منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   زهرة الصحراء بقلم: م. ك بينوديني ديفي (https://www.liilas.com/vb3/t104581.html)

ميثان 09-02-09 12:18 PM

زهرة الصحراء بقلم: م. ك بينوديني ديفي
 




كانت الأعمال الصباحية قد انتهت قبل قليل. كانت الساعة حوالي الحادية عشر.

شعرت بأني بحاجة إلى حمام جيد حقيقي بعد شفائي من نوبة مرضية حديثة, لم استحم بسببها

منذ فترة طويلة. لم أكد أبلل شعري حتى تطفل الصوت المألوف الذي أسمعه يومياً في الخارج

يقول:

"إيتم إبيرما! هل إيتيم إيتيما موجود في البيت؟" قلت لنفسي، أوه!! ربما كان ذلك الشيطان. مثله تماماً,

لا يحل إلا عندما يكون المرء على وشك الاستحمام أو وهو يأكل. أعرف منذ زمن بعيد. أنه يقيم في

الجوار. إنني متزوجة ولي أسرة ومع ذلك ما زال حتى اليوم يجرني إلى مشاكله.

أسلوبه كالبرق والرعد يضرب بسرعة ويختفي فجأة, ويسبب إزعاجات مؤقتة أيضاً.

ما الذي أتى به اليوم إلى هنا!!.‏




سمعت صوت الخادمة أيضاً تقول:

"السيدة تستحم......" ولكنه تابع دون أن يأبه بكلامها على الأقل,

"متى ستكون هناك.... إني في عجلة من أمري. قولي لـها أن تنتهي من الحمام بسرعة...."

وهكذا. كنت أسمع مقاطع مما يقول. حتى إنني استمتعت للحظة. يا لـه من شخصية! يا لـها من

مطالب يفرضها الناس بعضهم على بعض!! فليحاول المرء قدر المستطاع, كيف يكون حتى الشرفاء

مراوغين عندما يريد امرؤ أن يسيرهم. ومع ذلك خطرت ببالي فكرة أخرى. "يقال أن المتساويين

في المرتبة والمتماثلين في التفكير هم وحدهم الذين لا يستطيعون التفاهم والسير معاً.

فما الذي يربط ذلك الرجل بي, إذن؟ لقد تخلف عني كثيراً, فأين أنا منه الآن ـ إنها لفجوة كبيرة

بين وضعينا. ولم أستطع سبر غور الطريقة التي ما زال يضايقني بها بين الحين والحين، ولا نوبات

غضب النفس المعذبة التي يحدثها".‏





منذ الطفولة, وأنا أعتبره أخي الصغير. كان يناديني في ذلك الوقت إيتشي (Iche). ولا أتذكر متى

تحول عن إتشي إلى إيتيم إيبيما (Iteim Ibema). أصبح تاريخاً الآن. لا أعد أتذكر في أي صفحة

من حياتي دخل. وها هو الآن أمامي, مرة أخرى, وكأنه يطالب مستحقاته.‏


خرجت لأراه واقفاً بشعر أشعث وعينين حمراوين كالدم. هل كان يبكي؟ أم بسبب الليالي التي

يقضيها ساهراً بلا نوم؟ أمسك بيدي بصورة مفاجئة وانطلق يتكلم بلا وعي: "إيتيما إيبيما؛ الطفلة

مريضة جداً وبحالة خطرة. زوجك طبيب. أقنعيه أن يأتي ليراها. أرجوك اصنعي معي هذا المعروف!"‏


حتى بعد هذا الاقتران الطويل, وجدت من الصعب أن أصدق أنه يقدر على لفظ مثل هذه الكلمات ا

لتي تمزق القلب. يا لـها من حياة. تجعل الزهرة تبرعم في الصحراء!‏


فقلت لـه: "انتظر لحظة, هلا تفعل؟ أنا متأكدة أنه سوف يفحص الطفلة. ولكننا لم نكن نعلم أبداً أن

لك طفلة. كم عمرها؟"‏


"لو سمحت نتحدث في ذلك فيما بعد, دعيني أر الطبيب أولاً, أرجوك".‏


"فلتعلم أنه لا يكون في البيت في مثل هذا الوقت من النهار. سوف يذهب معك بالتأكيد عندما يعود".‏


"يا إلهي!! متى سيعود؟"‏


"سيعود في غضون ساعة أو ساعتين. عد فيما بعد. وحالما يعود سأخبره بأمرك".‏


"إذن سأنصرف". استدار ومشى مبتعداً برشاقة دون أن يلتفت وراءه.‏


أخبرت زوجي بأمره عندما عاد. فنظر هو الآخر باستغراب. "ذلك الرجل؟ هل لـه أطفال؟"‏


"لا أعلم. فمن يعلم عم يتحدث ذلك المعتوه".‏


... كنا قد أنجزنا غداءنا وأخذنا قسطاً من الراحة, عندما عاد ثانية, في الوقت المناسب تماماً.

دخل غرفة نومنا مباشرة دون أي استئذان معلناً "تايبانغو‏


(Taibango)، هيا نرحل".‏


"انتظر, ما الذي تتحدث عنه؟ دعنا نذهب إلى الطفلة أولاً. كم مضى عليها وهي مريضة؟ ما هي

العلة ـ دعني أعرف على الأقل. كيف تقول "هيا بنا نذهب" دون أن نعلم شيئاً عما يجري؟‏


"تايبانغو, ولا أنا أعرف كذلك. قال لي شخص ما عنه. قال إن ابنته مريضة جداً, وعلى وشك الموت.

مضى عليها ثمانية أيام أو تسعة وهي على هذه الحال. إنها لا تقيم معي. إنها مع أمها في

سيكماي (Sekmai).‏


"إذن, ستكون قد شفيت الآن".‏


"لا. لا، تايبانغو! يجب أن تأتي. يبدو الأمر خطيراً جداً".‏


"إنه يقول إنها لا تقيم معه ومع ذلك يتحدث عن مرضها وكأنه راها بأم عينيه. إنه مضحك! نعم, لنذهب

إذن، ولكن أعطني نصف ساعة, ألا تفعل؟‏


قال متنهداً: "سأنتظر, يا تايبانغو" ثم جلس مكسور القلب. ولكنه نهض على الفور بفكرة طارئة

مفاجئة. "سأعود بعد قليل, إذن". قال ذلك وخرج مسرعاً وامتطى دراجته وانصرف. تساءلت في

نفسي هل أسيء إليه!‏

فأجاب زوجي قائلاً: "لم يشعر بالإساءة؟" وحاول أن يغفو قليلاً.‏

وبعد هنيهة صمت قال ثانية: "هل أسيئ إليه حقاً؟ سأستعد إذن. ضعي أدواتي في السيارة.

لكنه سيعود, أليس كذلك؟"‏

بعد ذلك التبادل, أخذنا ننتظر ظهوره ثانية بقلق بالغ. يا لـه من موقف! لقد انزعجنا لغضبه كما لو أننا

أسأنا إلى ملك الأرض نفسه.‏

وبعد بضع دقائق التي حسبناها زمناً طويلاً لا نهاية لـه, عاد راكباً دراجته.‏

قلت لـه وفي صوتي مسحة من الخوف: "ظننت أنك أسأت فهمي فانصرفت".‏

"بالطبع لا!! هل سنبدأ؟" ثم قدم لي برتقالتين من كيس تحت إبطه قائلاً:‏

"الرجاء أن تقبلي هذه مني".‏

عندما كان هو وزوجي على وشك الانصراف, نظر إلي بعينين متوسلتين وقال: "أرجوك, يا إيتيم إيبيما,

أن تأتي أيضاً".‏

"لم أنا؟ ولماذا؟"‏

"أنا أعلم أنها ليست المناسبة الصحيحة. بل اعتبريني كأخيك الصغير و تعالي معنا".‏


"وهل يجب أن أذهب؟ فأنا لا أعرف أحداً هناك".‏


"ولكنك تعرفينني. لم تكوني كريمة ولطيفة مع أحد أكثر مما كنت معي, أليس كذلك؟ ومع ذلك,

كما تشائين......".‏

بعد أن قال هذا، وقعت في حيرة من أمري. هل أذهب أم لا. ولكن زوجي حسم الأمر بقوله:

"ولم لا تأتين, إنه مشوار جميل".‏

لم نتبادل أي كلمة في أثناء ذلك المشوار الطويل. ولم يكن لدي أية فكرة عما كان يشغل باليهما.

أما ذهني فقد كان مفعماً بأفكار لا يعبر عنها. وأكثرها تتعلق به.‏


هناك أمر سار يتعلق بالسفر في عربة ذات محرك. إذ تتحرك أفكار المرء بسرعة, كذلك. ففكرت,

أنه من الغريب أن لا يخبرني عن طفلته. أي أفكار قد خطرت في حياتي المغطاة بنسيج العنكبوت,

لم أستطع حتى البدء في معرفة ذلك.‏


وصلنا المكان، وحالما بدؤوا بالترجل, قلت: "سأنتظر هنا".‏


ولكنه التفت إلى الوراء بحدة قائلاً: "لم؟ إذا كان هذا قصدك فلم أتيت أصلاً؟"‏


هكذا كانت اعتراضاته بحيث لم يسعني إلا أن أتبعهما بهدوء. في آخر زقاق طويل متعرج محفوف

بأشجار طويلة وبظلالها, يقع بيت صغير. لم يكن حوله بيت آخر, حتى ولا مرحاض خارجي ولا زريبة.

ويبدو أن الأسرة التي تقيم هناك فقيرة جداً.‏


ظهر رجل متقدم في السن في البيت. ربما سمع أصواتنا. وقفت فتاة صغيرة هزيلة تنظر بعينين

واسعتين يملؤهما العجب, وهي تمسك بخودي (Khudei) العجوز. كان عمرها ست سنوات أو سبع.

وبدلاً من أن يحيينا, الرجل ارتد فجأة ودخل البيت وكأنه استاء من رؤيتنا. أما الفتاة فظلت واقفة

تحملق فينا.‏

نظر الأب والطفلة كل إلى الآخر لحظة قبل أن يأخذها بين ذراعيه باكياً "أبيما" ويقبلها مراراً وتكراراً.

ودفنت الفتاة رأسها في صدر هذا الأب الذي لم تره منذ فترة طويلة. وأخيراً عاد إلينا بادياً عليه

الإرباك وقال: "إنها بصحة جيدة الآن!! أرجوك يا تايبانغو, لا تسيء فهمي.....".‏


وجدت نفسي أكافح لأكفكف دموعي. ألم أقل لك بأن الأمر ربما لا يكون خطيراً إلى الحد الذي تصورته؟

لا شك أنه قيل إن الأمور كانت تسير نحو الأسوأ". هكذا سمعت زوجي يجيب على اعتذاره.‏



لأننا لا نستطيع البقاء واقفين سحبنا حصيرة عتيقة وجلسنا عليها. ولكنه نسي على ما يبدو أننا

موجودون. بل بدا مشغولاً بإخراج زوج من حذاء الجنفيص كان قد أحضره في كيسه محاولاً فك

عقدة في طرفيه, مبدياً ارتياحه أخيراً, موجهاً كلامه إلى الجميع من غير تحديد: "إنه مناسب.

فكيف لا أعرف حجم قدم ابنتي حتى لو غابت عني مئة سنة؟"‏


ثم استدار إليها بضحكة اعتزاز. ثم أخرج علبة بسكوت وفتحها وقدمها إلى ابنته ليطعمها.

يا لـه من منظر رائع مبهج شكله هذا الأب وهذه الابنة! نحن كذلك شعرنا بأننا حلقنا معه في

نشوته. كيف يمر الزمن, لا أستطيع التذكر، بل إني متأكدة من أمر واحد فقط إنه أول انتفاخ

لحب أم يمور في أحشائي.‏


أخذ الأب والبنت يثرثران بلا نهاية, ترددت أصداء ضحكهما المرح في أرجاء الشرفة.

وفي تلك اللحظة خرجت امرأة في الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين من عمرها من

البيت ممسكة الطفلة من يدها وسحبتها إلى داخل البيت. التفت إليها مرتبكاً،

"لا بد أنها مجنونة! الطبيب هنا, ألا ترون أنه ينبغي أن يلقي على الطفلة نظرة...."‏


فقاطعته الشابة قائلة:

"ومن طلب منك أن تأتي إلى هنا؟ لا تحرك لسانك كثيراً كيلا يصيبك العار أمام الطبيب "

وجرت الطفلة مبتعدة. تبعثر البسكويت من حجرها على الأرض. ضحك عندما نظر إلينا وقال:

"أكنت تشاهد, يا تايبانغو؟ من المفروض أنه غضب. فلو لم تأت اليوم لسحقتها حتى الموت.....".‏


أخذ يلتقط قطع البسكوت المبعثرة على الأرض الواحدة تلو الآخرة ويضعها على نول النسيج,

وانصرف دون أن ينطق كلمة أخرى. انصرفنا نحن كذلك. فكيف يمكن أن يبدأ أي منا الكلام بعد

الذي حدث. ولكن توضح لي ما كنت أود أن أعرفه, كضوء النهار. لقد رأيت بجلاء ذلك الذي انصرف

ملوحاً براية النصر وهو عائد من معركته "واترلو" الحقيقية.‏



ترجمة: ديبراتا روي (Debbrata Roy)‏















الساعة الآن 08:53 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية