح معاكى هذي الصفحات ان شاء الله

زونار 05-05-09 09:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسماء88 (المشاركة 1946238)
بارك الله فيك, يعطيك الف عافيه موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


يسلمو تقبلى تحياتى

zaqwer 14-05-09 10:23 PM

الرواية جميلة لغاية دلوقتى كمليها و شكرا ليكى

زونار 15-05-09 09:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zaqwer (المشاركة 1953454)
الرواية جميلة لغاية دلوقتى كمليها و شكرا ليكى



عزيزتى الرواية كاملة اقرئي الصفحة السابقة وشكرا لمرورك

دموع الشموع السوداء 23-05-09 03:04 AM

شكرا لك زانار جدا
الرواية اكثر من رائعة

deemaah 24-05-09 10:09 AM

:) موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

niso 25-05-09 04:19 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ام دموع 04-06-09 02:34 PM

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

حنين الوطن1 05-06-09 10:33 AM

الف شكر على الرواية

سمراء دلع 15-06-09 01:41 AM

بسم الله الرحمن الرحيم شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

lona-k 15-06-09 03:34 AM

يعطيكي العافية على الرواية الحلوة ويسلمو ايديكي:55::55::55:

:8_4_134::lol:

رومنسية زمانها 16-06-09 10:48 PM

يعطيك العافية مميزة جداااااااااا الله لايهينك على الذوق وننتظر جديدك

rana_rana 09-07-09 01:42 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

LOLO222 12-07-09 07:43 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

بنوته نايس 27-11-09 06:43 PM

روووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه
يسلمو خيتو
وتقبلي خالص تحياتي
لك ودي

زهرة الماس 27-11-09 08:03 PM

يسلمووووووووووووووووووو0000000تحياتي لك

نونا المجنونه 04-12-09 04:35 AM

تسلم ايديك ياقمر

ammy200 04-12-09 10:11 PM

شكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر ا
على الروايه الرائعه
منتظره منك المزيد من الروايات الممتعه

وردة الزيزفون 05-12-09 02:41 AM

تسلم ايدك يالغلا على الرواية الحلوة

قماري طيبة 01-01-10 08:00 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الشجرة الطيبة 18-04-10 08:00 PM

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

سفيرة الاحزان 02-05-10 03:08 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

جوريات111 25-09-10 04:55 PM

شكرااااا لك زونار

الجبل الاخضر 26-09-10 12:49 PM

تســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلم :f63::110:وننتظر جديدك

فجر الكون 26-09-10 04:56 PM

يعطيك العافية ,,,,

ساكنه 10-12-10 10:37 PM

وااااوبجد بجد مررررررة حماااااسشكلها من البداية جنان متشوقة للحداث التالية الف شكر الك ياحلوة منتضرين التكملة يلقلبي ودمتي لي في قلبي سكنة:55::rdd12zp1::party::rdd12tf:

hoob 11-12-10 01:33 PM

شكرا كثيرا بس معرفش ليه مشاركاتك خلصت

ساكنه 11-12-10 04:17 PM

احلا سلالالالا الك والله كثير حلوة تسلم الايادي الحلوة الاعم تكتب وتعد الجميع الف تحية والف شكر من الاعماق بجد اكثرمن روعة ودمتي لي في قلبي سكنة:flowers2::55::55::55::lol:

emanwella 04-01-11 11:38 AM

شكرا ليكي بجد الرواية لذيذة موت

Rehana 04-01-11 09:25 PM

حلوة الرواية .. زونار
يعطيك العافية على النقل

wedad r 27-08-11 03:02 AM

رائعه جدا شكرا لك

ندى ندى 29-09-11 05:04 AM

جميله جدا جدا

زهرة منسية 21-01-13 07:07 AM

رد: 239- لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي (كاملة)
 
شكرا لك أخى زونار على الرواية الجميلة

fadi azar 06-03-14 04:06 PM

رد: 239- لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي (كاملة)
 
رائعة جدا مشكورة عليها

الجبل الاخضر 01-08-14 02:37 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
تسلمي عيوني :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

محمد علي البطاط 27-02-16 01:15 PM

تحيه لكل الموجودين في المنتدى .واشكر جهودهم .لكن ارجو كتابه القصص كامله من دون اقتطاع بعض اجزائها لاتمام متعه القراءه . ولكم الشكر الجزيل

فلورنسيا 23-01-17 12:15 AM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
من الروايات الرائعة شكرااااااااا

doda qr 30-04-17 09:12 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
رووووووووووووووووووووعه

rana2004 05-03-18 07:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زونار (المشاركة 1944058)
الملخص
كان صوتها يبدو عميقا بالنسبة لمن فى مثل نحافتها ، كما ظهرت


فى صوتها لهجة بريطانية لم يكن من الممكن تفاديها بعد أن عملت


لمدة عامين على ظهر يخت يمتلكه ملياردير بريطانى ، وكل طاقمه


من البريطانيين ، أما الآن وقد عادت لوطنها نيوزيلندا فقد حاولت
بإخلاص التخلص من تلك اللهجة . كان عليها أن تعود من حيث
أتت إذا لم تستطع تحديد مكان مزرعة ما قريبة من حيث فقدت
طريقها ، اسمها القلعة الاسبانية ، وقد شعرت مينرفا وهى تائهة
فى سيارتها تحت هذا المطر أن هذه المزرعة ربما تكون فى أسبانيا


فالخمسة أيام الأخيرة كانت آخذة فى الاتجاه شمالا من أوكلاند


وهى تحاول إقناع نفسها أنها فى أجازة .

شكرااأااااا

Faten Salah 21-04-20 01:35 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
رووووووعة مشكورين

Faten Salah 21-04-20 01:36 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
روعة ومشكورين جدا🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩

Faten Salah 21-04-20 01:38 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
جميلة وممتعة جدا شكرا 😍😍😍😍😍😍😍😍

Faten Salah 21-04-20 01:40 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
رائعة جدا مشكوررررررررررين

هتونا 05-01-22 11:41 AM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
روعة أحلا تحية وتقدير للجميع ودمتم في قلبي سكنة

سماري كول 28-05-22 02:13 PM

رد: 239 - لون منتصف الليل ـ روبين دونالد ـ مكتبة مدبولي ( كاملة )
 
يسلموا ع الرواية


الساعة الآن 12:11 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية