منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   108 - اثنان على الطريق - مارغريت واى - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t108862.html)

زونار 09-04-09 09:14 PM

108 - اثنان على الطريق - مارغريت واى - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
الملخص







( أنا لست سلعة للبيع ) هكذا أجابت الشابة بروك المليونير بول


كوريللي الذى عرض عليها الزواج انقاذا لأوضاع عائلتها المالية



المتدهورة . إلا أن أمها ليليان جن جنونها حين علمت برفضها



الزواج من أغنى أغنياء استراليا الذى يحمل مفتاح الحل بالنسبة


إلى مشاكل العائلة الاقتصادية .


قالت بروك لأمها : ( انى لا احبه فكيف أتزوجه ؟ ) قال بول


لبروك : ( تزوجينى وستقعين فيما بعد فى الحب ) وردت بروك


( كيف احب الرجل الذى اشتراني ) ولكن بول عرف كيف يصل


إلى هدفه مستعملا مختلف الوسائل والطرق المؤدية إلى قلب


بروك . اراد ترويض الهرة الشرسة . بروك لم ترم اسلحتها برغم


العذاب الذى عانته . واستمر الصراع بينهما على أشده إلى ان


حدثت الصدمة وانكشفت أمام بروك حقائق مذهلة كانت تجهلها عن


الحياة والحب والزواج .

منتديات ليلاس


ما رايكم بالملخص باشوف الردود وانزلها

روح الطفولة 09-04-09 09:32 PM


من الملخص مبين انها حلوة ننتظرك على احر من الجمر وسلكت اناملك مقدما

zoubaida 09-04-09 09:38 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهktir hilwa yarit tkamilha موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

زونار 09-04-09 09:57 PM

المال يتزوج المال
منتديات ليلاس

كعادتها دائما . اصمت بروك أذنيها عن كلام امها . لكن لويز ظلت منتصبة تنظر بعينين باردتين قاسيتين , فى حين راحت الأم تواصل حديثا كان قد بدأ قبل لحظات :
" ... ان أيا منكما لا تعطينى اى اعتبار . فمهما كان , أنا أمكما التى ربتكما . ومن واجبى أن أنصحكما واوجهكما ... آه لو أن الأمور تعود كما كانت فى الماضى . " ثم التفتت الى لويز قائلة : " انت الأكبر يا لويز , وانت جميلة العائلة . لذلك من واجبك أن تتزوجى باتريك فهو رجل طيب ...وثري جدا ايضا . "

انفجرت لويز منتحبة :
" كفى يا امى "

تدخلت بروك قائلة :
" ولماذا ليس كوريللى . ففى الأزمات يتجرأ الانسان على التحرش بالأسد النائم " .

ردت لويز بمرارة :
" انت مجنونة . لن استطيع التعامل معه ابدا " .

حدقت عينا بروك الخضراوان بوجه شقيقتها الناصع البياض وقالت :
" لعله من الأفضل أن تبدأى التعلم فورا . قد لا يكون هو الرجل الظريف اللطيف الذى تريده أمى من اجل ابنتها ’, لكن ثروته الكبيرة تشكل عامل جذب هاما . وعندها لن اضطر انا للعمل , ولن نضطر لبيع بيتنا وينترسويت أليس هذا هو الواقع كله يا أمى ؟ " .

صاحت السيدة ليليان هويل بحماس :
" افضل ان ابيع ملابسى قبل بيع البيت " .

افتعلت بروك ضحكة ساخرة وقالت :
" يا إلهى . ليس هناك أسوأ من هذا الوضع " .

قالت ليليان بانفعال :
" الأمور ستكون أسوأ بكثير اذا لم تتزوج احداكما الثروة الراهنة . رباه , لماذا مات بوب وتركنى فى هذه الورطة ؟ ارملة مع ابنتين عاجزتين ؟ لماذا لم انجب ابنا ذكرا يواصل رعاية أمور العائلة ؟ على الأقل امنت لكما العلم والحياة الاجتماعية اللائقة " .

ردت بروك بلا مبالاة :
" لويز هى التى قامت بذلك " .

" هذه اخبار جديدة بالنسبة لى يا آنسة . انت تغارين منى لانك لا تملكين الجمال الذى املكه " .

" اننى لأشعر بالخجل منكما . كل جهودى وتضحياتى غير المحدودة ذهبت هباء " .

تدخلت لويز بلطف :
" يجب ألا تفقدى الأمل يا امى ؟ ".

سألتها بروك بجفاء واضح :
" من الأفضل أن تراقبى نفسك أنت ايضا . فأنا اسير نحو الثلاثين بسرعة " .

ردت لويز باستنكار :
" انك فى الرابعة والعشرين ... وأنا اكبرمنك بسنتين فقط " .

" يا لحسن حظك , اذ ان لك الفرصة الأولى للزواج من كوريللي " .

اجابت لويز بتواضع التى تعرف انها جميلة جدا :
" لا يمكن ان يكون مهتما بى شخصيا " .

" الجميع يقولون انه مهتم " .

نهرت ليليان ابنتها الصغرى قائلة :
" سيكون غبيا اذا لم يهتم بها , فهو لن يجد اجمل واطيب وافضل من لويز " .
عادت بروك للحديث وهى تدرك تماما ما جرته على نفسها :
" انا هنا ايضا يا امى " .

حدقت الأم بابنتها الصغرى مطولا ثم استدارت فى مقعدها لتواجه ابنتها المفضلة . فلقد كانت لويز الاثيرة عندها , اذ انها نسخة طبق الأصل عنها عندما كانت فى مثل عمرها . ذهبية الشعر . زرقاء العينين , وفاتنة للغاية . قالت الأم :
" ليس من الطبيعى أن تبلغ فتاة ما مثل سنك . دون ان تطلب للزواج " .

" لكن يجب ان احب أولا يا أمى " .

نهرتها ليليان بعنف :
" ما هذا الكلام السخيف . انه مجرد كلام نظرى . اننى صاحبة خبرة واعرف اكثر منك . يجب ان يكون زوج المستقبل ثريا , والحب ياتى فيما بعد " .

" وماذا لو اضطررت للانتظار فترة طويلة ؟ "

ردت ليليان على ابنتها الصغرى بعنف :
" على الأقل يجب ان نظل فى الاطار المعقول . ففى الأيام الخوالى ., ما كان حتى لنعتبر وجود السيد كوريللى , لكن يظهر اننا مضطرات لاخذه بعين الاعتبار الآن " .

ترددت للحظات وهى تتأمل الماسة التى تزين اصبعها ثم تابعت تقول :
" اننى لست ضد السيد كوريللى . صحيح انه واحد منا . لكن يجب الاعتراف بانه شخص مميز نظرا للثروة الطائلة التى جمعها وهو بعد فى الثلاثين من العمر . ومن المؤسف انك ما زلت جاهلة يا بروك , واستغرب كيف انك نضجت بدون ان تتغير فيك الطفلة المشاكسة التى اعرفها تماما " .

اعترضت لويز قائلة :
" هذا غير صحيح يا امى . اذ ان نيجل نفسه يعترف بأنها جذابة جدا " .

ردت ليليان بحزم :
" انه جاهل جدا . فمن الذى يبحث عن الجاذبية فقط ؟ ان بروك لا تظهر ابدا اذا ما كانت معك ... فانت تملكين وجها ملائكيا محببا " .

واصلت لويز حديثها غير عابئة بكلام امها :
" انا احتاج اذن الى بعض مواصفات بروك . ولا اريدك ان تطلبى منى تشجيع بول كوريللى للتقرب إلى . فقد قبلت المسألة من كافة وجوهها ,. ولا اعتقد اننى قادرة على التعامل معه . فهو رجل خطير , خاصة فى الأمور العاطفية " .

تدخلت بروك بهدوء :
" هناك العشرات من الفتيات المستعدات للحلول مكانك " .

ابتسمت لويز بنعومة وقالت :
" لا شك عندى فى ذلك " .

اكتفت بروك باطلاق ضحكة مجلجلة ردا على ملاحظة شقيقتها ., الأمر الذى ازعج أمها فقالت :
" لا اتصور انك قادرة على اخذ الاموربجدية اكثر يا بروك , مع انك تملكين مواصفات مميزة " .

قالت بروك بلهجة تحد :
" هل استطيع ان اعرف هذه المميزات ؟ "

اجابتها ليليان بهدوء :
" الحقيقة ان اهتمامى كله منصب حول لويز , ولن اعطيك فرصة الهائى عن ذلك " .

ثم التفتت الى لويز قائلة :
" اخبرينى يا عزيزتى , هل دعوت السيد كوريللى الى حفلتنا " .

وعلى حين غرة تحولت لويز من انسانة لطيفة الى انسانة متوترة وقالت :
" اتصلت به هاتفيا ,. وقد يضطر للاعتذار اذا اخذته اشغاله خارج المدينة فى ذلك الوقت ".

همهمت بروك بصوت خافت :
" هكذا اذن ؟ يا له من رجل صعب . مجرد ثرى لا يفهم شيئا .. وفى الوقت نفسه ناعم بطريقة غريبة ويتكلم كلاما هادئا محببا . اعتقد انه شاب ظريف ومميز ... ومن الممكن ان تكون له علاقة بعصابات المافيا " .

ردت لويز باستنكار شديد :
" لا أبدا " .

شعرت الام ببعض الأمل لاستنكار ابنتها وقالت :
" هل انت منجذبة اليه بهذا الشكل ؟ "
ردت لويز بابتسامة شاحبة :
" إنه رجل جذاب جدا ، وليس وسيما على ما أعتقد ،لكنه فاتن وساحر .... "

قالت بروك وهى ترتشف آخر قطرة من فنجان القهوة :
" اعتقادك صحيح ،وهو يعرف مميزاته هذه . هل عندك فكرة عن كيفية حصوله على ثروته ؟ " .

فتحت لويز عينيها باستغراب :
" من شركة المقاولات التى يملكها ... وأظن أنه يملك مجموعة من الفنادق "

غطت بروك يدها بفمها وهى تضحك بسخرية ،ثم قالت :
" هكذا إذن . لا شك أن البحث المحموم عن الدولار انتهى ليحل محله البحث المحموم عن العروس . هل تريدين سماع ما تقوله كاثى بنتون عنه ؟ " .

" لا أريد سماع أى شئ . فلقد كان لطيفا معها بما فيه الكفاية ليصطحبها فى بعض النزهات " .

حدقت بروك فى وجه شقيقتها قائلة :
" ليس هذا ما سمعته : لقد زارته حتى فى يخته الرائع " .

نظرت ليليان إلى ابنتها الصغرى باشمئزاز وقالت :
" لا أعتقد أنك مهتمة به شخصيا يا آنسة ، أليس كذلك ؟ "

" إننى أحب صراحتك يا أمى ، لكننى لست من الفتيات العاجزات "

" ما هذا الكلام غير المعقول ؟ "

قالت بروك بجدية واضحة :
" لست أدرى . فالواحدة منا تدرك بمجرد النظر إليه أنه قادر على أن يرى نجوم الظهر لأية امرأة " .

ردت لويز :
" انه لطيف دائما معى شخصيا " .

ضحكت بروك وهى تمطط ذراعيها وقدميها :
" الأمر مختل هنا .دعونا ننظر إلى الإيجابيات . فعلى الرغم من ماضيه الفقير فانه الآن ثرى كبير ومؤثر " .

وافقت لويز قائلة :
" انه كذلك فعلا .وأعتقد فى بعض الأحيان أنه يعرف أكثر مما تعرفه عائلة باتريك مجتمعة " .

قاطعت بروك شقيقتها قائلة :
" لا جدال فى ذلك . فعائلة كوريلى من أصل عريق ..... ولها قصة طويلة " .

تدخلت ليليان فى الحديث :
" لا يستطيع أحد أن يسأله عن هذه القصة " .

وافقت بروك قائلة :
" من الغباء سؤاله .فرجل فى مثل نجاحه وثروته لن يكون غفورا وسهلا .ما يحتاج إليه فى هذه المرحلة الجو الاجتماعى الراقى الذى يعطيه وريثا . أنا مجرد فتاة عاملة لا أصلح لذلك . لكن لويز تصلح . وبالإضافة إلى ذلك هناك البيت والأراضى المحلقة به . هذا ما يطمح إليه ، وقد تكون المدخل الذى يعبر بواسطته إلى المجتمع الراقى "

" إنه يستطيع شراء البيت إذا أراد"

ردت بروك بحزم :
" كلا . فهو يحتاج إلى رمز رومنطيقى . والرمز هو أنت أيتها العزيزة لويز ... والبيت أيضا . أنت قادرة على القيام بدور ربة البيت بامتياز ، وبقليل من المال الذى سيضعه فى يديك ، نستطيع نحن أن نتبجح إلى حد بعيد . ولا شك أنه سيكون كريما مع أمك وشقيقتك الصغرى ،وستعود الأمور إلى ما كانت عليه أيام جدى .... والحقيقة أننى انتظر الساعة التى تتزوجينه فيها "

صاحت لويز منتحبة :
" لعله لا يريدنى "

قالت الأم وهى تحاول اعادة الثقة إلى ابنتها المفضلة :
" انه يريدك أنت . فأنت تعرفين مقدار جمالك وسحرك "

قاطعتها بروك بحدة :
" ليس اذا استمريت فى التركيز على جمالها .أنا استغرب كيف اننى لم أصب بعقدة نقص من جراء مدحك لجمالها على حسابى طيلة هذه السنوات "

اشارت لويز إلى شقيقتها بابتسامة ذات مغزى :
" كنت دائما الأذكى بيننا "

احتجت ليليان قائلة :
" وما علاقة الذكاء بموضوعنا ؟ اياك أن تظنى ان الرجل يرغب المرأة الذكية ... خاصة المرأة ذات الشعر الأحمر واللسان السليط "

اثنت بروك على كلام أمها ساخرة :
" طبعا .... طبعا .والآن حديثنا يا لويز عما ستفعلين به عندما تحصلين عليه ؟ "

صرخت لويز بانفعال :
" لا تسخرى منى ارجوك " .وراحت تردد كلمة " ارجوك " لثوان عديدة قبل أن تنتصب واقفة وتغادر الغرفة مسرعة وهى تدارى دموعا تتدفق من عينيها . همهمت بروك قائلة بهدوء :
" يا إلهى .... ما هذا ؟ "

ارتفعت حدة صوت ليليان وهى تقول :
" لقد أزعجتها بكلامك الساخر "

" هذا ما يبدو . لم أكن أظن أنها تأخذ كلامى على محمل الجد "

" انت لا تريدينها أن تحصل عليه . انت تغارين من لويز ، ولا يحتاج الأمر إلى تحليل نفسى لاكتشاف الحقيقة "

وفوجئت بروك بانها راحت تفند اتهامات أمها تفصيليا :
" هذا كلام غير معقول ويثير الضحك فى نفسى . كلا يا أمى ، أنا لا أغار من لويز . لم أشعر بالغيرة منها فى الماضى ، ولن أشعر بها مستقبلا . اننى أحبها ولا أحسدها على أى شئ اطلاقا "

ردت ليليان بعنف أشد :
" هذا ما تقولينه . انت مثل أبيك ،تتصرفين كما يحلو لك ، وتسخرين من أختك فى مختلف الظروف "

" اذا اردت ، يمكننى أن أغادر البيت لأعيش فى مكان آخر "

تضرجت وجنتا ليليان بحمرة الغضب وقالت :
" الحقيقة اننا بحاجة إلى المال الذى تدخلينه إلى البيت . لقد ضحينا سنوات من أجلك ، وجاء دورك الآن لرد الجميل إلى أمك وشقيقتك "

قالت بروك بجدية :
" من المؤسف ان لويز غير متحمسة للعثور على عمل "

قاطعتها ليليان بغضب :
" انا غير مهتمة ،وكذلك لويز . انت يجب أن تهتمى . وكما قالت شقيقك ،أليس من المفروض أن تكونى صاحبة العقل بيننا ؟ "

هزت بروك كتفيها بلا مبالاة ، فالمناقشة مع امها - كالعادة - تصيبها بالصداع الشديد :
" لا أقصد أن أثير غضبك يا أمى ، ولا أحاول ان اقترح أشياء غريبة . ان لويز قادرة على العثور على عمل ، ونحن بأشد الحاجة إلى المردود المالى .اننى أحب بيتنا أيض ، ولكن مستحيل تدبير اموره ومتطلباته اعتمادا على مرتب معلمة مدرسة فى الثانوية "

نهرت ليليان ابنتها وكأنها تبعد عن ذهنها هذا المهنة الوضيعة وقالت :
" معلمة مدرسة ثانوية ؟ لويز ستتزوج قريبا .....وسترين اننى على حق "

قاطعتها بروك بهدوء :
" واذا لم تتزوج فقدنا البيت .... والحياة التى اعتدت عليها "

قالت ليليان وكأنها لم تسمع كلام ابنتها الأخير :
"رجل .... زواج رائع جدا . ومن المفروض ان يكون كوريللى هذا صاحب الثروة الطائلة "

" ألا تهتمين بكيفية حصوله على هذه الثروة ؟ "

" طبعا لا أهتم "

ثم ترددت قليلا وكأنها أدركت متأخرة مغبة تصريحها هذا فاستدركت قائلة :
" اعنى انه ليس مجرما ، بل رجل أعمال ناجح . وكل اهتمامى هو ان ارى لويز الحبيبة سعيدة ... وابقاء البيت ضمن العائلة "

" مطالب لا تعد ولا تحصى . وكل الأخبار والحكايات عن السيد كوريللى يمكن أن تظل طى الكتمان "

أخذ وجه ليليان يحتقن بالغضب والتوتر وهى تقول :
"كلام لا معنى له . فالسيد كوريللى رجل محترم ومعتبر فعلا .وحتى ولو كان من غير عالمنا ، فعلى الانسان ان يتبع تطور الازمان . ان بيتنا وميراثنا مهددين . صحيح ان البيت قائم ، لكننى اذا بعت المزيد من الاثاث فانه سينتهى إلى مجموعة من المفروشات القديمة البالية .كم هى سعيدة ماجى سيمونز لسوء حظنا ... لقد جمعت ثروة من جراء بيع تحفنا واغراضنا الأثرية "

" تذكرى يا أمى اننا نحن الذين بحثنا عنها،فماجى معروفة بأنها أمينة وصادقة فى تعاملها المهنى وتملك مواصفات نحن بأمس الحاجة إليها . اننى اقدرها كصديقة حميمة .صحيح انها عاشت فى عائلة غنية ، لكن عندما نضب المال ،وظفت معلوماتها فى المكان المناسب .فدعينا من سيرة ماجى الآن ، فهى قد أدت خدمات جلى لنا "

ردت الأم بغضب وهى تشعر بالغيرة من تلك المرأة التى استطاعت ان تشق دربها الجديد بنجاح :
" وادت خدمات جلى لنفسها أيضا "

" هكذا تسير الأمور عادة . المهم أن ماجى لم تفتح فمها بكلمة .فقد كان من الممكن ان تنشر قصة بيعنا لاثاث البيت على كل شفة ولسان لو ان الوسيط غيرها "

هزت ليليان رأسها وقالت :
" اننى مضطرة لذلك . هل تعتقدين اننى لا أشعر برغبة فى بعض الأحيان بتحطيم المظاهر الكاذبة المحيطة بالبيت ؟ "

ارادت بروك ان تثير أمها أكثر فاجابت :
" مظاهر كاذبة ..... لكنها جيدة "

واصلت ليليان حديثها بصوت مخنوق :
" عندما أفكر بكل الأغراض التى ذهبت ؟ غرفة الصالون ، والخزائن ، وطاولة الطعام والمرايا الجدارية والمجموعة الشرقية التى جمعها بوب . انه كابوس مزعج ،كان من الممكن تلافيه لو ان اباك لم يمت "

" ربما "

شعرت بروك مرة أخرى بعمق الخسارة . فهى تفكر دائما بما كان سيحدث لو ان اباها لم يمت فى حادث سقوط عن الحصان وهى بعد فى الرابعة من عمرها . قبل ذلك كانوا يعيشون فى منزل جدها لامها السيد اشتون فى وينترسويت . كان البيت يتسع لكل الناس ، وكان عليهم ان يسهروا على صحة الجد المعتل . وعلى الرغم من ذلك استطاع ان يسهر على رعايتهم من خلال بيعه للعديد من التحف والاثريات التى يملكها ،ثم توفاه الله .حدث ذلك قبل اربع سنوات ، ومنذ ذلك الحين تقع عينا بروك على أماكن فارغة كانت قبل مدة ممتلئة بالتحف القديمة .صحيح ان البيت ما زال موجودا ، لكن مجموعة عائلة اشتون التى ترجع لاجيال عديدة باتت قائمة فى بيوت اخرى غريبة . انهم ليسوا فقراء ... ابدا .ولا يمكن ان يعرفوا الفقر طالما انهم يملكون البيت . لكن الاملاك الثابتة لا تؤمن السيولة اللازمة . وهم يعيشون هذه المدة بعد بيعهم احدى التحف البرونزية . ولا شك ان العائد المالى منه سيصرف على حفلة نهار السبت المقبل . ان الام مقامرة ماهرة ،وهى تحاول استثمار هذه الحفلة للتعويض عن كل خسائرها دفعة واحدة .

اعادها صوت الأم إلى الواقع :
" وانت يا بروك ، لا تحاولين ان تبنى علاقات صداقة مفيدة . بل يظهر انك لا تهتمين حتى بمستقبلك ، ناهيك عن مستقبلنا انا واختك "

" هل تقصدين القول اننى لست فى عجلة من امرى كى اتزوج ؟ "

ردت الام بلا مبالاة :
" لا يهمنى اذا تزوجت او عنست ، طالما انك تساعديننى لتحقيق طموحات اختك ..... فهى خلاصنا من الأزمة "

" وانت تريدين بيعها للذى يدفع سعرا أعلى ؟ "

صرخت ليليان بغضب وقالت بحدة :
"حاولى ان تتذكرى انك تخاطبين امك يا انسة .اننى احب لويز ، ولا تنسى اننى اريد لها مستقبلا افضل . انها تختلف عنك ،ولذلك فهى تحتاج إلى رعاية دائمة "

علقت بروك بلطف :
" تقصدين انها تخاف من العمل ؟ انت السبب فى موقفها هذا يا امى ! كل الناس يعملون الآن ، بل ويحبون اعمالهم ايضا "

كانت ليليان قد وقفت ،وراحت تحدق بابنتها باستغراب شديد :
" لم يستمر زواجى طويلا ، لكنك تجسدين بلير كل يوم امامى "

وقفت بروك إلى جانب أمها التى تقصرها بعدة سنتيمترات وقالت :
" يبدو انك احببته كثيرا يا امى .لم يكن يملك ثروة طائلة مثل جدى ،لكن الجميع ما زالوا يتحدثون عن قيمته كمهندس بارع ويشيرون إلى المبانى العامة والخاصة التى صممها فى حياته . اننى حزينة ان ابى لم يعش أكثر. والظاهر اننى اشبهه فى كونى احضر المزيد من المال إلى البيت عن طريق الدروس الخصوصية التى اعطيها لبعض التلاميذ . واعتقد ان أبى كان سيشجع لويز على العمل ..... فالجمال وحده لا يكفى هذه الأيام "

شحب وجه ليليان وهى ترد قائلة :
" اعتقد انه يكفى . لقد نشأت على تقليد يقول أن على البنت ان تظل فى البيت حتى تتزوج . ان لويز هى فرحتى وراحتى ، وانا مسرورة جدا برفقتها . وهنا اريد ان اذكرك انك لست مصدر التمويل الوحيد للبيت .... فما زال هناك اشياء فى البيت يمكن ان تعطينا ما يوازى مدخولك على سنوات "

" اعرف ذلك ... ومتى بعناها نكون قد فقدناها الى الابد . انا متأسفة لصراحتى ، لكننى لم أقصد اثارة غضبك . ارجوك ان تسامحينى "

" ساحاول يا بروك .المشكلة ان انانيتك تغلب على عقلك . قدتكونين عاجزة عن منافسة اختك فى جمالها .لكنك قادرة على استثمار ايجابياتك الأخرى . انا لم انس انك بحاجة إلى فستان جديد للحفلة ،فلو انك جئت وطلبت الفستان بلطف ، كما فعلت اختك لويز ،لكنك تعتقدين ان اخذ المال من امك كمن ياخذ المال من القراء واليتامى "

حاولت بروك ان تأخذ يد امها بيدها ،لكن ليليان انتزعتها بعنف . قالت بروك :
" هذا غير صحيح يا امى ، انا لا ارغب فى تحميلك اكثر مما تحملين ،طالما اننى قادرة على تدبير امورى "

" مثل ماجى سيمونز على ما اعتقد ؟ انها صاحبة الفضل فى كل تصرفاتك الواثقة ... ولا يبدو انك تشعرين بالحرج فى التحدث اليها "

وافقت بروك بهدوء :
" ان افكارنا تتفق تماما ،ان ماجى امرأة رائعة .كم اتمنى ان لا تهاجميها ابدا ، ثم تستعملينها كما تفعلين فى كل مرة "

غامت عينا ليليان خلف نظرة غاضبة وقالت :
" ليست هذه المرة الأولى التى تحدث فيها امرأة ما شقاقا فى البيت .لقد حاولت أن تؤثر عليك منذ البداية . صحيح ان بوب كان معجبا بها ، لكنها من النوع الذى يثير اعجاب كل الرجال . واذا لم اتركك الآن ، فسوف أتاخر انا ولويز عن دعوة الغداء .... وهى الدعوة الوحيدة التى تلقيتها هذا الأسبوع "
منتديات ليلاس
قالت بروك بهدوء :
" هيا اذهبا وتمتعا بنهاركما "

ردت ليليان بجفاء :
" يجب ان ترافقينا أيضا . أو انك لاترغبين فى التعرف إلى الناس المهمين ... باستثناء ماجى سيمونز طبعا ؟ "

تنهدت بروك بعمق وعادت إلى مقعدها قائلة :
" ماذا تريدان للعشاء ؟ "

" ارجوك ابتعدى عن الدجاج .... حاولى التغيير إلى أنواع أخرى "

قالت بروك بصوت خافت محاولة ان ترفه عن امها قليلا :
" سأتدبر أمرى .لكن المسألة كلها فى التوفير .... هل ترغبين ببعض السندويشات الخفيفة ؟ "

هزت ليليان يدها بلا مبالاة وغادرت الغرفة وهى تقول :
"يا لك من انسانة فاقدة للاحساس تماما "

استمرت بروك فى جلستها تتأمل الحدائق الممتدة حتى الميناء وهى تتساءل بينها وبين نفسها : " هل أنا اقدة الاحساس فعلا . هل كذار ابدو أمام اختى وأمى ؟ " .

كان الوقت ربيعا ،والازهار على مختلف انواعها لونت المروج بالوان فاقعة هادئة رصينة . ومن موقعها المطل على الغابات المجاورة ، كانت بروك تفكر بالاوضاع التى وصلت اليها العائلة . كان وينترسويت بيتا فخما ذا ماض عريق ، على الأقل فى زمن جدها .وقد ازيلت منه فى الوقت الحالى بعض المنحوتات التى كانت تزين الحدائق ،كما توقفت النافورة عن العمل فى الباحة الرئيسية

ومع انها حاولت السخرية من خسارة اثاثه ومنحوتاته ، الا انها كانت تشعر فى اعماقها بالحزن للمصير الذى آل إليه . فهذا بيتها ومسقط رأسها ، وهى تحبه وتشعر بالانتماء إليه ربما أكثر من امها ، وبالتأكيد اكثر من لويز التى تعتبره من الطراز القديم وقد عفى عليه الزمن . صحيح ان البيت قديم ، لكنه يعطى شعورا بالعظمة والجمال والاتساع ... كل التضحيات تهون من أجل الحفاظ عليه . يمكنهن ان يبعن البيت غدا اذا اردن ، لكن اولا يجب اعطاء لويز فرصتها . لقد كانت الحياة بالنسبة للشقيقة الكبرى احلاما وردية دائما ... وعما قريب سيأتى الارس الوسيم على حصانه الأبيض ليطلب يد الأميرة لويز ، وفى الوقت نفسه يعمد إلى شراء القصر والحفاظ عليه .

هل يمكن ان تتحقق هذه الأحلام ؟ وفجأة عادت صورة بول كوريللى إلى ذهن بروك بوضوح ، وتذكرت أول مرة رأته فيها . كان ذلك قبل عدة أشهر عندما انضم إلى مجموهة الأصدقاء الحميمين الذين تعرفهم ... مجرد ثرى عتيق كما تصفه ليليان مقارنة مع الأثرياء الجدد الكثيرين ، لا أحد يعرف من أين جاء بول إلى المدينة ،لكنه استطاع خلال سنوات قليلة ان يجمع الملايين وسط شائعات متضاربة حول ماضيه واعماله . البعض قال انه من أصل ارستقراطى عرق ، وآخرون يؤكدون أنه كافح بصلابة وقاتل بشجاعة لينتقل من ضواحى مدينة نابولى الايطالية الفقيرة إلى مصاف الاثرياء .

ومهما كان الأمر ، فانه صاحب شخصية جادة واثقة من نفسها وقاسية .... إلى أن يبتسم . عندها فقط يظهر سحره الاخاذ ووسامته الطاغية المتمثلة فى اسنان لؤلؤية متناقضة مع بشرة سمراء ، وعينين سوداوين لامعتين تشعران المرء بانهما تخترقان المظاهر إلى الاعماق ، ولم تكن اى امرأة قادرة على تجاوز نظراته الحادة . وفجأة شعرت بروك وكأن نسمة باردة لفحت وجهها وعنقها . فارتجفت وهى تفكر بأختها . لويز المسكينة مع كوريللى ؟ هذا غير معقو ! ان جمعهما معا اشبه بمن يريد عقد صداقة بين القطة والنمر .

ومرة أخرى تخيلت بروك كيف ستكون الاوضاع اذا تزوج ذلك الرجل القاسى من شقيقتها الجميلة الحالمة . ان كوريللى قادر على تعذيب أية امرأة ،حتى وان كانت سليلة عائلة كبيرة مثل لويز .وبروك تدرك تماما طبيعة كوريللى ،خاصة وانها تبادلت واياه العديد من الكلمات والغمزات القاسية فى المرات القليلة التى التقيا فيها .ومع انهما لا يعرفان بعضهما تماما ، الا انهما يشعران وكأنهما عدوان لدودان منذ زمن بعيد .كانت بروك تتصرف وتتكلم بالطريقة التى يكرهها كوريللى فى المرأة ... وقد أوشك ان يعلن ذلك مرارا . ومهما كان الامر ، عليه ان يعتاد على تصرفاتها وكلامها اذا كان راغبا فى مصاهرة عائلة راقية . ولا شك انه يريد ذلك بالحاح .

على الرغم من ان عائلة اشتون تعانى الآن من مصاعب عديدة الا أنها عريقة فى التاريخ والمجتمع ، ويعود زمانهما إلى أيام استعمار الانجليز لجزر الهند الغربية . وقد بنى روبرت اشتون وينترسويت على طراز بيوت عائلته فى منطقة سافوك التى تعد من أجمل مناطق بريطانيا ،ثم استورد احدث الاثاث الفرنسى والانجليزى بالاضافة إلى مئات التحف واللوحات التى كان يفخر كل نبيل باقتنائها . وخلال الحربين العالميين الأولى والثانية ، شارك شباب العائلة فى المعارك ..... كما ان خاليها جوناثان وهيو توفيا فى غينيا الجديدة وهما فى أواسط العشرينات من عمرهما . ولميتبق من العائلة الآن إلا الأم ولويز وبروك والخالة الكبيرة ملفيل .

ومن الواضح لدى الجميع ان ايا منهن لا تستطيع انقاذ وينترسويت بمفردها . فالبيت يحتاج إلى ثروة طائلة للقيام بشؤونه وصيانته . ولا شك أن لويز تتمنى الاحتفاظ به لكنها بحاجة إلى حشد من الخدم لرعاية البيت فى ظل سوء ادارتها وعدم اهتمامها .

بعد حوالى الساعة تقريبا كانت بروك تفضى بمشاعرها وافكارها لصديقتها ماجى التى قالت وهى تتأمل احدى اللوحات لراعية الأغنام :
" اننى أفهم ما تقصدين "

" مقارنة معها ، اشعر وكأننى المرأة الخارقة "

استدارت ماجى ببطء وهزت رأسها قائلة :
" ستتضح رؤيتك للأمور بمرور الوقت .... وربما كان من الضرورى وجود رجل لمساعدتك فى ذلك اذ من غير المعقول ان تكتشفى نفسك بالمقارنة مع امك وشقيقتك فقط "

" لا بد من الاعتراف بانهما محقتان فى رؤيتهما لى "

ترددت ماجى فى الاجابة وكانها تفكر ،خاصة وأنها غير مشغولة فى يوم السبت هذا . واخيرا قالت :
" اننى معجبة بك واراك جذابة ، وكذلك يراك الآخرون .لويز جميلة جدا . وهذا هو الشئ الوحيد الذى تتمتع به . أما أنت فلديك حكمة العجائز وكأنك اشرفت على تربية أجيال كاملة "

" هذا ما أعتقده شخصيا .... "

قالت ماجى وهى ترتب بعض الأوانى الاثرية فى الخزانة :
" انت لا تختلفين عن اية فتاة اخرى فى مثل سنك . انا آسفة يا عزيزتى لكننى استغرب ان يهتم السيد كوريللى بلويز وليس بك أنت "

علت الدهشة وجه بروك التى تساءلت :
" انت تمزحين بالتأكيد ؟ "

" لا يا عزيزتى .... ابدا "

ردت بروك بجدية :
" هذا غريب جدا . فأنا أجد نفسى فى مواجهته كلما التقينا ،واعتقد انه يشعر بالعداء نحوى أيضا "

قالت ماجى انطلاقا من خبرتها النسائية :
" طبعا . والسبب يكمن فى الانجذاب المتبادل "

" لا اعتقد ذلك يا ماجى . المسألة واضحة جدا ، هو لا يحبنى وانا غير مهتمة به اطلاقا . ومن الخطير جدا أن أدعه يتزوج شقيقتى "

سألتها ماجى والشكوك تملأ نفسها :
" هل أنت متأكدة من انه يريد الزواج منها ؟ "

" امى ولويز تعتقدان بانهما قادرتان على جره إلى القفص الذهبى "

" اذن فالأمر يحتاج منك إلى جد جهيد .لست أفهم لماذا لا تقولين لهما ان يذهبا إلى الجحيم .... فكون شعرك احمر لا يعنى ان تتنازلى دائما عن رأيك "

قالت بروك بحسرة :
" حسنا ، هناك الحفلة التى ستقام الأسبوع المقبل "

علقت ماجى بجفاء :
" السعر الذى حصلنا عليه ثمنا للتحفة البرونزية كان ممتازا . وآمل ان تكونى قد حصلت على حصتك . لقدبذلت جهدى من أجلك ، واستغربت حصولى على ذلك الثمن "

" اشكرك جدا يا ماجى "

حدقت المرأة الناضجة فى وجه صديقتها الصغيرة ،فرأت فيها ملامح الجمال الكامن والجاذبية الآسرة ،وليس فقط الجمال الباهت الذى تتمتع به شقيقتها لويز . لا شك ان ليليان ارتكبت خطأ جسيما عندما حاولت اقناع صغيرتها بأن الشقراوات هن فقط الجميلات والمرغوبات . فقد كان وجه بروك على الطراز الحديث وشعرها المجعد وعينيها الخضراوين اللامعتين وانفها الرقيق فوق شفتين ممتلئتين وكل ذلك مع بشرة بيضاء ناعمة .

قالت ماجى بعد صمت :
" لماذا لم تشترى لنفسك فستانا خاصا بالحفلة ؟ "

ردت بروك بهدوء :
" سوف أفعل ، لكن يجب أن ترافقينى لاعطاء الرأى .... فأنت ذات ذوق رفيع فى الملابس "

" سأجرب ان أكون معك "

استدارت ماجى ناحية النافذة وقد سرتها ملاحظة صديقتها . لم تكن هى نفسها جميلة الملامح ، لكنها تملك الذوق والبراعة والثقة بحيث جعلت الجميع يرون جاذبيتها فى كل ما تفعل .فخلف نجاحها الباهر ماسأة محزنة تتمثل فى حادث سيارة أدى إلى مقتل زوجها وابنها واصابتها هى بجروح طفيفة . ومع أن خمس عشرة سنة تفصلها عن ذلك اليوم المفجع ، إلا أنها ما زالت تشعر بفداحة الخسارة ، وترى فى بروك الابنة التى كان من الممكن ان ترزق بها لولا ان القدر شاء العكس .

قالت بسرعة وكأنها تخرج من ذكرياتها الأليمة :
" سأقول لك شيئا .يجب أن أذهب إلى ملبورن نهار الثلاثاء ، إذ أن صديقة عزيزة تريد ان ترينى بعض التحف الفضية .وهناك سأمر على محلات مارتن ليندن واختار لك شيئا خاصا ، أكرر : شيئا خاصا لك انت فقط . انا اعرف قياسك واعرف ذوقك . فلماذا يجب أن تحصل لويز دائما على الملابس الجميلة طالما ان لك قواما مثاليا رشيقا ؟ "


رفعت بروك سلة فضية صغيرة وسألت قائلة :
" من طراز عصر الملك جورج ؟"

" من منتصف ذلك العصر تقريبا .ومعها مملحة ومبهرة فضيان أيضا ، حصلت عليها من سيدة عجوز تقيم على الشاطئ الشمالى ... وقد اصبحنا صديقتين حميمتين ،وكثيرا ما أزورها لتمضية بعض الوقت معها "

هزت بروك رأسها بحزن :
" كل الفضيات التى تملكها العائلات العريقة ذهبت أدراج الرياح " . ثم ترددت وقالت :
" لا يمكن ان ادعك تشترين لى ثوبا من عند لنيدن ،فأنا أعرف اسعارها الباهظة ولا أستطيع تحملها "

ردت ماجى بحزم :
" انا استطيع . وسوف اشتريه لك حتى لو اقدمت فيما بعد على اخذه وارتدائة بنفسى . وعندها ساضطر الى اضعاف نفسى حتى اصبح رشيقة مثلك ... ولكننى اعتقد انك ستقبلينه "

التقت عينا بروك بعينى ماجى الحادتين فقالت :
" ارى انك ستغضبين اذا لم اقبله منك ؟ "

" الحقيقة يا عزيزتى ، ان بامكانك ابراز جمالك اذا حاولت . لويز جميلة جدا ، لكنها ليست الجميلة الوحيدة فى العائلة حسب رأيى المتواضع . فالبعض يعجب بالرشيقات ذوات الشعر الأحمر ،خاصة اذا ارتدين من عند مارتين ليندن ومن اختيار ماجى سيمونز ايضا "

ابتسمت بروك بخجل :
" لا بأس من التغيير فى بعض الأحيان . لكن الحفلة كلها من أجل لويز ،التى يتوقف عليها خلاصنا حسب ما تعتقد أمى "

" أنت تعرفين تماما ان هذا المنطق خاطئ يا بروك "

ردت بروك قائلة :
" امى ولويز تعيشان فى الماضى الجميل ، ربما فى العصر الفائت . ولويز تشعر بالخوف من القيام بأى عمل "

استدارت ماجى بعد ان تركت مزهرية كانت فى يدها وقالت :
" يا للغرابة .قلة من الفتيات لايعملن شيئا هذه الأيام ، وهى لا تشكو من شئ أبدا "

وافقت بروك بحماس : " انها على ما يرام . هى عاجزة فقط عن التفكير بالاعتماد على نفسها . فالزواج يبدو الحل لها ، خاصة بعد ان اقنعتها امى بان الحياة الزوجية هى العمل الطبيعى لسيدات المجتمع الراقى "

قالت ماجى بسخرية :
" لاحظت ان أمك لا تعارض عملك "

" الحقيقة انها أصيبت بالصدمة للوهلة الأولى . أنا وأنت نشعر بالاتياح للعمل ، لكن أمى ترى الأمر سخيفا وغير مقبول اجتماعيا .... ولا شئ يمكن ان يغير رأيها . فى هذا المجال لم تتغير أبدا ، فقط ضمت بول كوريللى إلى عالمها الخاص "

" انها تتعامل مع الزواج كما كانوا يفعلون فى العصور القديمة . نحن نعرف أن المال يتزوج المال ،لكن من الغريب محاولة الجمع بين لويز وكوريللى . اقصد انها فتاة هادئة بينما هو رجل ديناميكى قاس لم ار مثله فى حياتى "

قالت بروك باستغراب :
" تتحدثين عنه وكانك معجبة به ؟ "

علقت ماجى بابتسامة ساخرة :
" لم أصل إلى السن التى تمنعنى من معرفة الرجال على حقيقتهم "

أطلقت بروك صرخة استغراب قائلة :
" يا إلهى "

" لا ضرورة للاستغراب ، فأنا أعنى ما أقوله . وقد زارنى فى المحل عدة مرات من قبل "

" هل اشترى شيئا منك ؟ "

" كلا ، لكنه يعرف الأشياء الثمينة والجميلة . وعندى شعور بأنه سيشترى عندما يأتى المرة المقبلة . وحتى فى مثل سنى ، فأنا أراه جذابا ووسيما "

قالت بروك مبتسمة :
" ولماذا لا ؟ أنا أيضا أعتقد أنه جذاب . ومن ناحية أخرى ،نحن لا نعرف عنه ألا انه قادر على جمع الأموال بسرعة "

زونار 10-04-09 11:26 AM

سألتها ماجى بلهجة ذات معنى :
" لا أظنك تعتبرين ذلك نقيصة فيه ؟دائما هناك بداية لجمع الثروة .تأملى الشبان الذين تعرفينهم فى المنطقة ، قلة منهم يعملون حتى أوقات الحاجة .... والثروة التى يتمتعون بها جمعها اباؤهم وأجدادهم . المال يصنع المال يا عزيزتى طالما أننا نستثمره بحكمة . أما بول كوريللى فهو قصة نجاح قائمة بذاتها ..... لقد صارع ونجح . والصراع يساعد فى بناء الشخصية "
منتديات ليلاس
قالت بروك بحزن :
" قد لا يكون هو الشخص الذى أرغب فى رؤيته زوجا لشقيقتى "

اتجهت ماجى إلى احدى الخزائن وهى تقول :
" انت فى العادة كريمة جدا يا بروك . ولا شك أن هناك شيئا حول كوريللى يجعلك تخافين منه "

ردت بروك المنشغلة بتأمل بعض الخواتم الأثرية :
" لعل عناده وشخصيته القاسية هما السبب "

" انه ليس عنيدا يا عزيزتى . وانت تخطئين فى اعتبار الثقة الزائدة بالنفس والنجاح عنادا . من الطبيعى ان يعتز بنفسه وبافكاره وبعصاميته . الا تعتقدين ان الايطاليين جنس وسيم وجذاب فى الأساس ؟ "

انطلقت الكلمات من فم بروك بسرعة :
" اننى لا ارتاح اليه " ثم رفعت يدها إلى ماجى متسائلة :
" اى من هذه الخواتم تفضلين ؟ "

تمعنت ماجى فى الخواتم قائلة :
" من الصعب الحكم . اعتقد ان الخاتم الذهبى المرصع بالياقوت يليق بيدك المناسبة لعرض المجوهرات . وعلى فكرة هذا الخاتم ايطالى الصنع ،صنعه صائغ ايطالى اسمه كاستيلانى عاش فى لندن خلال عصر الملكة فيكتوريا . امس بعت قلادة من صنعه أيضا .... إنها قطعة رائعة .والآن ما رأيك فى تناول بعض الطعام "

انتزعت بروك الخواتم من أصابعها وقالت :
"لا مانع عندى .فأمى ولويز ذهبتا لتناول الغداء عند عائلة واتلينغ "

" ولماذا لا تتزوج لويز بنيجل ؟ "

نظرت بروك إلى نفسها فى مرآة الحائط وقالت :
"لا تستغربى ، فالمسألة خطيرة جدا . ذلك أن نيجل لا يستطيع مساعدتنا فى أهم نقطة وهى الحفاظ على وينترسويت .فعائلة اشتون هى التى بنت البيت قبل قرون ،وامى تريده ان يبقى فى العائلة "

ابتسمت ماجى بهدوء :
" انا لا الومها على موقفها هذا . قلة من الناس قادرون حاليا على بناء بيت مثل وينترسويت " . ثم التفتت إلى بروك قائلة :
" لكن من العار ان تعرض امك لويز للبيع لمن يدفع ثمنا أعلى "

نظرت بروك إلى صديقتها باضطراب واضح :
" امى تحبها كثيرا . والمضحك فى القصة ان لويز مستعدة للمشاركة فى مخطط الزواج .... حتى وان كان لعريس هو كوريللى نفسه .ومع انها تشعر بالخوف من هذه الخطوة ، الا انها تعتقد نفسها قطعة اثاث ثمينة فى البيت الكبير ..... معروضة للبيع ايضا "

" هذا صحيح . ولست أدرى ما رأى حركة التحرر النسائية فيها . واعتقد ان ليليان لم تسمع عن نشاطات الحركة ابدا . والحقيقة ان ذكاءها يمكنها من ابعاد أية افكار لا تريد ان تعترف بوجودها . لقد بذلت جهدى للحفاظ على اسرار عائلة اشتون ،ولكن اذا لم تتزوج احداكما رجلا ثريا وبسرعة ،فإن وينترسويت لن يصمد طويلا . اذ من الصعب أن تقيم العائلة فى بيت كبير فارغ ،وانا بصراحة لا ارغب فى رؤيتكن تفقدن المزيد من اثاثكن ثم تنتقلن إلى بيت أصغر حجما . هناك من اقدم على مثل هذه الخطوة . امى باعت بيتها بعد وفاة ابى الذى تركنا وحيدتين فى مواجهة المصاعب المالية . اننى اتعاطف مع امك فى مشاعرها ،لكنها إلى حد ما فى وضع أفضل من غيرها "

قالت بروك ببطء شديد :
" معك حق . لكننى لا اريدها ان تعاقب بسبب كونها تعيش فى عالم من الاحلام . فجدى لم يعدها لمواجهة ظروف الحياة العادية ،وهى بدورها لم تعد لويز . ان شقيقتى جميلة جدا ورائعة جدا ،لكننى لا اعتقد ان كوريللى يريدها . لقد صرفوا اموالا طائلة على الحفلة من اجله شخصيا ..... وربما لن يحضر ابدا "

ردت ماجى بحزم :
" سوف يأتى . دعينا نتفق على شئ وحيد على الأقل ، أنه رجل يحصل دائما على ما يريد

الوحش يخرج من الغابة









راحت بروك تأمل فستان السهرة الجميل الذى ارتدته خصيصا للحفلة . لم تكن قد ارتدت فى حياتها كلها فستانا مثله ، ولذلك شعرت بالارتباك من جراء المظهر الجديد الذى ظهرت فيه ، خاصة عندما وضعت المجوهرات الشرقية التى اعارتها اياها ماجى . كما وأنها سمعت نصائح صديقتها الخبيرة فاستعملت بعض الماكياج الخفيف . ..... بحيث تحولت بقدرة قادر الى قطعة جميلة وجذابة لم يكن يتوقعها الآخرون ابدا . لقد تركت المجوهرات والفستان والماكياج اثرا واضحا عليها . وادركت لأول مرة ان لها جسدا متكاملا فاتنا اذا ما وضعته فى الاطار الصحيح . دائما كانت لويز تفوقها بالذوق والاناقة .... ولكن ليس هذه الليلة . فبعد الذى صنعته ماجى ، لا يمكن لأحد ان يشك فى جمال بروك الاخاذ . كل شئ تغير حولها .قوامها الرشيق يشع فتنة ودلالا وشعرها الأحمر الفوضوى تجمع فى خصل حريرية الملمس ..... والمرآة التى تنظر إليها فى غرفة النوم تعكس شكلا لابد ان يدير رؤوس معظم الرجال .



سمعت بروك طرقا على الباب ثم رأته فى المرآة يفتح ، فالتفتت نحو شقيقتها التى دخلت مبتسمة وقالت لها :
" انك جميلة جدا "


عجزت لويز عن الجواب ، بينما راحت عيناها تقيسان بروك من أسفل إلى اعلى وكأنها تراها للمرة الأولى ، ثم وجدت الكلمات المناسبة قائلة :
" من أين لك كل هذا يا بروك ؟ "


ردت بروك بمرح :
" احد المعجبين قدمها لى "


" اتمنى ان تسمح لك امى بارتدائه .... "


انزعجت بروك من كلام اختها وقالت :
" ماذا تقصدين بكلامك ؟ "


ادارت لويز رأسها إلى الجانب الآخر :
" ليس هذا هو الطراز الذى ترتدينه اجمالا "


توقفت عن الكلام قليلا وهى تتامل الفستان والمجوهرات ثم تابعت قائلة :
" ان الفستان يبدى الكثير من فتنتك وجمالك "


فكرت بروك فى الاستمرار بلعبة القط والفأر بدون أن تفقد اعصابها ، لذلك سألت بهدوء :
" وهل يعنيها ذلك ؟ "


" انها لا تحب هذا الذوق المكشوف "


" موقف سخيف ، لقد قررت الا اخجل من نفسى ومن جمالى بعد اليوم على الاطلاق "


قالت لويز بلطف :
" لقد حذرتك سلفا ... " ثم اقتربت من شقيقتها ووقفت إلى جانبها أمام المرآة وتابعت بلطف : " كم نحن نختلف "


وجدت بروك نفسها تعلق قائلة :
" يجب ان تراقبى وزنك جيدا "


انفعلت لويز قائلة :
" يقول باتريك ان قوامى رشيق كافضل ما يكون "


" انت كذلك فعلا يا عزيزتى . ولم اقصد ان اسئ اليك "


عاد الهدوء إلى لويز وقالت :
" لا بأس عندما تنتهين من ارتداء ملابسك ، فان أمى تريد أن تراك . واعتقد انها لن تحب فستانك والطريقة التى صففت فيها شعرك .فانت تبدين مختلفة تماما "


ابتسمت بروك وسألت اختها :
"هل ترين ذلك حقا ؟ "
أجل . انت مختلفة كثيرا ... اظن ان الشعر الاحمر يعطيك سحرا خاصا "

علقت بروك بلطف :
" لعلى اريد ان احصل على شئ رائع فى الحياة .فالكل يتجاهلنى عندما اكون الى جانبك "

تخلت لويز عن جديتها للحظات قليلة ،وابتسمت لشقيقتها بدون ان تجيب . فهى تبدو رائعة وساحرة كحلم وردى انيق فى فستانها الحريرى الواسع . هذه ليست المرة الأولى التى يقارن الناس بينها وبين أختها . لكنها غير مستعدة الآن للانسحاب إلى غرفتها والتخلى عن فستانها الجديد وارتداء الزى الحريرى البنى الذى اختارته لها امها . صحيح ان اختيار امها لا يخلو من شئ ، لكن اختيار ماجى يناسبها اكثر ، وهى تثق بصديقتها اكثر من أمها فى هذا المجال .

بعد عشرين دقيقة تقريبا بدأ الضيوف يتوافدون إلى البيت ، بحيث لم يعد أمام بروك مجال لتغيير فستانها كما اقترحت امها والحت علها بعصبية وغضب .تجاهلت بروك راى امها وغادرت الغرفة بهدوء ، ثم نزلت السلم الخشبى الكبير متجهة إلى القاعة ومنها إلى المطبخ ... واخيرا الحديقة الخلفية . لقد انهت شخصيا واجباتها العائلية . ولتدع امها ولويز تقومان بمهمة استقبال الضيوف بدون ازعاج .

كان من الواضح ان أحدا من الموجودين فى المطبخ لا يشارك الأم رأيها السلبى فى مظهر بروك . التى ارتاحت لنظرات الاعجاب. فألقت نظرة اخيرة على فستانها استعدادا للمواجهة الحاسمة .فهذه الحفلة هى نقطة التحول التى ارادتها ليليان ان تكون ذروة الحفلات وختامها ايضا . الاموال التى صرفت عليها باهظة ،افضل الخدم ،اغنى الموائد ، ما لذ وطاب من طعام وشراب ،زهور من مختلف الانواع والاشكال والالوان وغيرها الكثير . وعمدت امها إلى اعادة ترتيب ديكور غرفة الاستقبال وغرفة الطعام الواسعة بحيث لا يظهر أى اثر لفقدان التحف واللوحات الثمينة .

التقت بروك فجأة بالمسؤولة عن الخدم ، وهى امرأة انيقة فى الخمسين من عمرها تقريبا ،فقالت على الفور :
" عذرا يا آنسة هويل ، لكننى لا استطيع منع نفسى عن القول انك رائعة جدا "

ابتسمت بروك بحياء وتابعت طريقها نحو الباب . ثم توقفت لتقول :
" لم اقصد ان ابدو بهذا الشكل "

قاطعتها السيدة الخمسينية باستغراب :
" وما المانع ؟ انك رائعة فعلا ، والفستان مناسب لك تماما "

شكرتها بروك بلطف :
" اشكرك كثيرا . اننى اسمع اصواتا فى الداخل ، واعتقد انه من المناسب ادخال المرطبات الآن "

وافقت مسؤولة الخدم بهزة من رأسها ،ثم نادت أحد الأشخاص الموجودين بالمطبخ واعطته التعليمات اللازمة . تركتهما بروك لشؤونهما وهى تطرد فكرة الهرب من الحفلة كلها . فالترتيبات معدة من أجل لويز ، والمدعوون كلهم من الطراز الذى ترتاح إليه سيدة البيت الكبيرة .فهم من علية القوم والعوائل العريقة ... باستثناء بول كوريللى الذى يبدو فى هذا الجو وكأنه كائن غريب هبط من الفضاء الخارجى لتوه . واخيرا وصلت بروك إلى مدخل القاعة وهى على أتم الاستعداد لكل الاحتمالات .

حلت الساعة التاسعة والنصف بدون أن يظهر بول كوريللى ، فبدأت أعصاب لويز تتوتر ، مما أثر على جمالها الهش أساسا . ومع أن باتريك لم يتركها للحظة إلا أن عينيها ظلتا معلقتين فى المدخل الكبير المطل على الحديقة الأمامية المترامية الأطراف بانتظار أن يدخل كوريللى مثل النمر كما يحلو لبروك أن تصفه . كما ظلت ليليان تتطلع نحو المدخل بين الفينة والأخرى وكأنها تريد ان تعلن بنفسها وصول نجم الحفلة بلا منازع ..... لكن كوريللى لم يظهر بعد .

لم تهتم بروك بغياب كوريللى ،بل واصلت التصرف الطبيعى فى مثل هذه المناسبة . كان البيت مناسبا للحفلات الكبيرة ، وقد توزع المدعوون على حلقات لتبادل الطرائف والأخبار والشائعات وغيرها من الثرثرات المعهودة بين أفراد الطبقات العليا من المجتمع الاسترالى العريق . كلهم يعرفون أن لويز معروضة فى المزاد العلنى ، وبالطبع لم يتركوا المناسبة تمر بدون تعليق . فأصحاب وينترسويت يعيشون الآن فى الوقت الضائع ولا شك أن المدققين من المدعوين لاحظوا غياب بعض التحف الثمينة من القاعة الرئيسية .

والغريب ان بروك وجدت نفسها محاصرة من قبل نيجل واتلينغ الذى يعتبر أحد المعجبين بلويز . فقد دعاها عدة مرات للرقص ، ولم يترك فرصة إلا واستغلها للانفراد بها والتمتع برفقتها . واخيرا انتقلا إلى الشرفة التى ازدادت سحرا فى ضوء القمر البدر فى تلك الليلة .

قال نيجل هامسا :
" اننى لا أمزح .أنت صارخة الجمال هذه الليلة ،وكأنك خارجة لتوك من مجلة للجمال والأناقة "

ابتسمت بروك :
" أنا سعيدة لأن جهدى لم يذهب سدى "

وفجأة جذبها نحوه بشدة وقال :
" بربك ، لماذا لا نغادر هذه الحفلة فورا ؟ "

نظرت إليه بحدة وتسائلت :
" غريب .كنت أعتقد انك صديق شقيقتى لويز ؟ "

" اننى سعيد بوجودى معك . دائما كنت أقول أنك جذابة وفاتنة .انت ساحرة بشكل لا يمكن ان تجاريه لويز . ولسوء الحظ ، هذه الحفلة غير مجدية ،اذ لا أعتقد ان كوريللى سيحضرها "

جاهدت بروك كى يبدو كلامها طبيعيا :
" وحتى إذا لم يحضر ؟ "

اجابها نيجل بحدة :
" عندها سنعرف ماذا فى رأس أمك "

شعرت بروك باشمئزاز من كلامه ،فابتعدت عنه قائلة :
" اسمعنى جيدا يا نيجل "

قاطعها بحركة من يده :
" اصمتى .ليس الآن " . واشار نحو عدة أشخاص استرعى انتباههم صوت بروك المرتفع ،ثم قال متابعا : " اننى آسف لما قلت . ان أحدا منا لا يلومها على مخططاتها . لكننى أعتقد أنه غير مهتم بلويز ،والسبب واضح . فهى جميلة جدا وصافية جدا لكنها لاتملك شخصية مميزة تجذب الآخرين "

واجهته بروك بغضب :
" انها مناسبة لك على ما أعتقد "

" رويدك أيتها الجميلة ، أنا لست كوريللى حتى تثورى ضدى . لقد لاحظت من قبل حدة أعصابك ،لكننى لم أكن أتصور ان الغضب جزء من شخصيتك "

هزت بروك كتفيها بلا مبالاة :
" أعتقد أن لويز لطيفة جدا ،بحيث لا يستحقها كوريللى "

وافق نيجل على كلامها :
" وأنا أعتقد ذلك أيضا .لكن الحفلة أقيمت لتحقيق التقارب بينهما . أقصد أن الحفلة رائعة ، والبيت ساحر ، والجهد الذى بذل كبير ، لكن هل يكفى ذلك للفت انتباه كوريللى وتشجيعه على امتلاك البيت ؟ " . ابتسم ساخرا قبل أن يتابع : " انت تفهمين ما أعنيه ! ويظهر لى انك تقدمين كل التضحيات من أجل العائلة "

ارادت بروك أن تغير دفة الحديث ، فقالت :
" البيوت الكبيرة تحتاج إلى جهد ضخم "

" لماذا لا تبيعونه اذن ؟ "

تنهدت بروك ببطء :
" لا نستطيع ان نرى اسم وينترسويت مرتبطا بأى اسم خارج العائلة "

رد نيجل بتنهيدة مماثلة :
" صحيح .لكن لا فائدة من أن تعلق لويز أى أمل بالنسبة لى . أنا ناجح فى أعمالى ، غير أننى لست من مستوى بيت مؤلف من أربعين غرفة على الأقل .فمثل هذه البيوت باتت خارج التاريخ الآن "

خيم الحزن على عينى بروك الخضراوين وهى تقول :
" اننى أهتم بالبيت ، وأريده أن يظل فى العائلة "

ثم لاحظت أن نيجل ما زال ملتصقا بها ، فقالت بجفاء وهى تبتعد عنه :
" لا أظن أنك ستتحول من أختى إلى ?"

أجابها بجدية :
" كنت أراقبك دائما يا بروك دون أن تلاحظينى . من السهل القاء الكلام المعسول تجاه لويز التى تحب الاطراء كثيرا .... أما أنت ،فتبدين وكأنك من عالم آخر مختلف "

تساءلت باستغراب شديد :
" لماذا يا نيجل ، لماذا ؟ "

" احتاج إلى عدة دقائق فقط لاقناعك "
كان يتكلم بنعومة وكأنهيهمس . لكن بروك صممت على الابتعاد عنه ووضع حد لاغرائه .وعندما حاول أن يداعب خدها بيده ، أبعدت رأسها بقوة قائلة :
"لا ! "

بات صوته أكثر حدة وحركاته أكثر قوة وهو يقول :
" يا لك من قطة متوحشة ........ ساحرة "

لاحظت بروك أنه يحاول أخذها إلى مكان منعزل ، فقالت :
" هيا بنا إلى الداخل "

" ألا تثقين بى ؟ "

نظرت إليه مباشرة بعينين ملؤهما التحدى :
" كلا "

" تذكرى اننى الصديق العزيز نيجل ، وليس النمر المتوحش كوريللى ؟ ألم تلاحظى طريقته فى السير وكأنه وحش هارب من الغابة ؟لا شك أنه يحوز على اعجابك ، أليس كذلك؟ "

وقفت بروك فى مكانها مندهشة بشكل لا يصدق :
" لا اظننى سمعت ما قلت بوضوح "

رفع نيجل يديه وكأنه يستغرب دهشتها ،ثم نظر إليها بتحد وقال :
" ألا يحوز اعجابك فعلا ؟ "

تحولت دهشتها إلى ثورة عارمة مدمرة :
" لم أسمع فى حياتى أسخف من هذا الكلام .... فالذى أعرفه عن السيد كوريللى اننى غير معجبة به اطلاقا "

وفى موجة الغضب العارمة ، لم تلاحظ بروك نظرات نيجل الشاردة التى راحت تحدق فى شئ ما خلفها .... وعندما استدارت بعد لحظات وجدت بول كوريللى واقفا هناك وكأنه يستمتع بالحديث الذى سمعه قبل قليل .

قال بصوته العميق :
" ارجوك اكملى حديثك ،فأن أحب أن استمع إلى رأيك المحترم "

كانت لويز تقف إلى جانبه شاحبة الوجه،فتدخلت قائلة :
" كيف يمكنك اطلاق هذه الأقوال يا بروك "

خفق قلب بروك بشدة من فعل المفاجأة ، لكنها استعادت رباطة جأشها وسلمت على كوريللى قائلة بصوت عذب :
" أنا متأكدة بأن السيد كوريللى لا يتأثر بمثل هذه العبارات "

" اننى غير مبال بالاهانات يا آنسة "

كان يتكلم بصلابة وغرور كعادته دائما . ولو أن الحادث وقع مع رجل آخر ، لشعرت بروك بالاحراج العميق . لكن بوجود كوريللى نفسه ، فان التحدى المتبادل والعداء السافر جعلاها تأخذ موقفا حازما لوضعه فى مكانه الصحيح ، حتى وان كان يبدو كوحش من غابة .

بدا على لويز الاضطراب الشديد وكاد أن يغمى عليها وهى تقول بالحاح :
" اقترح عليك الاعتذار من السيد كوريللى ، والا فإن أمك ستغضب كثيرا "

اعترضت بروك وقد زادت مشاعر التحدى والكبرياء من نفسها :
" لا أستطيع الاعتذار . ولا يمكن للسيد كوريللى ان يحصل على كل ما يريد بسهولة "

رد عليها بكسل :
" ساحصل على كل ما أريد .... "

قالت لويز والألم يعتصرها :
" يسعدنى أنك صبور يا بول . ففى بعض الأحيان ،تكون بروك غير معقولة "

همس قائلا وعيناه تتجولان فوق وجه بروك وفستانها :
" يجب أن اعترف بأن الزمن الذى كانت فيه الفتيات الصغيرات يظهرن بدون أن يتكلمن .... كان زمنا أفضل "

احست بروك بموجة عارمة من الغضب تجتاحها للحظات .كيف يمكنه ان يعتبرها فتاة صغيرة ، وكأنه يعرف كل شئ عنها ؟ قالت :
" اذا كنت راغبا فى الرقص ،فأرجو ألا تدعنا نؤخرك على ذلك ؟ "

أجابها بسخرية واضحة :
" انه لشرف عظيم لى "

وقبل أن تعى ما يجرى ، كان كوريللى يضمها إلى صدره بلطف ، ثم التفت إلى لويز قائلا :
" لا تغضبى يا عزيزتى . فشقيقتك الصغرى لا تزعجنى أبدا .فأنا أعتقد دائما أن الفتيات ذوات الشعر الأحمر يملكن ألسنة سليطة وقاسية "

سأل نيجل لويز عما إذا كانت راغبة فى الرقص ، ولما لم تعطه جوابا أمسك ذراعها بحزم وقال :
" هيا نرقص يا لويز "

سارت لويز مع نيجل وكأنها منومة مغناطيسيا ،وعيناها تتابعان بروك وكوريللى ..... تماما كما تفعل معظم عيون الحاضرين . ويبدو ان بروك كانت مستمتعة بهذا الحو ،لذلك قالت بلطف :
" هل من الضرورى أن تؤذينى لمجرد كلمة أطلقتها عرضا ولم أكن أقصدها ؟"

نظر كوريللى إليها مليا ثم قال مبتسما :
" أريد أن أؤكد لك شيئا يا آنسة . كم أتمنى لو أؤذيك فعلا ،لكننى لن أفعل ذلك الآن "

رفعت رأسها نحوه ،واغتصبت ابتسامة فى محاولة لكسر حدة التوتر :
" نحن سعيدون لانك استطعت الحضور الليلة "

" انت لا تتوقعين منى جوابا ،أليس كذلك ؟ "

كانا فى هذه الأثناء قد احتلا وسط الساحة على وقع أنغام موسيقية حالمة .

ثم قال :
" ارتاحى , أجل , هكذا أفضل . يجب ان تتعلم المرأة كيف تسلم أمرها للرجل " .

التقت عيناها الخضروان بعينيه السوداوين الحادتين وقالت :
" كم أن أفكارك ممتازة يا سيد كوريللي " .

" يسعدنى ان اراك على حقيقتك يا آنسة . فدائما كنت أعرف أى طراز من النساء أنت "

بدأت تشعر بالاضطراب من جراء وجودها إلى جانبه ، وأحست بحمرة الخجل تلون خديها ، فقالت :
" حقا أننى لا أفهمك "

رفع حاجبيه باستغراب :
" فعلا ؟ منظرك الليلة يبدو وكأنك امرأة جاءت تصطاد كل الرجال "

انفجرت غاضبة :
" بالطبع لا . وأنا أعرف تماما موقفك منى مسبقا "

تحداها بابتسامة ساخرة :
" هيا خبرينى "

" لست مضطرة لذلك ، فهذه المشاعر متبادلة عادة "

" أية مشاعر ؟ "

" دعك من هذه الأمور الآن "

رفعت عينيها إلى وجهه مباشرة ،فصدمتها الجاذبية التى يتمتع بها هذا الرجل الايطالى الوسيم .فى الماضى كانت تنظر إليه من بعيد ، اما الآن فهى وجها لوجه مع النمر النائم .

قال لها :
" يمكننى القول ان هذه المرة الأولى التى تنظرين فيها إلى مباشرة "

كانت هناك رنة سخرية فى صوته ، لذلك ردت بروك بقوة :
" هذا غريب حقا . فدائما كنت أشعر انك صديق اختى "

اجابها بلا مبالاة :
" اظن انك تصورت واتلينغ كذلك أيضا ؟ "

احتقن وجهها غضبا :
" نيجل صديق لويز "

" بدا لى أنه يريد حبك أنت "

" ستكون معجزة إذا ما تحقق الأمريا سيد كوريللى ؟ "

" حسنا وعندها لن أضطر إلى قتله "
انتظرت بروك حتى زال وقع المفاجأة عنها ،أمسك كوريللى يدها بلطف وقادها عبر السلم إلى الحديقة الخلفية بدون أن تستطيع رفع عينيها إليه أو حتى سحب يدها منه .

قال عندما وصلا إلى الحديقة :
" من المؤسف ان تكون التماثيل قد ذهبت . فالحديقة جميلة ، لكن الاهمال شوه منظرها ،خاصة الأعشاب والنباتات البرية التى نمت فى كل مكان "

اجابته بمرارة :
" لست مضطرا لإقناعى .فالحدائق واسعة ، ومن الصعب الحصول على عمال مزارعين بسعر معقول "

" معك حق طبعا "

لم تر السخرة فى عينيه ، لكنها سمعتها بوضوح فى صوته فقالت :
" لم يعد سرا كون عائلة اشتون تعيش فى ضائقة مالية خانقة "

" يظهر أننى أزعجتك بذكر هذه الأمور"

" هل كنت تتوقع منى أن أمزح ؟ "

هز رأسه الأوسد بهدوء قائلا :
" لماذا تعتقدين أننى قاسى القلب ؟ "

واصلت سيرها وهى تشعر بلسعات البرد الخفيفة :
" لقد تطلب بناء وينترسويت جهدا كبيرا ومبالغ طائلة . ولا يمكن لأحد أن يلومنا على رغبيتنا فى الحفاظ عليه "

" انت توافقين اذن على فكرة امك فى بيع ابنتها ؟ "

فاجأها السؤال بحيث لم تجد وسيلة مناسبة للتعبير عن غضبها العارم ،سوى أن ترفع كفها باتجاه خده العريض . لكن الصفعة لم تحدث ،إذ أنه أمسك يدها وهى فى الهواء واعادها إلى مكانها بحزم قائلا :
" اهدأى أيتها فتاة "

" عليك أن تنتبه للكلمات التى تقولها "

" يجب أن تتوقعى فى مثل هذه الظروف بعض الملاحظات الجارحة "

سألته بحدة :
" ولماذا حضرت إلى الحفلة ؟ "

شعرت بالخوف من ضعفها الشديد تجاهه ، خاصة وان قبضته لم تخفف الضغط عن يدها . ادارها نحوه بدون ان تبدى اعتراضا وقال :
" جئت بهدف الحديث إليك "

هزت رأسها بعنف وراحت تردد كلمة " لا " بدون وعى .

قاطعها بحزم :
" لقد صممت على هذه الخطوة منذ مدة طويلة "

" إذا كان الأمر يتعلق بلويز فعليك أن تبحثه مع أمى "

" لويز جميلة جدا ،لكنها غير مناسبة لخططى "

" مهما كانت هذه الخطط ، فلست أنوى الاستماع إليها "

" حتى إذا كنت ستتعرضين لشئ رهيب جدا ؟ "

" نحن فى بيتى ، والناس يحيطون بنا من كل جانب "

تلفتت حولها وكأنها تريد تأكيد كلامها . لكنها لاحظت أنهما بعيدان عن البيت ، ولا شئ يمنعه من القيام بأى تصرف طائش .فهذا الرجل معروف بأنه لا يتردد فى عمل كل ما يلزم لتحقيق اغراضه ..... ومع ذلك ستقاومه بكل ما أوتيت من قوة .

قطع عليها حبل أفكارها قائلا :
" اسمحى لى أن أرافقك إلى المقعد الرخامى . صحيح أنه غير مريح ، لكن من الأفضل مناقشة الشؤون العملية جالسين "

أجلسها فى المقعد وكأنها طفلة صغيرة ،ثم جلس إلى جانبها بكل أدب .
قالت بروك بلهفة فى محاولة للخروج من هذه الورطة :
" ما هو الموضوع الذى تريد التحدث فيه ؟ "

" هل أنت خائفة منى ؟ "

ردت بصوت مرتجف :
" لست خائفة "

انتظر لحظات قبل أن يقول :
" لست أعلن سرا إذ قلت ان عددا من الناس يتوقعون أن أتزوج أختك "

وافقت بجفاء :
" هذا ليس سرا "

" وهل تفكرين مثل هؤلاء الناس أيضا ؟ "

أجابته بحدة :
" على عكس معظم الناس ،فأنا لست من المعجبين بك يا سيد كوريللى . "

" الأمر غير مهم وغير ضرورى . ولعلك تعتقدين أن تصرفاتك هذه ستفقدنى أعصابى ؟ "

" قلت لك من قبل ان المشاعر متبادلة "

" أعتقد أننى أفهم موقفك , لكننى مؤدب أكثر منك " .

" من المؤسف ان لغتي الايطالية لم تعد كما كانت " .

" انك بحاجة الى مترجم يا آنسة " .

" اننى اعرف بعض الكلمات القليلة " .

قال ضاحكا :
" انها لا تكفى للتعبير عما فى نفسك " .

" معك حق .. " ثم وقفت استعدادا للرحيل , لكن يده القوية اعادتها الى مكانها بلطف .. لكن بحزم .

" دعينا ندخل فى الموضوع . انا على استعداد للحديث فى الشئ الوحيد الذي يهمك .. مستقبل البيت " .

انفجرت وقد عيل صبرها :
" ولماذا تريد اثارة هذا الموضوع ؟ "

" لو تسكتين قليلا لاخبرتك بالمزيد . من المؤسف انك غير قادرة على ضبط لسانك "

" من الطبيعى والضرورى ان نطرح الاسئلة "

أجابها بجفاء :
" ليس فى كل الاوقات . انت وانا نعرف ان امك على استعداد للمغامرة بكل شئ فى سبيل تزويج واحدة من ابنتيها الى رجل ثري يتولى الاهتمام بالبيت "

قالت باشمئزاز :
" انك تثير استيائى يا سيد كوريللى "

" دعك من هذه الكلمات يا آنسة , فانت تعرفين اننى ايطالى . من المعروف ان الزواج مسألة هامة جدا . وعلى المرء ان يفكر جيدا . لعلي اعطيت انطباعا للناس بأننى اريد الزواج من اختك الجميلة ... لكننى فى الواقع اريد ان اطلب يدك انت "

انعقد لسان بروك خوفا ودهشة . وصرخت :
" سيغمى على فورا "

أمسك رأسها بقوة واحناها الى الاماما قائلا :
" لن يغمى عليك . تنفسى ... تنفسى ... وسوف يزول الشعور سريعا "

ومن الغريب ان لمسة يده استطاعت ان تعيد اليها هدوءها . وبعد لحظات قال :
" ليس ما قلت عرضا عاطفيا يا آنسة , فقط عقد عمل بيننا ... واؤكد لك انه لن يكون سيئا الى هذا الحد "

" ارجوك تمهل قليلا يا سيد كوريللى "

قال بهدوء :
" اننى بالانتظار "

أجابت بأنفاس متقطعة :
" قد تحدث مثل هذه الامور فى ايطاليا , لكننا هنا اكثر تقدما ووعيا "

" تقصدين ان نسة الطلاق عندكم أكبر ؟ على عكس ما يعتقد الناس . نحن لسنا شعبا عاطفيا . المال بالنسبة لنا شئ مهم , ومن الافضل الزواج بمن يملك وليس بمن لا يملك . أنت أيضا مسؤولة عن عائلتك , فأمك وأختك رائعتان , لكنهما غير فاعلتين , وليس من المناسب رؤيتهما وهما تصارعان المستحيل . لويز لا تعرف كيف تتدبر أمورها , انها جميلة مثل ميدالية ذهبية يعلقها المرء فى عنقه ... فقط , اى انها للحفظ فى الخزائن المذهبة "

لم تستطع بروك الرد ., لأن الحقيقة كانت واضحة ولا يمكن تجاهلها . ولعل وجودها هو المنقذ للعائلة بأسرها . قالت :
" وكيف اختلف انا عنهما ؟"

لاحظت بروك لمعانا خاطفا فى عينيه عندما اجاب قائلا :
" أولا , انت تملكين الشجاعة والقوة .. ومن المحتمل العقل ايضا "

" شكرا لك على هذا الاطراء , اننى اؤكد ان لويز تملك عقلا مماثلا "

" لا شك فى ذلك , لكننى لم ار الكثير منه . انا اقدر دفاعك عن اختك .. بالنسبة لى الأمر مقرر سلفا "

كان يبدو واثقا من كل كلمة يقولها , وكأنه اعتاد أن يأمر فيطاع ابدا .

هبت بروك واقفة وصرخت بحدة :
" لا اريد ان اسمع المزيد . ولا استطيع ان آخذ كلامك على محمل الجد "

سألها بدون ان يبالى بتصرفاتها :
" ولماذا لا ؟ "

هدأت قليلا وأجابت :
" لعل اقتراحك يحمل حلا بالنسبة للآخرين , أما بالنسبة لى يا سيد كوريللى فأنا قادرة على العمل "

قال بلطف :
" لا شك فى ذلك . لكن اياك ان تنسى ان امك تبحث عن عريس لابنتها "

" امى ستصاب بصدمة كبيرة اذا عرفت العرض الذى قدمته لى . بل ماذا سيحدث للويز ؟ المسكينة , لماذا اعطيتها املا كاذبا منذ البداية ؟ "

رد عليها بحدة وقد بدأ صبره ينفد :
" اسئلة .. اسئلة , قد تفاجأين اذا قلت لك اننى لم اشجع اختك ابدا . فهى مجرد طفل بحاجة لمن يهدهده "

جاهدت بروك لابقاء صوتها خفيضا :
" انك رجل مستحيل . لاجلك فقط اقامت امى هذه الحفلة الغريبة "

" ايتها المسكينة , انك تحملين حبا كبيرا بين ضلوعك "

" أنا متأسفة لم افهم ما قصدت "

" انت تؤذين امك واختك ... وتؤذين نفسك ايضا . تزوجينى وستعود كل الأمور الى طبيعتها "

اغلقت عينيها والألم يعتصرها :
" قد توافق لويز فورا على هذا العرض المغرى . اما جوابى انا فهو الرفض الكامل "

وقف امامها واضعا يديه على كتفيها وهى جالسة , وقال :
" يؤسفنى اننى لا اقبل جوابا بالرفض . وانا متأكد انك ستفكرين فى الموضوع اكثر , وتوازنين الامور بعقلك الراجح . وعلى أساس اتفاقيتنا , سأعيد وينتر سويت إلى سابق عهده . فأنا أعرف التحف التى بيعت منه , واعرف اين هى الآن , لا اعدك بأن اقبل امك واختك معنا , بل سأفعل ما بوسعى لأمن لهما حياة لائقة , بحيث لاتضطر لويز لان تعرض نفسها مجددا أمام الاثرياء الطامعين بالزواج . أعرف ان امك تثور لاتفه الأسباب فى احيان كثيرة , لكننى سأكون حازما وسريعا فى الدفاع عن زوجتى "

قالت بصعوبة :
" حقا انك مثل النمر . لا اصدق انك كنت تلاحقنى طيلة هذه الفترة "

" لم يكن من الضرورى ان اخيفك باكرا ... فقد كنت اساسا ترتجفين مثل ورقة شجر فى مهب الريح "

نهضت واقفة فى مواجهته :
" ابدا لم اكن خائفة . هل تقصد انك تحبنى ؟ "

" طبعا لا ايتها الآنسة . انا لست مغفلا , والحب بالنسبة لى صعب . اننى اريد امرأة تحب البيت , وتقبل عندما يحين الوقت ان تنجب لى ابنا .. فأنا لا اريد ان اكون نهاية عائلتى "

ردت بروك فى محاولة لايذائه :
" هذا الحلم المستحيل "

ضغط كوريللى بأصابعه على كتفيها قائلا :
" لقد حصلت على ما فيه الكفاية من الثراء والدلال بحيث تشوهت شخصيتك . لعلك تقصدين اننى اعرف من أنا ... واننى لست الا ذلك الولد الفقير الذى كنته فى الماضى "

وجدت بروك نفسها تعتذر قائلة :
" انا آسفة . لم اقصد ان اكون قاسية الى هذا الحد , لكنك بادرت فى القسوة . حتى وان كانت امى تريد ان تزوج احدانا من اجل انقاذ وينترسويت , فمن الواضح اننى لايمكن ان اتزوج بدون حب ؟ اى نوع من الحب "
أجابها بجفاء :
" سوف تشعرين بالحب . فمن خلال الطريقة التى ترتجفين فيها بين يدى , استطيع القول انك تحسين شيئا نحوى . اعرف أنه من الصعب عليك الاعتراف بالحقيقة , لذلك تقفين بصمت تحدقين بى . ألست تنتظرين حدوث شئ لك ؟ ماذا تريدين من الحياة ؟ "

قالت بشراسة :
" لا أريدك انت "

" دعينى أنهى كلامى .. لاشك عندى القدرة على إيقاعك بحبى اذا اردت . بل واستطيع جعلك ترتجفين من الفرح مثل اختك تماما "

صاحت بصوت أقرب الى الزعيق :
" لا استطيع ابدا "

تابع قائلا :
" المهم . انت مجرد مخلوقة عنيدة . فتاة فى سن الحادية والعشرين كما اعتقد ؟ رفع ذقنها الى الاعلى ومضى يقول : " سوف نجرب هذا الزواج . وبالتالى يعود لك بيتك العزيز كما اردت , وتستطيع اختك وامك السفر الى حيث ما تريدان . واعتقد ان ايا منهما , مهما كان حبها لوينتر سويت , لا ترغب في البقاء بالبيت "

رفعت بروك رأسها نحو السماء :
" آه .. ساعدنى يا الهى . لا استطيع تحمل المزيد "

تقلصت عضلات وجهه وهو يقول :
" انت تتصرفين بسخافة . هل يخيفك التفكير بالزواج الى هذا الحد ؟"

ردت بعنف مماثل :
" ببساطة . انت لا تفهم هذه الامور . واعتقد يا سيد كوريللى انك انسان غريب وغير طبيعى "

أجابها بحدة :
" اسمى بول . فانت لاتعرفين مدى الصعوبة التى أواجهها عند محاولة النطق باسمك . أليس عندك اسم آخر غيره ؟ اسم اجمل واسهل على اللسان ؟ "

خرجت الكلمات من فمها نارية الوقع :
" أنا متأسفة , وطالما اننا لن نتزوج , فالمسألة غير مهمة اطلاقا "

ترددت للحظات قبل ان تتابع فى محاولة للهرب منه :
" يجب ان نعود الى الحفلة الآن . اعتقد ان الجميع لاحظوا غيابنا الطويل "

وافق بجفاء :
" صحيح تماما . اعطنى جوابك وسنعود فورا "

ردت بحزم :
" انا متأسفة يا سيد كوريللى . اننى اريد علاقة حب جارفة , وليس زواج منفعة يقرر بهدوء وتؤدة "

هذا يمكن ان يحدث . فأنت جذابة وجميلة ايضا "

خفف كوريللى ضغط أصابعه عن كتفيها , لكن نظراتهما ظلت معلقة ببعضهما عدة لحظات ... الى ان ابعدت بروك عينيها عنه هربا من اللمعان الغريب الذى يشع من عينيه .

عاد كوريللى الى الحديث بهدوء :
" من مصلحتك الزواج . فكل واحد منا يملك شيئا يريده الآخر . انت تشعرين بالتوتر والخوف الآن . وهذا سيزول بعد قليل . الزواج سيبقى البيت القديم فى العائلة , ولعله يصبح يوما ما ملكا لابنك "

قالت بصوت ضعيف :
" ابنى ... لكن ليس منك "

" عواطفك ستتغير حكما , واتعهد لك اننى لن اجبرك على شئ . وعلى كل , ليس من الضرورى ان تنجى لى وريثا قبل سنة أو سنتين على الاقل "

انفجرت بوجهه صارخة :
" اوقف هذا الكلام فورا , فأنا اسمع طنينا مرعبا فى اذنى . اننى اردك ان الزواج سيحل عددا من المشاكل , لكن الفكرة مجنونة من أساسها . بل لن يكون الزواج الا بالاسم فقط "

سألها بجفاء :
" وهل يناسبك ذلك اكثر ؟ "

" طبعا . طالما اننى اشترى واباع "
قال بنعومة :
" اقتراحى عليك لا يعتبر مهينا يا آنسة , ومن الغباء ان ترفضى . وبعيدا عن عواطف غضبك وعادتك فى الثرثرة , فانك قد تركت أثرا جيدا على . انا لا امانع فى ان تتزوجينى من أجل ثروتى , لكننى رجل أحصل على ما اريد دائما , وعندما تكونين جاهزة , ستصبحين زوجتى وشريكة حياتى , ومهما كان , فأنا أعتقد انك امرأة عاطفية ., او ستكونين كذلك عندما اعلمك الحب "

سألته بقسوة وسخرية :
" وهل انت متأكد من معرفتك للحب ؟ "

حدق فيها مطولا وقال :
" انك تمزحين بلا شك ؟ هل تريدينى ان ابدا الآن ؟ "

قالت بتهكم وهى تبتعد عنه :
" اعتقد انك قادر على كل شئ . جوابى هو الرفض يا سيد كوريللى , ولن اغير موقفى . والافضل لك ان تشترى لويز , فهى قابلة للانقياد اكثر منى "

ضحك بهدوء وكأنه يستمتع بلعبته معها , وقال :
" فكرى فى الاقتراح ايتها الطفلة المدللة . فأنا أكره ان اخسرك "

" ارجوك دعنا نعود الى البيت ؟ "

" اعتقد انك امك واختك لن ترحبا بقرار الرفض الذى اعطيتنى اياه "

همست بسرعة :
" اولا , يجب ان تتجاوزا الصدمة . فكل خطط امى كانت مركزة على لويز "

قال بقسوة :
" يؤسفنى ان لويز لا تثير اهتمامى فى هذا المجال , فأنا ابحث عن عروس , لا اكثر ولا اقل . ليس عندى رغبة بالخوض فى متاهات الحب , لكننى أكون كاذبا اذا قلت اننى غير منجذب إليك , تبدين اجمل بكثير من لويز . كما وانك تملكين العاطفة الصادقة والقدرة على الاحساس بالأخرين . ويجب ان اخبرك الآن عن شئ آخر اطلبه منك اذا وافقت على الزواج منى "

خفق قلب بروك بشدة توقعا للمفاجأة الجديدة , لكنها استدارت نحوه بهدوء قائلة :
" اى شئ آخر لن يكون اغرب من طلبك الاول "

" ربما ! " ثم حدق فى عينيها بشدة وقال : عندى ابنة اريد منك شخصيا ان تدخليها الى دوائر المجتمع الرقى "

صعقت بروك , وصرخت :
" ابنة ؟ اذن انت متزوج من قبل ؟ "

ظل كورديللى هادئا وهو يقول :
" لم اقل اننى متزوج . ابنتى هى نتيجة علاقة عابرة عرفتها فى الماضى البعيد , وهى تعيش الآن مع شقيقتى فى كينيا . ولكن ما ان نتزوج . سيصبح من الطبيعى ان احضرها الى هنا . لقد تحملت الكثير بعيدا عنى , وكنت مضطرا لذلك بسبب أعمالى الكثيرة . اما الآن , فأنا قادر على الزواج من شابة اجتماعية جميلة , وهكذا ستنضم لوسيا الينا ... وبوسعك مساعدتها كثيرا "

ادركت بروك الدور الذى يريدها ان تلعبه , فسألت :
" كم يبلغ عمر هذه الطفلة ؟ "

اجابها بدون ان يرفع عينيه عنها :
" ست عشرة سنة "

حدقت بروك فى وجهه وكأنها لا تصدق ان الشخص الذى يقف أمامها يمكن ان تكون لديه ابنة تبلغ السادسة عشرة من العمر ... وصاحت :
" غير معقول . لا اصدق ذلك ! لاشك انك كنت فتيا فى ذلك الوقت "

صحح كلامها مبتسما :
" كنت شابا .. ولم تكن تلك اول مغامرة لى مع الأسف "

اخذت بروك نفسا عميقا , متظاهرة بأنها تفكر بكلامه ثم قالت :
" لا غرابة فى انك تفكر فى الزواج وكأنه شأن عملى فقط . ولا شك بأنك لا تحمل اى اعتبار للرباط المقدس "

ضحك بخفة وقال :
" ربما افعل . فهناك نوع من النساء يستحق ان يضحى الرجل بالغالى والنفيس من اجلهن "

" واين هى هذه المرأة ؟ وهل التقيت بها من قبل ؟ "

" اتمنى صادقا لوفعلت , والأرجح ان مثل هذه المرأة غير موجودة "
" اذن اقترح عليك ان تنتظر بعد . لعلك تستطيع ان تجد من هى أفضل منى "

" على العكس . لقد سئمت من البطاقات البريدية كوسيلة اتصال وحيدة مع ابنتى . اريدها معى , تحت اشرافى المباشر . واريد ان اؤمن لها افضل حياة ممكنة "

استطاعت بروك ان تتكلم بصراحة :
" اظنك تدرك اننى لست فى السن المناسبة التى تؤهلنى للعب دور الأم , المربية "

" لكنك ستنجبين لى ابنا . فأنا لم اجاهد طيلة حياتى عبثا . لقد بلغت الخامسة والثلاثين . واريد ان استقر فى بيت وعائلة . والحقيقة ان هذه الفكرة تطاردنى بالحاح "

قالت بهدوء ولطف هذه المرة :
" اننى اقدر موقفك يا سيد كوريللى , لكن لاتطلب منى ان اشاركك فيه .
ان انوى ان افكر مليا فى ما اذا كنت راغبة فى الزواج ام لا "

اجابها بهدوء مماثل :
"تلفتى حولك ! بيتكم سيتحول الى خرائب اذا لم يتقدم منكم رجل ثرى ... وبأسرع ما يمكن . لكن تكون هناك عروض سخية دائما . ربما جاءت بعض شركات المقاولات وهدمت البيت من اساسه , لبناء شقق حديثة مكانه , ولن تكون الحياة بعد ذلك طبيعية لامك , حتى لو تزوجت اختك رجلا مناسبا لها "

قالت بروك والغضب المكتوم يعتمل فى نفسها :
" ... وهذا ما ستفعله فعلا "

" أشك فى ان يقبل عريس أختك المقبل , بقاء أمك معه "

رفعت رأسها وقد ازعجها أسلوبه التهكمى الساخر فى تناول شؤونهما العائلية الخاصة , وقالت :
" الا تخطط أنت أيضا لاجلائها عن اليت ؟ "

" لقد اخبرتك تماما ما انوى ان افعله .. فقط استمعى ولو لمرة واحدة . ستكون امك حرة فى قضاء حياتها كيفما ارادت واينما ارادت . وحرة فى زيارة بيتها القديم بين الحين و الآخر .. وأنت أيضا حرة فى اختيار الوقت المناسب الذى تريدين ان تصبحى فيه زوجتى "

" هذا الوقت لن يكون أبدا "

" حان وقت العودة الى البيت "
ودون أن يتنظر جوابها ، أخذها من ذراعها وقادها باتجاه البيت حيث الموسيقى الصاخبة تصدح ، والأضواء تنير الغرف وتلقى ظلالها على الحدائق المترامية . وكان من الواضح لبروك ان كوريللى مصمم على تنفيذ الامور كما يريد ، وانه قام فعلا على ذلك . وتذكرت كيف كان الأمر وهى بين ذراعيه تستمع إلى خططه وافكاره لمستقبلهما معا ، فشعرت بمزيج متضارب من الاثارة والتوتر واللهفة والغضب . ليس بول كوريللى الرجل المناسب لتتورط عاطفيا معه ، الم تقل هى نفسها انه من طراز الرجال الذين يجعلون المرأة تقاسى وتتألم ؟ ان مشاعره نارية مدمرة ، وان كانت اعصابه باردة وعقله عمليا " هادئا " . وبالاضافة الى ذلك هناك ابنة . والظاهر ان احدا لا يعرف هذه القصة ، حتى ولا لويز نفسها . لا شك انه من النوع المغامر ، وهو يحاول الآن ان يجرفها فى تياره العميق . وعندما وصلا إلى الشرفة ، ظهرت ليليان صدفة . فاسرعت الأم عندما رأتهما إلى أخذ ذراع كوريللى وقادته إلى الداخل بسرعة ، وهى توجه نظرات تحمل العديد من المعانى نحو ابنتها الصغرى . وكالعادة ، تركت بروك امها تتكلم كما يحلو لها بعد ان تركت ضيفها العزيز فى الداخل وخرجت إليها مجددا . فليليان تشعر بالانزعاج لان ابنتها الصغرى حاولت الاستئثار باهتمام كوريللى معظم السهرة . ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة لتفجير غضبها .... وعندها ستجد بروك نفسها مضطرة لسرد القصة من اولها لاخرها . فكيف ستستقبل الأم قرار كوريللى بالزواج من بروك وليس لويز ؟ لا شك انها ستجد صعوبة بالغة .... ولكن هل تلوم بروك على ذلك ؟ هل تستطيع ان تفهم اسلوب الايطالى القاسى فى الحصول على ما يريد ؟

عبر القاعة الغاصة بالراقصين ، لمحت بروك وجه شقيقتها لويز . كان بول كوريللى إلى جانبها ، وهى تنظر إليه باعجاب ممزوج بالخوف . انها لا يمكن حتى ان تتخيل ان الرجل الواقف الى جانبها قد طلب يد شقيقتها قبل دقائق قليلة فقط . كل شئ من أجل لويز : الحفلات ، الورود ، والملابس الزاهية . ودائما الأم تتولى الاهتمام بشؤون الأخت الكبرى وشجونها . وبدلا من ان تقبلها بارتياح ، ها هى ترميها نحو بول كوريللى الجذاب والقاسى فى ان واحد . قد تكون بروك مضطربة وضعيفة الآن ، لكنها ستجاهد كى لا ينفرد بكوريللى مرة أخرى هذه الليلة .

فجأة أحست بيد تمسك ذراعها ، فالتفتت لتجد نيجل بجانبها وهو يقول :
" السماء وحدها انقذتك من أمك يا عزيزتى . اختارى أى شاب تريدين .... لكن اياك وكوريللى "

ابتسمت ملء شفتيها وعيناها تلتمعان ببريق غريب :
" لعله هو الذى اختارنى "

" انها الحقيقة . دائما كنت اقول ان امك واختك لم تقدراك حق قدرك . هل تهتمين بالمسكينة لويز الآن ؟ يبدو انها بحاجة لمن يقف إلى جانبها فى هذه المحنة ، فهى تنظر إليه بشكل يدعو إلى الرثاء . والآن ، حدثينى ايتها العزيزة عما دار بينك وبينه "

هزت بروك رأسها بنفاذ صبر :
" أحاديث مختلفة . ارجوك ، لا اريد ان اسمع اسم كوريللى مجددا ، فلقد سمعت ما فيه الكفاية "

قال نيجل فى محاولة لتلميع صورته :
" انه لا يستحق كل هذا الاهتمام . الم يحن موعد العشاء بعد ..... اننى جائع جدا ؟ "

وضع نيجل ذراعه حول كتفى بروك واتجه معها إلى مائدة المرطبات ، حيث قدم لها شرابا منعشا وتناول آخر لنفسه . وكم كانت دهشته كبيرة عندما شربت كأسها دفعة واحدة . فهذه هى المرة الأولى التى يراها تفعل ذلك .... والظاهر أنها بدأت تتغير بدون أن تدرى ، وفى أكثر من مجال .
لن أتزوجك !






اقتحمت ليليان غرفة بروك وبرفقتها لويز التى ظهرت على وجنتيها آثار الدموع على خلفية من الماكياج المنوع .


واجهتها بروك بالاعتراض قائلة :
" انها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تقريبا "



قالت لويز بتردد :
" أمى "


قاطعتها ليليان بحدة :
" اتركى الأمر لى . لن يوقفنى شئ الآن عن قول ما جئت لأقوله "


سألتها بروك باقتضاب :
" هل جئت لتقولى اننى أسات إلى سمعتى فى الحفلة ؟ "


وفجأة انفجرت لويز باكية ، فاستدارت ليليان نحوها تواسيها واجلستها فى اقرب مقعد وهى تلامس شعرها بحنو ولطف .


قالت لويز :
" ارجوك ، لا تغضبى منى يا أمى "


" لا يمكن أن أغضب منك أبدا يا حبيبتى "


تدخلت بروك قائلة دون أن تغادر سريرها :
" استمعا إلى . اننى منهكة القوى .... فهيا قولا ما تريدان قوله ما الذى جعل لويز حزينة إلى هذا الحد ؟ "


استدارت ليليان تجاه ابنتها الصغرى :
" لقد تركت انطباعا مميزا هذه الليلة يا آنسة . فالفستان كان مناسبا تماما للخطط التى وضعتها .... هذا الى جانب الاموال التى صرفتها عليه "


قالت بروك بلهجة ساخرة اعتادت على مواجهة غضب أمها بها :
" اطرقى الموضوع مباشرة يا أمى "


ردت ليليان وانفاسها تكاد تتقطع :
" الموضوع انك لا تبالين ابدا بشقيقتك . بل لا تريدينها ان تتزوج "


" ما هذا الكلام السخيف . انها سعيدة كما هى الآن "


نظرت لويز إلى شقيقتها شذرا ، فبدت وكأنها صورة مصغرة عن أمها ، وقالت :
" لماذا غادرت الحفلة انت وبول ؟ "


تنهدت بروك وكأن خنجرا طعنها فى القلب :
" الحقيقة اننى لم اذهب معه يا عزيزتى . بل هو الذى ذهب معى "


صرخت ليليان بحدة :
" وهل تريديننا ان نصدق هذا الادعاء السخيف ؟ "


جاهدت بروك كى تحافظ على اعصابها :
" انه رجل غريب للغاية . لن اشغل فكرك حوله كثيرا .... فهو قد ازعجنى جدا "


اجابتها لويز :
" دعينى اقرر ذلك بنفسى . المسألة كلها أنك تغارين منى "


قالت بروك بلا مبالاة :
" يجب ان تلام امك على ذلك يا عزيزتى ، فهى التى وضعت هذه الافكار فى راسك . ومن ناحية اخرى ، الم تلاحظى نظرات الرجال الى هذه الليلة ؟ لقد كنت جذابة ومثيرة أكثر من أى امرأة أخرى "


ردت لويز بألم :
" من الواضح ان نيجل تصرف معك على هذا الاساس "


انتفضت ليليان وهى تقول :
" لسنا هنا للحديث عن نيجل ، ولست مستعدة لاهدار وقتى واعصابى فى النقاش حوله . لقد احب لويز طوال حياته .... ومع ذلك ، هل لاحظت كيف كانت تصرفاته الليلة ؟"


" لكن بروك هى التى اثرت فيه يا أمى "

وضعت بروك يدها على فمها بعد ان داهمها التثاؤب وقالت :
" كم أتمنى لو أن السنة الجديدة تحمل لكما بعض الاحساس . لماذا لا نؤجل الحديث إلى الغد ، فكلنا متعبات الآن ؟ "

" كان من الممكن أن تكون هذه الليلة رائعة ، لكنك دمرت كل شئ سعيت إليه . لن أسامحك أبدا يا بروك "

حدقت بروك فى شقيقتها بتمعن وقالت :
" فى بعض المرات أحس وأنا معك كأننى أتعامل مع طفلة صغيرة من تلميذات المدرسة "
منتديات ليلاس
احتقن وجه لويز بالغضب وراحت يداها تهتزان بعصبية وهى تقول :
" دعونا بول خصيصا هذه الليلة . ومع ذلك هربت به بعيدا فور وصوله إلى البيت "

" لم أسر كثيرا معه أيتها العزيزة . ومهما كان ، فقد اعتقلته طيلة البقية الباقية من السهرة "

قالت ليليان بحدة :
" ما هذا الكلام ؟ تقولين اعتقلته ؟ يا لهذا العقل السخيف ! لم أرك فى حياتى على هذه الشاكلة . أنت التى سعيت خلفه .... لكنه لن يهتم بك أبدا . أنه يريد لويز ، وان كان لا يظهر اهتمامه العلنى بها "

ردت بروك وهى تأخذ مقعدا مجاورا لشقيقتها :
" إذن ، الآن عرفت لماذا طلب يدى للزواج . من الصعب تصديق ذلك ، أليس كذلك ؟ اننى اعدكما بحفظ السر عن كل الناس "

خيم صمت مطبق على كل الغرفة ... ثم أطلقت لويز صرخة ألم مكتومة ،رافقتها صرخة تساؤل من ليليان :
" ماذا تقولين ؟ "

رددت بروك كلامها بهدوء :
" لقد طلبنى للزواج "

صرخت لويز بصوت عال ،ثم غرقت فى نوبة من البكاء والنحيب .

عادت ليليان تسأل ابنتها الصغرى وعيناها تلتمعان بشكل غريب :
" ما الذى فعلته أيتها الصغيرة ؟ "

تركت بروك العنان لغضبها المكتوم قائلة :
" انتبهى لكلامك يا أمى . فأنا لا أسمح لأحد بمخاطبتى بهذا الشكل "

تحول كلام ليليان إلى ما يشبه الزعيق وهى تقول :
" لا ..... لم أعد أحتمل ! " ثم هدأت قليلا بعد أن أحست أن ابنتها تروى الحقيقة تماما ، وانها وصلت إلى نقطة اللارجوع فى توترها وغضبها . وقالت :
" أى نوع من الرجال هو ؟ "

مسحت لويز دموعها بكفها وقالت :
" إنه كابوس يا أمى "

وفجأة قالت ليليان ما لم يتوقعه أحد :
" الأفضل أن تذهبى إلى الفراش يا حبيبتى "

صرخت لويز بعصبية :
" لست فى وارد النوم الآن . يمكنه أن يطلبها للزواج ويتزوجها ساعة يشاء ..... لكنى أريد أن أعرف كيف سرقته منى ؟ "

قالت بروك بجفاء :
" صدقينى ، إننى لم أسع خلفه أبدا "

" أنت كاذبة ...... كاذبة "

رفعت بروك يدها فى وجه شقيقتها قائلة :
" راقبى كلامك أرجوك "

صرخت ليليان :
" اضبطى اعصابك يا لويز "

جمدت لويز فى كرسيها ، وقالت من بين الدموع التى لم تتوقف عن الانهمار :
" اجبريها على الاعتراف بالحقيقة يا أمى "

استدارت الأم نحو بروك وسألتها بهدوء :
" وماذا قلت له ؟"

أجابت بروك وقد نفد صبرها :
" قلت له من الأفضل أن يبحث فى مكان آخر . ولعلك تفعلين خيرا إذا قلت لابنتك الغبية هذه ان لا تجرب دموعها معى . إنه يحترمها ويقدرها وغير راغب فى الزواج منها . دعيها تنسى الموضوع برمته ،فهو رجل قاس جدا "
راحت ليليان تقطع الغرفة جيئة وذهابا ،ثم قالت :
" حسنا ...... حسنا . هل أنت متأكدة من كلامك هذا "


ردت بروك بجفاء :
" تمام التأكيد ..... تمام التأكيد "


ألحت لويز فى إثارة الموضوع مجددا :
" وما هو دورك فى هذا التغيير ؟"


قالت بروك :
" فوجئت بالعرض مثلما فوجئتما به . الحقيقة أن طلبه للزواج جزء من صفقة تجارية إذا صح التعبير "


حولت ليلان عينيها إلى النافذة وهى تقول :
" تماما مثلما توقعت . صفقة تجارية ، زواج مصلحة . نحن نمتلك البيت والاسم وهو يملك المال .ولا شك أن هذا ما يريده فى الدرجة الأولى "


قالت بروك :
" من لمعقول "


عاودت لويز نوبة النحيب والبكاء ، فاستدارت ليليان نحوها بلطف :
" من الأفضل أن تذهبى إلى النوم الآن يا عزيزتى ،فآثار التعب ستظهر عليك بوضوح فى الصباح "


ردت لويز على أمها بحدة :
" لست أفهم موقفك يا أمى . من الأكيد أنك لن تعطى بركتك لهذه الخائنة "


سارت ليليان نحو ابنتها الكبرى ووضعت ذراعها على كتفيها قائلة :
" اصمتى الآن يا عزيزتى . كان من الأفضل لو أنه طلبك للزواج لأنك أجمل عروس على وجه الأرض ..... لكنه طلب بروك بدلا منك ، وعلينا أن ننظر إلى المسألة بمنطق .وأعتقد أنك ستفهمين الموقف عندما تفكرين فيه بهدوء "


اعترضت لويز بتوتر :
" أبدا . أنت تتخلين عنى لصالح بروك "


لم تنف ليليان هذه الحقيقة :
" لقد فعلت ذلك الآن . اذهبى إلى الفراش يا حبيبتى ، وسأخبرك بكافة التفاصيل صباحا "


قاطعتها بروك :
" لا فائدة من مناقشة الموضوع مجددا . فأنا لا أريد الزواج من السيد كوريللى ،وقد أبلغته قرارى هذا . وأنت يا لويز تزوجى باتريك ..... فهو الشخص المناسب ، اللهم إلا إذا أردت البدء فى العمل "


التمعت عينا ليليان بالغضب الممزوج بالراحة :
" لن أوافق على ترتيبات وعروض السيد كوريللى إلا إذا كان ينوى العناية بأمك وأختك "


أجابتها بروك والغضب يغلى فى صدرها :
" إذا سمحت له بذلك . فلا شك أنك إنتهازية جدا يا أمى "


هزت ليليان رأسها موافقة :
" على أن أكون كذلك . هل قال أنه مستعد لإعادة إحياء وينترسويت ؟"


اعترضت بروك بضعف :
" لا فائدة حتى من ذكر المسألة . لقد صدمت بعرضه المفاجئ الغريب . على فكرة ،هل تعرفان أن عنده ابنة فى السادسة عشرة من العمر ؟ "


صرخت لويز بصوت عال دون أن تتكلم ، فى حين قالت ليليان :
" ماذا ؟ "


" جزء أخر من أموره وتصرفاته التى لا نعرف عنها شيئا "


احتقن وجه ليليان وهى تقول :
" إذن ، فهو متزوج من قبل "


تابعت بروك الكلام بدون أن تهتم بتعليق أمها :
" ...... وهو متعلق بها إلى حد الجنون "


سألت ليليان بإصرار :
" أين هى هذه الفتاة ؟ أقصد أن أحدا منا لم يرها من قبل "


" إنها تعيش فى كينيا مع شقيقته المتزوجة هناك . وفور تجهيز البيت سيحضرها للإقامة معه . ولا أعتقد لويز كانت ستستطيع الاهتمام بفتاة فى سن المراهقة "
تنهدت لويز بعمق بدون أن تجرؤ على الكلام ، وبيديها المرتجفتين جمعت أطراف ردائها ثم دفنت وجهها بين راحتيها .... فقد أصبحت الأمور أكبر من قدرتها على الاحتمال .

أما ليليان فكانت منهمكة فى تقليب المسألة على عدة وجوه :
" فى كل حال . ليس هناك ما يدعو للقلق من فتاة مراهقة . والارجح أنها فتاة خجولة بحاجة للحماية الدائمة . كما وان هناك مدارس وجامعات فى الخارج ، بل أعتقد أننا قادرات على أخذها بيننا "

نهضت بروك بنفاد صبر :
" أمى ، لقد أعطيت جوابى وانتهى الأمر "

قالت ليليان بحزم :
" سوف تتجاوزين هذا الجواب السخيف بأسرع مما تتصورين "

صرخت بروك فى وجه أمها :
" غير ممكن . حتى من أجل انقاذ البيت ، لن أربط نفسى بكوريللى هذا . وأقول لك بوضوح أنه يخيفنى "

وبدأت لهجة ليليان تميل نحو اللطف :
" شعورك بالخوف طبيعى ،فهو قد فاجأك بعرضه . ألم أقل دائما أن واحدة منكما ستنقذنا ؟ من الطبيعى أن نضع التفاصيل كلها فى وثائق يعدها المجامى . وقد ادخل ابنته الصغيرة الجديدة إلى المجتمع الأوروبى الراقى ، ولعلى أزوجها من نبيل ثرى . بحق السماء يا ابنتى ، قد نستطيع أن نقوم برحلة إلى إنجلترا ..... بل ونحتفظ بالبيت للعائلة أيضا "

تنهدت بروك بتعب :
" الاحظ أنك لم تستمعى إلى المنطق العاقل . هل تسمحين فى بالنوم الآن ، فلم أعد قادرة على إبقاء عينى مفتوحتين ؟ "

قالت ليليان بلهجة الأم الحنون :
" آسفة يا عزيزتى . هيا بنا يا لويز ،سوف أؤمن لك مستقبلا أفضل يا حبيبتى لا تقلقى ، أمك ستتولى كل شئ .لقد تذكرت الآن كل ارتباطتنا العائلية ، وربما عدنا إلى الوطن فى أول فرصة ممكنة "

ردت لويز بكسل :
" لا أريد أن أذهب "

" يجب أن تذهبى يا عزيزتى .... يجب أن تذهبى "

شدت ليليان ابنتها نحوها وكأنها تدفع طفلا صغيرا ،ثم سارت باتجاه الباب . وقبل أن تغادر الغرفة التفتت إلى بروك قائلة :
" تصبحين على خير يا حبيبتى .أنت تعرفين أنه رجل طيب جدا .أنا متأكدة من أنه سيجعلك سعيدة للغاية "

همهمت بروك وهى ترتب سريرها :
" أنت تخرفين يا أمى "

تابعت ليليان تقول :
" أبدا أبدا .أنا فخورة بك يا ابنتى .لن نضطر إلى مغادرة البيت ، ولن نضطر إلى بيع المزيد من ثرواته . أما وقد وجدت نصيبك ،فسأركز جهودى الآن على لويز . لا شك أن الايطاليين ممتازون ،لكن الرجل الإنجليزى لا ينافس "

صرخت بروك بنفاد صبر :
" هلا أطفأت الأنوار يا أمى "

ردت ليليان :
" طيعا يا عزيزتى . تذكرى أننا نقف إلى جانبك "

كانت الأم تفكر فى الزواج كمجرد عملية حسابية معقدة .عليها فقط أن تعرض السلبيات ثم الايجابيات ،وعندما تطغى الايجابيات يصبح الأمر مبتوتا به . والزواج من بول كوريللى ليس سيئا ، خاصة وأنه ينوى العناية بعائلة زوجته . سحبت بروك الغطاء حتى شعرها الأحمر ، ولجأت إلى النوم لينقذها من التفكير بمسألة الزواج من بول كوريللى .

مضى أسبوع كامل قبل أن تلتقى بروك مجددا بكوريللى .كانت فترة صعبة للغاية فى مواجهة أمها التى لجأت إلى القسوة والاهانة بعد أن فشلت فى أسلوبها العاطفى اللين . فأية أبنة مؤدبة ومطيعة يجب أن تفعل ما تأمرها أمها ... وحتى لويز كانت توافق على هذا الموقف ،وباتت مقتنعة بأن الزواج من ارستقراطى انكليزى أفضل من الزواج بايطالى غير معروف أصله وفصله .

كان يوم الاثنين هو موعد اللقاء الدورى للجهاز التعليمى بالمدرسة .وعندما خرجت بروك من القاعة بوجود سيارة لامبورغينى فخمة بموقف السيارات أمام المدرسة .
هتفت زميلتها كاى موراى وقد علتها الدهشة مثل بروك تماما :
" يا إلهى .. من هو الثرى الذى يملك هذه السيارة ؟ "

وسرعان ما ظهر صاحب السيارة مرتدية سترة بيضاء على قميص حريرى ناعم . وما ان شاهدته بروك حتى تمسكت بذراع صديقتها قائلة :
" ابقى معى ارجوك "

" طبعا يا عزيزتى ..... طبعا "

انضم إليهما باقى الأساتذة الذين وقفوا أيضا يتأملون السيارة ،فى حين خطى كوريللى المسافة الباقية القليلة نحو بروك وكاى . قال لهما :
" نهاركما سعيد "

ردت بروك باختصار :
" كيف حالك يا سيد كوريللى "

تدخلت كاى قائلة :
" اننى سعيدة جدا بلقائك يا سيد ... "

قاطعتها بروك معرفة :
" كاى ، أقدم لك السيد كوريللى ، إنه صديق ...... خاص "

ابتسم كوريللى بسخرية خفيفة عندما لاحظ تردد بروك أمام عبارة " صديق خاص " ما كاى لم تخف اعجابها الشديد بهذا الرجل المميز ، فى حين تساءلت بروك عن الأسباب التى تدفعه إلى محاولة لفت الانظار إليه ؟

قال بهدوء :
" لقد اخبرتنى أمك أنك ستتأخرين فى المدرسة ،لذلك قررت الحضور بنفسى "

قالت كاى :
" اعذرنى للتدخل : لكنك سعيد الحظ فعلا ،أننى أحب سيارتك يا سيد كوريللى ، ولا أعتقد أننى رأيت مثلها فى حياتى "

رد بنعومة :
" ما زالت الطريق فى بدايتها "

" لا شك أنك ثرى جدا . هناك تقف سيارتى الصغيرة .. "

ثم التفتت نحو بروك قائلة :
" لا أطنك سترافقيننى اليوم ؟ " وعادت تحدث كوريللى قائلة : " نحن نستعمل سيارتينا دوريا .أنا أحضر سيارتى يومى الاثنين والجمعه من كل أسبوع ، وبروك تحضر سيارتها باقى الأيام "

ابتسم وهو يجيب :
" انه اجراء اقتصادى جدا "

ولاحظت بروك على الفور تأثير ابتسامته الساحرة على صديقتها ، التى سرعان ما تخلت عن حرجها وخجلها . قالت كاى وهى تترك ذراع بروك :
" سأراك فيما بعد يا عزيزتى .... وداعا يا سيد كوريللى "

رد عليها بلطف :
" إلى اللقاء "

قالت كاى وهى تتوجه إلى سيارتها :
" إذا كان ذلك يعنى أن أراك مرة أخرى فلا مانع أبدا "

لوح كوريللى لها مودعا ،لكن بروك عادت إلى الموضوع الأساسى فورا :
" هل تكلمت مع أمى فعلا ؟ "

قال لها :
" ان صديقتك تلوح مودعة "

انتبهت بروك لنفسها ، فالتفتت تلوح لصديقتها التى عبرت بسيارتها الصغيرة الساحة الأمامية متوجهة نحو الطريق العام .... تاركة اياهما لوحدهما . واخيرا سألته :
" لماذا أنت هنا ؟ "

أخذ ذراعها بحزم وقادها باتجاه سيارته الفخمة :
" انك ترحيبن بى ولا شك "

قالت :
" بسببك عشت أسبوعا مرعبا "

نقل عينيه على وجهها وشعرها ثم قال :
" يبدو عليك بعض الشحوب فعلا . ارجوك اخبرينى عن التفاصيل ؟ "

ردت عليه بحزم :
" انك تتكلم الانجليزيه بطلاقة يا سيد كوريللى ،لكننى متأكدة أنك تفكر على الطريقة الايطالية "
علق بلطف ساحر :
" أريد ان اساعدك فقط "

فتح لها باب السيارة ، ثم أغلقه خلها واستدار ليأخذ مقعد القيادة .
وعندما استقر بهما المقام قال :
" إذا لم يكن عندك مانع ،سنعيد طرح المسألة من أولها ؟ "

" لن تحصل أية فائدة من النقاش مجددا "

ورغما عنها راحت تتأمل السيارة من الداخل ،بل تركت أصابعها تتحسس الازرار والمعدات التى لم تر مثلها من قبل . وفجأة التقط يدها قائلا :
" يجب أن تخبرينى بكل التفاصيل ، فانا رجل عاطفى فعلا "

ردت قائلة :
" اترك يدى . فرئيسة المدرسة لا تحب الايطاليين ابدا ، وقد تظهر علينا فى اية لحظة "

" لا سمح الله بذلك ؟ "

ثم اسرع بادارة محرك السيارة وانطلق بها باتجاه الطريق الرئيسى :
" انت تحبين التدريس أيتها العزيزة بروك . أليس كذلك ؟ "

" أولا ، لست العزيزة بروك . ثانيا ، انا أحب التدريس فعلا "

" قيل لى أن التدريس يفقد بهجته عندما يعتاد المرء عليه ، أى بعد عشر أو عشرين سنة "

ردت قائلة :
" الا تعتقد انه من الافضل انهاء هذا الادعاء الكاذب ؟ "

التفت اليها للحظات ثم قال :
" يجب الا تتحدثى هكذا . لقد حذرتنى امك من انك فى حالة عصبية متوترة "

" امى لا تهتم ابدا بما اعتبره انا اعتبارات اخلاقية ضرورية . انا لا استطيع الزواج من رجل لا أحبه ،وأنا متأكدة من أنك أنت نفسك لا تحبنى "

ابتسم بتهكم وهو يقول :
" تتكلمين بأسلوب مؤسف يا عزيزتى . إذا كنت تعتقدين ان عدم حبى لك غير مقبول . فيجب أن تحاولى جعل نفسك محبوبة ومقبولة "

التفتت إليه بحدة فرأت الابتسامة الساخرة على وجهه :
" الا يمكن ان تكون جديا ولو لفترة قصيرة ؟ "

" انا جاد جدا بالنسبة لك . اننى اريد الحصول عليك ، وعليك بالتالى ان تثقى بى "

القت رأسها بتعب على المسند الخلفى للمقعد وقالت :
" يا الهى .... المسألة كلها مجرد كابوس مزعج "

" ارجوك لا تقولى هذا . ليس من اللطف اطلاق الكلام القاسى "

سألته :
" هل كنت هكذا طيلة حياتك ؟ "

اجابها بلطف ، لكن بحزم أيضا :
" علمتنى تجاربى ان على الانسان السعى الدائم من اجل الحصول على ما يريد "

" ولماذا أنا ؟ "

كانت هذه الصرخة محاولة للفرار من التوتر الداخلى المتزايد . فقد ترقرقت الدموع فى عينيها الخضراوين وباتت على وشك الانهيار بفعل الضغوطات المستمرة التى تعرضت لها طيلة الاسبوع الماضى ..... لكنها لا تريد ان تدعه يعتقد بأنه يخيفها أو يؤثر عليها .

قال بصوت عميق هادئ يحمل الكثير من النعومة والرقة :
" سأقول لك لماذا؟ كل رجل يحمل تصورات معينة عن المرأة التى يمكن ان يحبها ويعيش حياته كلها معها ، عن المرأة التى يعود اليها بعد عناء النهار ، عن المرأة التى تقف إلى جانبه وتنجب له أطفاله وترعى شؤون الاسرة . ولا أظن اننى اسئ اليك إذا قلت انك المرأةالأقرب إلى هذا المثال . فانت جميلة وغنية .... ولكنك ذكية أيضا . وانت تضحكين وتسخرين ، كما لاحظت فى مناسبات عديدة . عيناك تشرقان بالتحدى والارادة . اننى انوى الاحتفاظ بك ولن اؤذيك ابدا . ويجب ان تصدقى كل كلمة قلتها"

قاطعته بغضب :
" هذا لطف بالغ منك ، ومع ذلك فأنا لست بحاجة إليك يا سيد كوريللى "
تخلى كوريللى عن لهجته اللطيفة ، وعاد إلى الصوت الآمر المتسلط :
" انت تعرفين تماما ان هذا غير صحيح ، وتعرفين انك غير قادرة على الاستمرار لوحدك ، وتعرفين ان عليك مسؤوليات كبيرة تجاه أمك وأختك ، وانك لا تريدين ان يخرج البيت من اطار العائلة "

تنهدت بأسى :
" لا فائدة من هذا الكلام .كل ما تقوله صحيح ، لكننى ارفض ان اباع واشترى . اعرف انك مشهور بالقسوة والحزم، ولكنك لن تغلبنى . وعندما اقرر الزواج سيكون ذلك من الرجل الذى أحبه ويحبنى . وما عدا ذلك مرفوض تماما "

" اذا كان الامر يريحك ويغير رأيك ، فسأجعلك تحبيننى .... وبعمق "

كان يتكلم وكأن ايقاعها فى حبه امر هو رهن قراره الخاص . نظرت بروك الى جانب وجهه ، فتأكد لها مرة أخرى انها مع رجل مكابر عنيد وقادر فعلا الحصول على ما يريد مهما كلف الأمر .

قالت وهى تغالب دموعها :
" ارجوك ، خذنى إلى البيت "

وعلى حين غرة وضع يده على خدها بنعومة قائلا :
" كان اسبوعا موجعا ، أليس كذلك ؟ "
" كلنا نندم فى بعض المرات على اشياؤ قلناها وما كان يجب ان نفعل . انا شخصيا غير راضية عن تصرفاتى ، لكننى لن اتزوج مهما رافق العرض من تهديد ووعيد "

اغلقت عينيها للحظات قبل ان تتابع :
" اننى لا اعرفك . لا اعرف عنك الا انك غنى جدا ..... "

قاطعها ساخرا :
" غنى جدا ؟ من السهل ان يبنى الانسان الثروة على اساس المال الكثير الذى يملكه . اولا شركة المقاولات ، ثم صفقة الأراضى .... وهكذا . لم يعد يهمنى شئ الآن ، فقد بنيت ثروتى وشهرتى .ينقصنى فقط تكوين العائلة والحصول على بيت رائع كبيتكم . لا ترتجفى على هذا الشكل ، ليس هناك ما يثير فى كلامى . اننى اريدك للاسباب التى ذكرتها من قبل ..... فمنذ اللحظة الأولى التى شاهدتك فيها ، أصبحت جزءا متمما لكل مخططاتى "

ردت عليه بهدوء :
" تتكلم وكأننى لا استطيع تغيير شئ فى هذه المخططات ؟ "

تحولت لهجته إلى الشدة وهو يقول :
" عملية استيلاء كما تعتقدين ! اعرف انك امرأة معاصرة وذات تفكير متفتح ..... ومتحررة لكنك فى الاساس امرأة لها احاسيس النساء القديمات . الا تؤمنين بالقدر ؟ "

" اعرف ان هناك اناسا قادرون على تغيير حياة الناس الآخرين ، لكننى لن اسمح لك بتغيير مجرى حياتى يا سيد كوريللى . لن تنومنى مغناطيسيا طالما اننى اصارعك ، وانا الصخرة التى ستتحطم عليها كل المحاولات . من المؤسف ان احاسيسك لم تأخذك إلى امرأة غيرى . مثلا كاثرين بينتون من عائلة عريقة ومحترمة ، وقد اشارت الشائعات إلى أنك مهتم بها ؟ "

قال بلهجة استنكار :
" حقا . لقد دعوتها إلى العشاء عدة مرات ، فهل يعنى هذا اننا بتنا مخطوبين ؟ "

فى هذه الأثناء لاحظت بروك انه انعطف بسيارته إلى الجهة اليسرى فاستنفرت فى مقعدها قائلة :
" انك تذهب إلى الجهة المعاكسة "

" وماذا فى ذلك ؟ "

اقلقها جوابه الساخر فقالت :
" لا أعتقد انك بصدد اختطافى ؟ "

اجابها بصوت عادى جدا :
" اريدك أن ترى المكان الذى اعيش فيه "

قالت بحدة :
" اعرف اين تسكن .... هناك فى كولومنز "

" طبعا البناء من تصميمى ...... والبناء قامت به شركتى "

اجابته :
" مكان رائع للسكن ، فلماذا تريد التغيير ؟ "
قال بدون أن يلتفت إليها :
" سبق وأجبتك على هذا السؤال ..... لا تتوترى ، لقد أبلغت أمك اننى سأدعوك إلى العشاء الليلة "

قبل أن تجيب ، القت بروك نظرة خاطفة على ملابسها التى ، وان كانت جميلة ومرتبة ، الا انها غير مناسبة لدعوة عشاء . ثم قالت :
" اننى متعبة من جراء العمل ، وليس فى ملابس مناسبة للعشاء "

اجابها بمرح :
" غير مهم . سوف نعد حفلةخاصة بنا على الشرفة "

سألته بجفاء :
" وكم ترتفع الشرفة عن الأرض ؟ "

نظر اليها وعيناه تلتمعان بشرر غريب :
" المسكن فى الطابق العلوى . واقترح عليك الا تحاولى الهرب منى بالطيران كالعصافير "

" لم تخطر لى هذه الفكرة ابدا . سوف ازور شقتك يا سيد كوريللى لازالة الحاحك فقط ، ولكننى لن ابقى للعشاء معك "

" يؤسفنى اننى لم ابلغك اننا لسنا وحدنا . هناك الخادم الأمين ، وهو صديق حميم اثق به . انه ليس شابا، لكنه محل للثقة .... ويمكنك ان تثقى به كلية يا عزيزتى "

من الواضح انه لم يقصد الاستفراد بها فى شقته ، بل هوينفذ سياسة الخطوة خطوة للوصول إلى أغراضه . ومع انها مصممة على مواجهته بشدة ، الا أنه يشعرها بالعجز الكامل. وحتى اشمئزازها منه بدأ يضمحل ، فقد اختار الليلة المناسبة لخوض معركة هى ليست على استعداد لها .

ألقت بروك رأسها على المسند الخلفى للمقعد وتنهدت بعمق .... اما بول فنظر إليها خلسة وابتسم بهدوء وخبث .

فى صبيحة اليوم التالى ، استرجعت بروك احداث سهرة الأمس ، فاكتشفت ان كوريللى لم يفعل شيئا يزعجها ... بل كان لطيفا وساحرا وجذابا . وعكس ما توقعت ، فقد أعجبتها السهرة واستمتعت بها إلى أقصى الحدود ، رغم ان اعصابها ظلت مشدودة طيلة الوقت . اما الشقة فكانت قمة فى الروعة والأناقة وحسن الترتيب ، وقد تمازجت فيها المفروشات الحديثة بالتحف القديمة فى ظل اضاءة عرف صاحبها كيف يبرز بواسطتها كل مكامن الجمال . واكتشفت ايضا ان بول كوريللى ، رجل صعب لتركيب ، ولهذا فعليها ان تكون شديدة الحذر معه لئلا تجد نفسها واقعة فى حبائله من حيث لا تدرى .

كان الخادم العجوز جيانى يروح ويجئ فى صمت وأدب ، وقد أعد لهما عشاءا ممتازا. ولاحظت بروك ان العلاقة بين الاثنين اشبه ما تكون بعلاقة اصدقاء وليس علاقة خادم بمخدومه . وكم تمنت لو انها تعرف اللغة الايطالية كى تعرف ما كان يدور من احاديث بين كوريللى وجيانى .

ظلت بروك تسترجع تفاصيل سهرة العشاء مما اضطر احدى التلميذات إلى القول بأن المعلمة سارحة فى أحلام اليقظة .

وعندها راحت تجاهد كى تركز انتباهها على ما يدور فى قاعة الصف .... لكن صورة بول كوريللى ظلت تلح عليها . وكالعادة عندما تريد نصيحة ما ، اتصلت هاتفيا بماجى واتفقتا على اللقاء فى ظهيرة اليوم التالى .

قالت ماجى وهى تأخذ مقعدها إلى جوار بروك :
" ان مود هى التى ستتولى ادارة شؤون المحل فى غيابى ، وقد باعت اليوم مجموعة كبيرة من العقود والاساور الذهبية " . وراحت تنقل عينيها على وجه صديقتها الصغيرة ، ثم قالت :
" قبل ان ينضم الينا أحد ، أخبرينى ما المسألة ؟ "

" اخبرتك قبل قليل ، لكنك كنت مشغولة بالمزاد "

اقتربت ماجى من بروك وقالت باهتمام:
" هيا خبرينى مجددا "

" لقد طلبنى بول كوريللى للزواج "

علت علامات التعجب والدهشة وجه ماجى التى صاحت :
" يا إلهى ! اعرف انه قوة لا تقاوم ، لكنكما لم تعرفا بعضكما الا منذ فترة "

قالت بروك بصوت بارد :
" انا لا اعرفه على الاطلاق . انه مجنون قوة ، أو على الاقل يعتقد بأنه يستطيع اختيار المرأة المناسبة ..... ثم ينتهى الأمر "

سألتها ماجى بجفاء :
" وكيف تقبلت أمك الموضوع ؟ "
الاسبوع الماضى كان مرعبا . اما بعد ان تناولت العشاء معه هذا الاسبوع , فهى لم تثر اى متاعب "

" وماذا عن لويز ؟"

ابتسمت بروك برقة :
" الحسد تحول الى ارتياح . فقد اكتشفت انها لا تستطيع التعامل معه "

" وهل تريدين التعامل معه ؟ "

هزت بروك رأسها بعنف ورمت ماجى بنظرة حادة :
" كلا . انه جذاب جدا عندما يريد . لكنى لا ارغب فى الزواج برجل لمجرد انه غنى وجذاب "

" من الطبيعى ! لست ادرى لماذا يلقى الحظ رحاله دائما عند الفتيات الصغيرات "

" كونى جادة يا ماجى رجاء "

انحنت ماجى نحو صديقتها وربتت على يدها بلطف :
" آسفة يا عزيزتى . ماذا سنأكل الآن ؟ يخيل الى انك خسرت بعض وزنك "

همهمت بروك وهى تقرأ لائحة الطعام :
" الجو كان مناسبا لتخفيض الوزن . لست مضطرة للعودة بسرعة إلى المدرسة فلتميذاتى يذهبن الى الرياضة بعد ظهر اليوم "

ردت ماجى وهى تقرأ اللائحة بدورها :
" اننى اعرف ذلك . كم اتمنى لو اننى مثلك لا اهتم برشاقتى . واعتقد ان على العلماء تركيز جهودهم لاكتشاف وسائل تحفظ الرشاقة بدلا من اهدار نشاطهم فى محاولات لاكتشاف الفضاء " . ثم رفعت نظرها الى بروك وتابعت :
" هل تعرفين يا عزيزتى ان البعض يعتبرك المخلوقة الاكثر حظا فى العالم ؟ انه فعلا لقطة لا تفوت "

ردت بروك :
" لاشك فى ذلك , لكننى لا امانع ابدا فى التبرع بهذا الحظ العظيم . فأنا لا اعرف شيئا عنه سوى انه رجل صعب وغريب .. وربما كان فى الواقع بربريا مرعبا "

قطع الخادم حديثهما عندما اقترب منهما لاخذ طلباتهما . وعندما ابتعد , تابعت ماجى حديثها قائلة :
" لايمكننى السماح لك بهذا الكلام ,. فهو لم يفعل ما يسئ اليك , أليس كذلك ؟ "

" ليس اكثر من طلب يدي للزواج . ولا اعتقد يا ماجى انه يعرف كيف يتقبل الجواب بالنفى . هناك شئ آخر , انه اب لفتاة "

خيم الصمت قليلا , حين كانت ماجى تنظر الى يديها , ثم قالت بعد تفكير عميق :
" العائلة تعنى أشياء كثيرة للايطاليين . اين هى الفتاة الآن ؟ "

" انها ليست فتاة , بل هى مراهقة فى السادسة عشرة , وتعيش حاليا مع عمتها فى كينيا "

تساءلت ماجى :
" يبدو انه كان صغيرا جدا عندما تزوج . اعتقد انه فى أوائل الثلاثين من العمر . أليس كذلك ؟ "

اعترفت بروك :
" فى الخامسة والثلاثين " . ثم نظرت الى صديقتها التى كانت ما تزال تحت تأثير الصدمة , واضافت تقول : " لم يخبرنى الكثير عنها , باستثناء انه لم يكن متزوجا "

علقت ماجى ببطء :
" غريب . على الأقل لم يكذب عليك . لست ادعى اننى لم أفاجأ , لكن هذه الامور ممكنة الحدوث . من الواضح انه وصى على الفتاة , او سيأخذ الوصاية قريبا , اذا كنت غير راغبة بالزواج منه فلا داعى للاهتمام بالموضوع "

" لكن امى ستغضب وتثور "

قالت ماجى :
" لا استطيع فهم امك . وعليك انت ان تواجهى الموقف معها . فى البدء كانت لويز هى صاحبة الحظ , اما وقد اختارك انت , فلا ترى امك سوى ان تتزوجيه . يا له من موقف غريب "

زونار 10-04-09 03:41 PM

وعدنى بأن يدعم امى ولويز الى أقصى حد "

" ألم يزعج هذا الاقتراح أمك ؟ "

ردت بروك بأسى :
" انها لا تستطيع ان تفعل شيئا . فهى لم تتعلم طيلة حياتها سوى ان تكون موضع الاهتمام . واذا ما تزوجت كوريللى , فان الامور ستسير على ما يرام بالنسبة لها ... تماما كما كانت فى الماضى , ومهما حدث بعد ذلك , فان لويز لن تتزوج الا الشخص الذى تحب "

علقت ماجى وقد صدمتها لهجة بروك :
" لكن احدا لا يستطيع ارغامك على الزواج يا عزيزتى "

" لا , غير اننى اصدقه عندما يقول ان امى لن تعرف المصاعب بعد ذلك . عندما اتزوجه سيقوم باجراء كل اعمال الصيانة فى وينترسويت ... ثم ننتقل للعيش هناك "

سألتها ماجى :
" وليليان أيضا ؟ "

"اعتقد انه سيؤمن لها عيشا لائقا فى مكان آخر "

تنهدت ماجى بارتياح لدى سماعها هذا الجواب . وقالت :
" انه محق فى قراره . لقد غرقنا فى الاحاديث بحيث نسينا الأكل . كلى ايتها العزيزة وارتاحى ... هناك هالات سوداء تحت عينيك . لو كنت مكانك لوافقت على الزواج من السيد كوريللى فورا ... لكننى فى عمر لم اعد اخاف فيه من الرجال الخطرين "

اقبلت بروك على الطعام بشغف , بينما ظلت ماجى ترمقها بنظرات متفحصة بين الحين والآخر . وقد تعمدت ان تتحدث عن موضوعات اخرى مسرة , لكن بروك كانت مشغولة فى المسألة التى ملأت حياتها خلال الأيام القليلة الماضية .

فجأة انفجرت بروك بغضب :
" اتمنى لو اننى اضرب نفسى بالحائط كى أهرب منه "

قالت ماجى متعمدة الابتسام :
" لانريد ان يحصل لك ذلك . دعيه يدعوك الى السهرات . انت تستحقين كل الاهتمام . ومع الوقت ستكتشفين ما اذا كنت فعلا غير قادرة على العيش معه "

علقت بروك وانفاسها تكاد تنقطع :
" هذا ما يثير جنونى فعلا . فأنا أشعر بأننى اقترب منه بدون ارادة طالما انا معه . كانت السهرة الأخيرة خطأ بالغا ... فلقد استمتعت بها جدا "

ابتسمت ماجى وهى تقول :
" لست فى العادة خجولة وجبانة يا عزيزتى "

" ربما أخاف من القفص الذهبى . ومهما كان , ان تربية فتاة مراهقة مسؤولية كبيرة جدا "

" أنت تتعاملين مع امثالها فى المدرسة . والآنسة ريتشاردز على ما اعتقد مرتاحة لك "

قالت بروك بنفاد صبر :
" الوضع فى المدرسة مختلف . اعتقد انك معجبة بكوريللى . أليس كذلك ؟ "

" اعترف باننى معجبة به , صحيح انه عنيد . لكنه من معدن طيب أيضا . انه يهتم بابنته , فلماذا لايهتم بك أيضا ؟ لقد ادى بك العيش فى ظل امك واختك الى بناء أفكار غير صحيحة عنك . انت فتاة جذابة جدا . وذات شخصية محببة . الا تعتقدين ان بول لاحظ هذه المميزات ؟ اؤكد لك انه يعرف تماما ما يريد "

" اذن , انت تنصحيننى بالزواج منه ؟ "

اعترضت ماجى بضيق :
" لا تتزوجيه هكذا فقط . عليك ان تعرفيه اكثر . تمتعى بحياتك . ومن الأكيد انه لا يريد ان يسرع فى اجراءات الزواج "

ردت بروك :
" أنا متأكدة انه يفكر بحفلة زفاف كبيرة , وكذلك امى . اما لويز فهى تريد ان تظهر فى قمة جمالها فى العرس "

وافقت ماجى بسرور :
" رائع جدا . متى ستلتقينه مجددا ؟ "

" سيقيم حفلة عشاء مساء السبت المقبل , ويريدنى ان احضرها للتعرف الى اصدقائه "

حدقت ماجى بوجه صديقتها وهى تسأل :
" وهل ستذهبين ؟ "

التمعت عينا بروك وهى تجيب :
" لم أقرر بعد . عندما يتصرف بلطف فانه يصبح جذابا جدا . لكن بينى وبينك انا لست افضل من لويز ، انه يريدنى ، غير اننى ارفض ان يسيطر على ، فانا امرأة تريد الاحتفاظ باستقلالها فى الفكر والعمل . انا لا استطيع ان اتزوج الثروة فقط ، فسوف افقد كرامتى عندها . اما أمى فتعتقد انى عنيدة ومغرورة ، وحتى تعتقد ذلك أيضا "

" ومن الطبيعى ان تتصرف لويز كما تتصرف أمك . ولا شك انك تدركين ان هذا الزواج سيحل العديد من المشاكل ..... بل واعترفت قبل قليل انه رجل جذاب "

تساءلت بروك بدهشة مشوبة بالخجل :
" هل قلت ذلك ؟ اظن انه جذاب فعلا .... لكنه فى الاساس رجل متوحش قاس "

علقت ماجى بحزم :
" اصبح الرجال من هذا الصنف نادرين "

" هناك ايضا خطر ان اهرع إلى ذراعيه رغما عن قناعاتى . لست اعقد الأمور يا ماجى ،لكن هذه هى مشاعرى فعلا "

ظلت ماجى صامتة لعدة دقائق .... ثم قالت :
" لعلكمتأثرة بطريقة لا شعورية باصله الايطالى يا عزيزتى ، حيث مواصفات السحر والعنفوان والقوة الجسدية الطاغية . اعترف انه من طراز يختلف عن نوعية الشبان الذين اعتدت أنت ولويز عليهم ، لكن اياك ان تعتبرى ذلك نقيصه فيه . عيشى حياتك ، تمتعى بكل دقيقة فيها ... فالشباب لا يدوم . اننى اتعاطف معك لكننى لست ضد السيد كوريللى . نصيحتى ان تذهبى إلى سهرة مساء السبت . لن يجبرك احد على الزواج منه ...... ولعلك تكشفين فيه عن مميزات تعجبك وتقربه من قلبك . ومهما كان ، فأنت لن تخسرى شيئا "

توقفت ماجى عن الكلام ، وابتسمت فى وجه صديقتها بلطف وحنان ..... وسرعان ما حلت الابتسامة على شفتى بروك التى استعادت هدوءها وربأطة جأشها بعد جلسة المصارحة هذه .

لا ترفضي


مر الاسبوع باسرع من لمح البصر .وقد أحست بروك انها فعلت حسنا بلقائها صديقتها ماجى . ذلك ان مسألة الذهاب إلى سهرة السبت باتت محسومة فى ذهنها . ومن الطبيعى ان يجعل هذا القرار امها فى قمة السعادة ،وكذلك لويز أيضا . فالاثنتان باتتا تعاملانها بلطف مبالغ فيه بحيث شعرت بروك بالكثير من الاشمئزاز لهذا التغير السريع فى المعاملة .أما بول فلم يفعل شيئا سوى المراقبة والانتظار ،فهذا هو الدور الذى يناسبه تماما فى هذه المرحلة .

اصرت الأم ولويز على مرافقتها إلى السوق لاختيار الثوب المناسب من وجهة نظرهما للسهرة .ومع ان ليليان رفضت بحزم طراز الفستان الذى ارتدته بروك فى السهرة الماضية ،الا أن الفستان اتفقن عليه كان جميلا فعلا . فقد تكارمت امها كثيرا فى الشراء ، وظلت لويز تطرى الاختيار طيلة الطريق . أما بروك فكانت تعتقد بأن الخطط لا تجرى حسب ما تشتهيه هى .....وتمنت لو انها لم تر بول كوريللى أبدا .

قادت بروك سيارتها باتجاه شقة كوريللى وهى ما تزال تشعر بالرغبة فى الهرب من المنطقة كلها . واخذت تتساءل فى سرها عما إذا كان هذا الايطالى الجذاب يملك قدرات عقلية خارقة تسيطر على ضحاياه وتحرمهم من ارادتهم . سبقتها افكارها إلى الشقة الرائعة التى ساهم بول مع المهندس الاصلى فى وضع الخطوط الرئيسية لها . وسرعان ما تذكرت ان اباها كان مهندسا أيضا ،وأنها اجبته بجنون كونه أباها . وكونه مهندسا فى الوقت نفسه.


كان شعرها الاحمر يتطاير بفعل تيار الهواء المتسلل عبر نافذة السيارة . لقد تركته يطول ويطول نزولا عند نصيحة صديقتها ماجى التى اكدت لها ان الشعر الطويل يتناسب مع رشاقة جسمها المتناسق . ان ماجى صديقة رائعة . فهى قد ساهمت فى اكثر من مناسبة فى تثبيت ثقتها بنفسها . واما بروك فباتت الآن منهمكة فى اظهار جاذبيتها الخاصة مستغلة شعرها الاحمر الذى ظلت تعتقد لمدة طويلة انه بشع وغير صالح ابدا .

واخيرا اطلت عليها سلسلة المبانى البيضاء التى يسكن فى احدها كوريللى . خففت بروك السرعة وقد امتلأت نفسها بتوتر مفاجئ مشوب بالتوقعات المثيرة . كانت وكأنها امرأة تتصرف بفعل التنويم المغناطيسى. فقبل فترة قصيرة فقط كانت لا تستطيع تحمل رؤية بول كوريللى أو حتى السماع عنه ..... أما الآن فتبدو مرتبطة به بشكل لا يفسر .

ما ان اقتربت بروك من موقف السيارات حتى شعرت بالدم يجمد فى عروقها لرؤية رجل وامرأة يظهران من المبنى باتجاه سيارة فولفو زرقاء كانت متوقفة هناك. اخذ قلبها يخفق بشدة غربة وتمنت ان تعود فورا من حيث أتت وهى لا تصدق ما تراه عيناها . لم يكف انها جاءت بدون اقتناع ،بل عليها أن تراقب بألم الرجل الذى طلبها للزواج وهو يوصل امرأة أخرى إلى سيارتها بلطف وحنو . لقد عرفت الآن السيارة وصاحبتها ، انها كاثى بينتون بشعرها الأسود الطويل وأناقتها المعهودة . دخلت كاثى إلى السيارة بينما وقف كوريللى يراقبها بلطف واضح .

استغربت بروك سبب شعورها بالصدمة لرؤية كاثى . خاصة وان الصدمة كانت أقسى من كل ما مر فى حياتها . لقد كان بول صريحا معها عندما أخبرها بأن لديه ابنة ..... وهذا يعنى انه عرف العديد من النساء ، والأرجح انهن كن يرمين انفسهم عليه .أما الآن فهو يحاول استغلال امرأة جديدة .... بروك نفسها . تدفقت الدماء بحرارة فى كل شراين بروك وهى تحس بانها طعنت فى صميم كرامتها .لقد اذعنت لمطالب الجميع : امها ولويز وماجى ،فى حين انها تواجه لعبة ذات حدين .ومهما كان الأمر ،سواء دفعتها الأقدار فى هذا الطريق أو ان حظها السئ هو الذى أوصلها إلى هنا ،فانها تواجه رجلا غريبا فى ماضيه وحاضره .

أقلعت الفولفو أخيرا ، وعاد بول متمهلا من حيث أتى .... وبات على بروك أن تتحرك من مكانها المنعزل بدون أن تجيب على تساؤلاتها الخاصة حول موقفها من رؤية كاثى وكوريللى معا . انها لا تحبه فعلا ،ومع ذلك شعرت بأن رؤيتهما معا تشكل مصيبة كبرى جدا . فقد كانت تقول دائما ان بول مصيدة للنساء .... ولاشك انه تخلى عن أم ابنته ، والارجح ان هذه الأم عاجزة الآن عن الانتقام منه .

بعد أن أطمأنت بروك إلى أن بول أصبح داخل شقته الفاخرة ، أدارت محرك السيارة مجددا سارت باتجاه الموقف . وعندها فقط أحست بمشاعر الغضب تطغى على كل أحاسيسها .فكرت بألم عميق : هل يعتبرنى غبية ؟ مجرد فتاة يضيفها إلى اللائحة ؟ انه زواج فاشل قبل أن يحدث !

لم تنتبه بروك إلى السيارة التى كانت تسير خلفها بسرعة ،بل واصلت سيرها بدون أن تدرى إلى أين ويداها ترتجفان غضبا على المقود .لماذا لم يكتف بكاثى ويطلبها للزواج . فهى مناسبة له تماما ، وان كانت لن تمنعه من مطاردة النساء الاخريات .

رغما عنها ، أطلقت نظرة باتجاه شرفة شقته .ولسوء حظها كان بول واقفا هناك يحادث صديقا ،ونظر منطلقا باتجاهها . غضت بصرها بسرعة وهى تتمنى أن يكون قد عجز عن تمييز سيارتها من هذا البعد .

ظلت منطلقة بسرعة بدون أن تعرف إلى أين ستذهب . فقد تحول اشمئزازها إلى نوع من الألم الداخلى الناتج عن شعورها بالخجل الذاتى . كان عليها ان لا تصل إلى هذا الحد . بل كان عليها ان لا تمنحه حتى ولو دقيقة من وقتها . لقد اعتبرت نفسها دائما فتاة ذات إرادة وقوة شخصية ،وها هى الآن ترتكب أخطاء مثلها مثل غيرها من الفتيات .لا شئ يمكن أن يزيل من ذهنها صورة بول كوريللى خارجا مع كاتى بينتون من شقته ،خاصة وان اسميهما مرتبطان فى اخبار الناس حتى عندما كان كوريللى مرشحا للزواج من لويز . ان بول لا يرتبط بأحد .... سوى بشخصيته .

عند تقاطع الطرق ، انعطفت نحو اليمين باتجاه المرفأ البحرى الصغير . لا يمكن ان تصبح ملكا لرجل يقدم على الخيانة بهذه السهولة ! لكنها لا تحبه وهو لا يحبها بالطبع . المسألة اذن مسألة كرامة .

وعلى حين غرة انتبهت بروك إلى ان سيارة اللامبورغينى الفاخرة تلاحقها بسرعة فائقة . فاعتقدت على الفور ان كوريللى يسعى خلفها محملا بالأعذار والأكاذيب والتبريرات . ظلت هى محافظة على سرعتها المعتدلة ، وراحت تتمنى وحود رجل شرطة يلقن هذا الرجل درسا لا ينساه .

ومن حيث لا تدرى ظهر فجأة أمامها كلب صغير رافقته صرخة رعب أطلقها صاحبه من مكان ما قرب الطريق .وبحركة غريزية انحرفت بروك يسارا فى محاولة لتفادى قتل الكلب لم يعد بول كوريللى ماثلا فى ذهنها ، بل حل رعب هائل من جراء الأحداث المتسارعة . عليها أن تعيد السيارة إلى مسارها الطبيعى بعد أن تجاوزت الكلب . لم يكن من المناسب أن تنحرف بهذه الحدة من أجل الكلب ، لكنها تصرفت غريزيا بمجرد رؤيته . لكنها لم تستطع السيطرة على السيارة التى ظلت منطلقة باتجاه الماء . جمدت عينا بروك رعبا وتصلب جسدها بهلع ... لقد حلت المأساة ولم يعد أمامها إلا الصراخ .

" حمدا لله على سلامتك "

سمعت بروك هذا الصوت ضعيفا قلقا ، فعاد إليها وعيها على الفور . كانت ملقاة على وجهها فوق الأعشاب الخضراء ، ويدان قويتان تدلكان ظهرها وكتفيها . لقد أخرجت كل المياه التى ملأت رئتيها .... لكن اليدين كانتا تشعران بالتعب والألم .

بعد وقت قصير ،أدارت رأسها بضعف شديد ،ثم انتظرت حتى اتضحت الرؤية ... فوجدت امرأة منحنية عليها باهتمام شديد . قالت المرأة وهى تمسح الشعر المبلل عن وجه بروك :
" هذا أفضل يا عزيزتى "

فشلت بروك فى اخراج كلمات الشكر من حنجرتها ، واكتفت بالتلفت حولها لتجد الكلب وصاحبه ومجموعة من الأشخاص ورجل شرطة حاملا بيده محضر الحوادث والمخالفات .

" ..... من حسن الحظ أنك كنت موجودا لإنقاذ هذه الآنسة ،ولولاك لانتهى الأمر بمأساة "

سمعت حديث رجل الشرطة وهى عاجزة تماما عن الحراك . انها بحاجة للهواء ، قط عدة أنفاس قوية .كانت شاحبة وضعيفة ومنهكة ،لكنها على قيد الحياة بفضل الرجل الذى قفز مرتين فى الماء لإطلاقها من سيارتها الغارقة .
ولم تستغرب بروك أن يكون هذا الرجل هو بول كوريللى نفسه ، الذى يملك قوة تؤهله للقيام بما يشبه المعجزات . شعرت بيديه تحملانها بلطف ، فاستسلمت له مع انها كانت ترغب فى ان تطلب منه ان يدعها وشأنها . فى هذه الأثناء ضاقت حلقة الناس حولها ، وكل واحد منهم يريد ان يطمئن عليها ويشجعها .... لكنها لم تكن تسمع الكثير ، بل ألقت براسها على كتف كوريللى العريض ، الذى وقف للحظات يستمع إلى ملاحظات الشرطى :
" دع الأمر لى يا سيد . أنت ستأخذ خطيبتك إلى الطبيب الآن بعد أن أنقذتها .فأرجو ان تتصل بى فى وقت لاحق لاكمال محضر التحقيق "

كتب الشرطى اسمه ورقم هاتفه على ورقة صغيرة وضعها فى جيب قميص كوريللى وهو يقول :
" عانيت الكثير من حوادث الانحراف بسبب الحيوانات . قلة من الناس يفعلون غير ذلك ، مع أنهم يعرضون حياتهم للخطر "

سمعت بروك صوت بول العميق وهو يشكر الشرطى على اهتمامه . وعندما ساربها باتجاه السيارة ، دفنت رأسها فى صدره متعبة ومنهكة القوة . لقد أنقذ حياتها من الموت ،وإذا قرر الحصول عليها الآن فلا شئ يمنعه .... الا أنها لا تشعر تجاهه بشئ ،حتى ولا العرفان بالجميل .

همس فى أذنها وهو يضعها بصوت عاطفى وكأنه يخاطب المرأة التى يحبها منذ زمن : " ايتها الصغيرة المسكينة ، ماذا تريدين أن أفعل بك الآن ؟ "

ولأول مرة لم تجد جوابا ، بل اكتفت بالاستلقاء فى مقعدها صامته .وطوال الطريق إلى شقته لم يكن يسمع سوى صدى الريح وهى تعبر النوافذ المشرعة .وعندما حملها مرة أخرى ،استسلمت بشعور المهزوم الضعيف الذى لا يملك حولا ولا قوة .

فتح جيانى الباب ، ثم انطلق فى حديث باللغة الايطالية مع كوريللى الذى حمل بروك إلى غرفة النوم الرئيسية . لم يهتم بول بالغطاء الحريرى فوق السرير رغم ان جيانى حاول ازاحته قبل وضع بروك على الفراش .

وعندما استقرت بروك فى السرير عاجزة خائفة ،ومتوترة من وجودها فى غرفة نوم الرجل الذى يريدها للزواج ..... وقف كوريللى إلى جانبها يكلمها بصوت ناعم هادئ . كانت عيناه غائمتان ، وقد تحول سوادهما إلى ليل عميق ..... عميق .قال بلطف :
" ذهب جيانى لاستدعاء الطبيبة التى تعيش فى نفس المبنى . إنها وزوجها الطبيب صديقان حميمان لى . اعتقد أنك بحاجة لمهدئ يزيل توتر اعصابك .... ثم النوم العميق . سوف أتصل بأمك وأخبرها بدون أن أثير هلعها "

قالت بروك بجفاء :
" أريد أن أذهب إلى البيت "

جاءها صوته آمرا بحزم وقوة :
" لا ، كنت قاب قوسين أو أدنى من الموت .عليك البقاء هنا ،فادريانا تعرف كيف ترعاك وهى قريبة جدا منا . بعد ذلك سآخذك إلى البيت . فلا تخافى يا صغيرتى ، فلست أرغب فى زيادة متاعبك ومخاوفك "

اغمصت بروك عينيها هربا من عينيه الحادتين النافذتين . لكنه ظل قربها ممسكا باحدى يديها المرتجفتين بكلتها يديه إلى ان جاءت المرأة التى اسمها ادريانا .

" بول ، ما هذا الذى أسمعه ؟ "

فتحت بروك عينيها . وجاهدت كى تجلس على السرير . لكن أفكارها لم تكن واضحة ،والرؤية ما زالت غائمة أمامها . فى حين زادت الجمل الايطالية المتبادلة بين الطرفين من تشوش ذهنها المتعب أساسا .كانت المرأة فى أواسط العمر ، وسرعان ما أثبتت أنها قادرة على الاهتمام ببروك على أفضل وجه . بعد قليل غادر كوريللى وجيانى الغرفة تاركين الطبيبة ادريانا مع مريضتها .

قالت ادريانا بصوت عاطفى :
" ايتها المسكينة ، لا شك انها كانت تجربة مرعبة . اعتقد انك فى حالة عصبية سيئة ، لكن الله ستر ان بول كان موجودا . انه سباح ماهر وشجاع أيضا " . صمتت قليلا وهى تتفحص وجه بروك الشاحب ثم اضافت تقول : " اننى هنا لمساعدتك يا عزيزتى . لقد كلمنى بول عدة مرات عنك . أولاسأعطيك دواء لتهدئة الأعصاب ، ثم أغير ثيابك المبللة "

قالت بروك بضعف :
" أشكرك كثيرا "
ردت ادريانا بابتسامة عريضة ، ثم عفكت على عملها تؤديه بتؤدة واهتمام .

ما ان استيقظت بروك فى وقت لاحق ، حتى هبت من فراشها مذعورة وقلبها يخفق بشدة غريبة . رفعت يدها لتغطى وجهها وكأنها تهرب من مشاعرها المرعبة ، بينما نحيبها يملأ الغرفة بنشيج متقطع اختلطت فيه الدموع بالتنهدات والصرخات .... لم تكن تتألم ، وقد زال عنها تشوش الرؤية .... لكنها ما زالت على شفير الانهيار العصبى .

رفعت رأسها عن راحتيها قبل ثوان قليلة من فتح الباب . وعندها انتصبت جالسة فى فراشها وجسدها مشدود كوتر قاس . دخل بول كوريللى بهدوء وخاطبها بصوت لطيف :
" لقد استيقظت خائفة ؟"

ردت بصوت ضعيف متقطع :
"اننى فى حالة أفضل الآن "

اقترب منها قائلا :
" هل تريدين أن أدعو ادريانا ؟ انها لا تمانع ابدا ؟ "

هزت بروك رأسها رافضة وهى تتساءل فى سرها عن الوقت . ثم راحت عيناها تبحثان فى ارجاء الغرفة عن ساعة ما ، لكن دون جدوى .وأخيرا سألته :
" كم الساعة الآن ؟ يجب أن أعود إلى البيت "

رد عليها قائلا :
" انها الساعة الثالثة بعد منتصف الليل تقريبا "

صرخت باستغراب :
" غير معقول "

قرب بول ساعة معصمه من وجهها ليؤكد لها الوقت ، فاشاحت عينيها قائلة :
" اننى لا ارى بوضوح " . ثم اضافت بعد تردد :
" مهما كان الوقت ، فأنا أريد العودة إلى البيت "

كانت ترتجف دون ارادة وقد أفزعتها الاحتمالات التى اخذت تقلبها فى ذهنها .وفجأة انهمرت الدموع الغزيرة على وجنتيها الشاحبتين الناعمتين .

قال بصوت قلق :
" أرجوك لا تبكى "

" أنا متأسفة .... أنا متأسفة "

رفعت يديها تغطى وجهها من نظراته الحادة ... فلم تسمع وقع خطواته وهو يبتعد عنها ثم يعود اليها حاملا كأسا من الماء .
" اشربى هذا "

" لا اريد ان اشرب "

" اشربيه "

قرب الكأس من شفتيها ويده تسند يدها المرتجفة .وعندما انتهت ابتعد عنها قائلا :
" والآن عودى إلى النوم ، وعندما تستيقظين ستشعرين بالراحة التامة "

" اننى خائفة منك "

" انا اعرف ذلك "

" اريد ان اذهب فورا "

قال بحزم وكأنه ينهى المسألة :
" لست فى وضع يمكنك من ذلك الآن "

سألته بالحاح :
" لماذا لم تحضر أمى بعد ابلاغها بالحادث ؟ "

رد بجفاء :
" لم تحضر لان ادريانا اكدت لها انك نائمة وانها ستتولى العناية بك حتى الصباح . والظاهر انها تثق بى اكثر مما تثقين بى انت "

احست بروك بالتوتر يخيم عليهما ، فقررت ان لا تعلق على كلامه . وبعد فترة من الصمت تابع بول قائلا :
" نامى الآن يا عزيزتى .... استلقى بهدوء ونامى . واعدك أننى ساعيدك إلى امك فى الصباح الباكر "

قالت بصوت حاد :
" اننى مستيقظة الآن "
ابتسم بول بهدوء وهو يتأمل وجهها الذى بدأت تعود إليه الوانه الطبيعية .وقبل ان يعلق على كلامها ، تابعت تقول فجأة :
" لماذا طلبت منى الزواج ؟ "

اجابها ببساطة :
" لاننى أريدك زوجة لى "

قالت بمرارة والدم يغلى فى عروقها :
" هذا ليس سببا كافيا . اعرف اننى اناسب خططك ، لكن عندى خططى الخاصة أيضا . وهذه الخطط لا تتضمن الرجل الذى يبدو أنه يريد كل امرأة تقع عيناه عليها "

رد بسرعة :
" ايتها الحمقاء . ليس هناك شئ أبعد عن الحقيقة مما تقولين . سأتركك الآن ، لأننى أسبب لك الازعاج على ما يبدو . ارخى أعصابك وحاولى ان تنامى "

انفجرت صارخة :
" اننى ذاهبة الآن "

وللحظات عادت إليها كل الأفكار والمشاعر التى ملأت نفسها بعد رؤية بول مع كاثى . وتصورت انها ترى ملابس تلك المرأة منثورة فى كل مكان ..... لذلك نهضت من السرير بسرعة واتجهت نحو الباب تريد مغادرة البيت فورا . وما ان وقفت حتى عجزت قدماها عن حملها . لكن ذراعى بول كانتا هناك لاسنادها ، ولم تعد تشعر الا بيديه القويتين حول كتفيها ...... ومع ذلك ظلت تقاومه والغيرة تأكل احشاءها .

قال بغضب :
" اذا واصلت هذه الحركات ستشعرين بالتعب والألم أكثر . من أين جاءت فكرة اننى رجل خائن ؟"

ضحكت بروك عاليا وهى تقول :
" اعتقد انك لم تر كاثى بينتون منذ مدة طويلة ؟ "

همهم بهدوء وهو ينظر إليها :
" انت تغارين اذن "

شعرت بروك انه اصاب منها وترا حساسا ،لكنها لم تهتم لذلك بل قالت بحدة :
" اتركنى من فضلك "

ظل محدقا فيها وهو يقول :
" لماذا اتركك ؟ انت خطيبتى ؟ "

قربها منه أكثر ، لكنها رفعت صوتها بالاعتراض :
" لا اريدك ابدا ، وأفضل العزوبية الدائمة على الزواج منك "

قال ساخرا :
" دعك من هذا الكلام . ماذا عندك ضدى فعلا ؟ "

نظرت إليه بتحد :
" انك رجل مغامر . كل اعمالك وشؤونك غامضة . لست أرغب بوضع لافتة ممنوع اللمس فى عنق زوج المستقبل . لكننى اريده وفيا أمينا .وأنت تعرف ان الأزواج أوفياء حتى فى هذه الأيام "

رد عليها بصوت غاضب :
" اننى اسمعك فلا ضرورة للصراخ . ولماذا لا ؟ انا أيضا يمكن أن أكون وفيا ، فلا تحاولى وضع العراقيل . واذا كنت اريدك زوجة لى ، فليعلم الله انى احاول جاهدا كى اكون زوجا وفيا "

قالت وكأنها تتأسف فعلا لعدم قدرتها على التجاوب معه :
" اننى أسفة ...من المستحيل ان أقبل "

لم يظهر كوريللى اية مشاعر تجاهها ،بل ظل هادئا ،يحدق فيها قائلا :
" اذن تريدين ان أحبك ، أليس كذلك ؟ "

صرخت وهى تبعد عينيها عنه :
" هيا ارحل عنى . دعنى بسلام ارجوك "

حملها بين ذراعيه وسار بها نحو السرير ، فى حين اغمضت هى عينيها وقلبها يخفق بشدة .

سألها بصوت قاس :
" ألا تريدين شيئا آخرا ؟ "

ردت دون أن تفتح عينيها :
" وهل من الضرورى ان تتصرف كالمجانين ؟ "

فتحت عينيها عندما انزلها من يديه . فاكتشفت انها اثارت فيه مكامن الغضب والثورة بكلامها الاستفزازى . ذلك ان عينيه كانتا تقدحان شررا وشفتيه ترتجفان بتوتر ملحوظ ،قال :
" دائما تهربين مثل طفلة صغيرة غبية "
ابتعدت عن يديه وهى تتأوه :
" آه ...... دعك من هذا الكلام "

سألها بالحاح :
" ماذا سيحدث الآن ؟ هل تشكريننى على انقاذى لك ؟ "

" يا لك من مجنون "

كانت بروك تتنفس بعمق وصعوبة عندما ضمها كوريللى بين ذراعيه وغيبها فى عناق طويل حار ، حاول خلاله ان يتصرف معها بنعومة فائقة . وحتى عندما انتهى المشهد ، لم تكن بروك لتدرك ان الذى وقع كان حقيقة ام خيالا . لقد عرفت ان كوريللى رجل شديد السيطرة على النساء اللواتى يتعامل معهن ،وهو قادر على رفعهن إلى الذروة بلمح البصر أو انزالهن إلى الحضيض فورا .

قال لها بجفاء :
" تصبحين على خير أيتها الآنسة . اتوقع الآن ان تستغرقى فى النوم ..... وتحلمى بى "

ردت غاضبة :
" لا ابدا .... لست من النوع الحالم اساسا "

ضحك بصوت ساخر :
" كان عناقا رائعا ...... وانا انتظر لقاءنا المقبل على احر من الجمر "

قالت :
" تصبح على خير يا سيد كوريللى . والافضل ان تواصل صداقتك مع كاثى .... فهذا سيجنبك العديد من المشاكل "

رد عليها بنعومة :
" لقد واجهت المشاكل طيلة حياتى .... ولست على استعداد الآن لخسارة افضل ممتلكاتى على الاطلاق . نامى الآن يا آنسة ، فانا أعرف كيف اتعامل معك "

لم تستطع بروك ان تجيب ، فقد غليتها احاسيسها المتضاربة ..... ولذلك دفنت وجهها المتعب فى الوسائد ، وراحت تستمع إليه يتكلم لوحده بالايطالية . فى هذه اللحظة جاءتها الرغبة بتعلم الايطالية خاصة وانها ممتازة باللغتين الفرنسية والالمانية .

سألها وهو واقف عند الباب :
" لا اظنك تبكين ايتها الصغيرة ؟ "

ردت عليه ساخره :
" اجل ، ابكى عليك . فمن المؤسف ان تعمد بيديك إلى تدمير بيت احلامك "

اجابها بهدوء وهو يغلق الباب :
" لا اظنك تفعلين ..... لست من هذا الطراز "

اجتاحتها رغبة عارمة بقذفه بشئ ما . لقد استطاع فى لحظات قليلة ان يدمر مقاومتها كلها . لم تعد تعرف الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل ، والسئ من الجيد . انها تعرف شيئا واحدا فقط ،كوريللى قادر على التأثير عليها بشكل لا يصدق ، وهو لن يتركها بسلام الا اذا دفنت ما حدث معها الليلة فى عقلها الباطنى . لقد جعلها حادث السيارة ضعيفة ومهزومة ، والأخطر من ذلك انها الآن فى شقته فى غرفة نومه بالذات . عليها ان تنام . انها بحاجة للوقت كى تفكر بوضوح . ومن غير المحتمل ان يلاحقها طيلة اليوم.

رتبت الوسادة تحت رأسها واراحت جسدها المنهك . يجب الا تتخلى عن معركتها معه . صحيح انها سريره الآن ، لكن ليس كباقى النسوة ..... فهى مجبرة على البقاء بفضل جبروته وعناده . واستغربت بروك كيف ان افكارها كلها تتركز حول كوريللى فقط ، وكأن الأرض قد خلت الا من هذا الرجل الغريب .

بدأت أجنحة النوم تحوم فوق عينيها وهى غير قادرة على ابعاده عن ذهنها . ستكون معجزة فعلا اذا ما استطاعت ان تهرب منه ..... ولكنها اعتادت منذ طفولتها على الانتصار فى معاركها الحاسمة ، وعندما قرعت الساعة الفرنسية فى القاعة المجاورة معلنة حلول الساعة الرابعة صباحا ، كانت بروك قد اخلدت إلى نوم عميق .

ارجوك اطلق سراحى


ظلت بروك تعاني من آثار الحادث الذى وقع لمدة شهر كامل . وفى نهاية هذا الشهر وصلت لوسيا كوريللي إلى استراليا قادمة من كينيا برفقة أحدى قريبات العائلة .

قال لها بول بصوته الساحر :
" يجب ان تقابليها "

لم يكن بالامكان طيلة الفترة الماضية ان تتهرب منه , وهذا ما جعل ليليان فى قمة السعادة , تماما كما لو ان جدها الاكبر قد عاد الى الحياة . وبات بول يتردد على البيت كثيرا بحيث وجدت بروك نفسها تسأله فى احدى المرات عما اذا كان يحاول التقرب من امها بدلا منها . وحتى لويز كانت تظهر فرحها وسعادتها لوجوده فى البيت بينما هى تنتظر فارس الاحلام الاتى من الارض الانكليزية العريقة . اما بروك فقد كانت مسيرة وغير مخيرة , فالام معجبة جدا بكوريللي وتعتبر ان زواجه من بروك امر لا مفر منه وهو قريب الوقوع .

والغريب ان بول خلال زياراته المتكررة للبيت كان يحضر الزهور والحلوى والشوكولاته , لكنه لم يفتح سيرة الزواج مع بروك ابدا , بل كان يعاملها باللطف نفسه الذى يمارسه مع امها واختها . وحتى فى المناسبات التى خرجا فيها معا لقضاء السهرة , كانت تصرفاته رصينة مؤدبة وليست عاطفية على الاطلاق . لقد اخبرها ثانى يوم الحفلة انه لم يعلم بان كاثى بينتون آتية لزيارته , واكد لها انه لم يدعها للحفلة , بل لم تزر البيت من قبل ابدا ... لكن بروك وجدت صعوبة بالغة فى تصديقه . كما وانها لم تلم كاثي على تقربها منه , فهو ساحر وجذاب وغنى ايضا . ولاشك ان كاثي تحب بول , هذا ما تقوله لويز التى هى صديقة حميمة لكاثي . ومهما كان فإن سحره وجاذبيته وثروته لايمكن ان تترك اثرا على بروك المصممة على مواجهته بصرامة .
منتديات ليلاس
فى احد الايام جاء بول لزيارة العائلة حاملا معه طبقا من الخزف الصينى الذى يعود تاريخه الى القرن السابع عشر , وكان هذا الطبق قد بيع من ضمن ما اضطرت العائلة لبيعه خلال المدة الماضية .

صرخت ليليان وهى تطلب من بروك ان تسكب لها فنجانا ثانيا من القهوة :
" أليس الطبق رائعا ؟ "

ردت بروك بخبث :
" اعتقد ذلك . لكن هذا الطراز لا يعجبنى "

رفعت ليليان رأسها الجميل بنعومة وضحكت قائلة :
" يا لهذه النكات السخيفة . وكما يقول بول انت تفكرين بطريقة مختلفة تماما "

سألت بروك :
" ماذا سنفعل بشأن لوسيا ؟ "

أجابت ليليان ضاحكة :
" ما رأيكم لو اقمنا حفلة بمناسبة حضورها ؟ من الصعب استيعاب العديد من الناس فى الشقة الصغيرة ., بينما وينترسويت قادر على احتضان الجميع خاصة وانها ستقيم هنا عندما لاتكون فى المدرسة "

قالت بروك بمرارة :
" ولكننا لم نتعرف اليها بعد . لعلها ناضجة بما فيه الكفاية , فالجنس اللاتينى ينمو بسرعة , أليس كذلك ؟ قد تكون مختلفة تماما عن توقعاتنا "

سألتها ليليان وقد نفد صبرها :
" وما الفرق ؟ كل الفتيات يحببن الحفلات ! هذا أقل ما يمكن ان نفعله لها بعد كل ما قدمه بول لنا من خدمات , خاصة وانه يحبها جدا . لقد اخبرنى انه رآها مرتين فقط خلال السنوات الاربع الماضية . يا لها من طفلة مسكينة . يبدو ان عمتها امرأة طيبة القلب , لكن لا بديل عن عطف الأم وحنانها . "

التمعت دمعة فى عيني ليليان , مسحتها بيدها واضافت :
" هل حدثك عن ام الابنة ؟ انا لا اجد الشجاعة لسؤاله "

قالت بروك :
" مرة واحدة فقط . واعتقد ان الموضوع مؤلم جدا بالنسبة له "

لم تذكر بروك لأمها ان الطفلة هى ابنة غير شرعية . فالناس يعتقدون . وليليان منهم . انه كان متزوجا من قبل , وهى لا تريد ان تغير اعتقادهم .
وحدها ماجى تعرف التفاصيل , وليس من شيم هذه الصديقة الوشاية أو افشاء الاسرار.

وكما توقع الجميع , مر بول عليهم فى احد الايام وسألهم ما اذا كانوا مستعدين لاستقبال لوسيا وقريبته كارلا من اجل التعارف . وقد اقترحت بروك ان يحضرا جميعا لتناول العشاء فى اليوم التالى . ودعهم بول بعد ان همس كلمات الشكر فى اذنى بروك التى لاحظت ان صوته جذاب مثل طلعته تماما , وانه قادر على اثارة العين والاذن وكل الحواس الاخرى .

رفضت بروك باصرار احضار خدم لاعداد المائدة واصرت على ان تعد كل شئ بنفسها . كانت قد قررت ان لا تجعلها مائدة باذخة , بل عشاء يناسب الظروف الراهنة . اما لويز وليليان فقد هربتا من المطبخ تاركين المهمة على عاتق الاخت الصغرى . فبروك تحب الطهو , وهى مصممة على دراسة فن الطهو على اصوله فى مرحلة لاحقة من حياتها . وبعد نقاش وجدال اتفقت مع امها على قائمة الطعام لهذه السهرة الخاصة . فقد ارادت بروك ان تجعل ابنة بول تشعر وكأنها فرد من العائلة .

قبل حوالى نصف ساعة من موعد حضور الضيوف , ألقت بروك نظرة اخيرة على ترتيبات غرفة الطعام , واطمأنت الى ان كل شئ على خير ما يرام ... خاصة الطاولة الخشبية التى صنعت لتستوعب ما لايقل عن اربعين شخصا , ولتوضع فى منزل وينتر سويت فقط . ونظرت بروك الى المرآة الموجودة فى صدر حائط غرفة الطعام تتأمل شكلها استعدادا للقاء الزوار . كانت ترتدى فستانا أبيض هو البديل الذى اصر بول بلطف ان يشتريه لها مكان الفستان الذى تمزق خلال حادثة الغرق . وفوق الفستان وضعت شالا ابيض اظهر قوامها الرشيق , بينما اعطى شعرها الاخمر المنهمر انعكاسا ساحرا على الابيض الناصع ... هناك شئ آخر مميز عند بول , الا وهو قدرته على الاختيار بذوق رائع.

وقبل ان تبعد بروك نظرها عن المرآة , دخلت عليها امها وهى تصفق بيديها كطفل تلقى للتو هدية قيمة :
" يا لهذه المائدة الجميلة . انت حقا فنانة يا حبيبتى "

ردت بروك :
" شكرا يا امى . انت تبدين رائعة "

اجابت ليليان وهى تتلمس تسريحة شعرها بدلال :
" هذا لطف منك ياعزيزتى . هل تعتقدين ان شعري قصير ؟ "

" ابدا . انه جميل جدا . لايبدو عليك وكأنك تجاوزن الثامنة والثلاثين "

" احمد الله اننى على صحة جيدة , واحصل دائما على حاجتى من النوم . فى العشرين كنت فاتنة , بل حتى اجمل من لويز اليوم . وبالمناسبة , تبدين انيقة جدا هذا المساء . انا اقول ان الحب يضفى على المرأة بريقا خاصا "

لم تشأ بروك ان ترد على امها , خاصة عبارتها الاخيرة . فليليان تبدو سعيدة الليلة , مثل فتاة صغيرة لا تريد ان تخرج من عالم الاحلام الذى تعيش فيه , وليس من الضرورى ان تفسد عليها مزاجها . بعد قليل وصل نيجل وباتريك , فاسرعت لويز بفستانها الازرق لاستقبالهما . وقد جاء هذان الشابان بناء على دعوة من ليليان التى ارادت ان تحفظ التوازن بين الجنس الخشن والجنس الناعم .

دخلت بروك الى المطبخ لالقاء النظرة النهائية على الطعام , فى حين كانت لويز تتبادل الاحاديث المختلفة مع الشابين اللذين وصلا للتو . ثم تبعها نيجل الى المطبخ للسلام عليها , قائلا :
" هل استعدت السيارة يا عزيزتى ؟"

ردت بروك بلطف :
" ليس بعد . لقد تولى بول كل شئ . فالسيارة مصابة باضرار فى المقدمة , وكان من الصعب العثور على قطع غيار لها , فاضطر لطلبها من لندن "
علق نيجل قائلا :
" هذه فوائد ان يكون المرء مليونيرا " . ثم تقدم باتجاه طاولة اعداد الطعام متسائلا :
" لا اظنك اعددت كل هذه الاصناف بنفسك ياعزيزتى ؟ "

قالت بغرور :
" كل شئ في يوم واحد ! الطعام والحلويات وكل شئ "

" وماذا ايضا ؟ "

" صينية اللحمة , خبز بالثوم , الارز المطبوخ والسلاطة على الطريقة الايطالية "

هتف نيجل بحماس :
" رائع . لست فقط طباخة ممتازة , بل ايضا العقل الذى يعمل "

قالت بروك :
" السمك والصدف هما المقدمة " . وفجأة استدارت نحو الباب متسائلة :
" هل تسمع أصواتا ؟ "

انصت نيجل ناحية الباب ثم قال :
" الافضل ان نذهب . وقبل ان ننضم الى المجموعة دعينى ارتب لك الشال ... فالصورة يجب ان تكون مكتملة "

استدارت ببطء , لكنه بدلا من ترتيب الشال وضع كفيه على كتفيها وقال :
" هم .. يا لهذه الرائحة السحرية . ما هو عطرك يا عزيزتى ؟ "

" ان تصرفاتك غير لائقة .. عطرى هو جان باتو "

قال نيجل :
" هذا ما اعتقدت . هل ترتدين سماع ما افكر فيه ؟ "

ردت بروك بحزم وهى تفكر ما اذا كان من الضرورى ان تصرخ فى وجهه :
" لا اريد سماع شئ "

لم يكن نيجل راغبا فى قصر الحديث , فقال :
" حسنا , اراهن على انك تفكرين فى الزواج من كوريللي "

" فى هذه الحالة عليك ان تتركها فورا "

كان الباب مشرعا , وهناك وقف كوريللي حاملا مجموعة من الهدايا , ينظر الى نيجل بغضب ينذر بشرر متطاير .

قالت بروك بنعومة فى محاولة لترطيب الجو المتوتر :
" انا أخطأت ... انا السبب فى ذلك "

قال بول متعمدا اللطف :
" شكرا لك يا نيجل "

ولم يكن نيجل ليحتاج الى اكثر من نظرة واحدة من عينى بول الحادتين , فاتجه الى الباب قائلا :
" لا تتركونا ننتظر كثيرا "

خيم صمت ثقيل للحظات , قطعته بروك قائلا :
" علينا ان ننضم اليهم . هل تسمح لى بالمرور ؟ "

انحنى لها , ثم وضع الاغراض على احدى الطاولات , ولما حازته أمسكها بذراعها بشدة .

سألته وقد أفزعها نظراته الحادة :
" ماذا فى الأمر ؟ "

اجابها بوضوح :
" لا فائدة من العبث مع واتلينغ . لست خطيبتى بعد . لكن من الافضل له ان يبتعد عنك ... واريدك ان توصلى له هذه الرسالة "

أجابته باستغراب :
" انك تمزح ولا شك "

رد بحزم بحيث اضطرت بروك الى التراجع , قال :
" ابدا . انا جاد تماما "

غيرت بروك مجرى الحديث قائلة :
" انها امسية رائعة . فهيا بنا ننضم الى الجميع كى اتعرف الى ابنتك "

" معك حق , هيا بنا "

ابعد يده عن ذراعها فجأة فأحست كم كان سجينا واطلق سراحه .
عليها ان تشكره على الهدايا التى احضرها معه , لكن شيئا ما فى اعماقها كان يمنعها من ذلك .

ثم قال لها بصوت عادى :
" تبدين صارخة الجمال هذه الليلة "

ردت عليه مستعملة الاسلوب نفسه :
" كان اختيارك للثوب موفقا "

وافق بجفاء :
" صحيح . انت الآن جميلة بقدر ما انت عنيدة . هيا بنا ايتها الصغيرة كى اعرفك الى لوسيا وكارلا . فلوسيا بأمس الحاجة الى صديقة تلجأ اليها "

شئ ما فى كلماته حطم الى حد بعيد جو العداء الذى كان مخيما عليهما .
فعندما دخل الى المطبخ منذ قليل , سبب لها على الفور شعورا بالخوف لا يوصف . وخلال لحظات استطاع ان يغير مسار الامور بحيث جرها الى عالم عاطفى خطير . لقد لاحظت من تعابير وجهه انه يحب ابنته ويريد لها كل الخير , وهذا ما توافقه عليه تماما .

كان الجميع ينتظرون فى الصالة الصغيرة ريثما تحضر بروك برفقة كوريللي من المطبخ .

صرخت ليليان بنبرة قلق :
" اخيرا يا حبيبتى . تعالى اعرفك على لوسيا وكارلا "

كانت لويز تقف الى جانب امها بحياء . ثم اقترب بول ليتولى مسؤولية التعريف . لم تستطع بروك ان تخفى دهشتها عندما شاهدت ابنة بول . فقد كانت تتوقع ان ترى امامها نموذجا للجمال الايطالى , خاصة اذا قارنت الابنة بالاب الجذاب . لكن لوسيا كانت ضعيفة , قصيرة القامة , خجولة ... وان اخذت من ملامح ابيها عينيها السوداوين الحادتين وشعرها الاسود الطويل .

قالت بروك مخاطبة الصغيرة بنعومة واضحة :
" كيف حالك يا لوسيا . كنت انتظر هذه اللحظة منذ مدة "

رفعت لوسيا عينيها بخجل وقالت :
" هذا لطف منك ! ابى محق عندما قال انك رائعة الجمال " . ثم التفتت الى لويز وليليان متابعة : " كلكن جميلات "

اخذت ليليان يد لوسيا وربتت عليها بحنان قائلة :
" انك طفلة طيبة "

صحيح ان لوسيا كانت خجولة ومرتبكة بعض الشئ , الا ان كارلا استطاعت ان تندمج فى المجموعة ...ثم راحت تتمعن فى بروك وكأنها تتفحصها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها . واخيرا على ما يبدو قررت لنفسها ان بروك غير مناسبة لكوريللي .
وانتقلت الى رفقة الاخرين .

انهمكت كارلا فى اخبار الآخرين عن اللطف الذى احاطها به كوريللي عندما كانا فى كينيا قبل سنوات طويلة . اما نيجل فكان يقف على مقربة من النساء يستمع الى احاديثهن باستمتاع بينما بدا على باتريك الاهتمام بحيوية كارلا وجمالها الخاص . وقد شعرت لويز بنوع من الغيرة من هذه الزائرة الغريبة , ليس لأنها تعلق امالا كبيرة على الشابين بل لانها ترغب فى الاحتفاظ بمعجبيها على طول الخط .

تلقت بروك عدة نظرات قاسية متفحصة من قبل كارلا وهما على طاولة العشاء . لم تكن تلك المرأة الايطالية جميلة كما اعتقد الجميع للوهلة الاولى , لكنها جذابة بشكل لا يصدق وهذا واضح من تقاطيع وجهها المتناسقة .
وسرعان ما اندمجت كارلا فى المجموعة مركزة اهتمامها بنجيل وباتريك ... طبعا بدون ان تنسى بول الذى حظى منها بالتفاتات خاصة تدل على انهما عرفا بعضهما جيدا فى كينيا . ولاحظت بروك ان تصرفات كوريللي ظلت عادية فى مواجهة الجميع . فاذا ما كانت كارلا قد ارادت ان توحى للآخرين بوجود شئ خاص مع بول , الا ان شخصية هذا الاخير جعلت محاولاتها تقف عند حد معين .

كانت اصناف الاطعمة التى حضرتها بروك جيدة فعلا . ولم تدع ليليان فرصة تفوت الا وامتدحت فيها جهود ابنتها وذوقها الرائع . اما كارلا فقد اعترفت وان مجبرة بقدرة بروك على طهو الطعام اللذيذ , لكنها اشارت الى انها هى ايضا طباخة ماهرة . وهنا اقترح نيجل ان تبرهن على اقوالها فى وقت قريب .

وتعم الجميع , باستثناء كارلا , اعطاء اهتمام خاص للوسيا بحيث افسحوا لها مجالا لتناول طعامها بهدوء وفى الوقت نفسه الدخول معها فى احاديث متنوعة عن البلاد الجديدة التى جاءت اليها . وقد كانت لوسيا ترتدي فستانا زيتي اللون انعكس شحوبا على وجهها الصغير , بحيث تساءلت بروك فى سرها عن الاسباب التى منعت كارلا من اختيار ثوب مناسب لتلك الصغيرة تماما مثلما اختارت لنفسها .
منتديات ليلاس
بعد انتهاء الجميع من طعامهم , احضرت بروك القهوة من المطبخ .
وبينما هى توزع الفناجين لاحظت ان بول ينظراليها باعجاب واضح . التقت نظراتهما للحظات .

كانت كل ملامح كوريللي تبتسم لها . وقبل ان تبعد عينيها عنه لشعورها بالاحراج , انتبهت الى ان كارلا كانت ترمقهما بنظرات حادة وكأنها تمزق البسمات المتبادلة بينهما . وهنا نهض بول لمساعدتها فى توزيع الفناجين بينما الجميع مسرورن للسهرة الناجحة جدا .

ما ان حلت الساعة الحادية عشرة حتى بدأ الحضور بالاستعداد للرحيل . وعند الباب اقترب بول من بروك فجأة وعانقها بلطف . كانت الحركة مفاجئة بحيث تضرجت وجنتا لوسيا خجلا , اما كارلا فقد اكفهرت غضبا وشحب لونها على الفور .

وعندما غادر آخر ضيف البيت , همست لويز فى اذن اختها بحماس :
" انها غيرى ... اؤكد لك انها غيرى "

قالت ليليان وهى تنظر الى بول .
" يالها من طفلة مسكينة . لم اشعر بالاحراج فى حياتى مثلما شعرت به اليوم . من يصدق ان لبول ابنة بسيطة ساذجة على هذا الشكل ؟ كدت اعتقد للوهلة الاولى ان كارلا هى ابنته , لكننى تأكدت من خطأى عندما دخلت الى القاعة المضاءة . ولاشك ان كوريللي لاحظ ذلك "

اغلقت بروك الباب الخارجى , ثم توجهت مع امها واختها الى القاعة وهى تقول :
"اعتقد انها كانت حفلة ناجحة , اما لوسيا فهى فتاة حلوة ومتواضعة "

علقت ليليان وهى تطفئ الانوار :
" بل خجولة جدا , بعكس الآنسة كارلا دي كامبو . واعتقد انه من الافضل لك ولبول الزواج بأسرع وقت ممكن "

قالت لويز وهى سارحة فى أحلامها :
" تبدو القصة وكأنها حلم ساحر "

أجابت بروك بحدة :
" حلم غبى ساحر على ما اعتقد "

تنهدت ليليان قائلة :
"ارجوك يا حبيبتى لا ضرورة للثروة . انا متأكدة ان قلبك فى المكان المناسب . فبول سيقدم لنا حياة افضل . كما وان لوسيا الصغيرة ستشعر بالضياع اذا لم يتقدم احد لمساعدتها والاخذ بيدها . فهى لا تستطيع حتى اختيار ملابسها او تسريح شعرها . اقصد ان بول انيق جدا , ملابسه جميلة مميزة وتسريحته عصريه ... بينما لم تستطع لوسيا ان تختار ثوبا يناسب الحفلة "

اعترفت بروك :
" كان من الممكن ان تقدم لها كارلا بعض النصائح , لكن يبدو انها لا تهتم الا بنفسها وببول "

قالت ليليان :
" لو كنت مكانك لتزوجته على الفور . انا ذاهبة الى الفراش الآن , واتمنى يا لويز ان تقدمى يد العون لاختك "

اعترضت لويز وهى تنظر الى يديها الناعمتين :
" بشرك ان لا اقوم بالجلى "

ردت بروك بجفاء :
" هذا يبين لك كم انت جاهلة بشؤون المطبخ .. فنحن نملك جلاية كهربائية "

قالت لويز بدهشة :
" لكننى شاهدتك تجلين يدويا عدة مرات ؟ "

وافقت بروك :
" عندما يحلو لى الامر افضل ان استعمل يدى , بالاضافة الى ان الجلاية تصرف الكثير من الكهرباء عند استعمالها بصفة مستديمة "

لكن لويز لم تسمع شيئا , بل انهمكت بفحص الهدايا التى تركها كوريللي فى المطبخ .

فى صباح اليوم التالى اتصل بول هاتفيا ليقدم شكره على سهرة العشاء الرائعة . وكانت بروك هى التى تلقت الاتصال كونها استيقظت ابكر من امها واختها . وبعد ان تحدث بول اعطى السماعة لكل من لوسيا وكارلا لتقديم الشكر بدورهما . وطوال الطريق الى المدرسة , كانت بروك تفكر فى مشاعر الصداقة المصطنعة التى عبرت عنها كارلا هذا الصباح . ووسط افكارها المتضاربة كان هناك نوع من الارتياح لان كارلا تقيم فى شقة بعيدة عن شقة بول . واستغربت بروك كيف تم اختيار كارلا من بين كل النساء لمرافقة لوسيا الى استراليا . خاصة وانها مرتبطة ببول بشكل أو بآخر.

وراحت بروك تفكر بعمق فى الايجابيات التى ينطوي عليها الزواج من بول , حتى وان كانت غير محبذة لهذه الفكرة . فهى ستكون سيدة بيتها فى وينترسويت , وليليان ولويز ستتمتعان بكل الراحة الممكنة . كما وان بول ملحاح ولن يتخلى عنها بسهولة .

وماذا عن لوسيا ؟ خفق قلب بروك بشدة عندما فكرت بهذه الصبية المسكينة التى تحتاج الى العطف والرعاية والمحبة . ولاشك انها كانت وحيدة بعيدا عن ابيها المشغول دائما . وتساءلت بروك عما اذا كانت لوسيا تعرف تفاصيل حياتها الحقيقة ام ان اباها حور لها الاحداث كي تناسب فهمها وادراكها ؟ وبقدر ما قلبت المسألة فى ذهنها بقدر ما وجدت أنه من الضرورى معرفة المزيد عن ام لوسيا . لربما كانت على قيد الحياة ؟ لربما هى فى مكان ما تخطط للانتقام ؟

مر الفصل الدراسى بسرعة غريبة . وقد اغلقت المدرسة الخاصة التى تعلم فيها بروك ابوابها فى شهر تشرين الثانى , وبات باستطاعتها ان تمضى وقتا اطول مع لوسيا . ففى خلال الشهر الماضى , انشغل بول فى عدة رحلات بعيدة , وقد احست بروك ان كارلا لا تهتم بها بما فيه الكفاية بابنة عمها لوسيا . اذ انها امضت ايامها فى تلبية الدعوات والزيارات المختلفة , بينما ذات السادسة عشرة ربيعا معزولة عن المجتمع والاحداث والناس .

فى الاسبوع الاول من الاجازة اتصلت بروك هاتفيا ببول فى المكتب ., فوجدت انها مثل كل الناس تحتاج الى موعد لمقابلته . وبشئ من الغضب استمعت صامتة الى السكرتيرة وهى تحدد لها موعدا . وكانت على وشك ان تضع السماعة لولا انها مهتمة بلوسيا وتريد ان تساعدها فى وحدتها المزعجة هذه .

دهشت بروك لروعة المكاتب التى تحتلها شركة كوريللي , خاصة وانها تزورها للمرة الاولى . اجلستها السكرتيرة فى غرفة انتظار انيقة ريثما تبلغ بول بحضورها . فى هذه اللحظات شعرت بروك بالاحراج الشديد . الا يمكن ان يعتقد ان هناك املا يرتجى منها طالما انها تهتم بلوسيا الى هذا الحد ؟

وكيف سيتقبل تدخلها فى حياة ابنته ؟ لقد كانت تصرفاته معها خلال الاسابيع القليلة الماضية قائمة على الشأن العملى اكثر من كونها علاقة حب ! لعله ابعد عن ذهنه نهائيا فكرة الزواج منها , فغير موقفه دون ان يضطر الى اعطاء السبب ؟

قطعت السكرتيرة حبل افكار بروك قائلة :
" السيد كوريللي سيراك الآن . اعتذر للتأخير , فدائما هناك شئ طارئ فى هذه المكاتب "

اغلقت السكرتيرة الباب خلف بروك التى توجهت للسلام على بول الذى تقدم للترحيب قائلا :
" لم اتوقع ان تقدمى على زيارتى يا بروك "

" انا لا اصدق اننى هنا . لقد انتظرت اكثر من خمس عشرة دقيقة فى الخارج "

اعتذر منها مبتسما , ثم قادها الى مقعد جلدى وثير بالقرب من النافذة .

قالت بروك وهى ترتب جلستها :
" لا اعتقد اننى شاهدت فى حياتى مثل هذا المكتب الانيق "

جلس بول قبالتها وقال :
" شكرا لك يا آنسة هاول . لا اظنك جئت الى هنا للحديث عن المكتب ؟ ماذا فى الامر ايتها الصغيرة العزيزة , هل جئت لابلاغى باستمرار رفضك للزواج منى ؟ "

رفعت رأسها لتواجه نظراته الساخرة :
" الحقيقة اننى هنا للحديث عن لوسيا "

رد باستغراب :
" عن لوسيا ؟ "

" طبعا الامر فى النهاية يعود اليك "

قال ساخرا :
" كنت اتحرق للحديث عنا نحن , لكنى اظن ان لوسيا تستحق كل الاهتمام "

تنهدت بروك بصوت مسموع :
" يبدو انك عدوانى اليوم "
انحنى نحوها فجأة وامسك يدها بكلتا يديه :
" ابدا . لعلك خيبت ظنى الى حد ما , لست أريد اجبارك على الزواج منى , لكننى اعطيتك الوقت الكافى للتفكير "

هزت بروك رأسها بنفاد صبر وقالت :
" ارجوك يا بول , هلا تكلمنا عن لوسيا ؟ اعرف انك مشغول جدا , لذلك لا اريد ان آخذ من وقتك الكثير "

" حسنا . هيا ابدأى الحديث .. " ثم راح ينقل عينيه عليها الى ان وصل الى قدميها فقال : " ان قدميك جميلتان جدا "

ردت بغضب وقد تجمعت سحب العاصفة فى عينيها :
" انك تبالغ فى اطرائك "

" انت كثيرة العقد يا عزيزتى ... وسوف احلها لك واحدة واحدة . انت امرأة جميلة وجذابة ومرغوبة , ومع ذلك تجدين الامر مفزعا "

قالت وهى تعض شفتها السفلى :
" صحيح ... وخاصة معك انت "

رد بحدة :
" هذا شئ مهم ... ماذا عن لوسيا ؟ "

امتلأت عيناها بالاهتمام والعطف وهى تقول :
" هل تسمح لى بمرافقة لوسيا الى السوق ؟ واذا لم يكن عندك مانع فانا اريد ان اقص لها شعرها ؟ وبما ان الصيف على الابواب فانها تحتاج الى اشياء كثيرة للمناسبات التى قد تدعى اليها " . تمهلت فى الكلام قليلا وهى تراقب تعابير وجهه , ولما لاحظت انه غير غاضب تابعت تقول : " مارأيك بهذه الأمور ؟ "

رفع يدها الى فمه وقبلها بلطف قائلا :
" سوف تكونين اما رائعة "

همست بروك وهى تحس بالنار فى يدها :
" اذن انت لا تمانع "

اجاب :
" طبعا يا حبيبتى . ولا ضرورة للقول ان الأب سيدفع "

سحبت يدها بقوة من بين يديه وقالت :
" ممتاز . سأخبر لوسيا بموافقتك "

قال فجأة وقد تغضن جبينه :
" هناك شئ واحد فقط . الا يمكنك ان تشكرينى ؟ "

وقفت بتوتر وقالت :
" طبعا ... طبعا . شكرا لك "

نهض على قدميه فى مواجهتها وحدق مليا بوجهها الذى تضرج بحمرة الخجل وقال :
" قالت لى لوسيا انها تراك جميلة ولطيفة . انها معجبة بك , واعتقد انها على استعداد لان تحبك ... وبهذه المناسبة ارى انه بات من الضرورى تحديد موعد لزواجنا "

" كنت اتمنى ان تتناسى هذا الموضوع تماما "

رد ببرودة :
" لا تكونى مغفلة ايتها الصغيرة . فأنا اريد عرسا ضخما كى اخبر احفادى فى المستقبل كم ان جدتهم كانت جميلة ورائعة "

ضغط بول بكفيه على كتفيها , فسكنت بين يديه مرعوبة ... ثم سألته فى محاولة لتغيير مجرى الحديث :
" ما اسم والدة لوسيا ؟ واين هى الآن ؟ "

امتلأ وجه بول فجأة بملامح الحزن العميق , لكنه لم يظهر ذلك فى كلامه الواضح :
" اسمها لوسيا أيضا . كانت فى الثامنة عشرة من عمرها عندما ماتت , وما زلت احمل نفسى مسؤولية وفاتها . كنت اريد الزواج منها , لكنها ذهبت بعيدا وانتظرت كي تضع مولودها . لم اعرف مكانها الا بعد فوات الاوان , جاءت الطفلة قبل الميعاد المحدد , وماتت الام قبل ان اصل اليها , اذ كانت تعيش مع زوجين عجوزين عرفا اسمى وعنوانى صدفة فارسلا فى طلبي . لايمكن ان تتصورى كيف شعرت انذاك . مسكينة لوسيا ... كانت تعتقد اننى لا احبها , وكانت تدرك اننى فى طريقى الى النجاح , لذلك لم ترغب فى ان تكون عائقا فى طريقى "

قالت بروك بأسى واضح :
" انا شديدة الأسف "

ثم عادت الى الجلوس فى مقعدها من فعل الصدمة وهى تقول :
" هل تعرف لوسيا هذه التفاصيل ؟ "

" تعرف اننى كنت سأتزوج امها لو انها ظلت على قيد الحياة . اقسم على هذا . صحيح اننى معروف فى القرية بعلاقاتى الكثيرة , لكن احدا لا يشك بشرفي . كانت لوسيا طفلة , ظلا ضئيلا يلاحقنى فى كل مكان , عينين واسعتين تذكرانى بالام التى رحلت . حاولت تناسى الامر , لكن القلق لم يفارقنى . كانت مثل ابنتى لوسيا , حساسة وخجولة ... تعيش من اجل الرجل الذى تحب . ومأساتها الحقيقية انها احبتنى انا "

" لاشك انها كانت شجاعة حتى وهى فى قمة اليأس . هل لها عائلة ؟ "

أجاب بقسوة :
" لم يكن عندها احد ليهتم بها . وهكذا صرت تعرفين قصة لوسيا ... انها قصة غير مسرة على ما اعتقد ؟ "

كان بول حزينا . الرجل الثرى الجبار ذو الوجه الساخر ما زال يعانى من آثار الصدمة . قالت له :
" على الاقل , ابنتك عندها هذا الاب "

" كدت اجن وانا افكر بعد سنوات من رحيل لوسيا كيف انها ماتت وحيدة معزولة , وهذا ما دفعنى للتمسك بابنتى بالحاح . من أجلها صنعت ثروتى , ومن اجل الابن الذى اريد انجابه فى المستقبل ... ولذلك اريد الزواج منك " . تردد قبل ان يتابع :
" انت لست انانية , بل امرأة مليئة بالعواطف والاحاسيس . أريد جوابك الآن , فانا لست على استعداد لمطاردتك مثل كلب الصيد . متى ستتزوجيننى ؟ "

شعرت بروك بالعرب يملأ اوصالها من عينيه الحادتين الغاضبتين . لم تكن قادرة على تحدى بول لكونها لن تتزوجه . فقد كان صوته مليئا بالعنف , ونفسه مليئة بالارادة ... وبدا وكأنه مشمئز من المماطلة والتسويف اللذين تمارسهما بحقه . ووجد بروك ان افضل اسلوب للتعامل معه هو اللين والدبلوماسية , فقالت بصوت لطيف :
" ارجوك يا بول "

قاطعها بغضب وهو يقبض على ذراعيها بقسوة :
" لا أريد رجاءك . كم سيستغرقك الامر للاستعداد للزفاف : شهر , ستة أسابيع ؟"

استطاعت ان تنطق من بين مشاعر الخوف :
" ستة اسابيع "

اطلق سراحها قائلا :
" فليكن ذلك هو الموعد المحدد "

صرخت بروك بعد ان استعدت حريتها ورباطة جأشها :
" اذن هذا هو الموعد المحدد . كوريللي يشتري كل شئ تراه عيناه : أنا , البيت . قطعة أرض ... "

كان الغضب يملأ شرايينها . فها هى ضعيفة أمام الرجل الذى يملك كل شئ ... ويملكها أيضا . وبكل الحنق الذى الذى تختزنه فى نفسها حملت حقيبة يدها وحاولت التوجه الى الباب , لكنه سحبها نحوه بقوة مفاجئة بحيث وجدت نفسها مسمرة بين ذراعيه .

قال بحدة :
" ما الذى يجعلك تتصرفين هكذا ؟ انك مثل الوردة التى تحيط بها الاشواك ؟ فى البداية قلت انك تكرهيننى بشدة ... اما الآن فانت غاضبة لاننى لا اعانقك كما ترغبين "

صرخت وهى تحس بعمق الاهانة :
" اننى لست واحدة من نسائك العديدات "

تقلص وجهه وهو يقول :
" انت امرأتى الخاصة , ومن الافضل لك ان تعرفى ذلك "

وفجأة غابت الدنيا عن ناظريها , اذ اقترب نحوها بسطوة واضحة وعانقها بقوة لم تعهدها من قبل . لم تكن قادرة على المقاومة , فخطوته المفاجئة اربكتها من جهة وجعلتها تغيب فى مشاعر لذيذة من جهة اخرى .
وقد حدث كل شئ بسرعة فائقة بحيث ظلت للحظات ملتصقة به دون ان تستطيع عنه فكاكا . واخيرا ابتعدت عنه لاهثة وقالت :
" لقد وعدت بانتظارى حتى اكون جاهزة "

نظر اليها متمعنا :
" لست مستعدة بعد ؟ "
صرخت دامعة العينين :
" انك لا تحبنى , وانا لا احبك انه زواج فاشل "

تراجع بول الى الوراء كي يتناول سيكارة من على الطاولة وهو يقول :
" وهل تتمنين ان نحب بعضنا ؟"

" لقد اخبرتك من قبل انه من الخطأ الزواج بدون حب "

قال بلهجة من يستجوب شخصا آخر :
" لكنك لا تسمحين لى بذلك . فانا اريد امرأة واحدة وليس ست او سبع نساء كما تعتقدين . دعينى ارعاك وكأنك فتاة صغيرة , واعدك بأننى سأكون عند حسن ظنك "

سألته بحماس :
" هل تتعهد بذلك فعلا ؟ "

" فقط حتى وصولك الى مرحلة اكتشاف الذات "

" اذن سآخذ كلامك على محمل الجد "

ابتسم بهدوء وقال :
" طبعا . ان امك تحب ان تتولى كل الترتيبات بنفسها . وانا اريد ان يقام حفل استقبال الزفاف فى وينترسويت "

تخضبت وجنتا بروك بالدم وهى تتناول حقيبة يدها قائلة :
" اذا كانت عندك قرارات جديدة ,. فدعنى اسمعها الآن رجاء "

رد دون مبالاة :
" يالك من طفلة مسكينة . على كل , انا ممتن لاهتمامك الكبير بابنتى . انها تعتقد اننا غارقان فى الحب ... فارجو ان لا تدمرى لها هذا الاعتقاد "

قالت بروك فجأة :
" وماذا عن كارلا ؟ "

تجهم وجه بول للحظات , ثم عاد الى هدوئه قائلا :
" وما دخل كارلا فى هذا الموضوع ؟ "

سارت بروك نحو الباب وهى تقول :
" ما الذى يجعلها تتمتع بالحقوق التى تمارسها الآن ؟ "

رد ساخرا :
" القليل من الغيرة لن يؤذيك . لكن كيف تكون هناك غيرة حيث لا وجود للمشاعر ؟"

لم تجب بروك على عبارته الاخيرة , واكتفت بالقول وهى واقفة عند الباب :
" سآخذ لوسيا الى السوق اليوم اذا لم يكن عندك مانع . هناك مجموعة من تلميذاتى حضرن لزيارتى من برنتليه وانا اريدها ان تلتقى بهن عندما تكون مستعدة , اذ انها بحاجة الى رفقة فتيات من العمر نفسه . فيما بعد سنناقش ما قررت بشأن اكمال دراستها , مع اننى افضل برنتليه ذات الشهرة المعروفة " . سكتت قليلا كي ترجع خصلات شعرها الى الخلف ثم قالت :
" اعتقد ان حمرة الشفاه زالت عن شفتى , أليس كذلك ؟ "

حدق فيها طويلا ثم ضحك :
" لنقل انه لايبدو عليك انك استاذة مدرسة "

ودعته بسرعة وهى تقول :
" سأعيد وضع احمر الشفاه فى وقت لاحق ... وداعا الآن "

كانت رحلة السوق رائعة جدا لولا انا كارلا اصرت على مرافقتهما , رغم ان لوسيا لم تكن راغبة بذلك بشكل غير مباشر . وهكذا وجدت الصبية نفسها ممزقة بين الانطلاق والارتياح لبروك وبين المعاملة الساخرة التى تلقاها من ابنة عمها . واخيرا قررت بروك ان تفتح الموضوع مهما كان الثمن . فالفستان الذى قاسته لوسيا اخيرا كان رائعا الا انه لم يعجب كارلا التى طلبت اختيار غيره . وعندما ذهبت لوسيا لتغير الفستان , قالت كارلا وهى تجلس فى مقعد وثير :
" يا لها من طفلة ساذجة مسكينة "

ردت بروك بلهجة اقسى مما كانت ترغب :
" يجب ان لا تزعجيها . فيمكن ان تصبح جذابة جدا اذا اعطيناها الفرصة المناسبة "

أجابت كارلا بحدة :
" هذا اعتقادك ! قولى لي , لماذا تفعلين هذا ؟ أمن اجل بول هذا الاهتمام بالابنة ؟"

زونار 10-04-09 03:53 PM

قالت بروك بحزم :
" من اجل لوسيا فقط . اننى احبها , خاصة وانها لا تملك السلاح الكافي لمواجهة اناس مثلك . فمع انك ابنة عمها , الا انك تفعلين كل ما بوسعك من اجل تدمير ثقتها بنفسها "

احتقن وجه كارلا بالغضب وهى تقول :
" كلام سخيف .. فأنا اداعبها فقط . اننى لست ابنة عمها , رغم اننى وصلت الى مرحلة كدت ان اصبح فيها خالتها زوجة ابيها "

" انا مسرورة لان الزواج لم يتم , لانك غير قادرة على التعامل معها بحنان ومحبة .
لست افهم كيف جئت معها فى هذه الرحلة ؟ فهى تتكلم باحترام شديد عن عمتها وزوجها واولادهما .
ولاشك انهم قبلوا مرافقتك لها لاعتقادهم بانك ستهتمين بها كثيرا "

سألتها كارلا بتهكم :
" ... وانا غير مهتمة بها ؟ لقد طلب منى بول الحضور شخصيا يا آنسة هاول ... ولعلك لاحظت اننى مستعدة لان افعل كل شئ من اجل بول " . ترددت للحظات قبل ان تكمل ضاحكة : " وكما ترين , عدنا الى الأيام الخوالى "

واجهت بروك التهكم بلهجة واثقة :
" اعتقد انك غير سعيدة على الاطلاق لانه ينوى الزواج منى ؟"

ردت كارلا بحدة :
" المهم متى يحدث الزواج ؟ انت لست من طراز النساء اللواتى يرغبهن بول . كيف تتوقعين ان تتعايشى مع رجل من نار وانت مجرد فتاة لا خبرة لها فى الحياة . لن تكونى قادرة على فهمه واسعاده , بل ستدمرين حياته من أساسها "

أجابت بروك بنعومة رغم ان قلبها يخفق بشدة :
" لا اظن ان بول يرى الامور مثلما ترى انت "

هزت كارلا رأسها بشكل لم تفهم له بروك معنى ., وقالت :
" بول ليس راغبا فيك ,. بل هو طامع للحياة الاجتماعية الراقية . انه يريد هذا البيت الضخم الذى يحمل الكثير من الابهة والعظمة . فمنذ ان كان طفلا صغيرا وهو يحلم بالمجد .
لقد صنع نفسه بنفسه واصبح مليونيرا , ومن هنا خبرته الواسعة .
اصبح الآن الرجل الثري الذى يستطيع شراء كل شئ ... لكنه لم ينس طفولته البائسة . لاشك عندى بانك تملكين شيئا بالمقابل . وانت تعرفين تماما ما هو "

اجابت بروك ببرودة قائلة :
" اذن وافق شن طبقة . انا سعيدة بهذه الصفقة لان بول يملك اشياء كثيرة ليقدمها لى "

سألت كارلا وكأن افعى سامة لسعتها فجأة :
" مثل ماذا ؟ "

ردت بروك بحزم :
" الامر لا يعنيك ابدا "

وعندما شاهدت لوسيا قادمة قالت بصوت خافت :
" اقترح ان نعلن هدنة مؤقتة الآن , فها لوسيا قد عادت , وانا لا اريدك ان تزعجيها .. انت تعرفين ان بول لايحب ذلك "

جمدت كارلا فى مكانها للحظات , ثم هبت على قدميها وقالت بعجرفة :
" اعذرانى الآن , فلقد مللت من هذه الرحلة المتعبة . سأراك فيما بعد يا لوسيا "

ردت لوسيا بعد تردد :
" شكرا لحضورك يا كارلا , سأراك فى الشقة مساء , اذ ان ابى سيحضر لاصطحابنا إلى الأوبرا "

بعد رحيل كارلا جرت الأمور على أحسن ما يرام ، وان كانت بروك لم تستطع ان تنزع من ذهنها صورة كارلا وبول ولوسيا معا فى الاوبرا . فمهما حاولت ان تراقب الايطالى الجذاب ،فهناك دائما امرأة ما إلى جواره . أولا كاثى بينتون واليوم كارلا .... ولله وحده يعلم كم يوجد غيرهما .

انهت لوسيا ارتداء قميص اختارته لها البائعة فى المحل ، ووقفت تنتظر حكم بروك التى قالت بعد تمعن طويل :
" رائع . تبدن فى قمة الأناقة . والآن ما رأيك فى شراء بعض ملابس الرياضة ؟ فنحن نستطيع ان نسبح ونلعب كرة المضرب فى هذه المنطقة .أنا شخصيا لاعبة ممتازة فى كرة المضرب ، وعندنا فى وينترسويت ملعب خاص .... فما رأيك بذلك ؟ كما وأننى أريد أن أقيم حفلة لمجموعة من تلميذاتى وهن فى مثل سنك "
لاحظت بروك ابتسامة لوسيا القلقة ، فقالت تطمئنها :
" لا ضرورة للقلق .سأكون إلى جانبك دائما .أؤكد لك أن الأمر سيكون ممتعا حقا " ثم ادارت رأسها نحو البائعة وقالت :
" انت تعرفين نوعية الملابس التى اقصدها : قمصان وتنانير واحذية تناسب الشابات الصغيرات ، وذات ألوان متناسقة أيضا "

فى هذه الأثناء اقتربت منهما صاحبة المحل التى كانت مشغولة فى مكان آخر ، وقالت بعد تفحص القميص الذى اشترته لوسيا :
" جميل جدا . انه يناسب الشابات الناعمات . وبالمناسبة يا آنسة هاول ، لقد استلمنا للتو بضاعة جديدة أريدك أن تلقى نظرة عليها ... كأنها صنعت خصيصا لك "

ابتسمت بروك ووافقت على القاء نظرة عابرة برغم انها عاجزة عن دفع الثمن المطلوب فى مثل هذه المحلات .صحيح ان ليليان ولويز زبونتان دائمتان للمحل ، لكن بروك لا تستطيع استعمال عبارة " اضيفيه إلى الحساب " مهما كلف الأمر . أما لوسيا فهى غير مضطرة للتفكير بهذه المشكلة ، فبول على إستعداد لدفع ثمن ما تشتريه بدون اعتراض .. وهذا ما تدركه صاحبة المحل المسرورة جدا بخدمة ابنة بول كوريللى الشهير .

بعد الانتهاء من شراء اللازم والاتفاق على موعد وطريقة إرسال الأغراض إلى البيت ، تناولت بروك ولوسيا غداء خفيفا مع فنجان من القهوة فى احد المقاهى . وطوال الوقت كانت لوسيا تحتج محرجة بأنها تأخذ الكثير من وقت بروك ..... لكن هذه الأخيرة أكدت لها انها تستمتع برفقتها إلى حد بعيد .

القى مصفف الشعر ريموند نظرة متفحصة على شعر لوسيا ، التى جلست فى صالون الحلاقة وهى مرعوبة تماما . بينما جلست بروك فى المقعد المجاور وهى تقول :
" الشعر جميل وغزير ، وانا على ثقة من انك ستبرز روعته بشكل ما يا ريموند "

قال ريموند ويداه تنزعان الدبابيس من شعر لوسيا الذى انهمر غزيرا ناعما :
" اولا يجب التخلص من الشعر الزائد . فهذه التسريحة تناسب السيدات المتوسطات فى العمر "

ابتسمت بروك للوسيا التى فوجئت بكلمات ريموند ، ثم قالت لمصفف الشعر :
" لقد التقطت الفكرة سريعا " ثم استدارت نحو لوسيا قائلة : " سأغيب عنك حوالى الساعة تقريبا . ستكونين بأمان بين يدى ريموند فهو أحد أفراد العائلة تقريبا "

قال ريموند :
" بالمناسبة ، كيف حال أمك ؟ كانت التسريحة التى صممتها خصيصا لها جميلة جدا "

ابتسمت بروك موافقة ، ثم نهضت وهى تقول :
" بالنسبة للوسيا ، اعتقد ان القصة المتوسطة الطول التى تبعد الشعر عن وجهها تناسبها تماما "

رد ريموند مازحا :
" دعى الأمور لى أيتها الآنسة الصغيرة "

غادرت بروك صالون الحلاقة وهى تشعر بالاطمئنان والارتياح .فريموند هو الوحيد القادر على إبراز روعة جمال شعر لوسيا . وقد تأكد هذا عمليا عندما عادت بعد ساعة تقريبا لتجد أن ريموند حول زبونته الشابة من فتاة عادية إلى مراهقة جذابة جدا .فوجئت بروك بالتغيير ، بينما لم تسطع لوسيا اخفاء ابتسامة الرضا عن شفتيها .... وحتى ريموند بدا سعيدا جدا بما انجزت يداه .

وفى الطريق إلى البيت ، بعدما لاحظت لوسيا نظرات الاعجاب الموجهة نحوها ، رفعت الشابة رأسها بارتياح وهى تدرك لأول مرة انها تملك جمالا يستطيع أن يلفت الانظار .كما ادركت بروك ان لوسيا بدأت تتصرف وكأنها انسانة جديدة تماما .

العيون نوافذ القلب






أما وقد التزمت بموعد محدد مع بول ، فلم يعد أمام بروك أى مجال للتراجع .كانت وكأنها على متن زورق بخارى لا تملك هى دفته ، يسير بها نحو المجهول بدون ان تستطيع منعه أو حتى التفكير فى المصير الذى ستؤول إليه . وجدت نفسها فجأة فى خضم لا ينتهى من الدعوات . لقد انتشر نبأ خطوبتها ، وبات الجميع راغبين فى التعرف إلى العريس المنتظر . صحيح ان اسمه على كل شفه ولسان ، لكنهم يريدون لقاءه قبل ان توجه اليهم الدعوة الرسمية لحضور حفل الزفاف .

وبصفته الخطيب السعيد الحظ ،كان بول يرافقها إلى كل مكان بدون أن يحاول استغلال وجوده معها ،بل كان يتصرف بكل أدب وفروسية ....... وفى احيان كثيرة بنوع من الحذر .كان الجميع يتصورون ان خطبة بروك وبول مع هذا هى تتويج لاجمل قصة رومانسية فى المنطقة ، وقد تجاوب بول مع هذا التصور وراح يتصرف وكأنه غارق حتى أذنيه فى الحب علنا على الأقل ، لأنه لم يكن يظهر ذلك أبدا وهما لوحدهما .

عادت ليليان مرة أخرى إلى لعب دور المضيفة بعد ان بات تحت تصرفها مبالغ لا تعد ولا تحصى . فإلى جانب الحفلات المنوعة التى اقيمت بمناسبة أو من غير مناسبة . فقد بدأت التحف والأثريات التى بيعت خلال الفترة الماضية تجد طريقها مجددا إلى وينترسويت .وفى هذه الأثناء ، حدد بول موعد الزفاف فى الحادى عشر من شهر كانون الثانى المقبل ، وهو ذكرى ميلاد ليليان . ولم يعد أمام بروك مجال للتراجع ، فكل الذين تعرفهم سعداء بالحدث ..... باستثناء كارلا طبعا .


كانت حفلة الخطبة رائعة جدا ، حضرها ما يزيد عن ثلاثمائة مدعو ، وهو ما لم يحدث حتى فى زمن الجد الأول . وبعد الحفلة انهمك جميع الأهل والأصدقاء بالاستعداد للزواج . لقد انشغلت ماجى بالبحث عن التحف والاثريات التى بيعت ، وراحت تعرض على اصحابها الحاليين اسعارا لا يمكن ان يرفضوها . وكل ذلك من أجل اعادة وينترسويت إلى سابق مجده قبل حلول موعد الزفاف . وإلى جانب عمل ماجى ،كان هناك عشرات من العمال الزراعيين البنائين للعمل فى الحدائق وبعض الغرف الداخلية . هذا بالاضافة إلى مئات الهدايا التى انصبت على البيت قبل الزفاف على عادة اهل استراليا فى هكذا مناسبات .

ووسط دوامة العمل هذه ، اكتشفت بروك فى بول الجانب العملى الذى جعله يقوم بالعديد من القضايا بدون أن تظهر عليه علامات الارهاق والتعب . فهو يرافق بروك إلى كل مكان ، ويوجه ماجى فى سعيها لاعادة التحف ، ويزور وينترسويت كل يوم للاشراف على سير العمل .... بالاضافة الى متابعة شؤون وشجون شركاته واعماله المتنوعة .

تم التوصل إلى تسوية بين ليليان وبول بدون علم بروك التى وجدت انه من غير المناسب الاستفسار عنها ، خاصة وان ليليان ولويز كانتا سعيدتين للغاية وهما تعدان كل ما يلزم للحفلة الموعودة . ومع ان بروك كانت تشعر بالمرارة إلى حد ما ،الا انها لم تظهر مشاعرها هذه علنا ... فبول لا يمكن ان يتحمل غضبها ومشاكلها .

فى الليلة التى تسبق موعد الزفاف ، انعزلت بروك فى غرفتها وغرقت فى نوبة بكاء حادة . وكانت تتمنى لو تبقى هناك إلى الابد ، لولا ان امها وقفت خارج الباب وهى تقول :
" افتحى لى الباب يا حبيبتى "

ارادت بروك ان تصم اذنيها عن صوت امها ، لكنها تعرف ان ليلان لا يمكن ان تتراجع ابدا . لذلك مسحت دموعها بسرعة وفتحت الباب لامها التى كان يبدوعلى وجهها القلق البالغ :
" ابنتى الغالية ! لا تبكى يا عزيزتى ، يجب ان تكونى فى اجمل حلة تمهيدا لحفلة الزفاف "

وبدلا من ان تخفف هذه الكلمات من الجو المأساوى ،ازدادت الحالة سوءا .... وعادت نوبة البكاء إلى بروك التى انطرحت على الفراش وهى تنتحب بشدة . فى هذه الأثناء ، دخلت لويز الغرفة لتشاهد أختها على هذه الحالة ، فصرخت :
" ماذا حدث يا أمى ؟ ماذا فى الأمر ؟ "

ردت ليليان بنعومة :
" لا شئ ، مجرد شعور بالحزن المفاجئ يحدث دائما قبل الزفاف "

توجهت لويز إلى شقيقتها وراحت تمسح على رأسها وهى تقول :
" سيكون زفافا رائعا يا بروك .فستانك وفستانى من صنع افضل المصممين .ولا تنسى ان تعطينى باقة الورد عندما تنتهى مراسم الزفاف"

ابتسمت ليليان :
" لا تقلقى يا حبيبتى . جمالك سيبهر الابصار فى لندن .ارى ان نذهب إلى هناك أولا . فالسفر يعطى المرء متعة ما بعدها متعة ،وقد وعدت بول بزيارة شقيقته فى كينيا .اعتقد ان لديهم املاكا شاسعا هناك .... واغلب الظن انهم لا يعترفون بلوسيا . لقد فعلت المعجزات مع هذه الصغيرة ،فهى تبدو صارخة الجمال هذه الأيام "

نادى لويز أختها :
" بروك ؟ "

جلست بروك فى سريرها تمسح الدموع عن وجنتيها وتقول :
" لا باس الآن ، اذهبا إلى النوم . فأنا أبكى دائما عندما أكون فى حالة من السعادة الغامرة "

كانت يداها ترتجفان ، لكنها حاولت اخفاءهما عن امها واختها . نهضت ليليان وهى تقول :
" اجل . يجب ان نذهب إلى النوم " . ثم سارت نحو ابنتها الصغرى وقبلتها قائلة :
" فليباركك الله يا حبيبتى .اعرف اننى سأبكى غدا ،فنحن عائلة واحدة مترابطة ...."

قاطعتها بروك من بين شهقات البكاء :
" ارجوك يا أمى "

" انت متعبة يا صغيرتى بعد كل ما جرى لك مؤخرا . انزلى الى المطبخ يا لويز واحضرى لاختك كوبا من الحليب "

ابتسمت بروك وهى تقول :
" افضل شيئا ساخنا "

قالت الأم :
" اسرعى يا لويز , فصغيرتى الحبيبة تحتاج إلى شئ يهدئ أعصابها "

" هذا صحيح , فأنا على وشك الانهيار "

جمدت لويز فى مكانها للحظات وقد عقدت الدهشة لسانها , ثم قالت :
" انت تحبينه يا بروك , أليس كذلك ؟ "

انفجر فى داخل بروك كل ما تعتمل به نفسها من غضب وحزن , وقالت :
" طبعا يا عزيزتى . هل أنت متأكدة ان ذلك لا يزعجك ؟ لم يمض وقت طويل عندما كنا نخطط لعرسك أنت "

ردت لويز بلطف بدون ان تتأثر من كلام شقيقتها :
" لم اكن مناسبة لبول , أما انت فقادرة على التعامل معه . انت تعرفين اننى لا اغار منك . اعتقد ان بول مريح كصديق , لكن من الصعب العيش معه كزوجة ... على الأقل بالنسبة لي . كل الناس يحسدونك . لماذا برأيك سافرت كاثي بينتون الى الخارج ؟ لم تكن قادرة على البقاء هنا ومشاهدتك وانت تفوزين بافضل رجل فى المدينة . بول رائع وساحر ... لكننى أحبه اكثر عندما يكون صهرى "

اكدت ليليان كلام ابنتها قائلة :
" امك يا عزيزتى تعيش فرحة لا توصف . عندما اخبرتنى فى بادئ الامر ان بول يريد الزواج منك لم اصدق اذنى , لكننى ارى اليوم ان الامور تسير الى النجاح الباهر . فانت تتعاملين بامتياز مع لوسيا التى تحبك كثيرا , وكل ذلك بسبب خبرتك السابقة كمدرسة . اقسم لك اننى سأحب زوج ابنتى , اساسا لانه حفظ وينترسويت للعائلة . على الشبان المقبلين على الزواج ان يبدأوا حياتهم فى بيت خاص بهم , وليس افضل من وينترسويت لك وله . لا شك ان جدى سيكون سعيدا جدا لهذه الترتيبات "

اغرورقت عينا ليليان بدموع الحزن والفرح , ثم تابعت تقول :
" والآن يا عزيزتى سأتركك تنامين . فأمامنا يوم حافل عند الصباح "
وضعت ذراعها حول خاصرة لويز وقالت بلطف :
" دورك قريب يا حبيبتى ... امك ستتدبر كل شئ "

بدا على وجه لويز نوع من الشك بقدرة امها , وقالت :
" نسيت ان اخبرك ان باتريك طلب منى الزواج "

ردت ليليان وهى تجر ابنتها معها :
" مسكين باتريك ... انه غير مناسب لك على الاطلاق "

اجابت لويز وهى تغلق الباب :
" ستستغربين كثيرا اذا ما حدثتك عن التغيير الذى طرأ عليه "

ضحكت بروك بهدوء عندما وصلتها عبارة لويز الأخيرة .. فهى لم تجد الوقت الكافى لكى تلاحظ كيف ان اختها الكبرى باتت اكثر قوة وارادة خلال الاشهر القليلة الماضية.

غصت الكنيسة بحشد كبير من الأهل والاصدقاء والمعارف اللذين دعيوا الى حفلة الزفاف . كان الوقت بعد الظهر , والطقس مشمس جميل . تهادت الصبايا بازيائهن المتنوعة الجميلة وقد حملن باقات الورود المتناسقة والمزينة باشرطة ملونة . بدت ليليان اصغر من عمرها بسنوات كثيرة , وقد وقفت الى جانبها لويز ثم ايما وجين كارينجي وهما صديقتا الطفولة ... واخيرا لوسيا بثوبها الوردى الرائع . ومن جهة الرجال وقف الدكتور الأنيق اليساندرو بويتو ورجل الأعمال البارز روس ماكلاري ابن الثري الكبير جورج ماكلاري .

فى آخر الكنيسة كانت بروك ترتجف وكأنها تعيش فى جليد القطب الشمالي . وجهها شاحب , متوتر ... واكثر جمالا من اى وقت مضى . اما فستانها فقد سرق انظار الجميع بجماله وحسن تصميمه والتطاريز العديدة التى تزينه . واخيرا حان وقت السير باتجاه المذبح حيث ينتظرها الرجل الذى سيصبح زوجها .

مرت المراسيم بدون ان تفقه بروك اى شئ مما يجرى حولها . كانت مشاعرها مرتبطة بالرجل الطويل الغامض الذى يقف الى جانبها . فهى غير قادرة على الذهاب معه الى الفراش بالرغم من انه اصبح زوجها شرعيا . لم يحن الوقت بعد . اذ انها ما تزال تعانى من صدمة ما اقدمت عليه قبل قليل , من ربط نفسها وجسدها برباط الزوجية مع بول كوريللي .

وقف جنبا الى جنب فى وينترسويت لاستقبال المهنئين الكثر . على وجه بروك ابتسامة صفراء بينما الغصات تمسك قلبها بقبضة من حديد . وظلت على هذه الحالة لعدة ساعات لمحت كارلا خلالها وهى تنظر اليها شذرا فى اكثر من مناسبة . وعندما حانت لحظة فراغ , تقدمت كارلا من العروس قائلة :
" تهانينا ايتها الصغيرة . لقد حصلت على رجل غير عادي كما تعرفين , انا اؤكد ذلك لانه كان لى قبل ان تحصلى عليه "

ردت بروك بعنف وكأنها ترفض الشك بصدق زوجها الجديد :
" اننى لا اصدق كلمة مما تقولين "

فوجئت كارلا بعنف جواب بروك , فقالت :
" لماذا لا تسألينه بنفسك ؟ "

ابتسمت بروك امام الاعين التى تحدق فيها وقالت :
" لا حاجة لذلك . استميحك عذرا يا كارلا , فلوسيا تؤشر لى كي اراها "

وبالفعل كانت لوسيا تحاول لفت انتباه بروك كي تمنع كارلا من الانجراف وراء غيرتها ... فتزعج العروس فى احلى ليالى العمر .

قالت لوسيا :
" هل كل شئ على ما يرام يا بروك ؟ ارجو ان لا يزعجك ما قالته كارلا , فهى غير مدركة لما تفعل الآن "

وقبل ان تجيب بروك , عاد بول الى جانبها , طويلا جذابا ساحرا . اقترب منها هامسا :
" حان موعد ذهابنا يا حبيبتى "

تضرجت وجنتا بروك بالدم وهى تحس ان اللحظات الحاسمة قد دنت . اما لوسيا فقد القت نفسها بين ذراعي ابيها الذى ضمها اليه وعانقها بابوة حانية وراح يكلمها بالايطالية . وبعد لحظات ابتعدت الصبية عن ابيها واقتربت من بروك قائلة :
" اننى فى قمة السعادة لاننا اصبحنا عائلة واحدة الآن "

التمعت عينا بروك بدموع الفرح وهى تلاحظ صدق كلمات لوسيا وسعادتها , وقالت :
" شكرا لك يا حبيبتى "

كان البيت ما زال مزدحما بعشرات المدعوين الذين توزعوا فى الغرف والقاعات حول الموائد العامرة بما لذ وطاب من طعام وشراب , رغم ان الساعة قد قاربت العاشرة مساء تقريبا . وبدا عليهم انهم غير مستعجلين لمغادرة هذا البيت المميز وهذين العروسين الرائعين .

امام اصرار بول , وافقت بروك مسبقا على تمضية شهر العسل القصير فى الخارج . وتم الاتفاق ايضا على ان يمضيا ليلة الزفاف فى شقته , ثم يسافرا فى الصباح الى مدينة سان فرانسيسكو لتمضية اسبوع فقط . ذلك ان التزامات بول العملية لا تسمح له بالغياب اكثر من هذه الفترة . لكنهما سيذهبان فيما بعد فى رحلة طويلة حول العالم يكونان فيها بعيدين عن الاعمال والمتاعب .

ظلت التهانى تنهمر عليهما حتى اقلعها بالسيارة مغادرين وينترسويت . وآخر شئ شاهدته بروك كان وجه شقيقتها لويز الملئ بالسعادة والمحبة , والى جانبها باتريك . عندما اجتازت السيارة البوابة الخارجية , اراحت بروك رأسها وكأنها تنفض عن نفسها متاعب اليوم كله .

قال بول بهدوء :
" انتهى الامر الآن "

اجابت بصوت هستيرى :
" لا , انها البداية الصعبة "

رد بمرارة :
" اهدأى يا حبيبتى . اننا زوجان الآن وانا مرتاح لذلك . لقد وعدتك باحترام كل رغباتك وتلبية كل طلباتك "

ادارت وجهها الى الخارج وهى تسأل :
" متى موعد السفر غدا ؟ "

حدق فيها لثوان قليلة ثم قال :
" ليس باكرا , عند الظهر تقريبا , لقد كنت فخورا بك جدا "

لم تجب بروك على الفور , اذ ان شيئا عاطفيا عميقا فى صوت بول مسها فى الاعماق . ولو ان زوجها حاول لمسها فى تلك اللحظات لكانت انفجرت باكية تنفض دموعها كل ما احتقن فى نفسها خلال اليومين الماضيين .

اغمضت بروك عينيها وكأنها تسجن مشاعرها فى الداخل ... وعندما فتحتهما مرة اخرى كانا قد وصلا الى شقة بول .

خفق قلبها بشدة غريبة , لكنه ظل يتصرف بلطف وحنو , قال لها :
" تعالى ايتها الطفلة الصغيرة قبل ان تتخلى عنى "

ترددت للحظات ثم اعطته يدها , فسحبها من السيارة وضمها الى صدره بلطف وراح يحدق فى عينيها الخضرواين اللامعتين .

قالت :
" ارجوك دعنا نصعد . ان ثوب الزفاف يزعجنى "

رفع احد حاجبيه متسائلا :
" حقا ؟ اننى احبه . فلولا ثرثرتك النسائية لكنت ساحرة الجمال فعلا . قولى لى : لماذا لم تتغيرى ؟ "

ردت بقسوة :
" لم يكن هناك مجال لذلك "

كانت بروك تخشى هذا الرجل , لكنها تخشى اكثر ضعفها امامه . وعندما وصلا الى الشقة سألته هامسة :
" هل عاد جيانى ؟ "

جاءتها ضحكة بول ساخرة عالية وهو يقول :
" ارجوك يا حبيبتى . سوف تصدمينه فعلا بمثل هذا السؤال . فهو يعتقد اننا غارقان فى الحب حتى الاذنين "

أنار بول الاضواء , فسبحت الشقة فى شعاع ملون زادته جمالا اللوحات الموزعة بفن وتنسيق . ظلت بروك للحظات تتأمل هذا المنظر البديع , ثم راحت تزرع القاعة الرئيسية جيئة وذهابا وكأنها تريد الهرب من خيالاتها وافكارها المركزة حول الرجل الواقف يراقبها عند الباب .

انهمرت الدموع غزيرة من عينيها بدون ان تحاول ايقافها او مسحها . انها امرأة متزوجة الآن , وبدلا من ان تتمتع بحياتها الجديدة هاهى ضائعة فى عذاب نفسى اليم . اذ لا مجال لاقامة علاقة عادية مع بول , فهو يريد كل شئ او لا شئ .
قال :
" ماذا بك ايتها الصغيرة ؟"

ردت بدون ان تلتف اليه :
" لا شئ . اننى متعبة فقط "

انضم اليها قرب النافذة وراح يتأمل المدينة الساهرة التى تطل عليها الشقة من علو شاهق . فبدا الى جانبها وكأنه تمثال جميل نحته فنان مبدع .. لكن التماثيل لا تملك مثل هاتين العينين السوداوين , ولا تتكلم بمثل ذلك الصوت العميق الذى يمكن ان يذيب الصخر .

سألها فجأة :
" هل أنت خائفة منى ؟ "

اجابت بروك باستسلام :
" وكيف لى ان اخاف , فأنت زوجى وعلى ان اثق بك ؟"

" اذن استديرى نحوى يا عزيزتى "

اغلقت عينيها عندما احست بكفيه القويتين على كتفيها . سألها بهدوء :
" لماذا هذا التوتر العصبى ؟ هل تعتقدين اننى ساهاجمك مثل البرابرة كما قلت فى احدى المرات ؟ "

قالت بنعومة :
" كلا يا بول "

" اذن افتحى عينيك "

فتحت عينيها لتجده امامها آسرا جذابا مسيطرا . كانت تعتقد دائما انها امرأة عصرية متفتحة , لكنها تكتشف الآن انها مجرد شابة لا خبرة لها فى الحياة . هناك هوة سحيقة بينهما من ناحية الطباع والسلوك . وبقدر ما هى جاهلة فى الشؤون العاطفية , بقدر ما هو سيد وصاحب باع فيها .

كانت ترتجف تحت يديه , لكنها جاهدت كي تظل عينيها فى مواجهة عينيه الحادتين . لمس شفتيها السفلى باصبعه وقال بلطف :
" عندى هدية خاصة لزوجتي . كان يومى رائعا ايتها الصغيرة فلا تفسديه الآن . بعد لحظات ستغرقين فى النوم . غرفتى لك , اما انا فسأنام فى غرفة الضيوف "

مسحت بروك الدموع عن وجنتيها وقالت :
" عندي لك هدية خاصة ايضا , لكننى نسيتها فى هذه الظروف "

رد بمرح :
" لا بأس . انا اتوقع الحصول عليها فى وقت لاحق , وسوف أعتز بها كثيرا "

" لكنك لا تعرف ماهى ؟ "

قال بصدق :
" المهم انها منك , أليس كذلك ؟ "

تراجعت بروك الى وسط القاعة , فى حين توجه بول الى خزانة حائط مخفية خلف احدى اللوحات . ثم عاد بعد لحظات حاملا علبة كبيرة مغطاة بالمخمل الأسود وقال :
" انها تحمل توقيع كارتييه ... فانا لم أشا تقديم شئ عادى لك "

فتح العلبة أمام عينيها المندهشتين , واخرج عقدا من الماس المرصع بالزمرد على اطار من الذهب والبلاتين مع قرطين مماثلين .

همس وهو يعلق العقد والقرطين :
" انها باهرة ... أليس كذلك ؟ "

لم تستطع بروك السيطرة على اضطرابها , فقالت بدون وعى :
" لايمكن ان اضعها ابدا "

رد بصوت عميق هادئ :
" على العكس , ستضعينها الآن . اسمحي لى ان اعلقها يا حبيبتى . استديري ايتها العزيزة , وبعد ذلك يمكنك الذهاب الى غرفة النوم "

لامست اصابعه الدافئة رقبتها وهو يضع العقد , ثم جرها الى المرآة لكى يريها المجوهرات وقد زينت صدرها واذنيها . لم تكن بروك تتخيل ان يستطيع رجل ما ان يقودها كما يفعل هذا الرجل ... زوجها الذى لم يصبح زوجها بعد .

قال بصوت هامس :
" انها اجمل من كل الكلمات . لكن عليك ان تثقبى اذنيك , ويمكننا ان نفعل ذلك فى سان فرانسيسكو . انها اجمل مدن العالم , واظنك ستحبينها خاصة واننى سآخذك الى كل المعالم المهمة فيها . على فكرة اخى يقيم هناك . وفى المدينة جالية ايطالية كبيرة ... واؤكد لك انهم اناس شرفاء وليسوا من المافيا . فى البدء فكرت فى الاقامة هناك , لكن سيدنى تعجبنى اكثر , مع ان المدينتين تتشابهان فى كثير من المميزات "

لم تستطع بروك ان تتجاوب معه , رغم انها تعرف انه يحاول ازالة الكآبة عن نفسها . فهناك اشياء كثيرة تجهلها عنه , اشياء لم تسأله عنها بعد . فقد كان يعيش حياته حتى العمق بينما هى متقوقعة حول ذاتها تحمى البيت الكبير من تجارب العالم . ابعدت يده عن عنقها ببطء وقالت :
" شكرا لك "

رد عليها بتحد واضح , لكن دون غضب :
" الا يمكنك ان تفعلى اكثر من ذلك ؟"

قالت بنعومة :
" ليس الآن . كل شئ جديد بالنسبة لى يا بول . فأرجو ان تقدر ذلك وتصبر ؟ "

وضرب جبينه بباطن كفه وقال مبتسما :
" يا الهى . الصبر ليس من مميزاتى . واتمنى ان لا تطلبى منى الانتظار لمئة سنة ؟ "

" سبق لنا واتفقنا على التفاصيل "

قال بصوت ناعم ساحر :
" معك حق , فأنا لا اريد التنصل من وعودي . على كل , عناق عابر من عروستى ثم اذهب الى فراشي فورا " . وعندما لاحظ ترددها تابع قائلا :
" تعالى اكتشفي الامر بنفسك "

وعندما لاحظ الدموع تترقرق فى عينيها , تجهم وجه قليلا وهو يقول :
" حسنا ايتها الصغيرة ., يبدو ان ضميرى تغلب على " . ثم رفع يدها الى شفتيه وتابع قائلا : "
من اجلك انا على اتم الاستعداد لاعادة ترويض نفسى ... لكننى رجل ضعيف وفضولي , ولايمكن ان انام قبل ان احصل على عناق صغير "

رفعت بروك وجهها نحوه وهى مغمضة العينين ولثوان قليلة شعرت انه نقلها الى عالم آخر لم تعرفه من قبل . لكنها سرعان ما عادت الى هواجسها فابتعدت عنه قائلة :
" ارجوك يا بول "

نظر اليها بمحبة قائلا :
" حبيبتى "

" اريد ان اذهب الى النوم "

رد بصوت متهدج :
" وانا كذلك ايتها العزيزة ... حسنا يا صغيرتى , فعندما تصممين على شئ فلاشك انك تقفين عنده "

ارخى ذراعيه من على كتفيها , لكنها لم تتحرك من مكانها . قال لها وقد لاحظ ارتباكها :
" آمل ان تكونى قادرة على تغيير ملابسك لوحدك ؟ فلست ارغب فى القيام بدور المربية فى ليلة عرسي "

ثم رفعها بين يديه وادخلها الى غرفة النوم قائلا :
" قولى انك لا تقصدين فعلا كل ما قلته الليلة "

عندما انزلها بول من بين يديه الى السرير , راحت تتأمل تقاطيع وجهه الاسمر وهو واقف الى جانبها . فى تلك اللحظات احست انها بدأت تحبه بشكل او بآخر . قالت له بعد لحظات :
" تصبح على خير يا بول "

اجابها بجفاء :
" وانت بخير يا سيدة كوريللي . اذا سمعت صراخا فى الليل فذلك سيكون ناتجا عن كوابيس تصيبنى فاياك ان تذهبي للاهتمام بى , فقد اعتبرها خطوة ايجابية "

امضى العروسان اسبوعا حافلا فى سان فرانسيسكو , واشتري لها بول معطفا من الفرو وحذاء جلديا سميكا لمواجهة موجة البرد هناك . لكن البرودة لم تمنعهما من التسوق والسياحة وزيارة جبل تامالبيس الذى يطل على المدينة بأسرها . كما زارا المطاعم الشعبية المنتشرة على الشاطئ وتناولا فيها الاسماك الطازجة المطبوخة بمهارة , وتجولا فى المعارض والمتاحف والحى الصينى حيث اشتريا الكثير من الهدايا . وقام بول برفقة زوجته ايضا بزيارة صديق فنان يقيم فى شارع الفن القريب من جسر سان فرانسيسكو المشهور .

وفى الليلة التى تسبق عودتهما الى سيدنى , اقام شقيق بول واسمه ماركو حفلة عشاء خاصة على شرفهما فى واحد من المطاعم العديدة التى يملكها فى الحى اللاتيني . وعندما وصل بول وبروك الى المطعم , كان المكان قد ازدحم بالضيوف الذين اتوا لتهنئة العروسين . لم يكن بول يشبه شقيقه ماركو الا فى شئ واحد الديناميكية والطاقة الخلاقة ... والقدرة على جمع الثروات . كان ماركو اقصر من اخيه , لكنه ممتلىء القامة اكثر . سبق له الزواج مرتين , وفى المرتين انتهى الزواج بالطلاق . اما الآن فهو بصحبة شابة شقراء رائعة الجمال كانت تقف الى جواره فى الحفلة .

كان الجو الحماسى يملأ المطعم , وكثيرون يتكلمون باللغة الايطالية مما يظهر عمق العلاقة التى تربط الايطاليين ببعضهم البعض . ولم تجد بروك صعوبة فى ملاحظة انها حازت على رضا الجميع ... ولذلك وجدت نفسها على مائدة واحدة مع ماركو وعدد من الايطاليين . ثم بدأت الحفلة .

هذه هى المرة الأولى التى تتناول فيها بروك مثل هذا الطعام اللذيذ وبهذه الكمية . كانت الاطباق تروح وتجئ مثلما تدور الاحاديث الضاحكة الطريفة على ألسنة الجميع . وعندما حان موعد الرقص , اقترب بول منها داعيا اياها الى الساحة .

قالت مبتسمة :
" لاشك ان ماركو كان كريما معنا , اذ لم يسبق لى ان تناولت مثل هذا الطعام "

" لقد اثرت فيه بجمالك الخلاب ... لكن تذكرى انك زوجتى انا "

وبدون وعى , رفعت بروك يدها وراحت تداعب وجنة زوجها الناعمة . كانت هذه هى المرة الأولى التى تقدم فيها على مثل هذه الخطوة ... لكن التأثير كان سريعا وواضحا :
" اياك ان تلعبى بى يا بروك "

ابعدت يدها عنه بارتباك :
" انا متأسفة "

قال بحدة :
" يجب ان نعود الى الفندق بعد نصف ساعة فقط "

ارادت ان تؤذية عامدة بعد اسبوع من السياحة والفرح و ... الهدوء , فقالت :
" اعتقدت انك مستمتع هنا ... مثلى انا تماما . طلب منى صديقك دينو ان ارقص معه , لقد وعدته برقصة "

سألها وعيناه لا تحيدان عنها :
" وهل تريدين الرقص معه ؟ "

كذبت عليه قائلة :
" طبعا ... طبعا . فالايطاليون راقصون ماهرون بالسليقة "

خاطبها بلهجة تحذير :
" اياك من السير فى هذا الطريق الوعر "

عندما انتهت الموسيقى , اقتربت فتاة شابة رائعة الجمال وامسكت ذراع بول قائلة :
" هل استطيع ان ارقص مع زوجك ؟ "

" لوقت محدد فقط "

وما ان ابتعدت الفتاة مع بول ، حتى اقترب دينو يسأل بروك عما إذا كانت تسمح له بالرقصة التالية . وافقت بروك على الفور وكأنها تريد الانتقام من علاقتها غير الطبيعية ببول . ووسط الساحة ، راح الشاب الايطالى يدندن فى اذن بروك لحنا عاطفيا معروفا . سألته ضاحكة :
" هل هناك شخص ايطالى يجهل الغناء ؟ "

رد مبتسما :
" طبعا ، هناك الكثيرون . ان بول محظوظ جدا لأنه عثر على زوجة جميلة مثلك "

فتحت عينيها الخضراوين بدهشة :
" ألست أبدو غريبة إلى حد ما ؟ "

وافق بحماس :
" طبعا .اذكر ان بول كان يحب دائما ذوات الشعر الأحمر "

" حقا . اخبرنى المزيد عنه ارجوك "

قال دينو وكأنه غير متحمس للحديث عن بول :
" انه رجل عملاق ... فعلا عملاق . وهو يحب اللون الأحمر كما يحب الفنان التشكيلى اشهر لوحة عنده "

ابتسمت بروك وهى تستمع إلى كلام دينو . لكن البسمة ماتت على شفتيها عندما لمحت من فوق كتف رفيقها فى الرقص زوجها وهو بين ذراعى الشابة الجميلة .
انه ينظر إليها بابتسامة ساحرة ، ربما ردا على شئ همسته فى اذنه .وفجأة أحست بأن النيران تأكل أعصابها وشرايينها .فهى لا تريده ان ينظر إلى امرأة أخرى غيرها ... واستغربت من أين جاءها هذا الشعور بالغيرة العمياء .عاد دينو ليهمس فى اذنها اغانيه العاطفية . اما بول فلم يكلف نفسه عناء الالتفات نحوها ولو لمرة واحدة . وفى لحظات تحولت فرحتها فى الحفلة إلى ضيق لم تستطع تفسير اسبابه . ودون وعى منها راحت تسأل دينو عن مختل تفاصيل حياته ، من غير ان تنتبه فعلا إلى أجوبته المطولة .
منتديات ليلاس
وأخيرا جاء بول يطالب بزوجته مخاطبا دينو بجفاء :
"هل تسمح لى الآن يا دينو "

انسحب الشاب بهدوء وهو يقول :
" بالتأكيد يا صديقى العزيز . لقد سحرتنى زوجتك الجميلة الرائعة "

أجاب بول بنعومة :
" شكرا على اهتمامك بها " . ثم التفت إلى زوجته بعد ابتعاد دينو وقال :
" حان وقت الذهاب إلى الفندق يا صغيرتى "

ردت عليه بحدة :
" لا أريد ان امتدح نفسى .... لكنك تغار على "

اجابها بلطف :
" دعك من هذا .لماذا أغار عليك ؟ من سيهتم بامرأة ذات شعر أحمر ..... وقلب كالجليد ؟ "

قالت وهى تخفى غضبها :
" ماركو ينظر نحونا ... فلا ضرورة للشجار أمامه رجاء "

شبك يدها بيده ، وسارا معا باتجاه ماركو وهو يقول :
" لا ....... فقد ينقلب الجميع ضدك "

ابتسم ماركو وهو يحتضن اخاه وزوجته :
" عليك ان تحضر لوسيا فى المرة المقبلة . بل يمكنك ان ترسلها لوحدها لقضاء عطلتها معنا . اشكرك على الفرصة التى اتحتها لى للتعرف إلى نسيبتنا الجديدة ، انها رائعة وتناسبك تماما "

شكرته بروك مبتسمة ، ثم غادرت المطعم يدا بيد مع بول الذى راح يودع الاصدقاء ملوحا بيده الطليقة . وقد اقتصر دورها فى هذه اللحظات على رد الابتسامات للمودعين وهى تسير فى ظل زوجها الطاغى بحضوره وجاذبيته . كانا أمام الناس العروسين السعيدين ، لكنهما ليسا كذلك فى الواقع . وطيلة الوقت كان شعور بالكبت والضيق من جراء حياتها الزوجية غير الطبيعية ينمو بصورة غير معقولة تنذر بأخطار عديدة .

فى طريق العودة إلى الفندق افتعلت بروك جدالا لا معنى له . وكانت تشعر بنوع من الضيق فى صدرها ..... فهى تريد أشياء كثيرة من زوجها بدون أن تعرف طبيعة هذه الأشياء .

لقد تصرف معها بلطف وأدب طيلة الوقت ، وكان صبورا إلى أبعد الحدود ، فماذا تريد أكثر من ذلك ؟ جلس بول بعيدا عنها فى سيارة التاكسى ، تاركا إياها فى حديثها المنفرد ..... ولكنه قبض على يدها بشدة عندما غادرا التاكسى وسارا باتجاه المصعد فى طريقهما إلى الشقة الفاخرة فى ذلك الفندق الفخم .

دخلت بروك إلى غرفة نومها على الفور بدون أن تحاول إغلاق الباب فى وجه زوجها . فاذا كانت العيون هى نوافذ القلب فعلا ، فإن بول يتأرجح الآن على حدود الانفجار الشامل . فهو صاحب كبرياء وكرامة ، ويرفض ان تعامله اى امرأة بمثل هذا الأسلوب .

ألقت معطف الفرو عن كتفيها ، ثم مدت يدها إلى السحاب لتنزله ...... لكنه علق بعناد ولم تفلح كل محاولاتها ، فصرخت بنفاد صبر . قال لها بول الذى كان يقف عند الباب :
" لماذا لا تدعينى أفك السحاب ؟ "

أجابته وهى تواصل محاولاتها الفاشلة :
" شكرا لك ..... لا ضرورة لازعاج نفسك "

علق قائلا :
" سوف تمزقين الفستان"

توترت أعصاب بروك وهى تراه مقبلا نحوها , وقبل أن يمد يده قالت بخوف :
" أرجوك يا بول "

دعك من هذه السخافات "
وبقوم غير متوقعة ، ادارها بعيدا عنه وانزل لها السحب حتى نهايته .

قالت له بسرعة :
" شكرا لك .... هذا لطف منك "

" الن تنزعى الفستان الآن ؟. "

" ليس قبل ان تذهب "

وجه اليها نظرة حادة وقال :
" انت خجولة جدا حسب ما لاحظت ؟ لماذا تحاولين دائما اخفاء نفسك عنى ؟ فانا اعرف كيف هن النساء "

تملكتها موجة غضب عارمة وقالت :
" هذه هى مشكلتك الأساسية "

حذرها بول بصوت حاسم :
" لا ضرورة لمثل هذه الكلمات "

واجهته بتحد وهى ترفع شعرها عن وجهها :
" وما المانع ؟ "

" لأن الكلام غير صحيح ، وانا لا اطيق سماعه . هل ستعمدين إلى التشهير بى طيلة العمر لأننى أب لطفلة غير شرعية ؟ لم احب لوسيا ، لكنها احبتنى بعمق " . حدق بها والغضب يشرقط من عينيه ، ثم اضاف :
" اذهبى إلى النوم ايتها الصغيرة الغبية فأنا لا أريد أن ألمسك ابدا "

اجتاحتها رغبة فى ايذائه كما اذاها فى كلماته الاخيرة :
" انا سعيدة لهذا الموقف ...... فلست استطيع تحمل لمساتك ابدا "

قال :
" اعرف ذلك ، فأنا لم أتزوج من اجل الحب "

صدمتها كلماته بشدة ، بحيث لم تجد نفسها الا وهى تسقط على الأرض غائبة عن الوعى . وعندما استفاقت بعد قليل وجدت نفسها بين ذراعى بول ، الذى سألها بصوت قلق :
" ماذا حدث ؟ "

نظرت اليه بعينين ضعيفتين :
" لست أدرى ! لااشعر باى شئ على الاطلاق "

رفعها الى السرير وهو يقول :
" لقد اثرت الرعب فى قلبى . اعترف اننى اردت جرحك ...... ولذلك فأنا أعتذر "

ردت بضعف :
" أنا أعتذر أيضا . لقد أمضينا اسبوعا رائعا ، ولست أدرى لماذا أثرت كل هذه المشاكل الليلة "

قال بهدوء :
" انتهى الأمر ، لعلنا اجهدنا انفسنا فى هذه المدينة ،فأنا ألاحظ انك متعبة جدا "

قالت بدون ان تترك يده :
" لقد احببت رحلتنا هذه . ارجوك لا تغضب يا بول ، فأنا لا أثير مشكلة اوسيا أمامك دائما . كيف يمكن ان أفعل ذلك وأنا أحب ابنتك كثيرا ؟ انها فتاة طيبة القلب ، وأريد ان اساعدها وأحميها واؤمن لها حياة سعيدة مريحة "

سألها بلطف :
" اين قميص النوم ؟ "

" انه معلق فى الخزانة "

" سأحضره لك "

جلست فى مكانها وهى تقول :
" أصبحت فى وضع أفضل ، وعلى أن أغسل أسنانى ووجهى قبل النوم "

عاد إليها بقميص النوم الفاخر الذى اشترته لها امها خصيصا لشهر العسل وقال :
" سأتركك الآن ..... تصبحين على خير "

همست وقد شعرت انه يبتعد كثيرا :
" تصبح على خير يا بول .... هل انت غاضب منى ؟ "

نظر إليها مليا ثم قال :
" لا ، لست غاضبا منك "

قالت بنفسها بأسى : " يا لى من فتاة تافهة ، لقد اثرت غضبك لأسباب غير معلومة " ، كانت تصرفاتها الليلة طفولية ساذجة ، أثارتها تلك المرأة التى راقصت زوجها فى السهرة .

وسواء اعترفت بذلك ام لم تعترف ، فان شعورها بعدم الاطمئنان هو السبب فى كل متاعبها ؟ فشهر العسل هو وقت للمحبة والحنان ..... وقد حقق لها بول كل رغباتها ، وكان فعلا محبا ورقيقا للغاية .

قال وهو يغلق الباب خلفه :
" اذا احتجب إلى ، فنادينى بسرعة "

ذهب وتركها وحيدة فى اضطرابها وخوفها .... انها متعبة ، متعبة ، متعبة !

وكما يحدث عادة بعد ليلة من المفاجآت والمشاكل ، غطت بروك فى نوم متقطع قلق تخللته الاحلام والكوابيس المزعجة . لم تكن لتعترف حتى داخليا بانها مرتاحة إلى وجود زوجها . وفى الوقت نفسه لم تنس اعلانه صراحة انه تزوجها بدون ان يحبها . فى البداية كانت الاحلام متناثرة تضم اشخاصا وامكنة واحداثا لا علاقة تربط فيما بينهما على الاطلاق . ثم اتضح الحلم ، وعاد بها إلى اللحظات التى سبقت حادث الغرق الذى تعرضت له فى المرفأ . اخذت تحس وكأنها تعيش المغامرة مرة أخرى ، وبشكل حقيقى جدا . فضاق نفسها بشدة وراحت تنتفض فى فراشها محاولة الخلاص من عذاب الحلم . كل أبواب السيارة مغلقة باستثناء الباب المجاور لها ، ومع ذلك لم تستطع الخروج منه . انطلقت صرخة رعب هائلة منها وهى تقاتل من اجل نسمة هواء منعشة فى ذلك الكابوس الثقيل . فجأة أضاء نور ساطع الغرفة المجاورة لغرفتها ، ثم دخل بول مسرعا وقال لها بعد أن ايقظتها صرخة الرعب أيضا :
" ماذا بك بحق السماء ؟ "

ردت بصوت واهن :
" انه كابوس مرعب "

اضاء بول نور الغرفة ، ثم اضاء ايضا مصباحى الطاولة المجاورة للسرير واقترب منها بلطف وهدوء . قالت له :
" آسفة لازعاجك فى هذا الوقت "

اجاب :
" لم أكن قد نمت بعد "

رفعت يديها نحو رأسها وهى تسأل :
" كم الساعة الآن ؟ "

" الوقت المعتاد الذى تستيقطين فيه ...... لقد تجاوزت الثالثة صباحا "

كانت عيناها تعكسان الخوف العميق الذى ما زالت تشعر به من جراء الكابوس . اقترب بول وجلس على حافة السرير قائلا :
" بماذا كنت تحلمين ؟ "

رفعت يدها تبعد الشعر عن جبينها ، فامسك بها بلطف وكأنه يحاول اعطاءها دفعة من القوة والارتياح . قالت وشفتاها ترتجفان بشدة :
" كنت أحلم بحادث الغرق "

ولكا شاهدها وقد اشرفت على البكاء ، صاح قائلا :
" لا تبكى "

فاجأها صوته الحاد ، وقالت :
" لا اظنك تعتقد اننى احاول جرك إلى فراشى "

" سواء حاولت أم لم تحاولى ، فانك تلعبين بالنار "

قالت وهى تحس النار تحرق وجهها :
" لا يمكن ان اكون بلا حياء إلى هذا الحد "

اجابها بحدة :
" حتى مع زوجك ؟ هل تريديننى ان اذهب ام ابقى ؟ والارجح اننا سنذهب الى النوم فورا "

جمدت عيناها فى عينيه وكأنها منومة مغناطيسيا وقالت :
" هذا أفضل "

غابت البسمة الساخرة عن شفتيه ورد بغضب :
" ترفضيننى ايتها المخادعة . وانت تتشوقين إلى "

صاحت بألم قاس :
" اذن ها أنا بين يديك "

وعلى حين غرة رفعها بين يديه قائلا :
" لا داعى للصراخ . ليس الآن يا صغيرتى ، بل فى يوم آخر ، انا استطيع ان اخرج من داخلك المرأة الناضجة المحبة ، لكننى لن أفعل ذلك وأنت فى هذا الحالة المزرية
توقف للحظات وهو يتأملها وتابع :
" انت جميلة جدا ومرغوبة جدا ..... فقط يجب أن تتعلمى معنى الحب أولا "

قالت وهى تريح رأسها على صدره العريض ، وفى الوقت نفسه تحس ذراعيه القويتين تسندان جسمها :
" حاول ان تتذكر انك لا تحبنى كما قلت "

سألها بجفاء :
" أنا لا أحبك ؟ يا لك من فتاة جاهلة "

ثم وضعها على السرير وسحب ذراعه من تحت رأسها قائلا :
" يوما ما ستهمسين فى أذنى الكلمة التى اتوق إلى سماعها . من أجل تلك اللحظة انا اضبط اعصابى بهذا الشكل .... وايضا لأقنعك باننى مختلف تماما عن الصورة التى رسمتها لى فى مخيلتك "

ردت والنعاس يغالب جفونها :
" ارجوك ،دعنى لوحدى "

" لو فعلت ذلك الآن لما استطعت النوم ابدا "

انحنى بول نحو زوجته وقبلها فى جبينها ، ثم وقف للحظات يتأمل وجهها المتعب . واخيرا احكم وضع الغطاء عليها وهو يقول :
" ايتها المرأة ، لااريدك ان تكونى الزوجة ، الضحية "

- دائما كنت لى






خلال الأسابيع القليلة التى تلت شهر العسل ، لاحظت بروك تغيرا واضحا فى تصرفاتها ، وشعرت كأن انسانة أخرى تختلف عنها تماما تولد من جديد . ومع انها لم تكن تتمتع بأوقات مرحة ومسلية ، الا انها كانت فى احسن حالاتها . فقد حل فصل الصيف باشعته الحارقة ، وسرعان ما تلونت بشرتها باللون البرونزى الجميل الذى تناسب مع عشرات قطع الملابس والمجوهرات التى أغرقها بول بها . كما وان رحيل ليليان ولويز فى جولة حول العالم لم يشعرها بالفراغ ، اذ كانت هناك لوسيا تؤنس وحدتها وترافقها فى معظم روحاتها وغدواتها . وبكلمة واحدة ، كانت بروك فخورة جدا كونها زوجة بول كوريللى وسيدة وينترسويت فى آن واحد .

شهد البيت الكبير الكثير من الحفلات واللقاءات الاجتماعية . ولكنها لم تكن مجبرة على القيام باعمال البيت وحدها ، فهناك إلى جانب لوسيا كل من جيانى والجنيناتى اللذين كانا يحضران ثلاثة أيام فى الأسبوع . ومع الوقت راحت بروك تكتشف ان اعمال زوجها الواسعة تبتلع معظم وقته ، فهى لا تعرف متى يغادر عند الصباح أو متى يعود عند المساء . وادركت ان السعادة الاكبر التى يحصل عليها بول هى وجوده بالقرب من زوجته الجميلة الشابة وابنته التى بدأت تخرج من قوقعتها وعزلتها . ومع انه كان محط انظار النساء فى كل الحفلات ، الا انها باتت اقل غيرة من قبل ..... فهذا الرجل هو زوجها الذى يسعى جاهدا من اجل سعادتها ، ولن يسمح لاى شئ بتعكير صفو بيته.

شاهدت بروك وهى فى غرفة نومها سيارة كارلا تعبر البوابة الامامية للبيت , فاحست بانقباض خفيف فى صدرها . والواقع انها لم تستطع الارتياح لوجود كارلا , رغم ان تصرفات هذه الاخيرة منذ انتهاء شهر العسل كانت طبيعية وصحيحة ومحترمة . فقد قررت ان لا تعود الى كينيا بعد الزواج , بل تريد البقاء فى استراليا التى وجدتها مريحة ومسلية على الاقل لمدة سنة . الفكرة الاولى التى خطرت على بال بروك عند سماعها بهذا القرار ان هذه الفتاة الايطالية ما زالت تسعى وراء بول . ولكنها لم تستطع شيئا حيال ذلك . فبما انها قريبة العائلة فقد كانت بروك مضطرة الى دعوتها لكل الحفلات واللقاءات التى كانت تقام فى وينترسويت او خارجه .

لم تكن كارلا مدعوة هذا الصباح , ومع ذلك هاهى داخل البيت . وعلى عجل سرحت بروك شعرها , واسرعت لتقابل الزائرة فى المدخل الرئيسى . وعندما التقتا قالت كارلا بنوع من التحدى :
" صباح الخير يا عزيزتى "

" كيف حالك يا كارلا . كم انا سعيدة برؤيتك "

اجابت كارلا بحدة :
" دعك من هذا الكلام ايتها الصغيرة , انت تعرفين وانا اعرف اننا لا نحب بعضنا بعضا "

سألتها بروك على الفور :
" اذن لماذا انت هنا ؟ "

رفعت كارلا حاجبيها بلا مبالاة وقالت :
" جئت اعيد ولاعة بول التى نسيها فى الشقة مؤخرا ولم يعد لاخذها ... انها ولاعة ثمينة كما تعرفين "

فى هذه اللحظة اطلت لوسيا على السلم , لكنها توقفت فى منتصف الطريق عندما شاهدت كارلا , ثم قالت وهى تنظر الى بروك :
" كيف حالك يا كارلا ؟ "

ردت كارلا ساخرة :
" كيف حالك ايتها القطة الصغيرة ؟ اقتربى منى . فأنا لن آكلك "

قاطعتها بروك بجفاء :
" هل ترغبين فى مشاركتنا بفنجان من القهوة , فأنا ولوسيا كنا نستعد لذلك ؟ "

قالت كارلا :
" لا مانع ابدا " . ثم اضافت وهى تنقل بصرها فى اللوحات والتحف التى تملأ القاعة :
" اننى الاحظ تغييرا ملحوظا فى البيت مقارنة مع آخر مرة شاهدته فيها ؟ "

ردت بروك بارتياح :
" هذا صحيح , فبول ينفق الكثير على البيت "

اخفت بروك مشاعرها المتأججة فى صدرها كى لاتعطى غريمتها مجالا للشماتة بها . فكارلا امرأة صعبة المراس وخطيرة , وهى لا تخفى ابدا مشاعرها تجاه بول . ومع ان بروك مطمئنة الى ان زوجها لا يشعر بشئ تجاه قريبته , الا ان كل الاحتمالات واردة طالما ان العلاقة الزوجية الشرعية بينهما لم تأخذ مجراها الطبيعى بعد .

قالت لوسيا فى محاولة لكسر حدة الموقف :
" هل اخبر هارييت بطلباتنا ؟ "

ابتسمت بروك بلطف قائلة :
" اجل يا عزيزتى , سوف نتناول القهوة على الشرفة , فهناك الطقس ابرد "

هزت لوسيا رأسها موافقة وتوجهت الى المطبخ مسرعة . فى حين التفتت بروك الى كارلا قائلة :
" تفضلى الى الشرفة . وارجو ان تعطينى الولاعة الآن "

فتحت كارلا حقيبة يدها وهى تقول :
" طبعا ... ها هى , فأنا لا اريد الاحتفاظ بها , فهذه مسؤولية كبيرة نظرا لقيمتها الباهظة "

قالت بروك بهدوء بعدما لاحظت ان الولاعة هى تلك التى قدمتها لزوجها فى احدى المناسبات :
" انها قيمة جدا , ذهب من عيار 18 قيراط "

وبينما هى تضع الولاعة فى جيب سترتها , اذ بكارلا تقول بسخرية :
" لا تغضبى يا عزيزتى . انت فتاة حلوة ومتزوجة شرعا من بول , لكنك لن تستطيعى تلبية احتياجاته , او لنقل انك لا تحاولين ؟ "

حدقت بروك مطولا بالمرأة التى تقف امامها , ثم قالت وقد شحب وجهها :
" هل تريدين القول ان بول يزورك باستمرار ؟"

" هذا صحيح تماما "

ردت بروك وهى لا تصدق اذنيها :
" اننى لا اصدق , فذوقه اعلى من ذلك بكثير "

هاجمتها كارلا بلهجة ساخرة :
" الاصح انك لا تريدين التصديق . ان زواجكما ليس طبيعيا , أليس كذلك ؟"

جمد الدم فى عروق بروك وهى تقول :
" ان ما تقولينه يا كارلا خطير جدا . لست ادرى لماذا تتكلمين هكذا , ولن اكون مراعية بعد اليوم ؟ بل اقول لك انك شخص غير مرغوب فيه فى هذا البيت "

ابتسمت كارلا بلا مبالاة وقالت :
" يالك من فتاة ساذجة . فعلى الرغم من ذكائك ومركزك المرموق فى المجتمع , فانك متعطشة الى حب زوجك . صحيح انه يعطيك الثورة الطائلة لتلعبى دور سيدة البيت الكبير ... لكن الواقع مؤلم ومبك فعلا "

تعمدت بروك الكلام بهدوء , وان كانت تتمنى لو ترمى غريمتها خارج البيت بلمح البصر :
" ولماذا ابكى واتألم ؟ زوجى يعاملنى بلطف وتفهم , لوسيا الصغيرة سعيدة جدا بعيدا عنك , وانا غير ضعيفة امامك ! لا اريد ان اطردك الى الخارج ., لكننى اتمنى ان ترحلى على الفور ... فنحن لا نناسب بعضنا ابدا "

ألحت كارلا فى الكلام متجاهلة طلب بروك :
" ايتها العروس الحزينة ... اننى سعيدة لهذا الحديث الممتع " . تمهلت للحظات قبل ان تتابع : " لا ضرورة لطردى , سأذهب من تلقاء نفسى "

ثم اطلقت ضحكة مجلجلة قبل ان تنهض وتسير باتجاه السلالم , ثم الى خارج البيت .

ظلت بروك واقفة هناك تراقب رحيل كارلا الى ان جاءها صوت لوسيا من الخلف :
"هل ذهبت ؟ "

" طلبت منها شخصيا ان تذهب "

قربت لوسيا مقعدا خشبيا من بروك وقالت :
" انا سعيدة . والآن نستطيع تناول القهوة بمفردنا . كانت كارلا دائما صانعة مشاكل , حتى ان آنا لم تكن تحبها ابدا . صحيح ان ابى دفع تكاليف رحلتها , لكن كان من المفروض ان تعود منذ مدة "

" حسنا , دعينا نتناول القهوة "

كان عليها ان تخفى عن تلك الصغيرة البريئة ما يعتمل فى داخلها من حقد وغضب , لذلك قالت :
" ما رأيك بدعوة كيت وميليسيا بعد الظهر ؟ لقد نظف جياني حوض السباحة ويمكننا ان نطلب من هارييت اعداد غداء سريع لكن ؟ "

ظهرت بشائر الفرحة على وجه لوسيا التى هتفت :
" هل استطيع فعلا "

ردت بروك بعطف وحنان :
" ليس من الضرورى ان تطلبى . هذا بيتك بقدر ما هو بيتى , وانا اريد رؤيتك سعيدة بين صديقاتك "

فى هذه الاثناء وصلت هارييت حاملة صينية القهوة , وقالت عندما وجدت ان الضيفة قد رحلت :
" هل تريدان القهوة فى الغرفة الشمالية ؟"

هزت بروك رأسها بهدوء :
" اجل , شكرا لك يا هارييت . ما رأيك بتناول القهوة معنا ؟"

تناولت هارييت مقعدا وقالت بسرور :
" لن ارد طلبكما . والآن ماذا اسمع عن مجئ بعض الضيوف بعد الظهر ؟ "

ردت لوسيا وهى تدور حولها :
" صديقتان فقط يا هارييت "

اجابتها هارييت مبتسمة :
" اننى اسأل فقط كى اعد الطعام اللازم ... فلا مشاكل فى هذا البيت "

لقد كان هناك شئ ما يشغل بال سيدة البيت , لكن هارييت لم تجد من المناسب طرح الاسئلة فى هذا المجال .

حل بعد الظهر وجاءت الصديقتان كيت وميليسيا لزيارة لوسيا . وبينما الفتيات الثلاث ملتهيات فى حوض السباحة , دخل جياني ليعلن لبروك ان السيدة سيمونز جاءت فى زيارة للأسرة . نهضت بروك مضطرة لترحب بالزائرة غير المتوقعة وتمضى معها بعض الوقت فى احاديث متنوعة . وبعد حوالى الساعة تقريبا تلقت اتصالا هاتفيا من صديقتها ماجى التى يبدو انها احست بما يشغل العروس الجديدة . اذ لم يمض وقت طويل الى الاتصال , حتى كانت تصعد سلم وينترسويت للقاء بروك .

قالت بروك مرحبة :
" اننى سعيدة جدا لهذه الزيارة يا ماجي "

قبلت ماجى وجنتى صديقتها وقالت بصوت متلهف :
" صوتك على الهاتف لم يعجبنى . والآن هيا اخبريني بمشاكلك . فليليان ولويز ليستا هنا , وانا صديقة حميمة وحافظة اسرار ايضا "

قالت بروك وهى تفكر :
" انك اكثر من طيبة معى يا ماجى . على فكرة , لوسيا تود ان تشكرك على الهدية الجميلة التى تلقتها منك "

قالت ماجي بلطف :
" لا داعي لذلك ابدا , فقد شكرتنى هاتفيا قبل ايام . انها فتاة طيبة وجميلة , وانت تحسنين معاملتها كثيرا "

ردت بروك :
" الامر سهل , فهى بحاجة الى من تنتمى اليه وتبنى معه علاقة متينة . لقد استطاعت اقامة علاقات صداقة مع عدد من تلميذاتى . انهن فى حوض السباحة الآن , وهارييت تعد لهن طعاما خاصا ..... لكننى لااستطيع التمتع بالاكل معهن ؟"

قربت ماجى كرسيها من مقعد بروك وهى تقول :
" وما السبب فى ذلك ؟ "

سرحت بروك بنظرها بعيدا ثم قالت :
" زارتني كارلا هذا الصباح . ومع ان لقاءنا كان قصيرا الا انها ازعجتنى للغاية ... فطلبت منها مغادرة البيت فورا "

بدا الاهتمام على وجه ماجي التى علقت قائلة :
" اننى لا ارتاح لتلك المراة . فهى جذابة جدا , وهناك شئ ما فى شخصيتها "

اجابت بروك بجفاء :
" بل دعينا نقول اشياء كثيرة غير واضحة "

حثتها ماجي على الحديث بقولها :
" اذن حدثينى . هل الامر متعلق ببول ؟ "

نظرت بروك الى صديقتها بحزن :
" اجل . هل اقدم لك شيئا قبل مواصلة الحديث ؟ "

هزت ماجي رأسها :
" لا , فقط اخبرينى بما يثقل قلبك وعقلك "

" هل الامر واضح الى هذا الحد ؟"

" اننى اعرفك تمام المعرفة . لقد حاولت كارلا الاساءة اليك , اليس كذلك ؟"

ضمت بروك يديها الى بعضهما وراحت تحدق بهما وهى تقول :
" لعلها كانت تقول الحقيقة العارية . لا استطيع ان اخبر احدا غيرك يا ماجي , لكننى غير قادرة على تحمل المزيد ... ان زواجى ليس على ما يرام , واظن ان كارلا تعرف "

صرخت ماجي وهى غير مصدقة :
" ايتها الطفلة العزيزة , انا اعرف ان زوجك يحبك حبا جما "

" لا يا ماجى "

" اذا لم يكن يحبك فعلا فهو يستحق اكبر جائزة فى التمثيل "

تنهدت بروك قائلة :
" كل الايطاليين بارعون فى التمثيل "

عادت ماجى تتساءل :
" هل تقصدين ان كارلا تدعى ان بول مهتم بها ؟ "

اجابت بروك بصوت متهدج :
" اجل . انت تعرفين يا ماجي ان زواجى هو زواج مصلحة وليس زواج عاطفة . ومنذ البداية كان يريد منى بعض الاشياء ... "

قاطعتها ماجي :
" يريدك انت "

" انه يريد بيتا وعائلة "

" وماذا فى ذلك "

انفجرت بروك وقد اعياها الصبر :
" اننا لا نمارس حقوقنا الزوجية "

نهضت ماجي من مقعدها وقد فاجأها كلام بروك :
" لكن من هو صاحب هذه الفكرة يا عزيزتى ؟ من المؤكد انه ليس بول ؟ اذا لا يمكن تكوين عائلة وكل من العروسين ينام فى غرفة منفصلة "

قالت بروك بلهفة :
" اريده ان يحبنى اولا يا ماجي ... فهو لم يذكر كلمة الحب امامى ابدا "

" وهل استعملتها انت ؟ "

انتفضت بروك باستنكار :
" طبعا لا . وسأكون غبية اذا فعلت . الا تلاحظين ان النساء يحمن حوله دائما ... فلماذا ارمى نفسى عليه ايضا ؟"

اجابتها ماجي بجفاء :
" نصيحتى لك ان تفعلى اذا ما اردت الاحتفاظ بزوجك "

همست بروك بضيق :
" تتكلمين وكأن الامر فى منتهى البساطة "

ردت ماجي بلطف :
" هو بسيط جدا اذا كنت تحبينه فعلا . فهل تشعرين بالحب نحوه يا عزيزتى ؟ "

هزت بروك كتنفيها بحيرة :
" لست ادرى . اننى اشتاق اليه عندما يكون غائبا , واحب نظراته وصوته واغانيه التى يرددها من اجلي . انه رجل مدهش , يدور فى كل الانحاء , ويعمل فى كل الاوقات دون ان يشعر بالتعب . انه يحب لوسيا وهى متعلقة به .. لكنه يعاملنى وكأننى اخته الصغري "

صرخت ماجي غير مصدقة :
" يا الهى , يبدو ان الوضع كله سئ للغاية . قولى ما تريدين يا عزيزتى , لقد شاهدت بول وهو ينظر اليك ... ولو ان رجلا نظر الى مثل نظرته اليك , لامضيت بقية عمرى فى سعادة طاغية "

" وماذا لو ان ما تقوله كارلا صحيح ؟"

" حتى الآن لم تقولى لى ما حدثتك به "

ارتجفت شفتا بروك قبل ان تجيب :
" لا اعتقد انه يستحق الاعادة مجددا , لكنه كان كافيا لهز اعصابى . ولا استطيع ان ازيله من فكرى ابدا "

بدا على وجه ماجي الاهتمام الكبير , ثم ربتت على يد بروك قائلة :
" يظهر من كلامك انك تحبين زوجك حبا جما . واذا كان ذلك صحيحا , فيجب عليك ان تحاولى انجاح زواجك . خاصة واننا جميعا نعتبره زواجا ناجحا . كل منكما يشكل جبهة لها مميزاتها الخاصة ... ولا اعتقد ان بول لم يحاول التقرب منك "

حدقت بروك بوجه صديقتها مستغربة :
" وهل انا مجنونة لكي اهتم بما اذا كان يحبنى ام لا ؟"

واجهتها ماجي بتحد :
" اظنه يحبك . اسمعى جيدا يا عزيزتى . لا تستطيع اى امرأة ان تبقى زوجها خارج غرفة نومها , هذا اذا كانت فعلا تريد لزواجها ان يستمر . النصحية الوحيدة التى اقدمها لك هى ان تتجاهلي كارلا وتحاولي غزو قلب زوجك . هناك نار تشتعل فى داخلك فلماذا لا تدعيه يراها ؟"

ردت بروك بهدوء :
" لربما حصلت على اكثر ما اريد ... فبول رجل غير عادي على الاطلاق "

قالت ماجى وهى تريد الترويح عن صديقتها :
" أليست هذه هى الحقيقة ؟ صحيح ان كارلا جرحت كرامتك , ولكننى اتجاهلها تماما لو كنت مكانك "


" كانت تملك ولاعة بول , وهى الولاعة التى قدمتها له بعد عودتنا من اسبوع العسل "

ردت ماجي بغضب :
" اغلب الظن انها تغير منك . ولربما حصلت على الولاعة بطريقة غير مباشرة , ولعلها اخذتها عندما كانت فى الحفلة الاسبوع الماضى "

قالت بروك بلهجة جادة حزينة :
" وهذا يعنى ان بول لا يهتم بهديتى اليه . لا استطيع ان اغير طبيعتى يا ماجي . اعرف ان الزواج مسألة مهمة , وان متطلباته كثيرة , ولكننى ارفض بصراحة ان اشارك زوجى حياته بدون قناعة "

علقت ماجي قائلة :
" هذه طبيعة بول ايضا . ان كرامته تمنعه من ان يقع فى احابيل امرأة مثل كارلا . لا يمكن ان تواصلى استجوابه ليلا ونهارا لمجرد كونه جذابا . ومن المؤسف انك لا تملكين ثقة اكبر بنفسك . انك رائعة الجمال هذه الايام , ولن يتطلب الامر منك كثيرا كي تحصلي على قلب زوجك . انا متأكدة انك لم تحاولى حتى "

" كلا لم احاول لاننى اعتقد ... الامر غير مهم فى اية حال "

راقبتها ماجي بتمعن ثم قالت بهدوء :
" خذي بنصيحتى ايتها العزيزة ... وارتدى الليلة اجمل قميص نوم عندك "

عندما حان وقت النوم , كانت بروك قد وصلت الى حالة من الارهاق يرثي لها .

فقد ظلت صامتة طوال العشاء , فى حين راحت لوسيا تراقبها بقلق بدون ان تجرؤ على سؤالها عما بها . كان بول قد اتصل هاتفيا ليبلغ زوجته انه سيتأخر فى العودة الى البيت , لأن المهندسين سيعقدون اجتماعا طارئا لبحث بعض المشاكل المتعلقة بمشروع البناء الذى ينجزه فى احدي ضواحي المدينة . تلقت بروك المكالمة بقلق غريب , لكنها لم تحاول ان تستوضح منه اكثر . فهذه هى النتيجة الطبيعية لزواج من هذا النوع ... ومع ذلك فقد اضطربت اعصابها لمجرد التفكير بما سبق وقالته كارلا لها .

بعد ان آوت لوسيا الى فراشها , قرع جرس الهاتف فرد عليه جياني . وعندما استفسرت بروك عن الهاتف قال الخادم الامين ان احدا لم يرد بل وضعت السماعة من الطرف الآخر على الفور. بعد عشر دقائق قرع الهاتف مرة اخرى فتناولته بروك هذه المرة . احست ان هناك انسانا ما على الطرف الآخر غير راغب بالحديث . وعندما همت بوضع السماعة تناهت الى اذنيها قهقهة ناعمة ساخرة ... ثم اغلق الخط .

سألها جياني الواقف الى جانبها :
" هل هناك ما يسئ يا سيدتى ؟ "

" مخابرة سخيفة يا جياني "

اكفهر وجه الخادم وهو يقول :
" هكذا اذن . دعينى اهتم بالموضوع شخصيا يا سيدتى "

هزت بروك رأسها مبتسمة :
" شكرا لك يا جياني "

" انا بالخدمة يا سيدتى , هل تريدين شيئا آخر ؟"

" لا , اعتقد اننى سأذهب الى فراشي مثل لوسيا . تصبح على خير يا جياني , فانت تجعل الحياة سهلة فى هذا البيت "

انحنى جياني باحترام شديد ثم قال :
" انا سعيد برأيك هذا . هل سيعود سيدي قريبا ؟ "

قالت باقتضاب :
" لا اظن ذلك "

لم تنفع مواقف جياني الطيب فى ازالة التوتر والضيق عن نفسها .

فاذا لم تخدعها اذناها , فان تلك الضحكة هي لكارلا . لقد سمعتها تطلق مثل هذه الضحكة فى احيان كثيرة . هل اتصلت لمجرد السخرية منها . كي تؤكد لها ان الوضع غير سليم ؟

واخيرا قررت ان تستحم , لعل الماء الدافئ ينعشها ويبعد عنها الافكار المتضاربة التي تضج فى رأسها . وضعت كمية من صابون الحمام الوردي اللون , ثم انزلقت فى الحوض عندما وصلت الرغوة والفقاقيع الى اطرافه الداخلية . وهناك حاولت ان تريح جسدها واعصابها , لكن افكارها ظلت تدور حول كارلا وبول .

وفجأة سمعت صوت بول ينادي من الخارج :
" حبيبتي ؟ " فانتصبت فى مكانها , ثم عادت لتخفي جسدها فى الماء .

" أين انت يا بروك ؟ "

كان صوته ملحا وآمرا . ولا شك انه دخل عبر الباب الجانبي , لانها باتت تسمع وقع قدميه فى غرفة نومها .

ردت قائلة :
" اننى فى الحمام "

انزلقت اكثر فى الماء كي تخفي جسدها عن عينيه وهي تشعر بالخجل الشديد لانه سيدخل عليها خلوتها .

وعندما دخل قال بنعومة ومحبة وهو يسند ظهره على طرف الباب :
" من قال ان اللون الزهري لا يناسب ذوات الشعر الاحمر ؟ "

تضرجت وجنتا بروك بالدم وقالت :
" سأكون معك بعد قليل ؟ "

" طبعا يا عزيزتى , فأنا انتظرك على أحر من الجمر . كان يوما متعبا , لكن وجودك هنا يجعل العودة الى البيت هى السعادة بعينها "

صرخت بضيق وقد شعرت بعينيه وكلماته تثير مشاعرها واحاسيسها :
" ارجوك دعني لوحدي "

قال وعيناه تلمعان ببريق غريب :
" اعرف انك خجولة جدا , لكننى زوجك ولا اظن ان هناك ما يمنع وجودي هنا "

بدأت اعصابها تتوتر وهي تقول :
" هناك ما يمنع طبعا "

ظل للحظات يحدق فيها , ثم قال ضاحكا :
"عليك بالاسراع , فانت تعرفين اننى اكره البقاء وحيدا "

وما ان غادر الحمام , حتى هبت بروك واقفة من الحوض تنشف جسدها بمنشفة وردية اللون كانت بمتناول يدها . وكم كانت دهشتها كبيرة عندما لاحظت انها لم تحضر معها قميص النوم او حتى روب الاستحمام .

" ماذا يؤخرك يا عزيزتي ؟"
ومع الصوت دخل بول الحمام مجددا . كان قد خلع ربطة عنقه والسترة , وفك بعض ازرار القميص بحيث بان الشعر الكثيف فى صدره .

قالت له فورا :
" لقد عدت ابكر مما كنت اتوقع ؟ "

اقترب منها ينشف لها شعرها وهويقول :
" هل من الضرورى ان تكلميني بهذا الاسلوب ؟ كان يوما متعبا مرهقا , وقد اشتقت اليك كثيرا "

همست بتعب :
" ارجوك ابتعد عني "

قال لها :
" اهدأى الآن "

ثم حملها بسهولة بين ذراعيه وادخلها غرفة النوم ليضعها على السرير الواسع . وكانت طيلة الوقت تنظر اليه بعينين خائفتين وكأنها حيوان أليف يواجه وحشا مرعبا .

قال بدون ان يحاول الاقتراب منها :
" ما هذا التعبير على وجهك ؟ مما انت خائفة حقا ؟ "

ردت بسرعة محاولة اخفاء اضطرابها :
" لعلي اشعر بالبرودة قليلا "

تحول هدوء صوتها الى لهجة غاضبة ساخرة :
" تبدين جذابة ومغرية "

وفجأة حانت منها التفاتة عابرة الى الغرفة , فوجدت انه احضر معه باقات عديدة من مختلف انواع الزهور فقالت :
" شكرا لك . انها لطيفة وجميلة "

اقترب منها قائلا :
" ها قد لاحظت وجودها . هل تشعرين بالخجل ؟ "

قالت بارتباك :
" انا لست مناسبة لك يا بول . انت تعرف حقيقة مشاعرى , ولا استطيع ان اتقمص ما لست احسه "

رد عليها وهو يجلس الى جانبها فى السرير :
" انا اعرف ما تحدثيننى به فقط . هل هناك شئ غريب , شئ تريدين ان تخبريني عنه ؟"

قالت بصعوبة بعد ان لاحظت عينيه تتأملان وجهها وكتفيها العاريتين بشغف :
" ابدا ... ابدا , لا شئ على الاطلاق "

اجابها بلطف :
" اخبرني جياني انك كنت مضطربة ومتوتة . اما الآن فانت تشعين كوردة رغم اننى لم المسك بعد . هذه الورود لكلانك تفضلينها وتحبينها "

اشاحت بوجهها عنه وهى تريد الهرب منه :
" انا آسفة يا بول ... اننى لا اناسبك ابدا "

وافق بمرارة :
" حتى الآن نعم , ومهما كان الامر فانت لى ولست فى وارد التخلي عنك ابدا "

" لكن الصفقة عقدناها ... انا غير قادرة على اعطائك اى شئ ... ابدا "

قال ساخرا :
" ارجوك , دعينا نتخلى عن الدراما للحظات . ما لا تستطعين اعطائى اياه سآخذه بنفسى . انا اعرف انك لا تحبيننى , لكنك ستحبين ابننا "

لم تجب بروك على الفور , لكنها تحركت عندما اقترب منها , وقالت :
" لا اعتقد انك نسيت وعدك "

قال بصوت قاس ساخر :
"عانيت الامرين من هذا الوعد . لقد اثرت غضبي كثيرا ... كل هذه النار وهذا الجليد . انت رائعة , وكل ما اريده هو ان احبك , ومع ذلك تواجهيننى بهذا الموقف الغريب . انت لا تستطيعين اعطائى شيئا .. يا لك من طفلة غبية بينما انا اريد امرأة ناضجة "

احست بالغيرة تنهش قلبها , فقالت بمرارة :
" انك تمزح ولا شك ؟ اقصد كم امرأة تحتاج فى اليوم الواحد ؟"

انتفض بحدة :
" انت مجنونة بلا شك ؟"

نظرت اليه بحدة قائلة :
" لست مجنونة على الاطلاق . انت تعتقد نفسك ذكيا ومراوغا , لكننى اكتشفتك اخيرا يا بول كوريللي "

ظل للحظات يحدق في عينيها بحدة , وقد تقلصت عضلات وجهه غضبا ثم قال :
" انت مجنونة فعلا "

وبحركة غاضبة ابعدها عنه فوقعت على السرير كأنها كومة من القش ثم قال :
" لا املك صبرا كبيرا دائما , والافضل ان توضحى اقوالك فورا "

ابتعد عن السرير قليلا وتابع قائلا :
" والان ماهى هذه الثرثرات والشائعات التى اثارت غضبك الى هذا الحد ؟"

قالت بغضب :
" اريد ان ارتدى قميص نومى اولا "

رد بسخرية :
" ولماذا ؟ "

" توقف عن هذه اللهجة يا بول "

" هذا بيتى أليس كذلك ؟ واذا اردت ان انظر الى زوجتى فسأفعل . لا اعتقد انك تريدننى ان اغادر البيت ؟ وحتى لو اردت فلن افعل . والآن يا آنسة هل تودين اخبارى عن حقيقة تصريحاتك الاخيرة ؟ "

قالت وفمها يرتجف بشدة :
" ارجوك . انا اقول دائما انك تعرف كيف تجعل المرأة تعاني وتتعذب ؟ "

اقترب منها مجددا وهو يقول بلهجة ساخرة :
" حقا . اعتقد اننى كنت لطيفا جدا فى التعامل معك "

قاطعته صارخة :
" اذن افعل ما اطلبه منك : اذهب ودعني لوحدي "

" ابدا "

وفجأة ادركت انه ابعدته عنها ما فيه الكفاية , وانه قد وصل الى نقطة اللاعودة فى نفاد صبره وغضبه .

واصل بول كلامه قائلا :
" لقد جربت كل الوسائل الممكنة من اجل تلبية احتياجاتك . والآن حان دورك لتلبية احتياجاتي "

اخذ قلبها يخفق بشدة , وهى تقول :
" واذا لم استطع ؟"

وقف الى جانبها وبدأ فى فك ازرار قميصه , ثم قال :
" مهما كان الامر فنحن رجل وامرأة يربطنا الزواج "

همست بعد ان لاحظت اصراره العنيف :
" سوف اقاومك بكل ما اوتيت من قوة "

استلقى الى جانبها يضمها الى ذراعه قائلا :
" قاومينى يا حبيبتى ... فالأمر لم يعد مهما "

ظلت ذراعاه حولها الى ان خارت قواها , ولم تعد قادرة على المقاومة .

وماهى الا دقائق حتى تحولت الرغبة فى المقاومة الى رغبة فى المشاركة والحب والحنان .

قال لها بصوت متهدج :
" انت لى , دائما كنت لي , قوليها ايتها الحبيبة "

كان قلبها يخفق بشدة واعصابها مشدودة كالوتر , لكنها استطاعت القول :
" لا "

" مهما كان , فعيناك تقولان العكس . سأتركك فورا اذا اردت ذلك "

" ايها القاسى ... "

قاطعها بضمة قوية قائلا :
" انت تقولين ذلك ! انت التي عذبتني يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة , قولي انك تحبينني وتريدينني "

قالت بصوت ضعيف هامس :
" اجل "

وهكذا بدأت الحياة بينهما , جميلة مثيرة ومليئة بالعواطف الملتهبة الرائعة


- أنت جوهرة حياتي


استيقظت بروك متأخرة فى صبيحة اليوم التالي لتجد نفسها وحيدة فى السرير . وكم كانت دهشتها كبيرة عندما أحست بالوحدة والفراغ لغياب بول ... وراحت تتساءل فى سرها عن السبب الذى منعها بالامس من الاعتراف لزوجها بحبها الكبير العميق . انها مشتاقة اليه , وها هي تتحسس الوسادة والغطاء حيث كان يرقد قبل قليل .

ستتصل به هاتفيا على الفور , تتكلم اليه , تعترف له بحبها واشتياقها .

كانت العواطف تجتاح نفسها وتدفعها الى التفكير فيه كل لحظة . تمطت بروك فى سريرها بكسل وارتياح وهى تتذكر تفاصيل الليلة الماضية . كان بول عنيفا فى البداية , لكنه تحول الى اللطف والحنان فور سقوط الحواجز بينهما . وهي الآن تريده معها باستمرار , وستظل تريده حتى يتوقف قلبها عن الخفقان . لم يعودا شخصين غريبين متخاصمين , بل اصبحا روحا واحدة وقلبا واحدا وجسدا واحدا ... ومن الضرورى ان تتصل به على الفور لتأكيد هذه الحقيقة .

التمعت عيناها بالفرحة وهى تقفز من فراشها مسرورة مرتاحة . غطت جسدها بقميص نوم خفيف , ثم فتحت النافذة لتستنشق الهواء العليل الآتى من الحدائق الشاسعة الخلابة . ولأول مرة منذ اشهر ترى جمال الحدائق من منظار جديد ملئ بالامل والتفاؤل . لقد اصبحت كارلا وكلامها وثرثراتها بعيدة كل البعد , وباتت نفسها مطمئنة الى حب زوجها وتعلقها به .

خبأت بروك شعرها خلف قبعة من البلاستيك ودخلت الى الحمام لأخذ دوش منعش . فاليوم يحمل المثير من المفاجآت , وفى المساء سيحضر بول الى البيت مشتاقا ... أجل , بول زوجها الحبيب .

وكما هو متوقع , لم تستطع بروك ان تعثر على زوجها فى مكتبه اذ كان جواب السكرتيرة الدائم انه توجه الى احدى العمارات قيد الانجاز بدون ان يحدد موعد عودته الى المكتب . وابلغتها السكرتيرة انه دعي الى تلك العمارة لمعالجة بعض المشاكل العالقة , وانه بامكانها الاتصال به هناك اذا كان الامر ضروريا وملحا . لكن بروك قالت ان الامر غير ملح وانها ستنتظر زوجها على العشاء . كانت تريد فقط ان تقول لبول انها تحبه , وانها سعيدة ... وقد ظهرت سعادتها على شكل ابتسامات وزعتها على كل الذين التقت بهم فى البيت هذا الصباح المشرق .

مضى كل شئ على ما يرام هذا النهار . فقد حمل بريد الصباح رسائل من ليليان ولويز تتحدثان فيها عن تفاصيل رحلتهما , والاماكن التى زارتاها , والاشياء التى اشترتاها , والحفلات التى اقامتاها .

بدت التفاصيل مملة لبروك , لكنها ولاشك مناسبة لطبيعة امها التى اعتادت فى حياتها نمطا محددا من العلاقات الاجتماعية الراقية .

كانت بروك تجلس فى الشرفة تتمتع باشعة الشمس المنعشة , وفى الوقت نفسه تراقب لوسيا فى حوض السباحة ... عندما قرع جرس الهاتف . لم تعرف من الهاتف , لان جياني هو الذى تولي الرد , لكنها عندما شاهدت تعابير وجهه بعد لحظات ادركت ان شيئا ما حدث وصاحت بلهفة :
" بول ؟ "

اسرع جياني لاسناد سيدة البيت التي هزها الموقف وهو يقول :
" ارجوك يا سيدتى , يقولون انه نقل الى المستشفى لمعالجة اصابته .
كان هناك حادث عارض , وقد اسرع لمساعدة احد العمال فاصيب ايضا . والحقيقة اننى لم اسمع جيدا ما حدثني به السيد كولينز لان الحادث اضاع صوابي . السيد كولينز هو المشرف على العمل ... وللوهلة الاولى اعتقدت "

قاطعته بروك قائلة :
" لا ارجوك يا جياني "

نزعت بروك نظاراتها الشمسية , فبدت عيناها الخضراوان فزعتين غائرتين وقد زاغت نظراتهما , تابعت تقول وشفتاها ترتجفان :
" يجب ان اذهب الى المستشفى حالا يا جياني . وعلينا ان نبلغ لوسيا بالخبر . انا خائفة جدا . لماذا لم تتركنى ارد على الهاتف ؟ "

" طلب منى السيد كولينز ان انقل لك الخبر بلطف . لقد كان هو نفسه مضطربا وعليه القيام بأعمال كثيرة عاجلة "

همهمت بروك بصوت خافت :
" لا بأس يا جياني , أننى أفهم الوضع . لقد استيقظت سعيدة هذا الصباح وحاولت كثيرا الاتصال به . ارجو ان تطلب من بوب تجهيز السيارة , ثم عد الى فراشك كي ترتاح من وقع الصدمة , فأنا اعرف كم انت مرتبط بزوجى . سوف اتصل بك من المستشفى , ولعل اصابته غير خطيرة . اتمنى من الله ان يكون بخير ... لاننى لا استطيع العيش بدونه "

نظر جيانى الى حوض السباحة قائلا :
" وماذا عن لوسيا الصغيرة ؟ "

" سوف اخبرها الآن , ويمكنها ان ترافقنى الى المستشفى ... فلاشك انها تريد رؤية ابيها "

ثم نادت على لوسيا , التى التفتت نحوهما وهي تلوح بيدها فرحة وسعيدة .

قال الخادم الأمين :
" لماذا لاترتاحين قليلا , واتولى انا مهمة ابلاغ لوسيا ؟ "

انهارت بروك فى مقعدها وهى تتنهد :
" آه يا الهى ! "

وضع جياني يده على كتف بروك لمواساتها , ثم سار باتجاه الحوض وهو ينادي على لوسيا بالايطالية . وعندما وصل اليها , مد يده لمساعدتها على الخروج من الماء ... وبعد ذلك رأته بروك وهو يحتضن الفتاة الصغيرة التي أجهشت ببكاء حاد .

قالت بروك بنعومة عندما وصلت لوسيا الى جانبها :
" ايتها الصغيرة الحبيبة . يجب ان نستعد للذهاب الى المستشفى ,. انك تريدين مرافقتى , أليس كذلك ؟ "

" طبعا ... طبعا "

حاولت لوسيا ان تضع على وجهها قناعا من الشجاعة , لكن بروك استطاعت ان تلمح في عينيها خوفا عميقا وتوترا ملحوظا .

كان جو الوجوم فى البيت يعكس نفسه بوضوح على وجه بروك . فقد كانت تضبط اعصابها كي لا تنفجر بالبكاء امام هارييت التى راحت تهتم بلوسيا وجياني المتوتري الاعصاب . لم يكن بول فى حالة خطيرة , لكن الافكار السيئة ظلت تراودها وترعبها حتى وهى ترتدي ثيابها بسرعة . من غير المعقول ان يخطف الموتبول منها وهى فى بداية السعادة ؟ انها تحبه بشغف , ومع ذلك لم تقل له الكلمة التى انتظرها طويلا . ولو حدث مكروه له لاقدر الله , فهي لن تسامح نفسها طيلة الحياة . لم يعد يعنيها شئ فى الكون سوى بول . لقد كان يريد طفلا منها , ويريد محبتها ومشاركتها فى كل شئ ... اما هي فظلت تتجاهله رغم انه اغرقها واغرق عائلتها بالهدايا القيمة المتنوعة . حتى انها اتهمته زورا بعلاقة ما مع كارلا فى الوقت الذى تعرف فيه انه مخلص لها حتى الموت . لعل ما حدث الآن هو عقابها ؟ ولعلها ستبقى وحيدة فى وينترسويت مع وريث بول الوحيد ... لوسيا ؟ لقد احبت لوسيا ولاشك , لكن حبها لبول اعمق بكثير ...انه الحب الاكبر فى حياتها , وبدونه ستعيش وحيدة حزينة كل ايامها الباقية .

انهمرت دموع غزيرة على وجنتيها فاسرعت تمسحها بظاهر كفها كي لا تفضح حزنها امام الأخرين . عليها ان تكون القوية فى البيت , على الاقل حتى الوصول الى المستشفى . فلوسيا ليست الا طفلة متعلقة بابيها , ولا شك انها تعانى الامرين الآن . كم تتمنى لو انها تكلمت شخصيا مع السيد كولينز , فالارجح انه يعرف تفاصيل اصابة بول ... فقد تكون جراحة داخلية ؟ عند هذا الحد من التفكير , اطلقت بروك تنهدة الم واسرعت الى حيث ينتظر الجميع .

كان السير كثيفا طيلة الطريق , واكثر من مرة شعرت بروك برغبة عارمة لاطلاق صوتها بالصراخ ضد كل السائقين ورجال المرور . لكنها لم تفعل ... فقد خيم الصمت عليها وعلى لوسيا وكأنهما سارحتان فى افكار عميقة بعيدة . لا شئ يقال الآن ... مجرد الانتظار والترقب والدعاء .

فلم تكن تتصور ان تجد بول الشامخ الممشوق القوام طريح الفراش جريحا














وجد السائق مكانا للتوقف قريبا من المدخل الرئيسى للمستشفى , فأسرعت بروك الى مكتب الاستعلامات للاستفسار عن مكان وجود زوجها . حولتها الموظفة هناك الى ممرضة أخرى طلبت منهما ان تتبعاها .

أمسكت بروك يد لوسيا بحزم وسارتا معا خلف الممرضة بخطواتها الواسعة الواثقة . وادركت بروك على الفور ان الممرضة تقودهما الى جناح الطوارئ , وهذا يعنى ان بول لم ينقل بعد الى غرفة خاصة . ومع المضى قدما وسط الاصابات العديدة الموجودة فى ذلك الجناح , بدت على لوسيا علامات التأثر والاضطراب مما دفع بروك الى الضغط على يدها بشدة فى محاولة لتشجيعها وتهدئة أعصابها .

قالت الممرضة فجأة :
" انتظراني هنا من فضلكما "

استدارت الممرضة نحوهما وابتسمت مشجعة , ثم اشارت عليهما بالجلوس فى مقعدين مجاورين ... ففعلتا بانصياع تام وابصارهما شاخصة الى الباب المجاور . مضت عدة دقائق , قبل ان يطل عليهما رجل متوسط العمر قائلا:
" السيدة كوريللي ؟ "

قفزت بروك واقفة وقلبها يخفق بشدة لدى سماعها النداء وواجهت الطبيب بشجاعة مصطنعة متسائلة :
" كيف حال زوجى الآن يا دكتور ؟ "

تنهد الطبيب وهو يرفع النظارات عن عينيه قائلا :
" اعتقد ان عليك ايتها السيدة توجيه الدعاء والشكر لله العلي القدير لانقاذه زوجك . انه بخير الآن , لكننى اود ابقاءه قيد المراقبة ليوم او اثنين . فمن الافضل مراقبته لانه مصاب بجروح فى الرأس . لاوجود للكسور مثل تلك التى أصابت العامل المسكين ... فقد ذهب زوجك لمساعدته عندما اصيب هو الاخر , لكنه انقذ حياته فى النهاية "

ردت بروك بلهفة :
" هل استطيع رؤيته يا دكتور ؟ " . ثم تذكرت انها فى لهفتها نسيت لوسيا فأردفت تقول : " هذه لوسيا ابنة بول "

هز الطبيب رأسه تأدبا وقال :
" للحظة واحدة فقط , ثم سآمر بنقله الى غرفة خاصة . لقد استعاد وعيه لفترة قصيرة ثم عاد الى غيبوبته . لا وجود لعلامات تدل على اصابة الدماغ , وعلينا فقط الانتظار حتى يعود الى طبيعته . اما العامل الآخر فاصابته غير خطيرة نسبيا , ولكنه يعانى من آثار الصدمة لانه يعتبر نفسه مسؤولا عن الحادث ... ولا اعتقد انه سيشفى تماما حتى يشاهد زوجك مجددا على قدميه . والآن ارجوكما لحظة واحدة فقط , فانا اعرف انكما ستعشران بالتحسن بعد رؤيته . لقد اضطررنا الى حز بعض الشعر لوضع الضمادة على رأسه " .

خفق قلب بروك بشدة عندما شاهدت بول مطروحا على طاولة الجراحة ورأسه محاطا بالضمادات الطبية . كان رأسه مائلا الى الجهة الاخرى وقد شحب وجهه تماما بحيث بانت عظامه تحت الجلد المشدود .

لم تستطع بروك ان تحبس تنهدة ألم وهى تشاهد زوجها الجريح . ثم اقتربت من الطاولة لتتمعن جيدا فى الوجه , فى حين اتخذت لوسيا موقعها من الجهة الاخرى .

قال الدكتور بصوت خافت :
" الجرح فى الرأس سطحي . وتقدير الاشعة يؤكد ان كل شئ على ما يرام . مع ذلك يجب مراقبته . انه رجل محظوظ جدا وقوته الجسدية ساعدته كثيرا فى تحمل الاصابة . سأذهب الى البيت الآن ولكننى سأظل على اتصال هاتفى مع المستشفى . ولا داعى لأن تقلقا ابدا "

أجابته بروك بالنيابة عنها وعن لوسيا :
" لا نستطيع منع القلق . نحن نشكرك يا دكتور لانه بين ايد امينة "

جاهدت بروك طيلة بقية اليوم والليلة كي تعيش على الأمل الذى أعطاه لها الدكتور . صحيح انه بين ايد امينة , فقد عرفت فيما بعد ان طبيب زوجها هو واحد من اشهر جراحى الاعصاب فى استراليا , ومع ذلك لم تستطع ان تغمض لها عين , اذ ظلت تتوقع ان يقرع جرس الهاتف بين لحظة واخرى . وفى النهاية راحت تردد فى سرها : " كل شئ سيكون على ما يرام ... كل شئ سيكون على ما يرام "

استيقظت بروك صباحا وهي تعاني من صداع حاد . كان البيت في حركة هرج ومرج , ولذلك تناست متاعبها لتسيطر على الجو كله . بعد ذلك اتصلت بالمستشفى حيث تلقت أنباء سارة تقول ان حالة زوجها مستقرة وانه استعاد وعيه خلال الليل , ثم سألت عن امكانية زيارته ومواعيد الزيارة .

فى هذه الاثناء كان الجميع محلقين حولها وعيونهم شاخصة مترقبة .

سألتها لوسيا :
" كيف حاله الآن ؟ "

رددت بروك الرسالة التى تلقتها من المستشفى ... ثم انفجرت باكية .

قالت هارييت وهي تربت على كتفها :
" رويدك الآن ... سوف اعد فنجانا من الشاى . انا على ثقة ان كل شئ سيكون على ما يرام "

أحست بروك بموجة عارمة من الارتياح تجتاح جسدها , فأمسكت بيد لوسيا التى قالت بحنان :
" سوف ابقى هنا عندما تذهبين لزيارة ابى ... فلاشك انه يريد رؤيتك على انفراد "

" ما هذا الكلام ؟ سنذهب لرؤيته معا , واذا كان وضعه جيدا سنسمح لجياني برؤيته ايضا "

انحنى جياني لبروك معربا عن امتنانه وقال :
" اشكرك يا سيدتى , لقد صليت كثيرا , ولاشك ان العلى القدير استجاب لدعواتي "

مضى الوقت بطيئا من جراء ازدحام السير , لكنهما وصلتا الى المستشفى اخيرا , واصرت لوسيا على ان تدخل بروك اولا . كان بول قد نقل الى غرفة خاصة فيها كل مستلزمات الراحة . ومع ان عينيه كانت مغلقتين , الا انه سمع وقع خطواتها فقال على الفور :
" بروك "

وعندما حاول الجلوس فى سريره أسرعت اليه بروك وهي تقول بلطف :
" لاتفعل يا بول . ارجو ان تظل مستلقيا "

اعترض بصوت واهن :
" ولماذا أظل مستلقيا ؟ "

نظرت اليه بعينين ظهرت عليهما آثار السهر والقلق , قائلة :
" انت الآن فى المستشفى بعد ان اصبت بضربة قوية على رأسك . كيف حالك الآن ؟. ارجوك لا تتحرك , ستؤذى نفسك اذا فعلت . لوسيا فى الخارج تنتظر دورها لرؤيتك . لقد سببت لنا حالة من الفزع لاتوصف "

جاهد بول كي يخرج صوته قويا ثابتا :
" ارجوك ايتها الصغيرة . سأرى لوسيا بعد لحظات . والآن اخبرينى لماذا انت فى هذه الحالة ؟ "

" انت تعرف , لقد كنت فى غاية القلق والتوتر"

احاط وجهها بيديه وقال :
" تعالي الى صدري "

" قد يسبب لك ذلك الألم الشديد "

قال وهو يضمها الى صدره بحنان ورفق :
" ايتها المغفلة الصغيرة ... تعالي "

همست وهي ترتاح بين ذراعيه :
" انني احبك "

سألها وعيناه تحدقان فيها :
" هل تحبينى فعلا ؟ "

اجابت :
" حتى الموت .... وارجو ان تسمح لي ان اعبر لك عن حبي عندما تعود الى البيت "

ابتسم بلطف وهو يقول :
" طبعا ... طبعا . انا آسف لاننى سببت لك الخوف يا زوجتي الصغيرة الجميلة . يبدو عليك وكأنك مررت في حالة من الضياع والتشتت , أو بمعني آخر أزمة صغيرة عابرة "

ردت عليه بصوت متهدج :
" بل أكبر أزمة فى حياتي . يجب ان استدعي لوسيا , فهي قد عاشت الظروف الصعبة نفسها ايضا "

قال دون ان يرفع عينيه عن وجهها :
" ادخليها يا حبيبتى , فأنا مشتاق لرؤيتها . واذا ما سارت امورى على ما يرام فسأكون فى البيت غدا صباحا "
قالت بروك بحماس وهي تستدير نحو الباب :
" آه كم أتمنى ذلك "

دخلت لوسيا متوترة خائفة , ولكنها عندما شاهدت أباها جالسا بشكل طبيعى , عادت الروح الى نفسها وألقت برأسها على كتفه قائلة :
" الحمد لله على السلامة يا أبى "

وبالفعل خرج بول من المستشفى في اليوم التالي , بعد ان اكد الطبيب لبروك ان كل شئ على ما يرام . كان بول قادرا على تذكر الحادث , حتى اللحظة الحاسمة التي ابتعد فيها مع العامل المصاب عن منطقة الانهيارات الخطرة . لم يعد هناك سبب للقلق , وقد استغل بول الساعة الاخيرة من وجوده فى المستشفى للاطمئنان على صحة العامل الذى كان موجودا معه فى المبني نفسه . وكم كانت راحة العامل كبيرة لرؤية رب عمله سليما معافي , وان كان يعرف ان عليه الاجابة على عدد من الاسئلة الهامة عندما يماثل الى الشفاء .

ظل الهاتف يرن فى البيت طيلة النهار . بعض الاصدقاء الذين كانوا يريدون مواساة بروك على مصابها تحولوا الى التهنئة عندما علموا ان بول قد عاد الى البيت بخير وسلامة . وعند الظهر تلقى جياني مخابرة كارلا , فأشار بعينه الى بروك يعلمها بهوية المتصلة ... وعندها أصرت ربة البيت على أن تجيب بنفسها .

أخذت بروك السماعة بحزم قائلة بصوت واضح :
" هنا بروك يا كارلا "

قالت كارلا بحدة :
" متي سيعود بول الى البيت ؟ "

" اليوم "

" هل انت جادة ؟ "

ردت بروك بهدوء :
" اقصد ان هناك اشياء اخرى اود ان اوضحها لك . لقد حاولت التلاعب بنا , وفشلت , زوجي عائد بعد الظهر الى البيت ويمكنك التحدث اليه فى اى وقت تريدين . ولأنه رجل محترم وقريب لك , فهو مجبر على الرد عليك ... لكن ليس اكثر من ذلك . ولا اعتقد يا كارلا انك ستضطرينني الى ابلاغه بكل آكاذيبك ؟ والآن ارجو ان تعذريني , فلدى اشغال كثيرة فى البيت ... فنحن نعيش جو الاحتفال والفرح هنا "

حاولت كارلا ان تقاطعها قائلة :
" لكن يا بروك ... "

ردت بروك وهي تشعر بالنص والتشفى :
" وداعا يا كارلا "

تناول الجميع الغداء وسط اجواء من الفرحة العامرة . فجياني كان يبدو وكأنه عاد فى العمر عشرين سنة الى الوراء , اما لوسيا فلم تتوقف عن الكلام واطلاق النكات وكأنها تحاول التعويض عن اليومين الماضيين . فى هذه الاثناء كانت بروك تتأمل الجميع بهدوء , بحيث بدت وكأن القلق والتعب قد استهلكا كل قوتها .

لاشئ يهم الآن طالما ان بول خرج من الحادث سليما , وها هو على رأس الطاولة يوزع ابتساماته فى كل اتجاه . وتساءلت بروك فى سرها : " تراه يعرف كم كان قلقها كبيرا عليه ؟ "

عندما حان موعد النوم , ارتدت بروك قميص نومها الحريرى بعد ان وضعت قطرات من عطرها المفضل على معصميها وخلف اذنيها . لقد ظل بول ينظر اليها بشكل غريب طيلة السهرة , لعله لم يصدق اعلانها الصريح عن الحب ؟ لعله اعتقد ان كلامها كان بتأثير الصدمة والخوف ؟ والحقيقة ان كل شئ كان سيتغير لو حدث مكروه لبول , فهو العمو الفقري للبيت والعائلة . الجميع يعتمدون عليه , حتى ليليان ولويز فى جولتهما حول العالم .

ترددت قليلا امام باب غرفته قبل ان تدخل بخجل :
" بول ؟ "

استدار نحوها متسائلا :
" نعم يا حبيبتى ؟"

خفق قلبها بشدة وهي تقول :
" هل تريد مني شيئا ؟"

رد بنعومة :
" اريدك الى جانبى , كي تنهي اعترافاتك أمامي "

" انت تعرف الآن كل أسراري "

" اعرف انك قلت لي انك تحبينني , ولكنني أريد التأكد مما اذا كان هذا الحب وليد اللحظة الطارئة حين شعرت بعدم الاطمئنان ... ام انك تقصدين ذلك فعلا ؟ "

لم تستطع الاجابة على الفور , بل شعرت بغصة خانقة فى حنجرتها منعت عليها حتى التنفس .... فراحت ترتجف دون ارادة , ثم قالت بعد لحظات :
" استغرب ان لا تصدقنى بعد كل الذى حصل ؟ "

قال آمرا :
" اقترب مني . لعلي لا اجرؤ على تصديقك ؟"

سارت بروك نحوه وكأنها منومة مغناطيسيا , ثم جلست على حافة السرير بالقرب منه تماما . سألها وهو يدير وجهه نحوها :
" هل أنت نادمة لزواجك مني ؟ "

" كلا ... لقد اخبرتك "

" اسكتي يا حبيبتي . لقد انتظرتك زمنا طويلا , وقد حان الوقت لترددى عبارات الحب على مسمعي حتي زمن طويل أيضا "

" وهل ستكون حياتنا كلها سعادة فى سعادة ؟"

قال وهو يتنهد بعمق :
" أنت تحبيننى , ومع ذلك تشعرين ببعض الشك تجاهي ؟ "

قالت بتردد :
" أليس لي الحق في ذلك ؟ "

" لايحق لك أبدا . هل تعتقدين اننى ابحث عن غيرك طالما أنك معي دائما ؟ "

أغمضت عينيها وهي تقول :
" لكنك لم تقل لي ابدا انك تحبني "

" انت يا حبيبتى لا تفهمين الكثير من العادات الايطالية . ففي الحياة أشيائ لا نسيطر عليها . لقد اردتك منذ ان وقعت عيناي عليك لأول مرة , ولاشك اننى صبرت طويلا الى ان حققت رغباتي "

" أرجوك , ضمنى الى صدرك "

" ألن تقاتلينى ؟ "

" قلت لك اننى احبك "

" أرغب فى التأكد يا حبيبتى . فأنا أريدك روحا وقلبا وجسدا ايتها العزيزة الغالية . هيا افتحى عينيك , اود ان ارى اعماق نفسك "

حدقت فيه بعينين غائمتين ساحرتين :
" ماذا يمكن ان أقول لك أكثر مما قلت ؟ "

" يمكنك ان تفكري بأشياء كثيرة . هل تستطعين العيش من دوني ؟ "

تهدج صوتها وهي تقول :
" مستحيل . قبل وقوع الحادث حاولت ان اتصل بك هاتفيا . كنت اريد ان اعبر لك عن حبي , واخبرك عن الاشياء الكثيرة التى تعلمتها منك ... لكنك لم تكن موجودا . ثم جاء الخبر المرعب . عندها ظنت للوهلة الأولى اننى خسرتك فى اللحظة نفسها التي وجدت فيها حياتي معك "

رد عليها بسرعة :
" لا تقولي لي مثل هذه التعابير اذا كنت لا تقصدينها "

حدقت فيه بتوسل :
" لكنها الحقيقة المطلقة . انا لا استطيع ان اخفى عليك شيئا بعد الآن .. بل لا ارغب فى اخفاء اى شئ .. أننى اسعى للوصول الى نفسك مهما كلف الامر . أريدك لى وحدى , سواء كنا على انفراد او بين الناس او حتي عندما يكون عندنا أولاد ... كل ما استطيع تقديمه هو ملك لك "

التمعت عينا بول ببريق الأمل وهو يقول :
" لو تعرفين كم هو تأثيرك علي ؟ في حياتي كلها لم تأسرني امرأة مثلما فعلت انت . لقد ضعضعت توازني منذ اللحظة الاولى للقائنا , واعتقد اننى كنت ابحث عنك طيلة حياتي ... ابحث عن المرأة التي تحمل صفاتك . وحتي عندما وجدتك , جابهتني بالرفض المطلق القاسي "

ردت بروك بلهجة الاعتذار والاسف :
" لا استطيع تخيل تلك الايام , دائما كنت انظر اليك كرجل مغامر , لكنني رغبت فى حبك لي لوحدي . نساء كثيرات رمين انفسهن عليك بدون ان يحفظن كرامتهن وكبرياءهن لقد شاهدت تصرفاتهن , ولم اكن اريد ان أكون واحدة منهن . ما كنت لاتحمل الحياة لو انك عاملتنى بأسلوب مهين غير مقبول "

ضمها الى صدره بحنان وهويقول :
" ايتها الصغيرة المغفلة . حاولت جهدي كي اراقب طريقة تصرفي معك . فأنت جوهرتي الغالية ... ولاشك انك تعرفين ذلك الآن ؟ "

ردت بلطف :
" لم اكن اعرف من قبل , حتى اننى كنت اغار من كارلا "

صرخ باستغراب شديد :
" كارلا ؟ "

اجابت مبتسمة :
" اجل كارلا , فقد ذكرت لى امورا كثيرة واعادت الى الولاعة الذهبية التى اهديتك اياه "

نظر اليها بتمعن قائلا :
" هكذا اذن . للأسف لم أخبرك عن الولاعة فى وقتها , لقد تركتها فى مكان ما ولم اعد أتذكر أين ... ومع ذلك كنت أمل ان اجدها فى اى وقت , واؤكد لك اننى لم استعمل الولاعة فى مكان آخر خارج البيت "

" انتهى الامر الآن يا حبيبى ... انا اصدقك "

" يجب ان تصدقى لان كارلا صاحبة مشاكل معروفة , ليس دائما لكن فى بعض الاحيان "

قالت بروك :
" انها كذابة كبيرة "

" حسنا , انها كذابة كبيرة . وماذا يهمنا فى الامر؟ فنحن لن نراها كثيرا , وسترجع الى كينيا فى اقرب وقت ممكن . كان عليك ان تخبريني بأنها تزعجك كي اتولى امرها بنفسى "

قالت بصوت هامس دافئ :
" بول ... خذني بين ذراعيك يا حبيبي "

" حتى آخر العمر ايتها العزيزة الغالية "

والتقت عيناه السوداوان بعينيها الخضرواين في عناق حار يحمل فى طياته كل معاني الحب والأمل والمستقبل ...

منتديات ليلاس


( تمت بحمد الله )وللامانة منقولة ارجو ان تعجبكم

جين استين333 10-04-09 08:10 PM

القصة رااااااااااااااائعة جدا يسلموووووووووو..^^

zoubaida 10-04-09 09:06 PM

:55::55::55::55::55:ktir hilwa :flowers2::flowers2:merciiiiiiiiiiiiiiiiiiii

dr.poshi 10-04-09 11:56 PM

3an gad 7elwa aweeeeeeeeeeee
teslam edak :):)

زونار 11-04-09 08:31 AM

كل الشكر لمن قرأ الرواية ومشكورين على ردودكم الحلوة

karamila 14-04-09 11:08 PM

تسلم يدك يالغالية
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

majedana 15-04-09 12:39 AM

تسلم ايدك

وما تحرمينا من مشاركاتك يا عسل


زونار 27-04-09 04:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة majedana (المشاركة 1927623)
تسلم ايدك

وما تحرمينا من مشاركاتك يا عسل



تسلمى يالغالية وحاضرين دائما

**أميرة الحب** 27-04-09 06:32 PM





Miss Cati 09-05-09 03:45 PM

شكرااااااااااااااااا
حبيتهاااااااااا

اسماء88 11-05-09 05:41 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... رواية حلوة كتير و تستاهل انو نقراهتا

posy220 01-06-09 04:02 PM

شكرا على اروووووووووواع روايه وعلى المجهود :flowers2::flowers2::flowers2:

deemaah 02-06-09 01:42 AM

:) جزاك الله الف خير

momak 11-11-09 12:36 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بنوته نايس 19-11-09 05:17 PM

روووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه
يسلمو خيتو
والله يعطيك العافيه
تقبلي خالص تحياتي

زهرة الماس 27-11-09 08:27 PM

يسلموووووووووووووووووووو000000000 تحياتي لك

eanas 24-12-09 01:01 AM

مشكورة على مجهودك وعلى الرواية الرائعة

قماري طيبة 01-01-10 05:59 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

سفيرة الاحزان 24-04-10 10:28 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الجبل الاخضر 27-04-10 07:00 AM

:7_5_129::8_4_134::dancingmonkeyff8::friends::flowers2:
تسلم ايدك وننتظر جديدك ولاننحرم من وجودك في ليلاس

latefa 21-05-10 06:29 AM

يسلموو الايادي الروابة حلوه بالمرة...:55:

حجر فيروزي 15-06-10 01:28 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

زهورحسين 30-06-10 12:22 AM

اثنان على الطريق
 
شكررررررررررررررررآ والف الشكر لمن فتح لناعطرهذه الروايه الرائعه0000000والله بدعتو يا ليلاسيات وليلاسيين:8_4_134:

ليلى3 17-07-10 08:24 PM

:55::Welcome Pills4::Welcome Pills4:http://sans titre

silisti 23-10-10 03:36 AM

moasira jidan :8_4_134::110:antdiro almazida kariban :rdd12zp1::rdd12zp1::asd::i03Rose_Yellow::i03Rose_Yellow::i0 3Rose_Yellow:

زهرة منسية 17-06-11 07:44 PM

يسلمت يداك أخى زونار

سماري كول 18-06-11 04:03 AM

تسلمين ع الروايه الحلوه

انجلى 19-06-11 08:31 AM

رائعععععععععععععع شكرا لك على اختيارها:55::55::55::welcome3::peace:

ندى ندى 18-12-11 12:50 AM

جميله جدا ورائعه

نجلاء عبد الوهاب 29-11-15 09:58 PM

رد: 108 - اثنان على الطريق - مارغريت واى - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:liilas::liilas::liilas::liilas::liilas::8_4_134::8_4_134::8 _4_134::8_4_134::8_4_134::congrats::congrats::congrats::cong rats::congrats::congrats::congrats::ma1::ma1::ma1::ma1::0041 ::0041::0041::0041::0041:

سماري كول 23-09-22 11:22 AM

رد: 108 - اثنان على الطريق - مارغريت واى - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموا ع الرواية الحلوة


الساعة الآن 02:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية