النهـــــــــــــــــــاية اتمنى لكم قراءة ممتعة .... وآسفة على التأخير الطوييييييييييل يا ريت تعذروني...... |
للي تبغى تنسخ الرواية انا رح أحطها كلها في مشاركة وحدة...
|
1-من سيدفع الثمن؟
صاح المخرج:" هذا يكفي!". كانت هذه أجمل كلمات سمعتها ساندرين خلال اليوم, وهي ترفع يدها إلى رأسها تنزع الشعر المستعار المتقن الصنع. لم تكن الأزياء التي ظهرت بها في الفيلم مريحة. كما لم يكن مريحا بالنسبة لها, المشد المزين بالدانتيلا الذي يبرز خصرها النحيل. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الحرارة المنبعثة من أنوار الأستوديو, والممثل المصاب بالغرور وجنون العظمة, والمخرج الجهنمي, فإن مقولة: يجب أن يعاني المرء في سبيل فنه, مناسبة جدا لوصف هذه الحال. -هل تسمحين بكلمة يا حبيبة؟ جمدت في مكانها, فكلمة حبيبة, عندما ينطق بها طوني, لا تعبر عن المودة. واستدارت ببطء لتواجه المخرج العجوز ذا الموهبة الأسطورية وسلوك أزقة نابولي. اخترقتها نظراته الحادة وهو يقول:" العشاء عندي الليلة, الساعة السابعة". ثم أدار رأسه ولوح بيده شاملا زملاءها الممثلين الخمسة:" الدعوة للجميع". تأوهت ساندرين بصوت مكتوم. فكل ما كانت تتطلع إليه هو أن تخلع ملابس التمثيل, ونأخذ حماما, وترتدي ملابسها العادية. . ثم تقود سيارتها إلى الفيلا القريبة من الشاطئ التي تقيم فيها خلال تصوير الفيلم, فتتناول وجبة خفيفة ثم تنكب على حفظ دورها ليوم غد. سأل بطل الفيلم متهكما: -هل لنا أن نعرف السبب؟ أعلن لهما المخرج بإيجاز: -المال نحتاج إليه لإنهاء الفيلم. إذا ما طلب الممول مقابلة فريق العمل لمد الفيلم بالأموال الضرورية, فليكن له ما يريد. رددت ساندرين: -الليلة؟ أصابتها سهام نظراته الغاضبة وهو يرد عليها: -هل لديك مشكلة في ذلك؟ إن كانت لديها مشكلة, فالإفصاح عنها لن يجدي نفعا على الإطلاق. هزت كتفيها استخفافا وقالت من دون اكتراث: " لا أعتقد". جال بنظراته الثاقبة مثل النسر على باقي أفراد المجموعة: -هل ثمة معترض أيضا؟ احتج بطل الفيلم قائلا: -كان باستطاعتك أن تخبرنا سلفا. رد المخرج, وقد وجد أنه يستحق التقريع لتهوره : -هذا أمر صعب, فالرجل وصل البارحة ليلا. -حسنا حسنا. لقد فهمت الوضع. رد عليه بصوت مخيف: -يسعدني سماع ذلك. ثم التفت إلى ساندرين متنهدا بانكسار: -نحتاج إلى الاستمرارية. انتهت من تبديل ملابسها في ربع ساعة, ثم عبرت موقف السيارات وصعدت خلف مقود السيارة المستأجرة. كانت ترتدي سروالا قصيرا وتي شيرت. أما شعرها الطويل الناعم فقد عقدته إلى الخلف تفاديا لحر الظهيرة الخانق. وما هي إلا دقائق حتى انطلقت على الطريق السريع الجنوبي. كانت الفيلا التي استأجرتها لها الشركة المنتجة تتألف من طابقين وتطل على شاطئ كوينزلاند الذهبي. ولا تبعد عن استديوهات شركة كوميرا للسينما سوى عشر دقائق بالسيارة. شغلت المسجل وتركت موسيقى البوب تخفف توتر يوم عمل قاس. قالت في سرها وهي تنعطف بالسيارة نحو خور سانكتشوري, إن المنظر يبعث الهدوء والسكينة في النفس. ثم اجتازت البوابة إلى واحدة من المجمعات السكنية وانحرفت ببطء إلى الطريق الفرعي الذي يقود إلى مجموعة من الفيلات المطلة على الشاطئ. فرشت شقتها المبلطة بالرخام الجميل بأثاث ناعم و أرائك وكراسي جلدية وثيرة. وكان المطبخ المزود بكافة الأدوات الحديثة متعة لأي طاه. كان تصميم الفيلا الواسعة مريحا, فالسلم الدائري يقود إلى الطابق العلوي وينتهي برواق يؤدي إلى ثلاث غرف واسعة للنوم. ويطل الصالون وغرفة الطعام على شرفة مرصوفة وبركة للسباحة, وعلى مرسى للزوارق. رمت ساندرين حقيبة يدها وارتدت ملابس السباحة وأمضت بضع دقائق ثمينة في بركة السباحة. كانت بحاجة إلى نشاط جسدي لإراحة الأعصاب, وإلى برودة المياه للتخلص من التشنج المتواصل. أفادها الدوش لاحقا في استعادة نشاطها. جففت شعرها واتجهت إلى غرف الملابس الواسعة. لم يخطر ببالها أنها ستحضر مناسبات اجتماعية حين حزمت أمتعتها على عجل, لتقيم هنا بشكل مؤقت. وكانت معظم ملابسها موزعة على منازلها الثلاث الفخمة التي لا يمكن مقارنتها بهذا المسكن أبدا. أنبت نفسها وهي ترمي ثوب السهرة على السرير وتخرج من الخزانة حذاء ذا كعب عال رفيع وحقيبة سهرة سوداء تناسب الثوب, لا تتجرئي حتى على التفكير بهذه المنازل وبالرجل الذي شاركك إياها! ومع ذلك عادت إليها صور الماضي, وقسمات وجهه المنحوتة بكل تفاصيلها الساحرة, لاسيما عيناه الرماديتان اللتان تنفذان مباشرة إلى روحها وفمه القاسي. مايكل لانييه, في منتصف الثلاثينات من عمره, يكبرها بعشر سنوات, وهو رجل أعمال ناجح, يرعى الأعمال الفنية. شعر داكن وعينان غامقتان, أشبه بأمير من عصور النهضة وطباعه كطباع رجل عصابات. ولد في مرسيليا من أبوين فرنسيين, تعلم في فرنسا أولا ثم أنهى تعليمه في أمريكا. كزوج وكعاشق, هو الرجل الذي خلبها لبها, واحتضنها بذراعيه وقلبه, وجعلها زوجته. التقيا خلال حفلة أقامها صديق مشترك لهما في نيويورك. كانت ساندرين قد انتهت لتوها من عرض أزياء, وتستعد للعودة إلى سيدني في الأسبوع التالي لمتابعة تصوير مسلسل تلفزيوني اوسترالي طويل. ركبت ساندرين الطائرة وإلى جانبها مايكل. وفي غضون أسبوع قدمته إلى عائلتها, وتم إعلان خطوبتهما, مما اضطر كاتب السيناريو إلى إعادة النظر في دورها. وحالما انتهت من تصوير الحلقات المثيرة, التي تختتم بحادث يؤدي إلى وفاتها, عادت مع مايكل إلى نيويورك. عقد زواجهما بعد شهرين في احتفال هادئ اقتصر على أفراد العائلتين فقط. وأخذا بعد ذلك يوزعان أوقاتهما بين نيويورك وباريس. اشترى مايكل شفة فخمة في حي راق من سيدني, تشرف على مناظر الميناء الرائعة. وحينها قال لها مايكل إن هذه الشقة ستكون قاعدتها الاسترالية. ارتدت ساندرين ملابسها, وجلست أمام المرآة لوضع زينتها, وهي مشغولة البال. جرت الأمور بينهما بصورة مثالية في الشهور الستة الأولى. . . مثالية أكثر مما ينبغي. بدأت المشكلة منذ ثلاثة أشهر عندما أمضيا أسبوعين في سيدني قام خلالهما أحد الأصدقاء بإعطائها سيناريو مسلسل تلفزيوني لتقرأه. وجدت القصة جيدة, لا بل ممتازة. وشعرت بانسجام فوري مع شخصية القصة الثانوية, وامتلأ ذهنها بصور عن كيفية لعب هذا الدور, فأبت أن ترحل. كانت ساندرين تعرف أن مواعيد التصوير لا تتماشى مع برنامج مواعيد مايكل في أوربا. وأدركت أنه لن يوافق أبدا على بقائها في اوستراليا أربعة أسابيع من دونه. وخطر في بالها القيام باختبار لأداء دور, رغم أن فرص نجاحها غير مشجعة, ثم صرفت النظر عندما عادت بعد بضعة أيام إلى نيويورك. إلا أنها تلقت في ما بعد اتصالا من وكيلها يؤكد حضورها على الفور, مما جعلها تشعر بمزيج من الحماس والاضطراب. وكان من المفترض أن يبدأ الإنتاج في استديوهات كوميرا بكوينزلاند, بعد شهر. وقعت على العقد الذي وصلها بالبريد ولكنها تلكأت في اطلاع مايكل على الأمر, وهي تعي جيدا ما ستكون عليه ردة فعله. وكان كل يوم يزيد اطلاعه على الأمر صعوبة, حتى لم يبق على موعد ذهابها غير أيام قليلة. استرجعت الكلمات في رأسها مئة مرة, ومع ذلك لم تنطق بأي منها بنبرة مناسبة. وما بدأ نقاشا تدهور بسرعة ليصبح جدالا عنيفا, دفعها في نهاية المطاف إلى وضع بعض الملابس في حقيبة, والرحيل عند ساعات الصباح المبكرة. أقامت في فندق حتى موعد قيام رحلتها المقررة إلى مدينة بريزبان الاسترالية. قدرت ساندرين بأن أربعة أسابيع ليست دهرا, ولكنها مع ذلك شعرت بالهوة المادية والمعنوية التي اتسعت بينهما إلى درجة خشيت معها ألا تتمكن من تجاوزها أبدا. والأسوأ من ذلك, أن تصوير الفيلم شهد تأخيرا بعد تأخير. وامتدت الأسابيع الأربعة لتصبح خمسة ثم ستة. وبدأت ميزانية الفيلم تتقلص مع دخولهم الأسبوع السابع. ابتعدت ساندرين عن المرآة, ووضعت مشبكا في شعرها الذي لفته فوق رأسها ثم انتعلت الحذاء الأسود الأنيق والتقطت حقيبة السهرة ونزلت إلى الطابق السفلي في طريقها إلى الخارج. ولفحها نسيم البحر الخفيف وهي تعبر الممر إلى شقة طوني على شاطئ ماين. بعد دقائق انضمت ساندرين إلى مجموعة زملائها الممثلين. كان الجميع يحتسي شرابا باردا على الشرفة الدائرية الواسعة المطلة على المحيط. وعندما قدم لساندرين كأس عصير أخذت تحتسيه ببطء وهي تجول بنظراتها المتثاقلة على المدعوين. ولاحظت أن الكل قد حضر باستثناء ضيف الشرف, وتساءلت في ذهنها عمن يكون. لاحظت ساندرين بعد دقائق تغيرا في الأحاديث المتبادلة, وتحولا في النبرات جعلها ترفع رأسها. إذن وصل أخيرا. . وقد تأخر نصف ساعة عن موعده. أثارت حاسة سادسة, ربما, انتباهها, فألمت بها موجة شديدة من الخوف. تمتمت كايت بصوت خفيض:" يالحظي". انسابت على طول عمود ساندرين الفقري رعشة مضطربة, وهي تستدير ببطء لتلقي نظرة شاملة على ما يجري في المكان. هنالك رجل واحد يمكنه أن يحدث مثل هذا التأثير. الرجل الوحيد الذي تآلفت روحه مع روحها وكأنهما توأم. وأبصرت ساندرين, على حين غرة, رجلا فارع الطول. فشعرت باضطراب حواسها وهي تتفرس في منكبيه العريضين, وقسامته الدقيقة وتسريحة شعره المحافظة. كان شعره الطويل بعض الشيء يضفي عليه بدائية توازي جاذبيته, جاذبية الرجل نفسه. كانت تهوى تمرير أصابعها في شعره الحريري الكثيف ولم تشعر يوما بمثل هذا الإحساس الذي يجتاحها حين يضع رأسه بين يديها. كانت أيام حلوة هانئة, عندما قاد الحب وحده خطواتهما, حين أعطته كل شيء ولم تحرمه أبدا. راقبت مايكل وهو يتحدث رافعا رأسه. وكأنه أحس أيضا بوجودها. تشابكت نظرتها مع نظراته الحادة الثاقبة, الخالية من الدفء والفكاهة. وتوقف الزمن, فيما تلاشى كل شخص, كل شيء أمام ناظريها. لم يعد هنالك غير مايكل. الرجل واللحظة والتفاعل الملح بينهما. أحست أنها وقعت تحت تأثير سحري وشعرت بقوة جاذبيته. شيء ما بدائي جدا حولها إلى امرأة مشرعة الأبواب وغير حصينة أبدا. ثم ابتسم لها, فعادت بالذكرى إلى لقائهما الأول, عندما نظرا إلى بعضهما البعض عبر غرفة مزدحمة بالناس. غير أن الماضي لا مكان له في الزمن الحالي. استطاعت أن ترى ذلك في توقد عينيه الرماديتين الجميلتين المفاجئ وأن تحس بذلك في وقفته. لغة الجسد! لقد درستها من أجل مهنتها الفنية وأصبح بإمكانها أن تحدد معنى كل حركة وكل لفتة. هل لاحظ أي شخص آخر القسوة الباردة, أو الغاضب الكامن المتربص تحت رباطة جأشه؟ ارتسمت على قسماته سيماء من يضمر في نفسه شيئا, ومسحة من الوحشية الصرفة, التي إن أفلت زمامها لأصبحت قاتلة. كان رجلا لا ينجرف وراء الأوهام. وقد صقله مسار حياته منذ الصغر, وقدره الذي جعل الكثير من أترابه يحسدونه عليه. لاحقته ساندرين بنظراتها مسحورة ومسمرة وهو يتمتم بكلمات الاعتذار إلى مضيفه ثم يعبر الغرفة ويخرج إلى الشرفة. أظهرت ملابس أرماني الفاخرة التي يرتديها, عضلاته المفتولة, وقوامه الفارع القوي. وبدت كل حركة من حركاته رشيقة ومرنة مثل حيوان مفترس بديع. انتفض قلبها بقوة وتسارعت نبضاته. وتوترت أعصابها, عندما بدأ يقترب منها, ولم تستطع أن تفكر في أي كلمة منطقية تقولها له. وبعد الكلمات الطائشة التي رماها كل منهما بوجه الآخر منذ أسابيع, بدت لها كلمة (مرحبا) تافهة للغاية. ما إن يرمقها بنظرة حتى يذوب قلبها, فطوال سبعة أسابيع لم تخمد حدة مشاعرها يوما. ووبخها صوت خفيض في داخلها, ماذا كنت تتوقعين؟ لقد راود أحلامك كل ليلة منذ تركته, وغزا أفكارك كل يوم حتى كاد يشوش عليك عملك. استعرت المشاعر بينهما, ولكن ترافق ذلك أيضا مع غضب, لم يكن من الممكن تناسيه, أو الصفح عنه. -ما الذي تفعله هنا؟. أهذا صوتها؟ بدت نبرته باردة جدا, هادئة جدا, بينما اشتعلت في داخلها كتلة متوقدة من العواطف المتضاربة. -لقد أنهيت أعمالي في أوروبا. حكمت عقلها وفكرت بصورة منطقية. كان لديه اجتماعات مهمة تقتضي حضوره شخصيا, ولا يمكنه أن يبعث من يمثله فيها. ولكن كيف برر عدم وجودها معه لعائلته في باريس؟ لشقيقه الأكبر راوول, أو لجدته؟ حكمت عقلها وفكرت بصورة منطقية. كان لديه اجتماعات مهمة تقتضي حضوره شخصيا, ولا يمكنه أن يبعث من يمثله فيها. ولكن كيف برر عدم وجودها معه لعائلته في باريس؟ لشقيقه الأكبر راوول, أو لجدته؟ أحست بالندم للحظة, وبالأسف نحو كبيرة الأسرة العجوز, التي تحكم أفراد أسرتها بيد من حديد. إن قلبها مثل قلب طفل, وهي تحبها كثيرا. ردت ساندرين عليه متحدية:" واكتشفت أنني لم أقبع في شقة نيويورك بانتظارك". شمخت رأسها قليلا ولمع اللون اللازوردي في عينيها مثل لمعان الذهب وهي تضيف: -. . . خانعة ومنكسرة القلب لأنني خيبت أملك؟ فأقر بسخرية مريرة: -أمر صعب. فتحت ساندرين فمها لتجيبه, ولكنها أطبقته ثانية. فيكفي أن يرفع سماعة الهاتف ويعطي تعليمات لشخص ما ليبلغه بكل حركاتها. أثارت هذه الفكرة غضبا لا يحتمل في نفسها. هاجمته بحدة مهذبة, ولو كانا وحيدين, لضربته, أو بذلت كل جهدها في المحاولة: -ما غايتك يا مايكل؟ -لم تردي على أي من الرسائل التي تركتها لك على المجيب الآلي. كانت تخزن كل المخابرات التي تتلقاها, وتنتقي الرسائل التي ترد عليها. -ما الفائدة, بعد ما قلنا كل ما يجب قوله؟ -لا يمكن حل أي شيء في غمرة الغضب. ألهذا تركها ترحل وهو واثق من أنها ستعود إلى صوابها وتهرع إليه؟ كم من الليالي أمضتها وهي مستلقية تقاوم الرغبة في القيام بذلك؟ إن كبرياءها وعزمها, منعاها من تغيير موقفها. مثلما منعها تفانيها في العمل, والعقد القانوني الذي يربطها بالشركة المنتجة. نظرت إليه بحذر, ولاحظت الخطوط الرفيعة التي انتشرت على زاويتي عينيه الخارجيتين والهالات السوداء تحتهما. وبدت لها الخطوط الخفيفة على خديه أكثر عمقا, إلا إذا تخليت ذلك. كانت هاتان العينان الرماديتان في الماضي تضجان بالمشاعر. . . لها ولها وحدها. كانت تنظر إلى أعماقهما وتذوب, أما الآن فلم يبق فيهما غير السوداوية والقسوة التي جمدت أوصالها. ردت ساندرين عليه بتحد: -لم توضح لي لماذا أنت أحد المدعو ين إلى شقة طوني؟ لاحظت أنه رفع أحد حاجبيه وهو يجيبها: -أتعنين أنك لم تحزري؟ كانت السخرية الناعمة الواضحة في نبرته, تنطوي على إشارة فولاذية قطعت أنفاسها. -انتهت مهامك في أوروبا وجئت لتحملني إلى البيت؟ لم تفته سخريتها فلوى فمه بتهكم وقال: -لم تصيبي, حاولي ثانية. قضى الغضب على خوفها: -إذن جئت لتطلقني. لم تتغير تعابير وجهه ولكن شيئا ما في عينيه, جعلها أشد قسوة. -لم يحدث أي طلاق في أسرة لانييه منذ ثلاثمائة سنة. -أتعني أن النساء عانين من تحكم رجال عائلة لانييه الاستبدادي لقرون من دون أن يشتكين بكلمة؟ -أتخيل أن أي شكوى كانت. . . توقف لحظة عن الكلام ثم تابع: -. . . تعالج سريعا بطريقة مرضية. فهمت باطن كلامه وجارته: -العلاقات ليست حلا لكل شيء. -الحب غني عن القول أن هنالك فرقا. يا للسماء, فرقا كبيرا! لاحظ ردة فعلها إذ غزى الاحمرار وجهها واختلج حلقها ورفرفت أهدابها بصورة فجائية وسريعة جدا في محاولة لستر ردة فعلها. وأشعره ذلك بالرضى. -لم تجب عن سؤالي. -أي سؤال بالضبط؟ قالت: " ما الذي تفعله هنا, الليلة؟". حدق إليها بنظرات ثاقبة ملؤها السخرية والتهكم:" السبب في حضوري يا حبيبتي هو أنني ضيف الشرف في هذه السهرة". -ضيف الشرف. ما الذي دفعه لأن يمد المشروع باعتمادات مالية تكفي لإنقاذ الفيلم؟ أكد لها الأمر بانحناءة خفيفة من رأسه ثم سأل بهدوء جعل أوصالها ترتعد: -من سيدفع الثمن؟ شعرت بانقباض مؤلم في معدتها وهي ترد: -وما هو ذلك الثمن؟ أتاها الجواب, مختصرا وصارخا وجازما:" المصالحة". يا رب! دعاؤها لله لم يكن له أي علاقة بالكلمات التي احتبست في حلقها. استطاعت بطريقة ما أن تستجمع شجاعتها لمواجهته: -وثيقة الزواج لا تحولني إلى متاع تملكه. لاحظ مايكل شحوب قسماتها, وعينيها اللتين بدتا كبيرتين على وجهها, والنقص في وزنها, و بالكاد استطاع أن يتمالك نفسه لئلا يهز عنقها النحيلة. شعرت ساندرين بالنظرات المتحفظة حولها, وبالفضول الذي أثارته تصرفات مايكل. كانت تعابير كايت ليندن متماسكة رغم برودة عينيها الزرقاوين البراقتين. لم ينشر خبر زواجهما في الصفحات الاجتماعية للصحف العالمية. وشكت في أن يعرف أي من الحاضرين هوية ضيف الشرف, أو علاقته بالممثلة الثانوية غير المشهورة جدا. -هذا ليس الوقت ولا المكان لمناقشة الأمر. كانت ابتسامة مايكل مجرد تمثيل: -لا أريد المناقشة, ولا المفاوضة. أريد فقط إما نعم وإما لا ببساطة. ببساطة؟ كيف بإمكانه اعتبار أمر معقد بهذا الشكل بسيطا؟ -لا تستطيع فرض شروطك. -انتظري وسترين. -هل تبتزني يا مايكل؟ هز كتفيه مستخفا بفكرتها غير الجديرة بالاعتبار:" سميها كما تشائين". استفهمت ساندرين بشجاعة:" وإذا رفضت؟". شعرت بأن ما ارتسم في عينيه الداكنتين أقرب إلى الوعيد الشديد: -سوف أغادر هذا المكان. ويخرج من حياتها؟ كما خرجت هي من حياته؟ لقد فعلت ذلك مؤقتا. إذن لماذا يتملكها شعور بأنها تقف على حافة الهاوية وإن هي أقدمت على أي خطوة خاطئة ستسقط إلى أعماق المجهول؟. كان باستطاعتها أن ترى غايته المحمومة محفورة في تعابير وجهه وزاد ذلك من تقلصات معدتها المؤلمة. -أنت لا تلعب بإنصاف. لم تتغير تعابير وجهه وهو يرد: -هذه ليست لعبة. لا, لم تكن لعبة. ومع ذلك كرهته بسبب لجوئه إلى هذه المناورات التكتيكية. كرر مايكل قوله بهدوء قاتل: -نعم أو لا. . ☻☺☻☺☻ 2-إني خيرتك فاختاري! أخذت ساندرين تتفحص مايكل جيدا, بعينين مستقرتين, ورباطة جأش ظاهرة. غير أنها كانت تعرف مقدار ما تبذله ن جهد للحفاظ على هذا المظهر الهادئ. -أنا واثقة من أن لدى طوني مصادر أخرى للحصول على التمويل اللازم. -لقد استهلكها جميعا. -كيف أمكنك أن تعرف ذلك؟ لم يستوجب هذا السؤال ردا منه. وأقرت في سرها بامتعاض, أن عائلة لانييه تملك الكثير من الاستثمارات, كما أن مايكل نفسه رجل ثري جدا وبالتالي لديه علاقات توصله إلى مثل هذه المعلومات الشخصية. وبدون مال, لن يكتمل الفيلم, ولن يجد طريقه إلى صالات العرض. ولم يرق لها أن يصبح مصير الفيلم بين يديها, ولا مخططات مايكل الماهرة. رد مايكل بدون اكتراث:" باستثناء غريغور أندرس, لا يتضمن الفيلم أسماء نجوم مشهورين لإنجاحه وجذب الجمهور إلى شباك التذاكر.. فيما يتهافت كل من منتج الفيلم ومخرجه لإنعاش أوضاعهما المهنية المتضعضعة بعمل فني غير مسبوق". كانت ساندرين تعرف أن ممولي الفيلم وضعوا ميزانية محدودة لا تكفي لتصوير فيلم مميز, كما أن التأخيرات المتكررة والمصاريف المتزايدة جعلت مشروع الفيلم مجازفة كبيرة لا يقبل عليها أي مستثمر واع. ألقت ساندرين عليه نظرة وقالت:" أهذا رأيك؟". لم يزحزح مايكل نظراته:" ليس رأيي فقط". -إن كان ذلك صحيحا, فما السبب الذي دفعك إلى تمويل الفيلم؟ لم تتغير تعابير وجهه, وظنت لبضع ثوان أنه لن يجيب على سؤالها, ولكنه رد بتهكم:" بصراحة يا ساندرين؟ أنت". اتسعت حدقتا عينيها ثم أطبقتهما قليلا. -ماذا اعتقدت أني سأفعل؟ هل أتركك ترحلين عني هكذا, بكل بساطة؟ صرت أسنانها وعدت حتى عشرة ثم أنكرت بسخط:" كنت ملزمة بعقد, ولو لم ألتحق بالعمل في الموعد المقرر, للاحقوني قانونيا". -عقد, أقدمت على توقيعه من دون أن تخبريني. -كنت غارقا في اجتماعاتك الأوربية. -ألن تقدميني يا حبيبتي؟ اللعنة, بالكاد استطاعت ساندرين أن تبتلع الشتيمة الحاقدة حين وضعت كايت ذراعها حول خصرها, في حركة تظهرهما كصديقتين حميمتين جدا. تدخل مايكل بكل تهذيب مقدما نفسه:" مايكل لانييه". -كايت ليندين. حاولت بابتسامتها وصوتها وحركاتها ترك أكبر أثر ممكن:" إذن أنت الفارس ذو الدروع المجلجلة". راقبت ساندرين كايت وهي تنظر إليه بوله. -وزوج ساندرين. شعرت بشهقة كايت الخفيفة, ولاحظت ابتسامتها الباهتة وأحست بضغط أصابعها على خصرها. سلمت بالأمر وهي تستدير لتلقي نظرة باردة على ساندرين:" يا لتكتمك!". أمسك مايكل يد ساندرين ورفعها إلى شفتيه, ثم نظر مباشرة إلى كايت:" هل تسمحين؟ كنا في خضم نقاش خاص". يا الهي! إنه لا يوفر أحدا. راقبتها وهي تبتسم ثم تستدير على عقبيها وتبتعد عنهما وهي تهز ردفيها بفجور. علقت ساندرين بخفة:" غزوة أخرى". -دعينا نركز على هذه المسألة الملحة, أتسمحين؟ أستاذ في التلاعب. اللعنة, لماذا تتملكها رغبة في تحطيم مظهره البارد الذي يخفي تحته تسلطا وهيمنة؟ مهاراته في التلاعب بالألفاظ في مواجهة ثورتها الكلامية, جعلتها ترتعش. يا للجحيم, لم يرفع صوته بينما كادت هي تفقد سيطرتها على نفسها. والآن سيستخدم هذه المهارة في ابتزازه المجحف, ويضعها بذكاء بين المطرقة والسندان. إنها الثمن الذي يجب دفعه, والفيلم هو مكافأتها. قالت له ببرود متعمد:" أنت لا تترك لي خيارا". ثم انتظرت لحظة وأردفت:" . . . في الوقت الحالي". تقدم منها ومسح خدها بقفا أصابعه ورد:" لا تضعي شروطا". شعرت بردة فعل جسمها الفاضحة على لمسته, وأحست بالحرارة تسري في عظامها وتذيبها مثلما تذيب الشمع. اغرورقت عينا ساندرين وارتعش فمها قليلا, ملأها شعورها هذا بالغضب والسخط والحاجة للهجوم عليه. إلا أن الوقت والمكان غير مناسبين, إذا أرادت الاحتفاظ بشيء من الوقار. وكما كان متوقعا, انتشرت التكهنات بين زملائها والمدعوين الآخرين. هل عرف طوني أن ساندرين هي زوجة مايكل لانييه؟. راقبها مايكل وهي تحاول أن تستر عواطفها المتضاربة, وتزنها. وكان يدرك, بحدسه, ما أثاره في نفسها من صراع قوي بين هذه الأحاسيس. إنه عازم على الفوز ولن يرضى بأقل من هذا. قالت بتحجج وهي تراقب مايكل يلوي فمه بابتسامه هازئة:" أنا بحاجة لشراب". رفع يديه فظهر إلى جانبهما نادل. كان مايكل يحاول التأثير في النساء, كل النساء بمثل هذه الأساليب. إنه سحر فطري يستخدمه من دون تردد. تناول كأسين من العصير من الصينية, وسألها: -هل ننضم إلى مضيفنا؟ تشابكت نظراتهما معا للحظات, ثم حجبت تعابير عينيها. ستطلق العنان لاحقا لغضبها وسلاطة لسانها بعد أن كبحت نفسها طويلا. لعله فاز في الجولة الأولى, ولكنها عازمة على الفوز بالثانية. حاولت الابتسام ببطء ولجأت إلى موهبتها في التمثيل للسيطرة على الوضع وهي تتأبط ذراعه. -بما أنك قدمت للمدعوين عرضا حيا غير متوقع, ألا تظن أن أوان التعارف قد فات؟ وما هي إلا دقائق, حتى وقف مايكل إلى جانب طوني وأخذ يظهر اهتماما بقدرات المدعوين الفنية, ويطرح الأسئلة بسحره المعهود. وتملكت ساندرين السخرية, وهي تجيل نظرها في الغرفة. إن ذاكرته القوية والواعية لا يفوتها شيء, سواء في الأعمال أو الحياة الاجتماعية. -مهما كانت الأسرار, فإن سرك مذهل. استدارت قليلا لتواجه امرأة شابة نحيلة لم تستطع تذكر اسمها, للوهلة الأولى. قدمت نفسها:" ستيفاني سومرز, من دائرة التسويق". ردت ساندرين وقد هفا قلبها لابتسامتها القليلة الخبث:" آه, طبعا". -لا أفهم كيف تحجبينه عن الأنظار, أين عثرت عليه؟". -في نيويورك, وتزوجنا في باريس. -مدينة العشاق الأبدية. شعرت بقشعريرة تسري في جسمها, وهي تستعيد ذكرى هذه المدينة وجوها العاطفي. سحر باريس في فصل الربيع عندما تنقشع السماء الرمادية وتدب الحياة من جديد, كما فعل قلبها عندما التقت مايكل لأول مرة. شعرت بأحشائها تتقلص مع توارد ذكرياتها. ذكريات واعدة, ملأى بالحب, بحيث تخيلت حينها أن حياتهما معا ستدوم إلى الأبد. -لقد أفلت زوجك من طوني وهو يتجه نحونا. إنه مخلوق وحشي, أليس كذلك؟ مخلوق وحشي وصف مناسب, إنما ليس بالمعنى الذي قصدته ستيفاني. -طوني أم مايكل؟ بادلت ستيفاني النظرات المباشرة بالمثل, ولمحت فيهما التهكم قبل أن تحجبهما بابتسامتها الخبيثة: -أنت تمزحين, من دون شك؟ تمنعت ساندرين عن الرد عندما دنا مايكل منهما. شعرت بجسمها يتصلب وهي تتوقع أن يلمسها. حبست أنفاسها عن غير وعي, ولم تفلتها إلا عندما لم تبدر عنه أي محاولة للمسها. تدبرت أن تقول بنعومة:" مايكل, هل تعرفت إلى ستيفاني؟". -نعم. تبادلنا نقاشا مثيرا للاهتمام حول وسائل التسوق. -لكنه كان وجيزا. -وضع سنقوم بتصحيحه, أليس كذلك؟ إنه ذكي, ولديه الجاذبية المطلوبة, والقدرة على التأثير والحنكة في الأعمال التجارية. حيته ستيفاني ثم انسحبت:" سعدت بالتعرف إليك". راقبتها ساندرين فيما كانت تتحدث مع طوني قبل أن تغادر. -أهي صديقتك؟ لم تنخدع باعتدال صوت مايكل فردت:" لا شأن للممثلين مع رؤساء الأقسام التجارية إلا فيما ندر". -هل لي, إذن, أن أفترض بأنكما لم تلتقيا قبل هذه الليلة؟ ألقت عليه نظرة مستهزئة. -هل تريد مني أن أعطيك تقريرا مفصلا عن كل شخص موجود في هذه السهرة؟ من كلمت أو لمست؟ حذرها مايكل بسلاسة:" على مهلك, أنت تدخلين دائرة الخطر". أضافت وهي تشعر بالرضى حين رأت كيف ضاقت عيناه استياء:" غني عن القول, أن كل ذلك في سبيل الفن". رد متشدقا:" لو ظننت أن الأمر غير ذلك لحملتك على أول طائرة تغادر هذا المكان حتى وأنت تصرخين وترفسين. -أساليب إنسان العصر الحجري لا مكان لها في حضارتنا الحديثة. -رجل العصر الحجري والرجل المتحضر لا يلتقيان. ولكن استمري على هذه الوتيرة, وسوف أريك كم أستطيع أن أكون همجيا. رفعت رأسها وأبقت نظراتها متشابكة مع نظراته الثابتة:" لقد فات الأوان يا حبي, لقد اختبرت ذلك قبلا, أتذكر؟". -ما زلت أتذكر صورة قطة برية صغيرة, تقذفني في غمرة غضبها ببعض الأغراض. كريستال وترفورد الغالي الثمن, وزجاجة حبر, وحافظة أوراق والساعة الصغيرة التي تزن مكتبه الأثري في غرفته الخاصة. حينها كانت غاضبة بحيث لم تبال, ولكنها شعرت بعد ذلك بالندم لتحطيمها هذه التحف الفنية المصنوعة من الكريستال, التي ارتطمت بالحائط الخشبي ووقعت على الأرضية الرخام وتناثرت قطعا قطعا. لقد تفاداها مايكل, ونأى بنفسه عنها. استعادت في ذهنها ردة فعلها العنيفة, وشعرت بالخجل لأنها فقدت أعصابها وتصرفت على هذه الصورة. -لقد أثرت حفيظتي. -كان الأمر متبادلا. جاءت كلماته متحفظة وهادئة, فيما تلك التي صدرت عنها متشنجة ورعناء. ولكن الكلام الذي صدر عنهما معا, كان جارحا للغاية. استفهمت ساندرين بشيء من المرارة:" مايكل, هل ستعطيني الوقت والمجال كي أهدأ وأدعي أن كل هذا لم يحدث قط؟". -يخيل لي أننا سوينا هذه المسألة من قبل؟ تراقصت النقاط الذهبية في عينيها وأصبحت أكثر وضوحا وهي تلجم غضبها, وتلونت وجنتاها بالأحمر القاني. لقد بقيت ذكرى ما أعقب ذلك الشجار حية في بالها. استطاعت أن تتغلب على ما تملكها من غيظ, ولجأت إليه غير عابئة بما صدر عنها من كلمات. فأظهر تجاوبا يبعث على الدهشة والاعجاب. لقد كان يوما مشهودا في حياتها, ولكن. . . انتظرت حتى خلد إلى النوم, ثم ارتدت ملابسها, ووضعت بعض أمتعتها في حقيبة, وعلقت على الباب مذكرة كتبتها على عجل وخرجت من البيت مع ساعات الفجر الأولى. ما جرى بينهما ليس الحل لهذه المسألة, فقالت بوقار رزين: -لا. لم يشعر في حياته بمثل الإحباط الذي أحس به عندما استيقظ وأكتشف أنها رحلت. ولو استطاع, لاستقل أول طائرة متوجهة إلى استراليا ولحق بها, غير أن شقيقه راوول كان في امريكا, وسيبستيان أصغر الأخوة لانييه يقضي شهر العسل متنقلا من بلد إلى آخر. ولم يعد أمامه سوى متابعة الأعمال بنفسه وحضور الاجتماعات المقررة في مدن أوربية عدة, والقيام بزيارة قصيرة لجدته في باريس فور الانتهاء من أعماله. رد عليها:" فراش خال, ومذكرة مقتضبة, وزوجة في الطرف الآخر من العالم ترفض أن ترد على مكالماتي الهاتفية. كان بإمكاني أن أخنقك لما فعلته". قالت ساندرين بتصلب:" إذا انتهيت من التحقيق معي, أود أن أذهب, فلدي عمل في الصباح الباكر". تصلبت أسارير وجهه أطبق جفنيه قليلا. كان بارعا في إسدال ستار على تعابيره, وقال: -إذا لنشكر مضيفنا على ضيافته. أمسك بذراعها, غير أنها حاولت التخلص منه. -لن أذهب معك إلى أي مكان. رفع حاجبه معمدا التهكم:" هل نسيت ما اتفقنا عليه بهذه السرعة؟". ردت ساندرين بشجاعة:" لا, إطلاقا. ولكن لن أسمح لك بأن تقيم معي في المسكن نفسه!". لم تكن ابتسامته تنطوي على أي مرح وهو يقول:" الإقامة في سكن منفصل ليست بندا في الصفقة". صرخت به وهي تشعر بالإرهاق:" اذهب إلى الجحيم". رد عليها مايكل بلهجة مليئة بالوعيد:" وصلت لتوي من هناك, وليس في نيتي أن أعود من جديد". أخبرته بتهذيب مصطنع :" أعتقد أن علينا أنؤجل النقاش إلى وقت لاحق". فقال لها باصرار متعمد:" لم نبدأ بعد. وليقل الحاضرون ما شاءوا.". لف ذراعه حول خصرها وشدها إليه بحزم وأضاف: -ضعي قدما أمام الأخرى وابتسمي عندما تحيين طوني". جابهته ساندرين وهي تكظم غضبها:" أو ماذا؟". أجابها مايكل بنبرة سلسة مثل الحرير:" إنها مسألة كرامة, كرامتك. . . أمامك خياران, إما الخروج من هنا على قدميك, وإما مغادرة هذا البيت وأنت محمولة على كتفي". انقلبت معدتها رأسا على عقب, لأن نظرة واحدة إلى تعابير وجهه الحازمة أقنعتها بأنه ليس من الحكمة معارضته. كانت نظراتها الجليدية تماثل برودة القطب الشمالي وقالت له بتهذيب صاعق:" أفضل الخيار الأول". استغرق تبادل المجاملات والاتفاق على موعد في صباح الغد بين مايكل و طوني عشر دقائق. ولم يفت ساندرين ابتسامة طوني التي دلت على توتره أو القسوة الخاطفة التي بدت في عينيه. تدخلت وهما ينزلان المصعد إلى الطابق الأرضي:" إنه يتصبب عرقا بانتظار قرارك. هل هذا مخطط استراتيجي يا مايكل؟". ألقى عليها نظرة غاضبة ومتفحصة, ولمحت شيئا من التهكم خلف قناعه الذي لا يخترق. لم يستوجب سؤالها تأكيدا, فالأخوة لانييه يديرون شركة تقدر أعمالها بالمليارات. توقف المصعد فعبرا الردهة إلى البوابة الخارجية الرئيسية. أخرجت ساندرين الهاتف الخلوي من حقيبتها وفتحته وهي تقول:" سأطلب لك سيارة أجرة". فأعلمها مايكل بنبرة صوته الانسيابية:" لقد استأجرت سيارة وسوف أتبعك بها". -باستطاعتك الانتقال غدا. . . قطعت كلامها معه لتتكلم على الهاتف:" هل باستطاعتكم أن ترسلوا سيارة. . . أنهى مايكل المخابرة بانتزاع الهاتف الصغير من يدها. -كيف تجرؤ على ذلك؟ انطلقت الكلمات الغاضبة متقطعة من فمها, وحاولت جاهدة أن تخطف الجهاز الخلوي منه, لكن محاولاتها باءت بالفشل الذريع لأنه أبعده عن متناول يدها. صاحت به:" أعطني الجهاز!". رفع حاجبه بتهكم صامت وهو يراها تضرب الأرض بقدميها من شدة الحنق. سألها بهدوء:" أين أوقفت سيارتك؟". نظرت إليه بعينين متوقدتين, وغاظها أن ظلام الليل أخفى الغضب البادي على وجهها وقالت له:" ألم تحجز غرفة في مكان ما؟". ظهرت مسحة من السخرية على جانب فمه وهو يجيبها:" دفعت الحساب هذا الصباح وغادرت الفندق". شتمت في سرها, ثم قالت له بنبرة جامدة:" سيارتي الهوندا البيضاء المكشوفة". استدارت لتبتعد عنه, لكنه أمسك بذراعها فاستدارت على عقبيها لتواجهه وهي تستشيط غضبا: -ماذا تريد بعد؟ أجابها مايكل بنبرة معتدلة مادا يده لها:" هاتفك الخلوي". خطفت الجهاز من يده وكأن أصابعه شعلة نار ستحرقها. قررت بحنق وهي تجلس خلف مقود سيارتها, وتدير المحرك, أنها ستقودها بسرعة لتتمكن من الإفلات منه. لكن ساندرين هزأت من نفسها بصمت بعد دقائق عندما تجاوزت الإشارة الضوئية وشاهدت في المرآة سيارته تتبعها. لن يدهشها أن يكون مايكل قد اكتشف مكان سكنها, فهي تعرف اهتمامه بأدق التفاصيل. إنه قادر تماما على الوصول إلى بيتها. أيقظها هذا التفكير وجعلها تعدل عن تصرفاتها الحمقاء. قررت ألا تجازف أكثر واختارت تخفيف سرعة سيارتها لتقطع المسافة المتبقية إلى منزلها, وحاولت أن تتجاهل الأضواء الأمامية للسيارة التي تتبعها على بعد بضعة أمتار. أدارت ساندرين الراديو, واختارت محطة عشوائية ورفعت الصوت عاليا. تعالى صوت موسيقى الروك الصاخبة في السيارة وحاولت أن تتابع إيقاعها على أمل أن تلهي نفسها عن التفكير في مايكل. لم يفلح الأمر, فأطفأت الراديو بعد مرور دقائق وأخذت تركز على الطريق. فتحت باب المرآب وأدخلت سيارتها بينما ركن مايكل سيارته الحديثة إلى جانب سيارتها. أقفلت ساندرين باب المرآب لتجد مايكل يفتح صندوق سيارته ويخرج منه حقائب ملابسه. رغبت بتجاهله, لكن مايكل لانييه لم يكن رجلا من السهل تجاهله. شعرت بانقباض مؤلم في معدتها وهي تفتح الباب الفاصل بين المرآب و الفيلا. تمهلت واستدارت نحوه وأخبرته بنبرة تماثل نبرة مضيفة تدل ضيفا: -هناك ثلاث غرف نوم في الطابق العلوي. اختر إحداها. ستجد شراشف نظيفة في الخزانة. لم يرد عليها, فتلاعب صمته بأعصابها. دخلت الردهة ثم توجهت إلى المطبخ من دون أن تضيف كلمة واحدة. كانت الفيلا من الداخل عصرية, وذات إنارة طبيعية. فنوافذها الزجاجية تمتد من الأرض إلى السقف المرتفع. كان الصوت الوحيد المسموع هو ضرب كعبي حذائها الدقيقين على أرضية الرخام وهي تسير إلى المطبخ. وبعد لحظات فاحت رائحة القهوة في المكان. أخرجت ساندرين فنجانين وطبقين وسكرا وحليبا ووضعتها على طاولة المطبخ. ثم ملأت فنجانا وأخذت تتلذذ بشرب القهوة. كان المكان ساكنا, ساكنا أكثر مما ينبغي, فتوجهت إلى غرفة الجلوس وشغلت التلفزيون وحاولت انتقاء محطة ما حتى رست على برنامج أثار اهتمامها. تراقصت المشاهد أمام ناظريها ولكنها لم تركز عليها لأن عقلها انشغل بالرجل الذي اقتحم عليها بيتها. بيتها المؤقت! . . . صححت لنفسها وقد أدركت أن تصوير الفيلم سينتهي في غضون أسبوع أو أسبوعين. وقبل ذلك بالنسبة لها, لأنه لم يبق أمامها سوى بضع لقطات. وماذا بعد ذلك؟. أين ستذهبين بعد ذلك؟. قلبت في ذهنها الخيارات القليلة المتوفرة. الخيار الأول. . العودة إلى سيدني, الخيار الثاني. . . إيجاد عمل في عرض الأزياء, الخيار الثالث. . . لا, لا تريد حتى التفكير في الخيار الثالث. يجب أن يقوم الزواج على أسس المساواة والمشاركة وتفهم كل من الزوجين لحاجات الآخر. سيطرة أحدهما على الآخر هو أمر غير مقبول عندها. انتهت ساندرين من شرب قهوتها, وغسلت الفنجان ثم نظرت إلى ساعتها وتنهدت بشدة. لقد تأخر الوقت وهي متعبة. اللعنة عليها إن كانت ستنتظر مايكل أكثر, كي يظهر. ستخلد إلى النوم. بدا السكون غريبا ووجدت نفسها ترهف السمع لتتبين أقل حركة فيما كانت تصعد الدرج. ولكنها لم تسمع أي صوت. إن كان مايكل قد استحم وأخرج أمتعته من الحقائب ورتب سريره, فقد حقق ذلك في وقت قياسي. استدارت ساندرين إلى الجهة اليمنى عندما وصلت إلى أعلى الدرج ودخلت غرفة النوم التي تستعملها. كانت أنوارها خافتة. وداعبت رائحة الصابون ورائحة عطر رجالي قوية أنفها فيما التفتت ناحية السرير الضخم. شاهدت الغطاء الحريري مرميا عند أسفل السرير وقوام رجل طويل تحت الشرشف. أنه مايكل! رأسه على الوسادة, وعيناه مغمضتان, وأنفاسه بطيئة هادئة. اللعنة, لقد نام على سريرها! حسنا, عزمت بغضب وهي تعبر الغرفة, سيتغير هذا الوضع بسرعة. ومن دون تردد التقطت وسادة رمتها بعنف على مقربة منه. صبت جام غضبها عليه وهي تصر أسنانها:" استيقظ. اللعنة عليك, استيقظ!". رفعت الوسادة ورمتها مرة ثانية:" لن أسمح لك بالنوم في غرفتي!". لم يهتز. ولشدة غيظها رمته بالمخدة على صدره. امتدت يدها مجددا لترفع الوسادة وتضربه ثانية, وتأوهت عندما أمسكت أصابعه بمعصمها من دون رحمة, والشرر يتطاير من عينيه. -هذه غرفتي, وهذا سريري, ولم أسمح لك باحتلال أي منهما. بدت عيناه وكأنهما تخترقان روحها وهو يرد عليها:" أتريدين غرفة منفصلة, وسريرا منفصلا؟ اذهبي واختاري مكانا آخر". اتهمته وهي تشعر بالوهن:" تفعل ذلك عمدا, أليس كذلك؟". شعرت بصداع شديد, فرفعت يديها وأخذت تدلك صدغيها بأصابعها لتخفف الألم. ثم قالت:" لن أنام معك". أجاب مايكل بروية:" هذه كلمة تعني الكثير". أحجمت عن رغبتها بضربه وعضه:" هل تتوقع مني أن أصدق ذلك؟". بدا رائعا. . . وخطيرا كالجحيم. وأرسلت جاذبيته المدمرة إنذار الخطر إلى عروقها. -أتخشين مشاطرتي الفراش يا ساندرين؟ تاقت للصراخ بالإيجاب, إذ يكفي أن تلمسه عرضيا خلال الليل وهي غارقة في النوم, لتنسى حذرها لبضع ثوان. -اللقاء الحميم لن يصلح الخلافات بيننا. -لا أتذكر أنني اقترحت مثل هذا الأمر. تلعثمت وهي تشير إليه وإلى السرير:" إذن ربما تتفضل وتشرح لي لماذا اخترت النوم في غرفتي وعلى سريري". أخذت نفسا عميقا ثم زفرته ببطء, قبل أن تضيف:" لو كان عندك أي إحساس بالنبل, لبحثت عن غرفة أخرى لنفسك!". -لم أدع قط أنني نبيل. رمقته ساندرين باستياء, ووافقته الرأي:" لا, الهمجية هي الصفة الملائمة أكثر!". حذرها مايكل بلطف:" على مهلك يا حبيبتي". لمحت مخدة صغيرة في متناول يدها, فالتقطتها وقذفته بها وهي تقول:" أنا أكرهك". وجدت نفسها ملقية على الفراش في لمح البصر ومايكل يقول:" دعينا نختبر كراهيتك هذه, ما رأيك؟". حاولت أن تخلص يديها من قبضتيه:" لا تفعل ذلك بي". لم يكن كلامها ذلك توسلا, ولاحظ غضبها المفرط وعنادها الجريء وانفعالاتها. جل ما يتطلبه إخضاعها هو شيء من الإقناع الحاذق والمهارة. -كان عليك أن تفكري قبل أن تضربيني بالوسادة. حملت عليه بقوة:" يجب أن تتوقع ردة الفعل هذه, عندما تحاول إيقاعي بشراكك". لم تتغير تعابير وجهه, بيد أنها لمحت مرحا على قسماته. -إذن . . . هل ترغبين بمتابعة اللعب, أو نتوقف عن ذلك؟ هذا خيارك يا ساندرين. أرادت أن تصرخ. . سأقاوم حتى الموت ولو ذهبت إلى الجحيم. غير أنها هي من سيموت, عاطفيا وجسديا وعقليا. وهي لا ترغب أن توفر له هذه السطوة. اقترحت عليه بطريقة مؤثرة:" إن تزحزحت, سأستحم وأبدل ملابسي". -حاضر. . . ابتعد عنها واستلقى على ظهره قائلا: -تصبحين على خير, يا صغيرتي الحلوة. استلقى على جنبه وسحب الغطاء إلى فوق خصره وأغمض عينيه. انزلقت عن السرير بحذر شديد. . . واتجهت إلى الحمام حيث استحمت بنشاط, وتركت الماء الساخن يزيل تشنج رقبتها وعضلات كتفيها. كان مايكل قد خلد إلى النوم, وأخذ يتنفس بعمق وانتظام, عندما عبرت الغرفة لتطفئ النور. سوف ينام لساعات, ومع أنها لن تكون موجودة, لكنها مستعدة للتضحية بأي شيء كي تلمح تعابير وجهه, عندما يستيقظ. ارتسمت على شفتيها ابتسامة ماكرة. يريد ممارسة الألاعيب, فلنر ما سيحدث؟ شعرت بشيء من الرضى وهي ترسم مخططا تلو الآخر حتى استولى عليها النوم ونقلها إلى عالم الأحلام. وتحول الحلم إلى فيلم مثلت فيه دور البطولة من دون أي استذكار للحوار. ☺☻☺☻ 3-اندمي على مهلك استيقظت ساندرين مذعورة على صوت المنبه الحاد, فمدت يدها حالا لتوقفه. لم تستطع أن تصل إليه فنهضت من السرير, وهرعت إليه. كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف صباحا. انسل ضوء الفجر الباكر عبر الستائر المنسدلة على الجدار الزجاجي. فتوجهت ساندرين إلى الخزانة وأخرجت سروال جينز وبلوزة من دون أكمام. ثم أخرجت من أحد الأدراج ثيابا نظيفة ودخلت إلى الحمام. خرجت بعد عشر دقائق, وقد ارتدت ملابسها, ووجهها خال تماما من مساحيق التجميل وشعرها معقود إلى الخلف. لم تلق أي نظرة على السرير أو على شاغله, والتقطت حقيبة يدها وخرجت من الغرفة متجهة إلى المطبخ. وفي غضون ربع ساعة وصلت إلى غرفة الماكياج, تستظهر الحوار الذي يتضمنه دورها, فيما بدأ خبير التجميل يجهزها للوقوف أمام الكاميرا. لم يكن اليوم هانئا, إذ ساد التوتر وبدأت الأعصاب تتشنج مع ارتفاع درجة الحرارة وتقدم النهار, وكادت روح الانضباط تنعدم في الفريق. زاد حضور مايكل إلى موقع العمل بعد ساعة الغداء الطين بله, ووقف في الظل من غير أن يعترض أحد على وجوده. كان الممثلون يؤدون أدوارهم الواحد تلو الآخر. فيما طوني يسعى للكمال, محاولا التأثير على مايكل. حاولت ساندرين جهدها تجنب وجود زوجها المهيمن لكن من دون جدوى, ففقدت تركيزها كليا. سألته بصوت خفيض خلال فترة الراحة:" ماذا تفعل هنا؟". مال مايكل إليها وطبع قبلة على أعلى خدها قائلا:" حبيبتي, أبهذه الطريقة تحيين زوجك؟". -أرجوك اذهب. لاحظت شيئا من السخرية على أطراف فمه, وشعرت برغبة مكبوتة في الصراخ. رد متهكما:" سأستثمر مبلغا كبيرا لكي أنقذ المشروع, وأظن أن علي أن أتفقد العمل". -من المفترض أن يقتصر موقع التصوير على العاملين فقط. -جئت بناء على دعوة من طوني. -أتخيل أنك رميت شباكك بمهارة, وهكذا أكل مخرجنا المبجل الطعم؟ لم تأخذ الابتسامة التي ارتسمت على وجهه طريقها إلى عينيه:" أنت تعرفينني جيدا". لا, أرادت أن تنقض قوله. ظنت أنها تعرفه, ولكنها تشعر الآن أنها تكاد لا تعرف عنه شيئا. -إلى متى تنوي البقاء؟ رفع يده ومسح بأنامله خدها وأجاب:" في موقع التصوير؟ حتى تنتهي من العمل. لماذا تسألين؟ هل يضايقك وجودي؟". كشرت عن أنيابها وردت:" أليست هذه غايتك من المجيء؟". رد عليها وهو يراقبها وقد استدارت عنه من دون أن تنبس بكلمة وابتعدت لالتقاط نسخة من حوار الفيلم:"أليس من المفترض أن تستظهري الحوار؟". وازداد الوضع سوءا مع دنو كايت ليندن في هذه اللحظة من مايكل لتمارس سحرها الأنثوي. وبدأ مايكل يتجاوب معها بأدب وتهذيب. هل هذه خدعة لإثارة غيرتها؟ لقد نجحت, أليس كذلك؟ يا لها من فتاة مؤذية حقيرة. شعرت ساندرين بانقباض شديد في معدتها وهي تراجع حوار المشهد اللاحق الذي ستصوره دونما تفكير. اللعنة على مايكل, لأجل كل ما أقدم عليه, لاسيما اقتحامه مجال عملها. -هيا, ليأخذ كل واحد مكانه. حمدت ساندرين الله على رأفته بها, وهي تتأهب لتقمص شخصيتها في الفيلم. انتهت ساندرين من تصوير دورها عند العصر, وعلمت أن حضورها لتصوير المشاهد الأخيرة غير مطلوب قبل يوم الثلاثاء. كانت الساعة قد بلغت الخامسة مساء عندما وصلت إلى موقف السيارات. وأخرجت مفتاح سيارتها من حقيبة اليد واتجهت نحوها. -أتأملين بالتسلل من دون أن يلاحظك أحد؟ وجدت مايكل يسير إلى جانبها, فسارعت الخطى من دون أن تجيبه. وضعت المفتاح في قفل الباب وفتحته, ثم صعدت وراء المقود وأدارت المحرك. كان من المثير أن تبتعد عنه, فيبتلع غبار السيارة. ولكنها لم تنجح إذ اضطرت للتقيد بالحد الأقصى للسرعة. على أي حال, ما إن خرجت إلى الطريق الرئيس حتى زادت من سرعة سيارتها. لكنها لا تريد المخاطرة بخسارة حياتها أو فقدان أحد أطرافها, أو حتى بمخالفة السرعة, لكن السرعة خففت بعضا من توترها. وصلت ساندرين إلى منزلها في وقت قياسي, وصعدت الدرج بخفة, ثم نزعت عنها ملابسها وارتدت ثوب سباحة. كان ماء البركة البارد منعشا, وسبحت مرات عدة قبل أن تستلقي على ظهرها باسترخاء. وكان من السهل جدا ترك العنان لأفكارها والتأمل في أحداث يومها. ومايكل. . أيضا. لم تنم جيدا الليلة الماضية. فقد أمضت معظم الوقت تتساءل عن الحكمة في مشاطرته سريرا واحدا. كان ذلك جنونا, تصرفا أحمق, وتلذذا بتعذيب النفس. أن تستلقي قريبة جدا, و مع ذلك بعيدة جدا عنه, مزق عواطفها وجعلها نتفا. ماذا كان ليفعل لو اقتربت منه؟ إذا تجاهلها فسوف تموت من الخزي. وإن تجاوب معها, فكيف لها أن تعالج التداعيات اللاحقة؟. سيكون تناغم القلب والعقل والروح مفقودا, بشكل ما لن تكون أية علاقة بينهما كافية. قالت في ذهنها إنها مجنونة وفاقدة العقل. إن أي امرأة أخرى لتمسكت وتمتعت بكل ما توفره الثروة والمكانة الاجتماعية, وتعلقت به لتشاركه هذه الحياة. ويا لها من حياة! حتى التفكير بها يجعل الدفء يغمر جسدها, وكل عرق فيها يرتعش بانتظار ما سيحدث, ويجعل توازنها في خضم الأحاسيس التي تجرفها. كان الأمر سيئا بما يكفي والمحيط يفصل بينهما. ولكنه الآن هنا, وهذا أسوأ بآلاف المرات. فكرت أن في الأمر سحرا, نوعا من الشعوذة التي تستعصي على أي تحليل منطقي. أن تنفصل عنه بعد ليلة طويلة وأن تعد الساعات حتى اجتماعهما ثانية. أن تواجه هذه الحاجة لرؤيته وتغذيها بمكالمة هاتفية تتضمن وعدا يقال بنعومة. أن تتسلم وردة حمراء. أن يتبادلا تلك النظرات الخاصة بالعشاق, المليئة بالانتظار والتلهف والشوق. هل هذا هو الحب؟ الحب الذي تموت من أجله, والذي يدوم حتى يفصل الموت بين الحبيبين؟ أم أنه شيء آخر لا علاقة له بالحب؟ كانت تظن أن زواجهما يتضمن الناحيتين, حتى تشاجرا لأول مرة فداخلها الشك. -أرجو أن تكوني سارحة في أفكار مفيدة؟ دفعها الصوت إلى أن تستدير قليلا, وتنتصب في مواجهة الرجل الطويل الذي يقف عند حافة البركة. كان مايكل قد خلع سترته وربطة عنقه وفك زري قميصه العلويين. بدا شعره مشعثا قليلا, وكأنه مرر أصابعه على عجل في خصلاته المسرحة. سألته:" كم مضى عليك وأنت تقف هكذا؟". -وهل في هذا فرق؟ مراقبته لها على غير علم منها يصل تقريبا إلى مستوى التعدي على خصوصياتها. ولم يعجبها ذلك البتة. سبحت إلى حافة البركة, ولما كانت المنشفة بعيدة عن متناول يدها, وقفت على قدميها والتقطتها بحركة سريعة. لم يفتها التعبير الهازئ على وجهه, وهي تجفف الماء عن جسمها بشدة, قبل أن تبدأ بتجفيف شعرها. -لقد حجزت طاولة للعشاء في فندق حياة. سمعت ساندرين ما قاله ولكنها اختارت بلحظتها أن تتجاهل ذلك. ثم ردت بهدوء:" أنا واثقة من أنك ستستمتع بالوجبة. لقد سمعت أن الطاهي هناك ممتاز". -الطاولة محجوزة لشخصين. عند الساعة السابعة. -لن أسهر بانتظارك. -أمامك ساعة, لتستحمي وتجهزي نفسك. حملقت به وقالت:" لن أرافقك إلى أي مكان". -اللعنة, أنت تستنفذين صبري! -وأنت أيضا تستنفذ صبري. -هل من الغريب أن أرغب بتناول الطعام مع زوجتي في أجواء ممتعة؟ أجابت برقة:" لا, إن كانت زوجتك موافقة. وفي هذه اللحظة, ليست كذلك!". -ساندرين. . . -لا تهددني يا مايكل. حاولت التمسك بالوقار ولكنها لم تفلح تماما. اخترقت نظراتها الحارقة والمنفعلة عينيه وهي تضيف:" أرفض الخضوع لكل رغبة تبديها أو اقتراح تقدمه". -هل تفضلين أن نتناول الطعام هنا؟. ارتجف جسمها قليلا من شدة الغضب وشدت قبضتها على المنشفة: -ألم تفهم بعد؟ لا أريد أن أتناول الطعام معك, في أي مكان. ضاقت عيناه وهو يقول:" أنت ترتعشين". فردت بسخرية:" يا لسرعة ملاحظتك. والآن أعذرني, فسأذهب لآخذ حمام ساخن". ابتعدت عنه, وهي تبذل جهدا لكي تتجاهل جاذبيته, ونداءات قلبها. فكرت وهي تصعد إلى الطابق العلوي بخفة, أنه لم يتبق غير أسبوعين, أو ربما أقل للانتهاء من تصوير الفيلم. هل باستطاعتها المجازفة والإقامة في المنزل نفسه ومشاطرة السرير ذاته مع رجل عازم على استغلال أي فرصة تلوح له؟. عندما خرجت من الحمام بعد عشر دقائق, جمدت في مكانها إذ رأت مايكل يهم بخلع ملابسه. أشارت له بصوت مخنوق قليلا: -هناك غرفتا حمام أخريان في هذا الطابق. -هل تعترضين على استخدام الحمام ذاته؟ ما أحلاه! يناورها ويتهكم عليها بتعقل. ردت عليه, وقد استعادت توازنها فيما كانت تعبر الغرفة لأخذ ملابس نظيفة: -نعم, إذا أخذنا في الحسبان أن غايتك الرئيسية هي إخراجي عن طوري. -أهذا إقرار بأنني أفلحت يا ساندرين؟. ردت عليه وهي تعلم أنها تكذب:" لا, إطلاقا". إلا أن أعصابها توترت لمجرد التفكير فيه. وأدت مراقبة مايكل وهو يعبر الغرفة إلى الحمام إلى استباحة أعصابها أكثر, خاصة وهي تتأمل قامته الفارعة ومنكبيه العريضين وصدره الواسع وخصره النحيف. ارتعشت قليلا عندما وصلت الذكرى إلى شعورها عندما يضمها إليه. أصبح بإمكانها تقريبا أن تشم رائحة شذى الصابون المفعم بالنضارة وعبير العطر الرجالي النفاذ. لديه الهالة والقوة والبراعة لجعل أي امرأة تفقد صوابها. أحست بالمرارة, لأن جزءا منها يريده بقوة ومن دون مساءلة أو كلام. استذكرت الاتهامات التي تبادلاها قل سبعة أسابيع, وركزت تفكيرها عليها, فثارت بصمت على نفسها. كانت تنظر إلى مايكل, على أنه رجل تحبه من كل قلبها, رجل وضعت ثقتها به وآمنت أن حياتهما وحبهما سيدومان إلى الأبد. . أما الآن فأصبحت تنظر إليه وكأنه غريب عنها. نزعت ساندرين المنشفة عن رأسها بحركة عنيفة وهزت شعرها الذي انسدلت خصلاته على كتفيها كخيوط الحرير الأسود. ماذا يقول المثل؟ تزوجي على عجل واندمي على مهل؟ ماذا كان ليحصل لو بقيت؟ لو ألغت حجز رحلتها وجازفت بخرق العقد مع الاستديو؟ هل كانا ليتوصلا إلى حل؟ أم أن رحيلها المفاجئ عجل بانفصالهما؟ سبعة أسابيع. أسابيع يمكن أن تعتبر فترة وجيزة أو دهر. -هل تنوين ارتداء هذه الملابس للذهاب إلى العشاء؟ أمسكت بخصلات شعرها وأخذت ترفعها وهي تجيب:" أنا لا أعتزم التأنق". -اتركيه منسدلا. لم تتخاذل يداها وهي تغرز دبابيس الشعر:" أشعر بالبرودة أكثر عندما أرفعه هكذا". زرر مايكل قميصه وشد حزام سرواله ثم لبس جواربه وانتعل الحذاء. -ألن تضعي مساحيق تجميل؟. جابهته ساندرين:" لماذا؟ أنا لا أعتزم الذهاب إلى أي مكان". لم تتغير تعابير وجهه ولكن نظراته أصبحت قاسية:" سوف أذهب في غضون خمس دقائق, معك أو بدونك يا ساندرين. وعليك أن تختاري". استدارت لتواجهه:" باستطاعتك الاتصال بـ كايت في أي وقت. ستموت لتكون معك في أي مكان". خرجت من الغرفة وتوجهت إلى المطبخ في الطابق الأرضي من دون أن تضيف أي كلمة أخرى. كانت علبة السردين والسلطة بديلين متواضعين عما سيقدمه لها مايكل. وقالت في سرها, وهي تسمعه يصفق الباب ثم يدير محرك سيارته, إن كل هذا لا يهمها. وفي العاشرة, أطفأت الأنوار وصعدت للخلود إلى الفراش. ترددت لبضع دقائق في اختيار الفراش, وهي تفكر في أن غرفة النوم الرئيسية غرفتها, وإن كان مايكل مصمما أن يجعلها غرفته. فليكن له ما يريد وليعاني لأنها لن تتزحزح. ومع ذلك, مشاركته الفراش هي مثل اللعب بالنار, وهي لا تريد أن تحرقها. وبهذه الأفكار, فرشت الأغطية وسوت السرير في غرفة النوم الأبعد عن الغرفة الرئيسية, ثم نقلت بعضا من أمتعتها الضرورية وأدوات الزينة واندست بين الأغطية الباردة وأطفأت النور. وبعد أن أمضت فترة خالتها من دون نهاية وهي تتقلب على السرير, اقتربت حافية القدمين من النافذة, لتقفل النوافذ جيدا. جفاها النوم تماما وحاولت جهدها التفكير بأمور ممتعة ومريحة, غير أن الصور التي ارتسمت في ذهنها, كانت لمايكل, فانبطحت على بطنها وأخذت تخبط المخدة بكلتي يديها. هل عاد إلى البيت؟ لم تسمع أي صوت يدل على عودته. قلبت ساندرين في ذهنها سيناريوهات لا تعد ولا تحصى. . وفي كل واحد منها كانت تلغي مايكل تماما حتى أخذها عقلها الباطن في أحلام يقظة بدت أشبه بالحقيقة. كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلا عندما دخلت سيارته المرآب. دخل مايكل المنزل وأضاء النور وهو يصعد إلى الطابق العلوي. أحس بالأسى عندما وجد سريره خاليا, ثم بادر إلى البحث بسرعة وهدوء في الغرف الأخرى, وأحس بالسعادة عندما وجد زوجته. وقف عند باب الغرفة المفتوح لدقائق طويلة, ثم سار إلى السرير. يا لجمالها, ويا لشخصيتها الفريدة, وروحها المتوثبة. أراد أن يمس شعرها ويبعده عن جبهتها. تبا! إنه يرغب بأكثر من ذلك. همس بشتيمة أخرى بين شفتيه, وجهها إلى نفسه لأنه قدم التزامه في العمل على حبه لزوجته. فبدلا من أن يأخذ الرحلة التالية ليلحق بها, انغمس في مفاوضات مالية دقيقة جدا. وأمن على سلامة ساندرين بتوظيف شخصين لحراستها على مدار الأربع وعشرين ساعة. كانت براعته في التفاوض في حقل الأعمال محط إعجاب أقرانه والنساء يسعين وراءه من أجل ثروته ومركزه الاجتماعي. حتى التقى ساندرين. ساندرين, المفتقرة إلى المكر والدهاء والتكلف, ذات الضحكة المتواضعة المعدية, والابتسامة التي تضيء وجهها وتجعل عينيها تومضان بدفء يخترق القلب مباشرة. وقع في حبها من النظرة الأولى, وأرادها, لكن حاسته السادسة نبهته إلى أن المسألة أبعد من ذلك, بكثير. إنها أغلى ما يملك, وأراد من البداية أن يحرسها ويحميها. ولم يكن ليوافق على سفرها إلى الطرف الآخر من العالم من دون أن يرافقها. لكن توقيت رحلتها لم يكن مناسبا, نظرا للمسؤوليات الملقاة على عاتقه. ارتسمت على فمه ابتسامة تحسر. يمكنه أن ينقذ الفيلم المشرف على الإفلاس وأن يستخدم الابتزاز لإنقاذ زواجه. ما هو المثل الذي يقال في هذه الحالة؟ يصيب عصفورين بحجر واحد؟ إنقاذ الفيلم لا يعد مشكلة, إنما لن تكون ساندرين مهمة سهلة. وهذا هو التحدي الأهم في حياته, وقد صمم على الانتصار. لفت انتباهه صوت خافت, وراقبها وهي تتقلب بتململ. فكر في أنها تبدو عاجزة. وتأمل أهدابها الطويلة ووجهها الجميل. اندفعت فيه المشاعر, وهو يتأملها بحنان. تحركت قليلا ثم استكانت. استلقى بدوره بصمت ومن دون حراك وهو يحدق في الظلام حتى استسلم للنوم أخيرا. ☺☻☺☻ 4-انتقام من نوع آخر أفاقت ساندرين شيئا فشيئا, وأخذ النشاط يدب في أوصالها ببطء. واستعدت للقاء يوم جديد, نافضة عنها رداء النوم الثقيل. تنبهت وهي تتنهد بارتياح, إلى أنه يوم الأحد, وليست مضطرة أن تنطلق إلى الاستديو في الصباح الباكر. وبعد هنيهة, لاحظت أنها لم تكن في السرير ذاته أو الغرفة التي انتقلت إليها الليلة الفائتة. والأدهى من ذلك, أنها لم تكن بمفردها. أحكمت ذراع رجل شدها إلى جسمه القوي, وكان رجلا طافحا بالقوة والإثارة. كانت يد مايكل تحتضنها, فأحست بإيقاع دقات قلبه المنتظمة قرب كتفها. رباه, الرحمة! لم يعنها دعاؤها بأن يكون ذلك حلما لا غير, فلا أحد يحلم وعيناه مفتوحتان. كانت أفكارها تعكس أحاسيسها المتناقضة فيما هي تفكر بما يجب أن تفعله. إن حافظت على انتظام تنفسها وتحركت ببطء, قد يلاحظ مايكل ذلك, وتتمكن من التحرر من قبضته والنهوض من السرير. إنه تصرف سخيف وعنفت نفسها بصمت بعد ثوان, إذ شدد قبضته عليها بصورة لا إرادية, ما إن تحركت. ماذا ستفعل الآن؟ أتغرز مرفقها في أضلاعه؟ أم تلكمه على ذراعه؟ ربما الاثنين معا؟ نعم, هذا قد ينجح. همس صوت عميق بالقرب من أذنها بتشدق:" أتخططين للهجوم علي؟". ردت عليه بصوت مرتعش, وهي تحاول تسديد ضربة قاسية إليه بمرفقها:" لقد حزرت تماما". . . . ولكنها أخطأت الهدف عندما نجح في تجنب الضربة. فصرخت به غاضبة:" اتركني!". سألها متهكما:" من فضلك؟". -اذهب إلى الجحيم. -إذا كنت تريدين أن تلعبي. . . ردت عليه بلهجة حقودة, فيما كانت تتلوى لتحرير نفسها من قبضته من دون فائدة: -أنت تستمتع بهكذا تصرفات, أليس كذلك؟ -ليس تماما. أفضل أن تكون المرأة سلسة وطيعة بين ذراعي. -أنت تحلم. -هل تريدين أن أثبت لك كيف أستطيع بسهولة تغيير رأيك؟. بقيت ساندرين مستلقية من دون حراك, وهي تحاول أن تسيطر على التسارع الفجائي في تنفسها. عانقها برقة. . . -هل هذا ضمن الاتفاق الذي أصريت عليه؟ انقلب على ظهره بحركة رشيقة. بدت قسماته داكنة بسبب شعر ذقنه الظاهر, وبانت في عينيه نظرات مترصدة, تقويمية, تتفحصها بصورة غير واضحة. قدرت وهي ترتعش, أنه خطر جدا. إنه يماثل نمرا كسولا, فاتر الهمة, لكن منظره يوحي بالشراسة والقوة. فإذا ما تلفظت بكلمة واحدة, أو أقدمت على حركة في غير محلها ستتلاشى البرودة بسرعة. أقل ما يقال عن وضعها إنه معلق بطرف خيط رفيع جدا. رفع يده ومسح خدها بقفا أصابعه, ثم أدارها ليمسك بذقنها وقال:" هذا تفسيرك وليس تفسيري". -لقد انتقلت إلى غرفة أخرى بمزاجي. -وأنا أعدتك إلى هنا. استفهمت منه بتهكم متعمد:" ألانك لا تحب أن تنام بمفردك؟". أومأ موافقا فسألته: -هل تتوقع مني أن أصدق ذلك؟ وعنك؟ ران صمت لبضع ثوان, وعندما تكلم, جاءت نبرة صوته حريرية. -تعاودني ذكرى الليالي الطوال التي أمضيناها معا, يا حبيبتي. وهي فعلا كذلك. الليالي التي كانت فيها زوجة طيعة. ردت ساندرين ببطء, بعد أن لمحت ابتسامته المتحسرة:" كان ذلك في ما مضى". رفعها بحركة رشيقة لتقف على قدميها ثم نهض بدوره من السرير: -إذن. في هذه الحالة, لنرتدي ملابسنا وننزل لتناول الفطور. قررت أن تحمل ملابسها إلى الحمام. وما هي إلا ثوان, حتى استقرت بأمان خلف باب الحمام الموصد, في خلوة تامة. لم يكن للأبواب الداخلية أقفال, فاستحمت بسرعة وارتدت ملابسها ثم خرجت لتجد غرفة النوم خالية. نزلت ساندرين الدرج, وقد شدتها رائحة القهوة الطازجة, من المطبخ. لقد بدا مايكل على سجيته تماما, في سروال جينز أسود وقميص أبيض. كان مظهره رجوليا من دون أي تحفظ. ذكرتها حركاته بالأوقات التي أمضياها معا في تحضير الفطور, وبالصحبة الهنيئة بينهما. حينها كانت تقرصه, دون رحمة, وتثني على مهارته ثم تنطلق بضحكة مبحوحة فيحملها إلى عالمه. أما الآن, فقد ملأت كوبين بعصير البرتقال بصمت وصبت القهوة ووضعتها على طاولة الطعام. وضع مايكل أمامها صحنا من العجة, يتصاعد البخار منه ثم جلس على المقعد قبالتها. شعرت وكأن معدتها تشنجت, وانزعجت كثيرا إذ بدا أن شهيته لم تتأثر البتة. صب مايكل المزيد من القهوة في كوبه الفارغ وأضاف السكر ثم أزاح صحنه جانبا واسترخى في مقعده: -لدينا اليوم بطوله. ماذا تقترحين أن نفعل؟ أعادت وضع فنجانها على الطاولة وبادلته النظرات الحادة بمثلها:" أعتزم التسوق". -ماذا بالتحديد؟ ردت عليه بإيجاز:" الطعام. أشياء ضرورية. . الخبز والحليب والبيض والفاكهة". -وبعد ذلك؟ -أركب السيارة وأستكشف المنطقة قليلا. نهض مايكل وأخذ ينظف الطاولة:" سأقود السيارة, وستلعبين دور المرشد". -عفوا؟ ألقى نظرة هازئة نمت عن طول أناته وصبره عليها:" سوف نذهب إلى السوق أولا. ثم ننطلق في رحلة استكشاف". -منذ متى أصبحت (أنا) (نحن)؟ كان صمته معبرا, فضلا عن قسمات وجهه, فحولت نظراتها عنه, وانشغلت بتنظيف المائدة. -وماذا لو كنت أفضل أن أبقى وحيدة؟ -كفى إيذاء يا ساندرين. لم يتطلب منها تنظيف الصحون من بقايا الطعام ووضعها في غسالة الصحون غير دقائق قليلة, ثم تأبطت حقيبة يدها ووضعت نظارات شمسية على رأسها وسارت إلى المرآب غير مهتمة إن تبعها مايكل أم لم يفعل. لم يكن شراء حاجيات المنزل يتطلب أكثر من خمس دقائق, لكن ساندرين تلكأت في اختيار الفواكه وأنواع الخس ثم ارتأت أن تقصد فرنا محليا لشراء الخبز الطازج بدلا من شرائه من المحلات. أضاف مايكل بضعة أصناف اختارها بنفسه, وبدا مرحا قليلا عندما رفضت أصنافا أخرى. رجعا إلى الفيلا بعد نصف ساعة ووضعا المشتريات في المطبخ ثم عادا إلى السيارة. -إلى أين؟ ردت ساندرين فيما كان مايكل يمر بالسيارة عبر البوابة:" هنالك الجبال والشواطئ و أماكن اللهو. وما عليك سوى الاختيار". -نووسا. ألقت عليه نظرة مجفلة:" إنها تبعد ساعتين بالسيارة إلى الشمال". هز كتفه قليلا غير مبال:" أهناك مشكلة في ذلك؟". -لا, لا أظن ذلك. وصل إلى ميدان واسع وأخذ يدور حوله:" أرشديني يا ساندرين". أرشدته للخروج إلى الطريق السريع, فانضما بسيارتهما إلى فيض السيارات المتجهة شمالا, ثم انعطفا بعد ساعة إلى شاطئ سانشاين. وبعد فترة وجيزة, قاد السيارة عبر أراض مزروعة بقصب السكر و الأفوكادو و الفريز و الأناناس ومجموعة متنوعة من الأشجار المثمرة. قرأت ساندرين الدليل السياحي: -جبال غلاس هاوس. بلدات مونتفيل و فيلني, تشتهران بمناظرهما الطبيعية والأشغال اليدوية ومقاهي الشاي الظريفة. -نقصدهما غدا. عبست وألقت عليه نظرة سريعة. كان من الصعب تحديد معنى تعابيره لأنه وضع على عينيه نظارات شمسية غامقة اللون وصب تركيزه على الطريق أمامه. سألته:" ماذا تعني. . . غدا؟". أوضح مايكل متسلحا بالصبر:" سوف نعرج عليها في طريق عودتنا إلى الساحل". -هل تنوي قضاء الليلة في نووسا؟". -أهناك مشكلة؟ أجابته بحدة:" ثق تماما بأنها مشكلة. أولا, لم أحمل معي ملابس". -إنه موقع سياحي والمحلات مفتوحة. وسوف أشتري ما تحتاجين إليه. التفتت إليه بغضب لم تفلح بمداراته:" هل خططت لهذا الأمر؟". رد عليها بجواب منطقي:" بدا لي أن العودة إلى الساحل الليلة, لنعود أدراجنا في الغد, تصرف غبي". -ولكنك لم تطلب رأيي! -وأعطيك الفرصة لتتمنعي؟ حدجته بنظرة حارقة:" أنا أكره أن أكون مختطفة". -اعتبري الأمر مغامرة. يا لها من مغامرة!َ إن استطاعت أن تمضي الساعات القادمة من دون أن تضربه. فسيكون ذلك معجزة. -لو عرفت أن هذا ما يدور في بالك, لجلبت معي السيناريو. ربما لم يخطر لك أنني سأتابع التصوير يوم الثلاثاء ويجب أن أحفظ الحوار! -عرفت من مصدر موثوق أن الحوار قليل, وما عدا الحاجة إلى إعادة تصوير المشاهد, ستنتهين من لعب دورك عند الظهيرة. -أنا أكرهك. -الكراهية عاطفة قوية, وهي أفضل من عدم الاكتراث. -لقد تجاوزت لتوك مفترق الطريق. رد عليها مستهزئا وهو يخفض سرعة السيارة ويستدير بها:" السبب في ذلك تشتيت انتباه المرشد". زمت شفتيها وأحجمت عن قول أي كلمة أخرى غير إرشادات مقتضبة وواضحة. اختار مايكل الفندق الأكثر فخامة على طول شارع هاستينغ الرئيس ووضع السيارة في موقف السيارات, ثم قادها إلى ردهة الاستقبال. اكتشفت ساندرين أن جناحهما يطل على النهر. والمنظر الهادئ يخالف منظر الشاطئ الذهبي. أعلن مايكل حلول وقت الغداء:" دعينا نذهب إلى مكان ما لتناول الطعام". التفتت ساندرين إليه:" أنا لا أرغب في الاشتراك في اللعبة التي اخترت أن تلعبها". -وما هي بالتحديد؟ أقرت بنبرة جافة:" أنت مناور فائق الحنكة". -أهذا مدح أم هجاء؟ -كلاهما معا. رد عليها بحسرة مفكرا:" شكرا. ما هي اللعبة التي تتخيلين أنني ألعبها؟". -نوع من الانتقام. لم يتظاهر بعدم الفهم:" أتقصدين إبقاءك مترقبة حتى أتم الصفقة؟". -نعم. رغب في قطع المسافة بينهما وهزها إلى أن تطلب الرحمة. ولكنه بدلا من ذلك, دس يدا في جيب سرواله وقال بعد أن تحكم بطبقة صوته: -ما رأيك لو قلت لك, الليلة؟ انقبض شيء ما داخل معدتها وانعقد بشكل مؤلم وقاس:" ولماذا الانتظار؟ لم ليس الآن؟". -هل لديك طلبات محددة؟ يا للسماء! كيف أمكنها أن تتكلم بمثل هذا الصوت الهادئ فيما هي ترتعش في داخلها مثل ورقة في مهب الرياح؟ -نوريني. -أنت الذي يمسك زمام المبادرة. وقفت من دون حراك تماما, ونظراته الثابتة لا تتزحزح. اللعنة عليه, إنه لن يمد لها يد العون. اجتازت الغرفة بخطوات بطيئة وثابتة إلى حيث يقف. حثها صوت رفيع, تظاهري باللامبالاة, ودعيه يشعر أنه لا يعني لك شيئا. لقد جرها هذا القدر من التحدي إلى تنفيذ رغباته الشيطانية. وفيما هي تغلي في داخلها بدا هو في قمة السعادة. أغمضت ساندرين عينيها للحظات ثم فتحتهما ثانية. لم يكن مايكل بمثل هذا البرود يوما. هنالك جزء منها يتلهف إلى زوجها. ودت أن تضيع في عالم الأحاسيس العاطفية والروحية, فيتشاطران معا وحدة الجسد والروح. كان أمرا جيدا. . . وصححت . . . أكثر من جيد. أمسكت يد ذقنها ورفعتها كي تنظر إليه. مسح بإبهامه خدها بتمهل. ابتلعت ساندرين ريقها لا إراديا. أرادت أن تبتعد عنه ولكن العينين الرماديتين الداكنتين أجبرتاها على التحديق بهما. ثم أحنى رأسه وعانقها. . * * * سألها برقة:" كل شيء على ما يرام؟". ماذا باستطاعتها أن تقول. لم تجد كلمة مناسبة واحدة, واستطاعت أخيرا أن تقول:" عاجزة عن الكلام". أوضح سؤاله ببطء:" أقصدك أنت". -لا بأس. أنت تكذبين, أنبها صوت في داخلها. فما زالت تتوجعين من معاناة لا علاقة لها بالألم الجسدي. لاحظ مايكل الكآبة في تينك العينين الجميلتين المضيئتين, وتسارع نبضها فمال إليها وطبع قبلة على خدها, ثم أزاح بلطف خصلة شعر منسدلة على خدها. أرادت ساندرين أن تغمض عينيها وتحجب عنها مرآه, ولكنها لم تستطع. وعوضا عن ذلك زمت شفتيها بصمت مدعية الاحتجاج والعتاب. أعلنت وهي تنزلق عن السرير بحركة واحدة رشيقة, قاصدة الحمام:" وقت الغداء, أنا جائعة". لم ترغب بالشجار. فهي لا تملك الطاقة أو الميل في هذه اللحظة لتفعل أي شيء. وقفت تحت رذاذ ماء الدوش لتغتسل, ثم فتحت الباب الزجاجي ومدت يدها والتقطت منشفة. عندما خرج مايكل من الحمام كانت ساندرين قد ارتدت ملابسها ورفعت شعرها فوق رأسها, وأخذت بوضع أحمر الشفاه. ارتدى ملابسه, ومرر أصابعه في شعره المبتل ثم مال برأسه مازحا ولوح بذراعه إلى الباب قائلا:" تفضلي أمامي". ☺☻☺☻ 5-مخالب امرأة انتقيا مطعما صغيرا وحميما, واختارا طاولة في الخارج, تحت مظلة كبيرة. رفضت ساندرين أن تطلب شيئا آخر غير المعجنات واكتفت بقهوة سادة. -هل استمتعت بالطعام؟ نظرت إلى الرجل الجالس قبالتها, وكافحت موجة غامرة من الأحاسيس. كيف يمكن له ترك هذا التأثير المزلزل عليها؟ يا لجاذبيته الفطرية. -نعم, أشكرك. التوى فمه بابتسامة ضعيفة:" جواب مؤدب جدا. أتريدين مزيدا من القهوة؟". هزت رأسها نفيا. ثم راقبته وهو يلوح بيده للنادل كي يجلب ورقة الحساب. -جاهزة للذهاب؟ سألها مايكل بعد بضع دقائق, فنهضت ساندرين على قدميها من دون جدال. تمشيا معا في الشارع الرئيسي, يتوقفان من حين إلى آخر أمام واجهات المحلات. واشترت ساندرين بطاقات عدة ولوسيون مرطب وكريم واق من أشعة الشمس. وأصرت على دفع الثمن بنفسها. واشترت بواسطة بطاقة اعتمادها ثوب سباحة وثوبا أزرق جميلا. سألها مايكل وهما يضعان أكياس المشتريات في جناحهما بالفندق:" بركة السباحة أم المحيط؟". لم تتردد أبدا:" المحيط". لم يستغرق أمر تغيير ملابسها وأخذ المناشف وعبور الشارع إلى الشاطئ سوى دقائق معدودة. كان البحر هادئا بأمواجه الصغيرة المتكسرة على الشاطئ. فيما بدا الخليج بصخوره الناتئة وسفحه المنحدر من ربوة خضراء آية في الجمال و العذوبة. يا لها من نعمة! فكرت ساندرين بصمت وهي تفرش منشفتها تحت مظلة نصبها مايكل. تمشيا بعد عشرين دقيقة عبر الرمال إلى طرف الماء, ثم سارا بضع خطوات فيه, حتى غمرتهما المياه الزرقاء, ليطفوا على السطح ثانية ويكربا عباب الأمواج, سابحين بموازاة الشاطئ. فكرت وهي تتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تلف العديد من المنازل ذات الألوان الزاهية, المنتشرة على طول الشاطئ, أن سكينة لا متناهية تكتنف المحيط اللامحدود وإحساس بالتوحد مع الطبيعة يختلف تماما عن بركة السباحة. كم من الوقت مر على آخر عطلة قضتها في نووسا؟ سنوات! أدركت ذلك بحسرة, وهي تتذكر كيف قضتها مع والديها خلال عطلة منتصف السنة الدراسية. سبقت تلك الأيام تمزق عائلتها بسبب الطلاق, وشعور المرارة الذي ملأ قلبها وتضارب الولاء مع اقتران كل من والديها بشخص آخر. تكفلت المدارس الداخلية المقتصرة على طبقة معينة بتوفير ملجأ آمن لها, فلم تعد تشعر بالانتماء إلى أي من العائلتين. وجدت دائما الحب والترحيب في كل مرة تأتي فيها للزيارة. ولطالما اعتقدت أن ارتباكها ناجم عن حساسيتها للأمر. عوضت عن ذلك النقص بالاعتماد على نفسها, والكفاح الدؤوب ثم النجاح. كل ذلك جرى بعصامية. واستطاعت أن تستخدم موهبتها في الخطابة والتمثيل, فبدأت في مسرحيات مدرسية وعرض الأزياء. ثم تولى ظهورها في إعلانات تلفزيونية, أما الباقي فأشبه بقصص الأحلام, عندما عرض عليها دور في مسلسل للتلفزيون الاسترالي. لقد كان قيامها بعرض أزياء في نيويورك ودعوتها إلى حفلة كان مايكل في مقدمة الحضور فيها, حدثين غيرا حياتها. -هل عقدت العزم على الانفراد بذاتك؟ اتسعت عينا ساندرين لهذا الصوت المألوف والتفتت لترى مايكل قربها. لم يؤثر الشعر المبتل والماء الذي يسيل على وجهه على كمال قسماته المنحوتة أو يقللا من قوته التي تظهر من دون أي جهد. -لا. -أتودين استخدام يديك في شيء آخر مليء بالمغامرة؟ لم تستطع أن تقرأ تعابير وجهه, فيما عيناه تراقبانها بعزم بالغ, أربكها, فسألته: -مثل ماذا؟ -ركوب الأمواج أو التزلج على الماء أو التزحلق السريع؟ -أنت تمزح من دون شك؟ تابع مايكل وكأنها لم تتكلم:" هل نستأجر زورقا ونستكشف الرياضات المائية؟". قبضت بيدها حفنة من الماء ورشته بها, فحذرها:" أستطيع الاقتصاص منك". -أنا أرتجف. ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة:" يمكن تأجيل ذلك". وظهر في عينيه وميض دافئ وهادف تمكن من زعزعة عزيمتها. نظراتها المتشابكة مع نظراته جعلتها تحس به إلى درجة مخيفة وغامضة. لم تشأ أن تعلق في شباك جاذبيته, لأنها تؤثر على المنطق وتقضي على أي تفكير سليم. استشعر مايكل ترددها, وعرف سببه, ولهذا قرر إعطاءها مهلة قصيرة للاسترخاء: -سوف أسابقك إلى الشاطئ. ساوى بين ضرباته وضرباتها, فخرجا من الماء سوية. التقط منشفته عندما وصلا إلى المظلة, قائلا: -أترغبين بشراب؟ ردت ساندرين, وهي تحذو حذوه:" بعد أن أستحم وأرتدي ملابس جافة". سحب مايكل المظلة من الرمل وأعادها إلى محل التأجير في طريق عودتهما إلى الفندق. وأشار عليها عندما وصلا المدخل: -اصعدي أنت, وسألحق بك بعد عشر دقائق. أومأت برأسها ثم عبرت الردهة إلى مكتب الاستقبال لأخذ مفتاح غرفتها. اتجهت إلى الحمام فور دخولها الجناح ثم خرجت إلى غرفة النوم فوجدت مايكل يحمل أكياسا عدة من محال معروفة. -كنت تتسوق. أعلن لها وهو يفرق الأكياس عن بعضها ويخرج محتوياتها:" ثياب نرتديها على العشاء". التقط رزمة ملفوفة بورقة هدية ورماها على الوسادة قائلا:"خذي, هذه لك". اكتشفت سروالا حريريا أسود للسهرة وبلوزة بلون الذهب المعتق. شكرته بغمغمة مقدرة له هديته, وهي تراقبه يخرج سروالا أسود وقميصا حريريا أزرق اللون. لو أفصح عن نيته في قضاء الليلة هنا, لجلبت بعض الملابس واستطاعت توفير بعض المال. وفكرت, في أن المال ليس مشكلة, بالنسبة إليه. جاء سروال السهرة والبلوزة على مقاسها تماما. وكانت تضع زينتها عندما رجع مايكل إلى الغرفة. أشاحت ساندرين بنظرها عن المرآة لتقابل نظراته الوامضة وأثنت على اختياره: -إنهما جميلان. أقر بنبرة هازئة وهو يطرح المنشفة:" شكرا". عادت لتركز انتباهها على وضع زينتها, وتجهد في تثبيت أصابعها وهي تضع اللون الذهبي الخفيف على جفنها العلوي. أنبت نفسها في توبيخ صامت, وركزت اهتمامها بحزم على ماكياجها. واختارت أن تترك شعرها منسدلا على كتفيها. أطرى عليها مايكل بعد أن عادت إلى غرفة النوم:" جميل. ولكن هنالك شيء ما ناقص". شعرت بالتوتر والجزع ونسبتهما إلى حساسيتها المفرطة على هذا الرجل بالذات. كان هذا جنونا. لماذا تشعر وكأن حيوانا مفترسا جائعا يطاردها, وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليها؟ استطاعت أن تقول بخفة:" ما هو؟". أخذ يقترب منها, وأمسك بيدها اليسرى ووضع خاتم الزواج ثم ألحقه بخاتم رائع من الألماس على شكل اجاصة قائلا:" هذا". خفضت ساندرين نظرها إلى يدها ورأت رموز امتلاكه لها وحارت بين أن تضحك أو تبكي: -مايكل. . . ضاع أي شيء أرادت أن تضيفه عندما ضغط على شفتيها بإصبعه:" دعينا نخرج لاحتساء ذلك الشراب, ما رأيك؟". ضم صالون الفندق مجموعة من الزبائن, ورفع مايكل حاجبه عندما أصرت على طلب عصير برتقال:" أأنت بحاجة إلى صفاء الذهن؟". -حتما. -خائفة يا ساندرين؟ ردت عليه بتحد:" منك؟ لا". كادت قهقهته المبحوحة تحطم معنوياتها وساورتها الرغبة بضربه عندما رفع كأسه قفي حركة إيمائية ساخرة. استطاعت وهي تأخذ رشفة من العصير المنعش أن تغير موضوع الحديث:" كيف حال جدتك؟". -إنها سيدة رائعة. ماذا يمكنها أن تقول؟ واستقرت بعد ثوان على قول:" هذا لطف منها". -لقد وعدتها أن نعرج لزيارتها بعد عودتنا. لم ترغب التفكير في ذلك مقدما. كان يكفيها أن تفرغ من كل نهار على حدة. -هل تريدين كأس عصير آخر؟ هزت ساندرين رأسها نفيا ثم راقبته يضع كوبه الفارغ على الطاولة قائلا: -أنذهب لتناول العشاء؟ وقع اختيارهما على مطعم ايطالي, الأفضل في المدينة. طلب مايكل بعض المقبلات الايطالية التقليدية ثم استقر رأيهما على اسكالوب لحم العجل, اتبعاه بحلوى الليمون الشهية. قالت وهما يتمشيان في الطريق:" لا أعقد أن باستطاعتي أكل أي شيء قبل ظهيرة الغد, على أقل احتمال". لقد أمضت ساعات رائعة ذكرتها بالأمسيات السابقة التي قضياها معا في تناول الطعام اللذيذ. قالت وهي تبتسم له بدفء:" كانت أمسية لطيفة, شكرا". كانت تعابيره دافئة أيضا وحملت تانك العينان الرماديتان المشعتان وميضا لم تأبه بتفسيره: -هذا من دواعي سروري. اقترحت عفويا:" دعنا نتمشى قليلا". أمسك يدها ببساطة, ولم تسحبها من يده. هل هما مثل زوجين متحابين؟ بطريقة ما لم تعتقد ذلك, فلغة جسديهما لم تكن تنطق بذلك. داعب بكسل شرايين رسغها الرقيقة. وعندما حاولت أن تحرر يدها, رفعها إلى شفتيه ولثم أصابعها. رفعت ساندرين رأسها وتلاقت نظراتهما:" أتحاول إغوائي؟". -هل نجحت؟ بصورة فائقة. -أتعودين إلى خيار الالتزام بالصمت, يا صغيرتي؟ منحته ابتسامة خلابة:" طبعا". -نظرا إلى أن أي شيء يقال قد يدفعني إلى الغرور؟ -تقريبا. سارا على جانب واحد من الشارع, وهما يتمهلان من حين إلى آخر عندما يلفت انتباههما شيء ما معروض في محل, ثم عبرا الشارع وعادا أدراجهما إلى الفندق. كانت الساعة قد بلغت الحادية عشرة عندما تقدمته إلى جناحهما, وخلعت حذاءها فورا ثم مدت يديها إلى حزام سروال السهرة. كان من الصعب الحفاظ على الكثير من الحشمة بحضوره, فانسحبت إلى الحمام. لم يسعفها بشيء ارتفاع حاجبه ولا ابتسامته البطيئة, وهي تندس بين الشراشف. -لقد فات الأوان على ادعاء الخجل يا حبيبتي؟ -ربما لا أشعر بالراحة لاستعراض نفسي. -هل أنت؟. ارتسم العبوس الخفيف على جبينها:" هل أنا . . . ماذا؟". زم مايكل فمه بصبر وهو يستدير لمواجهتها مسندا رأسه على يده:" تشعرين بعدم الراحة معي". كان قريبا منها أكثر مما يجب, وخطيرا أكثر من اللازم. أصبحت ترصد كل نفس تأخذه. بدأت خفقات قلبها تتسارع. أقرت ساندرين بصوت مبحوح:" أشعر بعدم الراحة مع نفسي عندما أكون معك". واتسعت عيناها عندما رفع يدا وضرب طرف أنفها بسبابته بخفة, ثم سألها: -أهذا أمر سيء؟ شدت أصابعها في محاولة للسيطرة على مشاعرها المتأججة. استفهمت ساندرين بصوت مخنوق قليلا:" أنت تفعل ذلك متعمدا, أليس كذلك؟". -وما الذي أفعله يا صغيرتي؟ -تغويني. أخفض رأسه وهمهم: -هل تريدين أن أتوقف؟ كادت تجيب بنعم. لكنها عادت ورفعت ذراعيها وشبكت يديها خلف عنقه واستسلمت لعناق زوجها. مر وقت طويل قبل أن يستلقيا, ويغطا بسهولة في نوم هانئ, لم يستيقظا منه إلا في الصباح عندما جلب لهما النادل الفطور. سأله مايكل وهو يشرب ما تبقى من عصير البرتقال, ثم يصب لنفسه فنجان قهوة سادة: -ماذا تريدين أن تفعلي اليوم؟ كانت ساندرين تتضور جوعا فيما هي ممتلئة بدفء حميم بسبب الإشباع العاطفي. -نذهب إلى ميلين و مونتفيل وجبال غلاس هاوس. -كنت أخشى أن تقولي ذلك. سألته وهي تتصنع البراءة:" لماذا؟ هل هناك ثمة شيء آخر يدور في ذهنك؟". -باستطاعتنا أن نبقى هنا, ونطلب غداء في ساعة متأخرة ثم نعود إلى الساحل. قضاء بضعة ساعات أخرى معه في الجناح سيضعف دفاعاتها, التي لم تعد تتحمل المزيد, فعارضت بصرامة:" إنه يوم جديد. دعنا نستغله على أفضل صورة". -هذه نيتي بالضبط. -دعنا من المبالغة. لقد فككنا عقدة. احتدت نظراته وقال:" أهذا ما عنى لك ذلك؟ فك عقدة؟". رفعت ساندرين فنجانها إلى فمها, واحتست منه القهوة, ثم ردت:" مايكل, هل ترغب بالقيام بعملية تحليل؟ هل تريد أن أضع نظاما لتسجيل النقاط, لكي أعطيك درجة إضافية؟". أراد أن يسحبها من قدميها إلى غرفته لكي يحول هذا الفتور إلى حرارة متوقدة. لقد تجاوبت معه في كل خطوة, طوال الليل وفي الصباح, وهو مستعد أن يراهن على ذلك بحياته. لكنها في وضح النهار, تتصرف بشكل مختلف لحماية ذاتها. وهذا لا يضيره ما دام يمتلكها في المساء. قال متشدقا:" لا أتذكر أنك تنغمسين في التمثيل كثيرا. كما أننا لم ننغمس البتة في سيناريو من نوع ما, هل شعرت بذات السعادة التي شعرت بها. أنا لا أرى سببا لمعاودة الكرة الآن". -الثقة أمر جميل. صحح مايكل بشيء من السخرية:" المعرفة. . . معرفتك". أقرت في سرها بحسرة أنه يعرفها تماما, مما يعطيه أفضلية جائرة. أنهيا الفطور في صمت,ثم استحما وارتديا ملابسهما, قبل أن يدفعا حساب المنتجع ويغادرا بسيارتهما. كان نهارا جميلا بسماء صافية, لا يشوبها إلا القليل من الغيوم. وأنبأت أشعة الشمس بارتفاع درجة الحرارة, فيما كان يخرجان من نووسا ويتجهان إلى الجبال. كان من السهل جدا أن تتذكر حبها لمايكل والبهجة التي عرفتها معه. ولم يتطلب الأمر غير نظرة عابرة وذاكرة حية, حتى فاض قلبها حبا. وأصبح مايكل محور تركيزها. إنه تواصل روحي, ينغص راحة بالها. تشنجت لبضع ثوان مما جعلها تبتلع ريقها بصعوبة. يا للسماء, فكري بأمر آخر! توقفت السيارة فجأة, وامتدت ذراعه لتشكل حاجزا يحميها وهي تندفع إلى الأمام, وسمعت مايكل يشتم بصوت خفيض. -ما الذي حدث؟ سألت ساندرين بدهشة وذهول فيما جمدت السيارة مكانها بعد صرير عجلاتها. إلا أنها وجدت الجواب بنفسها حين رأت كلبا صغيرا يفر إلى المرعى المقابل. تمتم مايكل بغضب وهو يرمقها بنظرة شاملة:" حيوان غبي, كان يمكن أن يقتل, هل أنت على ما يرام؟". هزت رأسها من دون أن تتكلم, فاحتدت نظراته وأضاف:" أأنت متأكدة؟". وأمسك ذقنها ثم أدار رأسها نحوه, وأخضعها لتقويم شامل. لن تدعه يعرف أنه سبب عدم هدوئها, وليس الحادث الذي كاد يقع. وضعت يدها على حنجرتها لتخفي نبضاتها المتسارعة, وتنفست الصعداء في صمت, عندما أفلتها وحل انتباهه مجددا إلى الطريق. وصلا مونتفيل عند الظهيرة فتجولا في بضعة محلات, اشترت منها هدايا لأقاربها, ثم تمتعا بتناول غداء شهي في مقهى يطل على الوادي قبل أن يعودا أدراجهما إلى الشاطئ الذهبي. كانت الرحلة ممتعة, وأفصحت عن ذلك حالما دخلا الفيلا عند الساعة السادسة مساء. تساءل مايكل متشدقا, ومبتسما بخبث:" كل ما فيها". ردت ساندرين بتحفظ:" معظم ما فيها". وسمعته يضحك بصوت منخفض قبل أن يقول:" هيا نبدل ملابسنا ونخرج لتناول العشاء". خالفته الرأي, وهي تقوم ذهنيا محتويات الثلاجة:" يمكنني تحضير العشاء هنا". قرر مايكل بحزم:" حجزت طاولة في مطعم فندق حياة". نبهته ساندرين فيما كان يدفعها إلى الأمام باتجاه الدرج:" يجب أن أراجع الدور الذي أؤديه". -سنرجع إلى البيت عند التاسعة, حينها يمكنك الانزواء على مقعد ومراجعة الحوار. كان مطعم حياة مليئا بالزبائن, فقادهم النادل إلى طاولة قريبة من نافذة تشرف على قناطر النهر الجميلة. طلب مايكل شرابا, ثم اختارا أطباق السلطة والطبق الرئيسي, ولكنهما أجلا طلب الحلوى. كانت ساندرين تستمتع بأكل القريدس عندما سمعت صوتا ناعما مألوفا. ها هي كايت ليندن, أنثى فاتنة بحق, تبدو بملابسها السوداء مثل عارضة أزياء خرجت لتوها من بين صفحات مجلة فوغ العالمية, وكان شعرها وماكياجها صورة عن الكمال. ورأت غريغور إلى جانبها. قالت كايت وهي تطبع قبلة في الهواء موجهة لساندرين:" عزيزتي, تصوري أن ألتقي بك هنا". ألقت ساندرين نظرة سريعة على غريغور ولمحت وميضا في عينيه, مما جعلها تستنتج أن لدى كايت هدفا. وهذا الهدف هو إيقاع مايكل في شباكها. وافقتها ساندرين وهي ترمي مايكل بنظرة استهزاء من شبه عينيها المغمضتين:" يا لعجائب الصدف". -أرجو أن لا يكون في انضمامنا لكما أي إزعاج؟". ارتمت كايت على أحد الكراسي من دون انتظار الرد على سؤالها:" إنه شيء رائع. ينبئ بأمسية مميزة". راح غريغور و كايت يطالعان لائحة الطعام, وأصر غريغور بعد أن طلبا الأطباق التي اختارها:" سأطلب زجاجة أخرى من المرطبات". التفتت كايت نحو ساندرين وسألتها بصوت ينم عن اهتمام مصطنع, جعل ساندرين تعجب بمقدرة كايت التمثيلية:" هل أنت على ما يرام يا عزيزتي؟ تبدين شاحبة قليلا". رسمت ساندرين على وجهها ابتسامة حلوة وردت:" هل تعتقدين ذلك؟". -يقيم غريغور حفلة ليلة السبت. ويجب أن تحضراها. رد مايكل بتصنع وهو يرفع كأسه دلالة على تقديره للدعوة:" لسوء الحظ, سنكون حينها في سيدني". حقا؟ تساءلت ساندرين في سرها, إنها تعتزم زيارة عائلتها هناك, ولكن لم يخطر ببالها أن مايكل سيرافقها. أخفت كايت شعورها بالخيبة وقالت:" يا للعار". أحست ساندرين أن كايت تشحذ مخالبها متهيأة للانقضاض وهي تتابع:" يفترض أن تكون لقطات التصوير غدا ممتعة. ستصور ساندرين مشهدا جميلا". تمهلت قليلا ثم تابعت:" لا بد أنه يصعب عليك مواجهة أمر تواجدها مع أحد". رد مايكل بابتسامة قاتلة وبصوت ناعم يحمل في طياته الوعيد:" ليس لدي مشكلة في ذلك, لأنني الرجل الذي تزوجته". راقبت ساندرين كايت وهي ترفرف بأهدابها وتعلق:" أنا أعشق الرجل المتسلط". قال غريغور متدخلا:" حقا, يا عزيزتي؟ إنك تدهشينني, فعهدي أنك حريصة على اتخاذ القرارات في علاقاتك". لو كانت النظرات قاتلة, لوقع غريغور صريعا, ولألقي القبض على كايت بتهمة ارتكاب جريمة قتل. وبسبب هذه الألاعيب المبطنة التي تشعر بها النساء برغبة في القيام بها, وجدت ساندرين تصرف كايت, من جهة, مسليا, ومن جهة أخرى أرادت أن تفقأ عينها! وفكرت بامتعاض بأن الغيرة إحساس لا مفر منه. ألقت نظرة سريعة على مايكل والتقطت الوميض الخافت الظاهر في عينيه الرماديتين. هل فضح أمرها إلى هذا الحد؟ لقد اكتسب القدرة على قراءة ما يدور في خلدها بدقة بالغة منذ اللحظة الأولى, فيما بقي هو كتابا مغلقا تقريبا. جاء النادل بأطباق كايت و غريغور الرئيسية, بينما ركزت ساندرين على التهام سمك السالمون. -إلى متى ستمكثين في سيدني؟ -أنا . . . كانت على وشك أن تضيف, لا أعرف على التأكيد, غير أن مايكل قاطعها. -إلى أن ينتهي تصوير الفيلم وتنجز الحملة الدعائية له. تمادت كايت في لعبها بغنج:" وبعد ذلك؟". التفت مايكل إلى ساندرين مبتسما بأدب وأمسك بيدها ثم رفعها إلى شفتيه:" نيويورك ثم باريس". حاذري! قالت ساندرين في سرها, من الواضح أنه يلجأ إلى الأسلحة الثقيلة. علقت كايت وهي تتنهد حسدا:" الفرنسية. . يا لها من لغة رومانسية! الحصول على زوج يعبر عن رغباته بلغته الأم. . يجعلني أفقد صوابي". رد غريغور متشدقا:" لقد تزوجت عدة مرات وفي كل مرة كان زوجك من جنسية, بحيث يظن المرء أنك امرأة متعددة اللغات". -حيوان. -أنا لا أقول إلا الحقيقة, كما أعرفها. يا عزيزتي. حولت كايت انتباهها إلى ساندرين:" أديت تجربة للدور الرئيسي في فيلم لوكاس الجديد. وأظن أني سأحصل عليه". مسدت شعرها بيدها وأضافت:" هل تحضرين لعمل آخر؟". أعادت ساندرين وضع السكين والشوكة على المائدة, واحتست ما تبقى في كأسها من شراب: -تهاني. -لم تجيبي على سؤالي. فكرت مليا قبل أن تجيب, لأنها كانت تعي أن مايكل صب كامل اهتمامه على يدها: -ليس لدي أي مشاريع فورية. -أتريدين قهوة حبيبتي؟ هزت رأسها نفيا, فصرف النادل وأعلن:" نرجو المعذرة, لأننا على وشك المغادرة. يجب أن أتفحص بعض المعلومات في الكومبيوتر وعلى ساندرين مراجعة حوارها". ثم نهض على قدميه قائلا:" عمتما مساء". جلب لهما البواب سيارتهما في غضون دقائق, فجلست ساندرين على المقعد إلى جانبه وأسندت رأسها إلى الخلف. -لا تعليق؟ أدارت رأسها قليلا نحو مايكل وقالت بامتعاض: -كلا. لا شيء البتة. وسمعته يضحك بصوت خفيض مبحوح. سألها وهما يدخلان ردهة الفيلا:" أين تفضلين مراجعة دورك؟". كانت ترغب بخلع حذائها والجلوس على أحد المقاعد الوثيرة, فأجابت: -هنا. خلع سترته وعلقها على أحد كتفيه:" سأضع الكومبيوتر على مائدة غرفة الطعام. هل تحضرين القهوة أم أقوم أنا بذلك؟". -حضر القهوة أنت. سأصعد إلى غرفتي لأغير ملابسي. كان مايكل لا يزال منكبا على جهاز الكومبيوتر عندما عادت إلى غرفة نومها قبل منتصف الليل بدقائق, وخلدت إلى النوم في غضون دقائق من وضع رأسها على المخدة. لم تسمعه يندس في الفراش إلى جانبها. ولم تع أن ذراعه تشدها إليه. ☻☺☻☺ 6-المبارزة تنفست ساندرين الصعداء, فإنهاء العمل في السابعة نعمة. لم يرتكب الممثلون أخطاء, بل على العكس, استطاعوا أن يتألقوا إلى درجة جعلت طوني يشعر بالرضا والاستحسان. كان قد أخذ منها الحر والتعب مأخذا, وذاد الطين بلة تأخر الوقت وشعورها بالعطش والجوع. عزمت أن تشرب نصف لتر من الماء, حالما تنزع عنها ثياب التمثيل التاريخية, وتلحقه بشراب منشط, وأن تقضم تفاحة طازجة. شعرت بتحسن ملحوظ بعد انقضاء ثلث ساعة, حيث ارتدت سروال جينز وقميصا قطنيا خفيفا, وانتعلت صندلا عالي الكعبين. عقدت شعرها إلى الخلف ولم يتبق أمامها غير التحقق من موعد التصوير في اليوم التالي لتنطلق إلى البيت. اتجهت نحو المخرج ولمحت مايكل مستغرقا في حديث مع رجل, بدت قامته الفارعة مألوفة لديها. نظر كلا الرجلين إليها في الوقت ذاته, واتسعت عينا ساندرين دهشة بعد أن عرفته. ما الذي يفعله شقيق مايكل الأكبر هنا؟ التقت راؤول لانييه, لآخر مرة منذ ثلاثة أشهر في باريس. حينها, حياها بحرارة وبمحبة. أدركت أنه يمعن النظر إليها بصورة مبطنة, وهي تدنو منهما. سألها مايكل:" هل انتهى عملك لهذا اليوم". -كنت أتحقق من برنامج التصوير ليوم غد. ثم التفتت إلى الرجل الواقف إلى جانبه وحيته بتمعن مماثل:" راؤول! كيف حالك؟". فرد عليها بلطف:" بخير, وأنت؟". أجابت بتهذب شكلي:" على أفضل ما يرام". ثم أضافت وهي تبتسم بابتهاج:" متى وصلت؟". -هذا الصباح. قد تحصل على جواب مباشر إذا طرحت سؤالا مباشرا. -هل جئت في زيارة اجتماعية؟ -ليس تماما. أعلمها مايكل بنبرة تحمل في طياتها شيئا من السخرية:" سيشاركنا راؤول في الاجتماعات حول مسألة التسويق, لم يتوجه إلى سيدني للمباشرة في مفاوضات تتعلق بمسألة أخرى". علقت ساندرين بهزء وهي تدرك تأمل راؤول لها:" تتولى الاهتمام بالأعمال". -نعم. -أنا لم أطلب من مايكل تمويل الفيلم لإنقاذه. -أعلم ذلك. -تعني أنك تريد أن تضمن أنه لم يقدم على استثمار سيء. لم يكن ذلك سؤالا, بل قولا. -هذا واضح. لم يزحزح راؤول نظره عنها:" تناهى إلي أنكما تصالحتما". رد مايكل متصنعا الجد:" نحن بصدد ذلك". وعقب راؤول قائلا:" وأنت يا ساندرين, هل تعيرين زواجك من أخي الاهتمام ذاته؟". -يشاركني مايكل منزلي. أرادت أن تصدمه, ولكن لم تظهر قسمات وجهه الصلبة أي انفعال. ورد قائلا: -ولكن هذا لا يجيب عن سؤالي. -هذا أقصى ما ستحصل عليه من رد. استدارت على عقبيها وابتعدت عنهما. واحد من الأشقاء لانييه يكفي, أما اثنان فأمر لا يحتمل. كانت ساندرين في منتصف الطريق إلى لبيت عندما رن هاتفها الخلوي. أعلمها مايكل من الطرف الآخر:" سيلتقي راؤول مندوبة التسويق على العشاء. وقد دعانا للانضمام إليهما". -كلا. -سأصل البيت في غضون ساعة. -كلا يا مايكل. ذهب تشديدها على الرفض أدراج الرياح, لأنه كان قد أقفل خط الهاتف. رمت هاتفها على المقعد المجاور. اللعنة عليه! ولعنته مرة ثانية وهي تركن السيارة في المرآب وتصعد الدرج بخفة. عندما دخل مايكل غرفة نومها بعد ساعة, كانت قد استحمت وارتدت ملابسها ووضعت لمسات الماكياج الأخيرة. ألقى عليها نظرة تقويمية مطولة ثم رفع أحد حاجبيه وقال: -أتتهيأين بهذه الملابس للدخول في معركة؟ كان اللون الأسود يحيلها إلى كائن آخر. إذ يبرز بشرتها, ويعطي شعرها الفاحم بريقا وجاذبية. أما عيناها البنيتان فتزدادان فتنة. التفتت إليه قائلة:" يمكنك أن تقول هذا. أين ومتى سيجري هذا العشاء الحدث؟". -بعد ساعة, في فندق ميراج. وضعت أحمر الشفاه في حقيبة السهرة ثم أغلقتها بعصبية, ثم وضعت سلسلتها المعدنية الطويلة على كتفها وقالت وهي تسير نحو الباب: -سيستغرق الوصول إلى ماين بيتش 20 دقيقة. سأنتظر في الردهة لأشاهد أخبار المساء. نزلت الدرج واتجهت إلى الردهة ثم أدارت جهاز التلفزيون وأخذت تذرع الغرفة ذهابا وإيابا. استبد بها القلق, فلم تقوى على الجلوس. بعد نصف ساعة انضم إليها مايكل في الردهة فقطع أنفاسها مظهره الأنيق بالبذلة السوداء و القميص الأبيض وربطة العنق الداكنة. إنه يمتلك جاذبية جسدية تذيب العظام. يا للسماء, كيف يمكن التعامل مع رغبة قلبية جامحة ينكرها العقل. حيته تحية صامتة, وقالت:" أقوم بهذا فقط من أجل ستيفاني". -حضورك على العشاء؟ ارتسمت ابتسامة عريضة على فمها وأجابت:" نعم, فليس من العدل رميها وحيدة بين الذئاب". استفهم منها بهزء فشل في إخفائه:" الذئاب, يا ساندرين؟ أليس في ذلك شيء من المبالغة؟". -كلا. رد وقد اعترى صوته بعض الخشونة:" أنا متأكد من أن ستيفاني قادرة على الاهتمام بنفسها". -في مواجهة راؤول؟ هل تمزح؟ سيكون أمرا جديرا بالاهتمام رؤية ستيفاني تتعامل مع أكبر الأخوة لانييه. فمن المفترض أن تتمتع امرأة تربي طفلها وحدها بالشجاعة والإقدام. قال مايكل وهو يعبر الغرفة:" أنا متأكد من أنك ستتمتعين بلعب دور الحامي عنها". سحب الكأس من بين أصابعها ووضعه على الطاولة القريبة منهما. وفي الوقت ذاته, أدناها منه, وعانقها. تمتم مايكل بعد أن أفلتها:" يستحسن أن نذهب وإلا تأخرنا". لبثت ساندرين في مكانها بضع ثوان من دون حراك, عيناها متسعتان ووجهها شاحب رغم الماكياج. ارتعشت قليلا, ولعنته في سرها للعجز العاطفي الذي أوصلها إليه. ثم تقدمته إلى المرآب وجلست إلى جانبه فيما كان يصعد خلف مقود السيارة. أقيم منتجع شيراتون ميراج على شبه جزيرة وهو يطل مباشرة على المحيط. وقد اشتهر بتصميمه المبتكر وكثرة استخدام الرخام فيه والشلال الظريف والمناظر الخارجية الهادئة المشرفة على حوض سباحة واسع والمطعم المحاذي لشاطئ المحيط. دخلت ساندرين البهو الرائع وهي تسير إلى جانبه فنهض راؤول عن الأريكة الكبيرة المبطنة وتقدم لملاقاتهما. ولم تجد أي أثر لستيفاني. أشار راؤول بسخرية مقنعة قليلا:" أو ربما لم تأت جليسة الأطفال, أو أن طفلها أصيب بوعكة صحية". استنتجت ساندرين بتهكم, أنه تحرى عن تفاصيل حياة ستيفاني. ولا بد أنه فعل ذلك قبل مغادرته باريس, كإجراء لا بد منه في أسلوب عمل آل لانييه. شعرت أنها مجبرة على الدفاع عنها:" أظن أن ستيفاني لو عرفت أنها ستتأخر لبعض الوقت لاتصلت". رن هاتف خلوي في هذه اللحظة, فأخرج راؤول من جيب سترته الجهاز الصغير. أنهى المكالمة بعد دقيقتين ببضع كلمات مجاملة. -يبدو أن السيدة سومرز تأخرت بسبب عطل في سيارتها وستصل في غضون عشر دقائق. دخلت ستيفاني الصالون مبكرة دقيقة واحدة, ولاحظت ساندرين تصرفها الهادئ غير المضطرب, وهي تتجه نحوهم. نقلت نظراتها بين الرجلين وابتسمت بحرارة لساندرين وهي تقول:" يجب أن أعتذر, أرجو ألا أكون قد سببت أي ازعاج لكم؟ أنذهب إلى طاولتنا؟". استحسنت ساندرين بصمت أسلوب ستيفاني, مديرة التسويق الشابة. فهي لم تكن من النوع الذي يحجم عن الإمساك بزمام الأمور. أدركت ساندرين أن شيئا ما سيتغير لصالح مايكل حين قادهم النادل إلى الطاولة, حيث أوضحت له ستيفاني أنها هي المضيفة. لم يكن بالإمكان تفسير تعابير وجه مايكل, فيما اختار راؤول أن يبدي تهذيبا باردا. وبعد تصفح لائحة الطعام, واختيار المقبلات والأطباق الرئيسية, استرخى مايكل في مقعده ورمق الشقراء الجذابة الجالسة قبالته بنظرات متفحصة. بادرها الحديث قائلا وهو يتنحنح بين جملة وأخرى: -هل لك أن تطلعينا يا سيدة سومرز, على إستراتيجيتك التسويقية. . . لهذا الفيلم بالذات. طلبت منه مسؤولة التسويق وهي تبتسم قليلا أن يخاطبها باسمها الأول, قبل أن تضيف:" عندما نستلم من الاستديو نسخة الفيلم النهائية, سندعو ثلاثين شخصا لمشاهدة عرضه في سينما خاصة. وبعد ذلك, نعقد اجتماعات لمناقشة السوق المحتملة وتحديد أي الأعمار سيستهويها هذا الفيلم". راقبت ساندرين ستيفاني وهي تتوقف عن الحديث لكي ترفع الكوب وتأخذ رشفة من الماء المثلج. كانت يدها ثابتة, وبدت متمالكة لنفسها, وأظهرت وقارا واتزان يثيران الإعجاب وهي ترمق كلا الرجلين مثلما كانا يرمقانها. سيتبع ذلك مزيد من المناقشات تتناول المشاهد التي يجب اختيارها للدعاية, واللقطات المزمع إرسالها للصحف, وما سيعرض منها في محطات التلفزيون وغيرها. استفهم مايكل, فيما أمالت ساندرين رأسها بصمت:" عالميا؟". أكدت ستيفاني كلامها:" طبعا! كما سنعمل على تكثيف الحملة عبر تصوير لقطات أزياء لإحدى مجلات الأزياء الراقية لضمان التغطية الإعلامية في المجلات الأسبوعية الرئيسية محليا". تدخل راؤول:" والتي سيظهر فيها الممثلون الرئيسيون فقط؟". حاولت ستيفاني تصحيح الموضوع:" ليس دائما يمكننا أن نلفت انتباه الجمهور, بالتركيز على الممثلين المحليين, لتغطية مشاركتهم في الفيلم". نجحت ساندرين في إخفاء ابتسامة واهنة إعجابا بمقدرة ستيفاني على الكلام. وواصلت الأخيرة قائلة:" كما ستشد صور لمايكل و ساندرين في حفل اجتماعي انتباه الجمهور وتعزز موقع الفيلم. سيثير ارتباط ساندرين بمهنة عرض الأزياء نوعا من الاهتمام أيضا, أليس كذلك؟". جلب النادل أطباق المقبلات المطلوبة, فانقطع الكلام. وللحظة تصورت أنها لمحت نظرة استحسان في عيني راؤول, إلا أنها قررت أن مخيلتها قد جمحت قليلا. تابعت ستيفاني شرحها:" سننظم مقابلات صحفية في فندق النجمة, أو في أي مكان خاص. سنستأجر مكانا مناسبا في محاولات مكثفة للفت انتباه الجمهور وشده. علق مايكل قبل أن يبدأ في أكل المقبلات:" هذا يترك انطباعا مؤثرا". -التأثير في النفس, هو وظيفتي. قاطعها راؤول متشدقا:" أخبريني, أليس لديك التزامات عائلية تتعارض مع تكريس وقتك الكامل لتسويق هذا الفيلم بالطريقة المناسبة؟". كادت ساندرين ترفس ساقه من تحت الطاولة بشدة, وهي تتساءل, ما هي اللعبة التي يلعبها. ردت ستيفاني برباطة جأش:" لا بد أنك تعرف أني أم مطلقة ولدي ابنة تبلغ من العمر ثلاث سنوات. إن حدثت أي أزمة, فسأتعامل معها بأفضل طريقة ممكنة". ثبتت نظرات خارقة على راؤول وتابعت:" والأولوية لابنتي دائما. هل هذا يجيب على سؤالك؟". يا الهي! تنفست ساندرين بثقل. -نعم. -حسنا. رمى مايكل شقيقه بنظرة تقييمية وجزية ثم حول انتباهه إلى طبق المقبلات أمامه. تدخلت ساندرين لتغيير وترطيب الأجواء:" هل وجدت صعوبة في إيجاد جليسة الليلة؟". -إذا أخذنا بالاعتبار أنه لم يكن أمامي وقت طويل, فالجواب نعم. -يتوقع الأخوة لانييه تجاوبا فوريا ردا على أقل نزوة من نزواتهم. انتبهت إلى نظرات مايكل الثاقبة ولكنها تجاهلتها. علقت ستيفاني بنبرة جافة:" حقا؟ ومع ذلك تزوجت واحدا منهم؟". -اعتقدت أنها فكرة جيدة حينها. -افتتان شامل, تحطم على صخرة الواقع لاحقا؟ ردت ساندرين بابتسامة خبيثة, فقد بدأت تستمتع بالسهرة:" شيء من هذا القبيل". سأل راؤول بسلاسة:" أترغبين بمزيد من العصير سيدة سومرز". ردت ستيفاني باللهجة نفسها:" نادني ستيفاني, وكلا شكرا لك". -مؤسف. -بسبب رفضي العصير؟ راقبت ساندرين راؤول وهو يسند ظهره إلى المقعد. شكت في أن تحدثه أي امرأة من معارفه في أي شيء. -بسبب سعيك إلى التعامل مع هذا اللقاء على أساس آخر غير العمل. احتجت ساندرين بسرعة:" هذا غير منصف". أضافت ستيفاني وهي تطوي فوطة الطعام وتضعها إلى جانب صحنها:" وغير مبرر. لقد ألححت على هذا الاجتماع الليلة". التقطت حقيبتها وركزت نظراتها على مايكل: -لقد أعلمتكما بإستراتيجيتنا التسويقية, ولذلك لم يعد وجودي هنا ضروريا. تمتعوا بتناول العشاء. شاهدت ساندرين الشقراء الجذابة وهي تبتعد عن المائدة وتخطو سريعا نحو المكتب الرئيسي, حيث توقفت لبرهة أبرزت خلالها بطاقة الاعتماد, ثم اختفت خلف الباب. علق مايكل ساخرا:" أهذه حالة خفيفة من الأسلحة الثقيلة يا راؤول؟". رفع حاجبه ورأى شقيقه يحدق فيه بعينين ضيقتين, وأضاف بتأمل:" هل ستدعها تذهب هكذا؟". رمى راؤول فوطته على الطاولة وهب على قدميه:" كلا. لا أظن أني سأفعل". -كان هذا تصرفا غير... أكمل مايكل جملتها بهزء جاف:" ... لائق بصورة مريعة". -نعم, كان كذلك. -أرجو أن يلحق بها. -حتى وإن فعل, أشك أن ذلك سيجدي نفعا. أبدت ساندرين رأيها وهي مستاءة من تصرف راؤول غير المبرر ومن ابتهاج مايكل اللاحق. رفع كأسه واحتسى قليلا من العصير وقال:" ألا تظنين أن راؤول سيصلح ذات البين؟". -ليس بسهولة. ومضت عيناه فرحا بينما راح يتمعن في قسمات وجهها المعبرة:" ألا تعتقدين أن شقيقي قد يستفيد من حب امرأة جيدة؟". ردت ساندرين مدافعة: -ماذا حدث للوجه الآخر للعملة؟ أليس من المفترض أن تستفيد المرأة من حب رجل جيد؟ -طبعا. -من سوء الحظ أن تفكير رجال عائلة لانييه يعود إلى قرن سابق. ضاقت عينا مايكل جزئيا وقال:" ما يعني هذا بالتحديد؟". رفعت يدها في إشارة معبرة وأجابت:" لقد سررت بردة فعل راؤول تجاه ستيفاني. ما الذي يحدث لو تطور الأمر بينهما وأصبح جديا؟ هل تتخيل راؤول سيشجع ستيفاني على الاستمرار في ممارسة مهنتها؟". رمقها بنظرات تقييمية ثابتة وهو يسند ظهره إلى الكرسي, ثم رد بنبرة غاضبة وبهدوء خادع: -مثلما أنت مصممة على ذلك؟ -أنت لم تستوعب الأمر بعد, أليس كذلك؟ -ما الذي يجب أن أستوعبه, بالضبط؟ -الموضوع لا يتعلق بهذا. ليتها تحمل نصا مكتوبا! لقد فكرت مليا بكل كلمة أرادت أن تقولها. تبا! كان لديها متسع من الوقت, ولكن أين ذهبت كل هذه الكلمات المنمقة الآن؟ أدراج الرياح, وأخذت معها سلامة عقلها. تنفست ببطء لتهدئة روعها وقالت:" الأمر يتعلق باقتناص الفرصة السانحة وبذل الجهد للتوصل إلى أفضل نتيجة ممكنة. ليس من أجل الشهرة أو الثروة, بل لإبراز الموهبة". توقفت عن الكلام بضع ثوان قبل أن تضيف: -وبسبب شعور داخلي بأن قدرك أن تكون الوسيلة لإيصال النص المكتوب والأفعال والعواطف في الفيلم إلى المشاهدين الذين يقدرون هذا الدور تماما. بقي مايكل صامتا. وامتد الصمت دقائق, بينما جلب النادل أطباق الطعام الرئيسية, ثم انسحب بعد أن تمنى لهما التمتع بالطعام بلغة فرنسية منفرة. التقط مايكل شوكته وغرزها بطريقة فنية في جزرة مقطعة على شكل زهرة وقال: -أنت لم تتمهلي للتفكير. فلو حصلت على الدور, يعني ذلك أن تكوني في استراليا في حين أكون أنا منهمكا باجتماعات العمل في باريس؟ ردت معترضة:" هل تعرف كم ممثلة أجرت اختبارا لهذا الدور؟ كانت فرصتي للفوز بهذا الدور مثل فرصة إبليس في الجنة". كان يتصرف بهدوء, متمالكا نفسه, ولكنها أحست بالغضب المكبوح تحت السطح. وذكرها بلطف خادع:" لقد فزت بالدور, ووقعت العقد أيضا, ثم انتظرت لتخبريني بالأمر عرضيا, قبل يومين من ذهابي إلى باريس". غرز شوكته في حبة بطاطا صغيرة, ومسحها بالصلصة ثم تأملها بتلذذ ظاهر. رفع رأسه بعد ذلك فاخترقتها نظراته الثابتة. -أتوقعت مني أن أقول, لا بأس يا عزيزتي. اتصلي بي. أراك الشهر القادم؟ تشنجت أعصاب معدتها بصورة مؤلمة, فمررت أحد أظافرها على طول حافة فوطتها المطرزة وأجابت: -كان التوقيت خاطئا وموقع تصوير الفيلم أيضا. كنت أعرف أنك ستحتج, ولكني أملت أن تتفهم. -بما يكفي لأوافق على بقائك بعيدة عني لفترة طويلة؟. -لم يكن الأمر ليتعدى أسابيع قليلة. أعاد تذكيرها:" في وقت لم يكن باستطاعتي تحويل مهام العمل إلى شخص آخر لكي ألحق بك. إن كنت تذكرين, لقد اخترنا ألا تكون علاقتنا مفتوحة, من أجل الالتزام بزواجنا واستمراره. وقررنا ترتيب أمورنا بحيث لا نفترق عن بعضنا بعضا". -هل تلمح إلى أنني أهتم بالتمثيل, أكثر مما أهتم بك؟ -هذا نفي لأمر تؤكده أفعالك. اتهمته ساندرين فيما رفع حاجبه في تهكم صامت:" لقد تصرفت وكأنني إحدى ممتلكاتك. شخص من المفترض أن يكون حاضرا رهن إشارة منك!... لم أقصد في غرفة النوم؟". علق مايكل متشدقا:" لقد ارتحت لسماعي ذلك". -هل قطعت عليكما حديثا ما؟ حولت ساندرين نظرها إلى صاحب الصوت ذي اللكنة الخفيفة و تكلفت الابتسام. -لاشيء غير معركة حامية في حرب مستمرة. -جلس راؤول على مقعده:" هل ترغبين في أن ألعب دور الوسيط؟". -ردت عليه بلطف:" كلا". -وأنت مايكل. -لا فائدة, سوف تستمر. شيء ما شيطاني حث الكلمات التي انسابت بسهولة على لسانها: -تدور المعركة بين امرأة هوائية متقلبة المزاج ورجل طاغية ومتسلط. سرد مايكل ما اتهمته به ساندرين بسخرية واضحة وهو يرمق أخاه بحنق. -لقد وصفتني منذ لحظة بأنني استحواذي, لدي حب التملك. هل لحقت بستيفاني؟ -نعم. -أظن أنك قدمت لها الاعتذار. أوضح راؤول بنبرة جافة, جعلت ساندرين تظهر ابتسامة رضا:" اعتذار رفضت قبوله". -هاجمتك بأسوأ الكلام. ألم تفعل؟ -شيء من هذا القبيل. سأل مايكل مداعبا:" إذن, متى تنوي مقابلتها ثانية؟". -من ناحيتها, لا سبيل إلى ذلك إطلاقا. قالت ساندرين بتصنع:" دعني أحزر. غدا؟ وما هي دواعي ذلك؟". رفع راؤول حاجبه محتجا:" هل أنا بحاجة لأي دواع؟". صرفت النظر عن الأمر. طبعا, إنه لا يحتاج لذلك. كل ما عليه فعله هو أن يستعمل قدرا من سحره الطبيعي لتنهار النساء عند قدميه. ولكنها أدركت أن ستيفاني قد تثبت أنها الاستثناء. استفهم راؤول وهو يقوم بتقطيع قطعة لحم البقر الطرية: -كم من الوقت سيتطلب إنهاء الفيلم؟ أخبرته ساندرين:" لدي يوم آخر من التصوير. ربما يومان على أقصى حد ولكن طوني يأمل أن ينجز العمل في غضون أسبوعين". -فهمت أنك ستبقين رهن الطلب, تحسبا لإعادة تصوير بعض اللقطات, والدعاية والترويج. -نعم. تحول راؤول إلى مايكل وقال:" هل تنوي البقاء على الساحل, هنا؟". قاطعته ساندرين قائلة:" سيدني. لدي عائلة هناك, وإذا اتصل الاستديو بي, أستطيع أن آخذ أول رحلة بالطائرة إلى هنا وأصل في اليوم التالي". استفهم مايكل بهدوء:" لم تنسي يا حبيبتي؟". اتسعت ابتسامتها وأصبحت أكثر بهجة وهي تسأل:" أنت؟". سخر منها بخفة: -يا لهذه الشجاعة! يا لهذا الغباء! صححت في سرها: أتظن أنها تستطيع التفوق عليه كلاميا؟ أو بدنيا أو عقليا؟ -أتريدين حلوى؟ ردت بحزم وهي تدرك الحاجة إلى أن تكون قاطعة:" قهوة". استدعى مايكل النادل وتداول مع راؤول قليلا, ثم طلب الحساب. -لقد دفع الحساب يا سيدي. -أعتقد أنك مخطئ. -كلا يا سيدي. أشارت علينا السيدة التي تناولت العشاء معكم أن تحول فاتورة الحساب على بطاقة اعتمادها. أخفت ساندرين ابتسامتها. لقد تمكنت ستيفاني من تسجيل هدفين. من جهة خذلت راؤول لانييه, ومن جهة أخرى اتبعت الإساءة بالتحقير, وذلك بتوليها دفع فاتورة الحساب. علق مايكل بنبرة جافة: -يبدو أن السيدة سومرز, امرأة شابة لا يستهان بها. -فعلا. لاحظت شيئا من السخرية في رد راؤول السريع وعجزت عن كبح ضحكة صامتة. -أنا في صف ستيفاني. نظر إليها كلا الرجلين شزرا. فحث راؤول شقيقه وهو ينهض عن مقعده:" خذها إلى البيت, وكمم فمها". ومضت عينا مايكل بالانشراح, وقال وهو يكبح ضحكته:" هذا ما أنوي أن أفعله". رافقهما راؤول إلى مدخل الفندق الرئيسي وانتظرهما إلى أن جلب الحاجب السيارة. داعبت ساندرين راؤول وهي تلقي عليه تحية المساء وتصعد إلى السيارة:" بأحلام طيبة". لم تكن تعابير وجهه مقروءة. وأطلقت ضحكة خفيفة, فيما كان مايكل يتحرك بالسيارة نزولا إلى الشارع. إن لم تكن مخطئة, لقد قابل راؤول من يتمتع بقوة شكيمة, وهي ستستمع بمراقبة هذه اللعبة. ☺☻☺☻ 7- ثمن السعادة ركزت ساندرين اهتمامها على المناظر التي أخذت تتوالى فيما كانت السيارة تنضم إلى السير المتدفق نحو الشمال. كانت ليلة صافية, ذات هواء قارص, والأضواء المنبعثة من نوافذ الأبنية السكنية العالية, تتبارى مع النجوم البعيدة المتلألئة في كبد السماء. -هل نتابع من حيث توقفنا؟ حدقت بمايكل مليا, فوجدت ظلال الليل تعزز تقاطيع وجهه. خرج صوتها بتهكم غير معتاد:" لن يغير الحديث حقيقة أن شجار حام وقع بيننا بسبب قراري الالتزام بعقد التمثيل". ضرب بقبضته مقود السيارة, فنظرت إليه غير مصدقة. -يا إلهي! الموضوع لا يتعلق بمتابعة مهنة. تمهل قليلا ليفسح الطريق أمام سيارتين ثم استطرد: -الأمر يتعلق بنا, بأن نكون معا. وليس أن أجبر على قضاء الوقت في مدينة فيما أنت في مدينة أخرى تقع على الطرف الآخر من الكرة الأرضية. هل فهمت؟ -كان أمرا لا يمكن تجنبه. رد مايكل وهو يكظم غيظه:" لم يكن ذلك ليحدث لو أخبرتني بأمر الدور في وقته لتعطيني فرصة لكي أضع خطة طارئة". ألقى عليها نظرة حادة حملت مئات المعاني قبل أن يعيد انتباهه إلى الطريق. -لن أسمح بحدوث ذلك مرة ثانية. أخذت نفسا عميقا ثم زجرته ببطء:" عفوا؟ لن تسمح بحدوث ذلك؟". رد بقسوة:" كلا. لن يكون هناك في المستقبل أي سوء تفاهم أو افتراضات. سنتواصل بصراحة, من دون أن نترك شيئا للتأويل". جابهته وهي تشعر بالتعاسة:" أنا غير متأكدة من أن هنالك مستقبلا بيننا". كان لسانها يستأهل القطع لتفوهه بهذه الكلمات الغبية. جاء صوته ناعما ومليئا بالوعيد القاتل:" أوه. بلى. لدينا مستقبل يا حلوتي الصغيرة". -كيف يمكنك أن تقول ذلك؟ -بسهولة. -وماذا عن المسائل العالقة؟ أجابها مايكل متحديا:" عددي لي هذه المسائل؟". أخذت ساندرين تعدد خطاياه على أصابعها:" أنت تضع رقابة على تحركاتي, وتتحرى عمن يعملون في الفيلم. وتخطط لصفقة إنقاذ وتجعلني أحد شروطها". وأوضحت له في النهاية: -الابتزاز... عمل إجرامي. -أنت زوجة رجل ثري. والثروة التي بين يديه تجعل عائلته كلها هدفا للاختطاف وطلب الفدية والابتزاز. ولهذا أرسلت شخصا لحراستك. -كان بإمكانك أن تعلمني بالأمر! ماذا سيكون موقفي برأيك لو شاهدت شخصا يلاحقني؟ رد عليها بحدة:" أتذكرين أنك رفضت الإجابة على أي من مكالماتي الهاتفية؟ أنا وظفت الأفضل. وليس رجلا هاويا يثير ذعرك بسبب عدم تستره". سألته وهي تشعر بالإساءة:" وما الذي فعله؟ أرسل تقريرا عن... مع من تكلمت وإلى أين ذهبت وماذا فعلت... على عدد الدقائق والأيام؟". صرخ بها حانقا:" لم يكن ذلك بسبب عدم ثقتي بك, بل من أجل حمايتك". كانت مندفعة في الكلام, وبدا أنها لا تستطيع التوقف:" كان في ذلك تعديا على خصوصياتي. وأنا أكرهك لذلك!". -اكرهيني إذن يا حلوتي الصغيرة, فعلى الأقل كنت أعرف أنك في أمان. ردت وهي تحدجه بنظرات نارية:" أظن أن التأخير في الفيلم وتخطي المصاريف لميزانيته فرصة وقعت عليك من السماء, ووفرت لك الوسيلة والسلاح الذي صوبته إلى رأسي. لن أسامحك على ذلك أبدا". -أبدا, وقت طويل. -وقت سيطول مدى حياتي. قال مايكل متشدقا:" أخبريني, ما الذي عزمت عليه بعد الانتهاء من تصوير الفيلم؟". -زيارة عائلتي. -وبعد ذلك؟ بعد ذلك, يأتي في المستقبل الضبابي, وهو أمر تعمدت ألا تعيره أي تفكير. أقرت بصدق, وتجهمت من الصوت الغليظ الذي اخترق الهواء:"لا أعرف". رفع كلتي يديه عن المقود, ثم عاود الإمساك به بشدة:" لا تعرفين الشيء التالي الذي ستقولينه لي, إنك كنت عازمة على الاتصال بي عبر محاميك". -أعتقد أن ذلك كان احتمالا ممكنا. -وليس الاتصال بي هاتفيا, أو العودة إلى البيت؟ استفهمت منه بامتعاض:" أين هو البيت, يا مايكل؟ لديك مساكن في مدن عدة. واضطررت ذات مرة أن أطلب من سكرتيرتك التحقق من مكان وجودك". -يا إلهي. أنت تعرفين رقم هاتفي الخلوي الخاص وبإمكانك الاتصال بي حيثما كنت وفي أي وقت! -ربما لم يكن لدي الرغبة في القيام بذلك! -هل خطر في بالك أنني ربما أخذت كل ذلك في الحسبان, ولهذا صوبت, كما تقولين بسخرية, سلاحا إلى رأسك؟. خفت سرعة السيارة إلى أن توقفت, أمام البوابة الأمنية التي تسمح بالدخول إلى مسكنهما. فتحت البوابة في غضون ثوان قليلة, واجتازتها السيارة إلى الداخل. -ثقي أنني كنت عندها لأستخدم أي سلاح أمتلكه. -الابتزاز يا مايكل. -أنت لم تردي على مكالماتي. هل كنت ستدعيني أدخل, لو ظهرت على عتبة باب شقتك؟ -على الأرجح, لا. على الأقل, ليس في البداية. ربما كانت ردة فعلها في الوهلة الأولى أن تصفق الباب في وجهه. الخطوة الثانية... استدعاء الشرطة؟ كلا, رفضت هذا الاحتمال في سرها. ولم تكن لتذهب إلى هذا الحد. أهو على حق في إصراره على مصالحة قسرية؟ وأن يشاركها المسكن ذاته من دون أن يعطيها أي خيارات في هذا الشأن؟ وصلا إلى الفيلا في غضون دقائق. وحالما دخلاها, صعدت الدرج متجهة إلى غرفة النوم الرئيسية. مضت أسابيع عدة وهي حانقة جدا من مايكل ومن نفسها ومن الظروف التي تسببت بهذا الشقاق بينهما. والآن تملكها نوع من الشك في صحة تصرفها وقدر من الندم .. والألم. حالما وصلت غرفة النوم خلعت حذائها وسارت إلى النافذة الكبيرة. لم تبذل أي محاولة لسحب الستائر وراحت تنظر عبر الخليج إلى مطعم متلألئ الأضواء قائم على الماء. ستغادر هذا المكان خلال أيام قليلة, والأرجح ألا تعود ثانية.. سيدني وعائلتها يستدعيانها. ستسر أمها لرؤيتها, وكذلك والدها, ولكن في مناسبات منفصلة وأماكن مختلفة. سوف تزورهم وتوزع الهدايا, تلقي التحية على أخوتها غير الأشقاء وتتظاهر بالانتماء إليهم. أغمضت عينيها وحاولت أن تتجاهل الشعور بالوحدة في أعماقها. وخزات خلف جفونها انتهت بتدفق بعض الدمع الذي انساب على خديها. #### نبهها إلى وجود مايكل صوت خافت, وحركة متأنية. وصلت لئلا يضيء النور. أحست ساندرين بع بدلا من أن تسمعه يدنو منها ويقف وراءها, ثم أمسك بها بكتفيها وشدها إلى الوراء نحوه. -أتذكرين الاتفاق الذي عقدناه؟ -عن أي اتفاق تتكلم؟ -ألا نمضي ليلة منفصلين, إلا في ظروف قاهرة خارجة عن إرادتنا. هذا صحيح. ولكن بطريقة ما, لم يكن أداء دور صغير في فيلم يصور في الطرف الآخر من العالم ليدرج في لائحة الظروف القاهرة. سألته بهدوء من دون أن تحاول التظاهر بعدم الفهم:" كيف ستحل هذا الإشكال؟". -دعينا نعيش كل يوم بيومه, ما رأيك؟ بقيت من دون حراك لبضع دقائق, ثم انزلقت يداه على ذراعيها وعقدهما معا حول خصرها. شعرت بشفتيه تلامسان خدها بقبلة رقيقة حساسة. كان إحساسا بالجنة, أن تسند رأسها إلى كتفه وتبقى هكذا من دون حراك. . وأن تستمد الراحة في الملجأ الذي يوفره لها, وأن تهنأ بلمسة يديه وعناقه. لم ينبس بأي كلمة, ولا هي فعلت. لم يتحركا, بل وقفا في مكانهما ثابتين لوقت بدا وكأنه دهر. ثم أدارها مايكل برقة لتواجهه, فرفعت يديها لتحيط بهما عنقه فيما أحنى رأسه على رأسها. عانقها بعاطفة محمومة, فأفلتت أحاسيسها من قيودها وتفجرت تجاوبا معه, واستسلمت لإحساس عارم جميل! وبعد لحظات, انقطعا فيها عن العالم, استكانت بين ذراعيه, محاولة استعادة السيطرة على أنفاسها...و استعادة صوابها. أخذا رحلة الطائرة التي تنطلق في منتصف الصباح من مطار كولانفاتا, ليصلا سيدني بعد ما يقارب الساعة. مالت الطائرة النفاثة نحو المحيط, كاشفة عن منظر شامل للمدينة والميناء: ناطحات سحاب تتجاور مع البيوت الأنيقة المنتشرة على العديد من الخلجان الصغيرة الحالمة. وأحست ساندرين بألفة مسقط رأسها عندما أخذت الطائرة بالهبوط. لقد ولدت وترعرعت وتعلمت هنا. و في هذا المكان تعيش عائلتها, ويعيش أصدقاؤها. بإمكانها أن تسترخي لبعض الوقت, وتزور عائلتها وتقابل صديقاتها وشبع ميلها للتسوق. كان يوما مشمسا وصافيا, لا تشوب زرقة السماء فيه أي غيمة تقريبا. بدا لها أن دهرا قد مضى منذ مغادرتها سيدني, لكن من ناحية أخرى شعرت وكأنها لم تغادرها إلا في الأمس. كانت شقة مايكل تقع في الطابق العلوي من منزل قديم واسع مؤلف من ثلاثة طوابق, جرى ترميمه كليا و أعيد تصميمه معماريا على مثال الدارة الأصلية. يتألف كل طابق من شقة واحدة منفصلة, يصلها مصعد بدلا من الدرج الأصلي, وقد حافظ المنزل على الأبهة التي لا يحدها زمن, والتي اكتملت بالأثاث الأثري الرائع. عشقت ساندرين الشقة منذ النظرة الأولى, وحتى هذه اللحظة. كانت تقطع الصالون الواسع إلى الأبواب الزجاجية العريضة التي تفصله عن الشرفة الطويلة لتستمتع بمنظر الخليج. داعبها مايكل باحتراس بعد أن لحق بها, ثم أحاط وسطها بذراعيه وشدها نحوه:" بم تفكرين؟". ردت عليه متأملة:" لا شيء على وجه الخصوص. شعور بالرضى لكوني في موطني ثانية". -أترغبين بالاتصال بعائلتك, لتحديد موعد اللقاء؟ ردت عليه إيجابا, لكن ليسوا مجتمعين. لقد تعلمت باكرا في الحياة ألا تخلط بين الاثنين. عرض عليها:" اختاري ما يروق لك, نخرج للغداء ثم العشاء, طالما باستطاعتي صرف بضع ساعات على الكمبيوتر كل يوم". لاحظت بنظرها باخرة تمخر عباب المرفأ ولمحت سفينة شحن في الأفق:" أتريد أن تعمل بعد الظهر, اليوم؟". -إلا إذا كان عندك فكرة أفضل؟ اعترتها رغبة لا تقاوم في الإيقاع به:" حسنا, مضى وقت طويل منذ قمت بتقليم أظافري, كما أن شعري يحتاج إلى بعض الترتيب, واحتاج إلى بعض مستحضرات التجميل". جاراها في النكتة وهو يمط كلامه متفكها:" أنا أعمل, وأنت تتسوقين". -هل أنت متأكد من عدم ممانعتك؟ -اذهبي يا حبيبتي. وعودي عند الساعة السادسة, ولنتناول العشاء خارجا. يمكن أن تفك أمتعتها لاحقا. أفلتت من بين ذراعية وهي تطلق ضحكة خفيفة, ثم التقطت حقيبة يدها, وأرسلت له قبلة في الهواء قبل أن تهرع إلى الباب الأمامي. تمتعت ساندرين بالتجوال بضع ساعات. وراق لها في أحد المحلات الراقية حذاء رائع, فاشترته. كان الوقت يقارب السادسة مساء, عندما توقفت سيارة الأجرة أمام الشقة. وبعد أن دقق الحارس بهويتها, صعدت إلى الطابق العلوي. وجدت مايكل جالسا إلى طاولة مكتب أثرية في إحدى زوايا الصالون, فرفع رأسه عن شاشة الكومبيوتر حالما دخلت الغرفة. وكان قد بدل ملابسه وارتدى قميصا باللون العاجي وسروالا داكنا. ظهرت على محياه ابتسامة دافئة وهو يطبق جهاز الكومبيوتر بعد أن لمح أكياس المشتريات ذات الألوان البراقة ولاحظ تسريحة شعرها الجميلة. رحت ساندرين الأكياس على كرسي قريب منها قائلة: -لقد اشتريت زوج أحذية. ولوت أنفها ثم أردفت:" مرتفع الثمن جدا". خرجت من حلقه ضحكة مبحوحة فيما هو يدنو منها:" هم مم. . . عطر جديد". -لاحظت ذلك. -أنا ألاحظ كل شيء يتعلق بك. تماما مثلما طورت هي حاسة سادسة حادة فيما يخصه. رائحة النظافة التي تفوح منه, وعطر الصابون و الكولونيا اللذين يستعملهما, وأريج ثيابه المغسولة والعطر الرجولي الذي يميزه عن الآخرين. -ما هو موعد الحجز في المطعم؟. -الساعة السابعة. -إذن من الأفضل أن أباشر فك الأمتعة وأستحم قبل أن أرتدي ملابسي. دس يده خلف شعرها وأمسك بمؤخرة عنقها وأحنى رأسه عليها. جاء عناقه مليئا بالمشاعر والإثارة, و شابها شعور غامض بالأسف عندما أفلتها. كانت ليلة صيف دافئة, فاختارت سروال سهرة من الحرير الأسود وقميصا مطرزا. وانتعلت حذاء خفيفا ذا كعب رفيع جدا. وأكملت أناقتها بحقيبة سهرة مطرزة تتناسب مع ملابسها ثم وضعت ماكياجا خفيفا. اختار مايكل مطعما يقدم المأكولات البحرية, فطلبا بادئ ذي بدء طبقا من القريدس ثم اتبعا ذلك بالسمك المشوي. -هل اتصلت بوالديك؟ انتابها شعور بالذنب لعدم قيامها بذلك وقالت: -سوف أكلمهما في الصباح. وضعت المقبلات أمامهما وأخذت تقضم القريدس وتتلذذ بمذاقه. ياللسماء! الصلصة مثالية. -بوجودكما, أنت وراؤول, في استراليا, من يدير. . . -العمل؟ -أتكلم مجازيا. -يترأس هنري فريق عمل كفؤ جدا في غيابنا. -متى سيعود راؤول إلى باريس؟ شاب ابتسامته شيء من الامتعاض:" ما هذا يا ساندرين, لعبة العشرين سؤالا؟". هزت كتفها بعدم اكتراث:" أعتقد أنه فضول وحسب". -مخططاته أقل مرونة من مخططاتي. استفهمت منه من دون وجل:" وأنت مايكل! إلى متى ستبقى في استراليا؟". حدجها بنظرة مباشرة وثابتة:" قدر ما يحتاج الأمر". لم تتظاهر بعدم الفهم, ولكنها شعرت فجأة بالامتعاض وانقبضت معدتها بصورة مؤلمة. -قد يستدعوني للعودة إلى الاستديو لإعادة تصوير لقطة من الفيلم. وهنالك أيضا الدعاية والتسويق... -أنا بذاتي كنت أعمل كل يوم منذ وصولي إلى استراليا. الكمبيوتر. بالإمكان, في هذا العصر الالكتروني, تلقي و إرسال كل المعلومات والتقارير بضغطة زر. -لا داعي لكي... قاطعها مايكل:" بلى, هنالك داع". -مايكل... جرجرت الكلام إلى أن توقفت. ورغم أن عينيها كانتا في عينيه, إلا أنها عجزت عن قراءة تعابيره. -أتذكرين أننا تعاهدنا على أن نعيش كل يوم بيومه؟ نعم. لقد فعلا. ولكن, مع كل يوم يمر, كانت تدرك, كم سيكون صعبا عليها العيش من دونه. لقد عرفت أنها لا ترغب بذلك, من السهل إذكاء حدة العواطف. يكفي أن تنطق بالكلمات التي يريدها. ولكن, يجب أن تكون هذه الكلمات مناسبة, ويجب أن يكون الوقت مناسبا, والمكان مناسبا أيضا. عندما يكونان معا تمنحه جسدها وروحها بسخاء, وتتمنى أن يعرف ما يعنيه لها. ولكنها عاشقة صامتة, وكلمة أحبك, لم تتفوه بها منذ الليلة التي سبقت مغادرتها نيويورك. جلب لهما النادل طعام العشاء الرئيسي, ونظرت ساندرين إلى طبق السمك الشهي, وطبق السلطة المعد بإتقان لتكتشف أنها فقدت شهيتها. لهذا, فقدت قدرتها على الكلام أيضا. فكيف يمكن تبادل العبارات العادية مع شخص لا تستطيع منه فكاكا اليوم بطوله؟ ما كان عليها إلا أن تنظر إليه, لتفقد سيطرتها على مشاعرها وتنتقل إلى عالم آخر من الأحاسيس المثيرة والجامحة. كان مثل لعبة صامتة يلعبانها معا, من دون أي تخطيط مسبق. تجري يبنهما مشاعر جاهزة للاشتعال مثل النار في الهشيم اليابس. لطالما كان الأمر على هذا المنوال . هل اختلط عليها الأمر بين الانجذاب الجسدي والحب؟ وما هو الحب؟ إذا عزلت الرغبة الجسدية فما الذي يبقى؟ صداقة قوية؟ كانت لتجيب نعم, قبل أن يمنعها من تمثيل دورها في الفيلم. لأن الصديق كان سيسر لاجتيازها اختبار الأداء بنجاح. مع ذلك, رغم أن الصداقة عامل مهم في الزواج, إلا أن الاقتران الشرعي ينطوي على الالتزام و الإخلاص والثقة والصدق. لأنك عندما تحبين, ترغبين بالالتزام, كما يحتاج نجاح هذا الاقتران إلى وجود الصراحة والثقة. عندما وصل الحديث إلى الصراحة, غيرت الموازين ووقعت عقد عمل من دون معرفته وضد رغبته, ثم واجهته في اللحظة الأخيرة. واستقلت الطائرة وباشرت العمل, وليكن ما يكون. كانت حينها غاضبة من تصلب موقفه. في الواقع, لم تعط الأمر ما يستحقه ن التفكير. كان جزء منها يكن تقدير لحرمة الزواج. كما أن مشاعرها تجاه مايكل لم تكن محط تساؤل. ولكنها امرأة شابة مستقلة, تملك شقة, وسيارة, وتمارس مهنتين رائعتين, تحبهما. لقد عاشت مثل الطيور على حريتها, غير مسؤولة إلا عن نفسها. لماذا تخيلت أن زواجها من مايكل لن يغير هذا الوضع؟. أنبها صوت في داخلها, كوني صريحة! الحب هو القوة الدافعة الرئيسية في هذا الاقتران . كنت مأخوذة جدا بسحر كل ما في هذا الاقتران بحيث لم تركزي تفكيرك على المستقبل كثيرا. عيشي ليومك! وهي فعلت, غير أنها كانت أكثر من راغبة في أن يطيح مايكل بصوابها, وغمرتها المتعة لفكرة أن يكون هذا الرجل شريك حياتها, ووثقت بأن الحب سيقهر جميع العقبات. وفي عالم حاربت فيه النساء من أجل المساواة مع الرجال, كانت ترى أن الجمع بين الزواج والمهنة أمر بديهي. ولم يعترض مايكل على مشاركتها في بعض عروض الأزياء. فلم اعترض على لعبها دورا في الفيلم؟ لقد فعل ذلك! وأثبت بصورة قاطعة أنه لا ينظر إلى الزوجين كشريكين يمارسان مهنتين منفصلتين, ويعيشان حياتين منفصلتين أيضا. -ألم تحبي هذا النوع من السمك؟ رفعت ساندرين نظرها إليه بسرعة:" أنا لست جائعة كثيرا". أخذت بشوكتها بعض السلطة, واتبعتها بشيء من السمك ثم احتست رشفة شراب, على أمل أن يفتح ذلك شهيتها. قال مايكل إنه استطاع الحصول على تذاكر لحضور مسرحية البؤساء. فردت عليه بابتسامة. لقد شاهدت فبلا, فيلمين مختلفين اقتبست قصتهما عن رواية البؤساء. -هذا عظيم. متى؟ -غدا مساء. كانت ترغب بمشاهدة فيلم ناجح آخر يعرض حاليا, وأخبرته بذلك, ثم قالت:ط ربما أطلب من أنجلينا مرافقتنا". توقفت عن الكلام وهي تدرك مدى السعادة التي تستشعر بها أختها غير الشقيقة. وعلى أي حال, يجب أن تعتمد المساواة, وذلك بتوفير دعوة مماثلة لأخيها غير الشقيق:" طبعا. ولكن تحققي أولا من الليلة التي تناسب والدك ووالدتك لدعوتهما إلى العشاء, كضيفين علينا". فكرت مليا:تداخلات العائلة تتطلب معاملة دقيقة. كانت الساعة قد بلغت العاشرة مساء عندما غادرا المطعم, وأوقف مايكل سيارة الأجرة في غضون دقائق لنقلهما إلى البيت. شعرت ساندرين باسترخاء لذيذ وهما يدخلان الشقة, فخلعت حذائها وحملته من رباطه بإصبعها. -هل تريد قهوة؟ رد مايكل وهو يخلع سترته:" سأحضرها بنفسي. يجب أن أتحقق من ورود بعض المعلومات في الكومبيوتر". -حسنا سأذهب إلى الفراش و أطالع قليلا. حاولت أن تكبح شعورا بالخيبة انتابها. كان جزء منها يرغب في أن تستكين بين ذراعيه. لعلها لن تكون نائمة عندما يأوي إلى الفراش, وإن كانت نائمة, فسيوقظها. غير أنها لم تتمكن من قراءة أكثر من فصل واحد, ثم انزلق الكتاب من بين أصابعها ووقع على الأرض. ولم تأت حراكا عندما اندس مايكل بهدوء إلى جانبها بعد مرور ساعتين. ☻☺☻☺ 8-نظرة جديدة حملت ساندرين الهاتف اللاسلكي إلى غرفة النوم بعدما تناولت طعام الإفطار. وطلبت أمها, غير أن المخابرة حولت إلى الهاتف الخلوي حيث عثرت على أمها شانتال عند مقلم الأظافر. -العشاء, عزيزتي؟ طبعا أرغب بالمجيء. كم من الوقت ستمكثين في المدينة؟ -أسبوعا على الأقل. -لا أستطيع خلال عطلة الأسبوع. ما رأيك في يوم الخميس؟ وافقتها:" يوم الخميس مناسب". -قلت مطعم كريستال. الساعة السابعة؟ سنقابلك هناك؟. وجدت أباها منهمكا في اجتماع عمل عندما اتصلت به, ولكن لوكاس أخذ المخابرة, وجاءت المحادثة معه وجيزة مثل محادثتها مع أمها. دونت ساندرين في مفكرتها الموعد الذي اتفقت عليه مع والدها:" يوم الجمعة". بقي أخوها ايفان وأختها أنجيلينا, وهما يتنافسان بشدة لنيل اهتمامها. كلاهما كان في المدرسة ولم تستطع الاتصال بهما إلا قبيل المغرب. لم يكن هناك غير قلة من الأصدقاء الحميمين الذين أرادت الاتصال بهم, وأمضت الساعة التالية وأذنها ملتصقة بسماعة الهاتف. كان مايكل جالسا إلى طاولة مكتبه في الصالون عندما دخلت. وجدت الكومبيوتر مفتوحا, وهو يتكلم على الهاتف الخلوي بلغته الفرنسية السريعة. تجولت ساندرين في المطبخ وصبت لنفسها كوبا من عصير البرتقال الطازج, ثم جلست إلى مائدة الطعام وأخذت تتصفح الصحيفة اليومية. استفهم مايكل بعد أن أنهى مكالمته:" ماذا تريدين أن تفعلي اليوم؟". -أنا...أنا؟ تمهلت وهي تبتسم بخفة ثم تابعت:" أم أنا...أنت وأنا؟". رد عليها متشدقا فيما كان يمد يده ليمسك بذقنها:" أنت وأنا الالتصاق ببعضنا البعض قد لا يكون حكيما". -أنا رهن إشارتك. فاختاري ما تريدين. تظاهرت أنها تفكر في الأمر وهي تعد الاحتمالات على أصابعها:" الشاطئ أو السينما أو التسوق, التجول حول خليج دارلينغ, زيارة الحدائق الصينية أو المعارض الفنية أو المتحف, ما رأيك؟". أضافت دون أن تغير في نبرة صوتها:" أو بإمكاني تقييدك إلى السرير وأتصرف معك بطريقتي الخارجة عن المألوف". ثم ابتسمت له ابتسامة صاعقة و أردفت:" أفضل التجوال حول خليج دارلينغ. سأذهب لأبدل ملابسي". أمال ذقنها جانبا وطبع على خدها قبلة قصيرة جدا ومثيرة وقال:" سوف آخذ تذكرة مؤجلة". -لخليج دارلينغ؟ ومضت عيناه بالمرح وهو يرد:" للفراش". أفلتت من قبضته وقالت:" ولكنك قلت إنني أنا من يحق له الاختيار". كان نهارا جميلا, يهب فيه نسيم يكفي لكسر حدة حرارة الصيف. تمشيا معا على طول مجمع خليج دارلينغ, وتمتعا بوجبة رائعة في مطعم مواجه للبحر, ثم تجولا في المحلات وعبرا جسر المشاة. #### كانت الساعة تقارب السادسة مساء عندما وصلا شقتهما. وبعد أن أخذ كل منهما حماما سريعا ارتديا ملابس السهرة الأنيقة واستقلا سيارة أجرة نقلتهما إلى الوسط التجاري. لم يكن لديهما ما يكفي من الوقت لتناول وجبة على مهل, ولهذا أغفلا المقبلات وتناولا الطبق الرئيسي فقط, لكي يتمكنا من أخذ مقاعدهما قبل بدء عرض الفصل الأول من مسرحية البؤساء. كانت المسرحية رائعة. وأطرت ساندرين بسخاء على إخراج المسرحية, عندما خرجا إلى البهو بعد انتهاء العرض. اختارا مقهى حديثا لشرب القهوة ثم أوقفا سيارة أجرة لتأخذهما إلى البيت. أحاط مايكل خصرها بذراعه ما إن دخلا المصعد, وأراحت ساندرين رأسها على كتفه. كان يوما ممتعا, تبعته ليلة جميلة... ولم تخف عنه ذلك. أضافت ببساطة وهما يدخلان صالون الشقة:" شكرا". -على ماذا يا حبيبتي؟ على قضاء يوم مع زوجتي؟ -لأنك أعطيتني وقتك. ضمها بين ذراعيه وعانقها, بنعومة في البداية, ثم بشوق متزايد فيما أحاطت ذراعيها عنقه. مر بعض الوقت قبل أن يفلتها, تاركا يديه معقودتين حول خصرها. -ألن تتحقق من ورود رسائل على الكومبيوتر؟. -ليس هنالك من أمر لا يمكن تأجيله حتى الصباح. عبرت الردهة الواسعة واتجهت إلى غرفة النوم الرئيسية, وهناك خلعت حذائها, ثم بدأت بانتزاع دبابيس شعرها, ولمست يدها يد مايكل وهي تحل عقدة شعرها الأنيقة. وعندما انتهت ساعدته على خلع سترته وقميصه. راح يحدق إليها بنظرات ثابتة, فمبادرتها لمساعدته تترك في نفسه آثارا لا تمحى. وكان يترجم ذلك إلى مزيد من التشبث, والالتصاق بها. شعر, أنه مدين لها بالكثير من السعادة. خلدا إلى النوم في أحضان بعضهما البعض, وآخر ما تذكرته ساندرين هو قبلة مايكل الرقيقة التي طبعها على صدغها, وصوت ضربات قلبه القوية في صدره. حمل لقاء العشاء مع أمها وزوجها وأختها أنجلينا لمحة من الحزن. طمأنتها أمها عندما اتصلت بها هاتفيا في اليوم التالي, ولكن ساندرين لم يقنعها هذا التطمين. جاءها الجواب خلال جولة تسوق مع أنجلينا التي صارحتها بالأمر:" أمي وأبي سيتطلقان". اعترت ساندرين مشاعر متضاربة ولكنها تمكنت من كبح معظمها وهي تتأمل ملامح وجه أختها الحزينة و تعابيره الشاحبة, فسألتها برقة:" ما شعورك حيال هذا الأمر؟". -أكره ذلك. رددت في سرها, أفهمك. قد لا يكون روبرتو الزوج المثالي, ولكنه أب حنون. استنجت وهي ترى أختها تفور غضبا:" أتكرهينه؟". -بل أكرهها. ما الذي تفعله؟ يكاد أبي يقيم في مكان عمله, وأنا كدت لا أذهب إلى امتحانات المدرسة, وقد حصلت على علامات رديئة. نهضت من مكانها:" حسنا, دعينا نذهب". ابتسمت لأنجلينا ابتسامة ذات مغزى, وهي تشير إليها بمواكبتها:" نذهب للتسوق. هيا,, انهضي يا فتاة, و سوف أحقق لك ما يعجز عن تصوره خيالك". اكتسى وجه أختها بجملة من العواطف المتضاربة:" حقا؟". التزمت ساندرين بكلمتها, وعندما نزلت أنجلينا من سيارة الأجرة أمام منزلها عند الغروب كانت محملة بمجموعة واسعة ومتنوعة من أكياس المشتريات. طبعت أنجلينا قبلة على وجنتها قبل أن تخرج من السيارة:" شكرا يا ساندرين, أنت أفضل أخت". أنكرت ساندرين ذلك في صمت, فيما انطلقت سيارة الأجرة. لقد سرت على الخطى نفسها عندما تطلق والدي, وددت لو وجدت إلى جانبي شخصا يتفهم ألمي. كلمت مايكل من هاتفها الخلوي لتخبره أنها ستتأخر في العودة, وكانت الساعة تقارب السابعة مساء عندما ولجت الشقة. قابلها مايكل عند الباب, ولما لاحظ توترها الظاهر, ألغى فورا البرنامج الذي وضعه للسهرة. وبدلا من ذلك, طبع قبلات رقيقة على جبينها ودفعها برقة باتجاه غرفة النوم. -اذهبي وغيري ملابسك, وسوف أطلب عشاء. ألقت ساندرين عليه نظرة امتنان:" بيتزا؟". -حسنا. تابعت سيرها, ودخلت الحمام الملحق بغرفة النوم, وأخذت حمامها على مهل ثم ارتدت روبا حريريا قصيرا وعقدت شعرها. كان مايكل متمددا على إحدى أرائك الصالون, فربت على المقعد إلى جانبه, وهي تعبر الصالون. -تعالي إلى هنا. بعض السلوى سيشعرها أنها في الجنة, ولهذا اندست على الأريكة إلى جانبه ولفت قدميها تحتها واستلقت في أحضانه. -أتخبريني بما يكدرك؟ هل هي واضحة إلى هذا الحد؟ أم أن هذا الرجل يعرفها جيدا بحيث لا يفلت منه إلا القليل؟ أخبرته بإيجاز, وهي تتساءل في سرها كيف يمكن لشخص لم يمر بتجربة مماثلة أن يفهم معنى تحطم العائلة. -هل أنت قلقة على أنجلينا؟ فردت ساندرين ببطء:" تتسبب الأزمات العاطفية بتأثيرات بعيدة المدى. فقد وعيت قدرتي على التحمل, و أصبحت استقلالية جدا, ومتكاملة بذاتي. أظن أنني بنيت حول نفسي قشرة واقية". وافقها مايكل في سره. لقد أزالتها من أجله, غير أنها ترفع الحاجز ثانية عند أول إشارة عدم اتفاق: حماية الذات ... وهو يعرف هذا الأمر تمام المعرفة. رن هاتف المبنى الداخلي, فرد عليه مايكل, ثم فتح بوابة المبنى للشاب الذي جاءهما بالبيتزا. أخذا يلتهمان قطعها الطرية, وهما يشاهدان فيلما عاطفيا كوميديا. سار اليوم التالي على المنوال ذاته. خصص مايكل النصف الأول من يومه للعمل على الكومبيوتر والهاتف الخلوي, فيما التقت ساندرين صديقاتها. كانا يتناولان العشاء معا في غالبية الأمسيات ويذهبان بعدها لحضور فيلم سينمائي أو عرض مسرحي. ***** اختار أخوها من أبيها ايفان حضور العرض الأول لآخر فيلم من سلسلة أفلام حرب النجوم, و دعته لتناول الهامبرغر و الكوكاكولا المفضلين عنده. ظهر أن تبادل الحديث مع أمها صعب للغاية, خاصة وأنها أجلت موعدين لتناول الغداء. ولكنها أصابت الهدف في المرة الثالثة, حيث اندست شانتال على الكرسي المقابل لساندرين, وهي تتمتم بالاعتذار حول صعوبة إيجاد مكان لإيقاف السيارة وسط المدينة. طلبت من النادل شرابا مميزا. -أتحتفلين يا شانتال؟ لم تناد شانتال بـ "ماما" منذ كانت في سن المراهقة. -يمكنك أن تقولي ذلك يا عزيزتي. -حياة جديدة؟ ردت شانتال من دون أن يظهر عليها الاكتراث:" أخبرتك أنجلينا". أومأت ساندرين برأسها:" كدرتني هذه الأخبار". -إنها حياتي, وأنا حرة فيها. -مع رجل يصغرك بسنوات عديدة؟ أعطت شانتال النادلة طلباتها ثم أسندت ظهرها إلى المقعد وأخذت رشفة من شرابها قبل أن تقول: -ظننت أني سألتقي ابنتي الكبيرة على الغداء لتبادل الأحاديث. -وأنا أظن أنه يحق لي بعض الإيضاحات. -لماذا؟ هذا لا يؤثر في حياتك أبدا. لذعها الرد. -انه يؤثر في أنجلينا, مثلما أثر في انفصالك عن لوكاس. أجابت شانتال بعدم اكتراث:" سوف تتخطى الأزمة. أنت فعلت ذلك". نعم, ولكن بأي ثمن؟ لقد جعلها الأمر تنطوي على ذاتها بحيث أصبحت لا تفكر إلا في نفسها وفي حاجاتها ومتطلباتها ورغباتها, وكاد يكلفها ذلك الانطواء زواجها. أحست برعشة خفيفة تسري في جسدها النحيل. إنها لا تريد أن تصبح مثل شانتال, تنتقل من رجل إلى آخر عندما لا يعود باستطاعتها أن تسير بالحياة على شروطها. هذا ليس حبا, إنه الانطواء على الذات في أشد درجات خطورته. قالت في سرها: أنا اهتم بمايكل بما يكفي لأبني مستقبلا معه. بدا لها وكأن الأمور عادت إلى نصابها. لذا, قررت التوقف عن مناقشة تصرفات شانتال غير الرزينة. واختارت بدلا عن ذلك طرح أسئلة لا معنى لها, أجابت عليها شانتال ببراعة فيما كانتا تتناولان الطعام. غادرا المطعم عند الثالثة بعد الظهر, وذهبت ساندرين للتسوق, ولم تسرف في الشراء. ابتاعت ربطة عنق لمايكل, رغم أنه يملك عددا كبيرا منها, لكنها أعجبت بهذه الربطة ودفعت ثمنها بواسطة بطاقة اعتمادها الخاصة, وليس ببطاقة الاعتماد البلاتينية, التي أعطاها إياها مايكل صبيحة زواجهما. قالت وهي تقدم له ربطة العنق حالما دخلت الشقة:" هذه لك". -شكرا يا حبيبتي. -إنها ليست بالشيء الكثير. ابتسم لها ابتسامة دافئة, جعلت الدم يفور في عروقها. -الفكرة بحد ذاتها يا حلوتي الصغيرة لها قيمة أكبر بكثير من قيمة الهدية الفعلية. -لقد اتصلوا بك بعد الظهر. يريدك طوني أن تعودي إلى الاستديو لإعادة تصوير إحدى اللقطات. اللعنة! الاضطرار إلى إعادة التصوير أمر تمنت تجنبه. -متى؟ -غدا, لقد حجزت لك مقعدا على رحلة تقوم باكرا وغرفة في فندق هناك. أدركت أن العمل في الأيام القادمة سيستمر على قدم وساق, وسيلي التصوير العمل على الدعاية والتسويق. طلب منها مايكل:" اذهبي وبدلي ملابسك. سوف نتناول الطعام خارجا ونخلد معا إلى الفراش باكرا". ☻☺☻☺ 9-تحدي اللبؤة كان يوما حافلا, فكرت بذلك وهي تركن السيارة في المرآب. أعادوا تصوير المشهد الأخير مرارا وتكرارا, و بدلا من أن تتمكن من مغادرة موقع التصوير حوالي منتصف النهار, هاهي الآن الساعة السابعة مساء. كانت متعبة وتعاني من صداع, وتتضور جوعا, وكل ما ترغب فيه هو حمام ساخن في الجاكوزي وموسيقى لتهدئة أعصابها. حمدت ربها بصوت هامس عندما دخلت الشقة. فاجأتها مايكل وهو يخطو لمقابلتها:" كنت على وشك ترتيب بعثة إنقاذ". لاحظ قسماتها الشاحبة, والهالات السوداء حول عينيها, وتهدل كتفيها فتتساءل عما أصابها خلال النهار. وما إن أحاطت يداه بكتفيها وقبل وجنتها بخفة وحنان حتى أطلقت لمشاعرها العنان, ودفنت وجهها في عنقه. أصر طوني على إعادة اللقطة مرارا, بحيث فقدت القدرة على العد بعد المرة الخامسة عشرة. كانت رائحته ذكية, وملمسه لطيفا وكان من الممكن أن تستند إليه هكذا العمر كله. رفعت رأسها بعد دقائق وتملصت من بين ذراعيه. -سوف أنقع نفسي في المغطس. ماء فاتر وزيوت عطرية وموسيقى ناعمة. أغمضت ساندرين عينيها, فأخذ التشنج يتسرب تدريجيا من عظامها. لم تشعر بمايكل يدخل غرفة الحمام, ولم تحس بوجوده إلا عندما مسح خدها بأصابعه. فتحت عينيها بأقصى ما استطاعت وفغرت فمها دهشة. رفعت يدها لكي تنزع السماعات من أذنيها, فأصر على إبقائهما في مكانهما ووضع يديه على كتفيها, ليدلكهما بلطف خفف من توتر عضلاتها المتشنجة. تنهدت بارتياح, وسرت في جسدها حرارة لطيفة وأخذت بالاسترخاء. شعرت أن رأسها أصبح خفيفا, وظنت بشيء من التشوش أن السبب هو عدم تناولها أي طعام منذ وجبة الغداء. لم يكن لدى ساندرين أدنى فكرة عن الوقت الذي أمضته في الماء المنعش. بدا لها أنه لم يكن طويلا. سألها مايكل, وهو يحملها بين ذراعيه إلى غرفة النوم:" كيف تشعرين؟". -بالاسترخاء. أضاء مصباح السرير الجانبي, وأزاح أغطية السرير ووضعها في الفراش, ثم انضم إليها. كل ما كانت ترغب فيه هو النوم بين ذراعيه, وإراحة رأسها على صدره, واغتراف القوة والراحة من حنانه الذي لا ينضب. شعرت بيديه تشدانها إليه أكثر فهمست اسمه في شبه احتجاج. طلب منها بصوت مبحوح:" ما عليك سوى إغماض عينيك واتركي الباقي لي". وعندما خلدت إلى النوم, احتضنها بشوق, وأرخى شعرها المنسدل المتحرر من كل قيد, نهرا من الحرير على وسادته. انتظر مايكل ساعة قبل أن ينسل خارج الفراش بحذر. كان يزمع تحضير وجبة العشاء, وتركها نائمة لمدة ساعة لا غير. كانت مستلقية كما تركها عندما رجع إلى غرفة النوم, فوقف بهدوء عند السرير وأخذ يراقبها بضع دقائق وهي نائمة. إنها تتمتع بروح متمردة, واستقلالية جديرة بالثناء. هذه الصفات بالذات جعلته ينجذب إليها, مثلما جذبه صدقها الأصيل والطبيعي. لم تستهوها ثروته مثلما استهوت أخريات. كان من النادر أن تحبه امرأة لما هو عليه وليس كوريث لثروة آل لانييه. هل تدرك كم هي غالية عنده؟ إنها الهواء الذي يتنفسه, الشمس التي تضيء نهاره والقمر الذي ينير ليله. ولكن الحب وحده لا يكفي, ولم يكن من الغباء ليتخيل بأن عقد الزواج والخاتم كافيان لضمان سعادة تدوم مدى العمر. تحركت ساندرين وفتحت عينيها لتشاهد الرجل الواقف عند السرير, فابتسمت له ابتسامة رقيقة متمهلة. احتجت بصوت مبحوح:" ما كان يجب أن تدعني أنام. كم الساعة الآن؟". -حوالي الساعة العاشرة. هل أنت جائعة؟ أجابت على الفور, من دون أدنى تفكير:" أتضور جوعا". -لقد حضرت طعام العشاء. اتسعت عيناها من الدهشة, وسألته:" هل قمت بذلك فعلا؟". استوت جالسة على السرير, ثم ضحكت معلقة على ابتسامته الخبيثة:" أعطني خمس دقائق". استغرق استعدادها سبع دقائق, وتأملت ساندرين المائدة بتلذذ وهي تجلس إليها. -يالسعادتي, لديك موهبة خفية. استفهم مايكل هازئا:" تقوليها بصفة المفرد؟". هتفت استحسانا وهي تحتسي جرعة من العصير وتتلذذ بمذاقه: -بصيغة الجمع, حتما بصيغة الجمع. التهمت ساندين الطعام بمتعة وتلذذ, ولم تترك لقمة في صحنها. راقبت مايكل وهو يتوجه إلى جهاز الستريو ويضع فيه قرصا مدمجا, ثم يعود إليها وينهضها عن الكرسي. استفهمت منه بضحكة خافتة فيما كان يقودها إلى وسط الغرفة ويقربها منه:" ما الذي تفعله؟". كانت موسيقى الأغنية التي يغنيها مطرب شعبي جميل الصوت, بطيئة وكلماتها مثيرة للأحزان. هذا رائع, رائع جدا, وتنفست ببطء فيما كان يحضنها. داعب ظهرها بأنامله نزولا على طول العمود الفقري, فيما كانت تشبك ذراعيها حول عنقه. أدناها منه أكثر, فمالت برأسها إلى الخلف وتركته يعانقها عناقا بطيئا وحلوا, لم ترغب البتة في أن ينقطع. شهقت ساندرين بصمت عندما رفعها بين ذراعيه, ثم حملها إلى غرفة النوم. ****** -تحركي يا عزيزتي. أقرب قليلا, الآن, ابتسمي! إذا تلفظ المصور مرة أخرى بكلمة ابتسمي فسوف تبدأ بالصراخ! ###### كانت تلك نهاية يوم طويل جدا, مليء بالمقابلات الصحفية من التاسعة إلى الحادية عشر صباحا. وتلا ذلك تصوير لقطات الأزياء للنسخة الأسترالية من مجلة أزياء شهيرة, كما حضرت بعد ذلك حفلا خيريا أقيم في فندق ميراج شيراتون, وتخلله عرض أزياء مختصر. ستقام الليلة حفلة رسمية لإطلاق حملة الدعاية للفيلم, يحضرها رجال المجتمع والمال والشخصيات الرسمية, الذين دفعوا بسخاء كي يلتقوا ويختلطوا مع المنتج والمخرج والممثلين. كان كل ذلك جزءا من إستراتيجية التسويق التي تهدف إلى أن تترك حملة الدعاية وقعا و أصداء. أجرى كل من غريغور و كايت مقابلات صحفية في فندقهما, كما ستظهر إعلانات في التلفزيون وصالات السينما. لم يكن لساندرين مرتبة النجوم, ولكنها جذبت الأنظار, لموهبتها في التمثيل وعرض الأزياء. وزواجها من مايكل لانييه, كفل لها تغطية صحفية كاملة. تمتمت كايت بشيء من السخرية:" تظاهري يا عزيزتي, من المفترض أن تكوني ممثلة, مثلي إذن!". ردت عليها بلطف:" مثلما تفعلين... يا عزيزتي؟". أسر غريغور لساندرين همسا:" إنها حقا فقاعة مضحكة يائسة, لكنها مميتة". ردت كايت بامتعاض:" أستطيع الفوز بأي رجل أرغب به". عارضها غريغور قائلا:" كلا, معظمهم يا عزيزتي. وليس جميعهم". -اذهب واشرب البحر. -أنا لا أقوم بأعمال مستحيلة علميا. -يمكنك أن تجرب. نادى المصور وهو يشير بيده نحو المرفأ السياحي وأحد اليخوت الفاخرة بصورة خاصة: -سوف ننتقل إلى هناك. كم من الوقت سيستغرق التصوير قبل أن تتمكن من الانسحاب؟ من المؤكد أنهم لا يحتاجون إليها مدة طويلة؟ -حسنا يا ساندرين, بإمكانك الذهاب. كايت, غريغور, أريد التقاط بضع صور داخلية لكما. شكرا للسماء! تكاد ترتكب جريمة قتل من أجل الحصول على شراب مثلج مريح لتهدئة أعصابها المشدودة. قالت كايت بتهكم:" ما أسعدك, لقد تخلصت من الأغلال؟". للوقت الحاضر. نزلت من اليخت وخرجت بسرعة من المرفأ. قطعت جسر المشاة وتوجهت إلى جناحهما. وجدت مايكل يجلس إلى طاولة مكتب صغيرة, وقد طوى أكمام قميصه, وحملق في شاشة جهاز الكومبيوتر. التفت إليها ثم رفع حاجبه, حين اتجهت مباشرة إلى الثلاجة وأخرجت منها زجاجة عصير. سألها وهو ينهض على قدميه ويدنو منها: -أكان يومك عصيبا إلى هذا الحد؟ فتحت زجاجة العصير وصبت محتوياتها في كوب ثم احتست جرعة كبيرة:" أوه. نعم . والليلة ستكون أسوأ". شعرت بيديه فوق كتفيها وتنهدت عندما أخذ يدلك العضلات المشدودة ببراعة. -ذكرني أننا سنغادر غدا بالطائرة. صحح وهو يقبل صدغها بنعومة:" سنمضي يومين في سيدني, ثم نعود إلى بيتنا". لكلمة البيت رنة جميلة. وارتسمت في ذهنها صورة شقتهما في نيويورك المطلة على حديقة سنترال بارك, وتنهدت ثانية وهي تشعر أن بعضا من توترها قد زال. -لدي بعض الأمور التي يجب أن أنهيها هناك. سيستغرق ذلك أسبوعا, أو أكثر بقليل, وبعد ذلك سنمضي بعض الوقت في باريس. قالت ساندرين بحماس:" أظن أني واقعة في حبك". -تظنين فقط يا حبيبتي؟ فتحت فمها لكي تحتج ثم أغلقته ثانية وقالت:" كنت متصنعة". -إذن يستطيع المرء أن يأمل. استدارت ببطء لتواجهه ورأت وميض التهكم الظاهر في عينيه الداكنتين, فحاولت أن تضرب صدره بقبضتها. وفي اللحظة التالية, صرخت وهو ينتزع الكأس من بين أصابعها ويحملها على كتفه. -ما الذي تفعله؟ اتجه نحو الحمام, فسألته:" مايكل؟". -سوف تأخذين حماما. لمحت المشاعر الجامحة الظاهرة في عينيه, فهزت رأسها قائلة:" ليس لدي الوقت لذلك". -بلى, لديك الوقت. تساقطت المياه على رأسها وسمعت ضحكته المبحوحة وهي تلعنه, ثم توقفت عن الحراك واستمتعت بالحمام. شعرت بالراحة, فيما الحرارة تدب في جسدها, وتأوهت بصوت مرتفع عندما استرخت أعصابها كليا. نظرت ساندرين إليه بارتياب خبيث بعد أن خرجت من الحمام وقالت بصيغة الجزم وليس السؤال: -لقد خططت لذلك. -مذنب. سحبت مجفف الشعر من خزانة الحائط وقالت:" سوف نتأخر". -كلا, لن نتأخر. أقرت ساندرين عندما دخلا البهو السفلي الكبير, أن التأخر خمس دقائق ليس مهما. بدا مايكل مهيبا في بذلة السهرة وشعرت ساندرين بالاطمئنان على مظهرها وهي ترتدي فستان السهرة الحريري, العاجي اللون, وحذاء السهرة المناسب. كانت أبواب قاعة الاحتفالات مفتوحة على مصراعيها. ولاحظت ساندرين الحضور الكثيف لنجوم مجتمع منطقة الغولد كوست, وحشدا من النساء أللوائي جئن بكامل زينتهن وقد ارتدين فساتين السهرة الأنيقة ووضعن المجوهرات الثمينة. كما لاحظت أن جميع الرجال, من دون استثناء, يرتدون بذلات سهرة سوداء أنيقة. لمحت ساندرين ستيفاني التي تبادلت معها الابتسام وانضمت إليهما في ثوان قليلة: -وزعت أماكن الجلوس مسبقا, ووضعتكما مع كايت ليندن و غريغور أندروز و رئيسة هيئة التبرعات مع زوجها وأنا. ووضعت المحافظ وزوجته مع طوني على الطاولة المجاورة لطاولتنا. وسيجلس على الطاولتين الأخريين رؤساء أقسام الاستديو وعدد من ممثلي فريق التسويق. رأت ساندرين ملامح ستيفاني تتصلب قليلا, وعرفت السبب بسرعة, عندما انضم راؤول إليهم. استطردت ستيفاني متجاهلة راؤول بعد أن ابتسمت له ابتسامة مجاملة: -كان المصور سعيدا بكل شيء اليوم. سنأخذ, طبعا, المزيد من اللقطات الليلة. على أي حال, سنحاول أن نتجنب التطفل الزائد عن الحد. والآن, أرجو أن تعذروني؟ علق مايكل على موقف شقيقه:" يظهر أن لديك تأثير سيئا على هذه المرأة الشابة". رد راؤول باعتداد:" أرضى بالتأثير السيئ عوضا عن عدم التأثير إطلاقا". استدارت ساندرين نحو راؤول ومازحته قائلة:" يعجبك الأمر هكذا؟". -إنها لا تريد التحدث معي وتتجنب الرد على اتصالاتي الهاتفية. تظاهرت بالتفكير الملي وقالت:" يخيل لي أنك تدبرت لقاءات عدة مع إدراة التسويق؟". وأضافت عندما لمحت وميضا في عينيه:" في غياب مايكل, وفي سبيل انجاز العمل... بالطبع". انطوت ابتسامته على تحسر ما. -بالطبع! -امرأة شابة أخرى من الصنف النادر الذي لا يتأثر بثروة عائلة لانييه أو منزلتها الاجتماعية. -أعتقد أننا يجب أن ندخل ونجلس في مقاعدنا. أشار مايكل متسائلا:" من البديهي, أنك تدبرت أمر الجلوس إلى مائدتنا". رد راؤول إيجابا بالفرنسية وكتمت ساندرين ضحكة, فيما كان عضو اللجنة المنظمة يدقق في بطاقات الدعوة ويشير إلى مقاعدهم. لم يجدوا أثرا لكايت و غريغور, وأبعدت ساندرين عن بالها فكرة أن كايت تهدف إلى دخول مسرحي. لم تكن ساندرين مخطئة في ظنها. فحالما تراقصت الأضواء معلنة وشك البدء بمراسم الحفل والتشريفات, اجتاحتها كايت قاعة الاحتفال مع غريغور, والمصور في أذيالهما. خطت الممثلة نحوهم بثوبها العاري الظهر, وقد التصق بجسمها التصاقا, توقف هنا وهناك من أجل الكاميرا المسلطة عليها. -أرجو ألا نكون قد تأخرنا؟ كان هنالك تفاوت بين ابتسامتها الجميلة الدافئة وصوتها المقطوع الأنفاس الذي يشبه صوت طفلة صغيرة. أدركت ساندرين بامتعاض أن كايت, الممثلة, تؤدي دورا أمام جمهور الحاضرين. واختارت كايت الجلوس, من بين المقاعد الخالية, على مقعد بين مايكل وراؤول. حافظت ساندرين على ابتسامتها بصعوبة, واحتست جرعة من شرابها المثلج. احتلت ستيفاني مقعدها لثوان قبل أن يصعد مدير الحفل المسرح ويقف وراء الميكروفون. كانت ساندرين مولعة بالرجل الجالس إلى جوارها, وقد بدا محط الأنظار بسبب ما يمثله من قوة جسدية. استفهمت كايت وهي تحاول أن يبدو طلبها عاديا:" أتمانعين يا عزيزتي إذا أخذت بعض الصور مع مايكل؟". تأملت ساندرين بسخرية: النجمة والرجل الذي أنقذ الفيلم من كارثة مالية محققة, وشعرت أنها مثل لبؤة غيورة. تدخلت ستيفاني قائلة بترفع مهين:" لقد أعطى السيد لانييه أوامر بألا تلتقط له أي صور من دون أن تشمل زوجته أيضا". اقترح راؤول بنبرة مطاطية:" ربما صورة جماعية؟ تشمل مديرة التسويق؟". ألقت ستيفاني عليه نظرة حادة وقالت:" لا أعتقد أن ذلك ضروري". جادلها راؤول بلطف: -ولكن أظن أنه أمر ضروري, فالتسويق هو جزء أساسي في أي إنتاج سينمائي, أليس كذلك؟ حذار! نبهته ساندرين بصمت. إن ستيفاني نبتة حديدية وليست زهرة هشة, ولن يتحقق شيئا من محاولة إيقاعها في الشرك. وافقته ستيفاني:" التسويق بأكمله". فكرت ساندرين مليا بأن التفاعل بينهما قابل للانفجار. راؤول رجل لجوج لا تلين عزيمته, فيما لم يبدر عن ستيفاني أي إشارة غير الرغبة في تجنبه بأي ثمن. من سيربح المعركة؟ مد مايكل يده وشبك أصابعه بأصابع ساندرين, فاستدارت نحوه والتقطت العاطفة الجياشة الظاهرة في نظراته المبطنة. قالت له بصوت هامس:" أراهن بكل مالي على راؤول". وافقها مايكل:" فعلا, رغم شكي بأنه لم يحقق انتصاره بسهولة". بدأ إبهامه بمداعبة عروقها الحساسة, فاختل توازنها الداخلي. وهذا ما تعمد أن يفعله. هتفت ساندرين:" أنا بحاجة لإصلاح زينتي". ابتسم مايكل متفهما, مدركا تأثيره عليها والسبب الكامن الذي دعاها إلى هروب مؤقت. -تبدين جميلة, كما أنت تماما. ردت عليه بابتسامة خبيثة, وهي تدرك أنها تكذب:"لن يوصلك المديح إلى أي مكان". كانت سريعة التأثر بكل شيء فيه. صوته, واللغة الفرنسية الناعمة التي يرطن بها كثيرا, وحركات جسمه الانسيابية, وطريقته في الابتسام, وهذه التقاطيع المنحوتة التي ترق حينما ينظر إليها. ظنت أن الاستقلالية مهمة, ولكن لا شيء في حياتها يفوق حبها لمايكل أهمية. لقد كان على صواب منذ البداية. لماذا تختار البعد عنه إلا إذا جعلت الظروف من وجودهما معا شيئا مستحيلا؟ لقد اشتاقت له ولملامساته طوال تلك الليالي التي أمضتها وحيدة في سريرها الخالي. لقد تمتعت بالدور الذي لعبته في الفيلم, ولكن ذلك الاكتفاء لم يكن ليعوض بعدها عن زوجها. دفعت ساندرين باب الحمام, لإعادة ترتيب زينتها وتجديد نشاطها. وفيما كانت على وشك الخروج, دخلت كايت الغرفة. رفعت حاجبها في إيماءة تقدير وارتسمت على فمها ابتسامة غاضبة:" أنا مندهشة حقا يا عزيزتي لاستطاعتك تحمل ترك مايكل وحيدا". شعرت ساندرين بالغثيان من الألاعيب التي تقوم بها هذه الممثلة:" أنت تعتبرين إغواء زوج امرأة أخرى, نوعا من التحدي, أليس كذلك يا كايت؟". رفعت يدها وأجابت:" للفاكهة المحرمة يا عزيزتي مذاق أحلى من أي شيء مبتذل وموفور. وأجد محاولة انتزاع الفاكهة عن الشجرة أمرا ممتعا على الدوام". ونظرت إلى ساندرين بإغراء, قبل أن تضيف:" ... للعلم والخبر". لقد طفح الكيل عند ساندرين, فأعادت وضع البودرة وأحمر الشفاه في حقيبتها ثم أغلقتها قالت:" إذا نجحت بإغواء مايكل, بإمكانك أن تأخذيه". اتجهت إلى الباب وتوقفت لحظة على صوت كايت: -ألن تتمنى لي حظا سعيدا؟ ردت عليها بصورة غير مهذبة وهي تخطو بسرعة نحو قاعة الاحتفال:" سأتمنى لك الجحيم". ضمها ضجيج الأصوات لحظة عودتها إلى قاعة الاحتفال, وأجبرت نفسها على السير ببطء فوق الأرضية المغطاة بالسجاد. كانت مديرة اللجنة وزوجها غائبين عن المائدة, وكذلك ستيفاني و غريغور. ولم يكن جالسا إلى المائدة غير مايكل وراؤول, اللذين وجدتهما غارقين في الحديث. ألقى مايكل نظرة سريعة عليها ولاحظ التوتر الخفيف البادي على وجهها, وحدد سبب ذلك بدقة. -كايت؟ استطاعت أن تبتسم ابتسامة فيها امتعاض:" لقد أوضحت لي أنك هدفها". -حقا. بدا سعيدا بذلك. اللعنة عليه. -إذا اخترت أن تلعب لعبتها, فمبروك لك. أخذ يدها ورفعها إلى شفتيه:" هل لك أن تخبريني لماذا قد أفعل ذلك يا حبيبتي؟ أنت تعرفين أن كل ما أبتغيه هو أنت". -ربما يجب أن تخبر كايت بذلك. طبع قبلة على عروق رسغها الناعمة, فوجدت ساندرين صعوبة في السيطرة على الرعشة التي كادت تقصم ظهرها. كانت تشعر بأنها تغرق ببطء كلما نظرت إلى عينيه, فالدفء الظاهر في نظراته يحول عظامها إلى هلام. كان عليها أن تسيطر على نفسها وإلا ستتجاوب معه وتسيء التصرف أمام الحضور. رأت الوميض في عينيه الداكنتين إذ أدرك أنها تتجاوب معه في داخلها. أرخت أهدابها وحاولت يدها أن تتملص منه دون جدوى, لأنه ببساطة نقل يدها ووضعها على ساقه. كانت حركة على نفس الدرجة من الخطورة, فانغرزت أظافرها في العضلات الصلبة في تحذير صامت. أعلمها مايكل:" لقد دعينا إلى حفلة في ملهى الفندق الليلي. وسيحضر جميع العاملين في الفيلم والتسويق". كادت تتأوه بصوت مرتفع وقالت متوسلة:" أخبرتني أننا سنسافر في الصباح الباكر". ضحك بصوت مبحوح:" الساعة الحادية عشرة والنصف". حذرته:" الإفطار قبل الساعة التاسعة صباحا, أمر غير وارد". -أتخططين لقضاء الوقت في النوم يا حبيبتي؟ لوت فمها فلكلمة النوم معان كثيرة. قام المصور بالتقاط الكثير من الصور لهم, وناور راؤول بذكاء ليكون إلى جانب ستيفاني. فيما دست كايت نفسها بين راؤول ومايكل . أما غريغور فوقف إلى جانب ستيفاني. بدأ ينفرط عقد الحفل عند الساعة الحادية عشرة. وبعد نصف ساعة توجهوا في مجموعات صغيرة إلى النادي الليلي. دعاها غريغور: -هيا نحتفل يا عزيزتي. سألته كايت بتكشيرة مصطنعة:" لماذا لا تراقص ساندرين؟ أنا أريد أن ألعب مع الكبار". حذرها غريغور:" لكل منهما امرأته. لا تفعلي ذلك يا حلوتي". -توقف عن إفساد متعتي. تحول راؤول نحو ستيفاني وأشار إلى جمهرة الراقصين:" أتريدين اللهو والانضمام إلى هذا الهرج؟". -معك؟ -طبعا معي. -أنا حقا لا أميل إلى الرقص. وضعت كايت يدها على ذراع مايكل واستعملت أظافرها لتضغط عليها قليلا وهي تميل رأسها وتبتسم بإغراء: -لا أعتقد أن ساندرين ستمانع إن أخذتك بعيدا عنها. ثم التفتت إلى ساندرين وهي تتحداها علنا على الاعتراض:" هل ستمانعين يا عزيزتي؟". وضع مايكل يده فوق يد كايت وأزاحها عن ذراعه. كانت تعابيره مهذبه ولكن بدت في نظراته صلابة لا تلين:" للأسف, أنا من يمانع". لم يرف جفن لكايت. -بما أن الفيلم أصبح جاهزا للعرض, أظن أن الهدف من الاحتفال أن يسترخي كل منا قليلا. رد مايكل متهكما:" فسري كلمة يسترخي". لاحظت ساندرين التشديد في نبرة صوته وكادت تشعر بالأسف على كايت. لمحت الممثلة بدلع متعمد:" هنالك الحفلة التي تلي الحفلة. وهي حفلة خاصة جدا, إذا كنت تدرك ما أعني". هل تدرك كم يبدو تصرفها مبتذلا, وكم هو حقير وقبيح؟ هنالك مبالغة في التشديد على الأمور المادية, أصابت معدة ساندرين بالتشنج وجعلتها تشعر بشيء من الحزن حيال كايت. -كلا. ردت كايت بملء فمها:" كلا؟". إن بقيت دقيقة أخرى فسوف تقدم على أمر تندم عليه:" أرجوكم أن تعذروني دقائق؟". سألتها ستيفاني:" هل تمانعين في ذهابي معك؟". استغرق شق طريقهما عبر زحمة الساهرين في النادي الليلي, والوصول إلى الحمام بضع دقائق. علقت ستيفاني وهي تتفحص أظافرها:" عشر دقائق, خمس عشرة دقيقة على الأكثر, وسأغادر هذا المكان. لقد أنجزت التزاماتي العملية والاجتماعية". ثم أضافت:" جاءت النتيجة جيدة, والحملة الإعلانية تشد انتباه الجمهور". تحرك الصف وتقدما معه خطوات قليلة. -لقد علمت أنك ذاهبة إلى سيدني غدا. أومأت ساندرين برأسها:" لبضعة أيام فقط, ثم نعود إلى البيت". تمتمت ستيفاني:" نيويورك, لقد زرتها مرة. إنها مدينة ذات إيقاع سريع, وهوية دولية غالبا". -لهذه المدينة إيقاع خاص بها. -مميز. -مثل رجال عائلة لانييه. أعلنت ستيفاني بنبرة جافة:" واحد منهم, بشكل خاص". ابتسمت ساندرين لها بخبث. وسألتها وهي تلاحظ تقطيبه وجهها:" ملحاح, أليس كذلك؟". -شيء من هذا القبيل. -بالطبع, أنت لا تحبينه. -يجعلني أشعر بالارتباك. -الارتباك جيد. عارضتها ستيفاني:" كلا. إنه مثل وجع الضرس". انطلقت ساندرين بالقهقهة وقالت:" حظا سعيدا". -لراؤول كي يحظى بي؟ أم لي لأتمكن من الفرار سالمة؟ ردت ساندرين بخبث:" سأقامر وآخذ الاحتمال الأول". -ولا في حياته. أحست بحتمية في هذه الجملة الصغيرة, وتساءلت ما أو بالأحرى من الذي قضى على ثقة ستيفاني بالرجال. صعقهما صوت الموسيقى عندما عادتا إلى النادي الليلي, وانضمت ستيفاني إلى المجموعة التي تمثل فريق التسويق, فيما اتجهت ساندرين إلى حيث مايكل. حالما دنت من مائدتها, لفت كايت ذراعها حول عنقه وقبلته. عرفت أنه تصرف متعمد ومقصود, ولكنه أغضبها بصورة تفوق الوصف. أظهر مايكل وقارا وهو يفصل ما بينه وبينها, بينما حولت كايت نظرها إلى ساندرين وعلى وجهها ابتسامة براقة. -لقد قلت إنني أستطيع الحصول عليه, يا عزيزتي. تدبرت أن ترد عليها بالنبرة ذاتها:" من حيث أقف, لا يبدو لي وكأنه يرغب بك". -كلبه. -أستطيع نعتك بالمثل. أمسك مايكل يد ساندرين وشبك أصابعها بأصابعه وهو يضغط بلطف محذرا, غير أن ساندرين تجاهلت ذلك. اقترح باستياء:" يستحسن أن نغادر هذا المكان". ولكنه كظم غيظه عندما رمقته ساندرين بابتسامة ماكرة. رفعت يدها ومسحت شفتيه بقبضتها:" لماذا؟ أنا أستمتع بوقتي هيا راقصني". ضاقت عيناه واكتست وميضا شريرا وهو يقودها إلى حلبة الرقص, وهمس في أذنها: -أنت فتاة متحررة. ردت بسخرية خفيفة:" المواجهة أفضل بكثير من التراجع". فغرت فمها قليلا وهو يشدها إليه ويضمها بين ذراعيه. رد متشدقا وقد أخذ يتمتع بالطريقة التي تسارعت بها ضربات قلبها, والبحة التي اكتنفت صوتها: -أتظنين ذلك؟ خف إيقاع الموسيقى وهما مندمجان معا لدقائق طويلة. برضى متبادل أخذا يدوران على رؤساء الأقسام, إلى أن وصلا في النهاية إلى راؤول. قالت له مودعة, وهو يلثم خدها:" نوما هنيئا". دخلا بعد دقائق قليلة جناحهما. كان يوما طويلا, إلا أنها شعرت بشيء من الرضى بعد انتهاء كل شيء. اتجهت نحو الحمام وأزالت ماكياجها ثم ارتدت ثوب نوم حريري وعادت إلى غرفة النوم واندست في الفراش. انضم إليها مايكل بعد دقائق عدة, وأطفأ المصباح الجانبي, ثم احتضنها. كان الالتصاق به والشعور بضربات قلبه المطمئنة تحت خدها, نعمة من الجنة. عانقها بصدق... عناق دافئ و قصير. أسند ذقنه على قمة رأسها, فاكتفت بإغماض عينيها وخلدت إلى النوم في غضون ثوان. ☻☺☻☺ 10-الحياة بدونه بدت سيدني مدينة مألوفة, وكذلك شقتهما الواقعة في منطقة "دويل باي" . كان هناك أمور تريد القيام بها, بضعة أعمال من الضروري إنجازها, كما رغبت بقضاء بعض الوقت مع والدها. رن هاتف مايكل الخلوي حالما بدأت ساندرين تفك بعض الأمتعة التي سيحتاجها خلال اليومين التاليين, وخبا صوته إلى نبرة خافتة عندما انتقل إلى الصالون. عاد إلى غرفة النوم بعد دقائق وبدأ يفك أمتعته:" رتب لنا راؤول اجتماعا مع شركة أينريك, غدا بعد الظهر". صفقة جديدة باشرها راؤول الذي وصل إلى سيدني البارحة. وإذا نجحت, فستقضي إلى تأسيس فرع لشركة لانييه في أستراليا. -سأتصل بـ لوكاس لكي يلاقيني على الغداء, إن لم يكن مرتبطا. ناولها مايكل جهاز الهاتف:" افعلي ذلك الآن. سوف نلتقي راؤول لتناول طعام العشاء, وقد نتأخر في العودة". طلبت الرقم, وشعرت بسرور لتلقيه المكالمة بنفسه, ثم اتفقا على مكان وزمان اللقاء. قالت ساندرين بارتياح:" لقد تم الأمر". لم يكن أمامها غير 20 دقيقة لتغيير ملابسها و إصلاح زينتها, وتمكنت من القيام بذلك أقل. ارتدت سروال سهرة من اللون الأحمر القاتم, وسترة من الحرير الأسود, فأضفت بهاء على بشرتها وشعرها اللامع الذي تركته منسدلا على كتفيها. نزل راؤول في فندق ريتز كارلتون الذي يقع على جادة دويل باي , والتقيا في المقهى الملحق لتناول الشراب قبل انتقالهم إلى المطعم. ألقت ساندرين نظرات عرضية على ما حولها في الغرفة وهي تحتسي, فيما ناقش مايكل راؤول الخطة التي سيعتمدانها أثناء الاجتماع الذي سيعقد في الغد, وتناولا التفاصيل الدقيقة وهم يلتهمان المقبلات. استرعى أمر ما انتباه ساندرين, فيما كانوا يتناولون الطبق الرئيسي. بهرتها آلات التصوير, ولمحت بعدها شكلا مألوفا ترافق مع ضحكة رنانة, تمنت ألا تسمعها أبدا, مرة ثانية. فكرت للحظة... أملت أن تكون مخطئة. ولكن لا, هاهي, بدخولها الملفت للأنظار. كايت ليندن, هذا لا يصدق! كانت تعرف أن كايت و غريغور سيسافران هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة, ولكن من بين كل الفنادق في سيدني, هل اختارت هذا الفندق مصادفة... أم أنها قامت ببعض التحريات الدقيقة؟ أقرت ساندرين بصمت مرير وهي تنظر إلى أداء كايت, أنه أداء رائع, غير أنه لم يخدعها البتة, كما لم يخدع مايكل أو راؤول بينما كانت تدنو من مائدتهما. حيتهم كايت بحماسة و ابتهاج: -يا للسماء, من كان يظن أننا سنلتقي مجددا, وهنا, من دون كل الأمكنة الأخرى. رمت نفسها على الكرسي الذي سحبه لها المسئول عن المطعم, ثم لوحت بيدها للنادل في حركة أنيقة: -ألا تمانعون انضمامي إليكم؟ طلبت من النادل وهو يقدم لها لائحة الطعام و بعد أن تفحصتها بسرعة وأعادتها له, أن يجلب لها زجاجة أخرى من الشراب و أضافت: -لن آكل كثيرا, أجلب لي سلطة القيصر. سألها راؤول:" هل أنت بمفردك؟". وراقبتها ساندرين وهي تزن في رأسها أيا من الأخوين لانييه ستغوي. حذرتها في صمت:" تجرأي وحاولي مع مايكل, وسوف أقتلع عينيك من محجريهما. قال كايت وهي تستعمل دلعها المعهود زيادة عن اللزوم:" لقد هجرني غريغور... المنافق. كان يمكنني طلب الطعام إلى غرفتي ولكني لم أرغب بالبقاء وحيدة". أدركت ساندرين أن كايت تستثمر الدعاية الواسعة وترتع في ملذات الشهرة. -إذن, ما الذي نحتفل به؟ رد مايكل ببلادة مقصودة وهو يمسك يد ساندرين و يرفعها إلى شفتيه:" الحياة... و الحب". قبل أطراف أصابعها, ثم طوى يدها داخل يده. يا الله! هذا تصرف لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا. كما أن هذا الوميض العاطفي الظاهر في عينيه نجح في تذويب عظامها. قالت كيت بتهكم مستتر:" هذا تغير كبير منذ دخول مايكل على الخط لأول مرة, منذ شهر. كان باستطاعتي, في شقة طوني حينها, أن أقسم بأنكما عدوان و لستما زوجين". ردت ساندرين:" إذا لم يمر الأزواج بخلافات بين حين و آخر, يصبح الزواج مملا". -حقا؟ تدخل راؤول:ط هل يريد أحد القهوة؟ يجب أن أقوم ببعض الاتصالات الهاتفية. -وأنا مثله, يجب أن أرى ما وردني من رسائل على الانترنت. نجح مايكل في جذب انتباه مدير الاستقبال ثم تحول نحو كايت:" يمكنك أن تبقي في كل الأحوال وتنهي شرابك". لم يتمكنا من الذهاب بسهولة, فقد راح المصور يتعقبهما في كل مكان, ويلتقط لهما العديد من الصور. وإذا لم تكن ساندرين مخطئة, فإنها لحساب واحدة, أو أكثر من الصحف المحلية. كان مايكل يصب اللعنات في سره. وعندما وقع على الحساب, وقف على قدميه, وأعاد محفظته إلى جيبه. قال كايت مودعة:" سفرا ميمونا, يا عزيزتي". -شكرا. طوق مايكل بذراعه خصر ساندرين, فيما كان راؤول يشيعهما إلى المدخل الرئيسي, منتظرا صعودهما إلى سيارة الأجرة. علقت ساندرين, بينما كانت السيارة تندس في حركة المرور بسرعة:" إنها صدفة أليس كذلك؟". أجاب مايكل باقتضاب:ط قطعا, إنه أمر مبهم". عرضت عليه ساندرين بعد خمس دقائق:" قهوة؟". وأضافت:" نحن لم نتناول شيئا, أما إذا أردت أن تجري بعض الاتصالات...". -الشيء الوحيد الذي أريد أن أفعله, هو أنت. ارتسمت ابتسامة عريضة على فمها, فيما كانت عيناها تلمعان, وهي توجه إليه الكلام: -لست واثقة من أنني أحب أن أعد شيئا. ثنى إصبعه مومئا إليها:" تعالي هنا". وكتمت ضحكة رنانة, تحولت إلى صوت هامس بهيج:" عليك أن تجد سببا أفضل للمباشرة بعروضك". -أوه. لا أعتقد أن لديك سببا للاعتراض. وألقت بنفسها بين ذراعيه, وشعرت بهما تضمانها بشدة. -حقا؟ -حقا. قال لها مقلدا إياها بعذوبة, ومضى بعناقها بشغف جعلها تتقد هياما. وانتهيا إلى غرفة النوم.. وقفت سيارة الأجرة خارج كارلتون – ريتز وفيما كان مايكل يدفع أجرة السائق, كانت ساندرين تخرج من السيارة. دخلا سوية الردهة الرئيسية, وتناولا القهوة بصحبة راؤول, ثم هبت ساندرين على قدميها, وطبعت قبلة سريعة على وجنة مايكل. -الساعة الثالثة؟ فأجاب مايكل, وهو يحني رأسه, وعلى شفتيه ابتسامة غمرت روحها بالدفء:" تمتعي بوقتك". قالت, وقد تكور فمها بخبث:" آمل ذلك". أرادت أن تشتري هدية مميزة لجدته, وأن تعرج بعد ذلك لمقابلة والدها. وجدت وشاحا حريريا, ملائما جدا لتشتريه. وعندما انتهت من ذلك, دخلت المطعم الذي اقترحه لوكاس. ولم تكد تجلس, حتى قاده النادل إلى طاولتهما. تأملها من فوق إطار نظارتيه, وسألها:" لديك موضوع تريدين مناقشته معي؟". -شانتال. وضع لوكاس يده على يدها, وقال بسخرية:" أمك لن تتغير. إنها شانتال". ثم أضاف:" لديك مايكل, إنه كنز, يجب أن تحبيه وتحسني معاملته". كانت الساعة قد تجاوزت الثانية حينما غادرا المطعم. عانقت ساندرين والدها عناقا متوترا ساعة الوداع. شعرت بحاجتها إلى الاتصال بالأصدقاء, فتمشت باتجاه الفندق. وألقت بنفسها على أريكة, وطلبت قهوة, ثم بادرت باستخدام هاتفها النقال. كان قد مر عليها وقت غير يسير. ولكنها لم تشعر بذلك حتى رمقت ساعتها, بعد انتهاء آخر مكالماتها, فأدركت أنها تجاوزت الثالثة. أين مايكل؟ دققت ساندرين في ساعتها للمرة الثالثة خلال ربع ساعة. لم يعتد التأخير. -هل أستطيع أن أقدم لك شيئا سيدتي؟ ابتسمت ساندرين للنادل ابتسامة صغيرة, وهزت رأسها:" شكرا". بدأ العبوس يغضن جبهتها. إنها لم تخطئ مكان الاجتماع قطعا, فقد أوصلها مايكل قبل ثلاث ساعات. لعله علق هناك. نعم, لعل الاجتماع قد مدد لوقت إضافي. وبدأ العبوس يشتد. إذا كان ذلك صحيحا, فلماذا لم يتصل بها؟ وبسرعة أخرجت هاتفها الخلوي من حقيبتها, لتتأكد من وجود رسالة محتملة. لكنها لم تجد شيئا البتة. لا بأس, ستحاول هي الاتصال به. بضع كلمات مطمئنة, هي كل ما تحتاجه. وبدون مزيد من التردد, ضغطت الأرقام وانتظرت. لم يكن هناك سوى جهاز تسجيل, فتركت له رسالة, وأرجعت الهاتف إلى الحقيبة. راؤول! ربما بإمكانها الاتصال براؤول. لكن رقمه ليس مدونا في ذاكرة هاتفها. إن لغداء العمل صيتا سيئا, بسبب ما يأخذه من وقت. وفي أي دقيقة سيصل مايكل, ويعتذر و يشرح لها سبب التأخير إلا إذا لم يكن باستطاعته ذلك. شعرت وكأنما تلقت ضربة محبطة على قلبها. كانت هناك سيناريوهات متعددة تمر في مخيلتها. فتختبر, وتستبعد الواحد بعد الآخر! وفجأة, قطع صوت الهاتف مخاوفها المتزايدة, فأخرجته من حقيبتها, وأجابت بلهفة: -راؤول, ساندرين. -مايكل. أكد راؤول لها:" إنه بخير. تعرض لحادث سيارة بسيط, وقد أصر رجال الشرطة على إخضاع الجميع للفحص الطبي". -يا إلهي. وأين؟ ذكر لها اسم مستشفى خاص. ##### -خذي سيارة أجرة, وسأكون في الانتظار. ولكن القشعريرة اجتاحت عظامها, وهي تقول:" أنا في طريقي الآن". كانت الدقائق التي أعقبت الاتصال, الأطول في حياتها. كلما تخيلت ما يمكن أن يخفيه عنها راؤول. -إنه بخير, إنه بخير. كررت ذلك في سرها مرات عديدة, فيما كانت سيارة الأجرة تناضل في حركة المرور الخانقة. ماذا لو لم يخبرها راؤول بالحقيقة؟ يا إله السماء! ماذا لو كانت الحادثة مروعة؟ تجمدت ساندرين, ومرت صور مرعبة لحوادث شاهدتها في التلفزيون, أمام عينيها. لقد رأت أجساما مهشمة تستخرج من سيارات متصادمة, وتنقل في سيارات الإسعاف للمستشفى. كم تحتاج من الوقت؟ عاينت المكان وقدرت خمس دقائق أخرى للوصول. هذا إذا لم تكن هناك زحمة سير. إلا أن السيارة جعلتها سبعا. وأسرعت بإلقاء قطعة نقدية في يد السائق, وفتحت الباب غير مكترثة بالباقي. هرولت إلى الممر’ وتوقفت مرغمة, بانتظار أن تفتح أبواب المدخل الزجاجية تلقائيا. لم تنبه ساندرين لقاعة الانتظار, كل ما رأت هو راؤول الذي قطع الغرفة باتجاهها, فهرعت نحوه. -إنه الآن عند الطبيب. هدأها راؤول. وأمسك بمرفقها وهو يقودها عبر ممر. -إنه بصحة جيدة, ولكن الجرح يحتاج إلى بضعة غرزات. انقبضت معدتها بمجرد التفكير بتمزق الجلد أثناء عملية الغرز. -ما مقدار ما لحقه من أذى؟ أعطاها راؤول ذراعه وأعاد طمأنتها:ط بضع غرزات وخدوش صغيرة". وأشار إلى باب في جهة اليمين:" إنه هنا". كادت نبضات قلب ساندرين تتوقف هنيهة, ثم تسارعت بشكل قوي, عندما خطت داخل الغرفة. كان الطبيب قد أخفى مايكل جزئيا عن ناظريها, فتحركت بسرعة إلى جانبه, وعيناها تتفقدان هيئته, وقامته الطويلة, في محاولة لتقدير مدى إصابته. صاحت من دون وعي, وهي تتطلع إلى ملامحه المتناسقة وعظام وجهه العريضة, وصدره العاري:" مايكل". لم تر هناك خدوشا. أو رضوضا ظاهرة. شعرت بارتياح في ما كان الطبيب منشغلا بعلاج ذراعه اليسرى, وبخياطة ما بدا كأنه جروح عميقة. وشحب لونها, عند رؤيتها الإبرة. قدمها مايكل:" زوجتي". فتوقف الطبيب عن العمل, ورمقها بنظرة سريعة. -زوجك بخير. بضعة أضلاع مرضوضة وذراع مجروحة. سأنهي عملي في غضون دقائق قليلة وبإمكانك بعدها أن تأخذيه إلى البيت. شعرت ساندرين بأن الدم قد اختفى من وجهها,عندما جنح بها الخيال بعيدا. وتصورت رد الفعل لحظة الصدمة. باختصار, وفي لحظة متناهية القصر, خطر في ذهنها كيف كان من الممكن أن تجري الأمور. واعتصر ذلك فؤادها, فالحياة بدون مايكل ليست حياة على الإطلاق. جذبها مايكل باتجاهه, فيما كانت يداها تتمسكان بكتفيه بشكل غريزي, وعانقها عناقا حارا. أنبها بمحبة, وبصوت خامد عندما رأى شفتيها ترتعشان:" لا تكوني سخيفة". حاولت أن تبتسم, لكنها عجزت عن ذلك. تحولت عينا مايكل إلى لون قاتم, فأمسك بيدها وتعلق بها, وأخذ إبهامه يلامس عروق رسغها. نظرة واحدة إليه فقط, جعلتها ترغب في أن تضمه إليها بشدة. بدأ الاسترخاء يجري في عروقها, وأعقبه شعور بالمحبة, التملك الدائم. كان قلبها, كعواطفها, ملكا لهذا الرجل. ولا شيء غير ذلك يهمها. قال الطبيب وهو يضع ضمادة, ويقوم بتثبيتها:" انتهينا. هذه الخيوط يجب أن ترفع بعد أسبوع". هب مايكل واقفا على قدميه, واختطف قميصه عن ظهر الكرسي, ووضعه على جسمه. وحاول أن يزرره, قبل أن يرتدي سترته. -دعينا نرحل من هنا. قال راؤول, وهم يغادرون المبنى:" سأتدبر أمر سيارة الأجرة, وأوصلكما في طريقي إلى المطار". فرمقته ساندرين بنظرة سريعة و سألته:" هل ستعود إلى غولدن كوست ؟". فأجاب وهو يبتسم ابتسامة ساخرة:" نعم". -هكذا إذن. -هل تعنين ذلك حقا؟ كانت عيناها تتأملانه بحبور:" نعم". ستخوض ستيفاني معركة إذا ظنت أنها ستتخلص من راؤول بسهولة. إن رجال عائلة لانييه يقاتلون من أجل ما يريدون. -أتفهم الإشارة. -إذن ادعي لي بالحظ, ساندرين. -وهل أنت بحاجة إليه؟ كانت تعابيره باهتة و قاسية. وفكرت بصمت, إنه يقدر لستيفاني أنها لم تعطه الفرصة لنصر سريع. رفعت يدها, ومسحت بأصابعها وجهه الصلب قائلة:" سيكون لك ذلك راؤول". رمقها بابتسامة عكست الدفء والحنان:" شكرا". ☻☺☻☺ 11-أغلى من الحياة كان هناك رتل من السيارات يصطف عند المدخل الرئيسي, وتحركت إحداها نحوهما بعد أن أشار مايكل بأصابعه. استغرقت سيارة الأجرة عشرين دقيقة قبل أن تتوقف أمام شقتهما, فودعا راؤول على عجل, وأخذا طريقهما عبر الردهة باتجاه المصعد. حالما أغلق عليهما باب المصعد, ضغط مايكل الزر المناسب, ثم شدها إليه وقبلها قبلة قصيرة. عندما دخلا الشقة, وقفت بضع ثوان وهي صامتة, تنظر إليه بعيني واسعتين. كانت ترغب بقول الكثير له, ومع ذلك بدا أن الكلمات علقت في حلقها. كان عزيزا, حميما. كان حياتها, ومن دونه, ستختلج الشعلة في داخلها وتنطفئ. ومض شيء ما في عينيه, ووقفت في مكانها من دون حراك وهو يمرر أصابعه في شعرها ويميل برأسها إليه. قالت من دون تكلف, في حين انفرجت شفتاه بابتسامة رقيقة:" لم أكن لأحتمل فقدانك". -هذا لن يحدث. -اليوم, ظننت للحظة أن ذلك قد يحدث. لن ينسى أبدا, مهما طال به العمر, التعابير التي بدت في عينيها والشحوب الذي كان على وجهها, عندما دخلت عليه في غرفة الطوارئ. داعب وجنتها بإبهامه وقال: -أعرف ذلك. اختلج حلقها, فالتعابير البادية في عينيه لم تكن غير انعكاس لعواطفها. قالت بصوت مبحوح: -ربما يجب أن ترتاح. -أتظنين ذلك؟ -مايكل... وتوقفت عن الكلام, فيما كان يحني رأسه على رأسها و تستقر شفتاه على خدها. -ما رأيك؟ -لا أستطيع التفكير عندما تفعل ذلك. -هل من المهم أن تفكري؟ -أنا أريد... انقطع تنفسها عندما عانقها مجددا. هذا هو قدرها: أن تحضنها ذراعي الرجل الذي تعتبره توأم روحها, و لا أهمية لأي شيء آخر. هتف مايكل برقة:" ما الذي تريدينه يا حبيبتي؟". ردت بعفوية:" أنت, ولكن أولا...". علت نبرة صوتها قليلا ثم خفتت فجأة. شعرت أنها تذوب بين ذراعيه, وبحركة رشيقة رفعها عن الأرض. احتجت وهي تسمع ضحكته الخشنة:" ذراعك". مازحها مايكل وهو يسير بها نحو غرفة النوم:" أتخشين أن تعيقني؟". -أخشى أن تؤلمك. أزاح أغطية السرير ثم أنزلها عليه... وفقد الإحساس بالمكان والزمان. وضاع مايكل في أحضان تلك التي تدعى ساندرين, امرأته وزوجته... و حياته. استولت عليه فكرة واحدة, منذ اللحظة التي قابلها فيها, مشاعر فورية تقطع الأنفاس. رغم ذلك, كانت تعني له أكثر من ذلك بكثير. وأحس في أعماقه بتلك العاطفة البدائية المجردة, ذاك الشعور الغريزي بأنهما خلقا لبعضهما البعض, وكأنهما تعارفا منذ أمد بعيد. هذا جنون. حاول طرح هذه الأفكار عن ذهنه. إن عقله راجح, منطقي وتحليلي. ومع ذلك, أدرك بصورة مخيفة أنه, لو لم يحضر الحفلة التي أقامها صديقه في منزله, لما التقاها أبدا. وهي في المقابل قادها خيط القدر الرفيع إلى هذه الحفلة التي اعترفت بملء إرادتها, أنها لم تكن خيارها الأول لقضاء السهرة. من بين النساء اللواتي التقاهن جميعا, لم يجد أي واحدة تماثل ساندرين من حيث السحر الأنثوي, لا من قريب ولا من بعيد. لفته جمالها وتقاطيع وجهها, وعيناها البنيتان الواسعتان, وفمها الذي يفيض عذوبة. ووقف طويلا عند نحول قوامها الذي جعل المصممين يعتبرونها عارضاتهم المفضلة. وعدا عن ذلك, فتنته ابتسامته الصادقة الدافئة وحبها للحياة, وطريقة تمايل ذقنها عندما تضحك, والتواء رأسها قليلا عندما ترمي شعرها إلى الوراء, فوق كتفيها, ونبرة صوتها الذي تكتنفه البحة عندما تثار عاطفيا. و... لأنه رجل... رائحة جسمها التي تجعل منها امرأة فريدة. -مايكل؟ خفض نظره إليها وحاولت أن تكبح الرعشة الخفيفة التي تكاد تقضي على تحكمها الواهن برغباتها. وقال بخبث لا يرحم:" لا يمكننا أن نتحدث الآن". -لكل قاعدة استثناء. داعب أنفها بإصبعه, وقال:" إذن, ما الذي تريدين قوله ولا يمكن تأجيله.. هيا؟". وضعت إصبعا على فمه وضغطت على شفتيه, لتوقف فيض أي كلمات يمكن أن يضيفها, وشعرت بالدموع تترقرق في عينيها وبوخز مؤلم في أعماق قلبها. -أحبك! قبل أصابعها واحدا واحدا وكادت نظراته الدافئة تذيبها وهو يقول:" شكرا يا حبيبتي". طمأنته والدموع تطفر من عينيها وتعلق على أهدابها ثم تنساب على وجنتيها:" لطالما أحببتك, وسوف أحبك دوما". مسح دموعها بإبهامه:" هل انتهيت من الكلام؟". أومأت برأسها وحاولت استعادة رباطة جأشها. اخترقته نظراتها التي انطوت على عمق جعله يمسك أنفاسه. مد يده واخرج علبة من قاعدة السرير ثم تحول إليها وأمسك بيدها اليسرى:" لدي شيء لك". وجدت أنه خاتم جميل مرصع بالماس, يكمل تماما مجموعتها من الخواتم. قالت ساندرين بأنفاس متقطعة وهي تكاد تبكي:" إنه خاتم جميل, شكرا. إن الدائرة ترمز إلى الأبدية. ولكن ليس لدي شيء لك". نجحت العاطفة الدافئة التي بدت في نظراته في تذويب عظامها. ورد مايكل برقة: -أنت مخطئة, فأنت هديتي و أغلى من أي شيء يمكن أن تجلبيه لي. فأنا أحبك يا حبي. أصبح صوته مبحوحا وهو يقربها منه ليعانقها. -أنا أعشقك, أنت حياتي وحبيبتي. أنت كل شيء بالنسبة لي. الحب يعني التفاهم والتعاطف والثقة, وأشياء كثيرة أخرى. استلقيا معا ملتصقين, تحيط وسطه بذراعها وتريح خدها على صدره. أخذت الشمس في المغيب, وسريعا سيهبط الظلام. كانت الخيالات تتراقص على الجدار بشكل لا تفك ألغازه. أقرت في داخلها, أن الأمور استقرت. اخيرا, لقد انتهى تصوير الفيلم, وأنجزت الدعاية. وغدا ستستقل الطائرة مع مايكل إلى نيويورك, وفي الأسبوع التالي سيسافران لقضاء عطلة في فرنسا. سماء باريس في فصل الشتاء ملبدة بالغيوم الرمادية التي تمطر باستمرار, ولكن لا شيء يمكن أن يخفي سحر الحب في مدينة العشاق. إنها المدينة المناسبة لمحاولة إنجاب طفل. -هل أنت مستيقظ؟ شعرت به يتقلب ليدنو منها, وسألها:" هل تريدين أن أطلب بعض الطعام؟". -ما شعورك حيال الأطفال؟ -عموما؟ ردت بعد ثوان قليلة:" أطفالنا". استحوذت الآن على انتباهه, وسأل:" هل تحاولين أن تخبريني بأمر ما؟". -ليس هناك ما أخبرك به... بعد. رفع رأسه وهو يميل إليها, وأجاب:" التفكير بك وأنت حامل بطفلي يغمرني بالمتعة". -يغمرك بالمتعة؟ انهال عليها بالقبلات المتمهلة, قبل أن يقول:" أظن أنه يجب البدء بالعمل على ذلك". -الآن؟ -هل لديك مانع؟ لم تحر جوابا. عوضا عن ذلك, أظهرت له ما تنوي فعله.. قريبا. ☻☺☻☺ |
اتمنى اني الاقي ردود على الرواية وتعطوني رأيكم.....^^
|
ياقلبي فدييييتك
مشكورة على هالرواية الروعة |
الساعة الآن 09:22 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية