منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   عدى النهار (https://www.liilas.com/vb3/t106714.html)

محمد جلال 2009 05-03-09 02:07 AM

عدى النهار
 
عدى النهار


بدأت الحكاية عندما كنت أزور أبن عمى فى شقته الجديدة بالقاهرة ..
و أبن عمى -جمال- أنتقل إلى هذه الشقة بعد أن فقد زوجته فى حادث مروع منذ شهران .. هو لم يحب زوجته أبدا ..أعلم ذلك .. وهو يعلم أننى أعلم .. لكنه لم يصرح بذلك ..
وكان جمال بمثابة أخى الأكبر الذى ألجأ إليه دائما ..
أتصلت به منذ أيام أخبرته بأننى أريد قطعة أرض زراعية أقيم عليها المزرعة السمكية التى أحلم به ..
منذ أن تخرجت من الكلية وأنا أحلم بهذا المشروع ولكن الحالة المادية لم تكن تسمح لذلك ..
و حتى هذا الوقت فالحالة المادية لا تسمح ..
لكن جمال أخبرنى بأننى من الممكن أن أأخذ قرض من البنك الذى يعمل به بضمان سيارتى و شقتنا بالزمالك التى أسكن بها أنا ووالدتى وأخوى الصغيرين ..
لو كانت وافقت والدتى على أن نبيع الشقة وننتقل لشقة أخرى لحلت المشكلة ..
لكنها رفضت بإصرار بحجة أن روح أبى مازالت تهيم بالشقة ..
و أبى هو العقيد/ منتصر الشيمى وهذه الشقة هى تابعة لإسكان الضباط بالزمالك ..
كان أبى مثال للصحة والقوة والإنضباط ..
على الرغم من تدخينه المستمر إلا أنه لم يبد على صحته أى شئ ..
ودون سابق إنذار أكتشفنا أن أبى مريض بالسرطان ..
وظلت حالته تتدهور تدريجيا .. وتم حجزه فى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى حتى توفى ..
كان هذا منذ أكثر من عامين .. "الله يرحمه " ..
المهم .. أننى اليوم ذاهب لجمال بعد أن أتصل بى ليخبرنى أنه وجد قطعة أرض تصلح تماما لهذا المشروع ...
أحضرت حقيبة النقود التى أخفيتها داخل الدولاب حتى لايراها أحد ..
لو رأت والدتى هذه الأموال فستكون ليلة طويلة ..
فأنا لم أخبرها بالقرض الذى أخذته ولا بالمشروع ..
و سأقوم بتنفيذ المشروع بكل سرعة حتى أستطيع أن أرد القرض قبل أن تنتهى المدة ..
و أول خطوة هى شراء قطعة الأرض التى سأقيم عليها المشروع ..
************
كان جمال فى المطبخ يحضر كوب من الشاى .. قلت له وأنا متوجه للمطبخ :
- تعال يا جمال أنا لا أريد أن أشرب شئ ..
رد وهو يصب الماء المغلى فى الأكواب :
- عيب يا محمد ..
قلت وأن أخذ منه الصينية :
- المهم عملت أيه فى موضوع الأرض ..
قال وهو يتبعنى خارج المطبخ :
- كل شئ تمام .. وأتفقت مع صاحب الأرض أن نذهب إليه اليوم ..
قلت وأنا أضع الصينية على المنضدة الصغيرة المواجهة لكرسى جمال :
- لقد أحضرت النقود معى .
قال جمال وهو يهز رأسه :
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. أنا قولتلك جبها ..
وكأننى لا أفعل إلا ما يطلبه منى ولكنها هى الحقيقة .. فقلت متسائلا :
- وفيها أيه ؟؟
قال بلهجة خشنة نوعا تعود عليها منه فى حالة العصبية :
- يا ابن الحلال أولا أنت لم ترى قطعة الأرض حتى تقرر هل ستأخذها أم لا .. وثانية نحن لم نتفق على السعر .. وثالثا نحن لن نسلم لهم المال إلا بعد كتابة العقد .. هل فهمت ؟؟
قلت مغمغما :
- فهمت .. ولكنك أيضا يا جمال لم تخبرنى ..
قال بنفس لهجته الشديدة :
- وهل أنت صغير .. هل يجب أن أخبرك بكل شئ ..
لم أجد ما أفعله أمام هذا التوبيخ فألتقط كوب الشاى ورشفت منه رشفة حتى يدارى إحمرار وجهى .. ثم وجدت ما أقوله ..
- وأين تقع قطعة الأرض هذه ..
قال وهو يخرج ورقة من جيبه ثم ناونى إياها ..
: فى الغربية ..
كانت موجود بهذه الورقة بعض المعلومات عن قطعة الأرض .. مساحتها ،وحدودها ،وأشياء أخرى لم أفهمها..
فلت قبل أن أفرغ من قراءة الورقة :
- أين فى الغربية ..
نظر لى كأنه يتقزز من حالتى ثم قال:
- على حدود الغربية و كفر الشيخ ..
ثم أخرج جواله وأخرج رقم ما وآتى بتليفون المنزل ضغط عدة أرقام ثم وضع السماعة على أذنيه وددت أن أسئله سؤال أخر لكنه نظر لى نظرة معناه ألا ترى أننى أتكلم فى الهاتف أيها الغبى ..
تأخر الرد قليلا ثم رفع صوته كلما تحدث فى التليفون :
- ألو الحاج صلاح موجود .. قولى له جمال بك الشيمى ..
دائما يطلق على نفسه "بك" ولا أعلم لماذا ؟؟
صمت قليلا ثم رفع صوته مرة أخرى :
- كيف حالك يا حاج صلاح .. الحمد لله .. على العموم سنكون عندك فى المنزل بعد أذان العصر بقليل نعاين الأرض ثم نعود مرة أخرى .. لا الله يخليك ياحاج ..
يبدو أن رده الأخير هذا كان بعد أن عرض عليه الحاج المبيت عنده ..
ثم رفع جمال صوته مرة أخرى :
- مع السلامة ..
ثم نظر لى جمال وهو يقول :
- هيا بنا حتى لا نتأخر .. فالطريق يأخذ ثلاث ساعات كاملة ..
قالها ثم دلف إلى الداخل وأرتدى بذلته السوداء التى تجعله يبدو محترما .. .. وشعرت به يخرج من غرفته بسبب رائحة العطر القوية التى يضعه ..خرج إلى الخارج وهو يعدل من مسدسه الخاص الذى يضعه فى جانبه .. ناولنى المفتاح وهو يقول :
- أنتظرنى فى السيارة سأجرى تليفونا وأنزل لك حالا ..
*********************
كانت السيارة فى مواجهة سلم العمارة .. ضغط على الزر فى ريموت السيارة فأطلقت صفيرا صغيرا .. ثم توجهت للكرسى بجوار الموقد .. جلست فى السيارة أنتظر جمال.. لم أجد ما أفعله ..
فأخرجت جوالى وأخذت أبعث به قليلا ..
لقد مللت.. نظرت نحو السلم .. وضعت الجوال أمامى على اتابلوه..
ولكنه أنزلق على أرض السيارة ..
نظرت أسفلى فلم أجده لابد أنه دخل تحت الكرسى ..
تحسست بيدى أسفل الكرسى ..
أصدمت يدى به ثم أصطدمت بشئ آخر يبدو أنه كيس بلاستيكى ..
أخرجت الجوال ووضعته بجيبى ..
ثم نظرت لتلك اللفافة الصغيرة ..
أختلست النظر نحو السلم .. لم يظهر جمال ..
فككت الكيس بسرعة .. كان بدلخله قماشة بيضاء تلتخط بشئ أحمر لاشك أنه دماء ..
نظرت نحو السلم ..
بدأت أفتح اللفافة الصغيرة ..و أنا لا أستطيع أن أتوقع ما بداخلها .. شئ صلب هو مستطيل الشكل أصغر من حجم يدى ..
ما هو ؟؟ .. صدقنى حتى هذه اللحظة لا أعرف ..
*************************
فتحت الفافة .. كان بها أخر شئ أتوقعه ..
شريط كاسيت قديم وضع عليه ورقة وكتب عليها بخط ردئ " إن لم تستطع كبح فضولك فلتواجه كوابيسك"
من هذا الغبى الذى كتب هذه الكلمات .. كان من الأسهل أن يكتب "الفضول قتل القط " ..
لكن الفضول يقتلنى حقا ..
أختلست نظرة السلم ..
ثم عدت للشريط ..
وضعته بسرعة فى فم المسجل..بعد أن خفضت درجة الصوت تماما ..
صوت دوران الشريط ..
قدمت الشريط قليلا ..
صوت ضوضاء .. كأن أناس فى قاعة ..
قدمت الشريط قليلا ..
صوت موسيقى ..
لا شك أن هذه أحد حفلات الراديو القديمة ..
نظرت نحو السلم كان جمال يهبط الدرجات بسرعة ..
أخرجت الشريط من الكاسيت ووضعت واللفاقة أسفل الكرسى ..
وفكرى كله يشتعل محاولا تذكر هذه الموسيقى ..
*******************
جلس جمال خلف موقد سيارته ..
كان جمال من ذلك النوع الذى لا يحب أحد أن يكلمه أثناء القيادة ..
كان عقلى يعمل بسرعة ولكنى لم أكن أريد أن يشعر جمال بما حدث .. فوضعت وجهى فى الجريدة كأننى أقرأ .. .. أفكر قليلا ثم أنظر إلى الطريق ..
ما زلنا بالقاهرة .
أعود للجريدة مرة أخرى .. ثم أختلس نظرة على الطريق ..
لقد بدأ العمران يقل ..
أعود للجريدة مرة أخرى .. وعقلى يوشك أن ينفجر ..
ثم أشعر بأن جمال أزاد السرعة بدرجة عالية وأرتفع صوت أبواق السيارات .. فأعلم أننا على الطريق السريع دون أن أنظر ..
عقلى يشتعل .. أين سمعت هذه الموسيقى .. لكنى لا أستطيع التركيز بسبب هذه الإهتزازات ..
كانت بسبب الطريق الغير ممهد الذى نسير عليه .. فأعلم أننا أقتربنا من تلك القرية .. ما كان إسمها ؟؟ لا يهم ..
جمال ينظر يمنى ويسرة .. ثم يطلق سبة ..
أوقف جمال السيارة ثم نزل منها ..
أخرج جواله ثم ألقاه وهو يسبه .. فنزلت من السيارة وحاولت أن أتدخل لأعرف ماذا يحدث :
- خير يا جمال .. فى أيه ؟؟
قال وهو ينفث الهواء كالتنين :
- لا توجد شبكة ..
قلت وقد بدت علامات التعجب على وجهى :
- وماذا فى ذلك ..
نظر لى وعض على أسنانه وهو يقول :
- ألم تفهم يا غبى .. لقد ضللنا الطريق .. ولا يوجد أحد نسأله .. أكاد أجن .. أين ذهب الناس ..
نظرت للشمس فوجدتها مازالت فى كبد السماء .. وطالما لم يأتى موعد نومها بعد فما المشكلة ..
ركبت السيارة وتركت جمال يدخن سيجارته بدون إزعاج منى .. بالأصح لكى أبرد النار التى تلتهم عقلى ..
أخرجت الشريط ودسسته فى الكاسيت ..بعد أن خفضت درجة الصوت تماما ..
بدأ الشريط من المقطع الموسيقى ..موسيقى هادئة هى .. أذكرها لكنى لا أستطيع تمييزها ..
نظرة نحو جمال ..
قدمت الشريط بسرعة .. أصوات تصفيق ..
لابد أنها أحد حفلات أم كلثوم أو عبد الحليم ..
قدمت الشريط .. كان عبد الحليم بصوته الرائع :
- عدى النهار .. والمغربية جاية .. تتخفى ورا .. ضهر الشجر ..
جعلتنى كلماته أنظر للسماء وأنا أقول بكل نشوة :
- الله عليك يا حُلم ..
بينما صوت عبد الحليم يتابع :
- وعشان نتوه فى السكة .. شالت .. من ليااااالينا القمر ..
أرتفع صوت التصفيق وسرت فى جسدى قشعريرة بعد هذا الكلام العذب ..
- وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها ...جاها نهار ما قدرش يدفع مهرها ..
كنت مستمتع بالأغنية إلى أقصى حد فلم أنتبه إلى جمال إلا وهو يفتح باب السيارة ..
جلس جمال خلف الموقد وهم بقول شئ لكن صوت عبد الحليم قاطعه :
- يا هل ترى الليل الحزين .. أبو النجوم الدبلانين ..
وما أن سمع جمال صوت حليم إلا وأصبح كالمصعوق .. أخرج الشريط بسرعة ونظر إليه مشدوها للحظة .. كأنه يتأكد من شئ ..
ثم نظر لى كالمصعوق وأمسكنى من ثيابى وهو يصرخ :
ما الذى فعلته بنا أيها الغبى ؟؟
*********************************
كان جمال يمسك بثيابى ويهزنى بكل قوة :
- مالذى فعلته ؟؟ ماالذى فعلته ؟؟من أين جئت بهذا الشريط ؟؟
- لقد وجدته أسفل الكرسى ؟؟
خرج جمال من السيارة وهو يغمغم :
كيف .. كيف ..
ودفع الباب بقوة ... وخرج للخارج يركل الأرض بكل قوة ..
ويصيح بكلمات لم أفهمها ..ثم أراح جسده على السيارة وأخرج سيجارة وأشعلها ..
كل هذا وأنا جالس مشدوها مما حدث ..
لماذا يفعل كل هذا ؟؟
كل هذا من أجل الشريط ..
ما الذى يخفيه جمال عنى ؟؟
وما بقعة الدم الموجودة على قطعة القماش التى كانت تغلف الشريط ..
خرجت من السيارة ودفعت الباب خلفى بقوة كما فعل جمال وصرخت به :
- ما الذى تخفيه يا جمال ؟؟
نظر لى نظرة لا مبالية ثم نفث دخان السيجارة .. فعدت أصيح به :
- ماذا هناك يا جمال ؟؟
نظر لى بجانب عينيه ثم قال بلهجة شملت كل معانى اللامبالاة :
- لا شئ يا محمد ..
ثم صرخ فى وهو يقول :
- لقد قضى علينا هذا كل شئ ..
*****************************
توقفت لبرهة أستعيد ما قاله جمال ثم أقتربت منه وقلت متسائلا :
- ما الذى تقصده يا جمال ؟؟
نظر جمال للناحية الأخرى ولم يرد عليه ..
صرخت به :
- إن لم تخبرنى ما الذى يحدث الآن ..
توقفت .. ونظرت لجمال لأرى وقع كلماته عليه .. فأشار لى أن أصمت .. فصحت به :
- أريد أن أعلم ما الذى يحدث الآن ؟؟
قال جمال بإستسلام سأخبرك ..
**************************
جلست أنا وجمال أسفل شجرة ضخمة على جانب الطريق .. كانت الشمس بدأت فى التدارى خلف الأشجار والبرد بدأ يتملك منى ..
كان جمال يسرد لى حكاية هذا الشريط .. عندما قاطعته :
- هل تقصد أن هذا الشريط كان لوالدى ..
قال جمال بنفاذ صبر :
- نعم .. لقد وجده والدك عندما كان بأحد المعسكرات فى الصحراء الغربية .. أستيقظ من نومه فوجده أسفل وسادته ملفوف بنفس الطريقة .. وبعد يومان كان والدك فى المشفى بعد أن علم بإصابته بالسرطان ..
صمت جمال قليلا .. فصحت به :
- وماذا حدث بعد ذلك ؟؟
- عندما ذهب والدى لزيارته .. أعطاه والدك لفافة وأخبره بأنها السبب فى إصابته بالسرطان وأن عليه أن يتخلص منها ..
وعندما ألح والدى ليعرف ما فى اللفافة ... أخبره والدك بحكاية الشريط الملعون .. وأنه شعر بالمرض بعد أن سمع هذا الشريط ..
قلت محتدا :
- ما هذه التخاريف التى تقولها يا جمال ..
قال وهو يشعل سيجارة أخرى :
- تخاريف ؟؟ لقد أخطأت عندما حكيت لك ..
قلت بهجة ملحة نوعا :
- وماذا حدث بعد ذلك ؟؟
قال وهو ينفث دخان سيجارته :
- أخذ والدى اللفافة وقام بحرقها .. وفى اليوم التالى ..
توقف ليأخذ نفس من سيجارته .. فصحت بع بعصبية :
- ماذا حدث؟؟
قال وهو يطرد الدخان خارج صدره :
- فى اليوم التالى وجد والدى لفافة بيضاء أسفل وسادته .. أظنك تعرف هذه اللفافة ..
****************
قلت بلهجة تبدى أننى ذكى :
- لا شئ غريب فى كل هذا يا جمال .. ربما كان مرض والدى مصادفة لا أكثر .. وربما أن والدك خيل إليه أنه حرق هذا الشريط مع أنه لم يحرقه .. ربما كان منوما ..
قلتها وهززت رأسى محاولا أن أستوعب الكلام الذى قلته .. ثم صحت بلهجة منتصرة ..
- هل تشعر بأى تعب فى جسدك ..
قال جمال وهو ينظر لى نظرة لا مبالية :
- لا ..
فصحت به :
- ولا أنا ..
فقال وقد بدا عليه العصبية :
- وماذا فى ذلك أيها الغبى ..
- أنت قلت أن والدى شعر بالتعب بعد أن إستمع للشريط مباشرة مع أنه لم يخبرنى أبدا بحكاية هذا الشريط ..
كنت أود أن أكمل كلامى لكن جمال قاطعنى :
- هل تعلم لماذا لم يخبرك والدك ؟؟ لأنه يعلم أنك غبى .. وستبحث عن هذا الشريط حتى تسمعه ..
أردفت وكأننى لم أستمع لهذه الإهانة :
- المهم أننا الآن لا نشعر بأى تعب .. وهذا دليل على أن هذا الشريط لا يسبب أى أذى ..
قال جمال وكأنه يفهم غبى :
- أنت تقول هذا لأنى لم أخبرك بقية الحكاية ..
***********************************
- بعد أن وجد والدى اللفافة أسفل وسادته .. أشترى خزينة ووضع بها اللفافة ..
ولم يجرأ أحد على أن يقترب من الخزينة طوال حياته.. ولكن والدى وهو على فراش المرض أخبرنى بأن أتخلص من هذه الخزينة ولكنه لم يخبرنى ما بداخلها ...
وأخذت الخزينة إلى منزلى .. ولم أتخلص من أسئلة "رحاب" زوجتى حول هذه الخزينة .. ولكنى لم أخبرها شيئا لأنى لم أكن أعرف شيئا ..
وفى اليوم التالى أتصلت بى رحاب وهى تقول بلهجة مرحة :
- ها .. كل هذه الخزينة من أجل شريط أغانى ..
- خزينة أى خزينة ..
- الخزينة التى أخذتها من والدك ..
صرخت بها :
- كيف فتحتيها ..
- لقد وجدتها مفتوحة .. ولكن ما هذا الشريط ؟؟
- أى شريط أيتها المخبولة ؟؟
قالت ويبدو أنها فهمت أننى فعلا لا أعرف شيئا عما يدور هنا :
- لقد وجدت شريط أغانى داخل لفافة مقرفة .. إنه شريط لعبد الحليم ..
تركتها تكمل كلامها ولم أستمع لأى حرف تقوله ..
وتوجهت على الفور إلى والدى وسألته عن الشريط ..لامنى كثيرا لأننى فتحت الخزينة وفى النهاية أخبرنى بكل ما يعرفه ..
وعندما عدت إلى منزلى كان هناك تجمهر أمام الباب .. حاولت أن أخترق هذا الجمع ..
ورأيت المشهد الذى أحاول أن أنساه دائما :
"رحاب" وقد تفحم كل جسدها ..
نظرت نحوه آملا أن أرى دمعة واحدة تترقرق من عينيه.. ولكن لا شئ ..
***************************
بالطبع كنت أعلم الجزء الخاص بالحريق الذى حدث فى منزله وتوفيفت زوجته على أثره .. لذلك لم يؤثر فى ..
لكنها زوجته ، ومع ذلك فهو لم يتأثر ..
بل ترك الشقة التى كان يقيم بها مع زوجته ، وأنتقل إلى شقته الجديدة والتى أصر على أن لا يضع بها أى صورة لزوجته ..
كان يريد أن ينساها ..
أكمل جمال كلامه :
- وبعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود أى شبه جنائية .. أستعدت لبيع المنزل بالأثاث الموجود فيه .. ولكنى أخذت شيئا واحدا الشريط الموجود داخل الكاسيت ..
قلت متسائلا :
- وخبأته داخل السيارة ؟؟ يالك من أحمق ..
قال وهو يصيح :
- أقسم لك أننى ألقيته فى النيل .. ولا أعلم كيف وصل إلى هنا ..
قلت له بلهجة مرتاحة :
- على العموم لايوجد شئ يخيف فى الموضوع .. فلم يحدث لنا أى شئ حتى الآن ..
قال وهو يصيح :
- ألا تشعر بشئ غريب .. لقد ضللنا الطريق أولا .. وثانيا لا أحد فى الشوارع .. ولا توجد أى منازل فى هذه الناحية ولم تمر سيارة علينا منذ أن توقفنا .. وتقول أنه لا يوجد شئ مخيف ..
ثم أستطرد وهو يصيح :
- والدك الذى مرض بالسرطان .. وزوجتى التى عوقبت بأكثر شئ تخاف منه .. النار ..-بعد أن أستمعا لذلك الشريط الملعون -.. ومازلت تسأل ما الذى يخيف ..
كنت أود أن أقول شيئا لكنى أثرت الصمت .. خيم الصمت علينا .. ونحن جالسان أسفل تلك الشجرة العجوز ..
وفى لحظة وجدت جمال يصيح وهو يشير إلى شئ بين الأشجار ..
- هل رأيت هذا ؟؟
نظرت إلى الموضع الذى يشير إليه جمال لكنى لم أرى شيئا .. فقلت متسائلا ..
- ماذا هناك يا جمال ..
صاح فى :
- ألم ترى لقد مرت شخص من بين الأشجار .. يبدو أن هذا ما سنواجه ..
لكن من هذا الشخص ..
*********************
كان الظلام قد حل .. سماء سوداء بدون قمر .. جو شديد البرودة ..
جعلنى لا أشعر بأطرافى ، ويبدو أننى تجمدت تماما .. لكن عقلى بدأ يعمل متناسيا كل هذا ..وبدأت أراجع كلام جمال ..
لقد قال جمال أن زوجته كانت تخاف النار وماتت محترقة بعد سماع الشريط ..
صحت به :
- هل تعلم يا جمال لقد كان والدى يخاف أن يموت بسبب المرض وتوفى بالسرطان .. أعتقد أن الجملة المكتوبة على الشريط تقول هذا ..
"إن لم تستطع كبح فضولك فلتواجه كوابيسك"
يبدو لى يا جمال أننا لابد أن نواجه الأشياء التى نخافها ..
ثم باغته :
- ما الشئ الذى تخاف منه يا جمال ؟؟
تردد جمال ثم قال بسرعة ..
- هيا بنا إلى السيارة ..
أنطلقت خلف جمال وركبنا السيارة .. وأنطلق جمال بأقصى سرعة على الأرض الزلقة نوعا ..
فألتفت إليه :
- هيا يا جمال لم تخبرنى مما تخاف ..
نظر لى ثم ألتفت إلى الطريق مرة اخرى وقال :
- أخبرنى أنت أولا .. من أى شئ تخاف يا محمد ..
حقا من أى شئ أخاف .. لا أعلم .. أخذت أفكر وأن أنفث الهواء فى يدى ليمدنى قليلا بالدفء حتى أستطيع أن أفكر ..
لكنى فعلا لا أعلم .. فألتفت إلى جمال وأنا أقول :
- يبدو لى يا جمال أننى لا أخاف من شئ ..
نظر لى جمال بإستنكار ..
- حقا أم أنك لا تريد أن تقول ..
صحت به :
- أقسم لك أننى لا أخاف من شئ ..
نظر جمال للطريق كانت السماء قد بدأت تمطر فشغل المساحات وهو يقول :
- هل تعلم مما أخاف ؟؟ ... أخاف أن تعود زوجتى وتعلم أننى كنت لا أحبها ..
وتعلم أننى نزعت كل صورها .. وتركت منزلنا ..
هل تعلم لم كنت أكرهها ..
لأنها لم تكن تنجب ..

نظرت له فوجدت عيناه وقد تغرغرت بالدموع وهو يكمل :
- هل تعلم الشخص الذى قلت لك اننى شاهدته بين الأشجار .. إننى متأكد من أنها "رحاب" ..
أستمعت له وأسندت رأسى على الزجاج ثم صرخت :
- أوقف السيارة يا جمال .. بسرعة ..
ضغط جمال الفرامل بقوة فأصدرت صريرا قويا ..
ألتفت جمال لى وهو يصيح :
- ماذا هناك ؟؟
أشرت له على جانب الطريق .. إنها نفس الشجرة التى كنا نجلس عندها منذ قليل ..
************************
- يبدو لى أننا لا نتحرك يا جمال ..
قلت هذه الجملة وقبل أن أكملها .. رفع جمال سرعة السيارة بطريقة جنونية .. وأخذ يردد:
- لابد أن نخرج من هنا .. لابد ..
وأسرع من سرعة السارة أكثر .. وأكثر ..
ثم صاح :
- هل ترى هذا الشخص الذى يقف فى منتصف الطريق ..
نظرت نحو الطريق ..
- لا يوجد أحد يا جمال ..
صرخ جمال :
- إنها رحاب .. إنها رحاب ..
تملكنى الرعب بشدة ..
أوقف جمال السيارة ونزل منها وتوجه إلى منتصف الطريق .. وهو يصرخ :
- ماذا تريدين منى ؟؟
يبدو لى أن جمال فقد عقله .. إنه يكلم نفسه ..
تبعت جمال وأنا أصيح:
- ماذا هناك ياجمال ..
نظر نحوى وعيناه مليئة بالدموع ..
- إنها رحاب .. ألا تر...
وقبل أن يكمل كلامه .. ألتوت رقبته بقسوة ..و سقط على الأرض ..
جريت نحوه وأنا أرجوه أن يتكلم :
- جمال .. جمال ..
مسكت معصمه .. لا نبض ..
لم أستيطع أن أمنع نفسى من البكاء ..
أخذت أتلفت حولى .. لقد كانت تلك الشجرة هناك على جانب الطريق ..
ماذا فعلت ليحدث لى كل هذا ..
ظلام ..
ومطر ..
وزمن لا يتحرك ..
ووحيدا ..
صرخ قلبى صرخة أنتفض لها صدرى ..
نظرت نحو جمال و صرخت به :
- لماذا ياجمال .. لماذا تركتنى ؟؟
وقبل أن أكمل كلامى لمحت ذلك المسدس الذى وضعه جمال فى جانبه ..
الجنون يكاد يفتك برأسى ..
أخرجت المسدس من جرابه ..
ووضعته داخل فمى ..
دقات قلبى تتسارع ..
الآن تذكرت من أى شئ أخاف ..
نعم لقد تذكرت ..
طوال حياتى وأنا أخاف أن أموت كافرا ..
و ضغطت على الزناد ..
***************************
تمت بحمد الله

محمد جلال عبد الحميد

Emomsa 05-03-09 03:51 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


رواية جميلة حقا ............

لقد شعرت بالخوف والرعب ...........


المفروض تكتب مع العنوان ( ممنوع دخول اصحاب القلوب الضعيفه )...........


لماذا لم تكتب مرة ثانية ........... على العموم اسلوبك متميز ومنتظرين جديدك .............

محمد جلال 2009 05-03-09 05:56 PM

أختى العزيزة Emomsa ..

شكرا لكى على ردك ..

و بجد أنا سعيد إنك خوفتى .. لإن هو ده الغرض من القصة ..

بالنسبة لسؤالك لماذا لم تكتب مرة ثانية ؟؟

أقول لك ومن قال أننى لن أكتب .. طالما أجد التشجيع اللازم ..

وشكرا ..

Emomsa 05-03-09 08:13 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محبي الادب الجميل والكلمة التي تمس الروح بعيدا عن الاسفاف منتظرين جديدك ...........

محمد جلال 2009 13-03-09 12:08 AM

أختى العزيزة Emomsa وكل الأعضاء

إنتظرو قصصى القادمة ..


الساعة الآن 05:23 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية