منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   على طريق الذكريات للكاتبة أم مايد (https://www.liilas.com/vb3/t101672.html)

dali2000 31-12-08 05:05 PM

على طريق الذكريات للكاتبة أم مايد
 
بسم الله الرحمن الرحيم

على طريق الذكريات ...


الكاتبه : أم مايد



الفصل الأول

الليلة،22 أكتوبر، الشوارع متجمدة من ماي المطر اللي تجمّع في كل مكان، ولأن الليلة الخميس، الشوارع وايد زحمة. إلا الشارع اللي بين مربح والفجيرة. من صغرها وحصة تخاف من هاالشارع في الليل، بس الظاهر إنها نست هالشي وما تذكرت إلا ألحين وهي تشوف الدنيا حواليها ظلمة. يقولون إن ها المكان كله جن. حاولت حصة إنها ما تفكر بها الأفكار ويكون انتباهها كله على الطريق في هالمطر. بس غصب عنها كانت تفكر وتقول في خاطرها: "أف!!! أنا شو اللي خلاني أرجع الفجيرة . 19 سنة وأنا مفتكة من عوار الراس هذا!"

كل هالفترة، كانت حصة عايشة في أبوظبي . هناك الشوارع دوم منورة لدرجة إنها نست إن فيه في الدنيا مكان نسوا يصلحون فيه ليتات الشوارع مثل هالشارع اللي علقت فيه. هاليوم من بدايته كئيب. كله مطر وغيوم وضباب. اليوم بس مرّت حصة على أربع حوادث في طريجها من بوظبي للفجيرة...

الفجيرة، حصة مب مصدقة إنها أخيراً ردت لها المكان . بس شو تسوي؟ لازم هالشي يصير.

"كل شي تغير!"
هاذا اللي فكرت فيه حصة وهي تدش الفجيرة. وايد أشيا تغيرت ، محلات ومراكز وفنادق وايدة. مرّت بسيارتها صوب الاتصالات. كانت تمر من هني كل يوم وهي رادة من المدرسة. أبتسمت وهي تتذكر ربيعتها أمل. كانت دايماً تقول إنها بتتزوج واحد غني يبني لها فيلا كبيرة هني. بس بدل فيلا أمل، شافت حصة 3 خيام كبيرة وقالت في خاطرها أكيد هذا مركز تجاري،
فجأة .. سيارتها اللاندكروزر بدت تطلع صوت غريب، وهالصوت يزيدً لما تدوس على البريك.
"السيارة بتوقّف" قالت سارة، بنت حصة اللي دومها متشائمة.
"ما بتوقّف، لا تخافين." قالت حصة، ومن كثر ما هي معصبة، داست عالبترول بحيل عند المطبة وشاطت السيارة في الشارع وخوفت حصة وبنتها اللي حمدت ربها إن ماشي موتر وراهم.

"أووهوو!!!" قالت سارة. "شو صار ألحين؟"
حاولت حصة تشغل السيارة بس ما شي فايدة. وطالعت سارة الشارع ولاحظت إنه فاظي تماماً وقالت في خاطرها: شو هالمكان؟ الليلة الخميس.. ليش محد برى البيت؟ طالعت أمها وقالت: "قلت لج إن السيارة بتوقف!!!"

سارة عمرها 15 سنة، ومن اسبوعين قصت شعرها boy وصبغته أحمر لأنها مب راظية تصدق إنها وايد حلوة مثل ما الكل يقول. صوتها خشن من الجيكارة اللي تدوخها بالسر، وهالخشونة في صوتها تبان أكثر لما تكون معصبة. "ألحين منو بيوصّلنا بيتكم الجديم؟"
غمضت حصة عيونها عشان تمسك أعصابها، من ثلاث ساعات ونص وهي تسوق من أبوظبي لين الفجيرة في الزحمة والمطر، ومستحملة الصداع ورمسة بنتها الأرف. طالعت عمرها في الجامة واتأففت.. شكلها يلوّع الجبد.. الكل يقول عنها إنها ملكة جمال.. بس كل ما تطالع عمرها في الجامة ما تشوف فيها أي شي حلو. حلجها صغير وعيونها سود وشعرها طويل ومن سنين وهي تصبغه عشان تخبّي الشعر الأبيض اللي بدا يطلع لما كان عمرها 19 سنة. وكل اللي تشوفه حصة في الجامة هو إنها ظعيفة وصفرة وأكبر ب 19 سنة من آخر مرة شافت فيها الفجيرة.
"نحن بروحنا بنسير بيتنا الجديم." قالت لبنتها. "لا تحاتين." بس لما حاولت تشغل السيارة مرة ثانية ما صار شي.
"قلت لج." قالت سارة بصوت واطي.

من كثر المطر، كان مستحيل يشوفون أي شي. صوت المطر مثل الموسيقى اللي ياية من عالم ثاني. حطت حصة راسها على السكان وغمضت عيونها. مب لازم تطالع عشان تعرف إنه على يمينها بناية التأمين اللي كانت تشتغل فيها ربيعتها أمل.

كانت أيام حلوة... من دون هموم، ولا خوف. هذاك الصيف، كانت حصة تفكر إنها هي اللي تتحكم في مستقبلها، وإن المستقبل شي مضمون، كانت دايماً تقول إن كل شي نباه، نحصله في النهاية، وإن القدر دايماً واقف ويانا، مب ضدنا.

شغّلت حصة السيارة مرة ثانية "يالله فديتج." قالت للسيارة، ما تبا اتّم هني أكثر من جذي لأنها تعرف منو يقعد في فندق السيجي في هالوقت، وهو الوحيد اللي ما تبا تشوفه .. وبكل قوتها حاولت تشغّل السيارة. وأخيراً اشتغلت.
صرخت سارة وحضنت أمها بحيل، وفي هاللحظة نسوا كل خلافاتهم من أول ما طلعوا من أبوظبي. ونست سارة إنها زعلانة على أمها لأنها سحبتها وياها الفجيرة بدل لا تخليها ويا أبوها خالد. والسبب هو إن حصة مب واثقة ببنتها- ومحد يقدر يلومها- لأن عندها أدلة تثبت إن سارة مذنبة. الدليل الأول: الموبايل اللي حصلته حصة في شنطة المدرسة مالت سارة. الدليل الثاني: الجيكارة اللي حصلتها في درج الميكياج. والدليل الثالث وهو الدليل الخطير: النظرة الرومانسية اللي على ويه سارة هاليومين. هالنظرة الرومانسية هي سبب كل مشاكل حصة وسارة. هي سبب الصياح طول الليل وهي سبب كره سارة لأمها أحياناً. سارة تفكر إن إمها ما تعرف شو معنى الحب. تفكر إنها ما تعرف إن الحب الأول يتبعنا للأبد.. حتى لو حاولنا ننساه أو نتهرّب منه.

"خل نطلع من هني بسرعة." قالت سارة لأمها. بتموت تبا جيكارة، بس لازم تتحكم بعمرها شوي حتى لو كانت ما تقدر. داست حصة عالبترول وعلى طول وقّفت السيارة.

"الله يلعن الساعة اللي اشتريت فيها هالموتر!!" قالت حصة.
نبرة صوت أمها وهي تقول هالجملة خوّفت سارة، واللي مخوفنها أكثر المكان اللي هم فيه، ألحين عرفت ليش الكل يتطنز على الفجيرة، اللي عايشين هني أموات. قفلت سارة بابها من الخوف وحست إنها ضايعة. بس أكيد أمها تعرف الطريق. أمها تربّت هني، أكيد تعرف الطريق.
"ألحين شو بنسوي؟" سألتها سارة.

سحبت حصة السويتش من السيارة .. "ألحين" قالت لبنتها "بنمشي."
"في هالمطر؟" صوت سارة الخشن صار أخشن من القهر.
طنشت حصة بنتها وطلعت من السيارة تحت المطر. وفتحت الباب اللي ورا وطلّعت شنطتها وشنطة سارة.. الجو وايد بارد وعلى طول غرقت حصة من الماي.. الظلام فظيع ومزعج وحست حصة بماي المطر كأنه يصفعها على ويهها.
"مستحيل أمشي.. دوري لنا تاكسي!" قالت سارة لما طلعت من السيارة ووقفت في مكانها والمسكارا اللي قعدت ربع ساعة وهي تحطها على رموشها في حجرتها سالت ألحين على ويهها على شكل خطوط سودة كبيرة.

سكتت حصة لأنها تعرف إنها مستحيل تحصّل تاكسي في هالوقت من الليل وقفلت باب السيارة وقالت لبنتها: "إنتي قرري شو تبين اتسوين.. أنا رايحة!"
" إنزين إنزين" قالت سارة. "بايي وياج."

شلت سارة شنطتها، مستحيل إتم هني بروحها حتى لو دفعوا لها مليون درهم. ألحين عرفت ليش أمها وأبوها اللي كبروا هني ولا مرة فكّروا يردون مرة ثانية. أصلاً السبب اللي خلاهم يردّون هني فظيع. لدرجة إن سارة شوي وبييها انهيار عصبي.. سارة بردانة وترتجف حيل وأسنانها تطلع صوت حتى أمها تسمعه. يوم بتتصل بربيعتها خلود بتقول لها: " أسناني كانت تطلع صوت نفس الهيكل العظمي المعلق بحبل. وأنا مب قادرة أحصل جيكارة وحدة حتى لأن أمي واقفة على راسي. وكله عشان نروح عزا وحدة عيوز ما تقرب لي أبداً".
"شو بلاج؟" سألت حصة بنتها وهم يمشون.
"ولا شي." قالت سارة.

فكرة العزا مسببة اكتئاب لسارة. ما تعرف شو تلبس لأن ثيابها كلها ظيجة. بس يابت وياها بنطلون أسود من زمان ما لبسته... المتوفيه هي مريم عمة حصة وهي اللي ربتها لأن أمها ماتت لما كانت ياهل. مريم هاذي كانت تزورهم في أبوظبي كل عيد، بس سارة ما تذكر ويهها. يمكن هي أصلاً ما تبا تتذكر عشان ما تحس بالحزن. أو يمكن لأنها تكره تفكر بالأشياء الكئيبة مثل الموت والعيايز والأماكن الكئيبة مثل الفجيرة.

"عمتج خلاص دفنوها؟" سألتها سارة لماخف المطر.
"أكيد." قالت حصة. عمتها مريم كانت دايماً هادية وساكتة وما يخصها في أحد. إذا خبرتها بأي شي مستحيل تروح وتخبر أحد ثاني.. وبتمر سنين ومحد بيعرف أي شي من اللي قلته لها.وعشان جذه كانت حصة تحترمها حيل.. لما خف المطر، بدا الشارع يبيّن شوي.

"ماما." قالت سارة لما حست إن شي مر حذالها.
"لا تخافين." قالت حصة. "يمكن قطوة."

حصة تذكر إنها لما كانت صغيرة كانت الفيران هني وايدة، بس ما حبت إنها تلوّع بجبد بنتها وسكتت. ابتسمت حصة لما تذكرت كيف كانت السما دوم صافية في الليل وهي ياهل، حتى إنها كانت دايماً تصيح لأنها ما تقدر توصل للنجوم اللي فوقها.

"متى بنوصل؟" سألت سارة، اللي كانت تكره شي اسمه مشي.
الوقت ألحين الفجر، وهالوقت دايماً تكون حصة فيه رومانسية، وتشوف أشياء مب موجودة ومستحيل تكون موجودة معاهم حالياُ.. حاولت حصة انها ما تفكر إن في هالمكان بالضبط كان أخوها سعيد يوقّف دراجته كل يوم. وهناك كانت عمتها مريم تعلق الثياب، وهني عند اليدار.. الولد اللي حبته حصة من كل قلبها.. وإذا ما مشت بسرعة .. راح يلحقها.. وإذا لحقها.. مستحيل يودّرها..
"ليش تركظين؟" صرخت سارة اللي مب قادرة تتنفس وهي تحاول تلحق أمها.
"أنا ما ركظت." قالت حصة، وعشان تقنع بنتها عطتها مية ألف سبب يخليهم يسرعون ..لازم يودون السيارة الوكالة عشان تتصلح، لازم يتصلون بالقاضي ويحددون معاه موعد عشان يوزعون ورث مريم، لازم يتصلون بأبوها خالد ويخبرونه إنهم وصلوا بخير. لازم يتصلون بكريم الهندي عشان يشيّك على البيت ويشوف إذا في شي لازم يتصلح ولاّ لا.. أكيد البيت كله فيران.. أكيد!!!

جوتي سارة اليديد صار كله طين وريولها تجمدت. "ألحين عرفت ليش إنتي وابويه عمركم ما فكّرتوا تردون هني.. المكان مقرف!"
كتف حصة بينكسر من الشنطة، ولاّ يمكن كتفها يعورها من الخوف. ليتها راحت من الصوب الثاني لأنه وايد أقرب. المشكلة إن خالد مشغول في الجامعة ولا ما كان صارت كل هالمشاكل.. خالد!! حاولت حصة وخالد إنهم ينسون الماضي لأنه انتهى ومستحيل يتغير.. لأنه مب مهم، بس لو كان هالشي صحيح، ليش عيل تحس حصة إن في احد صب عليها سطل ماي وثلج..؟

"مب هو هذا البيت؟؟" سألتها سارة.بس حصة كانت في عالم ثاني.
----------------
كريم الهندي هو اللي اكتشف مريم لما ماتت. كان يدق الباب عقب ما ياب الطابوق اللي بيبني فيه اليدار في الملحق المحترق يوم الأثنين الصبح. وفي البداية، اتحرّى إن محد في البيت. بس لما الهوا فتح الباب، شاف كريم مريم طايحة في الصالة .. ميتة.

محمد الكعبي، رفيج أبو حصة –الله يرحمه- وشريكه في الشغل، واللي الكل يسميه "القاضي" هو اللي خبّر حصة باللي صار لما اتصل فيها اليوم الثاني .. على الأقل عمتها مريم ما تلعوزت في المستشفيات وماتت موتة طبيعية.. ماتت وهي مرتاحة.. مبتسمة.. بس هالشي ما خفف عن حصة أبداً.. لأنها حست إن محمد الكعبي ، اللي اشتغل محامي من 50 سنة وقاضي من 30 سنة كان يغطي التيلفون بإيده عشان ما تعرف حصة من صوته إنه كان قاعد يصيح.

"أكيد هذا هو البيت!!" قالت سارة. "أخيراً وصلنا.. الباب!! الباب!!"
اليوم الصبح لما كانت حصة راقدة، حلمت إن أبوها اللي مات من 25 سنة.. راشد الشامسي واقف في صالة بيتهم، لابس كندورته السودة اللي كانت حصة تحبها وايد .. وعيونه مدمعة. كان أبوها دوم إييب لها كيك شوكولاته وهو راد من الشغل. وكان هو ومحمد الكعبي المحاميين الوحيدين في الفجيرة. وكانوا دايما يتطنزون على بعض.. كل واحد فيهم يقول إنه أحسن من الثاني. بس الكل كان يحب أبوها أكثر. اليهال في فريجهم دوم كانوا إيون بيتهم العصر لما أبوها يكون قاعد في الحوي ويا محمد وكان يعطي كل واحد فيهم ربية، ولما مات فجأة في مكتبه بالسكتة القلبية ، كل اليهال في فريجهم صاحوا عليه.. كأن أبوهم هو اللي مات.

كل مرة تفكر حصة بأبوها، تحس بنغزة قوية في صدرها. الشي الغريب انها خسرت كل شي وبعدها متحملة. خالد محد تم من أهله أبداً، عائلته الوحيدة هم حصة وسارة. وحصة عندها ريلها، بنتها وأخوها سعيد، اللي تبرّت منه من زمان وما تعتبره حي.. ونفس الشي ينطبق على ولد سعيد - حمد- اللي عمرها ما شافته.
"هذا هو البيت؟؟" سألت سارة أمها مرة ثانية لما وصلوا باب الحوي. نزّلت حصة شنطتها وطالعت حواليها.

"أنا مب مصدقة إنج كنت تعيشين هني.." قالت سارة. "وعععععععع!!!"
في الظلام، شكل البيت قديم ومتكسر. والملحق اللي احترق- المطبخ وغرفة الأكل- محد رد يبنيه مرة ثانية.. حصة عاشت في هالبيت لين صار عمرها 21 سنة. طالعت حصة الدريشة اللي فوق باب الصالة .. دريشة حجرتها .. الدريشة اللي ما فارقتها حصة أبداً في آخر سنواتها هني.. وهي تترياه..

هل هي متفاجئة إنها تفكر بسالم مرة ثانية لما شافت هالدريشة؟ كان عمرها 17 سنة لما ودرها وراح.. عقب ما حبته طول هالسنين. في نفس السنة الكئيبة اللي راح فيها، كانت السما دايما مغيمة والشتا ما بيّن إنه بيخلّص.. اكتشفت حصة الشعر الأبيض اللي بدا يطلع بكميات فظيعة في شعرها.

الليلة، في نفس الحوش.. في نفس البيت.. حست سارة بشي غريب يتحرك في الزراعة.. ولصقت بأمها اللي كانت متجمدة في مكانها.. في عالم ثاني.. "ماما؟"

كانت سارة ميتة خوف، مب هذا اللي توقعته لما وافقت انها إتي ويا أمها الفجيرة عشان العزا. كانت تتوقع انها بتغيب عن المدرسة اسبوع، وبترقد للظهر كل يوم وما بتاكل شي غير الكاكاو والكورن فليكس .. وبترتاح شوي .. وألحين، في هالظلام والليل حست انها بعيدة وايد عن بيتهم .. منو هالحرمة اللي واقفة حذالها؟ صاحبة الشعر الأسود الطويل والوجه الحزين؟ ليش حاسة ان أمها غريبة عنها؟ سارة أم اللسان الطويل واللي ما تخاف من أي شي واللي مطفشة كل مدرساتها في المدرسة قاعدة ترتجف ألحين. شو اللي يابها هني؟ أكيد في طريقة تخليها ترد بيتهم.. أكيد.!!!

"سارونا.." قالت حصة لبنتها. " لا تخافين، هاذي أكيد قطوة."
وبالفعل، طلعت قطوتين من ورا الحشيش. ومن تصرفاتهم كان باين انهم يبون يتظاربون ويا حصة وسارة كأن البيت بيتهم. طردت حصة القطوتين من الحوي بشنطتها وقالت لبنتها" شفتي؟ ما شي وحش هني."
لكن سارة مستحيل تقتنع . "خل ندخل ok ؟ " قالت بصوت واطي يرتجف من الخوف.
"أكيد، ولاّ تبينا نرقد في الحوي."
ضحكت سارة وحصة.. الحوي كان كله ماي .. مدت حصة إيدها فوق باب الصالة وحصلت المفتاح السبير، مريم دايماً تحطه هناك عشان سعيد يدش يوم يرد البيت متأخر.. هالشي ما تغير من 19 سنة، حتى لما طلع سعيد من البيت للأبد.
"ألحين تأكدت إن هذا بيتكم." قالت سارة.

كانت حصة تشوف هالمفتاح كل يوم.. كانت تركب الدري اللي في الصالة ميت مرة في اليوم.. دايماً مستعجلة.. دايماً تايهة ومظيّعة.. ومن المكان اللي واقفين فيه.. تقدر حصة تشوف حديقة الورد مالت عمتها مريم- الله يرحمها- وعلى طول حست بالراحة. بالرغم من كل هالسنين، في أشيا عمره الزمن ما يقدر يغيّرها. الحديقة هي نفسها اللي كانت موجودة لما كانت حصة ياهل، الريحان والجوري والنعناع.. وكل هالمطر ما خرّب فيهم شي .. والبطاطا في صندوق عند اليدار.. أكيد عمتها مريم قصتهم قبل لا تموت.

يمكن حصة راح تندم لأنها ردت. بس في هااللحظة، ما تبا تكون في أي مكان ثاني غير بيتهم الجديم.. ورا البيت مكان حصة المفضل، هناك أشجار الهمبا ...

كانت حصة تتسلق هالأشجار كل يوم العصر وتقطع الهمبا الاخضر وتفرّه حق قطوتها اللي ما ترضى تاكله.. كانت تقعد هني كل يوم تقطّع كل ورقة ثمان مرات وتفكر إذا كان يحبها كثر ما هي تحبه.. وتعشق الأرض اللي يمشي عليها..

الفصل الثاني



كان اليوم اللي وصل فيه سالم يوم حصة عمرها ما راح تنساه. كان يوم الأحد وأبوها مسافر من اسبوع، عنده مؤتمر في البحرين. وطول هالوقت كانت حصة مريضة بالأنفلونزا. وكانت عمتها مريم كل يوم اتسوي لها كيك وشاي زنجبيل وشوربة وعصير برتقال وتغصبها تاكلهم كلهم. هاذاك اليوم، قامت حصة من الرقاد متأخر، على غير عادتها. كان عمرها 11 سنة ..

في يوم الأحد هاذاك، سعيد، أخو حصة العود، اللي كان متعود يرقد للظهر، كان قاعد في المطبخ يشرب قهوة لما دشت حصة. كانت حصة تدور شي تاكله على الريوق وانصدمت لما شافت سعيد قاعد. سعيد كان أكبر عن حصة بعشر سنين. وتوه متخرج من الجامعة بتقدير مقبول. كان يدرس شريعة وقانون في الجامعة عشان يصير محامي مثل أبوه، بس للأسف هالشي ما راح يصير أبداً.

"عندنابشكار يديد." قال لها سعيد.
"كذاب" حتى وهي صغيرة، كانت حصة تعرف إن أخوها أكبر زطي وكذاب في الدنيا، وكانت متعودة انها ما تصدق أي شي يقوله.
"والله." قال سعيد، كانت حصة تعرف إنه متعرّف على وحدة اسمها نعيمة ، البنية اللي راح يتزوجها عقب كم سنة. وعشان جذي كان مزاجه أحسن عن كل يوم. على الأقل اليوم ما سب حصة ولا مط شعرها ولا قال لها اللي متعود يقوله كل يوم.
"أبوي يابه وياه من البحرين. يقول إنه ما عنده أهل."
"لا والله!!" ردّت عليه حصة. "كذاب!!"
"تراهنين؟" قال سعيد. "مية درهم، ok ؟"
في هاللحظة دشت عمتها مريم المطبخ وفي إيدها سلة الثياب بكل هدوء مثل ما كانت دايماً متعودة.

"يالله عاد!" قالت حصة. "أصلاً بابا ما يقدر ياخذه جذي من دون ما يكون ولده، صح؟" سألت عمتها مريم.
هزن مريم كتفها وطنشت حصة. مريم ما تحب الرمسة الزايدة لكنها اعترفت انها نظفت وحدة من غرف النوم الفاظية في البيت وحطت فيها الثياب اليديدة اللي أبوها اشتراها للولد اللي واقف في الحوي.
وقفت حصة عند الدريشة بس ما شافت شي. وقف سعيد وراها وهو ياكل سندويتش جبن وأشّر على شجرة الهمبا عند الملحق وقال: "ها؟؟ تشوفينه؟ هذا هو هناك!"
وأخيراً شافته حصة، واقف عند باب الملحق. كان عمره 13 سنة ووايد ضعيف، شعره طويل وأسود وشكله انه مب متسبح من سنة!!
"حصلتي لج شي تلعبين فيه." قال سعيد بكل وقاحة.
حس الولد إن في احد قاعد يطالعه لأنه فجأة التفت وطالع الدريشة. ولما ابتسمت له حصة، كان الولد مصدوم لدرجة انه وقف مكانه.. بس يطالعها. كانت حصة راح تظحك على غباء الولد في وقت ثاني، لكنها اكتشفت فجأة انها بس تبا تطالعه.. على طول.
"عادي لو خليناه عندنا على طول؟" قالت حصة بصوت واطي.
"وع!! .. ان شاء الله يروح اليوم قبل باكر." قال سعيد.

برّى في الحوي، كان الولد بعده يطالعها.. "أنا باخذه." قالت حصة.
"عن الاستهبال!!" قال سعيد، ولما طلع من المطبخ .. تمت حصة واقفة مكانها.
"أنا مب قاعدة استهبل." قالت بصوت عالي، بس محد سمعها لأن الكل طلع من المطبخ،

حتى عقب 30 سنة، حصة بعدها تتذكر راحتها عقب ما قالت هالجملة. كانت تقصد كل كلمة تقولها وكانت تحس بمعناها.. وكأنها في عالم ثاني.. "من اليوم ورايح. هالصبي حقي أنا!"
كل اللي عرفته عنه، عرفته من عمتها مريم. إنه ما عنده أهل .. من البحرين. فقير لدرجة إنه سكن عند الشيوخ لين ما شرد من عندهم يوم شافه راشد الشامسي ويابه وياه البيت.

"وهذا كل اللي تعرفونه عنه؟" كانت حصة ومريم في الحوي يحطّون أكل للدياي " وين أمه وأبوه؟ وهو مسلم، صح؟ عنده خوات؟ إنت متأكدة إن عمره 13 سنة؟"
"حصوه إنتٍ وايد حشْرة!!" قالت مريم. " اسمه سالم وراح يتم هني على طول. هذا كل اللي أعرفه."

في البداية، ما رضا سالم يمس أكلهم. ولا حتى الفراولة اللي حطوها حقه في حجرته ولا رضى يطالع أي واحد فيهم. ولا حتى راشد أبوحصة. بس حصة تعرف إن سالم يحترم أبوها، لأنه الوحيد اللي ما شتمه وكان واضح جداً إن سالم ما يعرف شو يعني أدب واحترام. ونظراته – مب كلامه- هي اللي كانت تقهر.

عقب 3 شهور كان سالم بعده يتجاهلهم كلهم. وكل ما طنشهم أكثر، كانت حصة تنعجب فيه أكثر. وكانت دايماً تتمنى تشوفه، بس لما كانت تشوفه- مرة لما كان واقف في الحوي يفرّ الحصى على الجدار ومرة لما دعمت فيه وهي رايحة الحمام- ما تقدر تقول ولا كلمة ، ولأن حصة كانت أكبر ثرثارة في البيت، كان الكل يستغرب منها لأنها تصخ تماماً وسالم موجود.

"تكلمي." كانت مريم تقول لحصة لما يكونون قاعدين ويا سالم. بس حصة كانت اتم ساكتة. .. مب بإيدها .. كانت لما تشوفه تنسى كل شي تبا تقوله...

ومرت الأيام وحصة ما قالت ولا كلمة لسالم ولا حتى عشان تطلب منه اييب لها الخبز على العشا. لكن امنيتها تحققت مرة في الصيف.
كان شهر يونيو والجو أحر من جهنم. وكانت حصة متعودة تمشي حافية لين ما صارت ريولها سودة. وكانت في المطبخ تصب لها عصير فيمتو لما شافت فراشة تطير فوق راسها. كانت هالفراشة أكبر وأحلى فراشة شافتها في حياتها. ولونها أزرق مثل البحر. طارت الفراشة في الصالة وتبعتها حصة، وهناك شافت سالم قاعد على كرسي يقرا كتاب من كتب أبوها عن جرائم القتل.

" أبا أزخ هالفراشة." قالت حصة.
طالعها سالم بعيونه السود .. وأخيراً قال: "مبروك.. أصفّق لج؟"
كانت الفراشة ألحين واقفة على الستارة.
"أباك تساعدني." انصدمت حصة من نفسها لما تكلمت أخيراً وبكل ثقة. حتى سالم كان واثق من عمره لأنه نزّل كتابه وقام يساعدها. خافت الفراشة وحاولت تشرد، وكانت تصطدم بالزجاج أكثر من مرة، وبعدين من كثر ما كانت خايفة، انخشّت في شعر حصة. استانست حصة على الفراشة في شعرها لكن سالم طلّعها وفتح الدريشة عشان تطير برّى. وفوراً اختفت الفراشة، كأن السما بلعتها.
"استانستي ألحين؟" سألها سالم.
كانت ريحة سالم صابون، لأن عمتها مريم غصبته يتسبح كل يوم، بس كان فيه ريحة ثانية بعد ، اكتشفت حصة بعدين انها ريحة الحقد.

"لا.. بس عقب شوي بستانس." قالت حصة. وخذت سالم للمطبخ وطلّعت قوطيين أيس كريم كبار وقعدوا اثنيناتهم ياكلون على راحتهم لين خلصوا الأيسكريم كله. ولما خلصوا كانوا يرتجفون رغم إن الحرارة برّا جهنم. لين ألحين حصة تذكر اش كثر كان لسانها بارد من كل الآيس كريم اللي كلته.

"أحسن لج تبتعدين عنه." حذّر سعيد حصة. وقال لها إشاعات فظيعة عن سالم: إن سالم قتل واحد في البحرين وإن أبوهم هرّبه للإمارات. وإن أمه وصخة وسالم ولد حرام. وإن حصة أحسن لها تخبّي كل بيزاتها ومجوهراتها لأن سالم أكبر حرامي في الدنيا.
كانت حصة متأكدة إن أخوها سعيد يغار من سالم. لما كان أبوها-راشد- يقول للناس إن سالم ولده، كان سعيد دايماً يموت من القهر وويهه يحمرّ. والسبب إن سعيد وأبوه دوم يتظاربون لأن سعيد كان فاشل في كل شي. وألحين أبوه يروح واييب له واحد زبالة ما يعرف شو يعني شامبو ويقول عنه إنه ولده؟
واللي كان يقهر سعيد أكثر، إن سالم كان وايد وغد. في أيام العيد ولما كانوا يعزمون ناس بيتهم، كان سالم بس يقعد بروحه يطالع الناس ولما احد يرمسه، ما يرد عليه. الناس الوحيدين اللي كان يكلمهم هم راشد الشامسي وبنته حصة.

"ليش ما ترد بلادك أحسن لك؟ نحن ما نباك هني!!" صرخ سعيد مرة في ويه سالم.
"ليش ما تصك حلجك وتسكت؟" رد عليه سالم، من دون حتى ما يطالع سعيد اللي كان أكبر عنه بثمان سنين وأضخم منه بوايد.
هالشي صار عقب ما طلّع أبوحصة الجواز حق سالم بحجة إنه ولد أخوه المرحوم. وعقب هاليوم، كان سعيد يستغل أي فرصة عشان يجرح مشاعر سالم. قدّام الناس، كان يعامله على إنه عبد. وفي البيت، كان يحتقره ويسبّه. ولما يطلع سالم ، كان سعيد يدش حجرته ويكسّر كل اللي يقدر عليه. ومرة صب دم كلب في كبت سالم وخرّب كل ثيابه، لكن سالم كان مستحيل يعترف بهزيمته وكان يلبس هالثياب كل يوم بوصاختها، لين ما فرّتهم مريم في الزبالة ويابت له ثياب غيرهم. ومرة حط له فار ميت في واحد من الأدراج، ولين ما اكتشف سالم المكان اللي تطلع منه هالريحة الوصخة، كان كل شي في حجرته ريحته تلوع الجبد.
وكل ما كان راشد الشامسي طيب أكثر ويا سالم، كل ما زاد حقد ولده سعيد. مرة كان راشد مسافر مصر، ولما رد ياب لهم وياه هدايا. كانت هدية حصة سلسلة ذهب وسالم وسعيد هداياهم كانت سكين مزخرفة بالفضة واللؤلؤ حق كل واحد فيهم. في هالوقت كان سعيد مب قادر يلاقي شغل. واللي خرب مزاجه أكثر هو ان أبوه ياب له نفس الهدية اللي يابها حق هالمتشرد سالم، كأنه أخوه. ولما قعدوا يتعشون هذاك اليوم، كان سعيد بينفجر من القهر. وقال لأبوه:
"سالم وايد صغير. المفروض ما كنت تييب له سكين. لمّا أنا كنت قدّه ما كنت تخليني أمسك أي سلاح. كيف تقدر توثق فيه؟"

"أنا واثق فيك." قال راشد حق سالم وابتسم له وطنش ولده سعيد تماما!
"يا ربي!!.. ابويه إنت أعمى!!" قال سعيد.
كانت مريم محد هذاك اليوم، راحت دبي تزور صديقتها وراشد ياب لهم عشا من المطعم. وفي هاللحظة، فرّ سعيد صحنه بعيد عنه وانصب كوب الماي على الطاولة. "إنت أكيد مجنون. مستحيل واحد عاقل يعطي هالمجرم سلاح!!"
الشي الوحيد اللي كان راشد الشامسي يكرهه هو قلة الأدب، وولده سعيد وايد قل أدبه عليه وعلى سالم. وسالم ساكت ولا حتى فكّر يدافع عن نفسه وهذا اللي رفع ضغط حصة. كانت تنقهر منه لأنه دوم منزّل راسه ومنعزل عن اللي حواليه، دايماً وحيد. لدرجة إنه شكله كان وايد صغير وكئيب وهو قاعد على كرسيه.

"Shut up!!" قالت حصة. "سعيد.. إنت اللي مينون، مب سالم!!"
كانت حصة قاعدة علي يمين أبوها اللي حط إيده على كتفها في هاللحظة. "حبيبتي لا ترمسين أخوج جذي." قال لها. "خلج دوم عاقلة."

لين ألحين سالم ما مس الأكل اللي قدامه. كانت عيونه في صحنه، بس حصة حست انه شايف كل اللي قاعد يصير. "إنت تغار من سالم." قالت حصة لسعيد.
ضحك سعيد من القهر وطالع سالم باحتقار. "أنا أغار من هذا؟"
نزّل راشد الشوكة والسكين وقال لولده: "إطلع برّى!"
"أنا؟" كان سعيد صدق متفاجئ. "تباني أنا أطلع برّى؟"
"ولا ترجع لين ما تتعلم شو يعني احترام." وكان واضح من ويهه إنه ما يتوقع هالشي يصير. ولده مستحيل يصير ريال.

قام سعيد عن الطاولة بسرعة لدرجة إن كرسيه طاح على الأرض. كانت حصة طول هالوقت تراقب سالم ولاحظت انه ألحين بدا ياكل من صحنه، كان ياكل على راحته، وطالعها فجأة وانصدم لما شافها تطالعه. وفجأة، قررت حصة. لازم تخلّي سالم يضحك. لازم. غمّضت عيونها وطلعت لسانها.
"إنت شو يالسة تسوين؟" قال لها أبوها.
ما تخيّلت حصة إن أبوها ممكن يشوفها. "ولا شي!" قالت له بسرعة.
ولما ردت تطالع سالم، شافته يبتسم لها. "حصة ما سوت شي." قال سالم.
"الحمدلله " قال راشد اللي رد ياكل مرة ثانية. " شخص واحد قليل أدب في البيت يكفي."

المفروض يكون سعيد عاقل وريّال، المفروض بدل لا يفكر انه ينتقم، يفكر يحصّل وظيفة أو يكمل دراسته في جامعة خاصة. لكنّه عقب اللي صار، صار همه الوحيد في الدنيا إنه ينتقم من سالم. كان ينتظر اليوم المناسب عشان ينتقم، وهاليوم يا عقب شهر. كان سالم راجع من المدرسة بروحه. والجو كان وايد بارد. وكان سعيد وربعه الوحوش يراقبونه من بعيد عقب ما انتظروه ساعتين في هالبرد لين ما وصل سالم أخيراً .. وفي هالفترة خلّصوا 6 كراتين بيرة وألحين صاروا مستعدين يضربون أي ريال لين ما يقتلونه. لما وصل سالم، زخوه وتفّل سعيد في ويهه. واحد من ربعه كان ميودنّه والباقين يضربونه بالدور، كل واحد فيهم يظربه ويرفسه في بطنه وصدره.. متعمدين يكسرونه بإيدهم وبجواتيهم.

كانت السما رمادية هذاك اليوم والريح بدت تزيد. سعيد وربعه ظربوا سالم لين ما تفجّر الدم من خشمه وحلجه. كانوا يبونه يصرخ عليهم عشان يوقفون. يبونه يصيح أو يترجاهم يرحمونه. لكنه كان بيموت قبل لا يذل عمره حقهم، كان مغمض عينه عشان ما ينعمي لما يظربونه على ويهه. وكان يدعي عليهم ويلعنهم في قلبه بس ويهه ما كان يبين عليه أي ألم أو أي نوع ثاني من الإحساس، وأخيراً سمعوا صوت سيارة عبيد الكندي اللي مزرعته وراهم بالضبط ياي من بعيد، وهذا اللي خلاهم يوقفون.

السبب الثاني اللي خلاهم يودرونه في حاله هو انهم تعبوا، ولما خلصوا ظرب، ربطوه في نخلة وراحوا عنه وتم سالم هناك اليوم بطوله، ولا حتى فكر انه يصرخ أو ينادي أي أحد. ولما ما رد البيت عالعشا، قعد سعيد يسبه وقال لأبوه: "شفت انه صايع وأناني؟ وين متأخر لين الحين وليش ما فكر يتصل بنا ويطمنا عليه؟"
ولما يت الساعة تسع وبعده ما رد البيت، طلعت حصة وراحت تدوّر عليه من دون ما يعرف ابوها.. ولما لقته، كان سالم بينفجر من القهر والمذلة، طلعت حصة السكين الهدية من جيبه وقصت الحبل عن إيده.

"ماله داعي أكسر خاطرج، اوكى؟" قال لها لما خلصت، كانت إيده كلها دم لأن ربع سعيد شدّوا الحبل بقوة على إيده.
"ومنو قال لك إنك كسرت خاطري؟" ردت عليه حصة. سعيد هو اللي كاسر خاطرها، مب سالم. لأنها تعرف إنه أبوها ما راح يسكت عنه. "أنا عارفة انه سعيد هو اللي ظربك. خبّر عليه وانا بقول اني شفت كل شي."
"بس انتي ما شفتي شي." قال سالم. ومسح الدم اللي على ويهه بإيده. كان جاكيته مقطّع وزاده سالم لما قص كم القميص. "ولا شفتي هذا، مفهوم؟"
خذ عنها السكين بإيده اليسار وبسرعة وقوة قص إيده اليمين وجرح عمره جرح خلّى حصة تصرخ من الخوف.
"بس!!!!" صرخت حصة.
تجاهل سالم الجرح وقال لحصة: "خل نروح أحسن." ولما وصلوا عند باب الحوي، طاح سالم.. وعرفت حصة إنه في غيبوبة وعلى طول ودّاه راشد المستشفى وحصه وياه، واحتاج الجرح 32 غرزة عشان يتسكّر.

"منو اللي ظربك؟" سأله راشد لما قام من الغيبوبة. "سعيد؟"
سكت سالم ونزّلت حصة راسها لما سألها أبوها نفس السؤال. حاولت انها تجاوب بس ما قدرت. وهاذيج الليلة، قال راشد لولده إنه إذا ناوي يقعد وياهم في البيت، لازم يعامل سالم باحترام ويعتذر منه جدّام ربعه ويدفع فاتورة العملية من جيبه ويشتري جاكيت يديد حقه. وفوق كل هذا، خذ راشد السكين عن سعيد وسعيد احتشر وحلف انه ما قص إيد سالم.

"ما له داعي تكذب لأني ما راح أصدقك." قال راشد الشامسي، ومن ساعتها سكت سعيد وما عاد ينكر أنه هو اللي طعن سالم.
في نفس الليلة، ما قدرت حصة ترقد. راحت المطبخ تشرب ماي، ولما راحت حجرتها مرّت على حجرة سالم ووقفت عند الباب وفتحته. كان سالم منسدح على الشبرية بس بعده ما رقد، صكت حصة الباب وراها وعرفت من الدريشة إن المطر زاد برى. كانت إيد سالم ملفوفة بشاش.

"تعرفين ليش قصيت إيدي اليمين؟" قال سالم لحصة. كانت هاذي خطة فكّر فيها وهو مربوط بالنخلة. "عشان مستحيل أي شخص يفكّر إني أنا اللي جرحت عمري. عشان التهمة تروح له على طول."
"كيف قدرت تسوي هالشي؟ كيف يتك الجرأة؟" سألته حصة وقعدت على الشبرية عشان تشوف إيده عدل. "ما عوّرك؟"

"شو هالسؤال السخيف؟" كان صوت سالم يرتجف، وكانت حصة تقدر تروح عنه في هاللحظة. لكنها عرفت إنه يالس يصيح. انسدحت حصة حذاله وراسها على المخدة وهو يصيح وتمت وياه الليل بطوله.. بس تطالعه. وجذي عرفت اش كثر كان الجرح يعوره. ولما رقد أخيراً، راحت حجرتها.
ولا واحد فيهم رمس عن اللي صار في هالليلة، ولا ياب طاري إنها كانت راقدة حذاله. لكنهم صاروا أصدقاء من هاللحظة ودايماُ ويا بعض. لما كانت حصة تطلع من البيت عشان تروح عند أمل، اللي أبوها- محمد الكعبي- يشتغل ويا أبوحصة، كانت حصة تموت لين ما ترد حق سالم وتعد اللحظات لين ترد البيت وأحياناً كانت تقول حق أمل إنها مريضة أو بطنها يعورها وترد ركض لين بيتهم.

أكثر وقت تذكره حصة هو الصيف اللي مات فيه أبوها،
لما كان عمرها 14 سنة.
في الليل كان القمر دايماً يحيرها. كبير، فظي، وكله غموض وكانت تقعد عند دريشتها كل ليلة بس تطالع القمر وتفكر فيه.
وفي هالوقت، كانت حصة تعرف إن سالم برّى، فوق السطح، يترياهاتطلع له عشان تقعد وياه للفجر. يخبرها وتخبره اش كثر يحبون بعض، بكل هدوء عشان لا يقعدون أي أحد في البيت. محد كان يعرف عن حبهم. ولا حتى عمتها مريم اللي ما كانت حصة تخبي عنها أي شي ولا أمل اللي كانت تغصب حصة إنها تخبرها بكل تفاصيل حياتها وأسرارها.
في هالصيف، كانت حصة عايشة في حلم، وكان من المستحيل تلاحظ أو تحس بوجود أي أحد غيرها هي والإنسان اللي تحبه. وعشان جذي كانت صدمتها أكبر لما قعّدها أخوها سعيد من الرقاد وخبّرها إن أبوها توفى.

ورث سعيد البيت والمزرعة والشركة وورثت حصة بيت إيجار وثلاث محلات وتنازلت عمتها مريم عن كل اللي ورثته لسعيد وقالت إنها ما تبا شي غير انها تقعد في بيت أخوها.
وطبعاً طرد سعيد سالم من البيت وسمح له إنه يسكن في الملحق.
واستغل سعيد الفرصة عشان ينتقم من سالم، وبدا يكتب فاتورة كل اسبوع فيها مصاريف أكل سالم وغسيل ثيابه وقعدته في الملحق.
ولما خلص سالم الثانوية، اشتغل سنتين ونص لين ما قدر يسدد الديون اللي عليه حق سعيد. لكنه في النهاية، سدد كل فواتيره وكانت أكثر البيزات اللي حصلها من شغله في دبي عقب ما خلص ثانوية عامة.

في اليوم اللي طلع فيه سالم من حياة حصة للأبد، كان الجو أكثر من رائع. وكانت حصة باقي لها شهر وبتخلص الثانوية العامة. وكانت قاعدة في الصالة ويا عمتها مريم يخططون وين بتدرس حصة يوم بتخلص.
وقامت حصة تفتح الدريشة وتنظفها وفكرت بمستقبلها. كانت متأكدة ساعتها، إن أي قرار تتخذه وأي مكان تروحه لازم يكون سالم وياها. سالم بيتزوجها، هذا اللي كانت متأكدة منه.
ولما دخل سالم وخبرهم إنه سدد ديونه كلها واستقال من شغله، حس لأول مرة في حياته بطعم الحرية. لكن اللي خلاه يحصل كل هالبيزات مرة وحدة ما كان شغله وبس. كان سالم توه بادي يتعامل مع يوسف – رجل الأعمال اللي كان ماسك كل المشاريع الصناعية في الفجيرة، وشغله وياه هو اللي خلاه يصير غني بهالسهولة. وألحين عقب ما حصل حريته، كان سالم مستعد يبدا حياته من أول ويديد.
كان هذا أهم يوم في حياته وكان يبا يكلم حصة عشان يخطبها من سعيد. لكن حصة كانت تفكر بأشيا ثانية ولا انتبهت ان هاليوم راح يغير حياتها للأبد.

في الفترة اللي اشتغل فيها سالم في دبي، تعودت حصة على غيابه. وتعودت انها تشتاق له. وعشان جذي دوّرت ربع في مكان ثاني غير بيتهم.
واليوم بتسير تتعشى عند جيرانهم قوم الكندي. لأن صديقتها ألحين صارت بنتهم أصيلة . وكان كل اهتمامها في هاللحظة هو شو راح تلبس اليوم لما تروح بيتهم. ويا على بالها فستانها الأزرق وهذا هو اللي شغلها عن سالم.

"شو إللي يهمج أكثر؟ تروحين عندهم ولا إتمين ويايه؟" سألها سالم بعصبية.

انصدمت حصة من سؤاله لأنها كانت قاعدة تختار أي خاتم تلبس من صندوق مجوهراتها. وجاوبته بكل بطءلأنه- ولأول مرة في حياتها- كان يشدها من إيدها بقوة.
"بس عاد!" قالت له.
سالم كان دايماً يغار لما تروح بيت عبيد الكندي. بس حصة عمرها ما اهتمت لهالغيرة. بس اللي قاعد يصير ألحين شي ثاني! لأنه قاعد يهزها بقوة، وبصعوبة قدرت حصة تبتعد عنه وقالت له: "التعن من جدامي!!"

كانت هاذي أول مرة ترمسه حصة بهالطريقة، واللي قالته صدمهم اثنيناتهم. بس حصة كانت عارفة انها مب قاصدة اللي قالته.

"لها الدرجة انت كارهتني؟" سألها سالم.
"أنا ما قلت جذي." صرخت عليه حصة، وحست انها جرحت مشاعره. "إنت اللي قلت."

أكبر خطأ يرتكبه الواحد في علاقة حب هو إنه يطلع من الحجرة في نص الهواشة ويودّر اللي يحبه وراه في الحجرة بروحه. وهذا اللي سوته حصة لما راحت بيت الكندي وخلت سالم واقف في حجرتها يطالع الباب بصدمة. ومن هاذاك اليوم وحصة تفكر شو كان ممكن يصير لو إنها ما طلعت من الحجرة وما راحت عند أصيلة. لو انها حظنته واعترفت له انها من الصبح وهي قاعدة تفكر فيه وبمستقبلهم ويا بعض.

كانت حصة قاعدة تتعشى عند أصيلة لما حست فجأة بالغلطة اللي سوتها وعلى طول قامت وردت ركض البيت... بس عقب شو؟
سالم خلاص راااااااااااح.

عقب ما راح سالم، كانت حصة تقعد جدام دريشتها فوق تترياه، يوم عقب يوم، أسبوع عقب اسبوع. ولا مرة اتصل أو طرش رسالة، ولين ما اتخرجت حصة، كانت خلاص اتعودت انها ما ترد على التيلفون لأنها متأكدة انه ما راح يتصل. بس الحمام اللي يبنون عشهم على شجرة الصنوبر اللي حذال دريشتها كل سنة في شهر مارس كانوا دايماً يردون في نفس الموعد. وكان حصة تفكر إن الحمام علامة ودليل على إخلاص سالم وحبه لها وإنه أكيد راح يرجع في يوم من الأيام. البنات اللي راحت وياهم المدرسة كلهم تخرجوا وياها.. وبعدين اللي راحت الجامعة واللي تزوجت حبيبها واللي اشتغلت، وحصة تمت مجابلة دريشتها، ومن دون ما تحس.. صارت هالدريشة عالمها.. والشارع الخالي قدرها.
عقب ثلاث سنوات، صارت حصة ما تعرف عمرها لما تشوف ويهها في الجامة.

dali2000 31-12-08 05:08 PM

________________________________________
متى صار شكلها جذي؟
جنها وحدة كبيرة.. كانها عيّزت فجأة ..
وأخيراً.. يوم عيد ميلادها الواحد والعشرين،
تخلت حصة عن دريشتها وعمرها ما عرفت إذا كان الحمام رجع هاذيج السنة ولاّلا.
ولا صارت تطالع القمر في الليل وترمسه.
ولا شمت ريحة النعناع المزروع حذال باب الصالة.
كل اللي سوته هو انها حطت ثيابها في شنطتها واتصلت لخالد الكندي وقالت له انها موافقة تتزوجه وتروح معاه أبوظبي،
ومن يوم ما راحت.. ما فكرت أبداً إنها ترجع.

قعدت حصة عند الدريشة 3 سنين وهي تحاول تفهم شو الذنب اللي ارتكبته في حق سالم عشان يودّرها؟
وطاف نص عمرها وهي زوجه وأم ..
وألحين تقدر تقول عن عمرها انها تغيرت.
تغيرت وايد.
هذا اللي كانت حصة تفكر فيه ألحين وهي تنظف حجرة النوم في بيتهم الجديم.
كانت بنت صغيرة لما كانت ترقد على هاذي الشبرية ..
ياهل
كانت تصيح بسرعة وتعد النجوم في الليل لما ما كانت تقدر تنام.
بس ألحين ما عادت تصيح خلاص.
ما عندها وقت للصياح ومشاغلها وايدة.
بس هذا ما يمنع إنها أحياناً تقعد من الرقاد والدموع في عينها.
وساعتها تعرف انها كانت تحلم فيه،
ومع انها ما تتذكر أبداً شو كان الحلم، لكنها تشم ريحة النعناع على مخدتها ، وكأن الماضي ممكن يرجع لها مرة ثانية إذا تمنت هالشي وحست فيه بكل قوتها.


الفصل الثالث
تعود سالم يتمشى في مزرعته كل يوم عقب صلاة المغرب، ويتأكد إن محد من الخمارية اللي تعودوا يشربون عند المسبح راقد هناك. من سنين وهو يشتغل لحساب يوسف، وألحين صارت كل البيوت اللي في هالفريج بيوته، وكل شهر يحصل الآلاف من أجاراتها. إلا بيت واحد ما قدر يشتريه ولا فكر انه يدشه حتى، .. بيت المرحوم راشد الشامسي.

اقتنع سالم من زمان ان الماضي مستحيل يجرحك إلا إذا سمحت له إنت انه يجرحك. وإذا فكر الإنسان بالماضي وبكل أخطاءه والظلم اللي تعرض له راح يعيش طول عمره في حزن وعذاب. الماضي ماضي وما له داعي نفكر فيه. وبصراحة.. مرت على سالم أسابيع طويلة كان ينسى فيها الماضي تماماُ، لكن تمر عليه أيام مثل هاليوم ما يقدر يمنع نفسه من انه يفكر.. ويتذكر.. حصة.

سالم متأكد ان حصة الشامسي راح ترجع الفجيرة عشان العزا، ويمكن تكون وصلت وألحين يالسة في حجرتها في بيتهم الجديم. تنهد سالم و تظايج انه مب قادر ينساها. وحاول انه يفكر بشي ثاني.. بكل اللي حققه في هالسنوات اللي مرت عليه وهو بعيد عنها. بكل الملايين اللي عنده في البنك، بكل البيوت والمزارع والبنايات. هذا غير الفندق اللي فتحه في دبي واللي يربحه أكثر من مليونين في السنة.

الشهر الياي، بيكمل سالم أربعين سنة. وحاول يقنع نفسه انه راضي عن كل اللي حققه في حياته وانه مب محتاج لأي شي ثاني. منو كان يتوقع انه الصبيّ اللي طلع من الفجيرة وفي جيبه بس امية درهم بيملك كل هالملايين؟ لكن كل هذا مب كافي. لأن الشي الوحيد اللي كان يباه من كل قلبه مستحيل في يوم يكون حقه. وهذا اللي يطير النوم من عينه كل ليلة وهو يفكر فيها ويا واحد غيره.. حبيبته.. ويا خالد.

"كل اللي تفكر فيه ما منه فايدة" قال سالم لعمره وراح يطمن على حصان المرحوم ولده سعود. الحصان مريض من يوم ما اشتراه والدكتور البيطري قال انه لازم ما ياكل شي أبدا وما يشرب الا المياه المعدنية. بس سالم كان يعرف طريقة تعلمها في ند الشبا لما كان يشتغل هناك، وهي انه الحصان المريض يحطون له في خشمه شوية ملح وأكيد بيشفى.

محد يقدر ينكر أنه سالم ريال ذكي. وهو أغنى واحد في المنطقة الشرقية عقب يوسف. بس لما سالم كسب هالثروة، خسر حب الناس له. لما يروح مجلس الرياييل، يقومون له ويسلمون عليه.. بس هذا ما يمنع انه في الأخير يقعد بروحه ويتجاهله كل اللي حواليه. والسبب مب بخله- سالم عمره ما كان بخيل ودوم يتبرع للجمعيات الخيرية وعمره ما رد أي واحد طلب منه قرض أو مساعدة. البيزات اشترت احترام الناس له، لكنه كان يعرف زين انه الكل يكرهه ويرمس عنه.
لما كان يروح المقهى ويقعد ويا الشباب، محد كان يقدر يقول له كلمة لكنهم في داخلهم يتمنون لو انه يروّح ويودّرهم. شو فايدة قعدته وياهم وهو لا يرمس احد ولا احد يرمسه؟ حمزة الهندي اللي يشتغل في المقهى يقول انه سالم إيي المقهى ويقعد ويا الرياييل عناد فيهم. لأنه يعرف زين انهم يكرهونه ويعرف انهم يتظايجون من قعدته وياهم وعشان جذي يقعد وياهم.. عشان يحرق أعصابهم. وهالشي يمكن يكون صحيح. لكنه لما يودّرهم أخيرا ويطلع من المقهى، لازم يرمسون عنه وإذا كان فيهم واحد جريء يرفع صوته ويقول: "سيرة بلا ردة ان شاء الله."
الحريم.. ولا وحدة فيهم تكره سالم. بالعكس، لما يمر بسيارته في الشارع، تطالعه كل وحدة موجوده هناك. يمكن لأنه يكسر خاطرهن ويمكن لأنه وايد جذاب. سالم مسكين في نظرهن. ياحليله، مب كافي ان زوجته أصيلة ماتت.. ولده الوحيد بعد توفى السنة اللي طافت لأنه كان مريض بسرطان الدم. سعود كان مريض من يوم ما انولد. وتعذبت أصيلة المسكينة وهي تهتم فيه يوم عقب يوم. سالم انسان وحيد. محتاج لوحدة تحبه وتحترمه. وهذا اللي خلا أكثر من وحدة تييب رقم تيلفونه وتسوي علاقة وياه وأكثرهن متزوجات ورياييلهن يشتغلون في إمارة ثانية، ويمكن هذا اللي يزيد كره الرياييل له. وآخر إشاعة تقول انه الاسبوع اللي طاف كان مركب وحدة وياه وراح وياها فندق الريتز. سالم لما كبر صار أحلى بألف مرة من شكله لما كان صغير، وهذا سبب ثاني يخلي الحريم يموتون فيه. لما كان سالم عمره 20 سنه، كانت معجباته وايدات وكانن يحاولن وياه بس سالم كان يرفضهن كلهن عشان خاطر عيون حبه وحياته حصة.. والكل كان يعرف الحب اللي بين هالاثنين وكانت ربيعات حصة يغارن منها ، إلا أمل اللي من يومها وهي تكره سالم وتقول لحصة انها ما عندها سالفة لأنها تحب واحد زبالة شراته. المهم ان الفرصة يت عقب زواج حصة ووفاة أصيلة، وأكثر عن وحدة جربت حظها وياه، لكن الواضح انه قلبه كان خلاص انقفل .. لأنه ولا وحدة قدرت اتأثر عليه.

دش سالم المطبخ وخذ له شوية ملح عشان يروح يداوي الحصان. البيت اللي يسكنه سالم ألحين هو بيت آل الكندي اللي كانوا جيران قوم الشامسي. البيت صار حق سالم لما توفت زوجته أصيلة وورثته المزرعة والبيت والخيول. ومن يومها وسالم عمره ما صلح أي شي في هالبيت ولا فكّر يغيّر الأثاث أو يصبغ الجدران أو يعدّل أي شي. مب لأنه بخيل، لكنه يحب ويتلذذ انه يشوف البيت اللي سرق منه حصة يتهدم جدامه. قوم الكندي خذوا منه حصة. وهو راح ينتقم منهم بهالطريقة. الأثاث اللي اشتراه عبيد الكندي من سوريا كله انباع بأرخص ثمن واشترى سالم بداله أثاث عادي من أرخص محل أثاث. والحديقة اللي كانت أم أصيلة تهتم فيها وتاخذ منها كل وقتها، حرقها سالم أول ما تزوج أصيلة ولين ألحين تمت على حالتها. البيت صار خرابة والفيران صارت تسرح وتمرح في حجرة المرحومة أصيلة. الكلاب صاروا ياكلون من الصحون الفضية اللي اشترتهم أصيلة من لندن قبل لا تتزوج ، ومستحيل أي أحد يصدق ان هالصحون الوصخة المقرفة كلّفت أكثر من خمسة آلاف درهم وان أصيلة لما اشترتهم، لفّت كل صحن بمناديل قطن عشان لا يختربون قبل لا توصل البيت.

طلع سالم من المطبخ وسكر الباب وراه بحيل لدرجة انه الكلاب الثلاثة اللي كانوا راقدين نطوا في مكانهم من الخوف. ومشوا وراه كأنهم حاسين انه مزاجه معتفس. كلاب سالم مسببين رعب للناس في الفريج. ونباحهم في الليل يزعج الكل لكن محد يتجرأ يقول شي. وهالكلاب اللي يشبهون الثعالب متعودين على سالم ويعرفون متى يعتفس مزاجه ومتى يكون رايق. ويعرفون انه سالم لما يتمشى وياهم ويوقف فجأة ويغمض عينه ويتنهد، أحسن لهم يبتعدون عنه ولاّ راح ينظربون من الخاطر.

في السنة اللي ياب فيها راشد الشامسي سالم وياه الفجيرة، كان عند قوم الكندي أكثر من خمسين حصان وفرس في مزرعتهم. وكان سالم يكره الخيول ولازال يكرهها. لكنه يذكر انه حصة كانت تموت في الخيول. وكانت دايما تتكلم عن خيول قوم الكندي. لكن اللي كان عاجبها أكثر هو ثروتهم وبيتهم اللي يشبه القصر. أبو حصة كان محامي وراتبه كبير وكانت عنده مزرعة، لكن ديونه كانت وايدة ومصاريف سعيد ماكانت تنتهي وعقب وفاته خسر سعيد نص بيزاته في القمار. وماكانت حصة تقدر تشتري إلا نعال واحد في العيد، بعكس أصيلة الكندي اللي كانت تشتري خمس نعل كل عيد وهذا اللي كانت حصة تحلم فيه وتتمناه. ويمكن عشان جذي كانت حصة تحب الخيول، لأن الحصان الواحد سعره أكثر بمرتين عن اللي يحصله أبوها في سنة بطولها.

تذكر سالم مرة انه هو وحصة تسلقوا الجدار ونطوا في مزرعة قوم الكندي عشان تقدر حصة تعد الخيول اللي في الاسطبل. وكانت الريح هذاك اليوم حارة وقوية لدرجة ان حصة كانت تيوّد شعرها الطويل بإيديها الثنتين عشان لا يدش في حلجها وعينها. وكان قلب سالم ينغزه وكأن شي فظيع راح يستوي وان هالشي بيغير حياته للأبد. كانت خيول عبيد الكندي أصيلة وضخمة وشاركت في أكثر من سباق عالمي ولما كانت تركض، مستحيل أي سيارة تقدر تغلبها.
لما تزوج سالم أصيلة، باع كل الخيول اللي في المزرعة وألحين ما تم في الاسطبل إلا ثلاث خيول. فرس ولده المرحوم سعود واللي دومه مريض وراقد. والحصان اللي يركبه حمد وحصان المرحومة أصيلة "شاهين" اللي قتل اثنين من الفرسان اللي ركبوا عليه قبل لا يصدر قرار يمنعه من المشاركة في أي سباق. وسالم يكرههم كلهم، يكره كل الخيول، يكره الخيول الغبية اللي تخاف من السناجب وترفض تمشي في الماي، ويكره الخيول الذكية مثل "شاهين" أكثر وأكثر.
شاهين كان في الكابينة الأولى من الاسطبل وهذا هو بيته من أول يوم وصل فيه المزرعة. وشاهين هذا أجمل حصان شافه سالم في حياته، سواده مثل الليل وأضخم من كل الخيول اللي كانت في المزرعة.لو فكر سالم يبيعه كان ممكن يحصل عليه أكثر من مليون درهم. لكن سمعته خلته ما يسوى حتى ألف درهم. لأن ما في واحد عاقل ممكن يشتري حصان معروف عنه إنه قتل اثنين من فرسانه ورفس أكثر من أربع عمال وما يخلي احد يقترب منه أو يركبه. الشخص الوحيد اللي قدر يتفاهم مع شاهين كانت أصيلة، وأصيلة ماتت من زمان ومن يومها وهو مسبب رعب للكل، وكل اللي في مريشيد يتذكرون اليوم اللي شرد من المزرعة- نفس اليوم اللي توفت فيه أصيلة- ويذكرون ان السيارات وقفت في الشارع من الخوف لأنه كان يركض مثل المينون ..

وايد ناس يستغربون ليش ما باع سالم شاهين لين ألحين؟ ناس يقولون ان السبب هو ان محد راضي يشتريه، وناس يقولون لأنه ذكرى من أصيلة، بس الواقع غير جذي، سالم محتفظ بالحصان لأنه حقير مثله هو تماماُ. كل يوم يتواجه سالم وشاهين وكل يوم يكرهون بعض أكثر وأكثر. وأكثر من مرة حاول سالم يقتل الحصان برصاصة من مسدسه، لكن في شي كان يمنعه..

"مرحبا" قال سالم مثل عادته في كل مرة يدش فيها الاسطبل ويمر صوب شاهين. وشرات كل مرة ، طنش الحصان سالم ولا كأن حد مر جدامه. "حيوان حقير." قال سالم من القهر، حتى هالحصان الغبي يتكبر عليه. "ما أدري شو شايف عمرك."

في اليوم اللي نط هو وحصة المزرعة عشان يعدون الخيول، شافهم كريم الهندي اللي كان يصلح الطوي لما سمع كلب أصيلة ينبح بأعلى صوته. ويوم سار كريم الاسطبل لقاهم منخشين ورا واحد من الخيول.
قوم الكندي كانو ناس متكبرين وايد. ومحد من الفجيرة كان يدش بيتهم، وعبيد الكندي كان يموت ولا يخلي أحد منهم يدش مزرعته. حتى في المناسبات وحفلات أعياد الميلاد، كانو المعازيم كلهم من أهلهم في دبي وأبوظبي بس. ولا مرة عزموا جيرانهم أو الناس اللي يشتغلون وياهم.
كانت حصة وسالم متأكدين انهم بيتمشكلون إذا حد شافهم، بس حصة كان راسها يابس وكان لازم تعد الخيول. لين ألحين وسالم يتذكر صوت الريح هذاك اليوم.. يسمع هالصوت في أحلامه ويوم يتمشى في المزرعة بروحه. . يذكر سالم انه كان مستحيل يسمع اللي كانت حصة يالسة تقوله في هالجو، لكنه كان شايف انه تنورتها عالقة في مسمار كبير في الاسطبل. وكلب أصيلة تخبل وعظ إيد حصة قبل لا يظربه سالم على راسه بحصاه. بس عقب شو؟ كانت ايد حصة تنزف وايد.
" أنا في يتصل حق شرطة" قال كريم الهندي بصوت عالي عشان يسمعونه.
كانت حصة لابسة قميص أبيض واسع صار كله دم من إيدها، لكن اللي كان شاغل بالها ألحين انه سالم انسجن مرتين، مرة لأنه بيدعم وحدة عيوز بدراجته وراحت العيوز واشتكت عليه. ومرة لأن الدورية زخته هو وربعه سكرانين عند الكورنيش. وإذا انسجن هالمرة بعد بيروح فيها.
"إشرد" صرخت عليه حصة. "يالله.. إشرد."
بسبب خوفه من الشرطة، وظيجه من الريح.. طلع سالم من الاسطبل وشرد. ومن يومها وهو يفكر كل ليلة شو كان بيصير لو انهم زخوه؟ لو انه تم ويا حصة؟ شو كان بيصير لو هو وحصة قعدوا في البيت هذاك اليوم بدل لا يروحون مزرعة قوم الكندي؟ سالم خرّب مستقبله بإيده لما تخلى عن حصة هذاك اليوم.

في ناس.. يحسون باللحظة اللي يخسرون فيها كل شي. ولما يردون يفكرون باللي صار، كل شي يكون واضح جدامهم.. واللي ما يقدرون يفهمونه هو.. ليش ما قدروا يتفادون المصيبة من أساسها؟ ليش ما تم سالم ويا حصة؟ ليش شرد وودرها؟

عقب ما طلع سالم من المزرعة، وقف عند الشارع يتريا حصة اليوم بطوله، وخفت الريح عقب المغرب وسالم واقف مكانه والصداع اللي في راسه ذابحنه.. وحصة بعدها ما ردت وما طلعت من بيت الكندي إلا عقب الساعة عشر.
كانت شايلة في إيدها باقة ورد من حديقة أم أصيلة، وكانت حاظنة باقة الورد الجوري وهي تركض صوب سالم.. هذا اللي شافه سالم حتى قبل لا يشوف ويهها. الورود الحمر اللي كانت في إيدها.. وفجأة حس بالدموع تتجمع في عينه وكان ممكن هالدموع تطلع لو ما كانت حصة يالسة تخبره عن اللي شافته.. انقهر سالم وهو يسمع اش كثر خالد الكندي شاطر وذكي، واش كثر اخته أصيلة طيبة وحبوبة لدرجة انه عندها ثعلب تربيه في البيت وتأكله حليب وخبز وترقده عندها على فراشها من دون ما أمها تعرف.. ما كان له داعي سالم يسمع كل هالتفاصيل عشان يعرف شو صار.. النظرة اللي كانت على ويه حصة كانت كافية،
في يوم واحد.. وبسبب غباءه.. ضاعت منه حصة للأبد..

لما صار بيت الكندي حق سالم، حرق أشجار الورد الجوري كلها. لكنها ردت طلعت مرة ثانية، ومن يومين اتفاجئ لما طلع من البيت الصبح وشاف وردة جوري حمرة في الشجرة، وكأن هالشجرة تتحداه يقضي عليها.. والليلة، شال سالم الورد من باله وفكر بالانتقام. ما في شي أحلى من الانتقام.. اللي يجربه مرة، يدمن عليه على طول. ويبدا يجمع أعداءه كلهم ويفكر كيف ممكن ينتقم منهم ويحتفل بانتصاره لما تنجح خطته.
وأكبر انتقام حققه سالم كان لما انتقم من سعيدوخذ منه ولده الوحيد حمد. سالم ربى حمد من لما كان ياهل وعوّده انه يسمع كلامه ويطيعه في كل شي. وأحياناُ، يكون حمد وايد مفيد، بس اليوم باين انه رد يدفّش مرة ثانية.. لأنه المفروض يراقب حصان سعود عشان لا ينسدح لكن حضرته رقد عالكرسي الهزاز ونسى الحصان اللي –لما دش سالم الاسطبل- شافه منسدح على جنبه اليمين.. شوي وبيختنق.

"نوم العوافي!" قال سالم.
تفاجئ حمد وعلى طول وقف وتعثر بالكرسي. حمد ضخم وطويل وهالشي دايم يزعجه لأنه يحس انه حجمه أكبر عن كل ربعه.. عيونه عسلية ، نفس عيون ابوه، ولون بشرته أبيض شاحب.. تماماُ مثل ابوه سعيد.
"أوييه!!!" قال حمد. وعلى طول طالع سالم عشان يشوف ردة فعله وهو يدعي ربه انه ما يضربه.
"إنت حمار؟ ما تفهم؟" سأله سالم. "أوه.. نسيت انك واحد أهبل شرات أبوك الخمار!!"
"آسف." قال حمد وهو منزّل راسه وتأكد انه ما في فايدة من الاعتذار، لأنه في راي سالم، حمد طول عمره بيتم حمار. لكن بصراحة حمد كان متظايج من الصبح، ومن يوم ما عرف انه عمته مريم ماتت وهو مب قادر يشيلها من تفكيره. معقولة عمته ماتت؟ هالرحومة اللي كانت تلاعبه هو وسعود كل يوم.. كانت تطبخ لهم الغدا والعشا كل يوم عقب ما ماتت أصيلة. بس لما مات سعود، مرضت مريم وتمت في بيتها وتعوّد سالم وحمد ياكلون المعلبات وأكل المطاعم.

كل سنة في يوم ميلاد حمد، كانت مريم تسوي له كيكة كاكاو وتطرشها حقه ويا كريم الهندي، وحمد كان ياكلها كلها بروحه.. وهو بعد ما كان يقصر ويا عمته. كان كل يوم جمعة يمر عليها ويشوف إذا محتاجه شي أو إذا في شي خربان عندها في البيت ويصلحه.
قبل لا تموت بعشرة أيام، كان حمد عندها عشان يصلح لها الحنفية في المطبخ وحلف عليها ما تتصل بكريم الهندي.. ولما خلص، سوت له برياني دياي ويلست تتغدى وياه.

كانت مريم دوم تطبخ لسعيد وتودي له الأكل في البيت الخرابة اللي ساكن فيه. حتى عقب مرضها، كانت دايم تزوره وتغسل له ثيابه وشراشفه وتودّي له كل اللي يحتاجه.
هاذي كانت عادتها، تهتم بكل اللي حواليها اهتمام كامل، إلا من ناحية عواطفهم ومشاكلهم اللي أبداُ ما تتدخل فيها. وعمرها ما نصحت احد إلا إذا هالشخص بروحه طلب نصيحتها. وعمرها- مثلاً- ما قالت لحمد: "ليش ما تروح تزور أبوك في البيت الخرابة؟" مع انها فكرت بهالشي أكثر من ألف مرة بس عمرها ما قالته حق حمد. هذا قرار حمد ومحد يقدر يقرر عنه، لكنها كانت متأكده ان حمد لو ما راح وشاف ابوه وتعرّف عليه، بيتم طول عمره يحس بالذنب. وكانت مريم تكتفي انها تحظن حمد وتبوسه قبل لا يروح ويخليها في البيت اللي المفروض يكون بيته بروحها..

حمد أصلاُ ما كان يعرف ان مريم ماتت إلا اليوم الظهر. كان في الجمعية يشتري له أغراض لما سمع وحدة تقول انها بتسير عزا مريم الشامسي، وعلى طول حس ان عيونه بتحترق لكنه يوّد عمره عشان لا يصيح جدام الناس. ووقف مكانه عند الثلاجات لين ما خف الدوار شوي وعلى طول راح يحاسب وطلع.
والليلة، بدل لا يهتم بالحصان، كان قاعد يفكر بويه عموته مريم وهي تخبره انه سعود مات. كانت ليلة باردة والمطر من ثلاث أيام مب راضي يخف. وكان حمد توه راد من برى متجمد من البرد، وكانت مريم تترياه عند باب الصالة وأول ما دش، حطت إيدها على كتفه وقالت: "سعود راح." وقعد حمد وياها في الصالة وهي تصيح من الساعة تسع لين أذان الفجر.
وهذا هو السبب اللي خلاه ينسى شغله الليلة، طول هالسنين وهو يفكر: شو بيكون احساسه لو انه فقد شخص عزيز عليه. أمه، نعيمة، ماتت لما كان بعده ياهل وما يتذكر عنها أي شي. وأبوه كان دوم ميت بالنسبة له. وسعود مات وعمره 12 سنة لما حمد كان بعده ما يعرف شو يعني حزن.. واليوم، عرف شو معنى انه ما بيشوفها مرة ثانية وما بيسمع صوتها وهي تدعي له وما بيشوف ابتسماتها الحلوة.. اليوم بس.. حس بطعم الموت..

سحب سالم الحصان لين ما وقفه على ريوله، واحمرّ ويه حمد لأنه المفروض هو اللي يسوي هالشي. ويوم وقف الحصان ربطه سالم بالعمود ونفخ الملح في خشمه. الشي الوحيد المشترك بين سالم وولده سعود انه اثنيناتهم يكرهون الخيول.. سعود كانت عنده حساسية من الخيول وكل ما يقترب من حصانه، كان ويهه يتقشر. بس أصيلة كانت عنيدة وأصرت انه ولدها يكون فارس شراتها. وعقب وفاة سعود، يلس حمد يترجى سالم عشان لا يبيع الحصان لأنه ذكرى من سعود.

"آسف لأني غفلت عن الحصان." قال حمد. "آخر مرة."
"كله منك.. ولا انا من زمان بايع هالحصان ومفتك منه." صرخ سالم.
تنهد حمد وما عرف شو يقول. تعود حمد يصك حلجه وما يرد على سالم لأنه خلاص تعوّد على ظلمه. وسالم متعود على حمد وعارف زين انه دوم يسكت عن حقه ويتحمل كل الإهانات.
"عرفت ان مريم ماتت؟" سأله سالم.
هز حمد راسه من دون ما يقول شي لأنه يخاف يقول كلمة تزعل سالم وتخليه يضربه. طلعوا اثنينهم من الاسطبل. الليلة السما صافية والنجوم منورة الدنيا.
مريم الشامسي كانت وحدة الكل يحترمها، حتى سالم. كان يحترمها لأنها دوم في حالها وما يخصها في غيرها. وفي الوقت اللي كان سعيد وربعه يعذبونه، كانت مريم ترحمه وتهتم فيه. بس هذا مب معناته انه لازم يتقلب ويصيح عليها في العزا. الحرمة خلاص ماتت ومحد يقدر يغير هالشي. ليش يتعب نفسه ويسير العزا؟
"إذا تبا تسير العزا.. سير" قال سالم لولد أخوه حمد.
"إنشالله .." قال حمد ." يمكن أسير باجر."

إذا سالم فكر يسير العزا بيكون السبب حصة الشامسي. لكنه مب ساير.. بيترياها لين ما هي بروحها ترجع له. وهو عارف انها بترجع له.. متأكد من هالشي.. سالم حقق كل أحلامه وما تم غير حصة. في حياته ما حب غيرها ولا راح يحب غيرها. كان يفكر إنه من دونها مستحيل يقدر يعيش، وكان معاه حق.. حياته من دونها هالسنين كلها كانت فارغة، مالها معنى.. وألحين فرصته عشان يعيش وإذا طنشها، حصة بتركض وراه.. يمكن تصبر يوم أو يومين لكنها أكيد في النهاية بترجع له وبتترجاه يحبها مثل قبل وأكثر.

الليلة بيرقد في الصالة لأنه ما يطيق يرقد في حجرة النوم اللي رقد فيها ويا المرحومة أصيلة. والصبح لما الكل يروح العزا، ولما تلبس حصة ثيابها وتسحي شعرها الأسود الطويل.. بيسوي سالم اللي يسويه كل يوم. بيشرب قهوته وبيسير المكتب يخلص أشغاله مثل كل يوم .. وعقب المغرب، بيتمشى في مزرعته عشان يتأكد إنه محد نط ودش من دون ما حد يشوفه. وما بيوقف شغل لين ما ينهد حيله من التعب لأنه يعرف إنه إذا وقف وارتاح دقيقة وحدة راح يدمر كل اللي خطط له وبيروح يبوس ريولها عشان ترجع له..

الفصل الرابع
-------------

الساعة 8:30 الصبح، كانت سارة وحصة لابسين وجاهزين عشان يروحون بيت يد حصة لأن العزا هناك. وعقب خمس دقايق وصلت أمل ربيعة حصة في سيارتها الكامري عشان توصلهم.
"مشكورة حبيبتي، والله ما اعرف شو كنت بسوي من دونج." قالت حصة لأن سيارتها بعدها ما تصلحت.
ابتسمت حصة واستغربت اش كثر تحب ربيعتها أمل، يوم كانت صغيرة كانت تتظايج من أمولة وايد. وكانت تعتبرها صديقتها بالغصب لأن أبوها وأبو أمل ربع وشركا في شركة المحاماه، ومع مرور الأيام صاروا يكرهون بعض أكثر وأكثر. ومرة تخاصموا ولمدة سنتين طنشت كل وحدة فيهم الثانية. حتى يوم كانت حصة وأبوها يروحون بيت محمد الكعبي في العيد ، كانت حصة تيلس ساكتة لين ما تروح.. شو كان سبب هواشتهم؟ محد يتذكر.
"تظاربنا لأنج كنت خقاقة." قالت أمل وهي تلف عند الدوار، كانت سيارتها كلها أوراق وملفات وأقلام رصاص.
"لا يا حياتي.. تظاربنا لأنج كنتي ما تعرفين تصكين حلجج وتكتمين الأسرار." قالت حصة.
ضحكت أمل وفكرت إن حصة معاها حق. أمل صحفية في جريدة الاتحاد وهالشي خلاها تعرف كل اللي يستوي في الفجيرة لأن الأخبار توصلها أول بأول. أمل تعرف مثلاً إن علي الشيبة باع أرضه ب300 ألف درهم ورفض يبيعها لسالم مع ان سالم عرض عليه 500 ألف درهم للأرض والسبب إن علي –مثله مثل باقي أهل الفجيرة- يكره سالم. لكن أمل طبعاُ ما بتخبر حصة بهالمعلومات ولا بتخبرها إن نص الحريم اللي هني متخبلات على سالم ومستعدات يودرن رياييلهن وحبايبهن عشان خاطر عيونه. أمل تعرف كل شي، وهالشي يريحها. تعرف ميزانية المدارس السنوية وتعرف كم حادث يستوي كل شهر وهي أول وحدة توصلها أخبار الوفاة والولادات والحوادث والجرايم.
"إنتٍ لو تعصريني عصر ما بتحصلين مني حتى خبر واحد أوكى؟" قالت أمل.
وظيفة أمل خلتها دايماً مستعدة انها تعرف كل شي جديد، ومن الأشياء اللي تعلمتها إن زوجها سلطان الزعابي – مدير شرطة الفجيرة- أحسن ريال في الدنيا.. بس في معلومات تعرفها أمل من زمان-من أيام طفولتها- ومن هالمعلومات إن ربيعتها حصة هبلة وعايشة في نعمة مب حاسة فيها ولا تشكر ربها عليها.. وممكن تضيع كل شي في حياتها عشان واحد ما يسوى.

"إنتٍ متشايخة علينا عشان عايشة في أبوظبي." قالت أمل لحصة. "لكن في وحدة ثانية يحق لها تتشايخ علينا.. ابتسام.. تذكرينها؟ عمرها 39 سنة وبتتزوج للمرة الثالثة الاسبوع الياي.."
"احلفي؟" انصدمت حصة. "ابتساموه ما تضيع وقتها." حطت حصة شيلتها على كتفها ولفت شعرها بمشبك فضة من تصميمها هي.. حصة عندها محل مجوهرات وهدايا في أبوظبي وهالمحل يكسب في الشهر الواحد أكثر من 10 آلاف درهم، ومعظم المجوهرات والهدايا اللي فيه من تصميم حصة اللي تحب تسلي وقتها ويا الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وأمل لابسة سلسلة ذهب أبيض هدية من حصة في عيد ميلادها، حصة قعدت تصمم هالسلسلة شهرين لين ما ضبطت التصميم وودتها المحل يجهزونها حقها.
"ابتساموه مب سهلة. إنت بس لو تعرفين شو سوت السنة اللي طافت." قالت أمل، وطالعت حصة بطرف عينها وقالت: "بس تعرفين شو اللي يقهر أكثر؟ إن ريلها يجنن وأصغر عنها ب 10 سنين. أكيد ماخذنها عشان بيزاتها.. أنا متأكدة."
ابتسمت حصة لربيعتها الحلوة وقالت في خاطرها.. أمل ما تغيرت، بعدها قمر. "وشو اللي يخليج متأكدة يا مدام أمل؟ يمكن يحبها." قالت حصة.
"لأنه رقمني يوم الخميس في كورنيش كلبا." ابتسمت أمل.
ضحكت حصة وقالت: "ما قدر يقاوم جمالج الفتان."
"أكيد.." قالت أمل. "منو يقدر يقاوم حصة وأمل؟ إحنا كنا نطلع السوق نسوي ضجة!!"
ضحكت حصة وتذكرت أيام مراهقتها ويا أمل.. وقالت: "لا.. كان في واحد يكرهنا يا آنسة أمل.. كان يشوف الموت ولا يشوفنا... تذكرين سلطان؟ ."
ابتسمت أمل وحست بقلبها ينقبض وهي تتذكر ريلها. "صح انه كان يكرهنا في البداية.. بس بعدين اعترف لي انه يحبني وتزوجني."
طول هالفترة كانت سارة تسمعهم وعلى ويهها نظرة احتقار.. أمها وخالتها أمل وايد سخيفات ويوم يقعدون ويا بعض يصيرون أسخف عن اليهال.. أمل تزورهم ويا ريلها في أبوظبي مرة كل شهر. وسارة تكره حياتها يوم تعرف انها ياية بيتهم. "ممكن تسكتون؟" قالت لهم.
طالعت أمل سارة وهزت راسها وضحكت هي وحصة على شكلها. كانت سارة لابسة تنورة وقميص أسود ظيج وايد. ومخلصة قوطي المسكارا على عيونها، وقصتها- اللي مطلعتنها من الشيلة- متروسة جل لدرجة انها تلمع. انقهرت سارة وفكرت في ربيعتها خلود، لما تشوفها بتقول لها: "بس لو شفتيني.. محبوسة في هالسيارة مثل الفار.. وهالعيايز ينصحوني في الموضة.. حسيت اني مخنوقة.. مخنوقة!!"
"ليش تخلينها تطلع جذي؟" سألت أمل حصة.
"أخليها؟؟؟!! " أمل ما تعرف شو معنى انه يكون عندها بنت مراهقة. "سارة إذا سمعت كلامي بتموت."
"ممكن توصلينا العزا وانتي ساكتة؟" قالت سارة بصوتها الخشن. قبل لاتطلع، دخنت جيكارة في الحمام وبعدين ترست عمرها عطر عشان تشيل ريحة الدخان.
"ان شاء الله عمتي." قالت أمل. "بس أتمنى ما يكون العزا عطّلج عن أشغالج المهمة ومواعيدج."
"لا تخافين.. أشغالي ومواعيدي أجلتهم لين باجر." قالت سارة وطلّعت جامة صغيرة عشان تشوف شكلها واتمنت شيئين عشان تطلع حلوة: عيون أكبر وويه أصغر. وقالت في خاطرها: "أنا وايد خسفة.. مستحيل أي احد في الدنيا ينعجب فيّه؟ يمكن ماما وهالغبية أمل معاهم حق.. بصراحة يوم قصيت شعري استويت خسفة.. شرات الرياييل." اليوم بيكون وايد كئيب وسارة تتمنى لو انها تمت اليوم بطوله راقدة.
"بعدني مب مصدقة انّ عمتي ماتت." قالت حصة. "الله يرحمها ربتنا وعمرها ما اشتكت.. عمرها ما فكرت في روحها.. والله محد كان يسواها."
"أونّه!!" قالت أمل ببرود.
انصدمت حصة من لهجة أمل وكانت بترد عليها بس الشارع كان وايد زحمة وأمل كانت مركزة على الدرب جدامها، وبعدين حصة تعرف أمل زين.. أكيد في شي في خاطرها أو انها بس تبا تظارب.. عشان جذي بتسكت عنها.
"هني وقفت سيارتي." قالت حصة لما اقتربوا من شركة التأمين.
"خل نحفّر عليها.." وفعلاُ طافت أمل صوب السيارة وحفّرت عليها.
"إنتٍ خبلة؟؟!!" صرخت سارة. لكن حصة وأمل اللي أكبر وأعقل عنها طنشوها تماماً ولا كأنها موجودة.. اللي في بالهم خلاهم ينسون كل شي إلا ذكريات هالشارع .. كم سنة مرت على آخر مرة مشوا فيها ويا بعض في هالشارع؟ كانت أمل وحصة من أجمل البنات اللي في الفجيرة وأهلهم واثقين فيهم ودوم يخلونهم يطلعون ويا بعض، تذكر حصة ان أمل كانت دايماً تلبس بناطلين وتحفر بسيارتها على سعيد أخو حصة كل ما شافته في الشارع. كانت أيام حلوة وكانت حصة واثقة ان مستقبلها مضمون : وناسة طول العمر ويا حبيبها.. هذا اللي كانت تباه.. وفجأة حست براحة فظيعة لأنها في الفجيرة وتمنت من كل قلبها اتم هني على طول.
أنا هني!!.. مب يالسة أحلم.. أنا صج هني.. فكرت حصة. أول ما فتحت عينها اليوم الصبح وتذكرت انها راقدة على فراشها الجديم اللي رقدت عليه امية ألف مرة قبل هالليلة، تأكدت انها كانت غلطانة لما رجعت الفجيرة مرة ثانية. لأنه أول شخص فكرت فيه يوم قامت كان سالم. ولما وقفت عند دريشتها تطالع الشارع، حست انها عمرها ما ودرت هالبيت. حجرتها كانت دايماً أبرد حجرة في البيت، بس في اللحظة اللي كانت حصة تتذكر فيها سالم، كانت تنسى البرد وهمومها وكل اللي حواليها..

أول شي سوته حصة اليوم، عقب ما تسبحت، انها نزلت الصالة واتصلت بريلها خالد.. بنتها سارة كانت راقدة في الصالة ومتلحفة بعباة أمها. من التعب ما قدرت تروح ترقد فوق. من الدريشة، كانت حصة تقدر تشوف مزرعة قوم الكندي وحست ان قلبها بيطلع من صدرها من كثر ما يدق. وقالت في خاطرها: إذا رد خالد على التيلفون قبل خمس رنات، معناتها إنها بعدها تحبه وإن كل شي بيتم على حاله.. حتى لو كان حبيب عمرها راقد في بيته اللي جدام بيتهم بالضبط. وحتى لو كانت تتذكر بالتفصيل كل شي عن علاقتهم.. كل شي بيتم على حاله لأنها تحب خالد.. وفجأة تذكرت ان الساعة 8 وان خالد محاظرته تبدأ ألحين، يعني أكيد مب موجود في البيت. بس حتى من دون ما ترمسه، كانت حصة متأكدة من مشاعرها صوبه. وعلى طول راحت تقعّد بنتها وسوت لهم ريوق وشالت هالموضوع من بالها.
بس شو اللي راح يمنعها تفكر فيه ألحين يوم طافت سيارته ال BMW عند الدوار؟؟
"لا تخافين." قالت أمل لما حست ان حصة تظايجت. "سالم مب رايح العزا ولا بيروحه. ريحي بالج، لأنه لين ألحين سالم ما تغير، بعده حقير ووقح."
صدت حصة بسرعة وطالعت أمل بنظرة عشان تنبهها إن سارة موجودة ، بس فات الأوان .
"منو سالم؟" سألتهم سارة.
سارة دومها جذي، يوم تباها تسمع الرمسة اللي تفيدها، تخلي عمرها طرشة وتطنش. ويوم ما تباها تسمع، تكون أول وحدة تلقط الرمسة.
"اسألي أمل.. هي اللي تعرفه." قالت حصة.
"مجرد خيال.. كابوس." قالت أمل. "بالنسبة لي على الأقل."
"لا والله؟؟" ما اقتنعت سارة. "صدّقتج!!"
"ما عليج من أمل.. وايد تحب تبالغ." قالت حصة، بس في داخلها كانت تتمنى سارة تنسى السالفة بالمرة.

لما وصلوا بيت يدهم العود، كانت الزحمة فظيعة عند باب الحوي وما حصلت أمل مكان تبركن فيه سيارتها، وليش لا؟ مريم الشامسي كانت محبوبة من الكل والناس كلهم هني يايين عزاها..
كانت حصة دايماُ تفكر ليش عمتها ما تزوجت؟ ومرة سألتها لما كانت سهرانة وياها في الصالة.
"الله ما كتب لي أتزوج." ردت عليها عمتها هذاك اليوم.
وساعتها ما فهمت حصة شو قصد عمتها ويمكن عمرها ما راح تفهم. هل كان قصدها إن محد خطبها؟ ولاّ يمكن كانت تحب واحد وهو ما يحبها؟ وعلى كل حال، عمتها مريم كانت دوم غامضة ومستحيل كانت تخبرها بالسبب. وكل اللي كانت حصة تعرفه عنها هو انها تحب المطر واليهال والطبخ وتحب تسافر بروحها. وكانت تحب الورد الأصفر، وعشان جذي يابت حصة وياها 16 باقة ورد أصفر وزعتهم في البي
ت

dali2000 31-12-08 05:09 PM

________________________________________
كله. وريحة الورد كانت حلوة وفي نفس الوقت حزينة، ويمكن هذا اللي خلا حصة تحس بدوخة وهي داشة العزا. ووراها بنتها سارة اللي كانت بتدعم في محمد الكعبي أبو أمل.
الكعبي طويل، ضخم وله هيبته.. لدرجة في مجرمين يعترفون بجريمتهم من الخوف أول ما يشوفونه. بس اليوم، شكله كان وايد يقطّع القلب، الشهر الياي بيكمل الكعبي 72 سنة وإيده كانت ترتجف لما سلمت عليه حصة وباسته على راسه، وسلمت على زوجته –أم أمل- شيخة ودشت وياها عند الحريم.
"الله يرحمها، كلنا انصدمنا يوم عرفنا انها ماتت." قالت شيخة لحصة. بس أكيد صدمتهم كانت مب كثر الظيج اللي حاسته سارة وهي يالسة بين الحريم.. حست سارة فجأة انها متجمدة ولما اطالعت في الجامة شافت ويهها أبيض مثل الثلج، ولاحظت ان كل اللي سلمو على أمها تجاهلوها هي تماماً أو طالعوها باحتقار. وعشان جذي لصقت سارة بأمها اللي حظنتها وقالت لها: "شو بلاج حبيبتي؟"
"أحس اني برجّع!!!" همست سارة.
"لا فديتج." قالت حصة. "إنت بس متظايجة من الزحمة هني."
"صدقيني برجّع." قالت سارة، كانت حاسة انها مختنقة.. ريحة الموت تارسة هالبيت وكأنه يالس يقول لها انه دورها ياي.. "برجّع." قالت مرة ثانية وشكلها كان يدل على هالشي.
قامت حصة وطلعت ويا بنتها في الحوي عشان تشم شوية هوا. وعلى طول طلعوا وراهم خمس حريم عشان يطّمنون على سارة اللي كان في خاطرها تصرخ عليهم وتقول لهم يودرونها في حالها. ولما دشت أمها الصالة، تمت سارة برى ويت عينها في عين حمد اللي كان ياي العزا في هاللحظة ويا ربيعه صقر وشافها واقفة عند باب الصالة.

استغرب حمد لأنه أول مرة يشوف هالبنية هني. وحس حمد بنغزة في قلبه، شكلها وايد متظايجة.. ووايد حلوة. كان خاطره يسير يرمسها، بس هالشي صعب لأنه حمد محترم ومستحيل يرمسها هني جدام الكل. وعشان جذي كمّل طريجه وراح الميلس عند الرياييل.. وهو يفكر فيها. ورغم البرد والمطر، حس حمد فجأة انه بيحترق، وعقب نص ساعة، طلع الحوي وهو يدعي ربه انه يشوف البنية الحلوة مرة ثانية. وحمد ربه يوم شافها بعدها واقفة مكانها.. بس باين انها دايخة لأنها كانت يالسة على كرسي وإيدها على قلبها. وسارة كانت فعلاً دايخة ولما سمعت صوت قطوة يت تقعد عند ريولها، ارتجفت من الصدمة كأن حد هزها وقعدها من حلم.
في يوم من الأيام، بيي الدور عليها وبيسوون لها عزا وبيصيحون عليها، وهالشي خلاها تبدا تصيح مرة ثانية.. الحياة لحظة، وسارة كل اللي تهتم فيه هو مكياجها وشعرها وثيابها، وقبل لا تحس بيخلص عمرها وفرصتها في هالدنيا بتروح.. وفجأة حست سارة إن في شي في داخلها يتغير، واختفوا كل اللي حواليها وما كانت تحس إلا بعمرها وهي قاعدة هني.. خايفة.. وحزينة..
ولما ردت تدش الصالة، كان أول شي شافته هو ويه أمها اللي كانت تصيح من خاطرها وشيخة حاظنتنها.. وتمنت في هاللحظة تكون في بيتهم في أبوظبي.. تمنت ترد البنية الأنانية اللي ما تفكر أبداً إلا بعمرها.. البنية اللي مستحيل تخلي أي شي يأثر فيها..


الفصل الخامس

----------------
عقب ما خلص العزا، راحت حصة وسارة يتعشون بيت ابتسام صديقة حصة ، وطول الوقت كانت ابتسام مأذية سارة وتسألها :" شوبلاها عيونج ؟"لين ما راحت سارة الحمام وغسلت الكحل والماسكارا من عيونها وبعدين اتصلت حصة حق كريم الهندي وطلبت منه يوصلهم بيتهم.
"كريم لف يمين مب يسار !!" صرخت حصة لما لف عكس اتجاه بيتهم .." شو بلاك ؟ في شو سرحان ؟"
"ماما إنتي شو بلاج ؟" سألتها سارة." كلتي الريال،شو الفرق يعني جذي ولا جذي بنوصل البيت ."
" لا بس إذا أنا يضيع بعدين أنت يدفع فلوس أكثر ." رد عليها كريم .
وتم كريم يسولف ويتفلسف طول الدرب لين وصلو البيت الساعة 9 في الليل. وفكرت حصة إنه خالد الحين بيكون في البيت وعلى طول دشت البيت وشالت التلفون عشان تتصل فيه، واستغربت سارة لأن أمها بعدها حتى ما فصخت عباتها وشيلتها ولا نزلت شنطتها قبل لا تتصل، بس اللي ما تعرفه سارة إن حصة وايد متظايجة ولازم تحس إن ريلها بعده موجود في حياتها.
"سارة حبيبتي، شو رايج نشرب شاي؟" قالت حصة.
"وايد زين" قالت سارة وانسدحت على القنفة.
"لا.. أنا قصدي إنت تسوينه.. لو سمحتيٍ."
بكل بساطة، كانت حصة تبا بنتها تطلع من الصالة لأنها تبا تكون بروحها وهي ترمس ريلها.. تبا تحس إنها نفس الانسانة اللي طلعت ويا بنتها من بيتهم في بو ظبي وانه ولا شي تغير لين الحين. تبا تسمعه يقول بصوت عالي انه يحبها لأنها في هاللحظة محتاجة تسمع هالكلمة ومحتاجة تخفف من سرعة قلبها قبل لا تختنق.

لما ودرها سالم وراح قبل 20 سنة، كان خالد يتصل فيها كل يوم، بس حصة عمرها ما فكرت تستغل هالشي وتخليه يحبها، كانت علاقتها معاه سطحية لأن أصيلة اخته كانت أعز صديقاتها، وخالد كان طيوب ومستحيل حد يشوفه وما يدش قلبه على طول.. ويوم كان يتصل في حصة، كانت تفكر انه يشفق عليها لأن سالم ودرها.. وكانت تتظايج من هالشي وايد.
وما فهمت حصة إن خالد يحبها إلا يوم عرس أخوها سعيد. كان ليلة عرس سعيد ونعيمة يوم راس السنة، ومع إن حصة كان عمرها 19 سنة، ما كانت حاسة باللي حواليها أبداً.. لدرجة إن سعيد كان أحيانا يدش حجرتها ويقعد يطالعها أكثر من نص ساعة وهي مب حاسة فيه.. وكانت أحياناً اتم يومين أو أكثر ما تاكل ولا تحس باليوع.. أو تسهر طول الليل والنهار من دون ما ترقد دقيقة وحدة. الدليل الوحيد على إنها كانت حية هو إن الجوتي اليديد اللي اشترته له عمتها مريم كان يعورها وايد.

وليلة العرس، ولأول مرة، سمعت حصة شو اللي كانو الحريم يقولونه عنها.. "شوفو شو صار فيها.. عيّزت وهي بعدها ما كملت عشرين سنة، منو يباها ألحين؟ صفرة وشعرها نصه أبيض، طالعو كيف يدها ترتجف."
وعشان تفتك منهم طلعت من البيت وراحت بيت قوم الكندي، وهناك شافت خالد وقعدت تسولف وياه وهي منزلة راسها.. لأنها أول ما دشت وشافته، شافت في عيونه مشاعر خلتها تخاف .. وخلته هو يتشجع ويخبرها اش كثر يحبها..

قبل هالليلة، كان خالد مشغول في الجامعة – الصبح محاضرات والعصر يداوم في اتصالات- وما كان يرد الفجيرة إلا عشان خاطر حصة، لأنه ما كان يرمس لا أبوه ولا أمه.. بس اللي كانت حصة مقتنعة فيه قبل هالليلة هو إن خالد يشفق عليها- لا أكثر ولا أقل- وعقب ليلة عرس سعيد تأكدت انه يحبها وناوي يخطبها لأنه قام يتصل فيها من العين كل يوم وكل خميس كانت حصة تزور أصيلة وتشوفه ويعطيها هدايا وشرايط وورد. وكانت نعيمة زوجة سعيد دايماً تقول لها: "خالد كنز.. لا تضيعينه من إيدج."

وابتدت حصة تفكر بخالد أكثر وأكثر، كانت تراقبه وهو يذاكر في صالة بيتهم وحست وهي تطالعه براحة فظيعة، وصاحت من الخاطر هاذيج الليلة وهي تفكر تتخلى عن سالم للأبد وتوافق على خالد.. بس لما قامت الصبح، كانت متأكدة إنها مستحيل تنسى سالم وراحت بيت خالد وقالت له: "لا تتصل فيني مرة ثانية.. أنا مستحيل أحبك."

كانت حصة تفكر إن خالد بينجرح من كلامها، لكنها انصدمت لما خذ إيدها في إيده وباسها. خبرها انه اليوم بيروح العين وما بيرد الفجيرة أبداً، كان يباها توافق عليه.. يتزوجون بسرعة وتعيش معاه في العين، خبرها انه تظارب ويا أبوه عشانها.. أبوه كان مقرر يزوج خالد لبنت خالوته بس خالد رفض وخبره انه يحب حصة وهالشي خلا أبوه يطرده من البيت ومن حياته للأبد.. ولما رفضت حصة تتزوجه، رجع الجامعة بس استمر يتصل فيها كل يوم من العين.. كان يخبرها عن تخصصه "الأحياء" وعن خططه انه يدرس الدكتوراه ويشتغل في الجامعة وهي كانت تخبره عن الورد اللي تزرعه في حديقتها وعن اخته أصيلة اللي انهارت عقب ما ودر البيت وصارت ما ترمس حد إلا حصانها شاهين .. وخبرته عن الثعلب اللي شافته في حوش بيتهم أمس.. كانت تخبره عن كل شي.. عن كل صغيرة وكبيرة في حياتها.. كانت تفضفض له وتخبره بكل مشاكلها.. الشي الوحيد اللي ما خبرته عنه هو إنها لما كانت تقعد من الرقاد في الليل ، كانت تسمع صوت سالم في الحجرة .. وتصيح لين ما ترد ترقد مرة ثانية.

ولما قررت حصة في النهاية إن سالم ما بيرجع وراحت تدرس في بو ظبي.. التقت بخالد هناك، وهالمرة لما خطبها، وافقت.. وفي ليلة الدخلة، وقف خالد يطالعها وهي راقدة على فراشه، مب مصدق إنها أخيراً صارت حقه.. حقه هو بروحه..

كان خالد منسدح على نفس الشبريه اليوم لما اتصلت فيه حصة، يقرا الجريدة..
"الحمد لله انك رديت على التيلفون.. اشتقت لك." قالت حصة أول ما سمعت صوته.
ضحك خالد وقال: "أنا اشتقت لج أكثر حبيبتي."
"أنا وايد متظايجة هني." قالت حصة.
"عشان جذي ما طعت ارد وياج." قال خالد. "ما كنت أبا أتظايج، شفتي سعيد؟"
"ما شفته في العزا، وانا ما فيّه أسير أدوره.. بس لازم أشوفه." وترددت حصة قبل لا تقول: "سالم بعد ما كان موجود."
سمعت حصة صوت خالد وهو يتنهد، وعلى طول ندمت على اللي قالته.
"أنا ما سألتج عنه." قال خالد. "صح؟"

عقب ما تزوجت حصة خالد وعقب حملها بشهرين، خبرتها عمتها مريم أخيراً إن سالم رجع وسكن في الهيلتون شهر كامل وقام يبعثر بيزاته في كل صوب والكل مستغرب من وين حصل كل هالثروة الفظيعة.
تتذكر حصة إنها عقب ما سكرت التيلفون عن مريم هذاك اليوم، راحت وقعدت في الحوش على الكرسي الهزاز وعلى طول اتصلت في الهيلتون وطلبت سالم من دون ما تفكر أو تقرر.. ولما رن التيلفون ورد عليها، وسمعت صوته.. خافت ..
سمعته يقول"ألو" مرتين وسكرت التيلفون. وصارت كل ما رن التيلفون تموت من الخوف وهي تتوقع يكون سالم هو المتصل. معقولة يكون عرف إنها هي اللي اتصلت؟ وهل هالشي يهمه؟
طول فترة حملها، كانت حصة تحس بلوعة جنها متورطة في شي فظيع. ولما خبرها الدكتور إن ضغطها وايد مرتفع وإنها لازم اتم منسدحة في فراشها 6 ساعات كل يوم على جنبها اليسار، ما تفاجئت. وعشان جذي تعودت حصة ترقد طول فترة الصبح والعصر ولا كانت تحس بالدنيا من حواليها. كانت تبا اتم راقدة على طول وحتى خالد ما كان يقدر يقعدها من الرقاد.

في اليوم اللي اتصل فيه سالم، كانت حصة توها قاعدة من الرقاد وفي البداية كانت تتحرى إنها بعدها تحلم.
"حصة" كانت أول كلمة قالها في البداية.. وهالكلمة بس خلتها تقعد من الخوف.. "ليش رحتي عني؟ ليش حطمتي كل اللي بنيناه؟"
"عن السخافة" ردت عليه، وفي هاللحظة.. نست المكان اللي هي فيه ونست خالد واللي في بطنها.. في هاللحظة كانت هي وسالم وبس اللي عايشين في هالدنيا.
"إنتي السخيفة" قال لها. "إنتيٍ"
عقب هالاتصال، صارو يرمسون بعض كل ليلة.... حصة كانت حامل في شهرها السابع وهالشي ما منعها تتصل فيه وتجدد حبها له وشي في داخلها كان مطمئن إن هالشي بيتم على طول وان هالمكالمات بتستمر للأبد.. بس بعد فترة، طلب سالم منها إنها تتطلق وترجع له. ووعدها يعيشها أحسن عيشة .

سكتت حصة وتأملت شجرة الليمون في الحوش وهي تفكر في كلامه وفجأة حست بالياهل في بطنها يتحرك وتأكدت إنها ما تقدر تجاريه. بس سالم ما اقتنع إن الحمل هو السبب الرئيسي اللي يمنعها من إنها ترجع له وقال لها أكثر من مرة: "لو كنتي صج تبين ترجعين لي بتسوين أي شي عشان ترجعين، لو كنتي صج تحبيني كنتي بتسوين هالشي."
كل ليلة كان أسلوبه أقسى وأغلظ وكل ليلة كان يحس بجرح أكبر.
وفي النهاية، اتصلت حصة بالهيلتون وخبروها إن سالم انتقل لبيته اليديد وعقب ما انولدت سارة، انشغلت حصة وايد وما عادت تفكر فيه. ولما اعترفت لنفسها أخيراً إنها ما تقدر تعيش من دونه، كان سالم متزوج أصيلة وفات الأوان على إنها تسوي أي شي غير إنها تيلس تحت شجرة الليمون وتصيح .. بس في داخلها.. كانت مقتنعه انه اللي سوته هو الصح.. وانه ريلها وبنتها اهم من أي مشاعر تكنها لسالم..

"برجع البيت حتى قبل ما تحس بغيابي." قالت حصة لخالد في التيلفون وحست بإحساس غريب وهي تقول هالشي.. كأنها تكذب عليه، المشكلة انه وايد بعيد عنها .. وحصة ترتبط أكثر بالناس القريبين منها.
"مستحيل أطوّل أكثر عن خمسة أيام." قالت حصة. "ببيع البيت أو أءجره وأرتب الأغراض وأروّح."
مرت فترة طويلة قبل لا يرد خالد عليها، وكأن المسافة اللي بينهم كبرت فجأة وصارت أكبر من البحر.
"ما أعرف" قال خالد وهو بعده منسدح على فراشه.. دايخ من كثر التعب. "وايد أحاتيج وانتٍ هناك."
"لا تحاتي." قالت حصة اللي كانت تسمعه بصعوبة لأن الخطوط تعبانة من المطر "أحبك" قالت لزوجها.. وحست بصوتها غريب وهي تقولها وكأنها تحاول تقنع نفسها بهالشي أو تقنعه هو.
عقب ما سكرت حصة التيلفون، سمعت صوت كلب ينبح برا البيت وراحت توقف عند الدريشة تطالع الحوش.
"أحط لج حليب وسكر في الشاي؟" قالت سارة من المطبخ ولما ما ردت عليها أمها دشت الصالة وشافت أمها واقفة عند الدريشة بعدها لابسة عباتها وشيلتها. "ماما؟"
"تعرفين؟" قالت حصة. "أنا تعبانة وايد وما أبا شاي. إنتٍي اشربيه. أنا بسير أرقد."

طبعاً كانت حصة تكذب لأنها مهما حاولت ما بتروم ترقد، على الأقل مب في هالبيت . لأن حصة لما تروح حجرتها تشوف نفس اللحاف الكاروهات الأحمر والأبيض اللي كان على شبريتها لما كانت مراهقة تفكر في سالم. كان ويهه محفور في جفونها وكل ما تغمض عينها.. ليل أو نهار.. كانت تشوفه. كانت تفكر بسالم طول الوقت لدرجة إن ما تم في عقلها مكان تفكر فيه بشي ثاني. وعقب ما تأكدت انه طلع من قلبها خلاص، اكتشفت إنها تحبه أكثر من قبل..

تحبه من أيام سهرهم في بلكونة حجرتها للفجر في الإجازة الصيفية.. من أيام ما كان يهمس لها بكلام عمرها ما سمعته من حد ثاني.. والصبح.. كانوا ينسون كل شي صار في الليلة اللي طافت وأحياناً كانوا يطنشون بعض أو يلعبون كرة الطايرة وكأنهم مجرد أصدقاء.

ولما توفى أبو حصة فجأة في مكتبه، انهارت حياة حصة لمدة أسبوعين وغطت بنفسها كل المرايا في البيت بشراشف جديمة واستمر العزا 3 أسابيع..وكل اللي تتذكره حصة من هالفترة إنها كانت تقعد في بلكونة حجرتها تراقب الناس وهم داشين وطالعين من بيتهم.. ومرة يا سالم وقعد وياها وكان لابس بيجاما بنية، ولما حط يد حصة في يده سحبتها بسرعة.. كانت حاسة بالذنب عشان حبها لسالم وكأنها خانت أبوها والله عاقبها بوفاته. وعشان جذي ما كانت تبا تقترب منه.. لكن سالم –وبكل قسوة- طنشها وعاملها بنذالة لمدة أسبوع وخلا حصة تحس بالذنب عشان شي هي ما سوته..

كان المفروض تتعلم من هالتجربة إن سالم ينجرح بسرعة وصعب جداً إنها تراضيه.. وعقب اللي صار.. طنشته حصة يومين وبعدين راحت تدوّر عليه عشان تعتذر، بس لما دقت باب حجرته ما رد عليها وثيابه وأغراضه كلها ما كانت موجودة في الحجرة والسبب هو إن سعيد طرد سالم من البيت وأجّر له الملحق لأنه مب من العايلة .. لأنه مجرد حشرة في راي سعيد.. وراحت له حصة الملحق وهناك شافته قاعد على فراشه..

"شو تبين؟" قال سالم.. نبرته كانت معصبه وقاسية وعطاها نظرة خلتها تحس إنها ولا شي.. في هالمزاج، أحسن شي تسويه حصة هو إنها تطلع من الحجرة وتودره بروحه.. لكنها قعدت على الكرسي وشلت دليل التيلفون وقعدت تقلب فيه.. طالعها سالم دقيقة وبعدين عطاها ظهره وكأنها مب موجودة..
"اطلعي برى" قال سالم. "خليني بروحي."
"ان شا الله." قالت حصة بصوت بارد. "بس انت الخسران."
حطت حصة دليل التيلفون على الأرض وقامت وهي تطالع سالم.. في هاللحظة، كانت مستعدة تسوي أي شي عشانه.. مستعدة تفر عمرها من الدريشة حتى..بس مستحيل تخبره بهالشي..
تنهدت حصة وفتحت الباب ولما حس سالم إنها صج ناوية تطلع وتروح، ارتبك وقال: "لحظة"
اقترب منها وقال: "عن السخافة"
ابتسمت حصة وقالت: "انت السخيف"
"لا" قال سالم "إنتيٍ"

استمرت علاقة حصة وسالم سرية محد عرف عنها أبداً غير "أمل" اللي ورثت عن أبوها ذكاءه.
"تحبينه.. صح؟؟" قالت لها أمل في المدرسة. "أنا مب مصدقة انج تحبين هالنذل!!!"
تنهدت حصة وسكتت وردت أمل تزعجها.. "والله أي واحد ثاني بيكون أحسن من سالم.. حصة انت وايد غبية."
أمل وحصة كانو متصالحين من يومين بس عقب ظرابة استمرت سنة ، بس الظاهر انهم بيردون يتظاربون اليوم بسبب هالسالفة.
"الحب أعمى." قالت حصة بتحدي.
"الحب مب أعمى.. إنت اللي عمية." ردت عليها أمل.

لين الحين أمل مستغربه ليش حصة حبت سالم. لأن هالحب ما ياب لها إلا الهم والتعب. والدليل هو: شو اللي يخلي حصة تروح الملحق في هالساعة وما شي هناك غير الرماد والغبار؟؟ بس من دون ما تحس.. راحت.. لأنها متأكدة إنها بعدها تحبه .. وبتم تحبه.. على طول..



الفصل السادس

-----------------
قرر محمد الكعبي يزور حصة وبنتها يوم الجمعة عقب الغدا، الغدا اللي يمكن ما كل منه إلا لقمتين.. وطول ما هو يسوق سيارته النيسان، كان يفكر بمريم. ولما بركن سيارته عند باب الحوي ونزل، دمعت عينه.. مسح محمد عينه بطرف غترته بسرعة .. وفي هاللحظة، حس انه مضيّع.. أي يوم هذا؟؟ ما يعرف.. شو اللي بيستفيد منه في زيارته هاذي؟ .. بعد ما يعرف.
المعروف عن محمد الكعبي انه ريال ذكي ومنطقي ويقدر يحول الأدلة والمعلومات لعقوبات وأحكام.. وخلال السنين اللي اشتغل فيها، حكم في مئات القضايا.. طلاق/ خلع/ ورث/ سرقات/ جرايم قتل.. وكان دايما يحكم بالعدل.. بس في هاللحظة، وهو واقف جدام بيت مريم.. كل شي تحول للغز. بس لما لاحظ انه في حد يالس يلوّح له من دريشة الصالة ولاحظ إنها سارة بنت حصة، تذكر أخيراً ليش قرر ايي هني.. حصة تترياه عشان يقررون شو بيسوون في البيت وبيزات وأغراض عمتها مريم.

"ماماه، القاضي الشيبة وصل" نادت سارة على أمها.
من الصبح وسارة ما سوّت شي غير إنها يالسة جدام الدريشة تطالع الحوش. الفجيرة في نظرها مدينة أموات. من يوم قامت من الرقاد وهي تساعد أمها في ترتيب ثياب ومجوهرات مريم في صناديق عشان يكونون جاهزين لما إيي القاضي. وسارة خاطرها تاخذ من المجوهرات، بس خايفة أمها تذبحها. وحاولت تتصل بربيعتها خلود ثلاث مرات، بس الخط دايماً مشغول..
"مصّختيها والله!!" كانت ناوية تقول لخلود. هذا إذا بندت خلود التيلفون في يوم من الأيام. بتقول لها: "الفجيرة أشد عن جهنم.. هاذي جهنم X2.. "

"القاضي شايل في إيده شنطة." قالت سارة لأمها اللي كانت تسوي قهوة في المطبخ.
كان الكعبي متردد يدش ولا لأ.. لأنه وصل عند الباب وحس بنغزة قوية في قلبه ورجع خطوة لَوَرا..
"هذا يالس يلعب!! مب صاحي." قالت سارة.
"عيب!!.. لا تقولين جذي عن عمج محمد." ردت عليها حصة وهي شايلة دلة القهوة والفنايين ويت توقف ويا سارة عند الدريشة ولوّحت بإيدها للقاضي اللي ابتسم لها ودش من باب الحوي..

"باين انه كان يجنن يوم كان شباب." قالت سارة.
ضحكت حصة وقالت: "الناس جمالهم مب بأشكالهم.. بأفعالهم، فديت روحج." وفكرت حصة ان محمد الكعبي فعلاً وايد وسيم. "بس هالشي مب مهم.. لأن عمره فوق السبعين."
"بس أنا متأكدة انه كان يجنن.." قالت سارة. "لأنه وهو متكسر وشيبة شكله أوكى."
في هاللحظة دش الكعبي الصالة وقال: "الجو اليوم وايد حلو.. خسارة إنا بنظيعه في شغل يعوّر القلب."
لما شاف القاضي كل الصناديق اللي مجمعة في الصالة استغرب، وقالت له حصة: "أنا حطيت أغراض عموتي كلها هني.. عشان أشيلهم وياية بوظبي."
"أها!!" يلس الكعبي وصبت له حصة فنيان قهوة.

"عموتي طلعت محتفظة بكل شي!!" قالت حصة وطلّعت من واحد من الصناديق ربطة زرقة. "فديتها.. لين ألحين محتفظة بربطة شعري من أيام الابتدائي وبكل ثياب سعيد."
"سعيد" قال الكعبي بحزن وهز راسه "هالإنسان دمّر حياته بإيده."

سارة، اللي كانت تطالع برى الدريشة وتاكل برينجلز، قامت من مكانها لما سمعت هالجملة ويَت تقعد وياهم.
"كيف دمر حياته؟" سألت سارة الكعبي "انتحر؟ جتل حد؟"
"سارونا!!!" عصبت حصة من بنتها وقالت للكعبي "سارة عمرها ما شافت عمها.. شو رايك؟ أوديها تزوره؟؟"
"ما راح يبطل لج الباب." رد الكعبي عليها و بكل بساطة غير الموضوع "لين متى بتمون هني؟؟"
اقتربت سارة أكثر عشان تسمع الإجابة. حياتها كلها متعلقة بها الإجابة.

" أسبوع بالكثير." قالت حصة "لأنه لازم أخلص أشغال وايده.. وبطرّش نص الأغراض في ال DHL.. السيارة ما تكفي كل هالصناديق. ولازم أتبرع بشوية أغراض، تخيل إني حصلت كل القمصان اللي لبستهم من يوم كنت في الروضة لين طلعت من البيت في صناديق في الملحق."

"المفروض كان خالد إيي وياج." قال الكعبي فجأة.
"لا يا عمي." قالت حصة وصبت له فنيان قهوة ثاني. في شي خلاّ ويهها يحمرّ لما ياب الكعبي طاري ريلها. كأنها يالسة تخونه وهي هني وتفكر بسالم وتتذكره.. "خالد عنده شغله في الجامعة، مستحيل يودر محاضراته، وخاصة انه امتحانات المنتصف قربت."
"مب مهم اش كثر خالد مشغول." قال الكعبي "المفروض ما يخليج هني بروحج."
نزّلت سارة البرينجلز من إيدها.. الكعبي هذا وايد فنان وتبا تركز على كل كلمة يقولها.
"تفضل ذوق الكيك." قالت حصة للكعبي عشان تغير الموضوع.
لما كل الكعبي الكيكة وخلص، سألهم.. "وين القطوة؟"
طالعت سارة أمها باستغراب.

"أستغفر الله!!" قال الكعبي بحزن "وين سارت القطوة؟" وقبل لا يخلص جملته، قام ومشي لين باب الصالة ولحقته سارة وحصة.
"عمتج مريم كانت تربي قطوة من سنتين." قال الكعبي وهو يدوّر مفاتيح سيارته "قطوة شيرازية."
"قطوة شيرازية؟؟" استغربت حصة من هالشي.
"هيه" قال الكعبي بعصبية "شو؟ ما شفتيها؟"
"لا.." ردت عليه حصة "من يوم وصلنا لين ألحين ما شفنا قطوة هني"

على طول تغير ويه الكعبي وحست حصة بالخوف والذنب لأنها ما تعرف مكان القطوة .. خصوصاً لما طلع الكعبي من دون ما يقول ولا كلمة.
"أنا أقول القطوة ماتت والسبب نحن" قالت سارة بحزن، وطالعت أمها بنظرة خلتها تحس ان الغلطة غلطتها هي، وعشان جذي لبست عباتها وقالت لبنتها "دوري القطوة في الحوش.. أنا بسير ويا عمي محمد"
طلعت حصة وشافت الكعبي يشغل سيارته، ولما ركبت وياه، ابتسم لها وفتح الجامات، وبدا يسوق شوي شوي.. ويطالع برا.. يمكن يلمح القطوة. وحست حصة بالذنب لأنها كانت تفكر بأشيا تافهة مثل سالم وما انتبهت لقطوة عمتها اللي اكيد كانت غالية عليها.. وعقب ما دوروا في كل مكان من دون فايدة، قال الكعبي "أنا أعرف وين أحصلها.."

طلعوا من الفجيرة ومروا حذال مزرعة في وسطها بيت جديم.
"منو يصدق إنه سعيد ساكن هني!" قال الكعبي وهز راسه بحسرة.
"ساعات أنسى انه عندي أخو." اعترفت حصة.
"المفروض ما تنسين." قال الكعبي. "المفروض تزورينه.. هذا أخوج يا حصة.. لا تخلينه يعيش من صدقات الناس.. عمتج مريم الله يرحمها كانت كل اسبوع تمر عليه وتودي له الأكل وتنظف له البيت."
"غريبة! عموتي عمرها ما خبرتني.."

حست حصة بالدموع تتجمع في عينها.. من 19 سنة وهي تلوم سعيد على فراقها عن سالم .. سعيد هو اللي طرده من البيت بحقارته وغيرته.. وألحين تسأل حصة عمرها إذا كانت هي نفسها السبب في ابتعاد سالم.. ومعقولة اتّم حاقدة على أخوها هالكثر؟

" المهم" قالت حصة. "عموه توفت وسعيد يقدر يبيع البيت والمزرعة ويعيّش عمره قي راحة. أحسن شي سواه سعيد هو انه خلى عموه مريم تسكن في البيت وما باعه."
"مب هو اللي خلاها تقعد في البيت" رد عليها الكعبي. "سالم هو اللي أصر انها اتم هناك."

انصدمت حصة وطالعت القاضي بحيرة.

"سعيد باع البيت والمزرعة عقب وفاة نعيمة على طول.. كان محتاج البيزات عشان يشتري هالسم اللي يشربه وناس عرضوا عليه يبيع البيت بسعر معقول.. والصدمة كانت ان هالناس من طرف سالم. أنا كنت ياي أخبرج اليوم، كل أغراض مريم من حقج تاخذينهم ، بس البيت بيت سالم."

اتنهد الكعبي.. من يوم ما شاف سالم وهو يكرهه، مب عشان حقارته ولا وقاحته. لكن سالم دايماً يلوم غيره على كل المصايب اللي استوت له.. ولو فكر شوي وكان صادق مع نفسه، بيعرف انه هو نفسه المذنب الرئيسي، بس سالم مستحيل يتحمل مسئولية أفعاله، وفي النهاية.. فكر الكعبي.. سالم هو اللي بيدمر نفسه بإيده..

"في النهاية.. حصّل سالم كل اللي يتمناه." قال الكعبي.
"شفت عاد؟" قالت حصة
"يالله!! ان شالله بس ما يكون يطمع في شي ثاني." قال الكعبي.

وقّف القاضي سيارته وطلع يدوّر على القطوة، ونزلت وراه حصة وهي دايخة. الماضي اللي حاولت تشرد منه سنين وتتحاشاه .. لقت عمرها عايشة في وسطه بكل عنفه.. أخوها سعيد بيته جدامها.. وسالم مزرعته ورا هالجبل.. سالم صاحب البيت اللي تربت فيه واللي ساكنة فيه حالياً.. صاحب كل شي حواليها.. والغريبه انه كان فقير وتافه جداً أول ما وصل بيتهم لدرجة انه ما كان يعرف انه ما له داعي يوقف عند باب المطبخ مثل الكلب يتريا العشا يزهب عشان يتعشى ..
"سير ايلس في الصالة" تذكرت حصة عمتها مريم وهي ترمسه، وسار يقعد في الصالة من دون كلمة وهو يطالع العشا وكأنه مب مصدق انه هالأكل فعلاً موجود جدامه.

"ما لقيتها." قال الكعبي.
في طريقهم للبيت، كانت حصة في عالمها الخاص.. ساكته وتفكر بكل اللي صار لها، والكعبي مثلها.. تعمّد ما يمر صوب المقبرة.. منو يصدق انه أمس كان هناك يدفن مريم؟ منو يصدق انه الموت يقضي على كل شي في لحظة من دون ما حد يتوقعه؟! وحس فجأة بألم حاد في صدره.. تعلم مع الوقت انه يتجاهله..

"ودني صوب المقبرة" قالت حصة فجأة.. وفعلاً تفاجأ الكعبي منها.. لما كانت صغيرة، كان الكعبي يفكر انها دلوعة وما منها فايدة وإن أبوها بيخرّبها بتدليعه الزايد لها.. بس حصة فاجئت الكل.. وأكيد في سبب يخليها تزور قبر مريم الليلة..
هز الكعبي راسه ودش وياها المقبرة.. ولما اقتربوا من القبر حست حصة بجسمها كله يرتجف.
"إنتِ تعرفين انه مكروه النساء يزورون المقابر." قال لها القاضي.
"ما أدري" ردت عليه. "أحس اني لازم أزور قبرها اليوم."

اشتدت الريح أكثر وبدت أوراق الشجر تطيح حواليهم.. وتساءلت حصة، ليش الدنيا جذي؟ معقوله انها في لحظة كانت طفلة، كل همها لعبها، وفي لحظة تلاقي عمرها حرمة في وسط مقبرة في هالليل البارد؟ رجوعها هني خلاها محتارة.. وكل اللي تشوفه حواليها ظلال وأشباح من الماضي..

وعشان جذي لما حست انها شافت شي يتحرك حذال قبر عمتها مريم اتأكدت انها تتوهم.. غمضت حصة عيونها.. أكيد أنا دايخة، قالت في خاطرها، بس لما فتحت عينها مرة ثانية تأكدت انه في شي واقف هناك. وفي نفس اللحظة حست بضغط على صدرها، وكأن حد حط إيده على قلبها ومنعه من انه يدق.. في هاللحظة، صدقت حصة كل اللي سمعته عن الجن، بس لما ركزت أكثر، اكتشفت انه اللي تشوفه مب خيال أو ضباب.. اللي جدامها حيوان راقد.. مخلوق وصخ مغطتنه الأوراق..

حطت حصة إيدها على كتف الكعبي وقالت "القطوة.. شوفها هناك." وصفرت حصة للقطوة وصفقت بإيدها.

يلست القطوة وهزت إذنها.. وصخة وايد هالقطوة ووايد صغيرة، وفروها صار كله طين رمادي اللون، أكيد المسكينة تريت هني وايد .. وأكيد مب ماكلة شي من يومين.. بس الغريبة انها مب راضية تتزحزح من مكانها.. ولما اقتربت حصة منها، طلّعت القطوة أنيابها بعصبية.. وقفت حصة مكانها وهي مصدومة من عمق مشاعر هالمخلوق الصغير.

"ما عليج منها." اقترب الكعبي من حصة ونادى القطوة. "جوهرة.."
لما سمعت صوته.. نطت القطوة وركضت له، ورغم انها وصخة وايد، بس القاضي شالها في حضنه.
" شو تسوين هني؟." قال الكعبي للقطوة.
كان ذيل القطوة يتحرك ويرتجف، واضح انها وايد مستانسة لأنه شايلها، ولما تثاوبت، طلّعت صوت مبحوح. أكيد من التعب وقلة الأكل.

واللي توقعته حصة هو إن القطوة تبعت جنازة صاحبتها من أول ما طلعت من البيت..
هالمخلوق الصغير مب متردد أبداً بخصوص اللي يباه.. بعكس الإنسان اللي يقدر يخبّي أعمق رغباته.. وعلى كل حال، الإنسان يقدر يخبي حبه.. الناس مستحيل يركضون ورا السيايير أو يقعدون عند الباب يتريون اللحظة اللي ينفتح فيها ويطل عليهم ويه الشخص اللي يحبونه.. الناس مب دايماً يعلنون حبهم ولا دايماً يوفون بوعودهم وعهودهم.. كل اللي يسوونه هو انهم يصيحون عليك يوم ترحل.. ويشتاقون لك في كل ليلة وكل لحظة تكون فيها السما صافية ودافية.. والأرض باردة تحت ريلهم..

في هالليلة ، بكى الكعبي بهدوء شديد لدرجة ان حصة ما لاحظت في البداية .. لأنه كان مخبي ويهه بفرو القطوة.. ولما سمعته حصة يشهق، عرفت انه كان يصيح ، وفي هاللحظة .. اكتشفت ان محمد الكعبي حب عمتها مريم.. كان يحبها من 35 سنة .. عمر بطوله كان يحبها.. حبها حب ما حبه حد غيره.. ورغم هذا، مب قادر يحزن عليها إلا في الظلام وهو بعيد عن الكل.. على الأقل، الكعبي يحق له يصيح على قبرها.. وعشان جذي ما تدخلت حصة وطنشت الموضوع.. وتمت واقفة حذاله بصمت، تحت السما السودة.. لين ما قام ووصلها البيت..

________________________________________
الفصل السابع

--------------
وقت المغرب، يتحول بيت أبو حصة لأحلى مكان في العالم، والندى على أوراق الريحان والياسمين توه متفتح في الحديقة وأشجار المانجا بشكلها الأسود الحزين...
حمد يحب يمر عند هالبيت في هالوقت ووياه كلاب سالم ، اللي هدوءهم في هالوقت يكون غريب جداً، وكأنهم حاسين حتى مجرد صوت نفسهم يعتبر جريمة في حق هالصمت الرائع..
في معظم الأوقات، يحس حمد انه منعزل عن باجي العالم، بس لما يوصل للعزبة، يحس نفسه صغير في وسط كل هالروعة، شو الفرق بينه وبين ورقة الشجر؟ الورقة، في رايه، أهم بألف مرة عنه لأنه لها هدف في الحياة.. ومهما حاول حمد انه يعرف شو هدفه في الحياة يوصل دايماً لنتيجة وحدة.. ولا شي، حمد ما منه فايدة، مجرد عقبة..مثل ما يقول سالم.. لكن أكيد في سبب لوجوده في الحياة غير الهم والعيشة المرة اللي هو عايشها، أكيد!! ولاّ ليش بالضبط هو موجود هني؟؟ بس عشان يحس اش كثر هالمكان حلو وسط الشجر ويشم نسيم الهوا البارد في وقت المغرب في أول أكتوبر؟؟

ساعات، لما ينسى انه مجرد يتيم عايش على شفقة سالم. وينسى انه ولد سعيد الخمار، يقتنع حمد انه أكيد في شي مميز بداخله.. يمكن محد يشوف الدنيا مثل ما هو شايفها.. محد يقدر يحس بروعة وجمال اللي حواليه مثله.. ولما يفكر حمد بها التفكير، يحس انه كل الأبواب انفتحت جدامه وانه عنده فرص وايده عشان يعيش حياته. حمد في النهاية شاب عمره 17 سنة بس ، وجدامه العمر بطوله، والكلاب منسدحة على الحشيش حذاله وكل شي هادي ومسالم، مثل الهدوء قبل العاصفة.. وحس حمد فجأة إنه شي راح يصير اليوم بيغير حياته كلها.

هني.. في هالعزبة، كانو يربون 12 فرس. ومن بينها شاهين اللي اشترك وفاز في سباقات دولية. حمد لقى صورة طايحة في الاسطبل تحت الحشيش، ولما شاف صورة شاهين لابس شال حرير أبيض مع أزرق، دمّعت عينه، وتمنى لو كان عايش هني على أيام عايلة الكندي. عمته مريم خبرته إن الأرض كانت تهتز لما تركض الخيول كلها وقت المغرب.. الفريج كله كان يحس بالأرض تهتز تحته.
من بين كل الخيول اللي تربت هني، شاهين بس اللي بقى. كانت المرحومة أصيلة مدلّعتنه لآخر درجة. كانت تأكله مكعبات سكر وتهمس له في إذنه بكلام غزل وكانت دايماً تتمشى وياه قبل المغرب بشوي.. وعشان جذي شاهين، ولين ألحين، يتوتر في هالوقت .. إذا كان برّى في العزبة، يركض مثل المجنون. وإذا كان في الاسطبل، يرفس وينط في مكانه. ولما يكون في هالحالة، أحسن شي الكل يبتعد عنه.

مدرب الخيول اللي كان هني خبر حمد ان شاهين قبل لا يستخف، كان واحد عارض يشتريه عن عبيد الكندي بمبلغ مليون وثمانمية وخمسين ألف درهم.. ولين ألحين، شاهين بعده يساوي ثروة.. رغم انه كبير في السن، عمره 22 سنه. بس محد يصدق انه كبير لهالدرجة لما يشوفونه. وأكيد هالشي صار لأنه محد ركب على ظهره من سنين، وهذا بعد سبب عناده ومزاجه الصعب. الكلاب يموتون من الخوف لما يشوفونه، خصوصاً عقب اللي صار الشهر الماضي لما رفس واحد من الكلاب اللي اتجرأ واقترب من الاسطبل.. الكلب المسكين انكسر عموده الفقري واضطر سالم انه يقتله عشان يفكه من الألم اللي هو فيه.

المفروض حمد يكون في بيت واحد من ربعه هالحزة.. بدل لا يتمشى هني بروحه . الشي اللي يضحك هو ان الشباب في المدرسة يتحرونه غني. أكيد يتحرونه ألحين قاعد في أحسن المطاعم ولا في واحد من الفنادق.. والله حاله!! فكّر حمد اللي صار يفهم ليش الكل حاسدنه.

سالم غني، والشي المنطقي إن حمد اللي ساكن في بيته لازم يكون بعد غني. بس الواقع غير جذي.. الواقع انه حمد وايد فقير وحاله حال أي هندي يشتغل في المزرعة. ما عنده شي!! حتى الثياب اللي لابسنها، سالم اشتراها حقه. الشباب في المدرسة متأكدين انه حمد يلبس نعال جديمة جي بس حركات. ومتأكدين انه ما يرضى يسير وياهم يتحوط في المقاهي والاسواق ليلة الخميس لأنه عنده وايد أشيا أحسن يسويها. ما يدرون انه ما عنده بيزات يصرفها إذا ظهر وياهم.

حمد ريال ما عليه كلام.. عنده ربع اش كثر والكل يعزمه في الحفلات والمناسبات مثلاً: اليوم حفلة عيد ميلاد ربيعه مبارك.. أهل مبارك رايحين العمرة ومبارك استغل الفرصة وعزم ربعه كلهم يباتون عنده الليلة ويسهرون على الأفلام الحلوة..
بس حمد بدل لا يروح، تم هني في المزرعة يفكر بالخيول ويفكر بمصيره وقدره.. كان يفكر بعمق شديد لدرجة انه ما لاحظ في البداية انه في حد يمشي وياي من الصوب الثاني.. اللي تمشي هاذي بنية لابسة جاكيت أسود طويل.. هي نفسها البنت اللي شافها في العزا..!!

بالرغم من انها صغيرة وكتكوته بس مشيتها قوية وخطواتها ثابته.. راقبها حمد وهي توقف وتطلع علبة جيكارةوتاخذ حبة وتولّعها. وحس حمد بالذنب لأنه يالس يراقبها من دون ما تحس. البنية وايد حلوة بس مب هذا هو اللي جذبه حقها.. حمد حاس انه يعرف البنية وحتى في العزا حس بالاحساس نفسه.. وكأنه كان يترياها حتى قبل لا يشوفها. كانت متظايجة وايد هذاك اليوم.. كانت تصيح.. بس لما بدوا الناس يطلعون من الصالة والميلس.. خلت عمرها طبيعية جداً.. هذا اللي أثّر فيه.. انها ما تسمح لأي احد انه يحس بألمها.. وهو هذا اللي حمد يالس يسويه طول حياته..

وألحين يالس يسأل عمره إذا لازم يخبرها انه موجود هني ولاّ لأ.. يكح ولا يتحرك؟ أو أحسن له يروّح من هني خير شر؟! بس الفضول اللي فيه وقّفه مكانه..
حذاله.. بدت الكلاب تتوتر.. عشان جذي رفع حمد إيده وأشر لهم ومنعهم من انهم ينبحون..

بعيد عن حمد.. في الشارع اللي كله طين، كانت سارة تمشي يمين ويسار وهي تدوخ جيكارتها عشان لا تتجمد من البرد، كانت لابسة دلاغين صوف فوق بعض وبوت جديم حصلته في كبت الصالة.. بس بعد ما يكفي عشان يدفيها. بكل بساطة، سارة مب متعودة على هالجو البارد.. وهذا بعده لين ألحين شهر أكتوبر!!
كيف الناس اللي عايشين هني مستحملين هالبرد؟ فكرت سارة .. أكيد هالجو مسوي فيهم شي!! أكيد لما الواحد يتعود على البرد هذا، يخليه يوصل لأعماقه وينظفه وينقّيه تماماً من كل الهموم اللي فيه.

رغم البرد، حست سارة براحة لأنها طلعت من البيت الكئيب اللي يالسين فيه. من يوم ما وصلوا لين ألحين وبعدهم ما خلصوا شغلهم اللي يايين عشانه، أمها طول الوقت يالسة توزع أغراض عمتها مريم.. وباين انها ما ترقد طول الليل وهالشي تعرفه سارة لأنها ترقد في الصالة وتسمع أمها يوم تفتش في الأغراض في الصالة اللي فوق أو تسوي لها شاي في نص الليل..

أمس الفجر، قامت سارة من الرقاد وشافت أمها على الدري تطالع برى الدريشة وتركز بشكل فظيع لدرجة إن اللي يشوفها يقول القيامة قامت برى... وحاولت سارة تفهم سر نظرتها او شو اللي يالسة تفكر فيه.. بس ما قدرت..

والحين بعد عندهم القطوة. حصة صارت فجأه خدامة للقطوة. وكأنها تعاقب عمرها لأنها نستها من البداية. كل يوم تأكلها معلبات تونا ودياي مطبوخ، رغم ان هالقطوة وايد وصخة وسارة تكرهها وما تطيق حتى تشوفها.

أمس، لما اتصلت بربيعتها خلود عشان تشكي لها همها، خلود ما كانت موجودة في البيت.. أم خلود تقول انها تذاكر بيت ربيعتهم عذاري، بس سارة تعرف ان خلود مواعدة حبيبها سيف. "أونّج بيت عذاري!!" كانت سارة ناوية تقول لخلود. "أتمنى تكونين استانستي وارتحتي لأني أنا أكيد هني ميتة من الملل."
لو كانت سارة في بوظبي ألحين، كانت أكيد بتكون في المارينا مول هالحزة. على الأقل تقدر تصرف شوية بيزات وتحس براحة. اهني، لما تبا تبتعد عن أمها، ما تلاقي جدامها غير الشوارع الظيجة والبيوت الجديمة والهنود في كل مكان.

محد يعرفها هني.. ولا احد مهتم فيها.. من اول ما وصلت هني.. وهي بتمووووووت عشان ترد بوظبي.. تبا تسوي المستحيل عشان تروح بيتهم.. بس بصراحه.. ترد لشو بالضبط؟؟؟ وترد لمنو؟؟ سارة تكره المدرسة وتكره كل ربيعاتها .. ما عدا خلود... وبصراحه خلود مملة بس سارة تعودت عليها.. وفوق هذا كله.. سارة كرهت نفسها عقب ما تعرفت على شاب من التقنية.. هالشاب كان ربيع خلود.. ويوم ملت منه عرفته على سارة.. اللي انجذبت لرمسته واسلوبه الحلو في البداية.. وتظاربت ويا امها امية مرة عشانه.. بس وهي هني.. تمشي في هالجو البارد.. حست سارة بالذنب.. وقررت انها ما ترد ترمسه مرة ثانية.. عشان جذي فكرت... ليش انا وايد متحمسة اني ارد بوظبي.؟؟؟ لو انتهى هالعالم الحين .. في هالثانية... ما اظن راح تفرق ويايه..

" أحسن لي اموت قبل لا ادمر حياتي بإيدي.." فكرت سارة.. وهالفكرة بدت تتكون عندها من يوم العزا.. وهالفكرة هي اللي معيشتنها في هالكآبه.. شو هدفها في الحياة؟؟؟ شو اللي تبا تنجزه في حياتها.؟؟؟ وليش هالافكار تراودها.. ليش ما ترد سارة اللي كانت في بوظبي.. ؟؟ سارة اللي ما يهمها اي شي.. واللي ما كانت تفكر بالمرة..

طفت سارة الجيكارة وفرتها بقرف.. وشافت باب مزرعة سالم مبطل.. ودشت من دون ما تحط في بالها انها لازم تستأذن.. وطبعا ما كانت تعرف هاذي مزرعة منو.. تمشت سارة في المزرعة وعيبتها وايد.. وقفت تعدل شيلتها .. وفجأة.. حست بنفس على رقبتها.. غمضت سارة عيونها وهي حاسة بخوف.. يا ترى هي تتوهم ولا في حد واقف وراها؟؟ وترددت.. بين انها تركض من دون ما تطالع وراها .. وبين فضولها اللي خلاها تلتفت وتشوف شاهين منزل راسه ويطالعها.. وحتى قبل لا تلتفت له.. حست سارة انها دشت في حلم غريب.. وحلو.. في هالليلة.. وهي واقفة جدام هالمخلوق الاسود الرائع.. اللي تقرب منها من دون ما تناديه او تشوفه.. حست سارة انها في حلم.. وعشان جذي.. تقربت منه ومسحت على رقبته.. هالحلم حلمها.. وسارة بتموت وتعرف شو ردة فعل الحصان..

بعيد عن هالمشهد.. حاول حمد انه يهدي الكلاب.. لأنه ما يبا سارة تحس بوجوده.. ويخترب هالمنظر الرائع اللي يالس يشوفه.. المفروض حمد يركض بسرعه ويلحق سارة.. ويحذرها من شاهين.. لأنه شاهين بسرعه يتوتر ومن اقل الاشياء.. مجرد انه فراشة او نحلة تمر جدامه .. يعفس الدنيا .. بس اللي حمد مستغرب منه هو انه شاهين كان هادي بشكل رهيب.. وكأنه مسحور.. يمكن السبب سارة.. يمكن سارة سحرته .. أو يمكن حمد هو اللي انسحر بجمالها ..

بالنسبة لسارة.. عمرها ما شافت حصان إلا في التلفزيون .. بس هالشي ما خلاها تخاف.. بالعكس.. وقفت حذال شاهين اللي الكل يخاف منه وبدت ترمسه بكل ثقة.. حست براحه معاه.. ونست البرد وهمومها كلها.. كانت واقفة تخبر هالحصان الشرير انه اجمل مخلوق شافته في حياتها.. وشاهين شكله مرتاح لها وايد.. وتقرب اكثر من سارة.. بحذر .. كأنه يشجعها تكمل رمستها..

بطل حمد عيونه من الصدمة وهو يشوف هالمشهد الغريب جدامه.. واللي خلاه ينصدم اكثر .. انه ساره ركبت على صخرة كانت موجوده حذال شاهين وتعلقت برقبته وركبت على ظهره.. وشهق حمد فجأه لأنها كانت بتطيح.. بس تماسكت واعتدلت على ظهر شاهين.. سارة بنفسها استغربت من نفسها .. واستغربت لأنها مب حاسة بأي خوف وهي على ظهر هالحصان الضخم..
" شوي شوي عليه.. اوكى؟" همست له سارة في اذنه..

شاهين كان مصدوم ووقف في مكانه من دون حركة.. وحس حمد فجأه بالذنب.. لو أي شي استوى لهالبنية.. ما راح يسامح نفسه ابدا.. ما يتخيل يثور شاهين فجأه ويفرها من فوق ظهره.. ومع هذا ما تحرك من مكانه ولا حاول انه يمنعها.. حس بقلبه يدق بسرعة.. واعصابه مشدودة..

اما سارة.. فكانت متعلقة برقبة شاهين وهي مب عارفة شو تسوي.. خايفة تغمض عينها .. ويوم ترد تبطلها..تكتشف انها تحلم وكل اللي حواليها يختفي.. لو كان هذا فعلا حلم.. سارة ما تبا تعيش الواقع.. وحاولت حتى انها ما تتنفس بس عشان تحافظ على هالحلم.. وبعيد عنها.. حمد حاس بنفس الاحساس.. ويتمنى انه هالمشهد اللي جدامه يستمر على طول..

في هالمزرعة.. وفي هالليلة.. تغيرت حياة سارة تغير هام.. في هالمكان اللي كانت تكرهه.. وفي هالليلة الباردة.. ولأول مرة في حياتها.. حست سارة بالرضا.. وبالقناعة..

الفصل الثامن
------------
في البيت الخرابة، كان سعيد يالس بروحه في الظلام يحاول يدفي عمره.. حاس ببرودة رهيبة في جسمه ومهما حاول ما يقدر انه يخفف منها.. سعيد يعرف انه مريض ويعرف انه يستاهل هالشي.. يستاهل كل اللي استوى له وكل اللي بيستوي له.. ومع انه بعده ما تجاوز الأربعين، اللي يشوفه يتحراه فوق الستين سنة.. بشرته متشققة وويهه كله بقع.. شعره ابيض وجسمه نحيل وعلامات المرض باينة عليه.. لما يشوف سعيد ويهه بالصدفة منعكس على زجاج الدريشة.. يضحك على عمره.. ويفكر انه شكله الخارجي يعكس بالتحديد حقيقته الداخلية.. انسان يمشي وياكل وهو في الأساس ميت..

قبل سنين طويلة.. لما كان سعيد بعده صبي في المدرسة.. كان يروم يقنع أي شخص باللي يباه .. والسبب اسلوبه الحلو .. كانت الكلمات لعبة في ايده يشكلها على كيفه ويستغلها عشان يوصل لأهدافه.. بس سعيد الحين تمر عليه ايام من دون ما يبطل حلجه يتكلم.. الكلمات ما عادت تعني له أي شي.. سعيد انسان وحيد .. تعود على الوحدة.. انسان دمر حياته بإيده.. الشرب صار عالمه وهدفه في الحياه.. أحيانا.. يبدا يشرب حتى قبل لا ينش من فراشه وقبل لا يبطل عيونه.. لها الدرجة وصل ادمانه..

اليوم الصبح تفاجأ بزيارة حرمة غريبة له.. كانت تدق الباب وكأنها ما تعرف انه سعيد مستحيل يبطل الباب ويرمسها.. وكانها ما تعرف انه الشخص الوحيد اللي يدش بيته هي عموته مريم وبس.. وأول ما سمع سعيد صوت الباب.. عرف على طول انها مب عموته لأن عموته ماتت.. ما يعرف وين سمع هالخبر بس هو متأكد انها ماتت.. وعشان جذه راح يوايج من الدريشة يبا يعرف منو عند الباب.. الحرمة اللي واقفة برى كان شكلها مألوف.. وباين عليها بتتجمد من البرد.. وكانت متوترة وايد وكل شوي تتطالع وراها.. دقت الباب اكثر من مرة ولما محد بطل لها.. نادت عليه " سعيد؟؟؟" .. كان صوتها حلو وقوي .. بس الطريقة اللي نادته فيها خلته يرتجف من الصدمه.. هالصوت خلاه يحط ايده على اذنه ويغمض عيونه حيل عشان لا يتذكر .... ومن حسن حظه انه لما رد بطل عيونه.. كانت اللي واقفة برى خلاص يأست وراحت..

لو كانت صج تبا تشوفه، فكر سعيد، كانت تقدر تبطل الباب بكل سهولة.. لأنه عمره ما فكر يقفله.. يمكن كانت خايفة تدش وتباه يطلع لها برى؟؟ يمكن سمعت الاشاعات اللي الكل يتناقلها عنه؟ الناس يحكون عنه حكايات وايد فظيعة.. ويبالغون وايد.. يقولون عنه انه يستخف في الليل ويهاجم أي حد يشوفه في دربه.. يقولون انه عنده كلب متوحش.. مع انه الكلب اللي كان عنده وايد كسول ومات من سنين.. وبسبب هالاشاعات.. محد صار يمر صوب بيته ولا يكلمه او يحاول يزوره.. الاشخاص الوحيدين اللي يتجرأون ويأذونه هم المراهقين اللي يدورون على المشاكل والإثارة بأي طريقة.. يتقربون قد ما يقدرون من البيت ويفرونه بحصى.. ويتمون يزقرونه عشان يطلع ويطاردهم.. بس سعيد عمره ما فكر يطلع لهم.. ولا يهمه كل اللي يسوونه.. ولا همه حتى لما سمع واحد منهم يقول: " تستاهل كل اللي استوى لك يالطماع.. " .. وفي النهاية .. سكون الليل والظلام والمكان المنعزل اللي سعيد ساكن فيه هو اللي يخوفهم ويخليهم يروحون..

ساعات.. يطلع سعيد ويتمشى في الليل.. لما يتأكد انه الكل نايم.. ويتجنب انه يمر صوب بيته الجديم.. او صوب مزرعة سالم.. واذا كان سرحان ومر من هذاك الطريج بالغلط.. يتم يرتجف ويركض عشان يبتعد بسرعة قبل لا يشوف ولده حمد.. ويوم يوصل بيته، يطفي ناره بالشرب.. إحساس سعيد بالذنب.. واحساسه بنذالته وانانيته وطمعه هو اللي شجعه انه يتخلى عن ولده.. حمد ما يستاهل انه يعيش في هالمستنقع.. عمره ما فكر يشوف ولده.. بس يذكر انه في يوم ومن كثر ما كان متوله عليه.. طلع يدوره.. ما كان يبا شي.. غير انه يشوفه.. مرة وحدة.. نظرة وحدة.. هذا كل اللي كان يباه.. دقيقة من وقت حمد.. كلمة وحدة.. أي شي.. وهذا اللي خلاه يوصل للمدرسة في وقت الظهر عشان يشوف ولده.. ورغم انه ما قدر يميز حمد من بين كل الأفواج اللي طالعة من المدرسة ، بس في داخله.. حس براحة.. وبألم.. لأنه نسى ملامح أعز انسان على قلبه.. وهالشي خلاه يكره عمره اكثر واكثر..

غمض سعيد عينه وفكر بالماضي.. في بداية العشرينات من عمره.. كان يعتبر نفسه محظوظ.. ورث عن ابوه ثروة.. وعنده الحرية المطلقة انه يتصرف على كيف كيفه.. بس النقطة السودة الوحيدة في حياته كان سالم.. سالم هو اللي خلاه يكره ابوه.. وخرب العلاقة الطيبة اللي كانت بينهم.. بس لما تزوج سعيد.. تغير كل شي وانمحى كره سالم من قلبه.. كان سالم توه راد الفجيرة.. وسعيد سمع بهالخبر وشافه اكثر من مرة في السوق بس تجاهله ولا فكر حتى يصد صوبه.. ما كان يبا يشغل عمره بسالم لأنه عنده أشيا اهم يفكر فيها.. مثل زوجته نعيمة.. وبيته.. كل ما كان يفكر بنعيمة.. كان يبتسم على طول.. نعيمة كانت بنت جمالها هادي.. وويهها طفولي .. والأهم من هذا انه قلبها ابيض وابتسامتها تخليه يهدى حتى لو كانت اعصابه مشدودة على الآخر.. يذكر انها كانت دوم تنش من الرقاد وعلى ويهها ابتسامة.. وولدهم حمد خذ عنها هدوئها وطيبة قلبها.. لما كان ياهل ما كان يبكي الا اذا كان مريض.. وكان يلعب بروحه ويوم يتعب يرقد بكل هدوء .. جذي كان سعيد عايش.. حياته هادية وحلوة..

ويا اليوم المشئوم اللي غير مجرى حياة سعيد.. كان سعيد يالس في المقهى ويا ربعه.. وعموته مريم رايحة بوظبي عند حصة.. ومرته نعيمة في المطبخ تزهب الغدا.. حمد، اللي كان عمره يومها ثلاث سنين، كان يالس في المطبخ.. حذال امه يلعب بالمكعبات.. كانت نعيمة تشم ريحة غاز في المطبخ ويالسة تدوّر مصدر الريحة .. ويشكت على الفرن مرتين بس بعد ما اكتشفت شو السالفة.. خصوصا انها غشيمة في سوالف المطبخ ومريم عمة ريلها مدلعتنها وما تخليها تطبخ بالمرة.. طلعت نعيمة حمد في الصالة عشان لا يتأذى من الريحة القوية.. وردت المطبخ تكمل الغدا عقب ما قررت تطنش الريحة.. ردت المطبخ عشان تواجه مصيرها.. كان مصدر الريحة ان الغاز متسرب من الأنبوب الموصل بالفرن وأول ما دشت نعيمة المطبخ.. شمت ريحة الدخان ولما صدت صوب الدريشة انصدمت من اللي شافته.. النار كانت منتشرة على الستارة والكرسي الخشب اللي كان صوب الدريشة .. على طول راحت نعيمة صوب الحريجة وحاولت تطفيها.. بس النار علقت في جلابيتها ووسط خوفها ما عرفت كيف تتصرف او كيف تنقذ عمرها.. كانت تصيح وتفكر بحمد اللي يالس في الصالة ..

في دقايق.. كان الدخان كثيف لدرجة انه اهل الفريج كلهم تيمعوا في البيت.. وفي الوقت اللي وصلت فيه المطافي.. كان المطبخ بكبره محترق.. رجال المطافي حاولوا قد ما يقدرون انهم يحدون من انتشار النار وكانوا مشغولين لدرجة انهم في البداية ما لاحظوا وجود سعيد اللي كان واقف عند باب الصالة.. قريب جدا من النار والرماد يغطي ويهه وشعره.. سعيد ما يعرف شو استوى له في هاذيج اللحظة.. أو ليش تجمد في مكانه وما قدر يتحرك.. ما قدر يحرك أي عضلة في جسمه وهو يشوف بيته يحترق.. بس عيونه اللي كانت تتحرك ودموعه تنزل لا إراديا.. مرته وولده داخل.. يحترقون.. وهو مب قادر يتحرك ويساعدهم.. أو حتى ينادي عليهم.. ربيعه سيف كان أول واحد يلاحظ وجوده.. وعلى طول سأله عن اهله.. ولما ما رد عليه سعيد.. تأكد انهم بعدهم داخل.. وركض صوب المطافي يخبرهم.. وفي نهاية اليوم .. نجا حمد من الحريق وماتت نعيمة..

كانت حالة سعيد ايام العزا هستيرية.. وفي خلال شهر، خسر معظم بيزاته وهو يحاول يبني البيت مرة ثانية.. ولأنه كان تقريبا مب في وعيه.. كان يدش في صفقات فاشلة.. وفوق هذا كله كان يصرف بشكل غير طبيعي.. وانصدم الكل منه لما اكتشفوا انه بدا يشرب وياما حاولت عموته مريم تغير فيه هالطبع ويوم شافت انه خلاص ادمن.. خلته في حاله.. ويوم عرض مزرعة ابوه للبيع عشان يسدد ديونه .. بدوا الناس يكرهونه ويتجنبون انهم يمرون صوبه.. ربعه كلهم تخلوا عنه ولا واحد فيهم حاول ينقذه من الحالة اللي هو فيها.. ويوم باع سعيد البيت والمزرعة، ما كان يعرف انه اللي اشتراهم هو سالم.. وما كان يهمه في الأساس منو اللي اشتراهم ، كل اللي كان يهمه هو انه خذ البيزات ويروم يشتري فيهم السم اللي كان يشربه.. بس طبعا هالبيزات خلصت في لمح البصر.. واضطر سعيد انه يسكن عند عموته مريم لأنه ما عنده مكان يروح له..

وفي يوم من الأيام ، هزبته مريم وقالت له انها مستحيل تسمح لسكير انه يعيش وياها في بيتها وانه لازم يخاف ربه ويتوب.. حس سعيد بالإهانة وخذ ولده وراحوا البيت الخرابة اللي هو الحين عايش فيه.. بس لأنه كان سكران معظم الوقت.. ما كان يهتم بحمد اللي كان يطلع من البيت في الليل ويتجول بروحه وهو ياهل.. ويوم يتعب يرد البيت ويرقد وبطنه خالي.. وفي يوم من الأيام .. شاف سالم حمد يمشي بروحه وعرف انه ولد سعيد.. وتبعه للبيت.. كانت هاذي اول واخر مرة يزور فيها سالم بيت سعيد.. حمد كان عمره اربع سنين وسالم كان متزوج أصيلة.. سعيد ما يعرف ليش سالم خذ حمد.. وما حاول انه يمنعه.. كان يعرف انه حمد لو تم وياه راح يضيع في النهاية.. ويعرف انه سالم اكيد بيهتم فيه.. ومن هذاك اليوم اللي طلع فيه حمد من البيت ويا سالم.. ما شافه سعيد بس سمع من مريم انه سالم يعامله مثل ولده.. وارتاح لهالشي..

تنهد سعيد وفكر كيف بتكون حياته لو انه عامل سالم كأخ.. هل كان بيحاول يطلعه من هالدوامة اللي هو عايش وسطها؟ ولما يبدا يفكر بهالافكار ويكبر احساسه بالذنب.. يطالع من الدريشة ويحاول يفكر بطريقة ينتحر فيها.. وساعتها يتذكر انه اصلا بدا ينتحر من اول ما بدا يشرب.. انتحار بطيء .. صح.. بس في النهاية بيوصله للي يباه

في الليل .. لما الكل يكون نايم.. يسمع سعيد صوت النار.. وأول ما يغمض عينه .. يشوف ابتسامتها .. ويحس بقلبه يتقطع.. وفي لحظة تختفي هالصورة وتحل محلها صورتها وهي تحترق.. وتصرخ باسمه .. تترجاه ينقذها.. ويبدا سعيد يصيح بعنف.. ويمد ايده للكاس .. يمكن يلاقي راحته فيه..



الفصل التاسع
-----------
طول الاسبوع وحصة حاسة عمرها متلخبطة.. مب عارفة شقايل تخلص اشغالها.. جدامها 25 صندوق في المطبخ متروسين كتب ابوها واخوها سعيد من ايام كلية الحقوق وشركة المحاماة.. وحصة ناوية تتبرع بهن لأي مكتبة عامة بس بعدها ما حددت.. باجي الأثاث قسمته حصة نصين .. قسم طرشته بيتهم في بوظبي وقسم بتتخلص منه بأي طريقة.. واللي مظايجنها أكثر انه سيارتها لين الحين في الوكالة..
مجوهرات عموتها مريم حطتهم حصة في شنطتها فوق.. بعدها ما قررت شو بتسوي فيهن.. الشي الوحيد اللي قررت انها تاخذه هو خاتم عموتها المصنوع من الذهب والعقيق واللي كانت مريم ما تعقه من ايدها الا حزة رقادها.. ومن حسن حظ حصة انها لقت الخاتم في علبة في درج من أدراج غرفة المرحومة مريم..

تذكر حصة انها يوم كانت صغيرة كانت دوم تتأمل هالخاتم وهو في إيد عموتها يوم كانت تذاكر لها او تسولف وياها في الحوش.. وبصراحة هالخاتم كان واحد من الاسباب اللي خلت حصة تهتم بتصميم المجوهرات.. لأنه بتصميمه البسيط والحجر الاحمر الرائع اللي في نصه، قدر يستحوذ على اعجاب حصة واهتمامها من صغرها.. وعشان جذي كانت حصة تبتسم ابتسامة رضا انه الخاتم الحين صار في ايدها..

اليوم.. وبينما كانت حصة منهمكة في ترتيب الأشياء ووضعها في صناديق، كانت قطوة عموتها يالسة حذال الدريشة.. حصة ما عيبها اسم القطوة (جوهرة) وقررت تغيره و تناديها (ميشا) .. كانت ميشا تراقب الحوي وكل ما شافت ارنب او عصفور.. تنط على الدريشة وتحاول تبطلها عشان تطلع..
" أووهوو.. بس عاد!!" قالت حصة للقطوة اللي نرفزتها بحركاتها..
في ما عدا الأصوات التي تصدرها القطوة، كان البيت يغرق في سكون وصمت غريب.. لا صوت تلفزيون ولا تيلفون يرن وسارة مب موجودة.. تنهدت حصة يوم يت سارة على بالها.. حصة مب راضية ابدا عن طلعات بنتها بروحها من الصبح.. بس بصراحة هالشي احسن لها من انها تواجعها 24 ساعة او انها ترقد للعصر من الملل وتقوم تتشكى وتسألها متى بيردون بيتهم.. خل تشغل عمرها وتفك امها من الحشرة..

لاحظت حصة انه بنتها تتصرف بغرابة، يوم تنش حصة من الرقاد الصبح، تكون سارة مب موجودة وفراشها مرتب.. ويوم ترد وتستجوبها حصة.. تقول بكل بساطة انها طلعت تشم هوا.. او طلعت تتمشى عشان تخفف من وزنها.. بس أمها ما صدقت وحست انه في شي ورا هالطلعات.. مستحيل سارة تطلع تسوي رياضة لأنها وبكل بساطة من أكسل ما خلق الله على وجه الأرض.. ومتعودة طول اليوم ترقد او تنسدح على الكنبة في الصالة تطالع التلفزيون ومستحيل تقوم حتى عشان تغير القناة او تييب الرموت كنترول من حذال التلفزيون.. بس هاليومين يوم ترد سارة من برى تكون خدودها حمر وتكون صج تعبانة وحصة اعتبرت هالشي دليل على صدق كلامها وانها فعلا كانت تسوي رياضة..

ردت حصة تفكر بشغلها اللي المفروض تكون خلصته اليوم.. وقالت بصوت عالي " متى بخلص وبرد بوظبي.. تولهت على خالد!!"
التفتت لها القطوة وتطالعتها بنظرة غريبة خلت حصة تبتسم .. وردت تركز على الاغراض اللي لازم توزعهم في صناديق .. واستغربت من عمرها.. مع انه ما في أي شي يشغلها هاليومين .. لا تيلفون (لأنه محد يدق لها الا امولة وريلها) .. ولا سارة (لأنها تطلع من الصبح وما ترد الا العصر ويوم ترد تكون هلكانة وترقد..) ومحد يزورها هني.. بس بعد مب عارفة تركز ولا عارفة تخلص شغلها عشان ترد بوظبي..

المشكلة انها كل ما تحط شي في واحد من الصناديق، تحس انها تفقد جزء من ذاتها.. كل قطعة اثاث في البيت وكل ركن من أركانه يحمل في طياته عشرات الذكريات اللي تخلي حصة تغرق في عالمها الخاص وترد تعيش طفولتها بالتفصيل..
اليوم الصبح مثلا، لقت قطوة صغيرة مصنوعة من الكريستال في حجرتها وعلى طول دمعت عينها وتذكرت اليوم اللي عطتها مريم اياها.. استوى هالشي قبل 25 سنة.. كانت مريم توها رادة من دبي وكانت الساعة 12 في الليل .. بو سعيد كان وايد معصب لأنها تأخرت ويالس يترياها في الصالة وحصة كانت راقدة وانتبهت فجأة وهي تحس بالعطش.. ونزلت الصالة عشان تشرب..
ويوم وصلت نص الدري سمعت ابوها يهزب عمتها مريم..
" يا مريم انا ما فيه على رمسة الناس وانتي طلعاتج زادت.. "
" بس انا ما سويت شي غلط وسايرة دبي ويا بنت خالوتي وريلها.." ردت عليه مريم.
بوسعيد: " لا يا مريم .. بنت خالوتج نزلتج عند ربيعتج العصر وردت تاخذج الساعة عشر.. يعني طول هالفترة ما كنتي وياها .. أنا مب مطمن.. روفي بحالي ولا ترفعين لي ضغطي .. طلعات بروحج عقب اليوم ماشي.. "
مريم: " خلاص.. مب طالعة من البيت بس انته لا تظايج بعمرك.."

خافت حصة انها تنكشف وردت حجرتها بكل هدوء وسوت عمرها راقدة.. وهي تفكر بالرمسة اللي سمعتها قبل شوي واشفقت على عموتها .. وعقب خمس دقايق، حست انه حد دش الحجرة.. كانت عموتها مريم.. ياية تشوفها وتطمن عليها قبل لا تسير ترقد.. مريم كانت تحس بوحدة فظيعة في البيت.. خصوصا انها رفضت فكرة الزواج نهائيا واخوها بوسعيد ما قدر يجبرها على هالشي.. وكان دوم يسألها عن سبب رفضها لكل اللي خطبوها واكنت ترد عليه برد واحد: "عيالك محتاجيني .. ومستحيل اتخلى عنهم.." ومع انه هالشي كان جزء من سبب رفضها.. بس السبب الأساسي كان حبها لمحمد الكعبي.. ربيع اخوها.. واللي، رغم حبه الكبير لها، ما فكر يخطبها..
دشت مريم الحجرة ووقفت عند الدريشة وبدت الدموع تنزل من عيونها..
في هاللحظة، نست حصة انها كانت تمثل انها راقدة ومشت صوب عمتها الغالية وحظنتها بقوة.. كان عمرها تقريبا 8 سنوات ويوم رفعت راسها عشان تشوف اذا عمتها بعدها تصيح.. شافتها مبتسمة وحست براحة.. يلست مريم تسولف ويا حصة.. ويوم سألتها حصة " شو يبتي لي من دبي؟" طلّعت مريم القطوة الكريستالية من شنطتها وعطتها اياها.. فرحت حصة وايد وباست عمتها وسألتها: "استانستي هناك؟"
احمرّ ويه مريم وقالت: "واااااااااااايد.. هالليلة مستحيل انساها.. بتم عايشة على ذكراها طول عمري.."
وما فهمت حصة مغزى كلامها الا الحين يوم فكرت بمحمد الكعبي وتأكدت انه هو اللي تعشى ويا عموتها هاذيج الليلة..

ابتسمت حصة وهي تتذكر هالأيام الحلوة وفجأة تذكرت أخوها سعيد وعلى طول راحت الابتسامة وحل محلها تعبير حزين على ويه حصة الجميل.. سعيد..... راحت له حصة البيت عشان تزوره أمس بس ما بطل لها الباب.. وبصراحه حصة ارتاحت يوم ما شافته.. شو بتقول له عقب كل هالسنين؟؟ وليش تمثل عليه انها مهتمة؟ صحيح انه اللي يربطهم علاقة دم.. بس السنين الطويلة اللي فرقتهم والبرود اللي كانوا يحسونه صوب بعض طول عمرهم قدر يمحي جزء كبير من هالعلاقة..

بس سعيد مب الشخص الوحيد من الماضي اللي حاولت حصة انها تجدد علاقتها معاه..
حصة اتصلت بسالم مرتين..
وفي كل مرة .. كانت تحس بإهانة وحقارة اللي يالسة تسويه.. وكل مرة تكره عمرها اكثر.. بس للأسف كانت مب قادرة تيود عمرها.. في المرتين اللي اتصلت فيهم .. كانت تحس انها شخص ثاني.. انها مب قادرة تتحكم بإيدها.. وكأن اليد اللي تدق الارقام.. يد شخص ثاني.. كانت ترفع السماعة.. تدق الرقم.. وتتريى.. ويوم يرد عليها .. تسمع صوته .. واتم ساكتة .. وتبند.. حصة فقدت سيطرتها على نفسها.. وتحس انها من بدت تتصل به.. مب رايمة توقف.. لأنها اول ما سمعت صوته.. حست بقلبها يدق بعنف .. وتجاهلت تماما احساسها بالذنب..

"اسمعي نصيحتي.." قالت لها أمولة يوم يت تتغدى عندها في البيت.. "ردي بيتج قبل لا تتهورين وتسوين شي تندمين عليه."
كانت حصة ناوية ما تخبر أمل عن اتصالاتها بسالم... بس أول ما شافت ربيعتها الغالية.. اعترفت على طول.
" لا تحاتين." ردت عليها حصة. "ولا تعطين الأمر أهمية كبيرة.. أنا بس كنت أبا اسمع صوته عشان اشبع فضولي."
"أنا خايفة عليج يا حصة.." قالت أمل وويها متغير.. " انتي اول ما وصلتي من دون ريلج والناس يرمسون."
"ما يهمني" قالت حصة. "المهم انه ريلي فديته واثق فيه."
ابتسمت أمل وفكرت بسلطان ريلها اللي زعل منها اليوم يوم قالت له انها بتتغدى ويا حصة.. أمل تحس انها أكثر انسانة محظوظة في الدنيا لأنها لقت ريال شرات سلطان.. اللي ورغم انه أمل ما راح تقدر تييب له اليهال اللي خاطره فيهم من زمان.. ما فكر ابدا انه يخونها او يتزوج عليها.. وعمره ما بين لها انها ناقصة او مقصرة في حقة .. سارة كانت مب موجودة.. أمل عرفت سارة على بنات ابتسام ربيعتهم وسارت سارة تتغدى عندهم اليوم.
" سالم ما وراه إلا المشاكل.." قالت أمل. اللي كانت مقهورة وايد منه لأنه دوم يحصل اللي يباه، سواءً كان بطرق مشروعة أو غير مشروعة.. "أنا متأكدة.. متأكدة يا حصة انه بيقص عليج مرة ثانية.. ردي بيتكم احسن لج."
"سالم عمره ما فكر يقص عليه." قالت حصة بثقة. "وبعدين انتي ليش خايفة؟ نسيتي اني معرسة؟؟"
"لا ما نسيت." قالت أمل وطالعت حصة بنظرة حادة.
"ما لها داعي هالنظرة." قالت حصة وهي تضحك.
" أوكى."
"لأني احب ريلي ... أكثر من اللي تتوقعينه." قالت حصة.

اليوم، عشان تثبت لعمرها وتثبت لأمل انه الرمسة اللي قالتها صح، اتصلت حصة بريلها خالد ثلاث مرات. بس خالد كان مشغول وايد وما قدر يطول وياها ع الخط.. وكل اللي كان يبا يعرفه هو متى بترد حصة وسارة بوظبي؟
"يوم الجمعة ان شالله." وعدته حصة.
بس بصراحة هي كانت تفكر اتم اسبوعين زيادة.. وتحضر عرس بنت ابتسام.. آمنة.. اللي استوت ربيعة بنتها سارة.. وسارة بعد كانت مصرة انها اتم وتحضر العرس..

بس العرس كان مجرد حجة لسارة عشان اتم هني .. والحقيقة هي انها مهووسة بالحصان اللي شافته وانها ما تقدر تستغنى عنه ولا يوم واحد.. محد يعرف انها تنش من الرقاد كل يوم الصبح عشان تشوفه في المزرعة.. وتأكله تفاح ومكعبات سكر وتلعب وياه.. سارة ما عندها أي فكرة انه الريال اللي يملك المزرعة والحصان اللي جدامها احساسه قوي جدا ويروم يكشفها ويكشف زياراتها السرية للمزرعة بكل سهولة..
سالم حس بوجود شخص قي مزرعته ، وهو ما يطيق أي حد يدشها.. وفي البداية كان يتوقع انه حصة هي اللي دشت المزرعة وانها يت تزوره وهو مب موجود واستانس وايد.. وحس انه انتصر عليها..

قرب حصة من سالم معذبنه وايد وشاغل باله. كل يوم الفجر يطلع ويوقف برى في الظلام والبرد يطالع بيتهم وهو حاس شكثر هي قريبة منه.. وكل ما يروح السوق او المقهى يتوقع يشوفها بالصدفة .. في النهاية أكيد بيشوفها لأنها أكيد بتحاول توصل له.. هي اللي بترد له.. ومهما كان هالشي صعب بالنسبة له بس لازم يصبر ويتحكم بمشاعره.. لازم ما يخسر جدامها.. سالم مب مراهق متهور عشان يروح لها ولا واحد ما عنده كرامة عشان يترجى الإنسانة اللي تخلت عنه مرتين انها تحن عليه مرة ثانية.. بس الليل ظالم.. في النهار سالم يقدر يتحكم بعمره.. لكن أول ما يحط راسه ع المخدة ويحاول يرقد.. تتجمع كل صورها وذكرياتها وكل كلماتها وابتساماتها في باله.. ويحس انه بيختنق بشوقه لها وبينفجر من كثر ما وده يسمع صوتها.. عشان جذي يطلع ويتمشى في مزرعته حزة الفجر .. ويتم يمشي ويمشي لين ما يوصل بيت بوسعيد.. ويتم واقف هناك يطالع دريشتها.. ليش؟ ما يعرف..

سالم يالس الحين يتعشى في البيت ويا حمد، ويفكر بالشخص اللي يدش مزرعته كل يوم.. واستبعد تماما انها تكون حصة، لأنه سالم شاف علبة جيكارة طايحة عند الاسطبل ولاحظ اكثر عن مرة انه شاهين يختفي في فترات محددة.. أكيد واحد من هالمراهقين اللي يحبون الإثارة ويبون يقتربون من شاهين.. بس يمكن تكون بنية؟؟ لأنه سالم حاس انه حمد يعرف بالموضوع.. والدليل انه دوم يكون سرحان هاليومين وكل ما يطري له سالم السالفة، يحمر ويهه.. وقرر سالم يسأله مرة ثانية.
سالم: "حمد.. أحس انه شاهين متغير هاليومين.. انا متأكد انه في حد يركبه.."
حمد كان مبطل باب الثلاجة، يطلع له لبن.. وعلى طول احمر ويهه يوم طرى سالم شاهين.. وتأكد سالم من شكوكه..
سالم: "ما شفت حد يدش المزرعة ؟"
حمد: "لا".
سالم: "متأكد؟"
حمد: "تباني أسير واتأكد؟"
حمد ما يعرف ليش كذب على سالم، بس هو متأكد انه سالم بيخرب كل شي لو درى انه سارة تمر المزرعة يومياً. وفكر في نفسه: سالم ما يهون عليه اخدعه.. عمره ما قصر ويايه.. موفر لي كل اللي احتاجه.. ومع هذا مستحيل اخبره .. هذا سري ..
تعود حمد يراقب سارة كل يوم وعيبته الطريقة اللي تعامل فيها شاهين واستغرب وايد من معاملة شاهين لها.. كل يوم يمر كان حمد يحبها أكثر.. وكل يوم يحاول انه يسير ويرمسها بس في شي يمنعه.. يخاف اذا اقترب منها.. وحسسها بوجوده.. ما ترد المزرعة بالمرة.. وقرر انه بعد ما يخبر سالم ويتم هالشي سر بينه وبين سارة وشاهين.. وقال لسالم: " الحين عقب ما اخلص اكل بطلع أشيك ع المزرعة والاسطبل."
سالم: "غريبة يا حمد.. أول مرة تتجرأ وتقص عليه."
حمد: "صدقني يا سالم.. انا ما اعرف منو هالبنية..."
سكت حمد وعض على شفايفه.. يحليله.. أول مرة يكذب . وانكشف..
ابتسم سالم وقال: "انزين مصدقنك.. بس خبرني .. هالبنية من وين تمر يوم ادش المزرعة؟"
ارتاح حمد انه سالم ما هزبه وقال: "من الفريج اللي حذالنا.. بس بصراحة اول مرة اشوفها."
سالم: "بس أنا اعرف منو هالبنية."
طلعوا اثنيناتهم برى يتمشون.. الجو كان بارد بزياده الليلة.. وابتعدوا وايد عن البيت والاسطبل.. ابتسم سالم وفكر انه كل يشوفه هني ، يملكه.. بقى له شي واحد ما امتلكه للحين .. أو شخص واحد.. وبيكون ملكه جريب..

dali2000 31-12-08 05:20 PM

________________________________________
اليوم الصبح شيكت سارة موبايل أمها اللي شافته في الصالة.. وحصلت رسايل وايدة مطرشنها أبوها لأمها .. كانت الرسايل كلها شوق وفي أكثر من وحدة كان يترجاها تكلمه عشان يتفاهمون .. دورت سارة على رسالة وحدة يكون ابوها معصب فيها او يهدد فيها حصة بس ما لقت... وهي ميودة التيلفون وصلت منه رسالة كان مكتوب فيها.. "حبيبتي حرام عليج والله حرام.. انتي تعرفين اني ما أروم اعيش من دونج.."
انقهرت سارة ومسحت الرسالة وكل الرسايل الباجية اللي ابوها طرشها.. ما تتخيل انه سالم يشوف هالرسايل ويطنز على ابوها..
أبوها يالس يذل عمره عشان وحدة باعته.. وكل هالرسايل ما أثرت في أمها ولا خلتها حتى تحس بالذنب..

"سارة أنا إنسانة ولي مشاعر.. وتجاهلج لي طول الوقت مأثر علي.. والله اني حاسة بوحدة فظيعة.." قالت حصة وهي تحاول تبرر موقفها ..
"ما يهمني" ردت عليها سارة من بين دموعها.. "سوي اللي تبينه.."
تمنت سارة لو تروم ترمس ربيعتها خلود وتخبرها عن التغيرات الرهيبة اللي طرت على حياتها.. بس خلود ما عاد ترد على مكالماتها.. وسارة خلاص ما قامت تتصل فيها..

أصلا سارة ابتعدت عن كل حد والشخص الوحيد اللي ترمسه حاليا هو حمد.. حتى منلا وليلى انقطعت عنهن.. لأنها كل ما سارت بيتهن كانن يعلقن وينغزن ويسألن أسئلة ما تعرف سارة كيف تجاوبها.. كل حد كان يرمس عن أمها.. وسارة قامت تتحسس من كل نظرة وكل كلمة تسمعها.. كل ما تروح مكان وتسمع ضحكة تحس انهم يضحكون عليها.. وغذا اي شخص مر جدامها ويت عينه في عينها .. تحس سارة بالذنب وكأنها هي اللي يالسة ترتكب جريمة في حق أبوها..
تعودت سارة انها تيلس في البيت أربعة وعشرين ساعة وإذا طلعت.. تروح المزرعة تجابل شاهين أو تسولف ويا حمد وترد..

قامت حصة بتعب من مكانها وطلعت من البيت وخلت كيس الهدايا وراها في الصالة.. وتحسفت على مكياجها اللي اخترب ومزاجها اللي اعتفس .. وأول ما دشت الاسطبل، لقت حمد يالس هناك ويوم شافها بهالحالة.. لوى عليها من دون ما يسألها شو فيها.. هو بروحه كان متظايج وما صدق انه شافها.. ويلست سارة تصيح لحد ما هدت اعصابها.. وأول شي قالته يوم سكتت: "نسيت هديتك في صالة بيتنا.."
ابتسم حمد وقال: "وجودج ويايه هني هو اللي يهمني غناتي.."
لاحظت سارة انه حمد متظايج وسألته عن السبب..
ابتعد حمد عنها وحاول ينشغل بأي شي جدامه.. بس سارة أصرت انها تعرف ليش كان متظايج .. وما خلته لين خبرها..
حمد: "اليوم في المدرسة.. كانوا الشباب يرمسون عن..... أبويه.."
سارة: "انزين وبعدين؟ شو اللي يظايج في هالشي"
حمد: " سارونا كانوا يضحكون ويطنزون عليه.. وقالوا انهم يخططون يسيرون ويأذونه باجر..واللي يقهر انهم كانوا يضحكون جدامي وانا ساكت.. وهذا ابويه.. أبويه!!!"
حست سارة بإحساس حمد.. إحساس انه مب عارف يتصرف.. مخنوق.. وقال له: "مب ذنبك انه أبوك طلع جذي.."
حمد: "بس أنا حاس اني أنا المسئول عن الحالة اللي هو فيها.. يمكن لو اني انا اللي مت بدل امايه الله يرحمها ما كان استوى هذا كله.."
سارة: "حمد ليش ما تحاول تزور ابوك وتتعرف عليه.. أنا حاسة انه خالي سعيد انسان طيب ، وانه خاطره يشوفك.."
تظايج حمد من رمستها وترجاها تغير الموضوع..
سارة: "أوكى.. تعال بنسير نييب الهدية من بيتنا.."
سكت حمد ومشى جدامها وتبعته سارة وحست فجأة بالوحدة.. خصوصا انهم يوم وصلوا لبيت حصة تنهد حمد وقال: "باخذ الهدية باجر.. سارة ابا اتم بروحي.. اسمحيلي.."
انصدمت منه سارة وانجرحت في نفس الوقت.. حمد يعرف انها كانت تخطط لعيد ميلاده من اسبوعين.. كيف يتجرأ ويروح عنها؟ كيف يدمر كل شي وهي اللي يالسة تتريى من الصبح؟ عصبت سارة وقررت انها ما تقهره..
"برايك حمد.. انته روّح البيت.. " قالت سارة بتحدي.. "أنا بسير أشوف خالي سعيد.."
ومشت عنه بسرعة وفي خاطرها تقول: "بس وين يسكن خالي سعيد؟ أنا ما اعرف وين أسير !!"
"لحظة" قال حمد.. "تريي سارة الله يخليج لا تسيرين.. عشاني!!"
بس اللي حمد يعرفه ومتأكد منه هو انه مستحيل يرد سارة عن شي قررت انها تسويه.. خصوصا انها محرجة الحين.. ورغم الخوف اللي حست فيه وهي تمشي بروحها.. ضغطت سارة على عمرها وكملت دربها لين وصلت الشارع ووقفت أول تاكسي مر جدامها..
"وين يسير ماما؟" سألها الدريول..
"تعرف البيت الخرابة .. اللي يسكن فيه سعيد الخبلة؟" سألته سارة..
"هى يعرف.." رد عليها الهندي.. "بس انته شو يسوي هناك؟؟ الحين ليل يجي .."
عصبت سارة وقالت: "ما يخصك.. "
سكت الهندي وقرر يوصلها وهو يقول في خاطره.. "paagal larki"

وصلها الهندي للمكان المهجور اللي عايش فيه سعيد، وراح عنها..
وقفت سارة تطالع حواليها وتقول: "والله اني خبلة.. شو يابني هني؟ والله المكان يخوف.."
كان المكان هادي بشكل مرعب.. ولا نسمة هوا تخرب على هالمكان صمته العجيب... وتخيلت سارة انها قامت تسمع دقات قلبها من الخوف.. ورغم كل هذا مشت باتجاه بيت خالها وهي مصرة تكمل اللي بدته..
وفجأه حست انه في حد وراها ومن دون ما تلتفت بدت تركض بكل قوتها.. واللي كان وراها ابتدى يركض ومسكها من ايدها بقوة فظيعة ويرها عشان تلتفت له.. غمضت سارة عيونها من الخوف وحطت ايدها على ويهها.. وهي تقول في خاطرها انا شو اللي يابني هني؟؟!!!
بس الصوت اللي سمعته شال كل الخوف من قلبها.. كان صوت حمد.. بطلت سارة عيونها براحة وطالعته..
حمد: "انتي تخبلتي؟؟" هاذي أول مرة تشوفه سارة وهو معصب لهالدرجة.. "منو تتحرين عمرج عشان اتين هني بروحج؟؟ انتي مب ياهل ولا خبلة عشان تتصرفين هالتصرف.."
ابتسمت سارة من الوناسة لأنه تبعها لين هني.. وتأكدت شكثر يحبها.. وقالت: "حبيبي لا تزعل عليه.. انا بس كنت اباك تتشجع وتشوفه.."
حمد: "هذا بيته جدامج.." وأشر لها على البيت الوحيد الموجود في هالمكان..
ركزت سارة على البيت وقالت: "ابا اشوفه.. تعال خل نتقرب اكثر.."
حمد: "لا .. ما اقدر اشوفه.. سارة .. ما اقدر.."
سارة: "لازم تشوفه.."

تجدمت سارة وصدت وراها ووقفت تطالع حمد.. تمنت ما يخيب ظنها ويتبعها.. بس للأسف.. حمد تم واقف مكانه يراقبها وهي رايحة صوب بيت سعيد.. تنهدت سارة وعاهدت عمرها انها ما ترد بيتهم في بوظبي الا عقب ما تجبر حمد انه يشوف ابوه..
كل ما اقتربت سارة من البيت، كان قلبها يدق بعنف.. وكانت ترتجف من الخوف.. بس مستحيل تبين هالشي لحمد.. وحست بالراحة لأنها متأكدة انه واقف وراها يراقبها واذا اي شي استوى اكيد بيلحقها..
يوم وصلت سارة للبيت، وايجت من الدريشة.. بس الستارة كانت مغطية على كل شي داخل وما رامت سارة تشوف اي شي..
وفجأه حست سارة بحزن فظيع وهم كبير يغطي قلبها.. اللي داخل هالبيت هذا خالها... وهي حاسة بوجوده مثل ما هو حاس بوجودها برى.. فديته.. (فكرت سارة).. أكيد الحين منخش داخل .. ميت من الخوف والبرد .. مب عارف منو اللي واقف عند باب بيته..
كان سعيد يدعي ربه ويقول: " يا رب يسيرون.. شو يبون فيني.. ليش ما يخلوني في حالي.."

وفعلا قررت سارة انها تروح من دون ما تشوفه.. الهم اللي حست به كان جارف وحست انها اذا شافته بتموت أكيد..

بس قبل لا تروح.. بطلت الباب شوي .. وطلعت من جيبها شي احتفظت فيه من صغرها.. ولاعة امها عطتها اياها وخبرتها انه ولاعة يدها بوسعيد الله يرحمه.. كانت سارة تستخدم هالولاعة عشان تولع فيها الجكاير.. بس سارة ودرت التدخين خلاص وما عادت تحتاجها..
من دون تردد، خلت سارة الولاعة عند الباب .. عشان يحتفظ فيها خالها سعيد.. ودعت ربها انه يحفظه ويهديه.. وردت ركض لحمد اللي كان يترياها وفي خاطره ألف سؤال وسؤال..

الفصل الرابع عشر

------------------

في بيت أمل، كان سلطان ريلها يالس يطالع التلفزيون.. ويت أمل ويلست حذاله، وعقب تردد.. خبرها سلطان عن اللي سمعه : انه حصة ردت لسالم..
"لا تصدق الإشاعات." قالت أمل لريلها "إذا استوى أي شي، بكون أنا أول وحدة تعرف بهالشي حبيبي.."
"بس أنا متأكد من اللي سمعته" رد عليها سلطان.
"وأنا متأكدة من اللي قلته.. هاذي كلها اشاعات.." قالت أمل..
اطالعها سلطان بطرف عينه وابتسم.. كان واثق من الكلام اللي قاله وما تحملت أمل نظرته وقالت : "أنا الصحفية هني ، مب انته..!!! أنا توصلني الاخبار قبلك.. " وعقب تفكير وقفت وراحت صوب التيلفون وقالت.. "وعشان أريحك بتصل بحصة وبسألها....... وبتصل بسالم بعد."
نط سلطان من مكانه بسرعة وير السماعة من ايدها وقال: "وين تبين؟ جدامي بتتصلين بسالم؟"
حاول سلطان يمثل عليها انه معصب وضحكت أمل وقالت له: "لا تحاول .. انته اصلا ما تعرف تعصب..وبعدين ليش ما تباني اتصل به؟ ما بياكلني.. بصفتي صحفية لازم اعرف كل صغيرة وكبيرة .."
يلس سلطان وقال : "أمل خل نرمس بجدية.. سالم هذا ما يطمن.. وانا ما اباج تقتربين من هالاشكال.. وبما انه حصة ورطت عمرها وياه.. ابتعدي عنها هي بعد.."
انجرحت أمل من رمسته، أولا حصة ربيعتها ومستحيل تودرها قبل لا تطلعها من المستنقع اللي عقت عمرها فيه.. وثانيا مب من حقه يقرر منو اللي ترابعهم أمل ومنو اللي تودرهم.. بس أمل قررت تطنش اللي قاله لأنه في شي ثاني شاغل بالها..
عشان تبتعد حصة عن سالم، لازم تبين لها أمل انه مخادع وحرامي وتكشف ويهه الحقيقي جدامها.. ردت أمل تيلس حذال ريلها عشان تستجوبه وسألته بدلع: "حبيبي؟"
"هلا غناتي.." رد عليها سلطان.
أمل: "شو تعرف عن سالم؟"
سلطان: "كل اللي أعرفه انتي بعد تعرفينه."
أمل: "اللي ابا اعرفه.. وين راح سالم في السنوات اللي اختفى فيها .. أيام ما كنا في الثانوية.. ومن وين ياب الثروة هاذي كلها؟؟"
سلطان: "حبيبتي بلاج انتي جي.. الحسد مب زين."
أمل: "هذا مب حسد.. انا ما تهمني بيزاته ان شالله يفرهن في البحر.. بس سالم شاغل تفكيري.. ما تمر عليه لحظة إلا وانا أفكر فيه.. رغم اني اكرهه موت.."
سلطان: "وانا كرهته أكثر الحين يوم قلتي لي هالرمسة.. شو تفكرين فيه أربعة وعشرين ساعة؟ أمولة انتي شكلج تبين تجلطيني.."
ضحكت أمل وقالت: "فديت روحك حبيبي .. انته تعرف مكانتك عندي.. بس والله سالم بالنسبة لي لغز صعب وايد اني احله.. وما اعرف شو بالضبط اللي يخليني أكرهه لها الدرجة.."
سلطان: "أنا اعرف.. قبل لا ترد حصة، كنتي تكرهينه لأنه -حسب كلامج- مخادع وحرامي ودمر حياة سعيد وأصيلة ووايد ناس غيرهم.. وعقب ما ردت حصة، كرهتيه أكثر لأنه قدر يسيطر عليها وعلى قلبها وشوه لها سمعتها.."
سكتت أمل وقالت في نفسها: "لا.. مب هذا اللي يخليني أكرهه هالكثر.. في شي سالم خاشنه عنا كلنا.. وما أكون أمل إذا ما كشفت هالشي.."

يوم الأربعا، راحت أمل تتعشى في بيت أبوها.. ودشت المطبخ تساعد أمها اللي ما كانت تحب تاكل من إيد البشاكير.. ودار بينهم الحوار التالي..
أمل: "امي حبيبتي.. خبريني آخر الاخبار اللي سمعتيها.."
شيخة: "شو تبين تعرفين؟ ما عندي شي تنشرينه في جريدتج.."
أمل: "ما أبا اخبار للجريدة.. أنا كنت اقصد اخبار عن حصة.."
لاحظت أمل انه أمها تنرفزت وايد يوم طرت حصة وقامت ترتجف وقالت: "سمعت.. ويا ليتني ما سمعت.. وما أباج تيبين لي طاريها مرة ثانية او تعزمينها بيتنا.."
سكتت أمل وأشفقت على حصة اللي الكل صار يكرهها.. كملت شيخة رمستها وقالت: "حصة غلطانة.. وبتندم.."
أمل: "وشو دراج انها بتندم على اللي سوته.. يمكن يكون في صالحها.."
شيخة: "صدقيني بتندم.. لأنه سالم مجرم.. سالم هو اللي قتل أصيلة..."
أمل: "شووووو؟؟؟؟؟؟؟!!!.." بطلت أمل حلجها من الصدمة واقتربت من امها تطالعها وهي مب مصدقة اللي سمعته..
طلعت شيخة من المطبخ عشان تنادي البشكارة وتخليها تشل الغدا وتوديه غرفة الطعام.. ولحقتها أمل اللي كانت بتموت من الفضول..
أمل: "أمايه وين سرتي.. خبريني شو هالرمسة اللي قلتيها.؟؟ واذا كانت صح.. عندج دليل؟؟"
شيخة: "لو كان عندي دليل ما كنت بقصر.. ببلغ عليه على طول.."
أمل: "أمايه.. كيف تتهمين الريال وانتي ما عندج دليل.. ما يستوي .. هاذي جريمة مب شي هين.."
شيخة: "أنا مب محتاية لدليل.. أنا متأكدة من اللي قلته.."
يلست شيخة في الصالة ويلست أمل حذالها وهي تركز على كل حرف تقوله أمها..
بدت شيخة تحكي لها وقالت: "انا كنت حاسة انه أصيلة مب مرتاحة في زواجها .. وعقب ما توفت الله يرحمها.. شكيت فيه.. بس سكت وهاذي غلطتي.. اني سكت وما خبرت اي حد بشكوكي.. حتى يوم كنت اشوف اصيلة تتعذب منه كنت اسكت.. وطول ما انا عايشة ما بسامح عمري لأني ما حاولت اساعد هالمسكينة.."
أمل: "تساعدينها على شو؟ أصيلة كانت ربيعتي وعمرها ما اشتكت من ريلها سالم.. بالعكس كانت وايد تحبه.."
شيخة: "انتي نسيتي شكثر كانت اصيلة كتومة وغامضة؟ أصيلة يا حبيبتي كانت تفضل تموت على انها تبين عذابها لغيرها.. كبريائها كان يمنعها من الشي هذا.."
أمل: "انزين امايه كملي.."
شيخة: "تعرفين؟ آخر مرة شفت فيها أصيلة كنا في عرس ورحت انا ويلست حذالها .. وأذكر انها كانت قمر.. الكل كان متعود على جمالها بس في شي واحد كان مخرب عليها .. كان كتفها كله كدمات.. وظهرها بعد.. ويوم نزل الشال عن إيدها كانت نفس الشي.. انصدمت من اللي شفته وسألتها .. قالت لي انه عندها فقر دم وجسمها حساس يتأثر بسرعة.. بس طبعا انا ما صدقتها.. كنت متأكدة انه هالوحش هو اللي ضاربنها.."
سكتت شيخة وتذكرت يوم شافت الكدمات حست انها بتصيح وتبا تحمي هاليتيمة بأي طريقة.. وعرفت على طول انه أصيلة تعاني في صمت.. مالها حد في هالدنيا كلها.. أمها وابوها توفوا واخوها خالد ما سأل عنها من يوم راح بوظبي.. وولدها ياهل ومريض.. مالها غير ريلها وريلها هو السبب في معاناتها..
أمل: "أمايه وين سرحتي.. كملي والله بموت ابا اعرف السالفة.."
شيخة: "اصبري عليه غناتي بخبرج.. احيد مرة رحت الطوارئ الفجر لأنه أبوج كان متحسس من شي ومب رايم يتنفس.. وشفت أصيلة هناك .. كانت ايدها مكسورة ويوم سألتها شو اللي صار قالت انها طاحت من فوق حصانها شاهين.. بس يا بنيتي أي حصان هذا اللي ركبته حزة الفجر..؟؟ "
أمل: "هى والله صدقتي يا اماية.."
شيخة: "محد غيره هو مسود الويه اللي كان يضربها.. وفوق هذا كله كان يمنعها تطلع من البيت أو تتصل بربيعاتها.. وفي الفترة قبل لا تموت أصيلة.. انقطعت اخبارها عنا نهائيا.."
أمل: "بس بعد.. امايه.. انتي ما عندج دليل.. وما ترومين تتهمينه بانه السبب في موتها.."
وقفت شيخة وقالت: "برايج لا تصدقيني .. أنا متأكدة من احساسي واحساسي عمره ما خاب.." وراحت تزقر ريلها عشان يتعشون..

ما رامت أمل تتعشى.. كانت تفكر بأصيلة الله يرحمها.. ويوم طلعت من بيت أبوها ، دقت على ريلها وقالت له انها بتمر على حصة قبل لا ترد البيت.. ويوم وقفت سيارتها عند باب بيت حصة.. حست انه قلبها بيطلع من صدرها من كثر ما يدق بقوة وبسرعة..
وقبل لا تدق الجرس.. ترددت أمل وقالت: "حصة ما بتتقبل الرمسة اللي بقول لها اياها.. خصوصا انه ما عندي دليل.. بس انا متاكدة من احساس امايه.. ولازم ابري ذمتي واخبرها.."
دقت أمل الجرس ويت سارة تبطل لها الباب..وكانت شالة ميشا في ايدها..
حضنت أمل سارة وقالت لميشا: "كيفك يا حلوة؟"
ردت عليها سارة: "ميشا بخير.. لازم .. اربعة وعشرين ساعة اكل ورقاد.. بس امايه محد.."
استغربت أمل: "وين سارت امج هالحزة؟"
قالت سارة وهي تبطل باب الصالة: "ما اعرف.. قالت انج دقيتي لها وتبينها ضروري وطلعت .."
"أنا؟" قالت أمل "أنا اصلا من يومين ما رمستها.."
ويوم شافت أمل النظرة اللي على ويه سارة حضنتها بقوة ويلست وياها في الصالة وقالت: "سوري حبيبتي والله انج ما تستاهلين كل اللي يستوي لج.."
حاولت سارة تيود دموعها.. وقالت: "توقعت انها تقص عليه.. "
كانت سارة متظايجة وايد .. بس من شي ثاني.. اليوم الصبح يوم سارت المزرعة عشان تشوف شاهين.. وقف سالم جدام باب الاسطبل وما خلاها تدش.. كان يطالعها بنظرة كره واحتقار.. وقال لها: "تعرفين انج نسخة من ابوج خالد؟ "
"أدري " قالت له سارة " ويشرفني هالشي.."
"ليش ما تموتين وتفكيني.. أو تختفين فجأة.. ردي بوظبي.. بدل لا انتي ملوعة لي بجبدي .." قال لها بكل جرأة ووقاحة..
وقررت سارة تتحداه في وقاحته وقالت: "ليش؟ عشان يخلا لك الجو؟ ده بُعدك.." وطنشته تماما ودشت الاسطبل ويلست ويا شاهين..

سارة تتصل يوميا بأبوها في بوظبي وترمسه.. يرمسون عن كل شي.. عن محاظراته وشغله.. عن ربيعتها خلود اللي شافها خالد في المارينا مول أمس.. عن شاهين اللي سارة تبا تشتريه.. عن الكتب اللي اشتراهم ابوها حقها.. عن كل شي.. الا شي واحد ما رمسوا عنه.. أمها.. حاولوا اثنيناتهم قد ما يقدرون انهم يتفادون طاريها.. جنها اختفت من الوجود ومن حياتهم.. ونجحوا في هالشي..
"سارة.." سألها ابوها فجأة.. "انتي مستانسة هناك؟ ما تولهتي عليه؟ ما تبين تردين البيت حبيبتي..؟ وامج شحالها؟؟"
"لا تحاتي ابويه حبيبي.." ردت عليه سارة.. "امايه بخير وانا مستانسة هني بس مستحيل استغني عنك.. اكيد برد البيت.. اسبوع بالكثير وبكون عندك.."
حست سارة انه ابوها ما صدق ولا كلمة من اللي قالته لأنه رد عليها وقال: "سارة انا باجر بكون عندكم.. باجر او عقبه.. باخذ اجازة وياينكم.. "
خافت سارة.. خافت من صدمة ابوها يوم يرد البيت وتعامله امها بكل برود.. خافت ينجرح .. وقالت: "لا ابويه ماله داعي تتعب عمرك..اسبوع بالكثير ونحن بنرد البيت.."

قطعت أمل أفكار سارة وقالت: "سارة حبيبتي اذا كنتي مشغولة برايج سيري حجرتج.. يمكن تبين ترقدين الساعة الحين 10 ونص.. أنا بيلس هني اتريى امج لين ترد.."
"أوكى .." قالت سارة.. وراحت حجرتها.. ما كان فيها رقاد.. بس كانت تبا تتصل بأبوها وعقب بترمس حمد..
وابتسمت وهي تتخيل النظرة اللي بتكون على ويه امها يوم بترد البيت وبتحصل أمل يالسة تترياها..

وصلت حصة البيت الساعة 11، ودشت الصالة بكل هدوء عشان ما تقعد سارة من الرقاد..بس تفاجأت وصرخت من الخوف يوم طلعت أمل جدامها فجأة وقالت: "وين كنتي؟"
حطت حصة إيدها على قلبها وقالت: "الله ياخذ ابليسج .. أمولة!!!!!! زين ما يتني سكتة قلبية.."
"ردي على سؤالي.. وين كنتي؟؟" سألتها أمل مرة ثانية.
"ما يخصج.." كانت حصة معصبة من الخاطر.. "شلج انتي تسأليني؟"
"يعني ما تعرفين انه كل حد يرمس عنج؟" ردت عليها أمل. "والله انه حتى البنات في المدارس يرمسن عنج.. وانتي ولا هامنج.."
"وليش ما تدافعين عني؟" سألتها حصة بنبرة اتهام..
"دافعت عنج جدام بنتج.." قالت أمل وهي تنغزها بالرمسة..
"أويه!!!!!!!!!!" قالت حصة "نسيت .. انا قلت لسارة اني طالعة وياج.."
اقتربت أمل من حصة وقالت: "لا يكون خليتيه يقص عليج حصووه؟؟"
فهمت حصة قصد أمل وعصبت وقالت: "أمل انتي تخبلتي.. ؟؟ هالشي مستحيل يستوي.."
يلست حصة في الصالة ويلست أمل ترمسها..
أمل: "حصة انتي ما تعرفين كل شي عن سالم.. كل حد يرمس عنه "
حصة: "الناس يغارون منه.."
أمل: "حصة امي متأكدة انه هو اللي جتل أصيلة.."
بطلت حصة عيونها ع الآخر وقالت: "شو هالرمسة أمولة؟"
أمل: "امايه اليوم خبرتني ع العشا."
حصة: "عندها دليل امج على اللي قالته؟؟؟ والشرطة؟ مب الشرطة قرروا انه اصيلة كانت وفاتها طبيعية؟"
أمل: "امي تقول انه كان دوم يضربها والدليل الكدمات اللي كانت مغطية جسمها.."
حصة: "يالله عاد امولة.. وانتي تصدقين هالرمسة؟ وليش امج تمت ساكتة كل هالسنين؟ وحتى لو شافت كدمات على جسم اصيلة.. هذا مب معناته انه سالم جتلها.."
أمل: "حصة ترومين تنكرين انه سالم عنيف وانه يوم يحرج ينسى عمره..؟"
حصة: "كلكم تكرهون سالم.. وأولكم أمج.. حاسدينه على النعمة اللي عايش فيها.. مع انه عمره ما اذى حد منكم.."
"أنا مب مطمنة" قالت أمل.. "ومتأكدة من احساس امايه.."
"خلي شكوكج حق عمرج.." ردت عليها حصة.
تنهدت أمل وقالت: "انا لازم اروح الحين قبل لا ايي سلطان هني وايّرني من شعري.. بس حبيت اقول لج شي واحد.."
حصة: "شو؟"
أمل: "أتمنى ما تندمين.. والله يا حصة من خاطري اتمنى هالشي.."
وقفت حصة وحضنت ربيعتها ووصلتها للباب..



الفصل الخـــــــــــامس عشر

-------------------------

رغم المطر والرياح الفظيعة، كان خالد مصرّ انه يسير الفجيرة اليوم.. وخذ إجازة من الجامعة وطلع من بوظبي الصبح عسب يوصل من وقت..
عيب خالد انه وايد طيب وما يروم يدافع عن نفسه وحقوقه وعشان جي حصة مستقوية وتسوي اللي تباه..
بس حصة تعرف انه خالد اذا عصب محد يروم يوقف في ويهه... وهو اثبت لها هالشي مرة وحدة بس من يوم عرفته.. يوم رفض ابوه انه يتزوج حصة، عصب خالد وتمسك برايه وودر البيت.. ويوم هدده ابوه ببيزاته، تخلى خالد عن ثروة ابوه وكتب له تنازل عن كل حقوقه في المزرعة وكل أملاكه الثانية وطلع من حياة اهله للأبد..
عقب ما توفى ابوه وأمه.. حاولت أصيلة تتصل به عشان ياخذ نصيبه من الورث.. بس رده عليها كان: "أنا مالي شي عندكم.. بيزات ابويه عمرها ما همتني.."
ساعتها ما كان خالد يعرف انه يوم بيتنازل عن نصيبه، بيسهل على سالم مهمة انه يستولي على كل أملاك أبوه..

خلال السنين اللي مضت.. فقد خالد أكثر من شخص عزيز عليه.. وهالشي حطمه نفسيا.. أبوه وأمه ماتوا في يوم واحد.. واخته الغالية أصيلة.. ماتت وتبعها ولدها علي.. وخالد لين الحين يلوم عمره على وفاة اخته ويعتبر نفسه المذنب الأول لأنه ما منعها تتزوج بسالم .. زواجها منه هو اللي عجل بوفاتها.. بوفاتهم فقد خالد عايلته كلها وما بجى له في هالدنيا الا حصة وسارة.. ومستحيل يتخلى عنهم بالسهولة اللي سالم يتخيلها..

وصل خالد الفجيرة الساعة وحدة الظهر.. وتمنى انه يرد بوظبي بأسرع وقت ووياه مرته وبنته.. مع انه حاس انه اللي بييه مب شويه وحاول قد ما يقدر انه يتفاءل ..
ما توقع خالد انه حبه لحصة بيوصله لها الدرجة من الضعف والخضوع.. مشاعره صوبها وايد معقدة.. وفكر انه لو كان صج ريال ، أول شي بيسويه انه بيضربها ضرب يخليها تتأدب وبيردها وياه بوظبي غصب.. بس مشكلته ما يروم.. هاذي حصة.. اللي لين اليوم مب مصدق انه تزوجته.. حصة حياته وحبه الوحيد.. حبه لحصة خلاه يوقف على باب بيت ابوها اليوم ويدق الجرس ويترياها تبطل له الباب.. رغم انه يعرف بخيانتها ويعرف انها ما تباه.. وما تبا تشوفه..

بطلت سارة الباب وأول ما شافت أبوها حضنته بكل قوتها..
"أبويه!!!!!!!!" صرخت سارة بأعلى صوتها من الوناسة..
سحبت سارة ابوها ودخلته الصالة وعلى طول يت ميشا تتمخطر جدامه عشان يشلها..
"منو هالغاوية؟" سألها خالد وشل ميشا ويلس يمسح على رقبتها..
"هاذي ميشا.. قطوة المرحومة مريم.." ما رامت سارة تكمل رمستها لأنها بدت تصيح.. كانت مب مصدقة انه أبوها واقف جدامها ..
حضنها أبوها ووقفت سارة تصيح في حضنه لحد ما هدت ووقفت دموعها.
" شو أخبارج حبيبتي؟ ان شالله مرتاحة؟" سألها أبوها..
كانت سارة تبا ترد عليه وتقول له أي راحة؟ خالد ما يعرف انه بنته استوت هي اللي تطبخ وتنظف البيت لأن أمها كله راقدة أو ترمس في التيلفون أو طالعة ويا أمل.. وشغل البيت كله عليها يحليلها.. سارة اللي عمرها ما فكرت ترتب فراشها او تساعد امها ... استوت الحين مسئولة عن نفسها.. إذا ما غسلت ثيابها بنفسها، ما بتحصل شي تلبسه.. إذا ما راحت تشتري أكل من الجمعية، محد بيسير.. ورغم انها كانت تدور هالاستقلاليه قبل وكانت تتمنى تكون بروحها محد يسألها وين سرتي ومن وين ييتي.. بس الحين الوضع مول مب عايبنها وحاسة انها بتختنق..وردت تصيح مرة ثانية..

"سويرة حبيبتي ليش تصيحين؟" نبرة صوت ابوها بينت اشكثر كان يحاتيها..
"لا ماشي.." قالت سارة "أنا بس مستانسة وايد اني شفتك.. وهاذي دموع الفرح .."
ابتسم خالد وقال: "تعرفين انج احلويتي؟؟ ما شالله عليج مستويه قمر.." حس خالد براحة كبيرة وهو يشوف التغيير اللي طرى على بنته.. قبل كم اسبوع يوم كانت بعدها في بوظبي.. كانت ما تستغنى عن المكياج وكان خالد يحاتيها وايد ويخاف ايي اليوم اللي تسود فيه ويهه .. بس الحين.. انصدم من اللي شافه وعرف انه بنته طلعت من الدوامة اللي كانت متوهقة وعايشة فيها..

"وين امج؟" سألها خالد فجأة.. وخبرته سارة انه امها طلعت ويا أمل..
"زين.. شو رايج نسوي لنا شي ناكله.." اقترح خالد عليها وابتسمت سارة وراحت وياه المطبخ..

زاد المطر برى وكان صوته وهو ينزل على دريشة المطبخ بقوة جنه حد يفر الدريشة بحصى.. واستغرب خالد من حصة.. وين طالعة في هالجو ومودرة سارة في البيت بروحها؟
عقب ما تعشت سارة ويا أبوها سوت له قهوة ويلسوا يسولفون وبدت سارة تخبره عن شاهين.
سارة: "اليوم عرفت انه شاهين يغار عليه.. كنت مطلعتنه من الاسطبل عشان امشيه ووقفت أسولف ويا حمد ولد خالي سعيد.. وجان يوقف شاهين بيني وبين حمد وما رضى يتزحزح من مكانه.."
ابتسم لها خالد بس كان واضح انه في شي ثاني شاغل تفكيره..

"أبويه؟" ترددت سارة قبل لا ترمس بس لازم تقول اللي في خاطرها.. "أمايه ما بترد لك... ليش تذل عمرك؟"
ارتعش خالد من الصدمة .. المفروض انه سارة ما تعرف عن السالفة هاذي..
"أبويه.." كملت سارة.. "أمايه ترمسه في التيلفون اربعة وعشرين ساعة، وأنا متأكدة انها تحبه.. انته ليش مصر انك اتم وياها؟"
سكت خالد وحط راسه بين ايديه وغمض عيونه..
حست سارة بالذنب وانه كل اللي صار بسبتها هي .. سارة عمرها بس 15 سنة.. ليش تشل كل المسئولية فوق راسها؟
تمنت سارة لو تغير الموضوع.. بس عن شو ترمس؟ تخبر ابوها انها تحب حمد؟ بيذبحها أكيد.. أو أقل شي انه بيتظايج وهي ما تبا تزيد همومه...

اقتربت سارة من ابوها ويلست في حظنه وحطت راسها على كتفه وابتسم خالد وهو يلعب بشعرها .. وحمد ربه انه رزقه ببنيه شراتها.. رغم دلعها وعصبيتها الزايدة، سارة انسانة طيبة وحساسة وايد..
غمضت سارة عيونها وهي في حضن ابوها وحست بالراحة والأمان اللي انحرمت منهم في الفترة الأخيرة، بس خالد كانت أفكاره عند حصة.. الغيرة وحش من نار ياكل في قلبه وخالد يحاول قد ما يقدر انه ما يبين لسارة أي شي من معاناته..
ورد يفكر بسالم مرة ثانية.. "معقولة سالم ينتقم مني؟" فكر خالد "معقولة يسوي كل هذا لأني استغليت الفرصة واقتربت من حصة وتزوجتها في غيابه؟"

"أبويه؟" قالت سارة
"ها حبيتي.." رد عليها ابوها
"احكي لي حكاية.." قالت سارة بدلع ورفعت راسها وابتسمت لأبوها اللي ضحك وقال:" بس حكاية؟ من عيوني.."

وابتدى خالد يحكي لها عن طفولته.."يوم كنت ياهل، عمري 5 سنوات.. كنت طالع في المزرعة العب ويا اصيلة ختيه العودة اللي يرحمها.. ولقينا ثعلب صغير يتمشى.. كانت الثعالب منتشرة في المنطقة هاذيج الايام.. أول ما شافته أصيلة قالت انه يتيم ولازم هي تتبناه.. وانا صدقتها وساعدتها عشات تزخه.. وودته أصيلة حجرتها وخشته عن أمايه . .لأن امايه الله يرحمها لو شافته في غرفتها كانت بتعقم البيت بكبره.. وعقب ما مات الثعلب.. ربت أصيلة بومة.. وعقب البومة سلحفاة.. لين ما اشتروا لها شاهين وصار هو عالمها كله.. الله يرحمها كانت تموت في الحيوانات.."
وفي نفسه قال: "وآخر حيوان حبته كان سالم.."
"الله يرحمها.." قالت سارة " كان خاطريه اتعرف عليها.. يقولون انه شخصيتها كانت وايد حلوة.."
ندم خالد لأنه ما عرّف بنته بأهله وخصوصا بأخته أصيلة يوم كات بعدها حية.. كان يبا ينسى ماضيه وما توقع انه هالشي بيأذي سارة..

حس خالد فجأة بتعب فظيع وزاد تعبه التوتر اللي يحسه وخوفه من رده فعل حصة يوم بتشوفه هني.. وفكر اكثر من مرة يركب موتره ويرد بوظبي.. وغمض عينه عشان يريحها شوي.. بس عقب نص ساعة رفعت سارة راسها واكتشفت انه ابوها رقد من التعب على الكنبة.. يابت له سارة لحاف وغطته.. وعورها قلبها على ابوها وهو راقد في الصالة.. بس ما عرفت شو تسوي.. وما هان عليها تخرب رقاده.. يلست سارة اطالع ملامح ويهه وقالت في نفسها: "روّح بوظبي.. وفر على عمرك الجرح والإهانة.."
وابتسمت سارة وهي تراقب ميشا اللي ما صدقت تحصل حد راقد وراحت رقدت حذال خالد..
--------------------------
ردت حصة البيت الساعة 8 ف الليل.. وأول ما دشت الصالة، شافت خالد.. الريال اللي عاشت وياه 19 سنة من حياتها.. راقد على الكنبة في الصالة.. خالد ياي ياخذها..
وقفت حصة جدامه تطالعه من الصدمة.. كان راقد بعمق ومب حاس فيها.. شكله وايد تعبان..
نشت ميشا ويوم شافت حصة لبستها وردت ترقد.. وما حس بحصة يوم اقتربت منه ومسحت بإيدها على خده.. بس وهو راقد.. كان خالد يحلم بحصة.. كانت واقفة في حلمه وهي مبتسمة .. وكل ما حاول خالد يقترب منها ، يحس انه المسافة تكبر بينه وبينها..
يودت حصة ايده وباستها.. وفي هاللحظة انتبه خالد وأول ما شاف النظرة اللي على ويهها .. عرف انه زواجهم انتهى.. كانت النظرة من أفظع ما يكون.. نظرة اشفاق .. تعاطف.. حصة تشفق عليه..
ابتسم خالد غصب عنه وقال: "الظاهر اني تعبت عمري ع الفاضي.. شكلج ما تبين تردين ويايه.." المفروض خالد كان يخلي هالجملة للنهاية بس ما قدر يتحمل نظرتها..
ابتسمت حصة وما قالت شي..
"شو معناتها هالابتسامة؟" سألها خالد.. "يعني بتردين ويايه؟"
"خالد.." بدت حصة رمستها.. "لا تعتقد اني ما احبك .. أو اني كنت تعيسة وياك.."
حس خالد بألم فظيع في راسه.. وحس انه في حلم.. وكان صوت حصة وهي تخبره انها بتم هني بعيييييييييييييييد.. كأنه ياي من عالم ثاني.. حاول خالد يركز على رمسة حصة وسمعها تقول انها ما تبا تجرحه .. وضحك من القهر.. وقال في خاطره.. انتي مب بس جرحتيني .. انتي ذبحتيني..

"خلاص حصة اسكتي.. " قال خالد.. "راسي يعورني وابا ارقد.."
ودته حصة حجرتها ورقد على فراشها.. ويوم نش كانت الساعة 9 الصبح..
لبس خالد ثيابه ونزل الصالة وحضنته سارة اللي كانت يالسة ويا امها.. التفت خالد على حصة ولاحظ انه ويهها احمر وعيونها منتفخة من الصياح.. وحس بحزن فظيع لأنه بيخسرها..لأن أيام سعادته انتهت..

"أنا برد بوظبي اليوم.." قال خالد لمرته وسألها اذا بطاقة البنك مالتها بعدها تشتغل .. واذا محتاجة بيزات ولا لأ.. وفي النهاية قال: "اللي بقوله مب غرور يا حصة .. بس عمرج ما بتحصلين اللي يريحج ويتحملج شراتي .."
وقبل لا يطلع ، فكر يرد ويصفعها .. يجبرها ترد وياه.. يترجاها.. بس خالد حافظ على هدوءه لأنه كرامته هي الاهم.. ولأنه عنده شي ثاني لازم يسويه..

اتجه خالد بسيارته لمزرعة ابوه الله يرحمه.. المزرعة اللي تربى فيها وتعلم فيها معنى الحب. . المزرعة اللي تعرف فيها على حصة.. وعاش احلى ايامه ويا اصيلة اخته..
وقف خالد سيارته عند باب البيت ولاحظ انه تغير وايد.. وفجأة شاف سالم يبطل الباب ويطلع.. وفكر خالد للحظة انه يدوس ع البترول وينهي حياة سالم في لحظة.. بس طبعا هالفكرة راحت عن باله على طول..
اقترب سالم من السيارة عشان يعرف منو داخل.. ويوم اكتشف انه خالد.. ما عرف كيف يتصرف وتم واقف مكانه وويهه أبيض من الصدمة.. واستغرب خالد من نفسه لأنه ما نزل وضربه أو جتله.. وقال في باله: "ما يستاهلون .. اثنيناتهم ما يستاهلون.. "
ولف بسيارته وطلع من المزرعة.. وسالم بعده واقف مكانه من الصدمة والخوف..

كانت سارة في المزرعة وركضت برى الاسطبل يوم شافت سيارة ابوها بس ما لحقت عليه.. وحست في داخلها انه ابوها بيروح من دون ما يودعها..
ركضت سارة ورا السيارة وحاولت تلتف انتباهه.. كانت تصرخ وتقول: "ابووووووووووويه.. اصبر لا تروح.. خذني ويااااااااااااك... ما ابا اتم هني ... لا تخليني هني بروحي..!!!!!!!"
بس خالد ما انتبه لها وطلع من المزرعة بسرعة ووقفت سارة تصيح في المزرعة واحساسها بالذنب يكبر لأنه ابوها بيرد بوظبي بروحه.. سارة تعتبر نفسها مذنبة لأنها ما اجبرت امها ترد بوظبي.. مذنبة لأنها ما خبرت ابوها من قبل انها تبا ترد وياه.. مذنبة لأنها ابتسمت اليوم اول ما شافت شاهين.. مذنبة في حبها لحمد.. مذنبة في احساسها بأي سعادة وابوها تعيس..

ردت سارة الاسطبل وهي تقريبا منهارة.. وحضنت شاهين بقوة ويلست تصيح لين ما تعبت.. وقالت لشاهين: "شو رايك نطلع شوي..؟"
طلعت سارة شاهين من الاسطبل وركبت على ظهره وعطته ظربه خفيفة خلته يركض بكل سرعته وطلع برى المزرعة.. ما اهتمت سارة أنه شاهين طلع من المزرعة وانه سالم ممكن يقتلها لو درى.. كانت مقهورة وتبا تطلع حرتها بأي طريقة.. والسرعة اللي شاهين كان يركض فيها حسستها بالراحة.. ما عرفت سارة وين تروح ويا شاهين وكان هو بروحه يتحكم في مساره وكأنه يتبع درب مرسوم .. درب تعود يروحه مرة ورا الثانية.. وتسائلت سارة في داخلها عن المكان اللي شاهين متوجه له.. واستانست وايد يوم وصلها لبيت خالها سعيد..
نزلت سارة عن ظهره وباسته .. وقالت: "ليش يبتني هني..؟ شكلك متعود على هالمكان..!"
حاولت سارة معاه انهم يروحون .. بس شاهين كان عنيد وابتعد عنها وراح يدور له شي ياكله..

كان سعيد يراقب من الدريشة ويوم شاف البنية اللي راكبه على الحصان، توقع تكون أصيلة .. لأنها هي كانت تركب نفس الحصان يوم كانت تزور سعيد قبل.. قبل، كانوا وايدين يزورونه .. الجمعية الخيرية كانوا ايون دوم عنده وييبون له ثياب وأكل.. عموته مريم كانت تنظف له البيت وتطبخ له.. بس أصيلة زياراتها كانت مختلفة.. كانت زياراتها هي اللي تونسه.. كانت أصيلة تييب له صور ولده حمد .. لأنها هي اللي ربته.. وتييب له شهاداته وأوراق امتحاناته.. تخبره شو سوى في المدرسة .. ومرة يابت له خصلة من شعر حمد وسعيد لين الحين محتفظ فيها ..

dali2000 31-12-08 05:21 PM

________________________________________
ساعات.. كانت أصيلة تيلس جدام باب بيته وتصيح.. ومرة يت في الليل وكانت ترتجف.. وما عرف سعيد شو بلاها.. ويلست تصيح.. عطاها سعيد لحاف ورقدت على الارض لين الصبح.. ويوم نشت.. اكتشف سعيد انه شفايفها الحلوة كانت كلها دم وويهها نصه كدمات ولونه يخوف.. ويوم عطاها سعيد ماي عشان تشرب.. ردت تصيح من الالم اللي في شفايفها.. ودمعت عين سعيد وهو يشوف انه أصيلة.. اللي كان معجب وايد بجمالها وشخصيتها يوم كان صغير، وصلت لهالحالة عقب زواجها..
سعيد يعرف انه أصيلة ماتت من زمان.. بس شكلها ردت مرة ثانية لأنها واقفة برى ترمس شاهين.. لبس سعيد نعاله بسرعة وركض برى عشان يسلم على اصيلة الغالية.. بس انصدم صدمة حياته يوم التفتت البنية واكتشف انها وحدة ثانية مب اصيلة..
هاذي مب اصيلة.. قال سعيد في باله. هاذي البنية اللي يت هذاك اليوم ويابت لي ولاعة ابويه..
"آسفة" قالت سارة والدموع في عينها.. كانت تصيح عشان ابوها.. "أنا ما كنت ابا ازعجك بس شاهين مب راضي يروح.."
"ما عليه.." قال سعيد بصوت هادي .. واستغرب من عمره لأنه رمسها.. "خليه ياكل.. لا تأذيه.."
يلس سعيد جدام باب بيته ويلست سارة حذاله وهي تطالعه بفضول واستغراب..
"ما عرفتني؟" سألته سارة. "أنا سارة بنت اختك حصة.. وأبويه خالد الكندي.. اللي كان ياركم قبل.."
التفت سعيد صوبها ويلس يطالعها.. يعني هاذي بنت اخته؟ وعقب ما عرف هالمعلومة اكتشف الشبه الكبير بينها وبين خالد..
"أنا ما اشبه امايه .. لا تحاول تشبهني فيها.." قالت سارة وهي مبتسمة.. "بس حتى لو ما كنت أشبهها.. انته بتم خالي.."
" المفروض هالشي ما يشرفج يالخبلة.." قال سعيد وهو يضحك..
ضحكت سارة وقالت: "عادي.. العايلة كلها طلعت دمرانة.."
"بعدج ما شفتي شي" رد عليها سعيد
ابتسمت سارة وهي تراقب شاهين اللي كان ياكل وقالت في بالها: "المكان هني وايد حلو.. وما توقعت انه خالي بيكون طيب جذه.. توقعته يطردني.."
وقف سعيد ومشى صوب باب بيته ..
"وين رايح؟" سألته سارة..
سعيد ما يبا يفكر في اهله وماضيه وهالبنية ما بتييب له غير الذكريات الأليمة.. عشان جي قرر يودرها ويدخل..
" بسير داخل.. شو تبين فيني؟" رد عليها.
"عشان تشرب؟" كانت سارة معصبة ومقهورة منه.. "انته ما شبعت من الشرب؟؟ ما تخاف ربك..؟؟ "
وقف سعيد يطالعها ويفكر انها مع انها صغيرة بس باين انه عقلها كبير وايد.. اللي اكبر عنها ما وقفوا ورمسوه بهالطريقة.. بس هي ما ترددت ابدا في هالشي.. "يكون في علمك انه ولدك حمد طلع ريال بمعنى الكلمة.. عمره ما فوت صلاة في المسيد .. ويخاف ربه.. حرام عليك يكون عندك ولد شراته وانته جذي.."
تغيرت ملامح سعيد وباين انه كلامها أثر فيه لأنه حمد هو نقطة ضعفه..
"المفروض اشيا وايد تتغير.." كملت سارة كلامها.. "المفروض انته تصطلب وهو يودر عناده وتردون لبعض.."
تقرب سعيد منها وخافت سارة انه يضربها.. بس سعيد كان يصيح.. "ما اروم.. ما اروم اودر الشرب.. وحمد يكرهني.."
"حمد ما يكرهك.. بالعكس وده يعرفك." قالت سارة.. "ومن ناحية الشرب.. أنا بساعدك عشان تودره.."

روحت سارة ويا شاهين ووقف سعيد يطالعهم وهو يحس بالحياة لأول مرة من سنين طويلة.. حس بدفء كبير في صدره.. وتمت كلمات سارة في باله طول الليل .. وطول الليل ما شرب قطرة من السم اللي تعود عليه وصار كل حياته..

الفصل السادس عشر

------------------

من يومين وأمل الكعبي مب قادرة ترقد أو تركز على أي شي غير الرمسة اللي قالتها أمها عن شكوكها في سالم. وكانت في الصيدليه تشتري لأبوها حبوب الضغط ولا انتبهت لرمسة الصيدلي وتعليماته . كان الموضوع هذا شاغل كل تفكيرها. أمس راحت أمل المستشفى وطلبت تشوف ملف سعود ولد أصيلة وسالم. وما طاعوا الإدارة يخلونها تاخذ الملف الا بأمر من المحكمة.. وتظايجت أمل وايد بس ريلها سلطان وبمعرفته ، قدر اييب لها اسم الدكتور اللي كان يعالج سعود لأنه يعرف انها لو ما حصلت اللي تباه بتم متظايجة الاسبوع بطوله..

رمست أمل الدكتور وخبرها انه سعود مات بسبب اللوكيميا (سرطان الدم) اللي بدا يعاني منه وهو بعده ياهل عمره أربع سنين.. ويوم طلبت منه أمل انها تشوف ملفه ما رضى وقال: "انتي عاوزة توصلي لأيه بالضبط؟ العيّل كانت حالته طبيعية جدا ومات بسبب مضاعفات السرطان.."
تنهدت أمل وحست بالمعاناة اللي كانت أصيلة تعانيها، وقالت في خاطرها: "يحليلها.. كيف استحملت يومها تسمع انه ولدها مصاب باللوكيميا؟"

عقب ما طلعت أمل من المستشفى، خبرت ريلها بالمعلومات اللي لقتها وسألته: "شو أسوي الحين؟"
سلطان: "لا تسأليني .. لو بإيدي ، ما أباج تتدخلين في الموضوع بالمرة.."
أمل: "حبيبي لازم أعرف.. هالتحقيق مب عشان الجريدة.. هذا عشان غناتي حصوووه أبا أنقذها.."
ضحك سلطان وقال: "شو رايج تنقذيني انا قبل.. تراني بمووووووت من شوقي لج.."
ابتسمت أمل وقالت: "شو رايك أواعدك؟ عقب دوامك بنتغدى برى.. عشان الجو يكون رومانسي حبيبي.."
سلطان: "قولي انج مب مسوية غدا .. ماله داعي تقصين عليه بكلمتين.."
ضحكت أمل وقالت: "خلاص حبيبي عاد .. انته حدد وين تبا تتغدى وخبرني.. "

عقب ما بندت أمل عن ريلها .. اتصلت في بيت ربيعتها ابتسام وسألتها.. :"بسموه حبيبتي شحالج؟"
ابتسام: "هلا أمولة عمري .. الحمد لله انا بخير ونعمة .. انتي شحالج.."
أمل: "بخير الحمدلله .." كانت أمل مستعيلة وما فيها على سوالف ابتسام اللي ما تخلص وقررت تدش في الموضوع على طول.. " بسموه بتخبرج.. دريولكم شريف هو نفسه اللي كان يشتغل عند المرحومة أصيلة..؟"
ابتسام: "هى هو نفسه.. ليش تسألين أمولة؟ لا يكون مسوي شي مسود الويه..!!"
أمل: "لا لا .. بس كنت أبا أعرف ما شي سبب.. "
طبعا ابتسام ما صدقتها بس سكتت وردت أمل تسألها: "عندج رقم تيلفونه .. ؟"
ابتسام: "توج تقولين ما في شي والحين تبين رقمه.. أمولة خبريني شو السالفة.."
تأففت أمل وقالت: "خلاص بخبرج.. بس مب الحين.. بعدين يوم بيي عندج .. الحين عطيني رقمه.."
عطتها ابتسام رقم الدريول وقررت ادق له بنفسها بعدين وتستجوبه..

اتصلت أمل بشريف واتأكدت انه فعلا كان يشتغل عند أصيلة وما ودرها الا عقب ما توفت..
أمل: "شريف خبرني .. كيف كان سالم يتعامل ويا أصيلة؟"
شريف: "ماما أصيلة كان واااايد زين.. سالم كل يوم يظرب.. وماما أصيلة ما يقول شي.. وما يخبر حد.. بس انا في معلوم.."
أمل: "وانته ليش ما خبرت عليه؟"
شريف: "ماما أصيلة كل يوم يوصي انا ما يخبر حد.. يقول بابا كان معصب شوي.."
خبرها شريف انه أصيلة دقت له مرة الفجر وقالت له اييها البيت بسرعة عشان يوديها المستشفى.. إيدها كانت مكسورة وقالت انها طاحت من على شاهين.. تذكرت أمل انه امها خبرتها عن هالموقف وسكتت.. كمل شريف رمسته وقال انه يوم اقترح عليها يروح ينادي سالم.. زاغت وترجته ما يسير له.. ووداها شريف المستشفى وهو متأكد انه سالم هو اللي كسر لها ايدها..
اتظايجت أمل من اللي سمعته وقبل لا تبند عن شريف قال لها: "لحظة أنا في يتذكر شي ثاني بعد.."
أمل: "قول شو تذكرت؟؟"
شريف: "انته يعرف انا في يرقد داخل ملحق اول يوم يشتغل عند ماما أصيلة.."
أمل: "أوكى.. شو استوى؟"
شريف: "مرة انا راقد .. ويسمع حشرة برى داخل حوي.. أنا يشوف من دريشة ماما أصيلة لابس بيجاما مال نوم وفي ايدها baby سعود .. بابا سالم كان واقف عند باب .. بعدين هو يروح داخل وقفل الباب.. ماما أصيلة تمت بروحها برى.. وايد يصيح مسكينة.."
أمل: "وانته شو سويت؟"
شريف: "شو يسوي بعد.. أنا في يرد يرقد ويدعي الله على سالم.. بس ما يروم يسوي شي.."

بندت عنه أمل ودمعت عينها من اللي سمعته.. يحليلج يا أصيلة.. شو سوى فيج الظالم المجرم.. وخافت أمل على ربيعتها تلاقي نفس المصير منه.. وعاهدت نفسها انها ما تخليه في حاله لين ما تكشفه.. "وين بتروح مني يا سالم..؟ " قالت أمل وهي تتأمل سماعة التيلفون اللي في إيدها..

ردت أمل للمستشفى وصورة أصيلة وهي واقفة ببيجامتها في الحوي نص الليل وولدها في ايدها مب راضية تروح عن بالها.. وسارت قسم الملفات عند ربيعتها ندى اللي تشتغل هناك.. وترجتها أمل عشان تشوف ملف أصيلة.
ندى: "أمل حبيبتي افهمي.. أصيلة ماااااااااتت من 12 سنة.. يعني مستحيل تحصلين ملفها هني.. "
أمل: "دوري في الكمبيوتر.. يمكن تلاقينه.."
ندى: "ما كان شي كمبيوترات على أيامهم.. شو تبين تعرفين..؟؟"
أمل: "أبا أعرف شو اللي خلا أصيلة تموت وهي بعدها في عز شبابها.. تعرفيني فضولية.."
ندى: "اوكى روحي عياده الدكتور هشام.. أصيلة كانت دوم تروح له.."
حظنتها أمل من الفرحة واتصلت الاستعلامات عشان تييب رقم الدكتور هشام..
الدكتور هشام هو نفس الدكتور اللي تتعالج عنده أم أمل عشان آلام الروماتيزم .. وعسب جي كانت أمل متعودة عليه.. وما ترددت انها تتصل به .
أمل: "هلا دكتور.. ممكن أيي عندك العيادة ولا مشغول؟"
د.هشام : "تعالي يختي لا مشغول ولا حاجة.. بس ما تجيبيش الحجة معاكي.. حترفع لي ضغطي.."
ضحكت أمل وقالت: "لا دكتور اطمن بييك بروحي.. أبا استشيرك في شي.."

عقب ربع ساعة كانت أمل عنده في العيادة وسألته عن أصيلة.
د.هشام: "بتسألي عنها ليه..؟ عاوزة تكتبي عنها في الجريدة؟"
أمل: "الله يهديك يا دكتور.. شو أبا أكتب عنها ؟ الحرمة ماتت الله يرحمها.."
د.هشام: "أمال عاوزة تعرفي ايه؟"
أمل: "أبا اعرف سبب وفاتها.. لسبب شخصي ارجوك لا تسألني عنه.."
د.هشام: "لا لا .. لا حسألك ولا حاجة .. شوفي يا ستّي.. أصيلة كان عندها فقر دم حاد وضعف عام وكان عندها ضيق في التنفس كمان.. ومكتوب في شهادة وفاتها انها ماتت بسببه.. بس انا بقى عندي راي تاني.. "
أمل: "شو هو دكتور..؟؟"
د.هشام: " شوفي انا مش حقدر احكيلك بالتفصيل .. اصل الحكاية دي قديمة أوي.. بس في الليلة اللي ماتت فيها أصيلة.. اتصلت بي عمتك مريم ربنا يرحمها وقالت لي أروح لها بيت أصيلة.. ولما وصلت كانت المسكينة ماتت خلاص.. الظاهر انها ما قدرتش تتنفس ومحدش كان في الغرفة عشان يساعدها او يديها الدوا.."
أمل: "انزين دكتور كمل.."
خبرها الدكتور عن اللي قالته مريم هاذيج الليلة يوم يلس يهديها عقب وفاة أصيلة.. كانت مريم تصيح وتدعي على سالم انه الله ينتقم منه ويوم سألها الدكتور ليش تدعي عليه قالت مريم: "ظربها يا دكتور وطاحت البنية واغمى عليها.. واترجيته أدش الحجرة عشان اساعدها بس منعني.. قال انها تتدلع وانه اذا أي واحد فينا دش عليها ما بيصير طيب.."
خبرها الدكتور انه مريم ترجته يسكت عشان لا يسوون فظيحة وسكت الدكتور مثل ما طلبت منه مريم..
عصبت أمل: "وهاذي مريم ليش سكتت عن الموضوع..؟"
د.هشام: "كان عندها حق.. حمد وسعود فقدوا امهم في الليلة اياها.. ومش معقول تروح تبلغ على سالم ويتسجن وتقعد لوحديها مع العيال ما تعرفش ازاي تصرف عليهم وازاي تداريهم.."
سكتت أمل ورد الدكتور يتكلم: "أصيلة كانت مغفلة.. مهما كان زوجها بيضربها كانت بتسكت وما بتردش عليه.. ده كان اكبر غلط.."
طلعت أمل من عيادته وهي حاسة بدوخة.. وفكرت كيف تقدر تثبت كل اللي سمعته وجمعته من أدلة ومعلومات..

في البيت، كانت أمل يالسة تتعشى ويا سلطان وخبرته بكل اللي استوى.
سلطان: "غناتي طبي هالسالفة خلاص ما يخصج فيهم.."
أمل: "لا سلطان ما اروم.. لازم اكمل اللي بديته."
سلطان: "بس كل اللي وصلتي له الحين هو انه سالم كان مسئول بشكل غير مباشر عن وفاتها.. يعني هو يوم ودرها في الحجرة وظهر.. ما كان يعرف انها بتموت.. "
أمل: "بس بعد يتم مذنب .."
تنهد سلطان وقال: "نسيت انه راسج يابس وانا ما اروم عليج.."
ضحكت أمل وسألته: "والحين شو اسوي؟"
سلطان: "ما ترومين تسوين شي.. أصيلة ماتت من 12 سنة .. طبي السالفة.."
سكتت أمل وكمل سلطان: "وبعدين اياني واياج تروحين تخبرين حصة باللي عرفتيه اليوم.. لأنها أكيد بتكرهج لو درت.. تراها ما تصدق شي في حبيب القلب سالم.."
أمل: "صدق اللي قال انه الحب أعمى.. شو اللي خلا أصيلة تصبر على سالم اذا ما كانت تحبه.. وشو اللي يخلي حصة تتصرف هالتصرفات غير احساسها بالحب؟ "
هالمرة كان دور سلطان انه يسكت.. وقال عقب تفكير: "اللي تسويه حصة مب حب.. هذا خيانة.. لا تنسين هالشي أمولة.. أوكى؟"



الفصل السابع عشر

-------------------

مرت الأيام على سارة بصعوبة كبيرة.. خالد طلق حصة بناءً على رغبتها.. وسالم يعدل بيته ويغير الأثاث في انتظار زواجه من حصة بعد ثلاثة اشهر.. وحصة حاسة انها عايشة في حلم وما تعرف كيف ترد لأرض الواقع.. كل ما شافت سارة ، تحس بأنانيتها وتفكر كيف قدرت تدمر لها حياتها بهالطريقة.. وسارة قالت جدام امها وسالم انها معارضة زواجهم ومستحيل تتقبل سالم على انه ريل امها.. طبعا حصة قالت لسالم مستحيل اتزوجك اذا سارة ما تقبلت هالشي.. وازداد كره سالم لسارة أكثر وأكثر..

كانت سارة في فراشها الساعة ست الصبح مب عارفة ترقد ، وبالها مشغول.. كيف بتتحمل انها تعيش عند سالم؟ وقررت انها ترد بوظبي عند ابوها وتخلي امها هني تعيش حياتها على كيفها.. اتصلت سارة بمدرستها أمس وخبروها انهم وقفوها عن الدراسة هالسنة إداريا.. وتظايجت وايد لأن هالسنة ظاعت عليها.. أمها اقترحت عليها تدرس هني بس سارة مستحيل توافق على هالشي..
تنهدت سارة وقالت: "فديت قلبك يا حمد.. أدري بتكرهني يوم بودرك وبرد بوظبي.. بس لازم هالشي يستوي.. "

طلعت سارة الصالة وشافت أمها يالسة تشتغل.. كانت ترسم تصاميم مجوهرات وعرفت سارة على طول انه امها متظايجة.. لأنها ما تشتغل الصبح الا اذا كانت صج متظايجة ومب رايمة ترقد.. حطت سارة ايدها على قلبها وتمنت تروح وتحضن امها وتخبرها شكثر تحبها رغم كل اللي صار.. أمها من يوم تطلقت وهي ما ترمس حد.. حتى سالم ترمسه في التيلفون دقيقتين وتبند عنه.. صارت ما تاكل وكله في حجرتها.. وسارة وايد متظايجة عشانها.. استأذنت سارة منها وراحت المزرعة تشوف شاهين اللي بتضطر تودعه جريب..

أول ما وصلت سارة الاسطبل، انصدمت يوم شافت سالم واقف عند الباب ومنعها من انها تدخل.
سارة: "إنته شو تسوي هنا؟ شو تبا؟"
سالم: "هاذي مزرعتي.. ولا نسيتي؟"
طنشته سارة ودخلت.. ودخل سالم وراها.. لاحظت سارة انه شاهين تنرفز وايد يوم شاف سالم وصار يرفس اليدار اللي وراه..
سالم: "خسارة هالحصان يتم هني.. ياكل ويشرب من دون فايده.."
نظرة الاحتقار اللي اطالع فيها سالم شاهين خلت سارة تقترب من الحصان أكثر ولاحظت انه شاهين ما شل عينه عن سالم..
سالم: "خلاص انا قررت اني اجتله.. يحليله مريض ويتألم وايد.. لازم حد يريحه من عذابه.."
ارتجفت سارة من تهديده وقالت: "شاهين مب مريض ولا يتألم من شي عشان تجتله.."
سالم: "اسمعي يا سارة.. أنا وانتي لازم نستفيد من بعض.. أنتي بتخدميني وانا بكون كريم جدا وياج.."
سارة: "كمل كلامك.. وين تبا توصل بالضبط؟"
سالم: "أنا باخذ أمج وانتي الوحيدة اللي واقفة في دربي.. اباج تسيرين وتقولين لأمج انج موافقة وما عندج مانع.."
سارة: "مستحيل..!!!!!!"
حاولت سارة تطلع من الاسطبل بس سالم وقف جدامها ومنعها ..
سالم: "صدقيني بتندمين.. إذا رفضتي بجتل شاهين.. ومحد يروم يمنعني.."
تنفست سارة بصعوبة وغمضت عينها قبل لا تقول.. "أوكى بس بشرط.."
اعتفس ويه سالم.."أي شرط؟"
سارة: "أبا شاهين .. أباك تعطيني اياه.. تكتبه رسميا بإسمي أنا.."
ضحك سالم من خاطره وفكر انها فعلا ذكية.. بس بعدها ما تعرف سالم عدل..
سالم: "أوكى.. خلاص موافق.. الاسبوع الياي بتكون ورقة الملكية عندج.."
سارة: "حلو.." وتمنت سارة انها تروم تيود دموعها لين تطلع من الاسطبل..

طلعت سارة من الاسطبل ومشت لبيتهم ودموعها تنزل بسرعة.. حست انها غلطت.. انها باعت أمها عشان شاهين.. بس امها مستانسة هني.. خلها اتم وين ما تبا.. ومثل ما امها فكرت بأنانية.. سارة بعد بتستوي انانية شراتها.. بس رغم هذا ما رامت توقف دموعها..

مرت الشهور الثلاثة بسرعة وسارة بعدها في الفجيرة تتريى وعد سالم لها.. ورتبت سارة كل اغراضها واستعدت انها ترد بوظبي الاسبوع الياي.. طول هالفترة كانت تتصل بأبوها وما يرد عليها.. وآخر مرة طرشت له مسج من موبايل امها وخبرته انها تولهت عليه وايد وانها بترد جريب.. وطرشت له مسج ثاني وخبرته انه امها تزوجت سالم.. وانها الحين عايشة وياهم في المزرعة..

عقب ما تزوجت أمها سالم، تغيرت سارة تماما.. صارت ما ترمس أي حد في البيت وابتعدت عن حمد نهائيا.. وحمد يحليله مب عارف كيف يوصل لها.. يوم تشوفه في مكان تطلع منه على طول.. وكان عنده احساس انه خلاص فقدها..وأمها ما عادت تشوفها بالمرة..

كانت سارة حاسة بخوف كبير وقرف من هالبيت وكل اللي فيه.. ومن يوم انتقلت للمزرعة، الاسبوع الماضي وثيابها بعدها في الشنطة ما طلعتهم.. ورغم انها تقفل الباب فليل يوم ترقد.. بس بعد ما تحس بالأمان واتم تتجلب في فراشها هي وميشا..

بالنسبة لحصة.. كان احساسها بالذنب يقطعها.. وما حست بأي سعاده يوم خذاها سالم.. الكل كان يرمس عنها وأمل ابتعدت عنها بعد.. وبنتها دوم مكتئبة.. وخالد.. آاااااااه يا خالد.. ما تعرف كيف حالته الحين.. بس أول ما تشوف حصة سالم.. تنسى كل همومها وتعيش معاه في عالم ثاني.. لأنه الوحيد اللي يروم ينسيها كل شي في هالدنيا..

عقب اسبوع، قررت حصة تطلع من عزلتها وراحت تشوف معرض الذهب اللي فتحوه أمس.. وهناك شافت ربيعتها أمل وترددت قبل لا تسلم عليها.. بس أمل يوم شافتها حضنتها بقوة وقالت: "ما توقعت أشوفج هني .."
حصة: "هى حتى انا مستغربة من عمري اني طلعت اليوم.."
سكتت أمل.. من يوم تزوجت حصة وأمل مبتعده عنها وتحس الحين انه بينها وبين ربيعتها بحر عريض وما تروم تعبره..
أمل: "انزين.. "
حصة: "هممم.. ماشالله محلوّة أمولة.."
ابتسمت أمل وقالت في خاطرها.. بس انتي يا حصة كبرتي 20 سنه في هالشهور الثلاثة.. كان شكل حصة متغير وايد وباين عليها انها تعبانة..
أمل: "امايه تسلم عليج.. تقول لج انها وايد تولهت على سوالفج.."
حصة:" الله يسلمها.. أمس كنت بسير لها بس سالم ما طاع.."
أمل: "ماشالله من الحين يتحكم فيج.." وابتسمت عشان ما تزعل ربيعتها..

صحيح انه أمل ابتعدت عن حصة، بس هذا مب معناته انها ما كملت تحقيقها عن سالم.. بس للأسف لين ألحين ما لقت أي شي ..

أمل: "شو أخبار سارة وحمد؟"
حصة: "مدري والله من زمان ما شفتهم.."
استغربت أمل: "ليش؟ تراكم في نفس البيت.."
حصة: "لا أنا كله في الحجرة.."
أمل: "ليش؟ سالم يغار عليج من حمد وحابسنج في الحجرة..؟"
اختفت الابتسامة من ويه حصة وقالت: "لا .. أمولة انتي شو يالسة تقولين..؟ سالم ما يروم يتحكم فيني.. وبعدين انا مب ياهل عشان يقص علي.. بس بروحي كنت ما اظهر.."
أمل: "مدري يا حصة احس انج مب مرتاحة.."
سكتت حصة وباست ربيعتها وقالت: "يالله انا اتأخرت.. لازم أروح.." وراحت عنها..

أول ما وصلت حصة البيت، شافت سالم وخبرته انها متظايجة من أمل ، وخبرته شو قالت لها وكيف كانت تلمح لها انه سالم يتحكم فيها.. طبعا سالم عصب ، خصوصا انه من قبل يكره هاي اللي اسمها أمل.. وسكت.. كان يالس يقرا مسجاته في التيلفون ومطنش حصة.. تعودت حصة على هالأسلوب منه .. دوم ترمسه ويطنشها.. بس حاولت انها ما تظايج عمرها..
وفجأة صد سالم صوبها وقال: "حصة انا ما اباج تطلعين من البيت.. أوكى؟"
استغربت حصة: "ليش يعني .. مب واثق فيه؟"
سالم: "ما اباج تطلعين وخلاص.. يوم تبين شي خبريني وانا بييب لج.."
كان معصب وحصة تخاف منه يوم يعصب.. سكتت وما عرفت بشو ترد.. سالم يعرف انها تحب تطلع وايد وما تروم توعده انها بتم في البيت.. وبعدين ماله داعي يحبسها.. حصة مب ياهل..
سالم: "ليش ما تردين؟"
حصة: "خلاص اوكى مب طالعة من البيت.."

تعودت حصة انها تسمع كلامه وتعودت انها اتم بروحها في البيت لأنه سالم كله برى.. وما يرد الا فليل.. وصارت ترسم تصاميم وايده وفكرت بمحلها في بوظبي اللي تخلت عنه وباعه خالد.. كانت وايد تحبه.. بس هالتصاميم شو بتسوي فيهن؟؟ بتخبر سالم يفتح لها محل هني.. أكيد بيرضى..
بس يوم رمسته في الموضوع قال: "انتي مب محتاية البيزات عشان تفتحين لج محل.."
حصة: "بس يا سالم هاذي شغلتي من 18 سنة الحين.."
سالم: "قلت لج ماله داعي.."
يودت حصة عمرها عشان ما تحرج عليه وكتمت اللي في قلبها ..مب احتراما له.. بس لأن سالم صار يخوفها وايد هاليومين.. تخاف ترمس او تسوي حركة غلط جدامه تخليه يعصب عليها ويضربها..

أمس الصبح مثلا، كانت حصة راقدة وسالم كان يسبح.. ورن التيلفون اللي حذال شبريتها وردت عليه وهي مسطلة من الرقاد.. كان كريم الهندي يخبرها انه سيارتها اللي ردت تخترب وودتها عنده عشان يصلحها جاهزة ويباها تمر تاخذها..
قالت له حصة: "أوكى.. عقب ساعة ونص بكون عندك.. باي"
بندت حصة التيلفون وردت ترقد.. بس اول ما غمضت عينها حست بإيد تسحب عنها اللحاف وما انتبهت إلا بكف سالم على ويهها.. صرخت حصة من الألم وصدت صوبه بخوف وهي مب مصدقة انه صفعها.. وقبل لا تبطل حلجها.. سحبها سالم من إيدها بقوة ووقفها جدامه وهي تتألم بشكل واضح..
سالم: "منو هالنذل اللي كنتي ترمسينه ومواعدتنه عقب ساعة ونص؟"
كانت حصة مصدومة من أسلوبه وفوق هذا بعد كان يصارخ..
حصة: "سالم انته تخبلت؟؟"
حست حصة انه ايدها تخدرت من الألم وترجته يهدها.. كان راص على ايدها بشكل فظيع وهي متأكدة انه راح يكسرها.. "سالم الله يخليك هدني.."
بس سالم كان شرات الوحش.. مب راضي يسمعها وصرخت حصة يوم دزها وارتطم راسها باليدار..
سالم: "منو كنتي ترمسين؟؟"
كانت حصة تتألم بشكل فظيع وقالت بين دموعها: "كريم.. كريم الهندي."
سالم: "عن الجذب..!!"
حصة: "والله العظيم انه كريم والله.. يباني اسير آخذ سيارتي من عنده"

تغيرت ملامح سالم وبدت أعصابه تهدا.. واقترب منها ومد لها ايده عشان توقف.. ويوم مدت ايدها حست بألم بس ما بغت تبين له هالشي..
وتمت حصة ساكتة ما تعرف كيف تتصرف معاه وطلع هو من الحجرة من دون حتى ما يعتذر لها..وتذكرت رمسة أمل عن أصيلة.. وقالت لعمرها: "لا .. أنا مب شرات أصيلة.. سالم يحبني.. أصيلة كانت خبلة يوم تزوجت سالم وهي تعرف انه يحبني أنا.." واقنعت عمرها انه ما ظربها اليوم الا لأنه يحبها ويغار عليها.. نزلت حصة المطبخ وحاولت تسوي لها شاي بس ما قدرت لأن إيدها كانت تعورها وايد.. دش حمد ويوم شافها متلعوزة سوى لها شاي ويلس يسولف وياها..
"وين سارة؟" سألته حصة
حمد:"برى.. عند شاهين.."
حصة: "ما اشوفك تيلس وياها هاليومين؟"
حمد (وهو متظايج): " لا بس انشغلت في الدراسة شوي.."
في هاللحظة شاف حمد إيد حصة .. كان لونها بنفسجي مكان ما رص عليها سالم..
حمد: "بلاها ايدج؟"
حصة: "طحت.."
وطلعت حصة من المطبخ بسرعة قبل لا يرد حمد يسألها عن إيدها..
وعقب ما لبست عباتها وشيلتها، نزلت الصالة وشافته قاعد فطلبت منه يوصلها عشان تييب سيارتها..
وفي السيارة كانت حصة سرحانة في عالمها الخاص، كانت تفكر التصاميم اللي رسمتهم وتعبت عليهم.. ليش سالم مب راضي يخليها تشتغل؟ حصة محتاجة البيزات لأنه سالم من يوم خذاها ما عطاها ولا ربية.. وسارة يحليلها مفلسة بعد.. وحصة تستحي تطلب البيزات من سالم..

التفتت حصة لحمد ويلست تتأمل ملامح ويهه.. فيه شبه كبير من اخوها سعيد.. ابتسمت حصة يوم يت عينها في عينه وحست انه استحى .. وسألته: "حمد انته مرتاح ويا سالم.؟"
استغرب حمد من سؤالها وقال: "هيه الحمد لله على كل حال.."
حصة: "ما تولهت على امك وابوك؟"
حست حصة انه سؤالها غبي بس عقب فوات الأوان.. لأن حمد احمر ويهه وتغيرت ملامحه على طول..
أكثر من مرة كان حمد يحلم بأمه واليوم اللي احترق فيه البيت.. كان الحلم غريب.. كأنه ذكرى محفوظة في خياله وما تطلع له إلا في أحلامه.. وأمس رد يحلم نفس الحلم.. يحلم انه النار شكلها وايد حلو.. كأنها سائل أو جلي.. وكان يقترب منها ويمد إيده,, بس في اللحظة اللي يحاول يمسك فيها النار.. كانت أمه تطلع جدامه وتمنعه..
قطعت حصه عليه افكاره وقالت: "آسفة.. ما قصدت اذكرك بأمك.."
حمد: "لا عادي.."
ابتسمت حصة وحست انها تشفق عليه.
وحمد شاف نظرتها وضحك في داخله.. هو اللي يشفق عليها.. سالم متحكم في كل شي بحياتها.. وطلب من حمد يراقبها وما يخليها ترمس في التيلفون في غيابه..

من أسبوع تقريبا.. لاحظ حمد انه في ريال غريب يلاحقه.. وين ما يروح يكون هالريال موجود.. وحمد يعرف انه اللي يلاحقه ابوه سعيد.. لأنه مرة التفت وراه في المزرعة يوم حس انه حد يراقبه وشافه واقف بعيد.. أبوه.. طبعا حمد خاف وايد من هالموقف وارتبك.. واستغرب .. شو اللي يخلي سعيد يلاحقه؟ حمد مب محتاج لأبو الحين، حمد كبر وصار ريال و يروم يعتمد على عمره .. ليش أخيرا تذكر ابوه انه عنده ولد؟ وقرر حمد يطنشه لأن آخر شي يباه هو انه واحد خمار شرات أبوه يحرجه أو يحاول انه يخوفه..

وبعدين حمد يعتبر سالم بمثابة ابوه لأنه هو اللي رباه وصرف عليه، بس رغم هذا تم سعيد مسيطر على أفكار حمد .. واليوم العصر، كان حمد في في الاسطبل يشيك ع الخيول الثلاثة اللي هناك يوم دش سعيد..
شهق حمد من الصدمة وصرخ في ويهه: إنته شو تبا؟ ليش تلاحقني؟؟
ويه حمد صار احمر من القهر.. وما ندم على اسلوبه ويا ابوه لأنه ما يستاهل منه حتى نظرة..
كانت نظرات سعيد كلها حزن وبطل حلجه عشان يقول شي بس غير رايه وتم واقف عند باب الاسطبل وهو يطالع حمد..
" ما ابا اشوفك هني مرة ثانية.. " قال حمد .. "فاهم؟؟"
تمنى حمد لو كان يقدر يتصرف مع سعيد تصرف ثاني.. انه يضربه مثلا او يرفسه برى الاسطبل.. بس للأسف حمد طيب ومب من اطباعه انه يتصرف هالتصرف..

في نفس اللحظة كان سعيد مب رايم يتكلم او يسوي أي شي غير انه يتم واقف يطالع ولده.. كان مبهور فيه.. وحس بفخر انه الريال الوسيم اللي جدامه هذا ولده.. وحس انه يبا يسوي أي شي عشانه.. عشان يعترف انه سعيد ابوه.. سعيد ولأول مرة حس بالندم.. وبمعنى انه يكون ابو.. وتمنى يمحي ماضيه.. ويعيش مستقبله ولو لدقيقة ويا حمد..
بس حمد مستحيل يسامحه.. وسعيد يوم بطل حلجه عشان يرمس.. كان يبا يطلب من حمد انه يسامحه.. بس ما قدر.. الكلمات مب راضية تطلع من حلجه.. وتمنى لو انه حمد يفهم.. يفهم شكثر سعيد محتاج انه يسامحه..

بس حمد صد عنه وطنشه.. وابتدى ينظف الخيول.. فقرر سعيد انه يطلع وروح بيته..
ويوم التفت حمد وما لقى ابوه.. نزلت دموعه بحريه هالمرة.. وحس بتعاطف كبير ويا سعيد.. وتمنى لو انه ما عامله بهالاسلوب.. ما كان يتوقع انه ابوه تحول لهالريال الضعيف المريض.. تمنى حمد لو انه خذ بإيده ودخله البيت عشان ينظفه ويعطيه شي ياكله.. أبوه وصل لعنده.. وحمد طلعه من حياته بكل سهولة..
الفصل الثامن عشر
-----------------

الساعة استوت خمس الفير وسالم بعده ما رقد، قاوم الرقاد بكل قوته لأنه متأكد انه بيرد يحلم الكابوس اللي منغص عليه عيشته من اسبوعين.. طلع سالم من غرفته بهدوء عشان ما تنش حصة ويلس في الصالة..

لما خلص سالم الثانوية، كان محتاج للبيزات عشان يدفع ديونه لسعيد.. وعشان يقدر يخطب حصة، ودور شغل في كل مكان بس محد رضا يشغله.. وفي يوم كان قاعد في المقهى وسمع الشباب يرمسون عن يوسف.. ويوسف هذا واحد من أغنى رجال الأعمال في المنطقة..
حاول سالم انه يوصل ليوسف بأي طريقة وفعلا قدر يوصل له وقال له انه يبا يشتغل عنده..
"شو تبا تشتغل؟ شو مؤهلاتك؟" سأله يوسف يومها
"ما عندي غير شهادة الثانوية." رد عليه سالم " بس انا مستعد أسوي اللي تباه.. وتقريباً تروم تعتمد علي في أي شي.."
فكر يوسف وقرر انه يستغل سالم في شي كان خاطره يسويه من زمان..

اشتغل سالم دريول عند يوسف في البداية.. ومع مرور الأيام كانت علاقتهم ببعض تتوثق أكثر وأكثر.. واكتشف يوسف في هالفترة انه سالم ممكن فعلا يسوي أي شي عشان البيزات.. وكان يوسف مهتم وايد بالخيول وعنده أكثر من فرس يشركها في السباقات بس ولا وحدة فيهن فازت,, كان يهمه انه يفوز بس للأسف الحظ ما كان يحالفه..
ومرة كان يالس ويا سالم وقال له: "يا سالم انا ما شغلتك ويايه الا لأني اعرف انك ممكن تنفذ كل طلباتي.. وألحين يا اليوم اللي تثبت لي فيه جدارتك.."
"وانا تحت أمرك طال عمرك.." رد عليه سالم على طول..
يوسف: "طبعا انا ما بقصر وياك وبكافئك على تعبك.."
كان سالم متوتر وحاس انه أخيرا بيحصل الثروة اللي كان يحلم بها..
يوسف: "أباك تجتل " طماعة" فرس عايض المزروعي.."
انصدم سالم من طلب يوسف.. طماعة هاذي هي الفرس اللي فازت في السباقين الأخيرين.. ورفض عايض يبيعها رغم انه اللي بغى يشتريها عرض عليه فيها 9 ملايين.. حس سالم انه قلبه يدق بسرعة واحمر ويهه.. شو بيسوي الحين..؟ كيف يخبره انه ما يروم يلبي له هالطلب..
حس يوسف انه سالم تردد وقرر انه يساعده شوي في اتخاذ قراره..
يوسف: "بدفع لك 100 ألف اذا وافقت.."

أول ما سمع سالم المبلغ وافق على طول.. وهاذيج الليلة والناس رقود.. كان سالم في ليوا.. والساعة ثلاث فليل خلص جريمته واتصل بيوسف يبشره.. واستلم المبلغ منه في اليوم الثاني .. بس ما قدر يتهنى فيه لأنه كان حاس بذنب فظيع.. كان مب قادر ينسى شكل الفرس وهي تموت.. وخوفه وهو يركض قبل لا حد يشوفه.. "طماعة" هاذي هي اللي تلاحقه ف أحلامه كل ليلة.. مع انه تعود على هالشغلة وصار وجتل أكثر من فرس ورفع السعر ل 500 ألف .. بس طماعة بالذات هي اللي كان يحلم فيها.. ومب قادر لين الحين ينسى كيف قاومت الموت بكل طاقتها..

في الكابوس اللي تعود عليه.. كان يشوفها تركض في مكان كله دم.. تركض بسرعة.. وفجأة تشوفه.. وتغير اتجاهها وتركض وراه.. ويحاول هو يشرد عنها بس مع كل خطوة تقترب منه أكثر.. وفي النهاية توصل له.. وينش من الرقاد وهو بيموت من الخوف...

تأفف سالم وهو يالس في الصالة ووقف عند الدريشة يراقب الشمس وهي تطلع.. سالم حقق كل أحلامه وامتلك كل اللي كان خاطره فيه.. بس ليش لين الحين مب قادر يشيل من باله ذكرى سعيد وهو يقول له انه مجرد خدام في بيتهم.. متشرد.. وزبالة..؟ ليش ما ينسى ويعيش مرتاح؟؟ ليش دايم يدور حد ينتقم منه .؟؟ متى بيشبع وبيرتاح؟

سالم خايف.. خايف انه حصة تودره في أي لحظة شرات ما ودرت ريلها.. وخالد كل يوم يتصل بسالم على تيلفونه .. وسالم يبند في ويهه بس خالد يرد يتصل.. وحصة مأذتنه كل يوم ترمسه تبا تبطل لها محل عشان مجوهراتها.. بس سالم يعرف انه الحرمة اللي تروم تعتمد على نفسها وعندها بيزاتها الخاصة.. ممكن تودر الريال في أي لحظة.. وعشان جذه قرر انه يعزل حصة عن العلم الخارجي.. اللي تباه من برى بييب لها اياه بروحه.. والمحل مستحيل يبطل لها اياه.. وفوق هذا بعد بياخذ عنها الموبايل..
دش سالم الحجرة وشاف تيلفون حصة حذال شبريتها وخذاه.. ويوم طلع من الحجرة طلع البطاقة منه وكسرها.. والجهاز قرر انه يعطيه لكريم الهندي يوم بيشوفه باجر..
ويوم نشت حصة ودورت تيلفونها، خلى عمره ما يعرف أي شي.. وعقب ما تمت يومين اتدور عليه..


الساعة الآن 09:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية