منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   358 - لو يتوقف الزمن - صوفي ويستون ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t109578.html)

karamila 26-04-09 03:47 PM

حمستينا وخليتنا نتشوق نقراها يلا ياحلوة لاتتاخرى علينا

زونار 27-04-09 04:44 PM

واو روعة يسلمو يالا كمليها بسرعة:55:

فراولة2008 27-04-09 08:10 PM

الله يعطيك العافية
الرواية من كم فصل؟

جين استين333 28-04-09 02:26 PM

سامحوووووووووووووووووووووووووني على التأخير .........
هادا الفصل التاني ........

جين استين333 28-04-09 02:27 PM

2- هروب إلى الشمس


دخلت جيمينا شقتها حيث الظلام دامس و السكون فألقت بحقيبة ظهرها أرضا قبل أن تغلق الباب خلفها.
نادت ابنة عمها من دون أن تنتظر ردا:" بيبر".
لم يجبها أحد تماما كما توقعت. لقد سافرت إيزي لتدعم حبيبها و تسانده في تدريبه, لكن جيمينا كانت تأمل أن تجد ابنة عمها في المنزل.!!http://www.liilas.com


رفعت حقيبتها إلى كتفها ثم أضاءت النور و دخلت المطبخ.
كان البيت مرتبا نظيفا على غير عادة, فما من زهور على الطاولة وما من رسائل مخربشة على اللوحة تذكرهن بما عليهن فعله. لا بد أن عاملة التنظيف هي آخر من ترك هذا المكان.
أخذت جيمينا تعد لنفسها القهوة, وإن لم تكن ترغب بشدة في احتساء فنجان منها.
خاطبت الكرسي الشاغر:" مرحبا جاي جاي. كيف وجدت باريس؟ كيف حالك؟".
بعدئذ التفت حول الطاولة لتقف في الجهة المقابلة منها:" تعلمين, عمل.. عمل.. عمل.. ومدير أعمالي السابق لا يدعني وشأني, وكأن وظيفته الجديدة تقتصر على مطاردتي. وهو لا يتردد في مضايقتي ليلا نهارا على مدار الأسبوع".
وسط هذا السكون المطبق, أتى تعليقها أبعد ما يكون عن السخرية:" تبا له".
####
رمت بنفسها كرسي المطبخ و أسندت رأسها بيديها. رن الهاتف لكنها تجاهلته. لم تذرف دمعة واحدة منذ شن باسيل عليها هجومه و بدا الآن أنه لا يود طي صفحة الماضي و المضي قدما.
وانطلق المجيب الآلي بصوت إيزي المرح:" لا يسعنا تلقي اتصالك حاليا. تحدث بنبرة لطيفة و قد نعاود الاتصال بك, استعد للصفارة".
كن قد ضحكن كثيرا في تلك الليلة عندما سجلت إيزي هذه الرسالة.
ضغطت جيمينا على زر التشغيل مجددا لتستعيد تلك الذكرى.
ستقترن إيزي بدوم و بيبر بدورها ستتزوج. ماذا عن جيمينا؟
أعادت نفسها إلى أرض الواقع, فهي تكره أن تشعر بالأسى على نفسها, لأن هذا الأمر يشعرها بالوهن و الجبن.
انتصبت واقفة تبحث عن محرمة تجفف بها عينيها اللتين تفيضان دمعا.
عاد الهاتف ليمزق الصمت العميق. علا صوت إيزي الجميل الضاحك ثانية ثم..
سمعت صوتا مألوفا:" أهلا بك في منزلك يا جيمينا".
جمد الدم في عروقها و تسمرت يدها على علبة المحارم. وفجأة, جفت العينان اللتان تبكيان على حالها وأحست بألم يعتصر صدرها. استقامت على مهل ووضعت العلبة في مكانها بدقة متناهية.
شعرت بألم في حنجرتها فابتلعت بريقها وهي تحدق إلى الهاتف لكنها لم تأت بأي حركة.
بدا الصوت ملحا لجوجا:" هيا, ارفعي السماعة. لا تكوني سخيفة. رأيتك تضيئين الأنوار".
هل يسعه رؤيتها؟
كانت نوافذ المطبخ تبعد عنها ثلاثة أقدام. تراجعت و توجهت إلى رواق لا نافذة فيه. وراح الصوت يلاحقها:" ارفعي السماعة يا جيمينا. يجب أن نتحدث. أنت مدينة لي بذلك".
بدا صوته عقلانيا, لكن الموقف برمته ليس عقلانيا. باسيل نفسه لم يعد عقلانيا.
اتكأت إلى الحائط فيما أخذت يداها تتصببان عرقا.
صاح بها غاضبا, ضاربا أخيرا بالمنطق الزائف عرض الحائط:" جعلت منك نجمة, أيتها الساقطة".
أطفأت جيمينا الأنوار.
خطر لها و القلق يتآكلها أنه ينتظر في الخارج. لعله لحق بها. لم تصادفه عندما خرجت من الدور تشيستر. لكنها قلما تنتبه لطيفه يتعقبها.
لم تشعر جيمينا بوطأة هذا الفراغ من قبل. أجالت النظر في ما حولها واتخذت قرارها. لا يسعني البقاء هنا.
لن تتكبد عناء كبيرا لتهرب من هذه الورطة. كانت تحمل في حقيبتها تذكرة سفر إلى نيويورك لن تحتاجها بعد اليوم, فمن فوائد تذاكر الدرجة الأولى أنها قابلة للبدل.
يبقى عليها الخروج من المبنى من دون أن يلحق بها.
فكرت جيمينا بجفاف:" أحتاج إلى حجاب أو إلى خوذة".
خوذة...
كان عامل البيتزا من الحيرة و الارتباك بحيث لم يتردد في إعارتها خوذته و سترته. ركنت الدراجة قبالة الصيدلية و انتظرت فيما كان الشاب يمشي باتجاهها.
-شكرا لك.
-لا داعي للشكر, سررت بمساعدتك.
كانت قد أخبرته أنها تعاني من بعض المشاكل مع حبيبها فلم يشك في قصتها لحظة. ستتصدر هذه الأخبار عناوين الصحف نهاية هذا الأسبوع, لكنها لم تأبه البتة بل طبعت على خده قبلة سريعة بريئة قبل أن تبادره:" أنت بطلي".
أشرق وجهه بابتسامة وفتح لها باب السيارة:" حظا موفقا"
فأجابته جيمينا متأثرة:" شكرا لك, أحتاجه بحق".
هل تغير التذكرة؟ كان الموظف المسؤول عن الحجوزات ودودا جدا.
-بالتأكيد, ما من مشكلة, أين تودين الذهاب؟
أحست لبرهة أن أفكارها تخونها. هزت كتفيها غير مبالية فهي قد جابت العالم بطوله و عرضه. لكنها تبحث الآن عن منفذ لها, يخلصها من هذه الورطة و ليس عن عطلة حقيقية.
اختارت عشوائيا ملصقا أظهر شاطئا تزين رماله أشجار النخيل و بحرا فيروزيا غريبا.
أشارت إلى الملصق:" هناك".
سألها الموظف:" جزر الكاراييب. حسن, أي جزيرة اخترت؟".
خطر لها أن الأمر غير مهم, لكنها لجمت الكلمات قبل أن تصل إلى شفتيها.
وإذا باسم ينبثق من عمق ذاكرتها.
-هل من جزيرة تدعى بنتكوست؟
ما إن نطقت بهذا الاسم حتى شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها, وكأن هذه الرحلة ضرب من ضروب القدر.
استقامت في وقفتها و بادرته:" هل تؤمنون الرحلات إلى هذه الجزيرة؟".
أنارت ابتسامة وجه الموظف:" يسعنا إيصالك إليها عن طريق باربادوس. أترغبين في السفر في الدرجة الأولى؟".
لن يعرف مخلوق في العالم وجهة سفرها, و لا حتى باسيل. كما لن يستطيع الآن رشوة أحد لمراقبتها أو إرغام أحد رجاله على التجسس عليها.
وقفت جيمينا أمام مرآة الحمام في قاعة الانتظار تمعن النظر في نفسها كما اعتاد باسيل أن يفعل دوما.
تملكها ارتياح عارم لا بل نشوة دامت طوال الليل لتستمر خلال فترة الانتظار المملة في مطار باربادوس و خلال الرحلة إلى الجزيرة لا بل حتى وطأت قدماها جزيرة بنتكوست.
كان المطار عصريا إنما ضيقا, و لم تكن جيمينا قد رأت مثيلا له. ما إن مرت بمكتب الأمن العام, حتى طالعها ممر بسيط و كشك صغير.
راحت تجيل النظر في ما حولها, مدهوشة.
قالت:" مطار مدينة الدمى".
كان كشك القهوة يعرض متفاخرا إبريقا من القهوة الساخنة و قطعا شهية من الكعك المحلى, وتديره امرأة ودودة ترحب بالزبائن.
أقرت الموظفة:" أصبت, لسنا بمؤسسة ضخمة".
تفاجأت جيمينا و احمرت وجنتاها خجلا. ينبغي أن تكف عن التفكير بصوت عال.
-آه, آسفة.. لم أعن...
إلا أن المرأة لم تبد غاضبة البتة, حين قالت:" ندير مؤسسة صغيرة نفتخر بها".
وقدمت لجيمينا قطعة كبيرة من الخبز و الابتسامة لا تفارق ثغرها.
أخذت جيمينا تلتهم بفرح قطعة الخبز الساخن الذي فاحت منه رائحة التوابل الشهية.
######
ثم قالت:" أعتقد أنني اعتدت المطارات التجارية. هل من مكتب سياحي في الجوار؟".
هزت المرأة رأسها بهدوء.
-لا حاجة لمكتب كهذا هنا. فالسواح يستلمون برنامج الرحلة قبل أن يصلوا بنتكوست.
رمقت موظفة الكشك الودودة جيمينا بنظرة ثاقبة متفرسة. كانت تلك الأخيرة تدرك تماما ما تراه عينا المرأة سيما وأن هيأتها لم تكن بالمؤثرة...
لقد احتاجت لسروال جينز لتلعب دور عامل البيتزا, لكن السروال أمسى في حالة مزرية بعد الرحلة. أما قميصها فيبدو مبتذلا, كما أن وجهها الشاحب تظهر عليه إمارات التعب و السهر و يحيط به شعر مشدود في ضفيرتين. كانت الطائرات السياحية البسيطة في هذه الجزيرة تشحن الحقائب كلها من دون أن تصنفها بحسب الدرجات, إلا أن رقعة التعريف الذهبية و الفضية على حقيبتها فضحت أمرها, إذ كانت تعلن للملأ: درجة أولى.
أمعنت السيدة النظر فيها ثم أومأت برأسها قائلة:"أقصدي فندق القرصان".
تبعت جيمينا بنظرها عيني الموظفة التين تتفرسان بالرقعة:" حقا؟".
أشارت السيدة بيدها إلى إحدى الصور الملصقة على لوحة الإعلانات الوحيدة حيث وقعت عينا جيمينا على صورة: بحر فيروزي, أشجار النخيل, أمواج متكسرة بيضاء مزبدة.
كانت هذه الصورة بمثابة الحلقة الأخيرة التي أكملت الأحجية.
وتذكرت جيمينا أين سمعت بجزيرة بنتكوست للمرة الأولى: صديق آبي, السيد ن الغامض الذي أرسل لها البطاقة البريدية, والذي لا يهدد زواجها لأنه عرفها منذ كانت تضع مقوما لأسنانها.
كازينو القرصان ليس بالمكان المناسب للعطلة التي تنشدها.
توجهت جيمينا إلى الصورة لتنظر إليها عن كثب.
أبنية فخمة, حدائق, بحر فيروزي, مطبخ عالمي, فرص الفوز بثروة.
قرأت جيمينا الإعلان:" كل ما تحتاجه في مجمع واحد".
كانت لتدفع مبالغ طائلة لتتجنب فندقا كهذا. عادت إلى موظفة الكشك, وقالت :" أتمنى البقاء في البلدة لأتعرف عن كثب على الحياة المحلية".
وسألتها جيمينا بلباقة:" أمن الصعب إيجاد غرفة؟".
أومأت المرأة برأسها إيجابا:" إن الغرف كلها محجوزة في هذا الوقت من السنة".
اعتصر الحزن قلب جيمينا.
-تحدثي إلى السيد درنجر في فندق القرصان, سيتدبر لك غرفة في هذا الفندق الكبير التابع للكازينو.
ابتسمت جيمينا ساخرة. كازينو! هو آخر مكان تخيلت نفسها تلجأ إليه للهرب من الأضواء.
-لم أكن أفكر بالتحديد في الكازينو.
اقترب شاب يجر عربة تنقل بعض المواد الطبية وثب الفرامل ثم اسند ذراعه إلى الصناديق.
خاطبها الموظف:" أعرف مكانا في المدينة يسعك النزول فيه".
قاطعته بائعة القهوة بنبرة متعالية فيما عادت عيناها لتتفرسا الملصق الفضي والذهبي:" إنه يليق بالأطفال المشردين, وليس بسيدة شابة ".
-حسنا, لعلك محقة إلا أن للضرورة أحكام.
لم تعره السيدة انتباهها, بل راحت تنظر من فوق كتف جيمينا ثم ابتسمت ابتسامة عريضة أنارت محياها.
-كم أنت محظوظة! لقد أتى من يساعدك. مرحبا, نايل.
على خلفها صوت رجل يتحدث بلكنة انكليزية واضحة!
-مرحبا فيوليت. كيف الحال؟
" إنه انكليزي. باسيل؟". واستدارت على عقبيها فيما راحت دقات قلبها تتسارع حتى شعرت أنها ستنهار.
وضعت حقيبتها جانبا وكأنها تستعد للانقضاض على فريستها. تراجعت خطوة واستدارت قليلا, ثم استجمعت قواها لتصدي أي هجوم.
إلا أنها لم تر باسيل, بل رجل لم تقع عيناها عليه من قبل. فلو رأته قبلا لما نسيته.
كان ممشوق القامة, وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة واهنة. لم يكن يرتدي سوى سروال قطني قصير وينتعل صندلا حقيرا. وقد لوحت الشمس بشرته فمنحتها سمرة يحسدها عليها عارضو الأزياء.
لم تستوقفها هذه السمرة المذهلة أو حتى هذه الملابس الفاضحة, بل تسمرت عيناها على وجهه بالتحديد.
يصعب نسيان هذا الوجه و إن لم تكن ملامحه فاتنة.
كان أنفه معقوفا إلى حد ما, وخداه عاليين متعجرفين, وملامحه تنضح قوة وذكاء حادا. إنه بالفعل وجه يصعب نسيانه.
-مرحبا. يا إلهي هل تعانين من عذاب الضمير.
فاجأها هذا الغريب بسؤاله, فحدقت جيمينا إليه بارتباك.
-ماذا؟
أردف المتعجرف ساخرا:" تبدين كمن يخشى أن تعتقله الشرطة. ضعي حقيبتك جانبا. أنظري.. لا أحمل أصفادا".
خجلت جيمينا من نفسها وشعرت بأنها غبية.
فوضعت حقيبتها جانبا, غاضبة من هذا الموقف برمته.
شعرت أنها مأخوذة به, فهو أقرب إلى أمير من عصر النهضة يتحكم بمصير حاشيته.!!http://www.liilas.com


في الواقع, لم تكن لتنسى وجها تجمع ملامحه مزيجا من كل شيء, هذا ما خطر لجيمينا في محاولة منها لتهدئ من روعها.
لكن فيوليت لم تتأثر بهذا السحر الرجولي بل تابعت:" نحن بخير. غير أن هذه السيدة ترجلت لتوها من الطائرة و ليس لديها مكان تبيت فيه. اصحبها إلى فندق آل".
تكلمت بنبرة هادئة فيما راحت تربت على كتف جيمينا و كأنها مسؤولة عنها.
كانت جيمينا قد هدأت إلى حد ما, إنما خيل لها أن فيوليت ترسلها إلى سوق العبيد.
رددت جيمينا:" فندق آل".
رماها أمير النهضة بنظرة تهكمية احمرت لها وجنتاها خجلا.
تبا لهذا الرجل, أيستطيع قراءة أفكاري؟
أجابتها فيوليت بنبرة هادئة غير مبالية:" إنه نزل محلي".
و توجهت إلى السيد المتعجرف مصممة على إقناعه:" ستأخذها معك, أليس كذلك؟".
بدا جليا أنه لا يود ذلك, فقد زم فمه وقال:" أنت امرأة مدبرة, فيوليت".
ولم يوجه أي كلمة لجيمينا.
استجمعت جيمينا قواها, إنه ليس باسيل وهي لا تخشى هذا الرجل الواقف أمامها.
أجابته بنبرة جافة وهي تحاول تلافي عينيه:" لا حاجة لذلك, لقد أتيت على غفلة من دون استعداد. من الواضح أنها لم تكن بالفكرة السديدة. سأنتظر هنا و أستقل الرحلة التالية".
رد الانكليزي بهدوء أعصاب ممل:" لا يسعك ذلك. فالرحلة التالية تقلع في الغد".
فما كان من جيمينا إلا أن استشاطت غضبا وراحت تلعن في سرها مدينة الدمى هذه. لكنها ردت بمرح:"حسنا, سأجد غرفة في البلدة و أحجزها لهذه الليلة".
-يا لحظك العاثر! لن تجدي غرفة واحدة في الفنادق الثلاثة في هذه البلدة, كان عليك الحجز قبل الآن.
والتقت نظراتها بنظراته اللامبالية.
راحت جيمينا تردد في نفسها أنها ليست مغرورة و لا تتوقع من رجال المعمورة أن يستسلموا لسحرها. لقد مضى وقت طويل منذ أن رمقها أحدهم بنظرة باردة. هي جيمينا دار؟ و شعرت بقشعريرة تسري في جسدها.
لن أخشى رجلا بعد اليوم!
كانت تحتاج إلى هذه و التشجيع. رفعت رأسها و أجابته بنبرة ودودة:" إذا لن أضيع وقتي. سأمضي الليلة هنا".
-في المطار؟
حتى السيد غير مبال بدا مندهشا.
-أصبت.
-تبدين معتادة على ذلك, أليس كذلك؟
في الواقع, لم تتجرأ على ذلك يوما. غير أن شقيقتها إيزي كانت مغامرة متمرسة, وقد اعتادت سماع قصصها حول مغامراتها المرتجلة المثيرة. كما أن النوم في مطار نظيف و هادئ ليس بالمهمة الشاقة حتى بالنسبة لعارضة أزياء مدللة, كما فكرت جيمينا في نفسها على مضض.
أمالت برأسها و أجابته:" هل من مشكلة؟".
هز كتفيه استهجانا:" ليس في ما يختص بي شخصيا. إنما قانون الجزيرة صارم جدا في ما يتعلق بحالات التشرد. ستنتهين على الأرجح في السجن".
بذلت جيمينا ما في وسعها لتحافظ على رباطة جأشها, إلا أن قناع اللطف سقط. و سألته بنبرة لطيفة:" ستحل بهذه الطريقة مشكلتي, ألست محقة؟".
هذه المرة, لم تكن نظرته إليها باردة أو غير مبالية, بل حارة.
-حسنا, لقد أقنعتني. من الواضح أنك لا ترغبين في الذهاب إلى فندق آل. إنما لا أظن أنك تملكين الخيار بالنسبة لهذه الليلة على الأقل. أخبريها يا فيوليت.
أومأت بائعة القهوة برأسها بنشاط, وقالت:" ثقي بهذا الرجل".
-إذا, ليس أمامنا خيار آخر. سأقلك إلى فندق القرصان حيث سيؤمن لك آل غرفة تقضين فيها الليلة. في الغد تستقلين سيارة أجرة إلى المطار و تعودين إلى ديارك على متن أول رحلة, ما رأيك؟
لم يكن بيد جيمينا حيلة.
-حسنا, اتفقنا.
لمعت عيناه وقال بنبرة جافة أقرب إلى التوبيخ:" لا داعي لأن تبالغي في شكري".
أجابته على مضض:" شكرا لك".
تابع وقد صرف انتباهه عنها:" هل رأيت يا فيوليت...؟".
في هذه الأثناء, فتحت البوابات ودخل منها رجل أسود طويل القامة, يرتدي بزة بيضاء مروعة. تقدم نحوهما وابتسامة عريضة تنير وجهه:" مرحبا يا نايل, لقد احتال عليك آل لتنقل له هذه البضاعة, أليس كذلك؟ ننتظره عند البوابة. أجلبت الشاحنة؟".
هز نايل رأسه:" الرانج روفر".
-حسنا, أجلب السيارة, فعلينا نقل الكثير من البضائع.
سأل نايل جيمينا:" أين وضعت أمتعتك؟".
أشارت إلى الحقيبة الموضوعة أمام كشك القهوة.
-أهذا كل شيء؟
تقوس حاجبا نايل تعجبا, فيما أجابته بنبرة جافة:" نعم".
-أتسافرين من دون أمتعة؟
-وما عساي أحتاج لعطلة في جزر الكاراييب؟
لم تشأ التفكير في أن الملابس التي أحضرتها معها تصلح لشتاء أوروبا القاسي. كانت تنوي شراء ثوب سباحة و بضعة سراويل قصيرة من المطار, لكنها لم ترغب في أن تقر للسيد متعجرف بخطئها هذا.
-ما تحتاجينه هو غرفة في فندق. أم أنك اعتدت النوم حيثما اتفق؟
كادت جيمينا تصحح له الفكرة التي كونها عنها لكنها لجمت نفسها, فقد وجدت لنفسها حجة غياب مثالية. وإذا ما نجح باسيل باللحاق بها إلى البنتكوست, فيستحسن أن يظنها الجميع طالبة تجوب العالم. وإن حاول باسيل البحث عن عارضة أزياء عالمية فلن يجدها في البنتكوست! مستحيل!
ما كان منها إلا أن أمالت رأسها إلى الخلف لتقرا في عينيه نظرة استخفاف.
-أذهب إلى حيث تحملني الريح, أيقلقك ذلك؟
بدت عيناه لبرهة قاتمتين وكأنه أمير أهانه مواطن من العامة. لكنه استعاد إحساسه بالمكان و الزمان, فانفجر ضاحكا.
-أنت تجيدين فعلا إغاظة الرجال, أليس كذلك؟ لا علاقة لي بطريقة حياتك, والحمد الله. هيا أيتها المسافرة الجامحة, فلنجد لك غرفة قبل أن أشرع في تحميل البضاعة.
بعدئذ, سحب الحقيبة وحملها على كتفه بخفة ورفع يده صوب كشك القهوة.
-إلى اللقاء يا فيوليت.
خاطبت فيوليت جيمينا قبل أن تودع نايل:" سيعجبك فندق القرصان استمتعي بإقامتك فيه".
قطع الرجلان القاعة بخطوات واسعة وخرجا من البوابة الرئيسية وهما يتجاذبان أطراف الحديث, وقد صرفا اهتمامهما عن جيمينا التي تبعتهما رغما عنها.
ما إن خرجت جيمينا من قاعة المطار المكيفة حتى لفحها هواء ساخن, واستنشقت رائحة وقود الطائرات. تسمرت في مكانها وهي تكاد تتقيأ, فتوقف المدعو نايل بدوره ليرميها بنظرة خاطفة.
-هل أنت بخير؟
-نعم.
كانت بخير حقا. فبعد مطر لندن و بردها, أحست جيمينا بالحرارة تلفها و تنفذ إلى عمق أعماقها.
أخذت نفسا عميقا و لحقت به فيما توجه الرجل الذي يرتدي الزي الأبيض إلى بوابة فولاذية عالية.
فتح نايل باب سيارة الرانج روفر و وضع الحقيبة على مقعد الراكب.
-ستضرين لإسناد قدميك عليها فالمقعد الخلفي محجوز للفافات ورق اللعب وأكياس القهوة.
سوى المقاعد الخلفية وبسطها فيما صعدت جيمينا إلى السيارة. اتجه إلى مقعد السائق و انطلق ما أن فتحت البوابة. لاحظت جيمينا أنه يقود بمهارة لم تتوقعها من شخص غير مبال مثله. وركن السيارة بدقة قرب الصناديق.
-أنت سائق ماهر فعلا, أليس كذلك؟
لم تستطع جيمينا كبح هذا السؤال. فأجابها بسخرية:" بين الفرار من الشرطة, وتوصيل الركاب تعلمت".
-أيسعني مساعدتك؟
عرضت عليه خدماتها بعد أن ألقت نظرة على البضائع المتراكمة خلفها.
-أتريدين تحميل البضاعة؟ شكرا لك. سأنتهي منها بسرعة إن تدبرت أمرها بمفردي. إنما أشكرك.
ثم ابتسم لها ابتسامة عريضة.
يبدو جذابا جدا عندما يبتسم.
ترجل من السيارة, فشعرت جيمينا بالدم يتدفق إلى وجنتيها مجددا. أنبت نفسها لهذا الاضطراب وراحت تراقبه يحمل البضائع بسرعة. إنه ماهر بالفعل وسيجز مهمته أسرع مما لو قدمت له العون.
قطبت جبينها. كيف عساه يجمع بين الرجل اللاهي, شبه العاري و السائق الدقيق الذي يجيد تحميل البضائع بطريقة عملية؟
ضحكت لهذه الأفكار السخيفة. ليس بالضرورة أن يخفي الناس حقيقتهم إن كانت هي نفسها تهرب من باسيل.
يبدو واضحا أنه يتحلى بقوة كبيرة, هذا ما خطر لجيمينا فيما كانت تمعن النظر في عضلات ذراعيه.
يا لهذه الأفكار السخيفة لا سيما وقد قطعت وعدا على نفسها بألا تخشى رجلا في حياتها. يجدر بها أن تضع حدا لأحلام اليقظة التي تراودها حول هذه القوة المذهلة وأن تركز على اسم تختاره لنفسها. إذا قررت أن تضع جيمينا دار, عارضة الأزياء العالمية في علبتها لأسبوع, فحري بها أن تجد اسما آخر بسرعة.
-عليك أن تطلعيني على اسمك, أدعى نايل.
كانا يقطعان طريقا عبدت مؤخرا عندما فاجأها بسؤاله.
-هذا ما استنتجته.
أجابته جيمينا بنبرة جافة قبل أن تكمل بسرعة:" جاي جاي كوبر".
كانت لتنجح في أي اختبار لكشف الكذب. إن كوبر شهرة والدتها و جاي جاي الاسم الذي تدللها به عائلتها.
-أهلا بك في البنتكوست يا جاي جاي. هل تترددين إلى هنا غالبا؟
تذكرت جيمينا المرة الأخيرة التي قصدت فيها جزر الكاراييب في تشرين الثاني الماضي في جلسة تصوير لحساب شركة بليندا. كانت قد أحضرت معها الكثير من الحقائب ولم تخرج من جناحها إلا و قد صففت شعرها و تبرجت.
كبحت ابتسامة كادت ترتسم على ثغرها قبل أن تجيبه بمرح:" من وقت إلى آخر".
-للعمل أم للاسترخاء.
-أتيت هذه المرة للاسترخاء.
-كيف تمضين وقتك عندما لا تتنقلين من بلد لآخر؟
لم تكن جيمينا مستعدة للإجابة عن ها السؤال.
-ما من شيء مهم. القليل من كل شيء.
رماها بنظرة تجمع بين السخرية و الريبة في آن:" ماذا تقصدين بكل شيء؟".
أجابته بصدق:" عملت فترة كنادلة...".
في الواقع, لقد عملت كنادلة حين كانت تلميذة.
لم يرضه هذا الجواب وانتظر المزيد, فراحت تستعرض المغامرات التي روتها لها إيزي:" عملت أيضا في سفن سياحية, وطبعت على الآلة الكاتبة, وشغلت وظائف مختلفة لأسدد براتبها الإيجار".
-تقصدين لتؤمني مصاريف سفرك المستمر؟
-أعتقد ذلك.
قال وهو يومئ برأسه:" أنا أيضا".
-ماذا؟
بدت نظارته مختلفة. كانت أعمق وأبلغ وكأنه يأخذها أخيرا على محمل الجد من دون أن يمنحها ثقته بالكامل. تململت جيمينا في جلستها وقد أحست فجأة بانزعاج, لم تكن لتشعر به حتى وإن لمسها.
اكتفى بالقول:" أنا عامل يحب التنقل أيضا".
أحست جيمينا بالنار تتأجج في داخلها عند سماعها كلمة أيضا لكنها سرعان ما تذكرت أنها أرادت منه أن يكون هذه الفكرة عنها. لم تكن تأبه البتة برأي متبطل يصرف نهاره في التسكع على الشاطئ, أليس كذلك؟
كانت لا تزال تفكر بهذا عندما بادرها بسؤال آخر:" لقد جبت العالم لأكثر من خمسة عشر عاما. لعلنا قصدنا الأمكنة ذاتها".
ركزت جيمينا انتباهها, وأجابته بصوت أجش:" نعم, على الأرجح".
-يجدر بنا مقارنة قصصنا و مغامراتنا.
-أأأ, أجل.
-الليلة؟ سنتناول العشاء في الفندق ذاته. لم لا نتقابل في الملهى لنأكل سويا؟
-عظيم.
تفاجأت جيمينا كيف لم ينتبه لحماستها المبالغ فيها.
وأكمل بمرح:" فلنعتبره موعدا".
كانت جيمينا على وشك الصراخ. كم هذا مذل! لم يمر على وصولها إلى جزيرة الدمى سوى بضع ساعات وها هي الآن تخطئ بتحديد موعد لا ترغب فيه مع رجل لا تستلطفه, رجل أشبه بحاكم من عصر النهضة ذي نظرة قاسية متفحصة لا يتقبل أن يكذب عليه.
فكرت جيمينا في سرها وهي تتأجج غضبا:" ستكون مهمتي شاقة هذه الليلة".
راحت تحدق أمامها إلى الطريق التي تلمع في قيظ النهار وقطعت وعدا على نفسها بأن تمسك في اليوم التالي بزمام الأمور بشكل أفضل.
-أتناسبك الساعة السابعة؟
أخذت جيمينا نفسا عميقا.
مثلي يا جيمينا, أوليس التصنع من اختصاص عارضات الأزياء؟ أنت تبلين حسنا في التمثيل. أوليس هذا ما قاله لك فرانسيس هال سميث بالأمس؟
رماها ثانية بتلك النظرات العميقة التي هزت كيانها فشعرت بوخز خفيف في أنحاء جسدها كله. كانت تشعر به يستجدي نظرة منها, وأيقنت أنه لن يسهل عليها مقاومته.
ابتلعت بريقها وأجابته:" أتطلع إلى هذا اللقاء".
أنارت وجهه ابتسامه أدركت جيمينا أنها غامضة حتى وإن لم تكن تنظر إليه, فشعرت بحرارة تسري في جسدها كله وليس وجهها فحسب.
وأجابها بنبرة عذبة:" ليس بقدري".!!http://www.liilas.com




^^^^^^^^^^^^


الساعة الآن 11:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية