201 - أغنية .. كي يرحل! - ليز فيلدنغ ( كاملة )
رواية أغنية كي يرحل للكاتبة ليز فيلدنغ
من روايات أحلام رقم (201) الملخص في اللحظة التي اجتاز فيها غانون عتبة كوخها، فقدت دورا ما منحها الله إياه من عقل.... ليس السبب في مساعدتها له خوفها منه، ولا وقوعها أسيرة سحره المدمر... بل فقط من أجل الفتاة الصغيرة المريضة التي يحملها بين ذراعيه! لكن هل تخدع نفسها؟ إن رجلاً يختطف طفلاً، ويسرق طائرة ويقتحم منزل صديق له ثم يحتجز زوجته، رجل لا يعرف حدوداً ولا شيء يردعه...لا شيء سوى ظنه بأنها زوجة صديقه ريتشارد أرجو ان تنال إعجابكم للامانه الروايه منقوله بس عجبتنى عشان كدا جبتهالكوا |
رد: أغنية كي يرحل
الفصل الأول 1- استراحة الهارب شيء ما انتزع ((دورا )) فجأة من نومها العميق.لقد اخترق مسامعها صوت غريب ,متخللا أصوات الليل المألوفة في الريف . كانت قد لجأت إلي الريف بحثا عن الراحة , لكنها بعد ضجيج لندن . وجدت الليلة الأولى التي أمضتها وحدها في كوخ ( ريتشارد ) و ( بوبي ) موحشة , رغم اعتياد أذنيها علي أصوات الريف المختلفة . وأدركت أن ما كانت تظنه في البداية سكونا تاما, ما هو في الواقع إلا مجموعة من الأصوات الخافتة. استلقت الآن في سكون تام, تستمع إلى مجموعة الأصوات الليلية المألوفة . خرير النهر الرقيق الذي لا يبعد عن بابها أكثر من مئة ياردة ,و انسياب مياه المطر من الميازيب ببطء ,والوقع الرتيب لقطرات المياه المتساقطة من الأشجار التي تتلقى انهمار المطر . . كان يخترق هذه الأصوات المائية صراخ بطة مذعورة من شيء ما.... أتراه ثعلب ؟ في المرة الأولى التي سمعت دورا فيها أصوات الليل الغامضة الغريبة, تجمد الدم في عروقها, لكنها الآن, بعد مرور أسبوع على وجودها في الكوخ و لم تعد تشعر بالجبن إلى هذا الحد. نزلت من سريرها وأسرعت إلى النافذة, على أتم استعداد لقذف المقتحم بسبابها وما تصل إليه يدها. لكن المنظر الذي تكشف أمام ناظريها , في تلك اللحظة , كان بروز القمر بين السحب , ليلقى الضوء علي حدبات البط النائم , و السكينة البالغة التي كانت تكسو ضفتي النهر .كان كل ذلك يدل علي عدم وجود أي مخلوق , و إن يكن ثعلبا . وضعت مرفقيها لبرهة علي عتبة النافذة ,مسندة ذقنها علي راحتيها . ثم مالت إلى الأمام تستنشق هواء الليل المفعم بشذا أزهار العسل الجبلية الممتزج بشذا الورود . أخذت تختزن هذه الروائح التي كانت تمثل لها وطنها انكلترا , بعد ما واجهته من رعب يثير الغثيان في مخيمات اللاجئين. و من بعيد , لمع البرق يتبعه هزيم الرعد المنخفض . ارتعشت (دورا ) وأغلقت النافذة وتناولت معطفها المنزلي الحريري , بعدما أدركت أنها لن تستطيع الخلود إلى النوم والرعد يقصف في الأجواء . قررت النزول إلى الطابق السفلي , حيث يمكنها أن تدير الموسيقى التي تغطي ذلك الضجيج . أما النوم فتستطيع العودة إليه في أي وقت تشاء .وهذه هي إحدى المزايا الكثيرة للوحدة , بما في ذلك رقم تليفون لا يعرفه سوى اقرب المقربين من الأسرة . . فتحت باب غرفة النوم وخرجت ... ستعد أولا كوب شاي وبعد ذلك .... وإذا بها تسمع ذلك الصوت مرة أخرى , فأدركت إن الذي أيقظها لم يكن صوت رعد . كان صوتا أشبه بالسعال...سعال خفيف لطفل صغير .... وكان قريبا كأنه آت من داخل الكوخ . لكن ما هذه السخافة ! . فالكوخ يحتوي علي جهاز امن شامل كان صهرها قد ركبه بعد أن قام باحتلاله متشرد لفترة ما .ولن يتكرر ذلك مره أخرى مع أي لص عادي , كما أنها واثقة من أنها لم تنس أي نافذة مفتوحة . لكن , لعلها مخطئة ! مالت من فوق درابزين السلم متنصتة , فلم تلتقط أذناها سوى الهدوء التام . أتراها تخيلت صوتا ما ؟ نزلت درجة .كان الكوخ يبعد عن اقرب طريق عام عدة أميال , وكان المطر يهطل بغزارة طوال المساء .ما من عاقل يخرج طفلا من بيته في هذا الوقت المتأخر , خاصة إذا كان الطفل مريضا . نظرت في ساعتها , لكن الظلام كان دامسا فتعذرت عليها الرؤية . لا بد أن الوقت قد تجاوز منتصف الليل بكثير . نزلت درجة أخرى. قد يكون الصوت صادرا من حيوان صغير فضاعفه سكون الليل العميق .ومع ذلك بقت مترددة في نزول السلم . و إذا بهزيم الرعد يجلجل فترتد به العاصفة من فوق التلال . نسيت كل شيء وهبطت السلم بسرعة بالغة ولجأت إلى غرفة الجلوس .لكم ما إن مدت يدها إلى زر الإضاءة , حتى أدركت أن الرعد كان أخر مشاكلها . ارتدت يدها إلى فمها المنفغر من الذهول . انساب ضوء القمر من النافذة ليسكب الضوء علي طفلة صغيرة بان التعب علي وجهها الهزيل . . كانت واقفة في وسط غرفة الجلوس . وخيل إلى ( دورا) للحظة مخيفة أنها رأت شبحا . ثم سعلت الطفلة مره أخرى لم تكن (دورا )علي معرفة بهذه الأمور , لكنها كانت واثقة من أن الأشباح لا تسعل . كانت الطفلة ترتجف تحت الدثار الرقيق الذي يلف جسدها , وكان شعرها الداكن الرطب مشعثا وقد التصق بوجهها الشاحب , كما كانت قدماها عاريتين تماما . بدت هذه الطفلة من التعاسة بحيث لم تر دورا مثلها خارج مخيمات اللاجئين . جمدت في مكانها للحظة لا تدري ما عليها فعله . لم يكن الخوف ما شعرت به تحديدا , لكن الشجاعة خانتها جراء ظهور هذه الطفلة الغريبة بهذا الشكل المفاجئ وسط غرفة الجلوس في بيت شقيقتها . وبدت عيناها كبيرتين للغاية وسط وجهها النحيل وهي تحدق إلى ( دورا) , فشعرت بشيء ما يحمل علي القلق في جمود هذه الطفلة الحذر . ثم استعادت فجأة حسها المنطقي السليم , وخطر لها أن ما من سبب يدعو للخوف .فهذه الطفلة بحاجة إلى دفء وراحة بغض النظر عن المكان الذي أتت منه . تقدمت منها و أخذتها بين ذراعيها , تضمها لتعيد إليها الدفء من حرارة جسمها . اتسعت عينا الطفلة بخوف وصمت , وظل جسدها متصلبا . لكن (دورا) أخذت تخفف عنها كما تفعل مع أي مخلوق صغير خائف . وتمتمت بصوت لا يكاد يعلو عن الهمس (( لا بأس , حبيبتي , لا تخافي! حدقت الطفلة مجفلة ويد (دورا) تمر علي جبينها لترفع خصلات شعرها الرطبة . كانت بشرتها حارة وجافة , ووجنتاها متقدتين بشكل مرضي بالرغم من شحوبها . يجب على هذه الطفلة أن تكون في فراشها ألان في ليلة عاصفة كهذه , بدل أن تهيم علي وجهها وتدخل بيوت الغرباء . كما أنها بحاجة إلى طبيب . تمتمت (دورا) : (ما اسمك , يا حلوه ؟). ... وتركت ما تبقى من أسئلة إلى الوقت المناسب .خاصة ذلك المتعلق بطريقة دخولها إلى الكوخ . . حدقت الطفلة بها لحظة , وبصوت يجمع بين التأوه و الأنين , تركت رأسها يسقط على كتف (دورا) . كان وزنها خفيفا , و يعود في معظمه إلى الدثار المبلل الذي ألقت به (دورا ) بعيدا , ودثرت الطفلة بمعطفها الحريري . من تراها تكون ؟ ومن أين ....؟ بقي السؤال معلقا في رأسها عندما سمعت صوت ارتطام مفاجئ آت من وراء باب الغرفة , ثم تعالى صوت رجل يطلق الشتائم . يبدو أن الطفلة لم تكن وحدها . وقررت ( دورا) فجأة , بعد أن تملكها غضب عنيف , أن تتحدث إلى هذا اللص الذي يخرج طفلة مريضة معه في مغامراته الليلية . و دون الاكتراث بالخطر المحتمل من هذا الضيف غير المرغوب فيه , فتحت الباب علي مصراعيه وأضاءت النور . _ أي شيء ....؟ كان الرجل الدخيل واقفا أمام خزانة وفي يده مصباح , فاستدار وهو يطرف بجفنيه من النور المفاجئ , رافعا يده الممسكة بالمصباح ليظلل عينيه . فرأى (دورا) وهتف قائلا : ( رباه , من أنت ؟) تجاهلت (دورا) أن الرجل يفوقها طولا بكثير وقد بدا قادرا على رفعها بالسهولة نفسها التي رفعت هي بها الطفلة بين ذراعيها . و تجاهلت كذلك مظهره الرث كأنه أمضى أسبوعا ينام في العراء وأجابته بحده : (من الذي يريد أن يعلم ؟) . تصلب الرجل أمام هذا الهجوم . _ أنا .... و فجأة انزل ذراعه التي كانت امام وجهه وراح يبتسم . . كانت شقيقة (دورا)تمثل في الإعلانات وعارضة أزياء مما جعل (دورا ) قادرة علي تمييز الابتسامة المهنية المتكلفة . رأت نوعا من الطيبة في هذا الرجل و هو يتقدم نحوها وقد بدا عليه الارتياح و الهدوء :آسف لم اقصد الصياح , لكنك أخفتني . - أنا أخفتك ؟ نظرت إليه دهشة من هدوء أعصابة ثم تمالكه نفسها وسألته : (كيف دخلت إلى هنا ؟) _اخترقت القفل بمثقاب . اعترف بذلك بصراحة و دون ارتباك و هو يتأملها بفضول . وأضاف : (ظننت الكوخ خاليا ). كيف يخترق القفل و يعترف بذلك باسما دون أبداء أي ذرة من الخجل أو الندم ؟ أن أي لص عادي كان سيلوذ بالفرار . وأحكمت ذراعيها حول الطفلة التي استقرت علي وركها ...و لكن اللص العادي لا يصحب معه أطفالا مرضي في مغامراته الليلية ! _حسنا المنزل غير خال,كما ترى , فانا اسكن هنا . قالت ذلك متجاهلة تواجدها المؤقت هنا في غياب أختها . . عندما عرضت عليها (بوبي ) استعمال الكوخ أثناء غيابها هي وريتشارد ,طلبت منها التصرف كما لو انه بيتها لكن الرفاهية تصحبها المسؤولية . و ها هي ذي ( دورا ) الآن ترى أن الوقت قد حان لكي تضطلع بالمسؤولية بشكل جاد .وهكذا , حملقت إلى هذا الدخيل , رافضة التأثر بما كان عليه هذا المتشرد الفارع القامة , ذو الابتسامة المتقنة , الذي يبحث بلا ريب عن مكان جاف يبيت ليلته فيه . كررت قولها ( أنا اسكن هنا , ولا اؤجر غرفا سواء كان ذلك باجرة أم لا , لهذا , من الأفضل لك أن ترحل ) تلاشت ابتسامته فجأة : ( سأذهب حين أصبح مستعدا لذلك و .....) فقاطعته : (قل ذلك للشرطة . فسيصلون إلى هنا في أي لحظة الآن .) وحين علا صوتها , تصاعد بكاء الطفلة بشكل واهن متألم جعل (دورا) تلتفت إليها و هي تحتضنها برفق وتملس على شعرها . _ماذا تفعل في الخارج مع هذه الطفلة المريضة , وفي هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟ كان يجب أن تكون في السرير . هدأت الطفلة تحت لمساتها . . -سأضعها فيه تحديدا بعد أن اسخن لها بعض الحليب .... قال ذلك بتوتر , مثبتا بذلك شكوكها . و أشار برأسه إلى علبة حليب كرتونية موضوعه علي المنضدة , وأضاف : ( لم أتوقع ان أجد أحدا هنا ) _سبق أن قلت هذا . تجاهلت (دورا ) صوته الذي بدا متناقضا مع بنطالة الجينز الممزق والملون بالوحل , وكنزته القذرة التي تعلوها سترة جلدية لا بد أنها كلفته مبلغا باهظا , لكنها الآن باتت بالية من خشونة الاستعمال . يظل المتشرد متشردا و إن تحدث بلكنة تلامذة المدارس الخاصة . _أظنك كنت عازما علي البقاء دون إذن مسبق . بدا الضيق علي ملامح الرجل و هز كتفيه : (لا , طبعا . إن (ريتشارد ) لا يمانع في مكوثي هنا لعدة أيام . -ريتشارد ! وارتفع حاجباها لدى تلفظه باسم صهرها بكل حرية . _اعني (ريتشارد ماريوت)صاحب هذا البيت . _أنا اعرف من هو ( ريتشارد ماريوت ). وأرجو المعذرة أن خالفتك الرأي بالنسبة إلى ردة فعله .فانا اعلم رأيه السيئ في مقتحمي البيوت عنوة . بدا المرح علي وجه الرجل الدخيل عند سماعها وأجابها : (إلا إذا كان هو الفاعل ...فهو الذي علمني كيف ادخل إلى هنا ). قال ذلك محدقا في عينيها في تحد فقالت باحتجاج : ( يستعمل ريتشارد مهاراته لاختيار أجهزة الإنذار وليس لاقتحام البيوت ). . _هذا صحيح . اخذ (غانون) يتأمل المرأة الشابة التي كانت تتحداه بإصرار . فهي إما مجنونة , وأما أكثر خشونة مما تبدو عليه بكثير . كانت ترتدي قميص نوم من الساتان , ملتصقا علي جسدها بشكل مثير . أما المعطف الذي كان بإمكانها ستر نفسها به , فقد أحكمت لفه حول (صوفي)ليدفئها . حسنا , أن اشد النساء قساوة لهن نقاط ضعف . وهو أمر وجد نفسه هذه المرة فقط مرغما علي استغلاله لمصلحته . تقدم خطوة إلى الأمام. لكنها لم تتراجع , بل بقيت في مكانها و أخذت تحدق إليه . فقال : سأخذ (صوفي ) . و إذا بالاهتمام يتوهج في عينيها بدلا من العداء . اخذ يقاوم شعوره بالذنب لما كان يوشك علي القيام به , لكن ابنته كانت في حاله لا تطاق و سيبذل كل ما في وسعه في سبيل سلامتها . _تأخذها ؟ _لقد طلبت منا الذهاب . ومد يديه إلى الطفلة , لكن (صوفي) شعرت بالانزعاج و أخذت تتذمر من النعاس بينما اخذت المرأة بها إلى الخلف و هي تضمها إلى صدرها , تؤنبه بحيرة ( لا . لا يمكنك إخراجها . إن حرارتها مرتفعه .) _حقا؟ ووضع يده علي جبين الطفلة ثم هز كتفيه مذعنا ( قد تكونين علي حق . فقد مرت بأيام صعبه .) ثم وضع يديه برفق تحت إبطي الطفلة كأنه يريد حملها , و قال ( لكن لا تقلقي , سنتدبر أمرنا بطريقة ما) شعرت ( دورا) بقلبها ينفطر , وتبدى علي وجهها الصراع الداخلي الخاطف الذي أظلمت منه عيناها . كانت تريده أن يذهب , لكن ضميرها منعها من إخراج صوفي في مثل هذه الليلة الهوجاء . ثم قالت بعد أن انتصر ضميرها ( يمكنك أنت الذهاب , لكن ليس هي . أظنك كنت تريد تسخين بعض الحليب لها ؟) . نظر إلى علبة الحليب الكرتونية علي الخزانة إلى جانب زهرية تحتوي علي أزهار ذابلة حسنة التنسيق , علقت بقربها سترتان رثتنان علي مشجب خشبي . كان المكان , في المرة الأخيرة التي زار فيها هذا الكوخ , عبارة عن غرفة صغيرة . لكنه الآن أصبح منزلا أنيقا من الحجر المتوج بالقرميد . ارجع نظره إلى المرأة الشابة متوقعا , أن تطلب منه البقاء في أي لحظة , لأجل الطفلة . لقد آن الأوان لتذكيرها بأنه صديق ريتشارد . علق مصباحه اليدوي علي خطاف خلف الباب حيث وجده . كان هذا , علي الأقل , ما لم يتغير منذ رحلة الصيد تلك ... ثم التقط علبة الحليب ... _نعم , هذا صحيح . و أشار إلى الخزانة المفتوحة التي تحتوي علي الأحذية بدلا من المقلاة وغيرها من الأواني المماثلة التي كان يبحث عنها . _كنت في الواقع ابحث عن قدر صغير لتسخين الحليب حين أقلقت راحتك . ماذا حدث للمطبخ ؟ ومتى ركب ريتشارد مولد الكهرباء ؟ أجابته (دورا) باختصار ( ليس هذا من شانك ). بات واضحا لها الآن سبب تفحص الرجل للخزانة في الظلام , إذ لم يخطر له أن يبحث عن زر مصباح كهربائي . لربما رأى الكوخ من قبل , لكن ليس في ألاثني عشرا شهرا الماضيه لكن ذلك لا يعني أن ادعاءه معرفة ريتشارد أثار اهتمامها . إن أي شخص قريب من هذا المكان يعلم أن هذا الكوخ ملك لريتشارد ماريوت . ثم ما أهمية ذلك ؟ انه ما يزال مقتحما له . قالت : ( لم اعرف اسمك ). _جون غانون. . مد يده ليصافحها حسب العادة , كأنهما في حفلة كوكتيل وليس في مواجهة غريبة بعد منتصف الليل , كان ينبغي خلالها أن يكون منكمش بسهولة , بل العكس . فقد راحت عيناه تطوفان بإعجاب علي شعرها المشعث فوق المعطف الحريري المنسدل , و أظافر أصابع قدميها المطلية باللون الوردي . ثم نظر إلى وجهها , وقطب جبينه قائلا : ( هل تقابلنا من قبل ؟) . لقد قابلت العديد من الناس حين عادت من البلقان . فكان الغرباء في الشارع يتحدثون إليها و الصحافيون يسعون وراءها ليكتبوا عن (تلك ) التي تركت عملها الاجتماعي لكي تقود شاحنات الإغاثة عبر أوروبا . إن اكتشف هويتها سيعرف أن الحظ حالفة لثقته برهافة إحساسها وطيبة قلبها . إن الحاجة إلى الهرب من هذا كله هي التي دفعت (دورا) للجوء إلى الكوخ فما الفائدة الآن من إثارة الموضوع ؟ من الأفضل إلا يتذكر أين رآها من قبل . لذلك تجاهلت يده الممدودة إليها . لم تكن تريد التزام التهذيب مع مجرم اقتحم بيت شقيقتها , رغم رقة صوته وعينية البنيتين وذقنه المشقوق بشكل جذاب , و إن كانت لم تحلق منذ أيام . كانت العينان البنيتان تطوفان بكل حرية علي تفاصيل جسدها . وبما أنها كانت تحمل الطفلة بين ذراعيها , لم تستطع التحرك بحرية لارتداء معطفها . لكنها عندما لاحظت عينيه المحدقتين في أظافر قدميها الوردية , أرجعت قدميها إلى الوراء وحجبتهما عن النظر وقالت : ( ليس الوقت مناسبا للتعارف ) . أجابها بمرح باد على وجهه ( هذا صحيح . سأحاول بشكل أفضل ). _لا تزعج نفسك . . فقال و هو ينظر إليها بتأمل (ليس من عادتي اقتحام البيوت عنوة . لكن من أنت ؟) . حاولت (دورا) جاهدة كبت رغبة تملكتها في الاستفسار عن عاداته , وسألته : هل يهمك من أنا ؟ هز كتفه : ( لا أظن ذلك . لكن اسمحي لي بان أقول انك تعتبرين تقدما كبيرا بالنسبة إلى ما كانت علية إليزابيث . فهي ما كانت لتضيع وقتا على عمل تافه مثل طلاء أظافر القدمين .) يا له من رجل قليل التهذيب . لم يكفه اقتحام البيت عنوه , بل اخذ يغازلها . ومع ذلك , بدأت تتقبل تدخله بحياة صهرها الخاصة . سألته مستفهمة ( إليزابيث ؟) . -إليزابيث ماريوت , زوجة ريتشارد . تلك المرأة التي تنقصها المخيلة . ذلك النقص الناتج عن جشعها , والدليل علي ذلك تخليها عنه لأجل صيرفي . _صيرفي؟ _اعني صاحب بنك , وليس الصراف الذي يجلس خلف المنضدة . لم أظن قط انه سيبيع بيته . -ما الذي جعلك تظن انه باعه ؟ نظر حوله : هذا النوع من الأغراض لا يلائم ذوقه . ابتسمت (دورا) بدورها : ربما أنت لا تعرفه جيدا كما تظن . ألقى عليها نظره أخرى متأمله , ثم هز كتفيه : هل اسخن الحليب ؟ أم تسخنينه أنت ؟ أرى الأشياء كلها قد نقلت من مكانها . لم يرد بذلك أن يريحها من حملها. بل وجد أكثر عرضه للإقناع وهي تحمل ( صوفي) بين ذراعيها . -المطبخ من هناك. . نظر غانون حوله. كانت الألوان دافئة بلون الأرض . فقال وهو يمد يده إلى قدر نحاسية ويضعها بجانب الموقد : ( لقد توسعتم إلى داخل المخزن . هل بات كل شيء الآن بهذا الشكل ؟ ) _بأي شكل ؟ _بشكل الذي يحاكي ما نجده في مجلة (طراز العصر) . _ أنا لا اقرأ أي مجلات من هذا الطراز . لهذا لا يمكنني الحكم . لم يكن بالطبع في نية (دورا ) الخوض في حديث عن الديكور الداخلي مع لص وضيع . لكنها راجعت نفسها ... فالرجل من الارتياح و الرضا بحيث لا يمكن وصفه باللص الوضيع . أخذت تحملق إليه , لكنه لم يتأثر بذلك علي الإطلاق . بل هي التي كانت تبذل جهدا كبيرا لمواصلة التحدي . حولت نظرتها إلى الطفلة , وسألته : (هل قلت إن اسمها صوفي ؟ و هل هي ابنتك ؟). _نعم استدار ليسكب بعض الحليب في القدر . قالت بإلحاح : ( وهل تعلم أن حرارتها مرتفعه ؟) _سبق أن ذكرت هذا . _يجب أن يراها الطبيب. _لدي بعض حبات من المضاد الحيوي لأجلها . كل ما تحتاجه ألان هو غذاء جيد وراحة تامة . _هل هذه هي طريقتك في توفير هذا لها ؟ يجب أن تكون هذه الطفلة ألان في البيت مع أمها , وليس مع جوال يطوف بها الأنحاء في منتصف الليل .... . قاطعها قبل أن تقول رأيها في نوع الجوالين الذي ينتمي إليه هو , وألقى عليها نظرة جانبية تظهر جهلها بما تتحدث عنه : ( أهذا ما تظنينه ؟ ) . من المحتمل أنها تجهل ذلك . لكن ما تعرفه جيدا أن علي (صوفي ) أن تكون ألان في بيتها . وعادت تنظر إلى الطفلة المرهقة التي توشك أن تستسلم للنعاس . كان من السهل أن تصعد بها ( دورا ) إلى غرفة نومها و تضعها في سريرها الدافئ . سألته ,وهي تقاوم بصعوبة الرغبة في القيام بذلك : ( كيف تعرفت إلى (ريتشارد ) ؟) . _ كنا في مدرسة واحدة . -حقا ؟ -حقا. لم تكن (دورا ) تعلم تماما ما عليها توقعه . ربما تعارفا عن طريق عمل (ريتشارد) في مجال الأمن . أما أن يكونا في المرتبة نفسها , فهذا أمر يستدعي إعادة النظر فيه , لكن في المدرسة ! (ألما ميتر ) نفسها حيث يتعلم أولياء العهود . سألته مشوشة الذهن : ( من المؤكد انه يكبرك سنا ؟). _بثماني سنوات أو ما شابة . كان هو صبيا من التلامذة القدماء بينما كنت أنا من تلامذة السنة الثانية الذين راحوا يرمونني بالكلمات الجارحة حين اكتشفوا أن أمي لم تكن متزوجة . لا أظن أن ذلك يحدث كثيرا هذه الأيام . قالت وقد صعب عليها تصور هذا الرجل صغيرا عاجزا : ( لا . هل آواك ريتشارد تحت جناحه ؟) _إن من طبعه حماية الضعفاء . نظر إليها متسائلا (اعتقد أن ريتشارد يكبرك كثيرا . ما الذي يفعله لأجلك ؟ ) . _أنا ؟ أضاف و هو ينظر إلى الإصلاحات المكلفة : ( لا أظنه يتحمل كل هذه المشقة ليؤجر البيت فحسب , فهل آواك أنت أيضا تحت جناحه الرقيق أم .....) . كادت توضح له بسخط انه متزوج من أختها التي تكبرها بسبعة أعوام و حين قاطعها طرق حاد ومتكرر علي الباب الخلفي . . |
رد: أغنية كي يرحل
الفصل الثاني 2- جرس الإنذار تصلب جسم غانون , واخذ يحدق باتجاه الباب الخلفي قبل أن يحدجها بنظره عنيفة متسائلة . -لا بد أنها الشرطة . لم تصدق ما أحست به من شعور بعدم الارتياح لفكرة تسليم غانون للشرطة . _الشرطة ؟ _سبق أن أنذرتك بذلك . كان هذا صحيحا , لكنه كما يبدو لم يأخذ ذلك علي محمل الجد . لكنها عادت لتقوم مسار أفكارها ,لقد اقتحم البيت ويستحق السجن . _لم يكن هناك جرس إنذار . -ليس هناك بالطبع صوت جرس . فريتشارد لا يؤمن بمنح اللص فرصة الهرب ليتمكن من اقتحام بيوت أخرى .بل يفضل القبض عليه بالجرم المشهود .كنت أظنك تعلم ذلك ...ما دمت صديقة . جرس إنذار ! تملك غانون الغضب من نفسه . لم يخطر قط بباله أن لهذا المكان جرس إنذار , حتى انه لم يزعج نفسه بالتأكيد من ذلك , بالرغم من القفل الجديد الغريب الشكل . لكن , من ذا الذي يضع جرسا في قفل على باب كوخ صيد مهجور ؟ . لكنه لم يعد كوخ صيد مهجورا . بل استحال بيتا دافئا محترما تقطنه فتاة ذات وجه ملائكي , و هدوء أعصاب سمحا لها بمشاغلته بالحديث إلى أن تصل الشرطة , في حين ظن هو انه يتحايل عليها .... و قبل أن تتحرك , تقدم منها ليأخذ (صوفي ) . كان يشكو من الم في ضلوعه , لكن الوقت لم يكن ملائما الآن للاكتراث بذلك . قال متجهما : _اعذريني إن لم ابق لمتابعة الحديث , أظن أن الباب الخلفي ما يزال في موضعه ؟. تملك (دورا )القلق فقالت : _لا يمكنك أن تخرج (بصوفي) في هذا الجو . و أتى وميض البرق ليثبت كلاهما , بينما راح المطر يصفع النافذة من جديد . فتحول قلقها إلى تصميم : _أنا أمنعك من ذلك . لو كان الوضع مختلفا , لسخر منها , لكنه قال : -حقا ؟ وكيف ستمنعينني ؟ _هكذا. ووقفت حائلة بينه وبين الباب . أعجب غانون بشجاعتها , لكن الوقت الآن لم يكن للألاعيب . فلف ذراعه الأخرى حول خصرها ورفعها ليبعدها عن طريقه .شعر بألم حاد بين ضلوعه . ترنح قليلا وهو يضعها على الأرض . -آه ,رباه ,إنك مصاب ! ورأته يميل متكئا إلى الجدار ينتظر سكون الألم ,فقالت : -اسمع ,لا تقلق, سأتخلص منهم . سألها بخشونة : -حقا ؟ و لماذا تفعلين ذلك ؟ -الله اعلم .لكنني سأفعل . ابق هنا هادئا . حدق بها وهي ترفع كتفيها , مهتزة عند الوركين , لتثبت قميص نومها جيدا .فكان لحركتها اثر مؤلم على ضلعيه المصدوعين .أنها على حق .لن يتمكن من الذهاب إلى أي مكان بسرعة كافية تؤمن له النجاة . -مهما قلت لهم , سيدتي , لا تحاولي أن تبدي ماهرة أكثر مما ينبغي . -ماهرة ؟أنا؟ افتر ثغرها فجأة عن ابتسامة عريضة وقالت: -لا بد انك تمزح .لست سوى شقراء غبية ,عادية تماما . . شقراء ,هذا مؤكد , لكن عادية ؟ من الصعب أن ينطبق عليها هذا الوصف .غبية ؟ إطلاقا ! وعندما استدارت ,تعالي الطرق مرة أخرى . قال بنبرة آمرة هادئة و هو يقف عند باب المطبخ لا يعرف إن كان عليه أن يثق بها : -حاذري مما تقولين. التفتت إلى الخلف . كان (غانون) و (صوفي) واقفين في باب المطبخ وقد وضع يده في جيبه يتحسس بأصابعه سلاحا خفيا . هذا غير صحيح . انه يخيفها فقط .... ربما عليها أن تخاف أكثر بكثير مما كانت تشعر به فعلا . |
رد: أغنية كي يرحل
ابتلعت ريقها بتوتر , واستدارت تفتح الباب بقدر ما يسمح به السلسلة . كان الشرطي الشاب الواقف أمامها شابا فتيا . خطر لها أن فكرة تقييد هذا الشاب لرجل مثل غانون وجره إلى المخفر سخيفة للغاية ومستحيلة . هذا إن كانت مقتنعة بالفكرة تلك . فلا بد أن هذا الرجل البائس سيذهب حالما يرتاح . كما كانت واثقة تماما انه سيوافق على ترك (صوفي) هنا إذا رأى أنها في أيد أمينة . سألها الشرطي الشاب :
-هل أنتي بخير, سيدة ماريوت ؟ يبدو انه ظنها (بوبي) شقيقتها . فكرة في تصحيح خطئه , لكنها امتنعت من ذلك .فهي تريده أن يرحل في أسرع وقت ممكن , وسيبطئ ذلك من سير الأمور . _بأتم خير , لماذا ؟ ما الأمر ؟ _لا اعرف . لكن الشركة التي تتولى امن المنزل أبلغتنا أن جرس الإنذار لديك يقرع .آسف إن تأخرت في القدوم , لكننا خرجنا لتفقد الأنحاء بسبب العاصفة . جاهدت للحفاظ على ابتسامتها لكي لا تظهر على وجهها سوى دهشة خفيفة . وتابع : -لقد ألقيت نظرة حول المكان . وبدا لي كل شيء أمنا. ثم رفع الشرطي بصرة : _كما أن مصابيح جهازك الأمني لا يعمل . _لا , فقد أطفأتها . انبت نفسها لحماقتها . فلو أنها تركتها مضاءة لردعت زائرها غير المرغوب فيه . لكن, أين عساها تكون (صوفي) الآن لو أنها فعلت ذلك ؟ . قابعة تحت إحدى الأشجار وقد بللها المطر تماما, لتصبح هدفا ممتازا ؟ لالتهاب رئوي ...مدت يدها و أدارت مفتاح النور. و سرعان ما غمر الضوء كل المنطقة حول البيت إلى مسافة مئة قدم , فظهرت سيارة البوليس المتوقفة على بعد ياردات قليلة . _بإمكان هذا الضوء أن يكشف أي شيء اكبر من فار بقليل . و هذا الأمر يرهق أعصابي المتعبة . ضحكت من حماقتها وحرصت على تجنيب صوتها أي نبرة تأكيد أو تشديد على أن لا تتفوه بكلمة أو تقوم بشيء يثير أعصاب الرجل القابع خلفها , ويحمله على الهرب (بصوفي) في ظلمة هذا الليل . لم تكن أعصابها تبدو بمثل هذه التلف, و مع ذلك لم تكن راغبة بترك شيء للظروف . -هل تريدينني أن ادخل معك و أفتش المكان , للتأكد فقط ؟ تقدم خطوة إلى الأمام , لكنها لم ترفع السلسلة عن الباب : _لا داعي لذلك في الواقع . _ليس في الأمر إزعاج لي .... و إذا بصوت زميلة يناديه من السيارة : _(بيت ) إن كنت قد انتهيت , تعال حالا . تلقينا استدعاء آخر. _سأوافيك حالا . وعاد (بيت) إليها : (كما سبق أن قلت لك , لا بد أن البرق هو الذي أطلق جرس الإنذار , سيدة ماريوت ....لدينا حالة أخرى . _يا لها من مشقة لكم . آسفة جدا لان رحلتكم ذهبت سدى . _ما من مشكلة . لكن حاولي أن تتفقدي جهاز الإنذار في الصباح . كذلك دعي المصابيح مضاءة . إن ذلك يجعل اللصوص يفكرون مرتين قبل القيام بشيء . لقد فات الأوان لذلك . -سأفعل . شكرا لقدومك. _انه واجبنا .تصبحين على خير سيدتي . . لم تكن تصدق أنها تتركه يذهب . ما هذا الذي تفكر فيه ؟ عليها أن تناديه ليعود ... _أغلقي الباب سيدة ماريوت .الآن . كان صوت (غانون ) يكاد لا يسمع في الناحية الأخرى من الباب . لقد فات الأوان . أغلقت الباب , ثم استدارت تستند إليه وقد وهنت ساقاها . يا لغبائها ! _لا اصدق أني فعلت ذلك . _لا تقلقي ّ! فقد مثلت دور الشقراء الغبية بشكل يجعل الغلام المسكين يقتل نفسه و هو مندفع لتفقدك حالما يسمح له البرق وجرس الإنذار بذلك . علي فقط أن اعتمد على كونك زوجة محترمة , تعيده سريعا إلى عمله . زوجة ؟ بقيت (دورا) لحظة لا تدرك ما الذي يتحدث عنه (غانون) . ثم خطر لها سريعا انه تبنى خطا الشرطي الشاب . حملقت إليه قائلة : _أليس على أي زوجة محترمة أن تفعل ذلك في مثل هذه الظروف ؟ من تراها تخدع ؟ في مثل هذه الظروف , يتوجب على أي زوجة محترمة أن تصرخ حتى يتصدع بنيان البيت ... لا أن تقدم للص الراحة و الطمأنينة المنزلية . -سنرى . إن كنت حقا صديقا طيبا لريتشارد , فما سبب يجعلني أخاف. أخذت تحدق إلى يده التي لا تزال في جيبه و أضافت : _أليس كذلك ؟ سحب يده بحذر من جيبه ,مخرجا البطانة معها ليريها انه كان خاليا تماما , وقال : _لا , سيدة ماريوت لا شيء على الإطلاق .فضلا عن أنني أتوقع أن يخنقني ريتشارد بيديه إن آذيتك . الحقيقة هي ؟ أن ضلوع (غانون) , تذيقه العذاب , وقد ناءت كتفاه بثقل (صوفي) فلم يعد يقوى على طرد ذبابه . كما انه لم يشأ أن يخيفها , فكل ما كان يريده هو عونها . لم تكن (دورا ) تتوقع أن يكن (ريتشارد ) مثل هذه العواصف المشبوبة لأختها , لكنها كانت تعرف تماما ما قد يفعله بأي شخص يفكر في إيذائها . . و بما أن هذا المقتحم قد تبنى خطا الشرطي , فهو ألان يعتقد أنها زوجة ريتشارد . حسنا . إن كان اعتقاده هذا سيبقيها آمنه منه . فهي لن تكشف له خطاه . _أتظن أن هذا متوقع ؟ تقابلت عيناه بعينيها لحظة , متقبلا تحديها , و إذا بملامحه تسودها الرقة التي تمثلت بابتسامة غريبة بجاذبيتها , ما جعلها تحبس أنفاسها . _لا ليس متوقعا , سيدة ماريوت , بل أكيدا . ابتلعت ريقها : _يسرني انك تدرك ذلك, و ألان, إن كنت ستبقى, أليس من الأفضل أن تعطي صوفي الحليب ؟ نظر إلى الطفلة, لكنها تغط في النوم على كتفه, فهفا قلب دورا إليها. _يا للمسكينة ! اسمع, لماذا لا تصعد بها إلى غرفتي و تضعها في سريري؟ سأحضر لك الحليب, فمن المحتمل أن تستيقظ. اتسعت ابتسامته قليلا : -مع إعجابي بمبادرتك هذه و شكري للطفك, إلا أني أفضل ترك أعطاء الأوامر لي أنا, و لك تنفيذها. فهذه الطريقة تزيد من شعوري بالأمان . ابعد صوفي برفق عن كتفه, ثم وضعها بين ذراعي دورا برقة فائقة و هو يرفع عن وجهها خصلة من شعرها. لم تتحرك, عند ذلك رفع بصره و نظر إلى وجه دورا المتأمل. _ربما أرسلت الشرطة بعيدا لقضاء أعمالهم, لكني واثق من انك مصممة بلا ريب على استدعاء قوي من نوع آخر عبر التلفون. . لم تكن قد فكرت لحظة في التلفون ... ولا يعني ذلك أن الفرصة سنحت لها لاستعماله . حسنا ربما يبالغ في تقدير طاقاتها الفكرية, لكن الوقت لم يفت بعد للقيام بذلك. فشقيقة ريتشارد تعيش مع زوجها بالقرب من الكوخ . وهم يعرفون تماما ما يتوجب عليهم فعله في ظرف كهذا. ابتسمت له تقديرا لمهارته و قالت: _قد تكون على حق . أظنك تريد فصل التلفون ؟ فكر في الأمر فهو سيحتاج إلى التليفون إن أراد أن يسوي أوراق صوفي , لتصبح قانونية أمام السلطات , لكنه لن يتمكن من القيام بذلك الليلة . ثم انه لا يعرف طبيعة هذه المرأة لكي يجازف بترك التليفون موصولا . فقال : _أظنني سأفعل . فقالت و هو يكسب الحليب في الفنجان: _إنه في غرفة الجلوس, و أرجوك أن لا تتلف الجدار عند انتزاعه, فقد تم وضعه حديثا. _احضري لي مفكا للبراغي و سأعيد وصله قبل ذهابي . هل يوجد أي ملحق له في الطابق الأعلى ؟ _لا , و إن كنت واثقة من انك تفضل التحقق من ذلك بنفسك . -آه , نعم , سأتحقق . افتر ثغرة فجأة عن ابتسامة عريضة أظهرت الخطوط العميقة في وجنتيه. وتألقت عيناه البنيتان بومضات ذهبية . وارتفعت زاوية فمه , كأن السخرية طبيعة ثانية فيه . _كما أني أتفهم عدم رغبة ريتشارد في وضع جهاز تليفون في غرفة النوم .لو كنت زوجتي لما فعلت ذلك ,حتى على بعد عشرين ميلا حول بيتي . |
رد: أغنية كي يرحل
كان من عادة دورا أن توقف أي مغازل عند حده بكل سهولة. لكنها شعرت بالعجز أمامه و بالتخبط لتشكيل جواب مناسب. إذا لم تشعر بالقوة مع رجل مثل غانون قد يفعل أي شيء لكي يحقق ما يريد . _من حسن الحظ أنني لست زوجتك . جاهدت للحفاظ على قدر من البرودة, لكنها عجزت عن إخفاء نبرة الانفعال وعدم الاقتناع التي غلبت على صوتها. حاولت مرة أخرى : _فكر كم يكون الأمر مزعجا دون تليفون . -أن تكوني معي , دون مقاطعة , سيدة ماريوت و هو أمر يستحق كل ذلك الإزعاج . كم هو حاذق في إعطاء الدروس في هذا الموضوع ! لقد مضى وقت طويل منذ استطاع رجل أن يجعلها تحمر خجلا.لكن الاحمرار الذي كسا وجنتيها كان واضحا. باتت واثقة ألان من أن لا نية لدية لإيذائها. لكنه لا يزال رجلا خطيرا. في كل مرة كان يدعوها بلقب السيدة ماريوت , وتتقبل هي سوء الفهم هذا , كان يعني أنها تكذب عليه , إلى أن قالت له : _لا تدعني بهذا الاسم , من فضلك . . رفع عينيه مدهوشا : _لم لا ؟ أليس هو اسمك ؟ لم تؤكد له ذلك ولم تنكره أيضا , لكنها أجابت : _ألا تظن أن لا داعي لهذه الرسميات ألان ؟ اسمي هو باندورا وأكثر الناس يدعونني دورا _أنا لست (أكثر الناس ). -هذا صحيح .(أكثر ) لا يقتحمون البيوت في الليالي و يخيفون النساء البريئات. -من منا أخاف الثاني أكثر, هو سؤال قابل للجدل . لكن بالنسبة إلى الظروف , يمكننا أن نتفق ربما على مناداتك باسمك الكامل باندورا ليس من المناسب رفع الكلفة بيننا تماما . _بالنسبة إلى أي ظروف ؟ -الظروف المتمثلة بزواجك من صديقي الحميم ريتشارد ماريوت . رغم أنك, لسبب ما, لا تضعين خاتم زواج. يا له من رجل خطر حقا ! _لا أظن الخاتم ضروريا , بعكس ما يعتقده الناس . علمت انه لن يقتنع بكلامها, لكنها لم تترك له فرصة للتعبير عن ذلك . _لا اذكر أني رايتك في حفلة الزفاف . السبب انه لم يكن هناك ورغم أنها وشقيقتها كانتا بالغتي التشابه , إلا أن بوبي كانت تفيض بهاء واتزانا . وما كان ليفوته الفرق بينهما. فتابعت مستدركه : _آه , طبعا , أنت لم تكن حاضرا , فأنت لم تعلم بزواج ريتشارد . _هل كان احتفالا كبيرا ؟ -نعم . كان احتفالا ضخما . فقد كانت منزلة ريتشارد الاجتماعية و بصفته من الطبقة الارستقراطية , تثير اهتمام الصحافة . أما بوبي ...فكل ما تقوم به يشكل خبرا للصحافة . ولكن و بالرغم من حشود الناس , أدركت انه لم يكن بينهم . فما كانت لتنسى شخصا بمثل خطورة غانون . والتفتت إليه : _لماذا لم يدعك إلى حفل زفافه ؟ -كنت خارج البلاد لفترة طويلة . وأثناء ذلك الحدث السعيد تحديدا , كان الاتصال بي غير ممكن . -في عيد الميلاد . -في عيد الميلاد ؟ لا بد أن ريتشارد كان سعيدا طوال السنة لأنه وجدك تحت شجرته . لابد لي , في الواقع , من أن حاول مضاعفة جهودي . _لم يكن على ريتشارد أن يحاول , يا سيد غانون . لقد حدث الأمر بشكل طبيعي . يا للسانها ... انه سيلقى بها في المتاعب إن هي لم تلتزم جانب الحذر. لكن , لم يبد على غانون أن مشاعره قد جرحت . . _يمكنك الاستغناء عن لقب (سيد) يا باندورا , ما دمنا اتفقنا على التخاطب بالاسم الأول . حملقت دورا إليه . سحقا لها إن كانت ستناديه باسمه الأول جون . _شكرا غانون . ساد صمت قصير جدا قال بعده : العفو . _و أنا أفضل حقا أن تناديني باسم دورا . -سأتذكر ذلك . _هل قلت أنك كنت خارج البلاد ؟ _نعم . و لم يسهب في التفاصيل . _فهمت . عندما وضعت صوفي في سريرها وغطتها جيدا ,خطر ل دورا فجأة أنها قد تكون فهمت حقا, كانت الفتاة الصغيرة سوداء الشعر , وهكذا كان غانون أيضا . لكن بشرة صوفي كانت بسمرة سكان شواطئ البحر الأبيض المتوسط . فالتفتت إليه : _هل اختطفتها من أمها ؟ أنها ثمرة حب غير شرعي , أليس كذلك ؟ توقعت أن ينفجر غضبا في وجهها, لكنه لم يفعل. بل بدا عليه الاهتمام بمنطقها هذا . وسألها: _ما الذي جعلك تظنين ذلك ؟ _حسنا ,من الواضح انك لست من مقتحمي البيوت ,يا غانون .كنت فقط تبحث عن مكان تختفي فيه عن الأنظار ,فتذكرت هذا الكوخ, مفترضا انه خال من السكان . _إنها غلطتي . لكن ريتشارد كان سيساعدني لو كان هنا . متى سيعود ؟ _إن كنت تظنه سيساعدك في اختطاف طفلة من أمها, فأنت لا تعرفه جيدا. _ريتشارد سيساعدني عندما يعلم الحقيقة . _أنا هنا ,فاخبرني بالحقيقة, يا غانون. _أين هو ؟ _ ريتشارد ؟ . وترددت .كانت مصممة أن تخبره بأن صهرها سيعود في أي لحظة, و أن من الأفضل له أن يخرج قبل حضوره.ولكن ,بدا لها ألان أن غانون سيرحب بمجيئه . ولن يرحل إن هي أخبرته بأن ريتشارد سيعود. يجب أن تخبره بالحقيقة إذن.لكن ليس كل الحقيقة.....و هي أن أختها بوبي قد ذهبت إلى الولايات المتحدة حيث وقعت لتوها عقدا مع شركة كبرى لإنتاج أدوات التجميل, وأن ريتشارد غير مستعد لترك عروسه تغيب عن نظره . _آسفة, يا غانون , لكن ريتشارد ذهب في رحلة عمل إلى الولايات المتحدة , ولن يعود قبل أسبوع . وأنت حتما ستفهم الأمر إن لم اطلب منك البقاء بانتظاره. توترت ملامحه :افهم تماما ,دورا . لكن إن كنت لا تريدينني أن أجول متشردا في الأنحاء ,فعليك أن تنوبي عنه , إنني بحاجة إلى نقود ووسيلة نقل . _وسيلة نقل ؟ قطبت حاجبيها,حين خطر لها أن الشرطي لم يذكر شيئا عن عربة مشبوهة تقف في الجوار . _وكيف جئت إلى هنا , من دون سيارة ؟ _سيرا على الأقدام . _على الأقدام ؟ من أين ؟ إن اقرب طريق رئيسي يبعد عن الكوخ عدة أميال . لكنه لم يجب. _حسنا , أظن انك تستطيع استعمال سيارتي . كان سيأخذها على أي حال , لذا من الأفضل إن تعرضها عليه بنفسها نظرا للضرورة . _شكرا لك . أخذت دورا تحدق إلى الطفلة النائمة التي لم تتحرك منذ أن وضعتها في الفراش. _و استطيع أن أزودك ببعض النقود. رمقته بنظرة جانبية : أو الكثير منه إذا سمحت لي بالذهاب إلى البنك . هز رأسه نفيا, فأضافت :لا . لا أظنك ستسمح لي بذلك .بإمكاني أن أعطيك بطاقة اعتمادي. _ وأظنك ستعطيني الرقم الصحيح ؟ _سأفعل . فانا لا أريدك أن تعود. . و أضافت في قرارة نفسها بأنها لا تريده أن يعود غاضبا .كان هناك سبب آخر يجعلها تقنعه بأنها تخبره بالحقيقة . _لكن, يجب أن تترك صوفي معي. فلا ينبغي أن تعاني من كل ذلك الإرهاق. وعندما ظهرت على ملامحه إشارة استنكار التفتت إليه , وكلها ثقة من قدرتها على إقناعه .رأته يحدق إلى الطفلة النائمة وقد تغضن وجهه .ثم ,كأنه أحس بنظراتها , التفتت إليها في تحد ,فقالت وقد شعرت بعطف مفاجئ نحوه :سأعتني بها ,يا غانون؟ _حقا ؟و إلى متى ؟ كان هذا سؤالا غريبا . _إلى أن تستطيع العودة إلى أمها طبعا. سآخذها إليها بنفسي إذا شئت ...لن اخبر الشرطة بشيء . أضافت الجملة الأخيرة بعد أن رأت اضطرابه فنظر إليها بحدة: لم لا تخبرين الشرطة ؟ _لأنني لن استفيد شيئا من ذلك.لأنك صديق ريتشارد . كانت تعلم أنها تتصرف بحماقة, لكن الطفلة الآن هي أهم من كل شيء آخر . _هل لهذا الأمر أهمية ؟ اخذ غانون يحدق بوجهها , وقد بدا له مألوفا بشكل غريب . كان هاربا منذ أيام . منذ أن اختطف صوفي من مخيم اللاجئين . كان مصابا ,جائعا , مرهقا , وقد اقتحم كوخ ريتشارد نظرا لحاجته الماسة إلى مكان يتوارى فيه من الأنظار . مكان يضع فيه صوفي بأمان ريثما يستعيد قواه , و يسوي أموره .و هذه المرأة تقدم له معونتها رغم أنها لا تعرف عنه شيئا .و الأكثر من ذلك أنها تنظر إليه كأن قلبها سيتحطم .طبعا , إن لهذا الأمر أهمية . قال : لن آخذها إلى أي مكان الليلة . وسأرى كيف تصبح غدا , وعند ذلك , أقرر ما سأفعل . _إنها بحاجه إلى بعض الوقت , يا غانون , مهلة كافية للشفاء . _و هذه اخرج من جيبه زجاجة دواء صغيرة:فقالت بارتياب: وما هي هذه؟ _مجرد مضاد حيوي. جلس على حافة السرير, و أيقظ الطفلة بروية وأقنعها بان تبتلع حبة مع قليل من الحليب.وقبل أن تلقي برأسها على الوسادة مجددا كانت قد استرسلت في النوم. استدار ينظر إلى الفتاة الواقفة بجانبه . _أتساعديننا يا دورا ؟ فتعطينا قليلا مما لديك من أمل ؟ . الشيء الذي يذكره أكثر الناس عن أسطورة باندورا بين أساطير الإغريق هو أن فضولها أثار جميع المتاعب في العالم . وقد تذكر أيضا أنها منحت العالم الأمل . فكيف لها أن تخذله؟ أطلقت دورا شهقة صغيره, لا تكاد تصدق السهولة التي تشدها فيها عينان دافئتان و ابتسامة قادرة على تحطيم قلب فتاة دون جهد حقيقي منه . _أنت تسألني .كأن لي الخيار في الأمر . غضبت من ضعفها هذا . لكنها مع ذلك , لن تنسى أنها أبعدت الشرطة عن البيت . كانت متواطئة معه سواء اعترفت بذلك أم لا ,وجالت عيناها فوق ظهر ضيفها الأشعث , ووجنتيه الغائرتين في وجهه المرهق ,و رقت مشاعرها . لا بد أنه يحب ابنته , ويفتقدها للغاية لكي يصل به الأمر إلى هذا الحد . قالت له : تبدو بحاجة إلى شيء تشربه غير الحليب . مرر يده على وجهه دون وعي من التعب. -أنت على حق, كان يوما جهنميا. شكرا لك . وهو لم ينته بعد . لم ترد شكره, إنما كانت تريده أن يقوم بما هو صواب. سارت نحو الباب ,لكن جون غانون تمهل لحظة لينحني فوق السرير و يرفع الغطاء إلى ما فوق كتفي الصغيرة. كان مشهدا يدمي القلب بشكل غريب . لم يخبرها بالحقيقة كاملة . قالت : _هل ننزل إلى الطابق السفلي كي لا نزعج صوفي ثم تخبرني عما يجري تحديدا ؟ . أخذ جون غانون ينظر إلى الفتاة الطويلة الشقراء وهي تسكب له الشاي . كانت جميلة للغاية .فحين اندفعت إلى المطبخ وهي تحمل صوفي بين ذراعيها , توقف قلبه لحظة عن الخفقان , ليس لمجرد أنها اجفلته . كان سيشعر بالإحساس نفسها لو انه رآها في قاعة مزدحمة بالناس, و بنفس الحرارة تجري في عروقه . و قد أغضبه هذا . فقد كان في موقف بالغ الدقة بحيث يتعذر عليه السماح لأي امرأة مهما بلغ جمالها أن تصرف ذهنه عنه, في حين يحتاج إلى كل ما يملك من فطنة وحيلة و يقظة. لكن غانون كان غاضبا من ريتشارد أيضا . رباه , كيف يمكنه ذلك ؟ انه يحب الرجل و يقدره كثيرا. لكن دورا , كما يبدو , تكاد لا تبلغ العشرين من العمر ... فهي حمل وديع بالنسبة إلى ريتشارد الذئب .... أصبح الرجل الذي كان بطله في يوم من الأيام عدوا للنساء, ساخرا عنيدا كالتيس بعد تحطم زواجه الأول, الذي افقده الصواب..... لم يكن غاضبا من ريتشارد , و إنما غيورا من طراز قديم . كان راغبا في إيقاع هذه الفتاه في حبه. فقد كان وجوده معها بمفردهما في هذا الكوخ البعيد القابع في أعماق الريف مغريا إلى حد بعيد. لكن الشرف يملي عليه أن لا يقوم بحركة نحوها. كما أن الظروف لم تكن مؤاتية , فلم يكن لدية الوقت لمغامرات الحب الطارئة , أو حتى القوه لذلك . إن هذا لأمر مؤسف .فهذه الفتاه تملك ما يتخطى الجمال وحده , كانت تتحلى بالشجاعة . . إن أي فتاة أخرى , تجد نفسها في مواجهة مع مقتحم بيتها , كانت لتفقد أعصابها , لكن ما أظهرته هي كان الغضب فقط . ليس لاقتحامه البيت , بل لإخراجه صوفي في مثل هذه الليلة الممطرة . كأنه كان يملك خيارا في ذلك ! لقد تمكن من استغلال تلك الشجاعة حاليا . لكنه و حتى ألان لم يستطع إقناعها بأنه رجل يستحق المساعدة . و ريتشارد لن يصفح عنه قط لتوريطه عروسه الجميلة في مأزق كهذا . لا يعني هذا أنه يقلل من شانها , فهو يرى أن دورا قد تكون الوحيدة التي تجعله يجد في مشاكله وجهوده وتعبه قليلا من المتعة . مع ذلك, لو سنحت لها الفرصة لطلب المساعدة و لما تأخرت. فسار نحو التليفون و انحنى يتفحص التجويف, ثم التفت إليها يسألها: _ أين مفك البراغي ؟ كانت تراقبه بعينين رزينتين. ثم سارت بصمت على السجادة بقدميها الحافيتين الجميلتين و المعطف الحريري الناعم, الذي لفته حول جسدها بإحكام, يتمايل برقة مع وقع خطواتها. قالت وهي تناوله الشاي: _ هل عليك القيام بذلك ؟ من غير المحتمل أن اتصل بالشرطة. فقد سبق و أبعدتهم من هنا . _ الشرطة , نعم .لكنني واثق من أن هناك شخصا أخر ترغبين في استدعائه . سأعيد وصله قبل رحيلي . أعدك بذلك . لم تبرح مكانها فعاد يقول: من الأسهل لي أن اسحبه من الجدار, يا دورا. ماذا تفضلين ؟ أذعنت لطلبه قائله : هناك مفك للبراغي في المطبخ . -هل لك أن تحضريه إذن ؟ . تمنى لو تسرع قبل أن يعاوده الألم في ضلوعه. استدارت بسرعة ,فحرك معطفها الهواء الذي لفح وجنته , وعادت بعد لحظة بمفك صغير . ثم سارت نحو الموقد وجثت أمامه. كان شعرها منسدلا على كتفيها فبدا أشبه بكتله من الخيوط الحريرية العسلية اللون في ضوء المصباح المستطيل الموضوع على الرف .تبا , تبا ...إنها مشكلة لم يحسب لها حسابا , أضيفت إلى المشاكل المثقلة بها حياته , بعد أن ظن كوخ ريتشارد الخالي مكانا ممتازا يتوارى فيه عن الأنظار حتى يسوى أوضاعه . اخذ ينظر إليها تمد يدها إلى قضيب تحريك النار, كانت تهم بسحبه حين أطبقت أصابعه على معصمها. أجفلت و التفتت تنظر إليه و هي تقول محتجة: _ أريد أن أحرك النار . _ حقا ؟ تلاقت عيناهما لحظة. كانت عيناها رماديتين عاصفتين أشبه بالسحب الرعدية التي حجبت القمر أثناء اجتيازه الحقول صوفي تنشج باكية بين ذراعيه....قالت : -ماذا ظننت غير ذلك ؟ إن صرعك بهذا القضيب لن يحسن الأمور , أليس كذلك؟ - انه سيمنحك وقتا كافيا تطلبين فيه العون . أجابت و هي ترمق التليفون بنظرة ذات معنى . -آه , هذا صحيح . وكيف تظنني سأقوم بذلك ؟ بواسطة التخاطب الفكري؟ _ لا , بل بواسطة سيارتك . قلت إن لديك سيارة, أليس كذلك ؟ كان معصمها رقيقا ناعما إلى حد مؤثر . وشعر بعظامها الرقيقة الهشة تحت أصابعه مما أثار في نفسه نوعا من الأشواق . كان مجرد التفكير فيها جنونا بذاته . لقد مضى وقت طويل منذ أن اقترب إلى هذا الحد من أمراه طيبة الرائحة.... أراد أن يضع شفتيه على النبض الذي شعر به يتسارع تحت جلدها الناصع البياض , و أن يدني راحتها من وجنته و يشدها إليه لكي يخفف من الم هذا الشوق غير المتوقع . يا للجنون ......! |
الساعة الآن 01:19 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية