منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   (رواية) حبيب تحملت منه الأذى (https://www.liilas.com/vb3/t189840.html)

طمووح 09-09-13 06:35 PM

حبيب تحملت منه الأذى
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إلى أعضاء ليلاس الأعزاء على قلبي
إليكم أهدي أولى رواياتي "حبيب تحملت منه الأذى"
فمنكم تعلمت ... وإليكم أهدي ماتعلمت ..

لم أخصص للرواية أي زمان أو مكان لأحداثها
إلا أنه قد يغلب عليها عادات وتقاليد المجتمع الذي انتمي له
ولكني برغم ذلك حاولت جاهدة أن لا اخصص لها أي زمان أو مكان .. ليسرح كل منكم فيها بخياله ..دون أي قيود ..

لم أستطع أن اكتب حوارات الرواية بغير اللغة العربية الفصحى .. لعشقي وولعي الشديد بهذه اللغة .. ولشعوري أن الحوارات ستفقد قيمتها بغير الفصحى .. فيها أجد الكلمات التي تعبر عن المشاعر والأحاسيس بكل دقة .. في حين إني لا أجد البديل لتلك الكلمات في لهجتنا العامية ..
فإن كنتن ممن لم يعتاد على القراءة بها ..
فإني أرجو أن استطع اجتذابكم لها بتلك الرواية ...

والآن اعيروني قليلا من انتباهكم .. وانطلقوا معي بخيالكم في رواية
" حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى "




(1)

كانت تتأمل المكان من حولها .. الأضواء خافتة جدا في هذه المقهى .. والموسيقى الهادئة تنساب من حولها .. يبدو مكانا مناسبا جدا لكل العاشقين .. ولكنها كانت قد اعتادت أن تقابل محاميها هنا .. هذا أسهل من أن تذهب بنفسها إلى مكتبه .. فالمواصلات لا تطاق هذه الأيام .. بل طوال العام .. لذلك كانت تختار أقرب مكان لسكنها الجامعي يمكن أن يتقابلا فيه .. وهو هذه المقهى ..
لاحظت المحامي من بعيد وقد أتى أخيرا .. فأشارت له بيديها كي يراها .. وما إن لاحظها حتى اتجه نحوها .. فقامت من مكانها لتحييه :
ـ مرحبا أستاذ مجيد
-ـ مرحبا يا انسة سارة .. أنا أعتذر عن التأخير .. تعرفين مدى ازدحام الطرق
ابتسمت له وهي تقول :
ـ لا عليك لم تتأخر كثيرا على أية حال

أشار أستاذ مجيد بيديه للنادل وطلب قهوة لنفسه وعصير البرتقال لها كما اعتادت أن تطلب وهي معه ..
أخذت تفكر في السبب الذي جعل المحامي يطلب مقابلتها اليوم .. لا بد من أن هناك تطورا جديدا بشأن ميراثها .. وسرعان ما سألها المحامي :
ـ كيف حالك في الدراسة ؟ لقد بدأ العام الدراسي منذ أسبوع على ما أعتقد !
ـ بخير .. مازلت لم أتمكن من شراء الكتب بعد ..
ـ هل مازلتي تبحثين عن عمل ؟
ـ لقد أرتأيت إنها فكرة فاشلة .. من الصعب أن أدرس وأعمل في نفس الوقت .. وخصوصا أن اخر سنة في كلية الطب تتطلب الكثير من المذاكرة
ـ أنا أقدر حالتك جيدا يا سارة .. وأبذل كل مافي وسعي لتحصلي على حصتك في الميرات .. ولكن يبدو أن الأزمة التي تمر بها الشركة ستطول أكثر مما كنا نتصور .
ـ هل يمكنني بيع حصتي في البيت ؟
ـ إذا بعتي حصتك في البيت فينبغي أن يقوم ولاد عمك هم بشرائها .. ولكنهم الآن كما أخبرتك .. يمرون بأزمة مالية وغير مستعدين للشراء .

تنهدت سارة وهي تشعر باليأس الذي سيطر عليها منذ أن مات عمها من ثلاثة أشهر .. لقد كان عمها هو العائلة بالنسبة لها .. احتضنها وتكفل بمصاريف دراستها طوال الخمس سنين الماضية ..على الرغم من كل القطيعة التي كانت بينه وبين والدها .. لقد عاملها عمها وكأنه أب لها .. حتى أكثر من أبيها نفسه .. الذي ذاقت معه ومع زوجته ألوان العذاب والاضطهاد وتفضيل أولاد زوجته عليها هي .. ولكن ما إن توفي والدها لم تعد مضطرة للعيش مع زوجته أكثر من ذلك .. فلم يمضي عام على وفاته حتى قبلت في كلية الطب التي في مدينة عمها .. فانتقلت للعيش في السكن الجامعي وتكفل عمها بكل مصاريفها .. ومن هذا اليوم لم ترى زوجة أبيها أبدا ..
أراد عمها أن يعوضها عن كل ماعانته .. فلم ينساها حتى بعد وفاته .. حيث أوصى لها بثلث تركته !
ولكن هذا الميراث لم تستطع إلى الآن الاستفادة به .. فقد مرت شركة عمها بأزمة مالية شديدة قبيل وفاته .. وهي لم تتعافى إلى الآن .. ويبدو أنها لن تتعافى في الوقت القريب .
جاء النادل وهو يحمل صينية رفع من عليها فنجان القهوة ووضعها أمام أستاذ مجيد .. ثم رفع عصير البرتقال ووضعه أمامها .. فأخذت ترتشف العصير وهي تحاول أن تريح أعصابها قليلا ..

راح المحامي يداعب لحيته البيضاء قليلا قبل أن يتحدث :
ـ في الحقيقة لم آتي اليوم لأحدثك عن الميراث .. هناك أمرا هاما آخر

نظرت إليه بحيرة وهي تتسائل عن الأمر الذي سيكون هاما بالنسبة لها غير الميراث !
تابع المحامي كلامه قائلا :
ـ تعلمين أن عمك كتب وصية قبل وفاته وتركها معي .. وهي التي نصت على أن ترثي ثلث أملاكه .. لقد نصت تلك الوصية على شئ آخر .. ولكني لم أخبرك به وقتها ..
ـ وما هو هذا الشئ ؟؟ ولماذا لم تخبرني به ؟؟
ـ كانت الوصية موجهة إلى ابن عمك .. ولكنها تتعلق بكي أيضا .. لقد أوصى عمك ابنه بأن ...

سكت أستاذ مجيد وكأنه لا يعرف كيف يصيغ مايقوله .. مما اضطرها إلى أن تتكلم وتسأله :
ـ بأن ماذا ؟!!
ـ بأن يتزوج منك ....

ولوهلة شعرت بأنها لم تفهم ماسمعته جيدا .. فسألت لتتأكد من صحة مافهمته :
ـ أوصى عمي بأن يتزوج ابنه بي ؟!
ـ نعم .. بالظبط ..

ظلت سارة صامتة وهي لا تعرف ماذا تقول أو كيف تعلق على هذا الأمر .. فتابع المحامي كلامه :
ـ أنا لم أخبرك بتلك الوصية من قبل لأني فكرت أن ابنه قد لا يأبه بتنفيذها .. فلم أرد أن اشغلك بأمور لن تحدث .. وطوال الثلاثة شهور تلك لم يتكلم معي ابنه بأي شئ يتعلق بهذه الوصية .. ولكني فوجئت به بالأمس يطلب مني أن أجهز له لقاء معكي !

تكلمت سارة أخيرا ولكن بتلعثم :
ـ أنا .. ولكن .. زواااج .. هو ؟؟ ... أنا لا أعرفه.. أنا حتى لا أذكر اسمه !
ـ الوليد ..
ـ نعم تذكرت الوليد .. ولكني لم أره في حياتي .. كل ما أخبرني عمي به هو أن ابنه الوليد وابنته .... ماذا كان اسمها ؟
ـ لمياء !
ـ نعم وابنته لمياء يدرسون في كندا ..
ـ هذا صحيح .. لقد سافر الوليد إلى كندا منذ ثمانية أعوام .. ولحقته لمياء بعدها بعامين .. كان يدرس إدارة أعمال وقد تخرج منذ ثلاثة أعوام .. وعلى الرغم من أن عمك ألح عليه كثيرا في أن يعود إلى هنا ويساعده في شركته إلا أنه كان يرفض .. وفضل العمل هناك .. ولم يكن يأتي إلا أسبوعا من كل عام لكي يرى والده .. ولكنه لايبدو مستعدا للعودة إلى كندا على الأقل في هذه الفترة ..هو يشعر بمسؤولية تجاه شركة والده ..

كانت تستمع باهتمام لكلام أستاذ مجيد .. أرادت أن تعرف تفاصيل الرجل الذي أوصى له عمه بها ! .. وبعد أن أنهى كلامه سألته :
ـ قلت أنه يريد أن يقابلني ؟
ـ نعم هو يريد مقابلتك .. ولا أحد سيضغط عليكي يا سارة .. لكي كل الحق في الرفض .. ولكن حتى إذا كنتي سترفضين فعليكي أن تقابليه وتخبريه بذلك ..
ـ ومتى يريد مقابلتي ؟ وأين سيقابلني ؟
ـ ستقابلينه في بيت عمك .. أما عن الوقت فما رأيك بغدا في الساعة الثامنة مساء ؟
ـ إذا كان هذا يناسبك فلا مانع لدي ..
ـ لا أفهمك !
ـ أقصد أني لن أقابله بمفردي .. وأريدك أن تكون معي في هذا اللقاء

بدا المحامي مندهشا من طلبها هذا .. ولكنه لم يبدي اعتراضا .. واكتفى بقول :
ـ هذا يناسبني .. وأرجوكي أن تفكري بالأمر جيدا يا سارة .. عليكي أن تكوني واثقة من أن عمك كان يبحث عن مصلحتك حينما أوصى بذلك ..

ولم تقل سارة شيئا .. يبدو الأمر غريبا جدا بالنسبة لها .. وهي لا تعرف مالذي يجب فعله في حالتها هذه !
رفع أستاذ مجيد يده ليرى الساعة .. ثم قال لها :
ـ علي أن أستأذن الآن.. أراكي غدا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
ـ ساااااارة
صرخ المعيد باسمها فانتفضت سارة من مكانها .. كم كرهت اسمها من تلك الطريقة التي ناداها بها !
دفعتها صديقتها سمر لتقوم من مكانها .. فوقفت وهي لا تعرف السبب !!
فوجه المعيد لها السؤال قائلا :
ـ لماذا في رأيك ؟

ماهو الذي لماذا ؟؟ لماذا أوقفها ؟؟ .. أم أن الأمر يتعلق بالمحاضرة ؟!!! .. شعرت بأنها في ورطة كبيرة .. ولكنها مالبثت حتى رأت سمر تدفع بورقة صغيرة أمامها .. فاختلست النظر بسرعة لتقرأها .. وبصعوبة كبيرة استطاعت أن تتهجى حروفها .. فجاوبت على المعيد بهذه الكلمة .. وهي لا تعرف حتى ما الذي تعنيه ! .. ولكن هذا ليس مهما .. المهم أن تكون إجابتها صحيحة ..
وأخيرا قال المعيد لها وصوته لايخلو من الحنق عليها وكأنه منزعجا لأنه لم يستطع أن يثبت أنها كانت شاردة :
ـ إجابتك صحيحة .. تفضلي بالجلوس .

أخذت تلتقط أنفاسها وكأنها قد نجت من الموت .. وهمست لسمر :
ـ شكرا لكي .. لقد أنقذتني .
ـ لا شكر على واجب .

بعد لحظات كانت المحاضرة قد انتهت .. فخرجت هي وسمر وهي تنظر في ساعتها التي كانت تشير إلى السادسة .. بعد ساعتين فقط .. ستلتقي بابن عمها ..
ودون أي مقدمات تحدثت إليها سمر قائلة :
ـ عليكي أن تجدي حلا .. لقد أصبحتي كثيرة الشرود في المحاظرات .
ـ وكأن الأمر بيدي !
ـ هل مازلتي تفكرين بالأمر ؟ ألم يكفيكي أنكي أسهرتني معكي بالأمس طوال الليل وانتي تفكرين معي ..
ـ تعرفين أن الأمر ليس سهلا .
ـ بل انتي من تحبين تعقيد الأمور على نفسك .. لقد طلبك ابن عمك للزواج .. فماالمشكلة في ذلك ؟! .. لقد جاء طلبه في الوقت المناسب .. انتي بحاجة إلى من يقف بجانبك ويساندك وخاصة في مصاريف الدراسة .
ـ لم يطلبني للزواج بعد !
ـ ولماذا يريد مقابلتك اليوم إذا ؟؟ .. بالتأكيد لأنه سيعرض عليكي الزواج .
ـ الأمر ليس بتلك البساطة كما تتصورين .. واضح جدا أنه سيطلبني للزواج من أجل تنفيذ وصية والده .. وأنا إذا وافقت فهذا لأن وضعي المادي لا أحسد عليه وأنا مصممة على أن أكمل دراستي .. فأي زواج هذا الذي سيقوم بناء على المصالح ؟!!
ـ وما هو الزواج الذي لا يقوم على المصالح ؟؟ .. أغلب العائلات يزوجن أبنائهم لبعض من أجل مصلحة تحسين العلاقات ! .. لا تحلمي بأن تتزوجي بناء على الحب .. ولكن عليكي أن تأملي بأن يأتي الحب بعد الزواج !
ـ لو كنتي مكاني ماذا كنتي لتفعلي ؟
ـ لو كنت مكانك وكان ابن عمي بنفس المواصفات التي قلتها تلك .. كنت سأوافق .. لأني في وضع لا أحسد عليه .

لم تنطق سارة بكلمة أخرى .. وأخذت تفكر .. هل يكون الزواج من ابن عمها هو فعلا المخرج الوحيد لها مما هي فيه الآن ؟! .. لا تفصلها سوى ساعات عن المقابلة ولازالت لا تعرف قرارها بعد .. لقد أدت صلاة الاستخارة في ليلة أمس .. وفكرت أن تدع قرارها يخرج في وقته ..بمعنى أن ترى ابن عمها أولا .. ثم تقرر ما إذا كانت ستقبل به أم لا !!
لاحظت سمر مابدا عليها من توتر .. فربتت على كتفها وقالت :
ـ لا تقلقي .. أشعر بأن الأمور ستتجه إلى الأفضل
ـ أتمنى ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نظرت إلى ساعتها مرة أخيرة .. كانت تشير إلى الثامنة إلا ربع .. لماذا يزحف الوقت بهذا البطأ كله ؟!! .. كانت تقف مترددة أمام منزل عمها .. تفكر هل تدخل الآن أم تنظر الربع ساعة تلك .. لم تكن ترى أي ضوء يخرج من المنزل .. حتى الحديقة التي تحيط بالمنزل لم تكن مضاءة .. بدا المنزل وكأنه خاليا من السكان !!

ـ من هناك ؟؟
كان هذا صوت الحارس الذي كان ممسكا بمشعل ويوجهه نحوها ..
فأجابت بارتباك :
ـ أنا .. أنا سارة يا عم سلطان
ـ اها .. دكتورة سارة .. آسف لم أتعرف عليكي من الظلام .
قام الحارس بفتح البوابة على الفور .. هو يعرفها جيدا منذ أن كانت تقوم بزيارة عمها .. دخلت سارة عبر البوابة وراحت تسأله :
ـ لماذا لا توجد أي إضاءة ؟؟ ألا يوجد أحد بالمنزل ؟؟
ـ لا يا آنسة .. هناك عطل في الكهرباء .. وانقطع الضوء منذ قليل فقط .. وقد ذهب سيد وليد مع بعض العمال ليصلحوا هذا العطل .

قال لها ذلك ثم قام برفع سماعة الهاتف التي بداخل غرفة الحراسة وسمعته يطلب من خيرية أن تفتح الباب ..
اتجهت سارة ناحية الباب حينما رأته يفتح ويشع منه ضوء المشعل .. وحينما دخلت قامت خيرية بالسلام عليها بحرارة وهي تقول لها :
ـ أنا سعيدة جدا لرؤيتك مجددا ..
ـ وأنا أيضا يا خيرية .. لقد اشتقت إليكي كثيرا .

كانت خيرية هي الخادمة في هذا المنزل .. ولكنها تعتبرها أهم من مجرد خادمة .. لقد كانت تدير كل شؤون المنزل .. يمكن أن ينطبق عليها لقب مديرة البيت !.. وكانت تربطها بها علاقة حميمة ..
قادتها خيرية إلى الداخل .. كان أول شئ تراه حينما تدخل من الباب هو صالة كبيرة .. وضعت في منتصفها طاولة دائرية صغيرة فوقها مزهرية .. وعلى يسار هذه الصالة توجد سلالم تقود إلى الدور العلوي .. أما ما على يمينها فقد وضع مكان للصالون .. ومكان لغرفة المعيشة .. كان كلاهما مفتوح على الصالة .. ولا توجد أية أبواب بينهم ولا حتى جدران .. أما إذا اتجهت إلى الأمام فستجد في الطرف الاخر من الصالة باب يدخلك على ممر طويل .. يقودك إلى المطبخ وإلى غرفة الطعام ..
كان هذا هو الدور الأول باختصار .. أما الدور الثاني فلا تذكر أنها صعدته في يوم من الأيام .. لذا فهي تعتقد أنه لا يحتوي إلا على غرف النوم ..
كان كل شئ في منزل عمها يشعرك من فخامته بأنك قد دخلت قصرا وليس فيلا !.. وعلى الرغم من أنها لم تأتي إلى هنا منذ وفاة عمها إلا أن كل شئ يبدو كما هو ولم يتغير ..لم تكن ترى الأشياء بوضوح نظرا لانقطاع الضوء .. ولكن الضوء الذي كان ينبعث من المشعل الذي بيد خيرية كان يفي بالغرض ..

أوصلتها خيرية إلى أحد الكنبات لتجلس عليها .. ثم قامة بإضاءة الشموع التي كانت موجودة على المنضدة المقابلة لها .. وقالت لها خيرية :
ـ أنا أعتذر عن هذا العطل المفاجئ .. هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي ينقطع فيها الضوء خلال هذا الأسبوع ..
ـ هل ينقطع لمدة طويلة ؟
ـ لا بعض الدقائق لا أكثر ..لا تقلقي .. كما أن السيد وليد لن يغيب وسيعود بعد قليل .
كانت تشعر بقلبها يخفق بسرعة حينما تسمع اسم الوليد .. تشعر بالتوتر مما ستكون عليه الأمور في الساعة القادمة ..
ـ ماذا تشربين ؟؟
سألتها خيرية هذا السؤال فردت تقول :
ـ أريد أي شئ يكون باردا

لقد جف حلقها تماما .. وشعرت بالظمأ الشديد .. استأذنت خيرية واتجهت نحو المطبخ وهي تحمل المشعل معها .. فخف الضوء كثيرا .. حيث أن الشمع لم يكن يفعل الكثير بالمقارنة بضوء المشعل ..
كانت تتمنى لو تطلب من خيرية البقاء معها .. فهي لا تكره شيئا في حياتها بقدر كرهها للظلام .. ولكنها خجلت من فعل ذلك .. ستبدو كالطفلة أمامها .. ولكن ماهذا الحظ ؟!! .. ألا ينقطع الضوء إلا حينما تأتي هي !!.. وتمنت لو أنها أخرت نفسها قليلا حتى كانت تتحاشى هذا الوضع الذي هي فيه الآن .. ولكن من أين لها أتعرف أن هذا سيحصل ؟!!...

كانت على وضوء فقررت أن تقوم لتصلي العشاء حيث كانت لم تصليه بعد .. وهي تأمل أن يخفف ذلك من خوفها وتوترها قليلا .. وبعد أن صلت العشاء أعقبته بصلاة استخارة .. كانت تلك المرة الثالثة التي تصلي فيها صلاة استخارة خلال 24 ساعة .. وحينما انتهت من الصلاة ظلت جالسة على الأرض .. وقد شردت بذهنها في طريقة الحوار الذي سيدور بينها وبين ابن عمها الوليد .. لقد طلبت من المحامي أن يحضر المقابلة لكي يساعدها بدوره في الحديث .. ولكن لابد أن تعرف جيدا ماستقوله فربما تأخر .. وحينها لن يكون من الظريف أن تبقى صامتة أمام الوليد حتى يأتي هو .. هي لا تتمنى أن يـ .........

توقفت أفكارها فجأة حينما سمعت صوت أقدام تأتي من خلفها .. بدأ قلبها يخفق بقوة وكأنه سينتزع من مكانه .. هذه ليست صوت أقدام خيرية .. لأن الصوت يأتي من الخلف أما خيرية فقد دخلت إلى المطبخ من الممر الذي أمامها .. بدأت قدماها ترتجف وشعرت بأنها لا تستطيع أن تقوم وتقف عليهما .. ماذا تفعل ؟؟ .. دارت الأفكار السوداء في رأسها .. هل يمكن أن يكون لصا قد تسلل إلى المنزل واستغل انقطاع الضوء .. ولكن كيف يتسلل وهي متأكدة أنه لا يوجد نوافذ في الصالة ..
( الباااااااب لم تقفله خيرية بالمفتاح ) .. جائت في بالها هذه الفكرة سريعا .. وهنا استجمعت كل قواها ووقفت على رجليها وما إن التفتت ورائها حتى رأت شخصا ما ملاصقا لها تماما .. كان يحمل شئ ما في يده يبعث منه ضوءا أبيض .. كان الضوء أمام عينيها تماما مما عسر عليها أن ترى ملامح من أمامها .. وبحركة لا إرادية منها وجدت نفسها تدفع بيدها مصدر الضوء .. فوقع من يده محدثا صوتا عاليا .. وهكذا صار كل منهما لا يستطيع رؤية الاخر جيدا .. ومن دون تفكير منها هجمت على الشخص الذي أمامها فصارت تخدش وجهه بكل ما أوتيت من قوة .. ولكنه كان أقوى منها فأمسك بيدها بقوة وصرخ فيها :
ـ أيتها المجنونة !!

وهنا بدأت في الصراخ والبكاء لعل أحدهم يسمعها .. وتمنت لو تنقذها خيرية أوأن يأتي ابن عمها في هذه اللحظة .. وراحت تتوسله وهي تشهق من البكاء :
ـ لا تؤذني أرجووووك .. خذ ماشئت من المنزل ولكن اتركني ... أرجووك اتركني .. أرجوووووك

كانت تحاول أن تفلت نفسها من بين يديه ولكنه كان ممسكا بها بقوة .. وبينما هي على هذه الحال .. وفجأة .. عاد الضوء .. وأصبح المكان يعم به .. فتوقفت عن الحركة .. ومن بين دموعها استطاعت أن ترى الشخص الذي يمسك بها .. كان رجلا طويلا .. يرتدي بذلة سوداء .. أما وجهه فكان مليئا بالخدوش التي أحدثتها هي به .. وبعضها كان ينزف .. أيا كان من يقف أمامها .. ولكنه لا يمكن أن يكون لصا على الإطلاق .. لا ملامحه ولا بذلته الأنيقة توحيان بذلك !! .. وهنا أدركت سارة أنها ارتكبت أفضع حماقة في حياتها كلها ..

جاء صوت خيرية من بعيد وهي تسأل في فزع :
ـ ماذا يحدث .. آنسة هل انتي بخير ؟؟

وحينما دخلت عليهم ورأت من يقف أمام سارة .. أطلقت شهقة اندهاش وقالت :
ـ يا إلهي .. سيد وليد ماذا حدث لوجهك ؟؟

وهنا أفلت الرجل يديها أخيرا .. فتوجهت إلى أقرب كنبة لها وارتمت عليها .. فراح يصرخ فيها :
ـ يالك من فتاة مجنونة ..انظري ماذا فعلتي بوجهي ؟!!

كانت مازالت ترتجف من الخوف وذهنها مشوش تماما ويتردد فيه كلمة خيرية له ( سيد وليد ) ..هل يعني ذلك أن هذا الرجل هو ابن عمهااااا ؟!! .. ركضت خيرية بسرعة إلى الداخل وعادت بعد لحظات وهي تحمل معها علبة صغيرة عرفت أنها علبة اسعافات أولية ..أخذ منها العلبة وراح يعقم الخدوش وهو واقف أمام المرآة الصغيرة التي علقت فوق المنضدة .. كان يبدو غاضبا جدا .. وشعرت أنه قد ينفجرعليها في أية لحظة ..
وراح يسأل خيرية بغضب :
ـ من هذه الفتاة ؟!!

فأجابته خيرية بصوت مرتبك :
ـ سيدي إنها .. آنسة سارة ..
ـ هكذا إذا .. ماذا فعل بي أبي؟ وأي ورطة أوقعني فيها ؟؟ هل أراد أن يعاقبني ؟!!

بدأت مشاعر الخوف التي تملكتها تتلاشى تدريجيا ليحل محلها الخجل الشديد .. غاصت في مقعدها وتمنت لو أن الأرض تبتلعها في هذه اللحظة لتختفي من هذا المكان .. هل يعقل أن يكون أول لقاء لها مع ابن عمها الذي قد يكون زوجها في المستقبل هكذا ؟!! .. كيف لها أن تنظر إليه بعد حماقتها تلك ؟!! .. أخرجها صوته الغاضب من أفكارها حينما قال وهو يسخر منها :
ـ كانت تظنني لصا !! .. منذ متى واللصوص تتسلل عبر الباب ؟!!

سكت قليلا ثم تابع بنفس نبرة السخرية :
ـ أنا أشفق حقا على اللص الذي قد يفكر في أن يسرقك .. لا بد وأنه سيعتزل المهنة أو ينتحر !!

لا تستطيع السكوت أكثر من ذلك عليها أن تحافظ على ماتبقى لها من كرامة .. وأخيرا وجدت صوتها وقالت :
ـ ولكنك أنت من دخلت المنزل كاللصوص .. كان عليك أن تسلم أو حتى حينما رأيتني أظن أنك لصا كان عليك أن تخبرني بأنك الوليد !!

شعرت ببعض الرضا عن دفاعها عن نفسها ولكن ذلك الشعور لم يلبث أن اختفى حينما رد عليها قائلا :
ـ وهل يجب علي أن أستأذن حينما أدخل بيتي ؟!! وهل كنت أعلم أنكي موجودة لكي أسلم ؟!! .. كنت أظن أن موعدنا في الساعة الثامنة وليس قبلها !! .. ثم كيف لي أن أخبرك بأني الوليد وانتي حتى لم تتركي لي فرصة لقد هجمتي علي كالقطة المفترسة !!

ازداد شعورها بالخجل وهي تتذكر شكلها وهي تصرخ وتخدش وجهه وتترجاه بأن يفلتها .. وخجلت أكثر لقدومها مبكرا فقد بدت وكأنها متلهفة للقائه .. حاولت أن تستجمع جرأتها من جديد وقالت :
ـ لقد أتيت مبكرا لأنني كنت في الجامعة وهي قريبة من هنا .. وفضلت أن آتي منها إلى هنا على العودة إلى السكن الجامعي .. حيث ستكون المسافة أبعد ..

سكتت قليلا لترى ما إن كان سيعلق على كلامها .. وحينما رأته سيتكلم قاطعته بسرعة قائلة :
ـ ثم إنه كان من الممكن أن يدخل لصا وحينها لما كنت ستلوني على مافعلته !!
ـ ولكنه لم يكن لصا .. بل كان أناااااا

رن الجرس ليقطع عليهم شجارهم .. وذهبت خيرية على الفور لتفتح الباب حيث كانت مرتبكة هي الأخرى ..
لابد وأنه أستاذ مجيد .. نظرت في ساعة يدها فرأتها تشير إلى الثامنة .. هل كل تلك الأحداث وقعت في ربع ساعة فقط ؟!! .. شعرت وكأن دهرا قد مضى ..
دخل أستاذ مجيد وألقى عليهم التحية .. ولكنه توقف فجأة حينما رأى منظرهم .. كانت آثار البكاء بادية عليها وعيناها منتفختان .. أما هو فكانت الخدوش واضحة في وجهه ..بدت الحيرة على وجه أستاذ مجيد فسأل بقلق:
ـ ماذا جرى هنا ؟!!!!

حكى له الوليد ماحدث وصوته لا يكاد يخلو من الغضب والحنق :
ـ دخلت بيتي كالعادة وكانت الكهرباء منقطعة حينها فلم يكن هناك ضوء .. ولسوء حظي كانت هذه الفتاة هنا فاصطدمت بها في الظلام .. يمكنك أن ترى جيدا ما حل بي وقتها .. لقد ظنتني لصا !!!

ما إن أنهى الوليد كلامه حتى أخذ أستاذ مجيد وقتا ليستوعب ماقاله .. ثم .. فجأة انفجر من الضحك !! .. أخذ يضحك بقوة ويرتنح إلى أن وصل إلى الكنبة التي أمامها ثم ارتمى عليها .. وأخذ يمسك ببطنه وكأنه سيموت من الضحك !! .. اعتقدت أن أستاذ مجيد سيخفف عنها قليلا حدة ما حصل ولكنه لم يزدها إلا حرجا ! .. لم تتخيل أبدا أن هذا المحامي العجوز قد يضحكه شئ إلى هذه الدرجة !! .. شعرت بأن الغضب الذي كان يسيطر على ابن عمها قد خف قليلا حينما قال لأستاذ مجيد :
ـ نعم أضحك .. فلست أنت من تشوه وجهك .

وبصعوبة كبيرة استطاع المحامي أن يتوقف عن الضحك ليرد عليه قائلا :
ـ أعذرني يا وليد ولكنه حقا أمر مثير للـ ....

انفجر من الضحك مرة أخرى ولم يستطع أن يكمل جملته .. ولكن ليس طويلا هذه المرة .. فقد أخذ يحاول أن يتماسك من الضحك وعدل من جلسته ثم أخذ نفس عميق وقال :
ـ أعذروني ولكن حـ .. ههههه ... حقا .. لم استطع أن اتماسك .. إن هذا أطرف ماسمعته على الإطلاق .

أتبع قوله هذا بعض الصمت حيث كان الجميع يحاول أن يحاول أن يعود إلى طبيعته بعد كل ماحدث .. وأخذت تفكر في نفسها .. ترى هل غير ابن عمها رأيه بعد ما حدث ؟؟ .. هل سيتراجع عن تنفيذ وصية والده ؟؟ .. ولكنه يبدو من الرجال الذين لا يتراجعون عن قراراتهم والذين اذا اتخذوا قرارا كانوا واثقين من صحته مهما حدث معهم .. قطع هذا الصمت ابن عمها حينما تكلم أخيرا :
ـ سأحاول أن انسى كل ماحدث وأبدأ في الدخول في الموضوع الذي طلبت مقابلتك من أجله .

إذا هو مازال مصمما على طلب الزواج منها .. لا تدري لماذا جعلها ذلك تشعر ببعض الارتياح !! ..
تابع الوليد كلامه حيث بدأت الجدية تظهر في عينيه .. وقال :
ـ بالتأكيد أخبرك أستاذ مجيد لماذا طلبت أن أقابلك .. من أجل وصية أبي الذي أوصى فيها بزواجنا .. وفي الحقيقة أنا أشعر بأن هذه الوصية دين في رقبتي وعلي تنفيذها .

دين !! هل أصبح زواجهما دين !! .. هكذا فكرت قبل أن يتابع قائلا :
ـ آنسة سارة .. أنا أطلب منكي أن تقبلي الزواج مني ..

شعرت بغرابة الموقف كله .. منذ قليل كانا يتشجاران وكأنهما ألد الأعداء خصوما .. والآن يطلب منها الزواج .. هل لهذه الدرجة هو مهتما بتنفيذ وصية والده ؟!! ..
لم تنطق بكلمة .. ظلت صامتة وهي لا تعرف ماذا تقول .. فتابع هو كلامه قائلا :
ـ أنا أعلم أن والدي هو من كان يصرف عليكي .. والآن بعد وفاته أظن أنكي تحتاجين لمن يعيلك .. فحتى ثلث تركته التي سترثينها لن تستطيعي الاستفادة منها الآن .. نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها الشركة والتي يبدو لي أنها ستطول .

سكت قليلا وكأنه ينتظر أن تعلق بشئ ولكنها استمرت في الصمت وهي لا تعرف ماتقوله .. فتابع هو يقول :
ـ سأدفع لك مقدم ماتريدين .. وستسكنين معي هنا في هذا البيت .. ولا داعي لأن نقيم عرسا .. فأبي مازال حديث الوفاة وأنا ليس لدي أي رغبة في إقامة حفل زفاف ..أما عن موعد زواجنا فأتمنى أن يكون في أسرع وقت .. مارأيك بالغد ؟ .. سيكون لديكي الوقت طوال اليوم لتجهزي نفسك وفي المساء ستأتين إلى هنا و ...

قاطعته سارة بحدة وقد اشتعلت غضبا من كل تخطيطاته تلك دون حتى أن يسمع رأيها وكأنه ليس مهما :
ـ سيد وليد .. أنا لم أوافق بعد !!

بدأ الوليد يشتعل غضبا هو الاخر بعد كل الهدوء الذي حاول أن يكون عليه .. وقال لها :
ـ ولماذا لا تتكلمي إذا ؟!! .. ظننت أن صمتك دلالة على موافقتك !

وهنا تدخل أستاذ مجيد ليهدأ الموقف وقال :
ـ ابنتي سارة .. ظننتك قد وافقتي .. هل معنى هذا أنكي ترفضين الزواج منه ؟؟؟

فردت عليه بحزم :
ـ أوافق ولكن بشروط .

نعم عليها الآن أن تثبت لابن عمها حظورها .. كان يتحدث من دون حتى أن ينظر إليها وكأنها دمية أمامه وكأنها لا تستطيع أن ترفضه ..نظرت إليه فوجدته يمسح وجهه بيده في علامة على نفاذ صبره .. وسألها وهو يكز على أسنانه :
ـ وماهي تلك الشروط ؟؟؟

وضعت رجل على رجل وقالت بثقة :
ـ لدي شرط واحد فقط .. وهو أننا لو قررنا الطلاق فلن يكون هذا إلا بعد أن أنهي دراستي .. أنت تريد الزواج مني من أجل تنفيذ وصية والدك .. وأنا أيضا سأوافق على الزواج لأني بحاجة لمن يصرف على دراستي .. وقد تبقى لي عام لأتخرج من الجامعة .. فما الذي يضمن لي بأنك لن تطلقني بعد أسبوع من زواجنا وبهذا تكون قد نفذت وصية والدك ؟!!!

أطلق الوليد تنهيدة طويلة وقال لها :
ـ حسنا أنا أوافق على شرطك .. إذا أردنا الطلاق فلن يكون هذا قبل أن تنهي دراستك الجامعية .

وهنا تحدث أستاذ مجيد قائلا :
ـ حسنا .. لقد اتفقتما أخيرا

ولكن الوليد قاطعه بسرعة وقال موجها كلامه لها :
ـ لا .. ليس بعد .. فأنا أيضا لدي شرط .. لا أريد أي طفل منكي في هذه الفترة ..عليكي أن تعلمي هذا جيدا .. لا أريد أن يتشتت هذا الطفل ونحن لا ندري إن كنا سنستمر أم لا ..لذا لا تفكري حتى في ذلك .. وإلا ستندمين أشد الندم ..

شعرت من نبرة صوته بأن هذا تهديد لها ..ولكنها حاولت أن تبدو غير مبالية وقالت في برود :
ـ لا تقلق .. فأنا أيضا لا أريد ذلك أكثر منك .
ـ هل انتي جاهزة لنعقد زواجنا في الغد ؟
ـ نعم .. أظن ذلك

ردت عليه وقد شعرت بأنها أرضت كبرياؤها بعد أن أهتم أخيرا وسألها عن موعد زواجهما .. حملت حقيبة يدها ثم نهضت من مكانها وهي تقول :
ـ إذا لم يكن هناك شئ اخر لنناقشه فسأستأذن الآن .. لقد تأخر الوقت

فقام أستاذ مجيد أيضا من مكانه وقال :
ـ أنا سعيد لأنكم قد اتفقتم ..

ثم ألتفت إليها قائلا :
ـ انتظري سأوصلك في طريقي

فقام الوليد بدوره ليسلم عليه وهو يقول :
ـ إلى اللقاء ..سأقابلك غدا أيضا لابد وأن تحضر عقد القران ..و سأتصل بك لأبحث معك بعض الأمور الخاصة بالشركة

ثم نظر إليها الوليد بلامبالاة وقال :
ـ إلى اللقاء آنسة سارة .. ألقاك غدا في نفس الوقت .

ثم ابتسم وتابع كلامه بسخرية :
ـ ولكن أرجوكي أن لا تأتي قبل الموعد .. أخشى أن يتكرر العطل في الكهرباء مثل اليوم .. وأنا لم يبقى في وجهي مكانا لأي خدوش أخرى !

أحمر وجهها خجلا من سخريته تلك .. ولم تعلق بشئ .. ولكن هناك أمرا اخر قد لفت انتباهها .. حينما ابتسم الوليد .. لاحظت تلك الغمازات التي ظهرت بجانب فمه .. ولأول مرة منذ أن قابلته .. اكتشفت بأنه وسيما جدا !

طمووح 12-09-13 02:11 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(2)

ـ هيا استيقظي يا سارة .. لدي فضول أن أعرف ماذا حدث معكي ليلة أمس

كانت سمر توقظها بصوتها المزعج .. فلم تجد بدا من أن تقول لها :
ـ انتي مزعجة ياسمر .. أتركيني أريد أن أناااام
ـ لقد تركتك بمافيه الكفاية .. ثم في جميع الحالات عليكي أن تستيقظي .. لدينا محاضرة بعد ساعة من الآن

رفعت سارة أخيرا رأسها من فوق الوسادة لتنظر في الساعة التي بجانبها .. كانت تشير إلى السابعة صباحا .. لقد انتابها الأرق طوال الليل ولم تستطع أن تنام إلا بعد الفجر .. فقالت لسمر :
ـ أنا أفكرفي أن أتغيب عن المحاضرات اليوم
ـ ولكن لماذا ؟؟ لا تقولي لي أنكي تريدين أن تتغيبي لكي تكملي نومك !
ـ نعم أنا متعبة كثيرا ولم أستطع النوم طوال الليل .. كما أن علي أن أحضر متاعي وأجمع كل أغراضي التي بالغرفة .

نظرت إليها سمر بحيرة وسألتها مستفسرة :
ـ ماذا تعنين ؟؟ لماذا ستحضرين متاعك ؟؟
ـ سمر .. أنا سأتزوج الليلة !

أطلقت سمر صرخة دهشة وراحت تتحدث بسرعة :
ـ أوه .. لا .. لا لا لا .. أنا لا أصدق .. لقد وافقتي إذا .. وستتزوجين الليلة .. هل بهذه السرعة تسيرالأمور !!..هل حقا سيقام حفل زفافك الليلة ؟؟
ـ لا .. لن يقام أي حفل .. قال أنه لا يرغب في ذلك لأن والده مازال حديث الوفاة .. وأنا اقتنعت بذلك
ـ لا عليكي .. لا بد وأنه سيقيم لكي حفلا في وقت لاحق .. تكون وقتها الأمور قد تحسنت قليلا

قالت ذلك وراحت تسحب الغطاء من فوقها وتشد ذراعها لكي تجبرها على النهوض .. وتابعت تقول :
ـ ستتزوجين الليلة ومازلتي نائمة .. هيا قومي لديكي الكثير لتفعليه !
ـ سمر أرجوكي دعيني وشأني .
ـ لماذا ؟ ألستي سعيدة ؟ هل هذا بسبب حفل الزفاف ؟؟؟
ـ انتي تعلمين أني مضطرة لهذا الزواج .. وأن الأمر ليس باختياري

نظرت إليها سمر وقد تبدلت ملامحها من الفرح إلى القلق .. وسألتها :
ـ أولم يكن وسيما ؟
ـ الأمر لا يتعلق بذلك
ـ إذا .. هل هو شخص شرير مثلا ؟؟
ـ لا بالعكس ..هو لطيف جدا ولكن ليس معي !
ـ لماذا ؟؟

نهضت سارة من السرير وقد يأست تماما من أن تتركها سمر تكمل نومها.. وحكت لها ماوقع بينها وبين ابن عمها الوليد حينما ظنته لصا .. وكانت سمر تنظر لها بذهول وهي تحاول أن تتخيل ماتسمعه.. وبعد أن انتهت من الحديث .. انفجرت سمر من الضحك :
ـ هههههههههههههههههههههههه .. لا أصدق .. لا أستطيع أن أتخيل كيف كان شكلك حينما اكتشفتي أنه ابن عمك وليس لصا
ـ أرجوكي توقفي عن الضحك.. أنت تزيدين من شعوري بالخجل

توقفت سمر بصعوبة عن الضحك بعد أن لاحظت إنزعاجها .. وقالت لها :
ـ لا تنزعجي كثيرا .. لو كان ماحدث ضايقه حقا لما كان صمم على طلب الزواج منك
ـ هو يشعر بأن وصية والده عبء عليه .. لذلك فهو يريد أن نتزوج بسرعة ليستريح من هذا العبء !

سألتها سمر بقلق :
ـ هل يبدو لكي أنه قد يفكر في طلاقك في أي وقت مادام قد نفذ الوصية وانتهى ؟!!
ـ لقد وضعت هذا في اعتباري .. لهذا اشترطت عليه أن لا يكون هناك احتمال لأي طلاق إلا بعد أن انهي دراستي .. وهو لم يعترض .. واشترط هو الآخر أن لا ننجب أي طفل طوال هذه الفترة !
ـ إنني في حياتي لم أسمع بزواج قام بهذه الطريقة !!

شردت سارة بذهنها قليلا قبل أن ترد عليها وتقول :
ـ لو لم أكن مضطرة لما وافقت ..

حاولت سمر أن ترفه عنها قليلا .. فغمزت لها وهي تسألها :
ـ هل كان وسيما ؟

فتنهدت بشاعرية وراحت تقول لها :
ـ إن كلمة وسيما قليلة على وصفه .. لم أكن أعتقد أبدا أن لدي ابن عم بهذه الجاذبية كلها
ـ ما لون عيونه ؟؟
ـ لونها بني على لون شعره .. ولديه لحية خفيفة على ذقنه تزيده وسامة .. وأكثر ما جذبني فيه هو تلك الغمازات التي تظهر بجانب فمه حينما يبتسم

وضعت سمر يديها على خدها وسألتها وقد تأثرت بكلامها :
ـ وماذا أيضا ؟؟ كلميني عن شخصيته
ـ لا تقل جاذبية عن شكله .. بالرغم من الشجار الذي وقع بيننا ولكن طريقته في الكلام كانت تدل على رجلا واثق من نفسه .. جدي إلى حد لا يوصف .. لا يبدو من نوعية الشباب الطائش الذين نشاهدهم في الجامعة هذه الأيام .. ما جذبني فيه أيضا أنه طويل جدا .. تقريبا أطول مني بخمسة سنتيمترات

ظلت سمر تنظر إليها تنتظرها أن تصفه أكثر .. فتابعت تقول :
ـ قد يبدو الأمر غريبا .. ولكن كل الصفات التي كنت أتمناها في فارس أحلامي موجودة فيه
ـ أراكي بدأتي تقعين في حبه
ـ لا بالطبع لا .. أنا لا أعرفه جيدا كي أحبه ولكني لا أنكر أني قد أعجبت به

ضحكت سمر فجأة لتفسد الجو الرومانسي الذي كانت قد دخلت فيه وقالت وهي تضحك :
ـ كلما أتخيل شكلك وانتي تهجمين عليه لا أتمالك نفسي من الضحك
ـ كفي عن تذكيري بذلك .. أنا أحاول أن أنسى هذا الموقف
ـ ولكنك لن تستطيعي ذلك مادمتي ستصبحين زوجته ..على الأقل حتى تختفي الخدوش من وجهه .. وإن نسيتي انتي فهو بالتأكيد لن ينسى ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

لم تستغرق وقتا في جمع أغراضها كلها ووضعها في حقيبة سفرها .. لقد كانت أغراضها قليلة .. لا شئ مهم فيها سوى كتبها وملابسها ..حزمت جميع ملابسها ولم تترك سوى ماسترتديه في عقد قرانها .. وكان عبارة عن دريل طويل بني اللون .. وجاكيتا قصيرا ترتديه فوقه لأن الدريل من غير أكمام ..
حرصت أن ترتدي أنسب وأجمل مالديها في نفس الوقت .. أرادت أن تبدو جميلة .. كان هناك شعورا ما بداخلها يدفعها إلى أن تلفت انتباهه .. وكأنها تريد أن تنتقم لكبرياؤها بسبب لا مبالاته بها ليلة أمس ..

بعد أن انتهت من حزم أمتعتها أخذت حماما ساخنا .. وحينما انتهت كانت الساعة تشير إلى السادسة .. كان أمامها ساعتان كي تجهز فيهما .. فبدأت ترتدي ملابسها .. ولم تضع أي مساحيق على وجهها فلم يكن ذلك من عادتها .. كما أنها كانت تخشى أن تبدو وكأنها سعيدة بهذا الزواج ! ..

بعد نصف ساعة كانت جاهزة تماما .. ووقفت تتأمل نفسها أمام المرآة .. كانت مرتبكة جدا .. فمهما كانت الظروف فهي ستتزوج اليوم بغض النظر عن سبب زواجها .. ولم تستطع أن تفسر كل هذا الاهتمام التي تبديه بابن عمها الوليد .. لم تكن تشعربذلك قبل أن تقابله .. ربما لأنها لم تكن تعرفه بعد ..ولكن بعد أن رأته وتكون لديها انطباع عن شخصيته لا تنكر أبدا أنها أعجبت به ..

خرجت من أفكارها حينما سمعت صوت مفاتيح بباب الغرفة .. لابد وأنها سمر .. وما إن دخلت سمر إلى الغرفة ورأتها حتى أطلقت تصفيرة اعجاب .. وقالت :
ـ يا إلهي يا سارة .. كم تبدين جميلة في هذه الملابس

شعرت بالسعادة لهذا الإطراء وسألتها :
ـ حقا ؟؟ ولكني أشعر أن ربطة الطرحة ليست مضبوطة تماما
ـ أنتي لم تضبطي ربطة الطرحة في حياتك مثل اليوم !
ـ لا تعرفي كيف أن مجاملتك هذه تعطيني الثقة في النفس
ـ ليست مجاملة .. إنها الحقيقة تبدين في غاية الجمال

سارت سمر ناحية السرير وارتمت عليه فقالت لها سارة :
ـ هل كانت المحاضرات صعبة اليوم ؟؟
ـ هي دائما صعبة لا شئ جديد .. ولكن لا تقلقي سأساعدك في فهمها

ظلت سمر ترمق سقف الغرفة وقد شردت بأفكارها .. فسألتها :
ـ هل انتي بخير ؟؟ .. تبدين متعبة !

ردت سمر ولكن نبرة الحماس كانت قد اختفت من صوتها :
ـ لا أستطيع أن أتخيل السكن من دونك
ـ ألن تنتقلي للسكن مع إحدى زميلاتنا ؟؟
ـ لا أعرف بعد .. ولكني أفضل أن أبقى في هذه الغرفة حتى لو كنت بمفردي
ـ إذا اطلبي من إحدى الزميلات أن تنتقل هي إلى غرفتك .. هذا أفضل من أن تظلي بمفردك حتى لا تشعري بالوحدة

ساد الصمت بعض الوقت حيث أن سمر لم تعلق بكلمة .. وأشفقت عليها سارة كثيرا .. لقد أمضت معها خمسة سنوات من حياتها .. ويعز عليها أن تتركها وتسكن في مكان اخر بعد كل تلك السنين .. وتمنت لو أن تأخذها معها ! .. ولكن هذا مستحيل بالطبع

تكلمت سمر أخيرا قائلة :
ـ كنت أتمنى أن أحضر زواجك
ـ أنا أتمنى ذلك أكثر منكي .. ولكنه لم يخبرني بأن بإمكاني أن أدعو أحدا .. ولا أريد أن أضعك في موقف محرج
ـ إنني أتفهم ذلك .. ربما تعوض في يوم آخر .. لا أعتقد بأنه سيستطيع أن ياقوم كل هذا الجمال ولا يقيم لك حفل زفاف

لم تعلق على قولها بشئ .. فهي ترى فكرة أن يقيم الوليد في يوم ما حفل زفاف أشبه بالمستحيل ..
تحدثت سمر من جديد وقالت :
ـ نسيت تماما أن أسألك .. من سيكون وليك ؟؟ .. ومن هم الشهود ؟؟
ـ لقد تحدثنا أنا والمحامي في ذلك بالأمس حينما كان يوصلني .. مافهمته منه هو أنني بما أنه ليس لدي أي أقارب من جهة والدي سوى ابن عمي .. فإن وليي هو ابن عمي !! .. وحينما يتزوج الرجل من امرأة هو وليها .. فإنه يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها .. وهذا الرجل سيكون المحامي
ـ ماهذا التعقيد كله !!
ـ نعم .. حتى أنا لم أفهم الأمر كثيرا !! .. ولكن هذا ليس مهما .. المهم أنهم هم يفهمون الأمر .. أما عن الشهود فلا أعرف من هم .. أعتقد أن ابن عمي هو من سيتولى تجهيز كل هذه التفاصيل
ـ وكم سيكون مهرك ؟
ـ لقد أخبرت المحامي بأن مايهمني هو أن يتولى الوليد جميع مصاريف دراستي .. ولم أحدد مبلغا محددا

لاحظت أن الساعة تشير إلى السابعة والربع .. فتمددت على سريرها قليلا .. هي لا تريد أن تذهب مبكرا كما حدث بالأمس .. وحتى لا يظن أنها متلهفة للزواج ..ظلت هكذا بعض الوقت وهي شاردة .. ثم قامت أخيرا وبدأت بارتداء حذائها .. وحينما انتهت كانت سمر بداخل الحمام .. فقررت أن تنتظرها حتى تخرج لكي تودعها ..
وحينما خرجت سمر ورأتها واقفة قالت لها بدهشة :
ـ أمازلتي هنا !! إنها الثامنة إلا ربع .. ألم تقولي بأن موعدكم في الثامنة ؟!!
ـ بلى ولكني أردت أن أسلم عليكي قبل أن أرحل

قامت سمر بسحبها من يديها نحو الباب وهي تقول :
ـ هيا بسرعة ..ستتزوجين بعد قليل ..انتي لستي مهاجرة .. ستنتقلين للعيش في مكان اخر ولكن مازلنا في نفس البلد وسنتقابل يوميا في الجامعة !! ..

أعطتها سمر حقائبها .. كانت عبارة عن حقيبة يد .. وحقيبة سفر تجر على الأرض .. ثم فتحت لها الباب وسلمت عليها بسرعة وهي تدفعها للخارج .. فودعتها سارة وذهبت ....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

حينما وصلت كانت الساعة قد اقتربت من الثامنة والنصف.. لم تكن تعتقد أن الطرق ستكون مزدحمة لهذه الدرجة .. كان عليها أن تأخذ في اعتبارها أن المسافة من السكن الجامعي لبيت عمها أطول من المسافة بين الجامعة والبيت .. أخذت نفسا عميقا ثم وضعت يديها على الجرس .. ولم تمضي سوى ثوان حتى فتحت لها خيرية وقالت لها :
ـ إنهم ينتظرونك في الصالون

وحينما دخلت وتوجهت إلى الصالون رأت هناك أستاذ مجيد والوليد .. وبجانبه رجلان من نفس عمر الوليد تقريبا يبدو أنهم أصدقائه .. ورأت أيضا المأذون وفتاة لا تعرفها غير محجبة و تبدو أنها أصغر من سارة ببعض الأعوام .. كان يبدو على الوليد وتلك الفتاة أنهم قد سئموا انتظارها .. وما إن رأوها حتى قال لها أستاذ مجيد :
ـ ابنتي سارة .. أين كنتي ؟ لقد قلقت عليكي .. ولماذا لا تجيبين على هاتفك ؟؟

شعرت بأن وجنتاها احمرتا من الخجل .. وخاصة بسبب نظرات الوليد المشتعلة غضبا لها .. فردت على أستاذ مجيد بتلعثم :
ـ آسفة على التأخر لقد كان المرور مزدحم .. أما هاتفي فلم أسمعه وهو يرن .. أعتذر عن ذلك

وهنا تكلم الوليد بصوت غاضب وقال لها :
ـ لقد جعلتينا ننتظرك نصف ساعة .. هل تظنين بأنه ليس لدى كل منا مشاغل آخرى غيرك ؟!!
ـ لقد أعتذرت عن تأخري .. وبالطبع أنا لم أتعمد أن أجعلكم تنتظروني ..ولكن الطريق كما قلت كان مزدحما

تقدمت في السير وجلست بجانب أستاذ مجيد وهي تشعر بالانزعاج .. لم تكن تريد إعطائه أي فرصة لينتقدها فهي ليست من النوع الغير منتظم في مواعيده .. ولكنها لا تعرف لماذا يحدث ذلك معه بالذات !!

سألها الوليد وقد تبدلت نبرة صوته من الغضب إلى السخرية :
ـ آنسة سارة .. مامشكلتك مع المواعيد ؟؟.. هل لديكي عقدة القدوم في الموعد ؟؟

همت لترد عليه وتدافع عن نفسها ولكن تلك الفتاة الموجودة معهم سبقتها بالحديث قائلة :
ـ لماذا لا ننتهي من عقد القران الآن .. أنا لم أرتاح بعد منذ قدومي من المطار .. وكل ذلك بسبب تأخرها

قالت الكلمة الأخيرة تلك وهي تشير إليها بازدراء !!
من هذه الفتااااة ؟!!! .. ولماذا تتحدث بهذا الغرور كله ؟!! .. هل يعقل أن تكون ابنة عمها لمياء ؟!!

تحدث أستاذ مجيد ليؤكد لها شكوكها حينما قال :
ـ حسنا يا لمياء .. سنبدأ في المراسم الآن والأمر لن يستغرق وقتا

بدأ المأذون أخيرا بالمراسم .. كان يعظها هي والوليد ويوصيهما بأن يحفظ كل منهم حق الآخر ويصونه .. ونصائح أخرى كثيرة .. ثم بدأ يقول كلاما ويطلب من أستاذ مجيد ترديده .. ونفس الأمر فعله مع الوليد ومعها ..

يالا غرابة الدنيا .. منذ يومين فقط لم يكن ليخطر على بالها بأنها ستتزوج .. ومن من ؟ .. من رجل لم تراه في حياتها بالرغم من أنه ابن عمها !!

بعد أن انتهى عقد القران راح كلا من أستاذ مجيد و الرجلان الذين شهدوا على زواجهما يسلمان على الوليد ويباركان لها .. وقد بدوا جميعا أنهم أكثر سعادة من الوليد نفسه !! .. وبالطبع لم تتوقف خيرية عن الدعاء لهم واحتضنتها بسعادة غامرة .. ووزعت عليهم شربات احتفالا بهذا الزواج .. أما لمياء فقد اكتفت بأن تبارك لأخيها ببرود ولم تذكرها هي بشئ !

رحل المأذون وأصدقاء وليد أولا .. حيث على مايبدو كانوا هم من أحضروا المأذون وهم من سيوصلونه إلى بيته .. ثم تبعهم أستاذ مجيد بعد أن طلب منه الوليد أن يقابله في الشركة غدا لمناقشة بعض أمور العمل .. أما هي فقد أصرت أن ترافق أستاذ مجيد إلى الباب .. أرادت بذلك أن تبتعد قليلا عن الوليد ولمياء .. كانت مشاعرها عبارة عن مزيج من التوتر والخجل والخوف من الحاضر ومن المستقبل في نفس الوقت
..
قال لها المحامي حينما وصلا عند الباب :
ـ انتي كابنتي يا سارة .. لقد كانت تربطني بعمك علاقة صداقة قوية .. وقد أوصاني عليكي كثيرا .. أرجو أن تعتبريني كوالدك وإذا احتجتي أي شئ فلا تترددي في أن تطلبيه مني ..

يبدو أنه قد أحس بتوترها فحاول أن يطمئنها قليلا بهذا الكلام .. وتمنت لو أن تطلب منه أن يبقى معهم اليوم !! .. فوجوده سيشعرها ببعض الألفة في هذا المكان .. ولكن هذا مستحيلا بالطبع .. ورحل أستاذ مجيد ..
وبقيت هي بجانب الباب لفترة ..لا تريد العودة إلى الصالون .. فقد تملكتها رغبة شديدة في البكاء .. شعرت وكأنها كالطفلة التي وضعها والدها في المدرسة في أول يوم لها ثم تركها ورحل .. تاركا إياها في مكان غريب عليها !

ظلت على هذه الحالة من الكآبة بضعت دقائق .. ثم قررت أخيرا أن تسيطر على مشاعرها وأن تواجه واقعها الجديد بقوة وشجاعة .. فأخذت نفسا عميقا وتوجهت نحو الصالون حيث الوليد وأخته لمياء ..
ولكنها حينما وصلت توقفت متعجبة .. لم يكن هناك أي أثر لهم .. ولا حتى لخيرية .. فقد حقيبتها هي التي كانت لاتزال في مكانها ..
لابد وأن كلا منهم قد صعد إلى غرفته .. ولكن كيف لهم أن يذهبوا ويتركوها بهذه الطريقة ؟!! على الأقل كان على الوليد أن ينتظرها أو يحمل الحقيبة عنها ويدلها على غرفتها !!.. هل هكذا يتصرف الزوج مع زوجته في أول يوم زواجهما ؟!! ..حتى إن كان لا يحبها على الأقل يجب أن يبدي لها اعتبارا ..

ماذا ستفعل هي الآن .. كيف ستصعد السلم بهذه الحقيبة الثقيلة ؟!! .. لم تجد حلا سوى أن تعتمد على نفسها وتقوم هي بهذه المهمة .. فعلقت حقيبة يدها على كتفها وحملت الأخرى بيدها وأخذت تصعد بها السلم .. وقد كادت أن تتعثر أكثر من مرة .. وتوقفت عدة مرات على السلم لتستريح قليلا وتلتقط أنفاسها ..
وتسائلت ما إذا كان الوليد يريد أن يعاقبها لموافقتها على الزواج منه ؟!! ..أو لأنه يحقد عليها لأن والده أوصى له بها !!.. ولكنها حاولت أن تطرد هذه الأفكار من رأسها ..

وبعد عناء كبيير .. تمكنت أخيرا من صعود السلم بحقيبتها .. كانت تلهث وكأنها كانت في سباق جري .. نظرت أمامها فوجدت مدخل يقود إلى ممر .. وحينما أصبحت في الممر كان أمامها ستة غرف !! .. تملكتها الحيرة ولم تعرف ماذا تفعل ..هذه هي أول مرة تصعد فيها هذا الطابق رغم زياراتها المتكررة لعمها ..

راحت تمسح العرق من على جبينها نتيجة المجهود الذي قامت به .. وحاولت أن تخفف توترها وهي تقول لنفسها أن كل شئ سيكون بخير .. واستجمعت شجاعتها متجهة إلى أول غرفة أمامها وطرقت بابها .. وحينما لم تتلقى ردا طرقته مرة أخرة .. ولكن لا جدوى .. جربت أن تحرك المقبض فوجدته يتحرك في يدها .. ففتحت الباب ببطأ خشية أن يكون هناك أحد بالداخل .. ولكنه لم يكن بداخلها أحد .. فدخلت إليها ..

كانت غرفة نوم كبيرة مجهزة بالكامل .. أما أثاثها فكان جميلا جدا ومن الطراز الحديث .. ويغلب عليه اللون الوردي ..
أعجبتها الغرفة كثيرا .. وتمنت لو أن تكون هذه غرفتها بالفعل .. تقدمت نحو السرير وجلست عليه ..
وفكرت هل ستكون هي والوليد في غرفة واحدة أم أنه لن يرغب في أن يشاركها نفس الغرفة ؟!! .. تمنت لو أن كل منهما يكون في غرفة بمفرده على الأقل حتى تعتاد على وجوده ..

ألتفتت إلى الباب الذي يقع بجوار الخزانة وفكرت في أنه لابد وأن يكون باب الحمام .. وانتابها الفضول لتشاهد شكله ..فتوجهت نحوه وحاولت أن تفتح الباب ولكنه كان مغلقا ..

راح القلق يساورها من جديد ..هي لم تتأكد بعد من أن هذه هي غرفتها .. ولكن ماذا إذا كانت هي بالفعل والوليد هو من بداخل الحمام ..بدأت تشعر بالغضب من كل هذا .. وتسائلت كم من الوقت سيمضي حتى تكتشف غرفتها ؟!! ..

وفجأة رأت الباب الذي كانت تحاول فتحه يفتح أمامها ليخرج منه ....
لمياااااء !! ... يا إلهي !
كانت ترتدي روب الاستحمام .. وبدت الدهشة علىها وكذلك على سارة .. ولامت سارة نفسها أنه لم يخطر ببالها أن تكون هذه هي غرفة لمياء .. أخذت كل منهما تحملق في الأخرى لفترة .. حتى صرخت فيها لمياء أخيرا :
ـ كيف تجرؤين على دخول غرفتي ؟!

ارتبكت سارة وعقد لسانها فلم تستطع أن تقول شيئا .. فتابعت لمياء صراخها :
ـ هل تظنين أنه يمكنك التصرف في هذا المنزل كما يحلو لك ؟؟ .. هل اعتدتي أن تتصرفي بهذه الطريقة في المكان الذي جئت منه ؟؟ .. أنا آسفة ولكن هذا ليس سكنا للطالبات !!

كان واضحا أنها تهينها .. واشتاطت سارة غضبا .. ولكنها تمالكت أعصابها حتى لا يتطور الأمر وقالت لها ببرود :
ـ لم أكن أعرف أن هذه غرفتك .. وكيف لي أن أعرف وهذه أول مرة أصعد فيها إلى هنا ولم يخبرني أحد حتى بمكان غرفتي ؟!!
ـ لا تحاولي إقناعي بأنك لا تعرفين أين هي غرفتك .. أنا متأكدة أن أخي قد دلك عليها .. ثم لنفترض أنك صادقة فيما تقولين ..ألم تلاحظي ألوان الغرفة التي توحي بأنها غرفة فتاة ولا تصلح لأن تكون لزوجين ؟!! .. ولنفترض أيضا أنكي لا تفهمين في هذه الأمور .. ألم تلاحظي وجود حقيبتي ؟!!

نظرت سارة إلى حيث تشير لمياء .. فرأت حقيبقة قد وضعت بجانب السرير وهي تلمحها لأول مرة منذ دخولها إلى الغرفة ..

شعرت بالخجل الشديد ..وتمنت لو أنها لم ترتكب هذا الخطأ .. حتى لا تترك لهذه الفتاة المغرورة الفرصة لتهينها بهذه الطريقة ..
أخذت حقيبتها واتجهت نحو الباب .. فخرجت من الغرفة وصفعت الباب ورائها وهي تكاد تنفجر من شدة الغضب ..
وتمنت لو أن ترى الوليد أمامها في هذه اللحظة حتى تحاسبه على إهماله لها ووضعها في هذا الموقف ..

لاحظت أن الغرفة التي بجانب غرفة لمياء ينبعث الضوء من تحت بابها .. فعرفت أن بداخلها أحدا .. إما خيرية وإما الوليد .. وتمنت لو أن يكون الآخر .. واندفعت تفتح الباب دون حتى أن تطرقه .. فرأت ما كانت تتمناه .. كان الوليد يجلس أمامها متمدد على السرير وفي يديه كتابا يقرأه .. وحينما رآها نظر إليها ببرود..

فقالت له بغضب :
ـ هل أنت معتاد على التخلي عن مسؤولياتك ؟ .. أليس من مسؤوليتك أن تساعدني في حمل هذه الحقيبة إلى هنا .. وأن تدلني على مكان غرفتي ؟!!
ـ الأمر لا يستدعي كل ذلك الغضب .. لقد كنت منشغلا بلمياء ولم أنتبه حتى لحقيبتك .. ولكن كان يمكنك أن تطلبي من خيرية أن تساعدك في حملها وأن تدلك على الغرفة !!

قال ذلك ببرود مما جعلها تزداد غضبا ..
ـ حقا !! .. وأين هي خيرية كي أسألها ؟؟ .. أنا حتى لا أعرف أين هي غرفتها ..ثم حتى لو كانت موجودة ..تريدني أن أسألها عن مكان الغرفة ؟!! .. وماذا ستقول عنا حينما ترى أنك قد تركتني وحدي أبحث عن مكان الغرفة ونحن في أول ليلة من زواجنا !!
ـ عاجلا أم آجلا ستكتشف بأنني لم أتزوجك حبا فيكي .. وإنما تنفيذا لوصية والدي .. لذا لا داعي للتمثيل .
ـ وهل أنا التي تزوجتك حبا فيك .. أنا أيضا اضطررت للقبول بالزواج منك
ـ نعم بالطبع .. اضطررتي من أجل المال أليس كذلك ؟؟
ـ بل من أجل أن أكمل دراستي ..

ابتسم لها بسخرية وقال :
ـ أيا كان المسمى .. ولكن الهدف واحد في النهاية .. وهو المال ..

سكتت ولم تعلق على كلامه .. لا يهمها أن يصدقها .. فليظن فيها ما يشاء ..لا يهمها ..

وفي نفس اللحظة أغلق الوليد الكتاب الذي بيده .. وبدا أنه يستعد للنوم .. وحينما رآها واقفة لا تتحرك قال لها :
ـ يمكنك أن تعتبري أن هذه هي غرفتك ..

شعرت بالانزعاج الشديد .. فسألته بتوتر :
ـ ألا توجد غرف أخرى في هذا المنزل ؟!!
ـ بلى يوجد .. ولكني لا أعتقد أنك ستحبين النوم في غرفة مليئة بالغبار.. خيرية لم تجهز سوى غرفتين فقط .. هذه الغرفة وغرفة اختي .. وأنا لم أطلب منها أن تجهز غرفة أخرى لأني لا أريد أن تشعر لمياء بشئ ..

انتابها الغضب من جديد حينما تذكرت لمياء ..
تأملت الغرفة من حولها فلاحظت أنها أكبر حجما من غرفة لمياء .. ومجهزة لتكون لشخصين .. وكان يوجد في ركن منها كنبة كبيرة .. فسألته بارتباك :
ـ ألا يمكنك النوم على الكنبة ؟؟

ضحك من سؤالها وأجابها :
ـ أنا لا أفكر بأن أترك السرير وأنام على الكنبة .. ولكن إن استهوتك انتي هذه الفكرة فيمكنك أن تنامي عليها .. لن أمنعك ..

ازدادت ارتباكا من رده .. كيف لها أن تنام معه في نفس الغرفة أو حتى كيف ستتركه يراها بملابس النوم وهي من دون حجاب .. إنها لم تستوعب بعد فكرة أنه زوجها ..
حينما لاحظ الوليد ارتباكها الشديد قال لها بسخريته :
ـ لا تخافي أنا لن آكلك ..

لم تعيره اهتماما .. وراحت تخرج ماسترتديه للنوم من حقيبتها .. فأخرجت بيجامة ذات أكمام طويلة .. واتجهت نحو الحمام الذي كان في ركن من الغرفة ..
وما إن دخلته حتى أجهشت في البكاء .. وفتحت صنبور المياه حتى تغطي على صوت بكائها .. أي زوج هذا الذي لا يحبها ولا يطيقها .. هي ليست خائفة منه لأنها متأكدة أنه لا يرغب فيها .. ولكنها مع ذلك تشعر بالكآبة

كلاهما كان مضطرا لهذا الزواج .. ولكنها لا تكرهه بقدر كرهه هو لها .. إن كل شئ فيه كانت تتمناه في فارس أحلامها .. كل شئ ماعدا كرهه لها ..

بدلت ملابسها وأخذت تجفف دموعها .. لن تدع نفسها تفكر في هذه الأمور .. ستركز في دراستها وحسب .. عليها أن تجتاز هذه السنة بتقدير امتياز حتى تتمكن من الحصول على البعثة التي تحلم بها .. ووقتها لن تكون بحاجة إلى مال أحد ..

غسلت وجهها بالماء .. وحاولت أن تخفي آثار البكاء من وجهها .. وبعد أن شعرت أنها استعادت ثقتها في نفسها فتحت الباب .. وأحست بالارتياح لأن الظلام كان يعم الغرفة .. فاطمأنت من أنه لن يستطيع أن يراها .. أخذت تمشي بخفة إلى الجهة الأخرى من الغرفة وهي تفكر هل تنام على السرير أم على الكنبة .. إن نامت على الكنبة فستبدو وكأنها خائفة منه .. وسيستغل هذا لكي يسخر منها ..

وأخيرا قررت أن تنام على السرير .. فصعدت عليه بخفة حتى لايشعر بها .. وتمددت على جانبها على حافة السرير .. حتى أنها لو أرادت أن تتقلب فستقع من على السرير ..إلى هذه الدرجة حاولت أن تكون بعيدة عنه ..

كانت تسمع صوت أنفاسه .. وأدركت بغريزتها أنه نائم .. فأغمضت عينيها .. ومن شدة التعب .. لم تستغرق وقتا حتى غرقت في نوم عميق .....



طمووح 14-09-13 10:06 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ


كانت غارقة في النوم حينما سمعت من ينادي باسمها بنفاذ صبر .. ويأمرها بأن تغلق منبه هاتفها الذي يرن .. راحت تمد يدها إلى جانبها لتوقف صوت هذا المنبه المزعج .. ولكن يدها كانت تلوح في الهواء .. أخدت تمد يدها أكثر حتى ....
طراااااااااااااااااااااااااااااااااااااخ

فتحت عينيها وقد أفاقتها الصدمة التي اصطدمتها بالأرض نتيجة سقوطها من فوق السرير ..
رفعت رأسها من على الأرض وأخدت تحكه .. وهي تحاول أن تتذكر أين هي .. وأن تسترجع أحداث الأمس ..
جالت بنظرها في الغرفة وكأنها طفلة ضائعة حتى وقع نظرها على الوليد الذي كان يقف أمام المرآة يربط ربطة عنقه وهو ينظر إليها ويتأملها ..

ـ هل كان يجب أن تتلقي ضربة على رأسك حتى تستفيقي ؟!! .. لقد ظننتك لن تستيقظي أبدا ..

تجاهلت كلامه وسألته :
ـ كم الساعة الآن ؟؟

ناولها هاتفها لترى الساعة بنفسها فرأتها تشير إلى التاسعة ..
يا إلهي .. لديها محاضرة بعد نصف ساعة من الآن .. نهضت بسرعة من على الأرض وهي تشعر ببعض الدوار في رأسها .. وراحت تقول له :
ـ لماذا لم توقظني حينما بدأ المنبه في الرن ؟؟

كانت تذكر جيدا أنها ضبطت هاتفها ليرن على الثامنة والنصف .. ورد الوليد عليها قائلا :
ـ لم أوقظك ؟!! .. أنا أنادي عليكي منذ زمن ولم تحركي ساكنا !!

لم يكن لديها وقت حتى تتجادل معه أكثر .. أخذت بسرعة ملابسها التي كانت ترتديها بالأمس وتوجهت إلى الحمام .. ولكنه قال لها بسخرية :
ـ لا داعي لأن تأخذي ملابسك معكي ..

ثم تناول سترته وتوجه إلى باب الغرفة وتابع يقول :
ـ إن كنتي تريديني أن أوصلك في طريقي إلى الجامعة فعليكي أن تكوني جاهزة في غضون ربع ساعة من الآن ..

راحت تجهز نفسها بسرعة .. وفي غضون عشرة دقائق كانت جاهزة .. فنزلت إلى الأسفل .. كان الوليد منحنيا جانب الباب يربط حذائه .. أخذت تتأمله وهو يلف الرباط بخفة وسرعة .. بدا لها ماهرا جدا في ذلك !

نظر إليها وقد انتبه إلى تمعنها في النظر إلى حذائه .. فأخرجها من أفكارها حينما سألها :
-ـ هل لديكي مشكلة ما مع حذائي ؟!!

تجاهلت سؤاله .. وقالت له ببرود :
ـ أنا جاهزة

كانت لا تزال واقفة بجانب السلم .. فتوجهت نحوه لترتدي حذائها هي الأخرى ..أما هو فقد أمسك بحقيبة سوداء تشبه تلك التي يحملونها رجال الأعمال .. وقام بفتح باب المنزل .. وحينها .. لاحظت أن ضوء الشمس الذي في الخارج قد تسلط عليه.. ليمتد من ورائه ظله الطويـــــــــل ..تركت حذائها من يدها وراحت تتأمل هذا المنظر ..شعرت بسعادة غامرة .. هذا يذكرها تماما بكرتونها المفضل ( صاحب الظل الطويــــــــل) .. وتمنت لو أنها تستطع أن تخرج هاتفها لتصور هذا المنظر الذي بدا شاعريا بالنسبة لها ..

ـ أنا لن أنتظرك كثيرا بالخارج .. أسرعي ..

قال لها ذلك ثم خرج من الباب .. أما هي فقد ظل اهتمامها منصبا على ظله الطويل الذي راح يخف شيئا فشيئا حتى اختفى تماما بعد ابتعاده ...

ـ سيدتي .. سيدتي ..

أفاقت من ذهولها وألتفتت لترى خيرية تقف خلفها .. التي سألتها :
ـ هل ستخرجين دون أن تتناولي شيئا ؟؟
ـ شكرا يا خيرية .. ولكنني مستعجلة .. سأتناول فطوري في الجامعة

أكملت لبس حذائها بسرعة وخرجت من البيت متجهة نحو سيارة الوليد .. وما إن صعدت في السيارة حتى انطلق على الفور .. كانت متأكدة من أنها لو كانت تأخرت بعض الوقت فلم يكن الوليد ليهتم بانتظارها ..

ساد بعض الصمت بينهما قبل أن يبدأ الوليد بالحديث حينما سألها :
ـ أعتقد أنكي في كلية الطب ؟

شعرت بالصدمة من سؤاله هذا .. هل يعقل أن يتجوزها دون أن يعرف حتى في أي كلية هي !!
ـ نعم هذا صحيح

أخذ يستفسر منها عن مكان كليتها .. فشرحته له .. بدا أنه يعرف المكان ولكنه يحاول أن يتذكره ..
إن أمرهم حقا غريب .. لقد تزوجا وهما لا يعرفان الكثير عن بعضهما وهاهو لأول مرة يعرف في أي كلية هي !!

ساد الصمت بينهم مرة أخرى .. ولم تشأ هي أن تتحدث .. وأخذت تتأمل ملامحه الجادة وهو يركز في الطريق أمامه ..

تكلم الوليد أخيرا ليقطع الصمت الذي خيم عليهم قائلا :
ـ إن هذه البلد أجدها كل عام أكثر ازدحاما من العام الذي قبله !!

بدا أنه قد نفذ صبره بسبب بطأ السير نتيجة ازدحام المرور ..

قالت له معلقة على كلامه :
ـ بل يبدو أنك كنت تأتي في العطلة الصيفية فقط .. والفرق كبير جدا بين المرور أيام العطل .. وأيام الدراسة حيث يكون أكثر ازدحاما ..

ألتفتت إلى النافذة وأخذت تتثائب حيث كانت لاتزال تشعر برغبة في النوم .. مع أنها كانت قد أخذت كفايتها في النوم .. بالرغم من كل مشاعر التوتر والخوف اللذان كانت تشعر بهما نحو الوليد .. إلا أنها ما إن وضعت رأسها على الوسادة حتى غرقت في النوم دون أن تفكر في أي شئ من مخاوفها ..

ـ في أي ساعة سنتهي دوامك ؟
سألها الوليد ذلك وهما يقتربان من مبنى الكلية بعد أن رأته أمامها أخيرا

ـ سأنتهي تقريبا في الساعة الخامسة

أجابته وهي تشعر بالسعادة حينما راودتها فكرة أنه قد يأتي هو ليصطحبها بنفسه ..
ولكنه قال مخيبا أمالها :
ـ سيأتي سائق جديد اليوم .. سأتصل به وأخبره أن ينتظرك عند البوابة الرئيسية في هذا الوقت

كانا قد وصلا فأوقف سيارته أمام البوابة وأخرج هاتفه وطلب منها أن تعطيه رقمها .. ثم اتصل بها لتسجل رقمه هي الأخرى .. وقال لها :
ـ اتصلي بي إن حدث أي تغيير في مواعيدك ..
ـ حسنا .. أشكرك على توصيلي

وقبل أن تنزل من السيارة قال لها :
ـ انتظري

وأدخل يده في جيب سترته فأخرج منها علبة صغيرة .. وتابع يقول :
ـ لقد نسيت أن أعطيكي هذا

فتح العلبة وأخرج منها خاتمين .. أعطاها أحدهما وارتدى هو الآخر .. وأمرها بأن تلبسه هي الأخرى .. ففعلت ذلك دون أن تعترض ..

ـ إنها مجرد شكليات .. حتى يبدو زواجنا طبيعيا

أخبرها بذلك وقبل أن تفكر في كلامه ودعته على مضض .. ونزلت من السيارة وحينما همت بالذهاب استوقفها مرة أخرى ..
فنظرت إليه من النافذة وسألته بسخرية :
ـ ماذا ؟؟ هل ستطلب مني أن أشير لك بيدي مودعة حتى لا يشك أحد بأن زواجنا طبيعيا ؟!!!
ـ لا .. أردت فقط أن أخبرك بأنه بما أننا سنظطر للعيش مع بعضنا لفترة لا نعلمها .. فعليكي أن تجدي حلا في كلامك أثناء النوم ...

ظل واقفا بسيارته ينظر إليها ويتأمل ردة فعلها ..أما هي فقد انتصبت واقفة وقالت بتلعثم :
ـ أنا .. غير صحيح .. لا ...

كان وجهها قد اكتسى باللون الأحمر من شدة الخجل الذي شعرت به .. واستمر هو في النظر إليها وكأنه يستمتع بإحراجها .. شعرت بأنه يخفي ضحكة وراء ملامحه التي يتصنع فيها الجدية ..

وأخيرا تحرك بسيارته بينما ظلت هي مسمرة في مكانها إلى أن ابتعدت سيارته ..
راحت تسير بسرعة إلى المدرج .. ليس رغبة منها في عدم التأخر عن المحاضرة .. بل رغبة منها في أن ترى سمر بأسرع وقت .. كانت لا تزال تشعر بحرارة وجهها من الخجل .. لم تخبرها سمر من قبل بأنها تتحدث وهي نائمة .. وأخذت تشكك في أن هذه كذبة منه لمجرد إحراجها ..

دخلت إلى المدرج بعد التاسعة والنصف ببعض الدقائق .. ولكن الدكتور لم يكن قد أتى بعد .. فتوجهت بسرعة إلى حيث تجلس سمر .. حيث كانت تحتجز لها مقعدا بجانبها .. فجلست عليه وحينما انتبهت سمر لقدومها هتفت بحماس :
ـ عروستنا سااااااارة !!
بدا عليها السعادة لرؤيتها ولكنها لاحظت احمرار وجنتيها .. فسألتها مداعبة:
ـ تبدين وكأن أحدهم قد صفعك على خدك !
ـ نعم إن هذا صحيح .. لقد صفعني الوليد بكلامه .. هل تصدقين ذلك ؟!! .. لقد قال لي بأني كنت أتحدث وأنا نائمة !!.. لا يمكن أن يكون هذا صحيحا .. أخبريني بسرعة ..هل كنت أتحدث وأنا نائمة حينما كنت معك في السكن ؟؟؟

عقدت سمر حواجبها محاولة استيعاب كلامها .. ثم فجأة انفجرت في الضحك ..

ـ سمر أرجوكي ليس هذا وقتا للضحك
ـ ههههههههههههههه .. لا يعقل .. ههههه هل حقا أخبركي بأنكي كنتي تتحدثين أثناء نومك ؟؟

لم تجاوبها سارة .. ظلت صامتة بعصبية تنتظر أن تجاوبها هي على سؤالها .. فردت سمر أخيرا :
ـ حسنا .. أنتي لا تتحدثين وانتي نائمة

تنهدت سارة بارتياح .. وقد خف خجلها قليلا وهي تشعر بأنه كان يمازحها فقط ..

ـ ولكن ..

قالت سمر ذلك فقاطعتها :
ـ ولكن ماذا ؟؟؟؟
ـ ولكنك كنتي أحيانا حينما تكوني مريضة أو مرهقة تتحدثين ..

سكتت قليلا ثم تابعت وهي تضحك :
ـ لا بد وأنك كنتي مرهقة جدا ليلة أمس .. ولكن لا تقلقي .. لم أكن أفهم منك شيئا حينما كنتي تتحدثين أثناء نومك !

لم تستطع أن تتابع الحديث معها .. فقد دخل الدكتور .. ولكنها ظلت تفكر في كلامها .. إنها حقا كانت متعبة كثيرا في ليلة أمس .. هل يعني هذا أنها قد تحدثت وهي نائمة بالفعل ؟!!

طردت الفكرة من رأسها .. لا يجب أن تحقق له هدفه في إحراجها .. ولكنه قد حققه بالفعل ! ..حاولت أن تتناسى الموضوع وركزت في المحاضرة ..

أخبرهم الدكتور عن اسم الكتاب الذي عليهم شراءه فتذكرت أمر المال .. كيف نسيت أن تطلب منه مصروفها ؟!!.. تذكرت اتهامه لها ليلة أمس بأنها لم تتزوجه إلا من أجل المال .. إذا طلبت منه هي المال ولم تنتظر أن يعطيها هو من نفسه فستؤكد له أنه كان على حق ....

تحاول أن لا تعطي أي أهتمام لكلامه وظنونه بها .. ولكنها لم تنجح في ذلك حتى اللحظة ..

ـ هل مازلتي تفكرين بالأمر ؟

همست لها سمر بذلك وهي تكتم ضحكتها .. ثم أمسكت بيديها وقد لاحظت الخاتم التي ترتديه ..
فعلقت عليه قائله :
ـ إنه رائعا جدا .. يبدو أنه يهتم لأمرك كثيرا ليشتري لكي دبلة كهذه !
ـ يهتم لأمري ؟! .. لقد أعطاني هذا الخاتم للشكليات فقط لا غير .. قال لي ذلك وهو يعطيني إياه ..

رفعت سمر حاجبيها غير مصدقة ثم سألتها عن ماحدث معها بالأمس منذ أن تركتها .. كان الدكتور قد أنهى محاضرته .. فحكت لها باختصار كل ماحدث بينها وبين الوليد أثناء انتظارهما للمحاضرة التالية .. وبعد أن انتهت من الحديث علقت سمر :
ـ لا بد من أن هناك سبب يجعل الوليد يعاديكي بهذه الطريقة !
ـ ربما توقع مني أن لا أوافق على الزواج منه .. فيكون بذلك قد أراح ضميره من ناحية الوصية
ـ وما الذي يجعله يتمنى عدم موافقتك ؟.. ما الذي سيخسره من هذا الزواج ؟ .. إلا إذا كانت هناك امرأة اخرى في حياته
ـ الوليد ؟!! .. امرأة ؟!! .. لا أعتقد .. بدا لي أنه يكره جميع النساء .. باستنثاء اخته بالطبع
ـ اخته .. لمياء تلك .. لا تبدو لي لطيفة

وافقتها سارة وهي تشعر بالانزعاج .. فهي لا تتحمل الوليد حتى تتحمل أخته أيضا ..

أكملت سمر كلامها قائلة :
ـ ولكني ظننت أنك ستتغيبين اليوم أيضا ..
ـ يكفي أنني تغيبت بالأمس .. لا أريد أن تضيع عليا محاضرات أكثر من ذلك .. كما أن الوليد لم يتغيب عن عمله .. فلماذا أفعل أنا ذلك ؟!!

حينما انتهت من آخر محاضرة لها .. كانت الساعة تتجاوز الخامسة عصرا بقليل .. وتسائلت إن كان عليها أن تنتظر السائق الذي أخبرها الوليد عنه أم تستخدم المواصلات كعادتها ..

وقطع هذه الحيرة اتصال رقم غريب بها .. اكتشفت حينما ردت أنه السائق .. وصف لها سيارته .. فتمكنت من التعرف عليه بسهولة .. كان يبدو في الخمسينات من عمره .. وهناك بعض الخصل البيضاء تظهر في شعر رأسه .. تعرفت عليه .. وطلب منها أن تناديه بعم سليم .. كان لطيفا جدا .. كخيرية تماما .. أما سيارته فكانت أكبر من سيارة الوليد من نوع الجيب ..

حينما وصلت إلى المنزل .. حاولت أن تفتح الباب ولكنه كان مغلقا .. فرنت على الجرس وهي تفكر أنه يجب أن تمتلك نسخة من مفتاح المنزل .. ولم تمضي ثوان حتى فتحت خيرية لها الباب على الفور .. فابتسمت لها سارة وقالت :
ـ مرحبا
ـ مرحبا بالعروسة .. كيف تشعرين ؟
ـ أكاد أموت جوعا .. هل أعددتي شيئا على الغداء ؟
ـ نعم بالطبع .. لحظات ويكون الطعام جاهزا

انطلقت خيرية إلى المطبخ .. أما هي فقد اتجهت نحو غرفتها .. وهي تفكر .. لا بد وأن خيرية تشعر ببعض الغرابة .. فهي والوليد خرجا من البيت في أول يوم لزواجهما .. وهاهي تعود الآن ولا تنتظره حتى يأتي على الغداء ..

ولكن مايميز خيرية أنه ليس من عادتها أن تتدخل في الشؤون الخاصة لأهل البيت .. إلا حينما يطلب منها ذلك ..

انتهت من ارتداء بيجامتها ذات الأكوام الطويلة ثم وقفت أمام المرآة تتأمل شكلها .. شعرت بالحر من هذه البيجامة ولكنها مع ذلك صممت على ارتدائها .. على الأقل حتى تعتاد هي على وجود الوليد معها في منزل واحد ..
أخذت تتأمل جسمها الممشوق .. وشعرها الذي يصل طوله إلى تحت أكتافها بقليل ..
ولا تدري لماذا أخذت تقارن نفسها بلمياء ؟!! ..

كانت لمياء في نظرها فاتنة الجمال .. شعرها الذهبي الذي لا تعرف هل هذا هو لونه الحقيقي أم أنها تصبغه .. بينما شعرها هي بني غامق ولا يبدو بنفس نعومة شعر لمياء ..

ملامحها الجميلة والجذابة التي تجعلها تبدو كالأجانب .. وعلى الرغم من أنها تشعر أن ملامحها هي أيضا تبدو جميلة .. ولكنها ليست فاتنة كلمياء ..
شفتا لمياء ممتلئتين .. بعكس تماما شفتاها التي تظهر كخط رفيع صغير..

لمياء أيضا تبدو أكثر نحافة منها .. ولكنها لم تشعر بالاستياء من ذلك .. فالنحف الشديد أمثال جسم لمياء لا يعجبها .. تحب أن تبقى نحيفة كما هي .. وأن تحافظ على جسمها كما هو .. لا أن تنحف أكثر .. ولا أن يزداد وزنها عن ذلك ..
وشعرت بأن هذا هو الشئ الوحيد الذي تغلبت فيه على لمياء ..

أخذت تصف نفسها بالحمقاء لإجراء مقارنة كهذه .. لماذا تهتم بشكلها إلى هذا الحد ؟!! ..ولماذا تقارن نفسها بلمياء ؟!!

نظرت إلى حقيبتها التي كانت لا تزال على الأرض .. وقررت أن تفرغ مابداخلها بعد أن تأكل .. وتمنت أن يتأخر الوليد إلى أن تنتهي هي من ترتيب أغراضها بالغرفة ..

خرجت من غرفتها وراحت تقفز السلالم بمرح .. شعور جميل أن تعيش في بيت مكون من طابقين .. وأن تجد سائقا يقلك من الجامعة بدلا من أن تتبهدل في المواصلات .. وأن يكون هناك من يعمل على ترتيب البيت وتنظيفه دون أن تبذل جهدا في ذلك ..لم يكن من طموحها أن تحيا بترف .. ولكنها بلا شك سعيدة من نظام حياتها الجديد ..

توجهت نحو غرفة الطعام التي كانت تعرفها جيدا .. لقد دعاها عمها مرات كثيرة للغداء معه .. وحينما دخلت الغرفة توقفت للحظة وقد تفاجئت .. كانت لمياء تجلس على الطاولة وقد توقفت عن الأكل حينما رأتها ..

ألقت عليها سارة التحية واتخذت مكانا للجلوس وهي تشعر بالارتباك .. لقد ظنت أنها ليست بالمنزل .. انزعجت لأنها لن تستطيع أن تأخذ راحتها في الأكل .. ولكنها كانت جائعة لدرجة أنها تغلبت على ارتباكها وراحت تأكل بشراهة .. هي تعرف أكل خيرية جيدا .. إنها طباخة ماهرة ..

لم يكن الأكل بالشوكة والسكينة من الأمور الغريبة عليها .. بل هي معتادة على الأكل بهما .. ولا شئ جديد عليها .. سوى وجود لمياء معها التي أخذت تتأملها بكبرياء .. وحينما وجدتها لا تعطي لها أي اهتمام تكلمت أخيرا قائلة :
ـ من الغريب أن تخرج المرأة من بيتها .. في أول أيام زواجها !
ـ لم أشأ أن تفوتني محاضرت في الجامعة
ـ و ماذا عن أخي ؟ .. لماذا برأيك يذهب إلى العمل في أول يوم لزواجه منك ؟؟؟
ـ أعتقد أن هذا السؤال من المفترض أن توجهيه له هو وليس لي

لم تفهم إلى ماذا تريد لمياء أن تلمح .. ولكنها متأكدة أنها تحاول إهانتها .. ثم سمعتها تقول بمكر :
ـ أظن أن أخي قد مل بسرعة ..

حدقت بها وقد بدا عليها الاستياء من كلامها .. فضحكت لمياء بخبث وقالت:
ـ إنني أمزح فقط ..

كانت لا تزال تشعر بالغضب منها .. ولكنها لن تسمح لها بأن تعكر صفو مزاجها .. فسألتها بسخرية :
ـ وانتي أليس لديكي أي شئ تفعليه سوى الجلوس في البيت ؟؟
ـ بالتأكيد لدي .. سأبدأ دراستي من الغد

قالت ذلك ثم تابعت بغرور :
ـ كنت أدرس الهندسة في كندا وسأتابع دراستي هنا .. أنا متأكدة أن الدراسة هنا لن تكون متقدمة ككندا .. ولكني أمل أن تكون الجامعة الأمريكية التي سجلت فيها جيدة نوعا ما ..

ترى مالذي جعلها تترك كندا وتأتي مع الوليد إلى هنا ؟!! .. لماذا لم تبقى هي هناك ؟؟ .. أم أنه ربما أجبرها على القدوم إلى هنا لتكون معه ؟!!

لقد انفصل عمها عن زوجته منذ زمن .. هذا ما قاله لها عمها بنفسه .. وبقي الوليد ولمياء يعيشان معه .. إلى أن سافرا للدراسة بكندا .. حيث كانت والدتهم المطلقة تعيش هناك .. فأقاموا معها .. ولكنها توفيت منذ خمسة سنوات على ماتتذكر .. أي بعد وفاة والدها ببضعة شهور ..

عادت سارة لتسألها :
ـ في أي سنة انتي ؟؟
ـ أنا في السنة الرابعة

إذا هي تصغرها بعامين .. كانت واثقة أنها أصغر منها ولكنها لم تستطع أن تخمن بكم عام ..

ـ وانتي .. سمعت أنك تدرسين الطب

قالت لمياء ذلك وهي تنطق كلمة ( الطب ) بقرف واضح .. فأجابتها :
ـ هذا صحيح .. وهذه هي آخر سنة لي في الدراسة

لم تكن تتحدث بغرور مثلها .. بل تحدثت بلطف .. وهي تحاول أن تتحسن علاقتهما .. فمهما يكن ستظل هي أخت زوجها .. وقد تضطر للعيش معها لفترة طويلة ..

ـ أنا لا أعرف كيف تتحملون تشريح الجثث والحشرات .. هذا مقرف
ـ إننا لا نقوم بالتشريح إلا في أول سنة .. ثم لو أن جميع الناس سيمتنعون عن دخول كلية الطب لمجرد أن فيها تشريح فمن سيتبقى ليكون طبيبا ويعالج المرضى ؟!!

نظرت إليها لمياء وهي لم يعجبها كلامها .. ثم وأخيرا قامت بعد أن كانت قد أنهت طعامها .. واستأذنت بالانصراف .. بطريقة لا تخلو من الكبرياء ..

وشعرت هي بأريحية أكثر بعد انصرافها .. فتابعت الأكل وهي تستمتع أكثر بمذاق الطعام ..
وبعد أن انتهت .. صعدت إلى غرفتها وبدأت في إخراج ملابسها من الحقيبة وترتيبها في الخزانة .. حيث كان الوليد ايضا يضع ملابسه ..

كان شعورا غريبا أن يشاركها رجل غرفتها .. وهي لا تستوعب بعد أن هذا الرجل يكون زوجها ومن الطبيعي أن يشاركها في خزانة الملابس وفي السرير أيضا !!..
يبدو أنها ستحتاج إلى الكثير من الوقت حتى تعتاد عليه ..

حينما انتهت من ترتيب ملابسها راحت تذاكر بعض الوقت .. وفي الساعة الثامنة بالضبط .. نزلت بسرعة إلى الصالة التي يوجد بها التلفزيون .. وتمنت أن لا تكون لمياء فيها .. ولحسن حظها لم تكن فيها .. ففتحت التلفزيون وأخذت تبحث عن المحطة التي تريدها .. حتى وجدتها أخيرا .. كرتونها المفضل .. شاهدته عشرات المرات ولم تمل منه بعد .. كان لايزال في أغنية البداية

حلمت بالسعادة .. حلمت بالحياة
وسكت الدروب .. واشتدت الخطوب .. فجئت من سراب
فتحت لي الأبواب ... حملت ليا العطايا ...
لتزهر الأحلام .. وتضحك الأيام ...
يااااااااااااااااااااا... يا صاحب الظل الطويل

كانت تستمع إلى تلك الكلمات وهي تتذكر ظل الوليد الطويـــــــــــــــــــل .. الذي شاهدته في الصباح ..
تمددت على الكنبة وقد اندمجت في متابعة الحلقة .. كانت تنفجر من الضحك على تصرفات جودي آبوت المضحكة ..رغم أنها شاهدت تلك الحلقة مرات عديدة .. وحفظتها أيضا ..

وفي مرة من المرات التي كانت تضحك فيها .. خيل إليها أن أحدهم قد دخل .. فألتفتت لترى من وهي تتمنى أن لا تكون لمياء .. ولكنها اعتدلت في جلستها بسرعة .. حيث كان الوليد هو من يقف أمامها ..

كان يبدو مرهقا .. فسلم بفتور ثم سألها :
ـ أين لمياء ؟
ـ أعتقد أنها بغرفتها ..

وفي نفس اللحظة التي كانت تنطق فيها هذه الجملة سمعا صوت لمياء وهي تقفز من فوق السلم .. يبدو أنها قد انتبهت لقدومه .. ركظت نحوه واحتضنته وراحت تقول بدلال :
ـ وأخيرا جئت .. لقد افتقدتك كثيرا
ـ وأن أيضا افتقدتك

قبلها الوليد من رأسها ثم ابتعد عنها وراح يمسح على رأسها بحنان لم تكن تتخيل سارة أنه يمتلكه ! .. وسألها :
ـ هل ارتحتي من السفر ؟
ـ نعم لقد ارتحت .. ولكن البيت مملا جدا من دونك

شعرت بأنها تلمح أن لا قيمة لوجودها ..

ـ انتي تعرفين أنني مشغول جدا في الشركة هذه الأيام .. ولولا ذلك لقضيت معك اليوم كله

قال ذلك ثم بدأ بالسير معها وهو يحيط بكتفها .. ثم ابتعدا عنها وراح كلامهما يتلاشى عن سمعها .. ولم تعد تسمع بقية حديثهما ..

لا تدري لماذا شعرت بكل هذا الانزعاج حينما شاهدت لمياء تحتضنه ؟!!.. وحينما رأته هو يعاملها بحنان .. ربما لأنه لا يعاملها بنفس الأسلوب .. أو لأنه لم يلقي لها بالا وكأنها ليست موجودة في هذا البيت ..

حاولت من جديد أن تطرد تلك الأفكار من رأسها .. فإذا كان الوليد و لمياء لا يهتمان بوجودها .. فعليها أن لا تهتم بهم هي أيضا .. وأن لا تترك لهم حيزا من أفكارها ..

صعدت إلى غرفتها وقبل أن تقرر النوم تذكرت بأنها لم تفاتح الوليد بعد في موضوع المال .. وفكرت في أن تذهب إليه الآن وتحدثه .. ولكنها تراجعت .. من الأفضل أن تنتظره حتى يأتي هو إلى الغرفة ..

مسكت أحد كتبها وراحت تذاكر فيه وهي تنتظره أن يأتي .. ومرت ساعة كاملة وهو لم يأتي بعد .. نظرت إلى الساعة فرأتها تشير إلى الحادية عشر .. أخذت تتثائب وهي تحاول أن تتغلب على النعاس .. وتسائلت ماذا يفعل الوليد كل هذا الوقت ؟! هل مازال يتحدث مع لمياء ؟!! أم إنه ينجز بعض الأعمال المتعلقة بالشركة ؟!..

تركت الكتاب مفتوحا بين يديها على الرغم من أنها لم تعد تستطع التركيز في أي مما تقرأه .. وأخذت تنتظر .. وتنتظر .. وتنتظر .. حتى غلبها النوم ...

سمعت الباب وهو يفتح ويغلق فاستفاقت بسرعة وأمسكت بالكتاب لتتظاهر بالمذاكرة .. كان لم يبدل ملابسه بعد .. غير أنه قد فك ربطة عنقه .. نظر إليها وسألها باستغراب :
ـ لماذا مازلتي مستيقظة إلى الآن ؟َ!!

لم يبدو أنه مهتما لمعرفة السبب .. ولكنها أجابته قائلة :
ـ كنت أذاكر ..
ـ وهل هذه طريقة جديدة للمذاكرة ؟!.. أن تمسكي الكتاب بالمقلوب ؟!!

نظرت إلى الكتاب الذي في يدها فوجدت أنه بالفعل بالمقلوب .. انتابها الخجل .. وقالت تدافع عن نفسها :
ـ لقد انتهيت من المذاكرة للتو ..

أمسك ببيجامته وتوجه إلى الحمام .. ولكنها استوقفته بسرعة وهي لا تطيق الانتظار أكثر من ذلك :
ـ هناك أمرا هاما أريد أن أحدثك فيه

نظر إليها باستغراب وسألها :
ـ وما هو ؟؟

أدركت وقتها أنها قد تعجلت .. ولو أنها انتظرت حتى يبدل ملابسه لكان أفضل .. فقالت بارتباك :
ـ الأمر ليس مهما للدرجة .. حينما يكون لديك الوقت سأتحدث معك عنه

كانت على وشك أن تخبره وينتهي الأمر .. ولكنها تراجعت على آخر لحظة .. وهي تشعر أنها لا تمتلك الشجاعة الكافية في تلك اللحظة ..

استرخت على السرير وأغمضت عينيها .. ولكنها شعرت به حينما خرج من الحمام ..

ـ هل انتي مستيقظة ؟

فتحت عينيها ببطأ وقد تفاجئت من سؤاله .. فأجابته :
ـ كدت أن أنام ..
ـ أردت فقط أن أنبهك انني تركت لك مبلغا من المال فوق التسريحة .. توقعت أن تأخذيه بمفردك ولكنني تفاجأت الآن من أنه مازال في مكانه ..

نظرت إلى التسريحة فوجدت بالفعل مبلغا من المال فوقها .. ولكنه لم يخطر في بالها أن يكون هذا المال لها ..

تابع الوليد يقول :
ـ هذا مصروفك لهذا الشهر .. أنا واثق من أنه سيكفيكي ..

كان يتحدث بثقة .. وكأنه ليس أمامها مجالا للاعتراض .. ولكنها رغم ذلك شعرت بأنه أزاح حملا ثقيلا من فوقها ..
وفجأة سمعته يسألها :
ـ والآن .. ماهو هذا الأمر الهام الذي تريدين الحديث عنه معي ؟!
ـ من ؟ .. أنا ؟؟ .. أمر هام ؟!!!
ـ لقد أخبرتني بذلك منذ دقائق .. لا يعقل أن تكون قد نسيتي !

ابتلعت ريقها وقالت بتلعثم :
ـ اها .. نعم .. الأمر المهم .. الأمر المهم .. صحيح الأمر المهم هو .. الـ..... الـ ....... المفتاااح
ـ مفتاح ؟!!
ـ نعم مفتاح البيت .. أريد أن تكون معي نسخة منه حتى لا انتظر خيرية كل يوم لتفتح لي بنفسها ..

أخذ يتأملها لفترة قبل أن يجيبها أخيرا :
ـ حسنا .. سأبحث لكي عن نسخة زائدة وأعطيها لكي

شعرت بأنه يظنها غبية لأن أمرا تافها كهذا مهدت له بتلك الطريقة !!

أطفأ ضوء الغرفة وتمدد على السرير بجانبها .. فابتعدت إلى أقصى مكان في السرير حتى تبقى بعيدة عنه قدر الإمكان .. ولكنه قال لها وقد عادت نبرة السخرية في كلامه :
ـ لا داعي لأن تبتعدي عني كل ذلك.. فأنت آخر امرأة في هذا الكون قد أرغب فيها

ونام تاركا إياها تتألم من جرح كلماته ...

طمووح 16-09-13 10:46 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 

الغيرة هي اعتراف غير مباشر بالحب !

(3)



مرت بقية الأيام على نفس النظام ..محاضرات في الجامعة وتدريب في المستشفى ومذاكرة في البيت .. وبالطبع بعض المشاحنات بينها وبين لمياء ..

أما الوليد فهي لم تكن تراه سوى في وقت النوم حيث كان يقضي معظم يومه في الشركة .. وفي الأيام التي يكون لديها فيها دوام في وقت مبكر كان هو من يوصلها في طريقه بدلا من الذهاب مع السائق ..وهو الشئ الوحيد الذي كان يجعل يومها مميزا ..
إلا أن أغلب تلك المرات تكون لمياء أيضا معهم التي لا تكف عن الحديث مع الوليد طوال الوقت ..فتسرق منها متعة هذه اللحظة ..

وأحلى اللحظات التي كانت تعيشها طوال اليوم هي تلك اللحظة التي يفتح فيها الوليد الباب للخروج في الصباح فتشاهد ظله الطويـــــــــــــل الممتد من ورائه ..

استطاعت أيضا أن تشتري كل كتبها وأدواتها التي تحتاجها في الجامعة .. وسددت مصاريفها المتراكمة عليها التي لم تكن قد دفعتها بعد ..
وبالفعل كان المبلغ الذي يصرفه لها الوليد كل شهر يغطي كل احتياجاتها ويفيض منه ..

في صباح ذلك اليوم استيقطت وهي في غاية نشاطها .. ولم يكن الوليد موجود في الغرفة .. فعرفت أنه سبقها في الاستيقاظ .. وتسائلت ما إذا كان قد ذهب إلى عمله باكرا اليوم .. ففي هذه الحالة سيوصلها السائق ولن تذهب معه ..

تناولت هاتفها من جانبها فوجدت رسالة من سمر .. مفادها أن محاضرة اليوم قد ألغيت ..جلست على السرير غير مصدقة .. إذا اليوم هو عطلة بالنسبة لها .. لأنه لم يكن لديها سوى تلك المحاضرة وقد ألغيت ..

قررت الاتصال بسمر للتأكد منها .. ردت عليها سمر بصوت ناعس :
ـ صباح الخير
ـ صباح الخير .. لقد قرأت رسالتك للتو .. هل حقا قد ألغيت محاضرتنا
ـ نعم لقد ألغيت
ـ وكيف عرفتي ؟؟
ـ كتبوا ذلك على موقع الجامعة .. قرأتها بالأمس .. أعتذر دكتور المادة عن إعطاء محاضرة اليوم لظروف طارئة ..
ـ هذا رااااائع .. أنا سعيدة جدا لهذا الخبر
ـ وأنا أيضا ولكن اتركيني أكمل نومي الآن ..

أعتذرت لها عن إيقاظها مخصوص للتأكد منها ..ثم أقفلت معها الخط ووضعت رأسها على الوسادة للتابع النوم .. ولكنها لم تكن تشعر بأي رغبة في ذلك ..

وخطر على بالها بأن تنزل للتناول فطورها مع الوليد ثم تعاود النوم بعد أن يذهب إلى العمل ..
فقامت وأبدلت بيجامتها بتنورة قصيرة ومن فوقها بلوزة بنصف كم ..كانت ترتدي تلك الملابس فقط حينما تقوم احدى صديقاتها بزيارتها في السكن ..
وتركت شعرها ينسدل على كتفها واكتفت بوضع شبكة شعر صغيرة لجمعه..

أخذت تنزل السلم بحماس كعادتها وتوجهت إلى غرفة الطعام .. وتمنت أن يكون الوليد مازال موجودا ..
حينما دخلت لم يكن هناك سوى لمياء .. فألقت عليها التحية وأتخذت مكانها المعتاد للجلوس ..

دخلت خيرية لتضع بعض الفطائر على المائدة وتمنت أن تسألها هي أو لمياء عن الوليد ولكنها لم تمتلك الجرأة لذلك .. وكادت أن تصاب بالإحباط ولكنها لم تلبث حتى سمعت صوته يأتي عاليا من الصالة وهو يتحدث في هاتفه ..بدا أنه يناقش شيئا يتعلق بالعمل .. و كان يتحدث بحدة وهو يقول :
ـ لقد أخبرتك مرارا أن تنهي العقد مع هذه الشركة ............. لا يهم أدفع لهم مايريدونه ولكننا لن نستمر في العمل معهم

أنهى المكالمة بهذه الجملة .. ولم تمضي لحظات حتى لحق بهم في غرفة الطعام وملامح الغضب تظهر عليه .. ألقى عليهم التحية بهدوء وأتخذ مكانه على رأس المائدة .. فبادرته لمياء بالقول :
ـ أخي لما لا تدع الأمر للمحامي؟ .. لم تحب أن تدير بنفسك كل كبيرة وصغيرة ؟!!

أجابها وقد عاد صوته إلى طبيعته :
ـ حبيبتي إن لم تحلي كل مشاكلك بنفسك أو بمراقبتك فلن تحل ..

لم تقل سارة شيئا وهي لا تحب أن تتدخل فيما لا يعنيها .. ولكنه ألتفت إليها فجأة وكأنه قد لاحظ وجودها للتو .. وقال لها بحدة أخافتها :
ـ ألم تجهزي بعد ؟؟ أنا لن أنتظرك !

أجابته وهي تحاول أن يكون صوتها هادئا :
ـ أنا اجازة اليوم

شعرت بأنه يتسائل عن سبب استيقاظها في هذا الوقت مادامت اجازة .. فتابعت تقول :
ـ لقد أخبرتني صديقتي للتو بأن المحاضرة قد ألغيت

لم يجلس الوليد كثيرا .. فما هي إلا دقائق حتى قام وأرتشف قهوته على عجل .. وقال موجها كلامه للمياء :
ـ أنا انتظرك في الخارج .. لا تتأخري

لحقت به لمياء على الفور .. وتنبهت سارة لملابسها لأول مرة .. حيث كانت ترتدي بنطلون جينز ضيقا .. وبلوزة من غير أكمام .. تمنت مرات عديدة لو أن تنصحها بالحجاب .. أو على الأقل بعدم ارتداء الملابس الضيقة والقصيرة .. ولكنها تعرف جيدا أن لمياء من المستحيل أن تسمع لها هي بالذات ..

بعد أن تركتها لمياء قامت هي الأخرى بسرعة .. واتجهت نحو الصالة حتى لا تفوت مشهدها المفضل .. وماهي إلا ثواني حتى فتح الوليد الباب ليظهر من خلفه ظل الطويـــــــل .. لقد شاهدت هذا المنظر مرات عديدة وفي كل مرة يخفق قلبها كما لو كانت تشاهده لأول مرة ..
كان المنظر لا يستمر سوى للحظات قليلة .. ولكن تلك اللحظات تكون كافية لأن تشغلها اليوم بكامله !

قالت لنفسها بأنها في المرة القادمة ستقف لتراقب ظله من فوق السلم .. حتى تكون قد شاهدته من جميع الزوايا !!.. وتقارن أي زاوية كانت أفضل في الرؤيا فتستقر عليها !!

عادت إلى غرفة الطعام وقررت أن تساعد خيرية في جمع الأطباق ..فرفعت بعض الأطباق في يدها ... ولكنها تركتهم مرة أخرى حينما رأت فنجان قهوة الوليد موجودا في مكانه ..

أقتربت منه وأمسكت به .. فوجدت فيه القليل من القهوة المتبقية .. فابتسمت لنفسها ورفعته إلى فمها وارتشفت ماتبقى من القهوة ..
إنها لا تحب القهوة التركية .. ولا تستطعم مذاقها المر .. ولكن كان لهذه القهوة طعم فريد .. أو ربما هي تتخيل ذلك .. إذ لاشئ مميز في هذه القهوة سوى أن الوليد قد شرب منها !

شهقت فجأة ووقع الفنجان من يدها حينما ألتفتت ورأت خيرية تقف خلفها التي ما إن رأتها هي الأخرى حتى صرخت .. ولكنها توقفت على الفور بعد أن استوعبت الأمر .. ظل كل منهما ينظر للاخر في فزع ويضع يديه على قلبه .. ثم انفجرا في الضحك معا ..

ـ أنا آسفة .. لم أتوقع أن تكوني هنا .. ظننتك قد خرجتي معهم

قالت لها خيرية ذلك معتذرة .. فردت عليها بضحك :
ـ لا عليكي .. لقد فزعت أنا أيضا ..

ثم انثنت على ركبتيها لتلم الفنجان الذي كان قد تكسر إلى أجزاء صغيرة .. فسمعت خيرية تقول لها :
ـ سيدة سارة أرجوكي اتركيه .. قد تجرحين نفسك .. سآتي بالمكنسة وألمه فورا ..

تركته وهي تفكر في أن حتى الفنجان الذي شربا منه كلاهما قد تحطم .. ولم يكتب له أن يبقى .. فهل يلاقي زواجهما نفس هذا المصير ؟!!

أمضت بقية اليوم في المذاكرة والحديث مع سمر عبر النت .. ولم تخرج من غرفتها سوى في وقت الغداء .. ولكنها لم تقابل لمياء ككل يوم حيث كانت قد تغدت مع صديقاتها في الجامعة..الأمر الذي زادها سعادة..

والمرة الثانية التي خرجت فيها من غرفتها كان في الساعة الثامنة مساء .. توجهت إلى صالة التلفزيون كعادتها في كل يوم من هذا الوقت .. وشردت قليلا بعد أن أنتهت من متابعة كرتونها المفضل .. وما إن همت بالقيام لتعود إلى غرفتها وجدت لمياء قادمة نحوها .. وجلست على الكنبة المجاورة لها .. فتراجعت عن النهوض .. لأنها خافت أن تظن لمياء بأنها لا تود الجلوس معها .. وعلاقتهم لا تحتاج إلى مزيد من التوتر ..

ولكن لمياء لم ترفع نظرها من عليها منذ أن أتت .. كانت تنظر إليها بحقد لا يخطأه أحد !!
راحت هي تقلب في قنوات التلفزيون وهي تحاول تجاهل نظراتها تلك ولكنها لم تتحمل أكثر .. فاستأذنت منها وقامت لتعود إلى غرفتها غير آبهة بما قد تظنه لمياء ..

توقفت عن السير حينما سمعت لمياء تقول لها :
ـ هل تعلمين من كان يحدثني في الهاتف منذ قليل ؟

ألتفتت إليها وردت بلا مبالاة :
ـ لست مهتمة لأن أعرف

واستدارت لتكمل سيرها فتكلمت لمياء مرة أخرى قائلة :
ـ إنها خطيبة أخي

تسمرت سارة في مكانها وألتفتت إليها تسألها وهي غير مصدقة :
ـ خطيبته ؟!!!
ـ أقصد من كانت خطيبته .. وكانت ستصبح زوجته لو لم تأتي انتي وتفسدي كل شئ

كانت لمياء تقول كلماتها تلك بحقد واضح .. وأكملت تقول :
ـ المسكينة نورهان .. لم تستطع أن تنسى أخي حتى الآن .. لقد طلب منها أن تتزوجه .. وأن تقبل بأن ينفذ وصية والدي ويتزوجك انتي أيضا .. ولكنها بالطبع رفضت .. فكرامتها لا تسمح لها بأن يشاركها أحد في زوجها ..ومع ذلك فهي مازالت مكتئبة ولم تتمكن من نسيانه .. وأنا واثقة من أن أخي لم يتمكن من نسيانها هو أيضا .. أتمنى أن تفهمي هذا .. وهو أن أخي لن يقضي بقية حياته من دونها .. إنه لم ولن يحب غيرها ..

سكتت لمياء قليلا وأخذت تنظر إليها بحدة تنتظرها أن تقول شيئا .. ولكنها اكتفت بالصمت .. الآن فقد فهمت سبب معادات الوليد لها .. هو يراها السبب الذي فرق بينه وبين من يحب .. لابد وأنه كان يتمنى أن ترفض عرضه بالزواج .. فيكون قد فعل ما عليه تجاه وصية والده .. ويتزوج من خطيبته وهو مرتاح البال .. ولكن موافقتها أفسدت عليه كل أحلامه ..

لم تجرؤ سارة على الالتفات ومواجهة لمياء .. كانت تحشى أن ترى الدموع التي تجمعت في عينيها .. فتابعت السير .. ولكنها شعرت بيد لمياء وهي تمسك بذراعها بقوة لتجبرها على النظر إليها .. وانطلقت تقول في غضب :
ـ حينما أكون أتحدث إليكي فعليكي أن تقفي وتسمعيني حتى أنهي كلامي ..

سحبت سارة ذراعها وهي غير مصدقة تمادي لمياء في الوقاحة معها ..
تابعت لمياء تسألها :
ـ لما لا تقولي شيئا ؟.. هيا تكلمي .. قولي لي بأنك راضية بما تسببت به لأخي ..

وهنا تكلمت أخيرا وقد نفذ صبرها .. فقالت لها بحدة :
ـ تسببت به ؟!! .. اذكر بأن الوليد قد طلبني للزواج دون أن أجبره على ذلك .. أم أنكي لا تعلمين ؟!! .. ثم إنني لا أسمح لكي بالتدخل في أمورنا الخاصة .. إن تلك الأمور فقد الوليد هو الذي يناقشني فيها .. وليس انتي

قالت آخر كلمة تلك وهي تشير بإصبعها إلى لمياء باحتقار .. مما زاد لمياء غضبا .. فدفعتها إلى الخلف وصرخت فيها تقول :
ـ هيا اعترفي بأنكي سعيدة بما أنتي فيه الآن من النعيم .. اعترفي بأنكي لم تقبلي بهذا الزواج إلا من أجل المال .. هل تظنين أنك قد تستطيعين أن تخدعي أخي بادعاء البراءة ؟!! .. هه .. انتي مخطأة .. إن أخي يفهمك جيدا كما أفهمكي أنا جيدا ..

شعرت سارة بأن لمياء تريد أن تستفزها بأي طريقة .. وقد نجحت في ذلك .. ولكنها حاولت الحفاظ على هدوئها وعدم الانجرار في الحديث معها .. فأبعدتها عن طريقها للتتابع السير وتصعد إلى غرفتها ..

ـ لا تستطيعين أن تقولي شيئا .. فماذا ستقولين وكلامي كله صحيحا .. كنتي فقيرة ومشردة فأواكي أبي ووفر لكي كل ماتحتاجين له .. فاستغليتي طيبته الزائدة .. واستطعتي أن تقنعيه بكتابة تلك الوصية حتى تضمني أنكي ستتمتعين بماله حتى بعد وفاته .. يبدو أنك قد ورثت اللئم من أبيكي !

لم تستطع سارة أن تتمالك أعصابها أكثر .. فرفعت أصبعها وقالت لها بنبرة تهديد :
ـ لا تذكري أبي على لسانك

وهنا ابتسمت لمياء بخبث وقالت :
ـ لماذا ؟.. ألا تحبين أن تتذكريه بعد كل ما أذاقك إياه من حرمان وفقر ؟!! تريدين أن تعوضي نفسك عن كل ذلك الآن ؟!!.. أنا آسفة .. ولكن ليس هذا هو المكان المناسب لذلك .. اذهبي وأخرجي عقدك النفسية في مكان آخر ..

وماكادت لمياء تنتهي من نطق آخر كلمة حتى ... طرااااااااااخ

صفعتها سارة على وجهها وقد طفح بها الكيل ..
وضعت لمياء يدها على خدها ثم صرخت تقول قبل أن تنقض عليها وتطرحها أرضا :
ـ أيتها الحقيرة .. كيف تجرؤين ؟!!

أخذت لمياء تصفعها وهي فوقها على الآرض .. فحاولت أن تبعدها من فوقها ولكن دون جدوى .. كانت تشعر بأنها لا تستطيع ألتقاط أنفاسها وبأنها ستختنق .. فراحت تخربش لمياء في وجهها لتدفعها على الابتعاد من فوقها ..

ونجحت في ذلك أخيرا .. ولكنها كانت لا تزال ممدة على الأرض ..
وحينما همت بالقيام سحبتها لمياء من شعرها لتوقعها من جديد .. فراحت بدورها تشدها هي الأخرى من شعرها ولكنها كانت هي التي فوقها هذه المرة .. لا تدري كم مضى من الوقت وهما يتضاربان فقد توقف الزمن بالنسبة لها ..

وفجأة .. شعرت بذراعين قويتين تحتويها لترفعها من فوق لمياء .. عرفت على الفور بأنه الوليد .. لقد كان كلا منهما غاضبا للغاية حتى أنهما لم يسمعا صوته حينما دخل البيت وحينما أمرهما بالتوقف .. كان الوليد لايزال ممسكا بها وهي ترفس برجلها وتصرخ في لمياء قائلة :
ـ تبا لكي ..

فردت عليها لمياء بنفس الصراخ وهي تقول :
ـ أيتها المجنونة والغبية

تركها الوليد أخيرا .. فدفعتها لمياء من كتفها .. فقامت بدفعها هي الأخرى .. وهنا صرخ الوليد بغضب أفزعهما كلاهما :
ـ توقفا !

كانت تشعر بألم في كل مكان في جسمها .. حتى بطنها كانت تألمها من قوة ذراعين الوليد التي أحاطت بها ..
نظرت إلى لمياء فرأت شعرها الذي كان في غاية الجمال قبل المعركة .. قد نكش بالكامل الآن .. كما رأت بعض الخدوش في وجهها .. وأدركت أن شكلها ليس بأفضل حالا منها .. بل قد يكون أفضع ..

كان الوليد يتأملهما بغضب ثم صرخ فيهما :
ـ هل جننتما ؟!! .. أنظرا ماذا فعلتم بنفسيكم ؟!! .. ماذا تركتم للأطفااااال ؟!!!!

وهنا انفجرت لمياء في البكاء وأرتمت في حضنه وهي تقول :
ـ ولييد .. انظر ماذا فعلت بي تلك المتوحشة .. أنا لن أبقى في هذا البيت لحظة أخرى مادامت هي فيه

أخذ الوليد يربت على كتفها وقال والغضب لايزال في صوته :
ـ ليخبرني أحدكم ماذا حدث هنا ؟!!

كانت سارة تنتفض من شدة الغضب .. وشعرت أن لسانها قد عقد فلم تستطع أن تنطق بكلمة .. إنها عادة فيها منذ الصغر .. ما إن تغضب حتى لا تستطيع أن تتكلم ولا أن تحكي عن السبب الذي يغضبها ..

وبالطبع لمياء لم تترك لها أي وقت .. فقد ابتعدت أخيرا عن الوليد وقالت وهي تجهش بالبكاء :
ـ أنا لم أفعل شيئا .. هي التي بدأت وصفعتني على وجهي

نظر الوليد إليها وسألها بحدة :
ـ هل هذا صحيح ؟؟

فعرفت أن عليها أن تتكلم وإلا ستحكي لمياء شيئا آخر غير الذي حدث .. فقالت وهي تنطق الكلمات بصعوبة :
ـ لـ..قد...أها...نتني ..

انطلقت لمياء بسرعة تدافع عن نفسها قائلة :
ـ لا تصدقها يا وليد .. لقد قلت لها فقط أنها تزوجتك من أجل المال فغضبت .. هل أنا مخطئة في ذلك ؟!!.. وحتى لو كنت مخطئة.. لماذا تصفعني؟!! ..هذا ليس من حقها ..

اتسعت عينا سارة وهي تنظر إلى لمياء التي تتظاهر بالبراءة أمام الوليد وبأنها المسكينة المظلومة ..

عادت لمياء إلى البكاء مرة أخرى وقالت:
ـ أنا لن أبقى هنا لحظة أخرى .. سأعود إلى كندا .. لم أكن أعرف أني سأهان بهذه الطريقة في منزل والدي ..

وتظاهرت بأنها ستنصرف ولكن الوليد أمسك بذراها وقال :
ـ لمياء انتظري .. سنحل الأمر

سحبت لمياء ذراعها من يده وقالت بعنف :
ـ أي أمر هذ الذي ستحله ؟!! .. لقد رأيتها بنفسك وهي فوقي على الأرض وتضربني ومع ذلك لا تفعل شيئا وكأن عندك شك في أنني قد أكون أنا المخطئة !

وحاولت الانصراف مرة أخرى ولكن الوليد أمسكها من جديد وقال لها بحدة:
ـ قلت لكي انتظري ..

كانت سارة مذهولة بما تراه أمامها .. وتسائلت كيف تجيد لمياء التمثيل بهذه البراعة؟!! .. هل هذه هي نفسها التي كانت تهينها وتضربها منذ قليل ؟!!.. لقد شكت في نفسها لدرجة أنها راحت تتذكر الكلام الذي قالته معتقدة أنها قد تكون هي التي أخطأت ..

وخرجت من أفكارها حينما سمعت الوليد يقول لها :
ـ سارة انتي من بدأتي بالضرب .. لذلك فأنتي مدينة لها بالاعتذار الآن

كانت لا تزال ترتجف من الغضب فلم يسبق لها وأن أغضبها أحد لهذا الحد .. وتكلمت أخيرا قائلة :
ـ لقد أهانتني ..

جاء رد الوليد سريعا :
ـ حتى لو فعلت .. لم يكن يجدر بك أن تضربيها !
ـ لقد ضربتني هي الأخرى

وهنا قالت لمياء بسرعة :
ـ كنت أدافع عن نفسي يا وليد

كتف الوليد ذراعيه واستمر بالنظر إلى سارة وكأنه ينتظر منها أن تعتذر .. فقالت وقد دمعت عيناها ولكنها لم تسمح لدموعها بالنزول كي لا تضعف أمامهما :
ـ أنا لن أعتذر

ـ انظر .. إنها حتى لا تريد الأعتذار !

قالت لمياء ذلك وهي تشير إليها .. فنظرالوليد إلى سارة من جديد وقال لها بنبرة أخافتها :
ـ بل ستعتذري

وهنا شعرت بقمة الظلم والاهانة .. هل تهينها لمياء وفوق كل ذلك هي التي تعتذر لها ؟!! .. ماذا سيبقى لها من كرامتها إن فعلت ذلك ..

وأخيرا وجدت القوة الكافية للتتكلم وتقول :
ـ ماذا تظن نفسك أنت وأختك ؟!! هل تظناني جارية عندكم اشتريتموها بمالكم ؟!! .. عليكم أن تحترموني كما احترمكم أنا .. هي تأتي وتهين كرامتي وتريدني أن أسكت لها ؟!! ..بالطبع كان علي أن أصفعها .. إذا لم تنجح انت في تربيتها جيدا فسأقوم أنا بهذه المهمة عنك ..

وهنا شعرت بصفعة قوية على خدها.. ولحسن حظها كانت تقف أمام الكنبة .. فوقعت عليها .. وانتشر شعرها فوق وجهها .. وخدها صار مخدرا من شدة الصفعة .. وسمعته يسألها بحدة :
ـ هل ستعتذرين الآن ؟!!

شعرت بدموعها وهي تنهمر بحرارة على خديها .. فقالت بصوت مكتوم من بين دموعها :
ـ آسـ..فة....أنا... آسفة

وراحت تجهش في البكاء .. ولم تستطع أن تمنع نفسها هذه المرة ..
لم تتمكن من أن ترى ردود أفعالهم .. ولكنها سمعت وقع أقدام لمياء وهي تركض على الدرج .. وفي نفس الوقت سمعت باب البيت وهو يغلق بقوة ..

الظلم و القهر و المهانة و الضعف .. هذا ماكانت تشعر به الآن .. ليتها استطاعت أن تدافع عن نفسها أكثر .. أو أن تمنع نفسها من البكاء أمامهم .. لابد وأن لمياء تشعر بالرضى الآن ..

أخذت تبكي بقوة وهي تشعر بأن كل كرامتها قد أهدرت ..
واستمرت على هذا الوضع حتى نامت في مكانها ..

لا تدري كم مضى من الوقت وهي على هذا الوضع .. حتى سمعت صوت يقول لها :
ـ سيدة سارة .. سيدة سارة

رفعت رأسها لترى خيرية تقف أمامها ..التي تابعت تقول لها :
ـ قومي وارتاحي في غرفتك ستـ....

توقفت خيرية عن الكلام حينما رأت وجهها .. وهتفت تسألها بذعر :
ـ يا إلهي .. من فعل هذا بك ؟!!

كانت خيرية نائمة في الوقت الذي تشاجرت فيه مع لمياء .. ويبدو أنها لم تشعر بشئ ..
شعرت بالارتياح لأنها على الأقل لم ترى الوليد وهو يصفعها .. على الأقل لم تفقد كرامتها أمامها هي الأخرى ..

وضعت خيرية يدها على خدها لتتفحصه فتألمت سارة وأبعدت يدها بسرعة .. ثم نهضت لتصعد إلى غرفتها .. ولكنها شعرت بالدوار .. حتى إنها كادت أن تقع ولكن خيرية أمسكت بها

ـ يا إلهي .. دعيني أساعدك .. لا يبدو أنك بخير

ولكنها سحبت يدها بعد أن استعادت توازنها وقالت لها :
ـ أتركيني وحدي ..

ثم صعدت إلى غرفتها .. وحينما فتحت الباب لم يكن الوليد بالغرفة .. فشعرت بالراحة وتمنت أن لا يبات الليلة هنا ..
لم تجد القوة حتى لتنظر إلى الساعة وتعرف الوقت .. ولكنها شعرت بأنهم في منتصف الليل ..

ارتمت على السرير ودفنت وجهها في الوسادة لتكتم صوت بكائها ....

طمووح 18-09-13 10:47 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حينما فتحت عينيها أخذت تنظر حولها فلم ترى أحدا معها في الغرفة .. أخذت تستعيد أحداث الأمس .. فراحت دموعها تذرف من جديد ..
تناولت هاتفها لتنظر إلى الساعة .. فوجدتها تشير إلى الثامنة صباحا .. ورغم كل الكآبة التي هي فيها إلا إنها لم تنسى أن لديها محاضرة بعد ساعة من الآن ..
نهضت بتكاسل من فوق السرير فشعرت بدوار شديد .. مما جعلها تجلس على السرير قليلا حتى يخف الدوار .. أثناء جلوسها كانت المرآة أمامها .. فهتفت ما إن رأت شكلها :
ـ يا إلهي ..

قامت من على السرير واقتربت من المرآة لتتفحص وجهها أكثر .. كانت عينيها محمرتين ومنتفختين من كثرة البكاء .. أما خدها الأيمن الذي صفعها فيه الوليد .. فكان مزرقا وتظهر فيه كدمة كبيرة .. ويظهر أيضا جرح صغير بجانب شفتيها يؤلمها ما إن تفتح فمها ..

كيف ستذهب إلى الجامعة الآن ؟!!.. وماذا ستقول لهم ؟!! .. أخذت تفكر في أن تتغيب اليوم .. ولكن هذا لم يبدو لها حلا .. فلو غابت اليوم ستذهب غدا .. وفي كل الأحوال ستكون مضطرة لمواجهتم ..

فتلك الكدمة ستحتاج إلى مالايقل عن أسبوع حتى تختفي تماما .. هي تعرف هذا ليس فقط لأنها تدرس الطب .. بل لأنها أيضا كان يحدث لها ذلك كثيرا وهي صغيرة .. حينما كان والدها أو زوجته يضربانها .. لقد أصبحت خبيرة في تلك الأمور ..

قررت بأنها ستذهب الجامعة وستتحجج بأي حجة لزملائها...

دخلت الحمام وغسلت وجهها جيدا آملة في أن تخفي أثار بكائها .. وخرجت لترتدي ملابسها ..
فكرت في أن تضع بعض كريم الأساس على خدها ليخفي آثار الكدمة قليلا.. ولكنها حينما جربت وجدت أنه لم يحدث فرقا .. فغسلت وجهها من جديد .. وقبل أن تخرج من الغرفة تأكدت من أن عينيها قد عادتا إلى طبيعتهما..

وقفت في أعلى السلم تحاول الاستماع إلى الأصوات التي تأتي من غرفة الطعام .. لم تكن تريد أن ترى أيا من الوليد أو لمياء على الأقل وهي في هذه الحالة .. فانتظرت حتى رحيلهم ..
كانت تسمع لمياء وهي تتحدث بمرح وكأنها لم تفعل شيئا بالأمس !!

وبعد مرور بضعة دقائق سمعت صوت الكراسي حينما قاموا بتحريكها .. فعرفت أنهم سيخرجون من المنزل الآن .. فتوجهت بسرعة إلى غرفتها مرة أخرى حتى لا يروها .. وانتظرت في الغرفة حتى سمعت صوت باب البيت وهو يغلق ..

فكرت في أن تنتظر بعض الدقائق الأخرى قبل أن تخرج من البيت حتى يكونا قد انصرفا ..

كان لا يزال أمامها مايكفي من الوقت .. فقررت النزول إلى غرفة الطعام حتى تتناول شيئا ..كانت تتضور جوعا كعادتها دائما حينما تكون مكتئبة..

دخلت غرفة الطعام وأخذت تأكل بعض الفطائر على عجل دون حتى أن تجلس .. راحت تتناول الفطائر بشراهة .. وفجأة سمعت وقع أقدام من خلفها .. ألتفتت وهي تتوقع أن تكون خيرية هي القادمة ..

ولكنها صدمت حينما رأت الوليد .. كان يبدو مستعجلا ولكنه تسمر في مكانه ما إن رآها .. وأخذ يتأملها بتعمق ..

تسائلت عن السبب الذي جعله يعود مرة أخرى .. ولم تستغرق وقتا حتى عرفت السبب ..حيث رأته يمد يده ليتناول محفظته الموضوعة في مكانه ..

شعرت بالاستياء من نفسها لأنها لم تلاحظ وجودها .. كان بإمكانها أن تتفادى هذه المواجهة ..

بدا الوليد مترددا في الحديث ولكنه تكلم أخيرا قائلا :
ـ صباح الخير

وبالطبع لم ترد عليه ..وأخذت تفكر في مدى جرأته ..فبعد كل ما فعله معها بالأمس يأتي اليوم ويتحدث إليها وكأن شيئا لم يحدث ..
توجهت نحو الباب لتخرج من الغرفة .. ولكنه أمسك بذراعها ليمنعها من الذهاب ..

نظرت إليه بحدة وقالت له بغضب :
ـ أبعد يدك عني

ولكنه لم يتركها .. واستمر ينظر إليها بتفحص .. وهم ليقول شيئا ولكنه تراجع .. ومرت بينهما لحظة صمت .. حتى قال لها:
ـ تعالي لأوصلك

سحبت ذراعها بعنف

ـ لن آتي معك .. إنني أفضل السير على قدمي على أن آتي معك ..

قالت له ذلك ثم انصرفت وتركته ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ


حينما دخلت قاعة المحاضرات حاولت الذهاب إلى آخر مقعد في القاعة لتجلس فيه وتمنت أن لا تلاحظها سمر .. ولكنها سمعتها فجأة وهي تناديها باسمها .. تظاهرت بأنها لم تسمعها واستمرت في السير .. ولكن سمر لم تتركها وتوجهت إليها وهي تقول :
ـ ماذا .. ألم تسمعيني ؟!!
ـ اها سمر .. هل كنتي تناديني ؟؟.. آسفة لم انتبه كنت شاردة ..
ـ تعالي سنجلس هنا .. حجزت لك مكانا

قادتها سمر إلى حيث كانت تجلس هي واحدى صديقاتهم ..
بدت سمر أنها لم تنتبه بعد للكدمة التي في وجهها .. ولكنها عرفت في قرارة نفسها أنها ستلاحظها عاجلا أو آجلا ..

كانت صديقتهم سلوى تجلس بجوارهم وما إن رأتها حتى قامت لتسلم عليها .. ولكنها وضعت يديها على فمها واطلقت شهقة فزع وسألتها بقلق :
ـ ماذا حدث لخدك ؟!!

ألتفتت سمر إليها فاتسعت عيناها وقد بدت أنها لاحظت الكدمة للتو .. وهتفت تقول :
ـ سارة حبيبتي .. سلامتك ..

حاولت أن تطمئنهم فابتسمت لهم رغما عنها وقالت :
ـ لا داعي لقلقكم .. فلا شئ خطير .. كل مافي الأمر انني وقعت من فوق السرير وأنا نائمة بالأمس ..

انطلقت سمر وسلوى في الضحك وأجبرت نفسها على الضحك معهم ..ثم علقت سلوى :
ـ لابد وأنك كنتي تتعاركين مع أحد في منامك

تمنت أن تقول لها أنه لم يكن مناما .. بل كان حقيقة .. ولكنها لم تفعل بالطبع .. فتصديقهم لكذبتها جعلها تشعر ببعض الراحة وأزاح هما عن كاهلها ..

بعد انتهاء المحاضرة تركتهم سلوى وبقيت هي وسمر بمفردهما .. فسألتها سمر على الفور :
ـ ألن تخبريني الحقيقة ؟؟

تفاجئت من سؤالها فقد ظنت أنها صدقتها .. وسألتها بارتباك :
ـ عن أي حقيقة تتحدثين ؟!!
ـ هيا يا سارة .. قد تستطيعين خداع كل الناس ولكنك لن تخدعيني .. أنا صديقتك وأفهمك جيدا .. وأرى الحقيقة في عينيك حتى لو كنتي تتكلمين بغيرها ..
ـ ماذا تريديني أن أقول ؟
ـ الحقيقة .. أنا لم أقتنع بالسبب الذي قلته لنا .. وأعلم أن هذه الكدمة التي على خدك ليست بسبب سقوطك من فوق السرير ..كما أن هذا الخدش الذي عند شفتيك يؤكد على أن هناك سببا آخر ..

تنهدت سارة بعمق وأشاحت وجهها بعيدا عن سمر حتى لا ترى الدموع التي تجمعت في عينيها ..

ـ هل ضربك ؟؟

هكذا سألتها سمر لمحاولة تخفيف مهمة البوح لها ..
أومأت لها بالأيجاب .. فبدا الغضب على سمر وهي تسألها :
ـ كيف يجرؤ على ذلك ؟!!

وهنا عرفت أنها مضطرة لأن تحكي كل شئ .. فبدأت بسرد كل ماحدث معها بالأمس بدئا من كلام لمياء لها .. ومرورا بالشجار الذي وقع بينهم .. وانتهاء بصفع الوليد لها ..

كانت سمر تستمع لها بهدوء دون أن تعلق بأي كلمة .. إلا أن وجهها كان يعبس بشدة تعليقا على بعض الأمور التي تحكيها ..

وبعد أن انتهت هي من الحديث .. ظلت سمر صامتة لفترة .. حتى تكلمت أخيرا :
ـ وماذا ستفعلين الآن ؟؟ .. أقترح بأن تحدثي المحامي حتى يتخذ هو التصرف المناسب مع الوليد ..
ـ لا أريد أن أبدو كالطفلة .. ولا أريد أن أدخل أحدا في هذا الشأن حتى ولو كان أستاذ مجيد الذي اعتبره كوالدي .. ما سأفعله هو أنني سأتحاشى اللقاء معه هو ولمياء .. وسأتجنب أي حديث معهم .. كما فعلت معه في الصباح حينما كلمني وتجاهلته ..
ـ وإلى متى ستعيشين على هذا النحو ؟!!
ـ ليس إلى زمن بعيد .. لقد بت الآن متأكدة من أن زواجي بالوليد لن يستمر .. هو لا يزال يحب خطيبته السابقة .. ولا يزال يتمنى العودة إليها .. أعتقد بأنه سيقدم على الطلاق في نهاية هذا العام ما إن أنهي دراستي ..
ـ أنا لا أصدق كل ما قالته لك لمياء ..قد يكون بالفعل كان خاطبا لفتاة ثم تركها .. ولكن ما أدراها هي إن كان لا يزال يحبها !!
ـ ولكن يبدو هذا أمرا مقنعا بالنسبة لي .. هذا يفسر معاملته الجافة معي ..
ـ دعك من كل هذا .. حتى لو لم يقدم على الطلاق هو فعليك أن تطلبيه انتي .. لا يمكنك العيش مع رجل يتعدى عليك بالضرب !
ـ ولكنه ليس من هذا النوع من الرجال ..
ـ حقا ؟!! ... وبماذا تفسرين مافعله بك بالأمس ؟!!.. لا تقولي لي بأنك تدافعين عنه !!
ـ لا .. أنا لا أدافع عنه .. إنني فقط .. فقط .. أقول لك رأيي فيه..
ـ إذا عليك أن تعيدي النظر في أرائك تلك .. لأنها ليست صحيحة !

كانت سمر تتحدث بغضب كبير .. ولكنها توقفت عن الكلام حتى لا تزيدها غما .. فقد بدا عليها الاستياء .. ولا تدري لماذا أزعجتها فكرة الطلاق لهذه الدرجة ؟!!.. فهي منزعجة جدا من الوليد .. ومع ذلك انزعجت أكثر لفكرة انفصالها عنه !

قاما باستقلال المواصلات للذهاب إلى المستشفى .. حيث كان لديهم اليوم تدريب فيها ..
و حينما وصلا إلى هناك انضما إلى باقي زملائهم الذين سيتلقون التدريب معهم .. وبينما هم كذلك .. إذا بزميلهم "رامي" يقترب منها هي وسمر ويلقي التحية عليهم ثم بادرها بالسؤال :
ـ سلامتك دكتورة سارة ..

وضعت يدها على خدها بسرعة ثم ردت عليه قائلة :
ـ الله يسلمك .. لا شئ خطيركل مافي الأمر أني وقعت ..
ـ اتمنى أن تعتني بنفسك حتى لا يتكرر ذلك معك مرة أخرى
ـ شكرا على اهتمامك

ابتسم لهما ثم انصرف حيث لم يجد شيئا اخر ليقوله ..

ولم تستطع هي أن تخفي دهشتها .. فلم يكن يربطها برامي أي شئ سوى الدراسة .. حيث كانت كثيرا ما تستعير منه ملخصاته في المحاضرات التي تفوتها .. بسبب جمال خطه وتنظيمه .. وترحيبه دائما بالمساعدة ..

وفي كثير من الأحيان كانت تحضر مع بعض الطلبة الذين كان يقوم بالشرح لهم بعض المواد التي يصعب عليهم فهمها من المحاضرة ..

وكزتها سمر على ذراعها وسألتها بمرح :
ـ هل رأيتي ما رأيته ؟
ـ وماذا رأيتي سيادتك ؟؟
ـ رأيت اهتماما منه بك !
ـ هو زميلنا وطبيعي أن يهتم ويسأل .. ولو كنتي انتي المصابة فأنا واثقة من أنه كان سيأتي ويسأل عليك .. الأمر ليس له أي علاقة بي ..

غمزت لها سمر وتابعت تقول :
ـ لا أعتقد .. وحتى لو كان سيفعل فلن يكون بنفس هذه الدرجة من الاهتمام
ـ توقفي عن هذا .. أنا متزوجة وهو يعرف ذلك ..
ـ وهذا مايثير دهشتي .. أنه يهتم لأمرك رغم أنك متزوجة .. لا بد أنه لم ييأس بعد !

تجاهلت كلامها وحاولت أن لا تفكر في الأمر كثيرا .. فهي لا تشعر بأي شئ تجاهه ولا تريد أن تعلقه بآمال فارغة ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


ما إن عادت من الجامعة حتى صعدت إلى غرفتها .. ولم تخرج منها .. حتى جائت إليها خيرية في الغرفة وهي تحمل معها صينية وقالت لها :
ـ لقد أحضرت إليك عصير ليمون حتى يروق دمك ..
ـ شكرا يا خيرية .. أنا ممتنة لك

تناولت منها عصير الليمون وهي تشعر بأنه قد جاء في الوقت المناسب ..
ناولتها خيرية أيضا بعض الثلج الملفوف بقماش وقالت لها :
ـ ضعيه على خدك .. سيساعدك في التحسن
ـ انت لطيفة جدا يا خيرية ..
ـ هذا واجبي يا سيدتي .. والآن عليك أن تأكلي شيئا .. انت لم تتناولي غدائك بعد .. هل تريديني أن أحضره لك هنا في الغرفة ..

كانت تشعر بأنها فكرة جيدة .. حتى تتفادى مقابلة لمياء .. ولكنها أجابتها قائلة :
ـ سأتناول غدائي على سفرة المطبخ

تكلمت خيرية معترضة :
ـ ولكن ..

فقاطعتها قائلة :
ـ ألا تريديني أن أكون مرتاحة ؟!
ـ بلى
ـ إذا نفذي لي ذلك من فضلك
ـ حاضر سيدتي ..

كانت تريد أن تخرج من غرفتها قليلا لتغير الجو .. ومع ذلك لم تكن تريد أن تتقابل مع لمياء على الغداء .. ففضلت أن تأكل في المطبخ ...

وما إن تناولت غدائها حتى صعدت إلى غرفتها مرة أخرى ولم تخرج منها حتى لمتابعة كرتونها المفضل ..
أمضت وقتها في المذاكرة .. ومشاهدة بعض حلقات الكرتون الذي تتابعه من النت ...
ظلت على هذا الوضع حتى سمعت فجأة صوت أقدام على الدرج .. فنظرت إلى الساعة بجانبها فرأتها تشير إلى التاسعة مساء ..
وشكت في أن الوليد قد عاد إلى البيت حيث كان هذا هو وقت عودته في الغالب ..

فقامت بسرعة بغلق حاسبها الشخصي وجمعت كل كتبها المبعثرة ووضعتهم بجانبها .. ثم تمددت على السرير وتظاهرت بالنوم .. ولكنها انتبهت إلى أنها لم تغلق ضوء الغرفة ..
فنهضت على عجل لتغلقه .. وركضت عائدة إلى السرير .. ومن شدة ارتباكها اصطدمت رجلها بالسرير.. فتأوهت بصوت منخفض من شدة الألم الذي شعرت به .. واستمرت بالسير برجل واحدة حتى جلست على السرير أخيرا ..

وقبل أن تتمكن من أن تتمدد عليه .. رأت باب الغرفة وهو يفتح ليدخل الوليد الذي قام بإضائة النور على الفور ..
لقد فشلت مرة أخرى في تجنب مواجهته ..

راح الوليد يتأملها قليلا قبل أن يسألها :
ـ ماتلك الضجة كلها ؟!! .. هل كنت تتعاركين مع أحد في الظلام ؟!!

شعرت بالخجل الشديد لأنها أحدثت كل تلك الضجة حينما صدمت رجلها بالسرير .. وتجاهلت سؤاله ولم تعيره انتباها ..

فدخل إلى الغرفة وقام بخلع سترته .. وارتمى على الكنبة التي بجوار السرير ومد رجله على الطاولة التي أمامه ..وقد بدا عليه الإرهاق ..

تكلمت بحدة وهي تقول له :
ـ إذا لم تكن تمانع أريد أن أنام .. لذا أنتظر منك أن تغلق النور الذي أشعلته ..

وهنا رأته يقوم من مكانه ويتوجه نحوها ..و لم تستطع أن تفسر تعابير وجهه .. جلس بجانبها على السرير وأدار وجهها ليجبرها على النظر إليه .. وأخذ قلبها يخفق بشدة .. راح يلامس خدها المتورم بخفة ولكنها شعرت بالألم فأبعدت يديه ..فسألها بصوت هادئ :
ـ هل يؤلمك ؟؟

لم تفهم معنى نظراته .. ولا الغرض من سؤاله .. ولكنها كانت واثقة من أنه لا يسخر منها في هذه اللحظة .. فأجابته بغضب :
ـ وهل هذا يهمك ؟؟.. أم أنك تريد أن تتأكد من قوة يديك ؟!!
ـ أنا لم أقصد أن أفعل ذلك يا سارة .. لقد أخرجتني عن شعوري وقتها ..

رغم لطفه في الحديث إلا أنها ظلت عابسة في وجهه .. وسألته :
ـ وهل هذا سيغير شيئا ؟؟
ـ لا لن يغير ماحدث .. ولكنني أعدك بأن هذا لن يتكرر

قام من جانبها ليتناول بيجامته وتوجه إلى الحمام ليبدل ملابسه بعد أن أغلق الضوء ..

أما هي فقد ظلت متحيرة مماحدث معها منذ قليل .. وتسائلت هل كان ذلك اعتذار غير مباشر من الوليد ؟!! .. هل كانت محقة حينما فسرت نظراته لها بأنها توحي بالندم ؟!!

ولكنها على أية حال لم تستطع أن تكن له أي مشاعر كره حتى قبل أن تراه نادما ..
تجاهلت مافعله معها بالأمس .. وراحت تتلمس مكان أصابعه على خدها .. وهي تشعر رغما عنها بسعادة غامرة !!

الكونتيسه مزنة 19-09-13 04:11 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ابدعتي واسم الرواية جداا مشوق

تقبلي مروري

طمووح 19-09-13 07:17 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكونتيسه مزنة (المشاركة 3372378)
ابدعتي واسم الرواية جداا مشوق

تقبلي مروري

يا مرحبااااااااااااااا :yjg04972::yjg04972:

والله أسعدني مرورك ... أول تعليق على الرواية :lol:

يشرفني إنها نالت إعجابك وبإذن الله تستمتعين فيها وتكون عند حسن ظنك

عصفورالجنة 20-09-13 11:19 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://www.upload.o1-1o.com/up2/13012377922.gif

عصفورالجنة 20-09-13 11:20 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
[IMG]:welcome_pills3:[/IMG]http://files.fatakat.com/2009/3/1237235368.gif

طمووح 21-09-13 09:54 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
الله يعافيك ... :welcome3:

اسعدني تواجدك :0041:

طمووح 21-09-13 10:43 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(4)

راحت آثار الكدمة تختفي تدريجيا مع مرور الأيام حتى لم يبقى لها أثر .. واستمرت تتحاشى اللقاء بلمياء فكانت لا تلتقي بها إلى نادرا جدا .. وعندها كانت لمياء ترميها بنظرات تعالي وانتصار ..

في السابق كانت تحاول دائما أن تحسن من علاقتهما .. ولكنها لم تعد كذلك منذ المشاجرة التي وقعت بينهم .. فقد كرهتها كثيرا ولم تعد تتقبلها .. وعلى الرغم من ذلك لم تكن تحس بنفس تلك المشاعر تجاه الوليد !!.. بل على العكس ..

كانت تتحين الفرص دائما للقائه .. ولسوء حظها لم يعد يوصلها في طريقه في الصباح .. فقد تغيرت مواعيدها .. حيث أصبحت أغلب مواعيدها التي في الصباح الباكر للتدريب في المستشفى .. ولم تكن المستشفى التي تدرب فيها في طريق عمله كالجامعة ..

ومع ذلك كانت تغمرها السعادة في بضع الدقائق التي كانت تقضيها معه في وقت الفطور في الصباح .. ولم تنسى أبدا كلماته لها في تلك الليلة ولا حتى لمساته ..

أما هو فلم يتغير تجاهها ..كان دائما غير مباليا بها ولا يسمع ضربات قلبها التي تتزايد حينما يكلمها أو حينما تلتقي أعينهما ..

كان التدريب في المستشفى ممتعا جدا .. ولكنه متعبا في نفس الوقت .. حيث زاد من الساعات التي تقضيها خارج البيت ..
لم يكن التدريب سوى في يومين من كل أسبوع .. وهما السبت والاثنين .. فكانت تعود إلى البيت فيهما وهي منهكة ولا تتمكن من المذاكرة ..

ـ أنا لا أعرف كيف يتحملوننا هؤلاء المرضى ؟!!

قالت لها سمر ذلك وهم يشاهدون أحد زملائهم وهو يعاين أمامهم أحد المرضى ويملي عليه الطبيب الذي يدربهم بعض التعليمات ..

ـ لو كنت مكانه لكنت قد صرخت فيه !

وضعت يدها على فمها لتحاول أن تخفي ضحكها .. فقد أضحكها موقف سمر الغاضب .. ولكنها توافقها على ماتقول .. المريض في حالة لا يرثى لها وهم يتنافسون على معاينته !!

ألتفت إليهم رامي الذي كان يقف أمامهم ورماهما بنظرة تحذير حتى يتوقفا عن الكلام .. فانتبها إلى أن الطبيب قد توقف عن الشرح ويتفحص المتدربين حتى يبحث عن مصدر الازعاج ..

توقفت عن الضحك ولكنها شردت عوضا عن ذلك .. أخذت تتأمل زمليهم رامي .. إنه شاب جميل .. يمتلك عيونا خضراء .. ولكنه لا يتمتع بنفس الطول الذي يتمتع به الوليد .. كما أنه لا يمتلك غمازات مثله ..
وهو يتمتع بشخصية مشاكسة .. يتحدث كثيرا ولا يكف عن إلقاء الطرائف أثناء المحاضرات .. بعكس شخصية الوليد الهادئة والقلية الكلام .. وهي الشخصية التي تجذبها أكثر ..

توقفت عن التفكير وهي تتسائل لمذا تجري مثل هذه المقارنة بين رامي والوليد ؟.. ولماذا هي سعيدة لأن الوليد هو من تفوق في هذه المقارنة ؟!!

حينما انتهى وقت تدريبهم كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرا .. فأخذت سمر تتوسلها أن يتمشيا قليلا وأن ترافقها في التسوق حيث كانت تريد شراء بعض الملابس ..أعجبتها الفكرة ووافقت على الفور .. فهي لا تتذكر آخر مرة خرجت فيها للترفيه منذ وفاة عمها من ستة أشهر ..

كان فصل الشتاء قد اقترب .. ولم تكن سمر تمتلك إلا القليل من الملابس الشتوية .. فراحت تساعدها في اختيار بعض الملابس ..

واستوقفها أحد المحلات الذي كان لملابس النوم .. وأخذت تتأمل قميص النوم الذي كان معروضا في واجهة المحل .. أعجبها كثيرا تصميمه البسيط ولونه السكري .. بدا مناسبا جدا لأي فتاة حديثة الزواج .. ولكن ما أزعجها أنه كان من غير الروب الذي فوقه بدون أكمام وقصير إلى الركبة.. وهي لا تجرؤ على ارتداء شيئا كهذا في البيت أمام الوليد ...

ـ هل أعجبك ؟

قالت لها سمر ذلك حينما رأتها قد أطالت النظر إليه .. فأجابتها من دون أن ترفع نظرها من عليه :
ـ نعم .. ولكنه لا يناسبني

طلبت منها سمر أن تنتظرها وستدخل هي تسأل عن سعره .. لم ترى هناك داعي لأن تعرف سعره مادامت لن تشتريه .. ولكنها لم تمنعها .. وبعد دقائق رأت سمر تخرج من المحل وهي تبتسم لها وفي يدها كيسا ..

شكت في الأمر فقالت لها بعدم تصديق :
ـ لا تقولي أنك اشتريته !
ـ هيا يا سارة .. أنا حتى لم أشتري لك هدية زواجك .. إنها هدية بسيطة مني لكي
ـ نعم ولكن ...

قاطعتها سمر غير آبهة باعتراضها :
ـ أنني أتشوق لكي أرى كيف سيبدو عليك
ـ لا يمكن .. انتي تعرفين أن علاقتي بالوليد ليست علاقة طبيعية
ـ لا يهم .. احتفظي به حتى تتحسن علاقتكما .. وإن قدر لكما الانفصال.. فهذا لا يعني نهاية العالم .. ارتديه لمن سيتزوجك في المستقبل ..

سكتت سارة وقد آلمتها الفكرة .. وتسائلت هل حقا ستنفصل عن الوليد ؟! .. وهل وقتها سترحب بالزواج من غيره ؟!!.. لم تستطع أن تتقبل ذلك ..

بعد أن انتهيا من التسوق كانت الساعة لم تتجاوز السابعة بعد .. فطلبت منها سمر أن ترافقها إلى السكن وتمضي معها بعض الوقت .. فجاوبتها :
ـ حسنا .. لا مانع لدي .. ولكن ساعة واحدة فقط
ـ هذا كافي بالنسبة لي .. ولكن ألن تخبري الوليد ؟؟
ـ لا أعرف .. هل علي أن أخبره ؟!!
ـ انتي أدرى بتلك الأمور ..
ـ لم يسبق لي أن ذهبت إلى مكان غير الجامعة والمستشفى منذ أن تزوجنا من ثلاثة أشهر.. لذلك لا علم لدي إن كان علي إخباره حينما أقرر الذهاب إلى مكان غيرهما ..
ـ ماذا تفعل لمياء في مثل هذا الوضع ؟ .. هل تستأذنه ؟؟
ـ بالطبع تفعل .. ولكن لا شأن لي بها .. ولا أظن أن الوليد سيلاحظ غيابي .. هو لا يعود إلى البيت قبل الساعة التاسعة .. لذلك لا أرى داعيا من إخباره ..

حينما ذهبا إلى السكن قامت سمر بإعداد شيئا للشرب .. وبما أن الجو كان باردا .. فقد قررت أن تعد مشروبا ساخنا

ـ شوكلاتة ساخنة كعادتك .. أليس كذلك ؟

سألتها سمر ذلك وهي متأكدة من اجابتها .. ولكنها تفاجئت حينما بادرتها هي بالسؤال :
ـ هل لديك قهوة تركية ؟؟
ـ نعم .. هناك القليل منها
ـ حسنا قررت أن أخالف عادتي اليوم وأشرب القهوة

لم تعلق سمر بشئ ولكن استغرابها كان واضحا ..

ـ إنني حقا محظوظة لأنهم لم يحضروا لي زميلة جديدة تشاركني الغرفة .. فمن الصعب أن أعتاد على شخص جديد ..

هكذا أخبرتها سمر بينما أخذت هي تتأمل الغرفة التي بدت وكأن زلزالا قد وقع فيها .. إن سمر ليست من النوع المنظم .. ولا تعلق ملابسها أبدا في الدولاب إلا حينما يجبرها أحد على ذلك كما كانت تفعل هي معها ..

حاولت معها كثيرا من قبل وكانت تنصحها وتخبرها بأنها قد باتت امرأة ناضجة .. وستصبح أما في يوم ما .. لذلك فعليها أن تصبح منظمة في أمورها المنزلية .. ولكن عبثا كانت محاولاتها ..

قامت بترتيب الغرفة قليلا في الوقت الذي كانت سمر تعد فيه القهوة ..وحينما انتهت قدمتها لها وهي تسألها بسخرية :
ـ منذ متى وأنت تشربين القهوة التركية ؟
ـ منذ نور ومهند !
ـ هههههههههههههه .. لن تخدعيني انت حتى لم تكوني تتحملين رائحتها !

تجاهلت تهكماتها وراحت تتذوق القهوة التي لم تكن متقونة كالقهوة التي تعدها خيرية للوليد ..

ـ لن أتركك اليوم حتى أعرف ما حكايتك ..

قالت لها سمر ذلك وهي تنظر إليها في تحدي .. فسألتها باستغراب :
ـ أي حكاية ؟!!
ـ حكايتك مع الحب المفاجئ للقهوة .. وحكاية هذا البريق الذي يلمع في عينيك منذ فترة ..

أشاحت بوجهها عن سمر حتى لا تتمكن من قراءة أفكارها .. ولكنها لم تنجح في ذلك .. حيث سألتها سمر فجأة :
ـ إنه الوليد .. أليس كذلك ؟؟

لم تجد جدوى من الإنكار أكثر .. فأومأت لها بالإيجاب .. وهنا انطلقت سمر تقول لها بعتاب :
ـ ولكن هل نسيتي تعامله معكي ؟!! هل نسيتي أنه أهانك وضربك أمام لمياء ؟!! هل نستيتي ما أخبرتني به من أنه لازال يحب خطيبته السابقة وينوي الزواج بها ؟!! انت حتى لستي واثقة من أنكما ستكملان حياتكما معا !
ـ لا .. أنا لم أنسى كل هذا .. لم أنسى يا سمر .. ولكن ماذا أفعل الأمر ليس بيدي .. لا يمكن للإنسان أن يختار من يحب .. لا يمكن .. تماما كما لا يمكنه أن يختار والديه !! .. يمكنني أن أتحكم في أفكاري ويمكنني أيضا أن أتحكم في تصرفاتي .. ويمكنني أن أخفي مشاعري .. ولكن لا يمكنني أن أغيرها .. لا يمكنني أن أتحكم في قلبي .. لا يمكنني .. ليت الأمر كان بتلك البساطة !

تنهدت بعمق بعد أن لفظت تلك الكلمات لسمر .. شعرت بأن حملا ثقيلا قد أنزاح من على كاهلها .. الآن فقط استطاعت أن تواجه نفسها وتواجه سمر بما كانت تحاول إنكاره ...

في طريقها إلى البيت .. لم يكن الطريق مزدحما كالعادة .. فلم تستغرق أكثر من نصف ساعة للوصول .. وقفت عند باب البيت وشعرت بالبرودة تسري في جسمها ..كانت هذه أول ليلة تشعر فيها بجو الشتاء .. وعزمت على أنها ستثقل في ملابسها من الغد..

فتحت الباب بالمفتاح الذي أعطاها إياه الوليد منذ أيام ..كانت تسمع صوت لمياء يأتي من الصالة .. وخمنت في أنها تتحدث مع الوليد الذي رأت سيارته تقف في الخارج .. فعرفت أنه في البيت ..

لم تستطع تفادي مقابلتهم حيث كان لابد أن تقابلهم وهي في طريقها إلى السلم لتصعد إلى الغرفة .. ولكنها مع ذلك لم تلتفت إليهم .. كانت لمياء تتحدث من دون توقف .. استطاعت أن تفهم أنها تشتكي من أمورا تزعجها في الجامعة ..

حاولت أن تسرع بصعود السلم وقد استغلت انشغالهم عنها .. ولكنها توقفت في مكانها حينما سمعت الوليد يقاطع لمياء ليناديها قائلا :
ـ سااااارة ..

ابتلعت ريقها وألتفتت إليه مضطرة وهي لا تستطيع أن تتجاهله .. كان لايزال لم يبدل ملابسه منذ عودته من الشركة .. وكانت لمياء مستندة على كتفه ولكنها رفعت رأسها فجأة وعبست بوجهها وقد بدا أنها لم تنتبه إلى وجودها إلا الآن ..

وقفت مكانها تنتظر أن يقول الوليد شيئا .. فتكلم أخيرا قائلا بنبرة هادئة :
ـ انتظريني في الغرفة .. هناك أمورا يجب أن نناقشها

لم تعلق بشئ وأكملت صعود السلم .. وحينما دخلت الغرفة أبدلت ملابسها سريعا ثم جلست على السرير تنتظره .. كانت ضربات قلبها متسارعة وتلتقط أنفاسها بصعوبة من شدة التوتر ..

ترى ماتلك الأمور التي عليهم مناقشتها .. ولماذا شعرت بأنه يحاول أن يخفي غضبه ويتظاهر بالهدوء ؟؟
قامت من على السرير وهي لم تعد تطيق الانتظار أكثر .. فقررت الذهاب إليه لاستعجاله .. ولكنها ما إن فتحت الباب حتى رأته يقف أمامها وقد أتى للتو ..

تقدم باتجاهها فتراجعت هي بدورها إلى الوراء .. كانت عينيه تطايران شررا .. فقالت له بارتباك :
ـ كنت سأتي لـ....

توقفت عن الكلام حينما صفع الوليد الباب من ورائه بقوة .. فانتفضت في مكانها ...
أمسك بذراعها بقوة وسألها بغضب :
ـ هل لي أن أعرف أين كنتي إلى الآن ؟؟
ـ وأين تظن أنني سأكون ؟!

وهنا صرخ فيها الوليد وهو يقول :
ـ أنا هنا من أسأل .. جاوبي على سؤالي
ـ كنت مع .. مع ســ...مر
ـ ومن هي سمر ؟؟
ـ صديـ ... صديقتي
ـ وماذا كنتما تفعلان إلى هذا الوقت ؟؟
ـ تمشينا قليلا بعد التدريب وأمضيت معها بعض الوقت في السكن ..
ـ ولماذا لم تخبريني ؟؟.. هل علي أن أعرف بالصدفة حينما أعود إلى بيتي أن زوجتي لم تأتي بعد ؟!!
ـ كنت سأخبرك ولكن ... ولكن ...
ـ لكن ماذا ؟؟؟
ـ لم أعتقد أن هذا سيهمك ..

ضحك الوليد بسخرية وقال لها :
ـ أذكر أننا قد تزوجنا يا سارة .. أم أنكي نسيتي ذلك ؟!! .. ألم يخبرك أحد من قبل أنه من المفترض أن تخبري زوجك بالأماكن التي ستذهبين لها ..

سكت لينتظرها أن تعلق بشئ .. ولكنها لم تجد ماتدافع به عن نفسها .. فهي بالفعل ليست معتادة على استئذان أحد في أي شئ في حياتها .. ورغم تنبيه سمر لها إلا أنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد ..

تابع الوليد كلامه وقد خف غضبه قليلا :
ـ أنا أعرف أنا زواجنا ليس عاديا .. ولكن هذا لا يعني أن تلغي وجودي ..

عبست بوجهها وقد بدأ ذراعها يؤلمها من شدة قبضته .. فانتبه إلى أنه لايزال ممسكا بذراعها وتركه على الفور..

وأخيرا انهى كلامه معها بقوله ونبرة التهديد في صوته :
ـ لا تفكري في أن تكرري فعلتك هذه .. لأن هذا إذا تكرر فلن تجديني حليما معك كهذه المرة ..

راحت تربت على ذراعها لتخفف من ألمها وهي تفكر بخوف .. إذا كان هذا هو الوليد وهو حليما معها .. فكيف سيتصرف معها إذا غضب ؟!!

عصفورالجنة 25-09-13 05:09 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكرا لكى حبيبتى على الفصل الرائع.
https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...Hl_t2r3Akl7pft

عصفورالجنة 25-09-13 05:17 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://files2.fatakat.com/2012/9/13482281552957.jpg

طمووح 25-09-13 06:12 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصفورالجنة (المشاركة 3374308)
شكرا لكى حبيبتى على الفصل الرائع.

العفو يا عسل .. تسلم لي هالمتابعة الحلوة منك :flowers2::flowers2:

إن شاء الله راح انزل باقي الفصل الليلة على الساعة 10

طمووح 25-09-13 09:45 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى كرتون صاحب الظل الطويل ..فلم يعد هناك ماتسلي به وقتها حينما تكون قد سئمت من المذاكرة .. كانت وسيلة تسليتها الوحيدة في البيت هي الحديث مع خيرية .. التي كانت ما إن تدخل لها في المطبخ حتى تفتح معها أحاديث كثيرة تستمتع بالإنصات لها .. وأصبحت خيرية مقربة إليها كثيرا واعتبرتها كأم حنون لها ..

أما عن فحوى أحاديثها .. فتارة تحدثها عن ذكريات الزمن الجميل .. وتارة تحدثها عن طريقة صنع بعض الأكلات .. وتارة أخرى تحدثها عن عائلتها ..
فعرفت منها أن زوجها قد سافر منذ زمن ولم تعد تعرف عنه شيئا .. وتركها هي وابنتها يكافحون من أجل الحياة .. مما اضطرها إلى العمل في البيوت منذ أن كانت في الثالثة والعشرين من عمرها .. أي حينما كانت في مثل سنها ..

وقد عملت في بيوت كثيرة إلى أن استقرت أخيرا في هذا البيت .. وكان هذا بسبب عمها الذي كان كريما معها وأعطاها مرتبا لم تتخيل أنها ستحصل عليه يوما .. كما أنه تكفل بمصاريف ابنتها إلى أن تزوجت ..

وعلى الرغم من ذلك فقد كان تعامل زوجته مختلفا تماما معها .. كانت تهينها كثيرا وتفتعل دائما المشاجرات معها .. ولكنها تحملتها رأفة بعمها .. واحتراما لفضائله عليها ..

أخبرتها أيضا بأن عمها وزوجته قد انفصلا بعد عشر سنوات من زواجهما .. وانطقلت هي للعيش في كندا غير آبهة بالوليد ولمياء اللذان كانا لا يزالا صغارا .. فأصبحت خيرية كالمربية بالنسبة لهم ..

قالت لها بأن الوليد أخذ الكثير من طباع والده .. في كرمه وأخلاقه .. ولكنه اكتسب من والدته سرعة الغضب ..
أما لمياء فقد أصبحت نسخة عن والدتها في كل شئ .. وبررت ذلك إلى أنها كانت الطفلة المدللة بالنسبة لوالدها .. الذي دللها فوق ماينبغي ..و كانت دائما ما تنصحه بأن هذا الدلال الزائد سيفسد طباعها .. فكان يتعلل بأنها خسرت أمها وهي في سن صغير .. وأنه يريد أن يعوضها عن ذلك ..

تلك هي عينة من أحاديث خيرية معها .. ولا تنكر أنها في بعض الأحيان تشعر بالدوار من كثرة كلامها .. ولكنها مع ذلك كانت تستمتع به ...

في يوم السبت كان صباحا مختلفا .. حيث استيقظت على زخات المطر في الخارج .. غمرتها السعادة لأنها كانت المرة الأولى التي تمطر فيها منذ أن قدم فصل الشتاء ..

في المستشفى كان يبدو على الجميع السعادة والنشاط ..فمن منا لا يبهتج بالأمطار ؟! ..

ـ تبدين رائعة اليوم

ألتفتت لترى سمر تقف ورائها حيث كانت قد أتت للتو ..

ـ سمر !! .. أين كنتي ؟ قلقت عليكي كثيرا حينما لم تأتي للمحاضرة في الصباح .. لماذا لا تجيبين على هاتفك ؟؟
ـ كنت نائمة .. لم أستطع أن أترك البطانية والسرير في الصباح الباكر وفي هذا الجو ..
ـ لا أصدق ! .. تضيعين المحاضرة من أجل النوم !
ـ لن أضيعها .. سأعوضها مع مجموعة أخرى
ـ الناس يتسابقون للنزول في وقت المطر وانت تتجاهلين هذه الفرصة
ـ ها أنا قد نزلت في وقت المطر .. لازال مستمرا حتى الآن

بدأت سمر بخلع معطفها للتمكن من ارتداء البالطو .. فبادرتها بالقول :
ـ يبدو رائعا جدا عليك ..
ـ لقد اشتريناه معا في ذلك اليوم .. ألا تذكرين ؟
ـ بلى تذكرت .. ولكنه عليكي يبدو أجمل بكثير
ـ ههههههههه لا تبالغين ..لست بنفس نحافتك لذا لا تناسبني كثيرا ملابس الشتاء مثلك .. تشعرني بأنني أكثر بدانة
ـ بل تناسبك كثيرا .. لا تحاولي أن تكوني متواضعة

توقفا عن الحديث حينما قام الطبيب الذي يدربهم بالنداء على المتدربين .. فانضموا إلى باقي زملائهم وتعقبوه إلى غرفة أحد المرضى ...

و بعد انتهاء تدريبهم كانت الساعة تقترب من الثالثة عصرا .. وكان عليهم العودة إلى الجامعة لاستكمال محاضراتهم ..
أثناء سيرهم باتجاه المصعد .. سمعت صوتا تألفه ينبعث من وراء إحدى الستائر حيث كانا في قسم الطوارئ .. كان الضجيج يعم المكان ولا تعرف كيف ميزت هذا الصوت وسط تلك الجموع كلها .. ولكن كيف لا تميزه ؟ وهي تعرف هذا الصوت حق المعرفة .. إنه صوت لمياء !

ـ كفي حماقة لن يكون من الظريف أن تفتحي الستارة لتختلسي النظر إلى مريض ما .. ثم ما الذي سيأتي بلمياء إلى هنا

هكذا قالت لها سمر حينما حدثتها بأفكارها في محاولة لمنعها من فتح الستارة ..
راحت تقترب أكثر من الغرفة غير آبهة باعتراضات سمر .. صحيح ستكون في موقف محرج إن لم تكن لمياء هي التي بالداخل .. ولكنها وجدت أن الأمر يستحق المخاطرة ..كان الصوت غاضبا ومرتجفا .. هي واثقة من أنه يعود للمياء .. فمازال صوتها أثناء حديثها الطويل في الصباح مع الوليد يرن في أذنيها ..

فتحت الستارة قليلا ومدت رأسها لتتمكن من رؤية من بالداخل .. لتجد لمياء تجلس أمامها على السرير وأنفها ينزف بشدة وعلى جانبها يقف الطبيب والممرضة تحاول وقف النزيف ..

لم تستطع الوقوف في مكانها أكثر فدخلت بطريقة فاجئتهم وتحدثت بفزع :
ـ يا إلهي لمياء ماذا حدث لك ؟؟

وهنا دفعت لمياء الممرضة التي كانت تحاول إيقاف نزيفها ثم أجهشت بالبكاء وصرخت فيها :
ـ اتصلي بالوليد .. أريده أن يأتي حالا

ردت عليها وهي تحاول تهدئتها :
ـ حسنا حسنا .. سأتصل به حالا .. ولكن أهدئي ودعي الطبيب يساعدك

أجابتها لمياء بنفس نبرة الصراخ :
ـ هذا ليس من شأنك .. اتصلي بالوليد وحسب

خرجت أخيرا من عندها وأمسكت بهاتفها لتتصل بالوليد .. لم تكن تشعر بالانزعاج من صراخ لمياء فيها .. فمنظرها والدماء تسيل من أنفها آثار شفقتها بالفعل ! ..

سألتها سمر غير مصدقة :
ـ هل كانت هي حقا ؟!

أومأت لها بالإيجاب .. كانت تستمع لصوت جرس الهاتف الذي يرن .. لا تذكر أنها اتصلت بالوليد على هاتفه من قبل .. وهو ما زاد شعورها بالارتباك..

ـ ولكن ما الذي أتى بها إلى هنا ؟
ـ لا أعرف .. تبدو قد تعرضت لحادث ما .. تعاني من نزيف في أنفها

وبعد عدة ثواني أجاب الوليد أخيرا قائلا :
ـ نعم يا سارة

كان صوته هادئا جدا .. ولكنها مع ذلك استمر شعورها بالتوتر والارتباك .. تمنت لو أنها فكرت في الطريقة التي ستخبره بها الأمر قبل أن تتصل .. ولكن فات الأوان .. أخذت تتلعثم وهي تقول له :
ـ و..وليد .. انني هنا في المستشفى .. و لـ .. مياء .. إنها .. كـ ......

توقفت عن الكلام وهي لا تعرف كيف تصيغ كلامها .. فتكلم هو بنبرة تدل عن نفاذ الصبر :
ـ أنا لم أفهم شيئا يا سارة !
ـ إنني .. في الحقيقة إن لمياء هنا في المستشفى .. تريدك أن تأتي .. يبدو أنـ...

قاطعها الوليد قبل أن تكمل كلامها وسألها بقلق :
ـ مابها لمياء ؟ لماذا هي في المستشفى ؟؟

بدا أنه قد استوعب ما كانت تريد قوله .. وقبل أن تجيبه استطرد يسألها مرة أخرى بسرعة :
ـ في أي مستشفى أنتما ؟؟
ـ المستشفى العام التي أتدرب فيها ..

أغلق الوليد الخط قبل أن تنطق بكلمة أخرى .. لم تخبره حتى بالعنوان .. ولكنها واثقة من أنه يعرفه فلا أحد يعيش هنا ولا يعرف عنوان المستشفى العام ..

أخبرتها سمر بأنها ستنتظر معها .. ولكنها اعترضت وأخبرتها بأنه لا علم لديها إلى متى ستبقى هنا وقد تفوت المحاضرة .. وإذا كانت تريد مساعدتها فعليها أن تحضرها هي حتى تساعدها في فهمها في وقت لاحق ..
وأخيرا اقتنعت سمر وانصرفت بعد أن أكدت عليها بأن تتصل بها وتطمئنها بما سيحدث معها ..

لم تكن تعرف إلى متى ستظل في المستشفى .. ولكنها كانت متأكدة أن عليها أن تبقى على الأقل حتى يأتي الوليد .. ولم تمضي ربع ساعة على انتظارها حتى رأته يخرج من المصعد .. فلوحت إليه بيدها حتى يراها .. وما إن رآها حتى توجه إليها بسرعة وسألها :
ـ أين هي ؟؟

أشارت إلى الغرفة فاندفع نحوها بسرعة وراحت هي بدورها تلحق به .. لم يسبق لها أن رأته خائفا وقلقا بهذه الطريقة .. ولكنها اكتشفت أنه حتى في قلقه يكون وسيما !!

حينما دخلا إلى حيث كانت لمياء .. كانت لا تزال تجلس على السرير ممسكة بقطعة من القطن غارقة بالدماء تضغط بها على أعلى أنفها .. وما إن رأت الوليد حتى عادت إلى البكاء وقالت له :
ـ ولييد .. انظر ماذا حدث لي

راح الوليد بجانبها واحتظنها محاولا تهدئتها وقال لها :
ـ حسنا كفي عن البكاء .. أنا هنا معكي

ثم ألتفت إلى الممرضة التي كانت لا تزال واقفة وسألها :
ـ ماذا حدث لها ؟
ـ أحظرها زملائها في الجامعة إلى هنا ويبدو أنها قد اصطدمت بشئ حاد في....

خرجت من عندهم وهي لم تعد تطيق البقاء .. شيئا ما يزعجها .. أخذت تحاول معرفته وهي تنتظر في الخارج .. إن الأمر لا يحتاج كل هذا الكباء .. القصة كلها جرح بسيط .. هذا ما طرأ على ذهنها .. وهي منزعجة بسبب شعورها أن لمياء فتاة مدللة تحاول أن تلفت نظر الوليد ليس إلا ..

ولكنها سرعان ما عادت تلوم نفسها على تلك الفكرة .. "لا تكوني شريرة" هكذا قالت لنفسها فهي لا تعرف بماذا تشعر لمياء الآن إثر ذلك الحادث .. ربما الجرح مؤلما فعلا .. تبادر إلى ذهنها أيضا تساؤولا .. هل كانت ردة فعل الوليد ستكون نفسها إن كانت هي مكان لمياء الآن ؟!!

انتابها الإحباط وهي تفكر في ذلك .. لأنها لا تعرف إن كان سيأبه لها أم لا .. وسرعان ما لامت نفسها من جديد على تفكيرها بتلك الطريقة .. فلماذا لا تتوقف عن التفكير بشعور الوليد تجاهها ؟!!

ـ لماذا انتي مازلتي هنا ؟؟

انتفضت في مكانها حينما قطع صوت الوليد أفكارها .. مما جعله يلاحظ ذلك فانتابها الخجل ..

ـ كنت أظنك ستكون ممتنا لذلك

قالت هذا وهي لا تعرف مالسبب الذي تعطيه له مبررا لانتظارها هنا .. كان عابسا جدا وهو ينظر إليها .. ولو لم تكن تعرف بأمر لمياء لظنت أنه غاضبا منها ..

تابعت تقول له :
ـ لا أظن أن هناك جدوى من بقائي الآن مادمت قد أتيت .. سأذهب إلى الجامعة فلدي محاضرة الآن ..

هم ليتكلم ولكنه توقف حينما رن هاتفه .. فأجاب عليه وابتعد عنها ليتمكن من الحديث .. ولكنه لم يبتعد كثيرا فاستطاعت سماعه .. ما فهمته أنه يكلم شخصا ما في العمل ويخبره بأنه قد لا يعود إلى الشركة اليوم .. ولم تهتم بمتابعة بقية المكالمة حيث أكمل بقية حديثه عن أمور تتعلق بالعمل ..

حينما انهى مكالمته عاد إليها وهو يقول :
ـ أنا ذاهب إلى المنزل سأحضر بعض الأشياء للمياء وأعود مرة أخرى
ـ إلى متى ستبقى لمياء هنا ؟
ـ أخبرني الطبيب بأنها ستبيت الليلة هنا .. يمكنك الذهاب إلى محاضرتك الآن .. لا أظن أن هناك مايستدعي وجودك .. كما أني لا أظن أن لمياء سترحب ببقائك معها ..

همت لتسأله إن كان سيوصلها في طريقه ولكنه لم يعطيها فرصة وانصرف من أمامها .. هل يعقل أن ينصرف ويتركها هكذا ؟!!.. ظلت واقفة في مكانها تراقبه وهو على بعد عدة خطوات منها و يقف أمام المصعد بانتظار وصوله .. وما إن انفتح باب المصعد حتى ألتفت إليها قائلا :
ـ لا تقفي وتحدقي بي هكذا .. تعالي إن كنتي تريدين أن أوصلك في طريقي !

دخل إلى المصعد دون حتى أن ينتظر تعليقا منها .. وهنا استوعبت ما قاله لها فأسرعت نحو المصعد لتلحق به وتمكنت من دخول المصعد قبل أن ينغلق بابه ..

في السيارة شعرت بالسعادة لأنه اهتم لأمرها أخيرا وقرر توصيلها ..
لم ينطق بكلمة طوال الطريق وبدا واضحا جدا أن باله مشغول بلمياء .. وشعرت بأن لمياء محظوظة جدا .. لأنها تلقى كل هذا الحب من الوليد !

استمرا على هذا الوضع من الصمت حتى سمعا فجأة صوت فرقعة شيئا ما في السيارة .. وبعدها أخذت السيارة تهتز بطريقة أخافتها .. فسألته بذعر :
ـ ما هذا ؟! ما الأمر ؟! ماذا يحدث ؟؟ ماذاا ؟؟

استطاع الوليد أن يحكم سيطرته على السيارة واستطاع أن يوقفها أخيرا على جانب الطريق ..
ولكنها ظلت تسأله ذعر حتى صرخ فيها قائلا :
ـ هلا سكتي قليلا !!

خرج من السيارة على الفور ليتفقد الأمر .. أما هي فقد ظلت تراقبه من داخل السيارة وهي تحاول أن تستعيد هدوئها .. ولكن لم تمضي ثواني حتى لحقت به وهي تشعر بالفضول لمعرفة ماذا حدث ..

حينما نزلت وجدته يتأمل العجلة الخلفية للسيارة التي كانت قد تهشمت بالكامل .. فعرفت أن صوت الفرقعة الذي سمعاه يعود لتلك العجلة ..

ـ تبا .. تبا .. تبا

هتف الوليد بذلك وبدا أنه سينفجر من الغضب .. وراح يركل السيارة برجله وهو يقول :
ـ هذا ماكان ينقصني

لم تجرؤ على التفوه بأي كلمة حتى ولو كانت لتهوين الأمر عليه .. فهي تدرك أنها لن تبقى على وجه الأرض إن تحدثت إليه الآن وهو في هذه الحالة ..

بعد أن أفرغ جام غضبه في ركل السيارة توجه إلى الحقيبة الخلفية وأخرج منها علبة غيارات ثم خلع سترته وجثا على ركبتيه عند العجلة ليبدأ في فكها .. واستغرق في ذلك الكثير من الوقت وقد بدا أنه لم يقوم بتلك المهمة في حياته من قبل ..

نظرت هي إلى ساعتها فوجدتها تشير إلى الرابعة والنصف .. لقد بدأت محاضرتها منذ نصف ساعة وبعد ماحدث الآن فقدت الأمل تماما في أن تلحقها .. كان المكان الذي يقفان فيه شبه خاليا من السيارات .. فلم يكن أمامها حتى خيار أن تأخذ تاكسي ليوصلها .. وحتى لو كان هذا متاحا فلم تكن لتفعل ذلك .. لن تتركه وحده في هذا الموقف تريد أن تتحمل المسؤولية معه ..

ـ احضري لي العجلة الموجودة في الحقيبة الخلفية

أمرها بذلك دون حتى أن ينظر إليها حيث كان منشغلا بفك العجلة .. وعلى الرغم من أنه لا يزال غاضبا إلا أنها تجرأت على الكلام وسألته باندهاش :
ـ أنا ؟!!
ـ وهل يوجد أحد غيرك هنا ؟!!

لم تصدق ما يطلبه منها ولكنه ليس أمامها سوى تنفيذ أوامره حتى لا يركلها كما فعل بالسيارة !!
توجهت إلى الحقيبة الخلفية فوجدت فيها عجلة إضافية .. فأخذت تفكر في كيفية حملها .. هي لم يسبق لها وأن تعاملت مع تلك الأمور ..

أخذت نفس عميق ثم أمسكت بالعجلة وما إن حاولت حملها حتى أدركت أن الأمر ليس بتلك السهولة .. كانت أثقل مما تتوقع .. ومع ذلك لا خيار أمامها .. فراحت تسحبها من الحقيبة حتى تمكنت بعد مجهود جبار من أن تضعها على الأرض ..

بدا الأمر أكثر سهولة والعجلة على الأرض حيث قامت بدحرجتها إلى أن وصلت إليه .. تناولها منها وراح يثبتها مكان العجلة الأخرى .. واستمرت هي بمراقبته ..

ـ هل ستقفين وتتفرجي علي طويلا ؟! .. تعالي وساعديني حتى ننتهي قبل المغرب

كان كلامه أمرا وليس طلبا .. لذلك أستجابت له مضطرة دون أن تناقشه .. أعطاها مفكا وتابع عمله دون أن يخبرها حتى عن الطريقة التي تعمل بها .. ولكن الأمر لم يكن معقدا .. راحت تراقب ما يفعله وتفعل مثله ..

كانا منهمكين في العمل حينما رفعت رأسها فجأة لتصطدم جبهتها بجبهته ..
مما أدى إلى تلقيهما ضربة قوية فعبس كلا منهما من الألم ..

ـ تبا لك ..

هتف بتلك الكلمة وأخذ يحدق فيها غضبا وشعرت بأنها كما لو تكن قد صبت الزيت على النار !!

ـ لا تنظر إلى هكذا .. أنا لم أقصد ذلك
ـ وكم ضربة لا تقصدينها على أن أتلقاها منك ؟!! .. هل توعدتي في نفسك منذ أن تقابلنا أن تجربي مواهبك القتالية علي !

تملكتها رغبة في الضحك من كلامه الساخر منها وفي نفس الوقت احمر وجهها خجلا وهي تتذكر مقابلتهما الأولى .. وما ارتبكته فيها من حماقة حين هجمت عليه في الظلام لظنها أنه لصا وما أسفر عن ذلك من خدوش في وجهه لم تختفي إلا بعد عدة أيام من زواجهما ..

أخرجها الوليد من أفكارها حينما سمعته يقول :
ـ أنا لا أعرف كيف استطعت تحملك إلى اليوم !
ـ حقا لا تعرف ؟! عليك أن تحمد الله أنني أنا من أتحملك الآن ! .. لو كنت امرأة أخرى لكنت قد تركتك من البداية تصلح السيارة بمفردك وذهبت أنا لألحق بمحاضرتي ..
ـ إذا حمدا لله .. زوجتي امرأة مخلصة جدا لي .. ضحت بمحاضراتها من أجلي !

كان واضحا أنه يسخر منها و تابع يقول لها بتهكم :
ـ ولكنني قد لا أكون أبادلك نفس الإخلاص .. إذ إنني اتسائل في نفسي ماذا سيحدث لو تركتك هنا وذهبت دون أن آخذك معي .. لا بد وأنني سأرتاح منك قليلا
ـ بل أنا من سأشعر بالسعادة لأنني سأكون قد أرتحت من غرورك وتغطرسك ..

كانا قد انتهيا من تركيب العجلة في ظل مشاجرتهما الكلامية تلك .. فنهضا من الأرض وقاما بغسل يديهما بالماء من القارورة التي كان يحتفظ بها في السيارة ..

وبعد أن انتهى هو من غسل يديه سلمها القارورة وتوجه إلى داخل السيارة .. فارتبكت وهي تفكر في أنه قد ينفذ كلامه ويتركها هنا .. لقد أبدت له لا مبالاتها بذلك .. ولكنها في داخلها خائفة إذ لا يوجد حولها سوى شارعا خاليا سوى من الأشجار التي توجد على جانبي الطريق ومن بعض السيارات المسرعة .. وما يزيد الأمر سوءا أن الشمس قد اقتربت من المغيب ..

وهنا سارت بسرعة نحو السيارة حتى أنها لم تكمل غسل يديها جيدا .. ثم فتحت الباب وركبت .. كانت أنفاسها متسارعة لما تملكها من خوف من احتمال تركه لها هنا ..

حينما ألتفتت إليه لم ترى سوى جانب وجهه ولكنها تفاجئت وقد لاحظت عليه ابتسامة خفيفة وبدت غمازاته واضحة !!
يبدو بأنه قد أحس بخوفها وعرف أنها صدقت كلامه ..

حسنا إذا .. لقد غلبها هذه المرة .. ولكن من المؤكد أن هنا جولات أخرى ستحدث بينهما .. وستسعى لأن تتغلب عليه في أحداهما !




ghazee 26-09-13 10:53 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
روايه رائعه موفقه فيها تفاعلت معها وانقهرت على شان ساره
ارجو انك تكملين الروايه ومتى تنزلين البارتات

ريم السعودية 27-09-13 01:43 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
رواية اكثر من رائعة وبا نتظار البارت القادم

طمووح 28-09-13 08:54 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ghazee (المشاركة 3374776)
روايه رائعه موفقه فيها تفاعلت معها وانقهرت على شان ساره
ارجو انك تكملين الروايه ومتى تنزلين البارتات

عزيزتي .. مرورك تشريف لي وللرواية :0041::0041:

إن شاء الله الرواية راح أنزل بارت كل يوم اثنين .. الساعة 11 في الليل

ياريت دايما ألقى تفاعلك وردودك :9jP05261:

هي الرواية مكتملة عندي بس الفكرة في نقلها على الكومبيوتر ...

وشكرا مرى تانية على مرورك

طمووح 28-09-13 08:57 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم السعودية (المشاركة 3374925)
رواية اكثر من رائعة وبا نتظار البارت القادم

أسعدني كتييييير ردك :0041:

إن شاء الله تسمتعين بقرائتها وتكون عند حسن ظنك :9jP05261:

مي الحطاب 30-09-13 10:24 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
سجلت في المنتدى مخصوص علشان أشجعك :331:
استمري و ماتتأخريش علينا ارجوكي :f63:

طمووح 30-09-13 11:31 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
تكملة الفصل الرابع .. وأعذروني على التأخير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ



وقفت خيرية تتأملهما طويلا حينما فتحت لهم الباب .. لم تستطع أن تخفي دهشتها وهي ترى وجوههما وملابسهما الملطخة بالسواد ..

ـ ما الذي جرى معكم ؟؟ طمئنوني ما الأمر ؟؟

أجابتها أخيرا بعد أن عبرت الباب هي والوليد :
ـ لا تقلقي يا خيرية .. كل مافي الأمر أن السيارة قد تعطلت ونحن في الطريق فاضطررنا إلى إصلاحها بأنفسنا

اطمئنت خيرية قليلا ولكنها كانت لاتزال متحيرة .. وهي تتسائل عن سبب قدومهم إلى البيت معا وفي هذا الوقت .. وما زاد حيرتها هو عبوس الوليد ..

قطع الوليد عليها حيرتها بعد أن تكلم قائلا :
ـ أريدك أن تحضري بعض الملابيس للمياء .. رتبيها في حقيبتها حتى اتمكن من أخذها معي .. أمامك نصف ساعة من الآن وتكوني قد انتهيتي من تجهزيها ..
ـ هل آنسة لمياء ستسافر ؟!!
ـ لمياء ستقضي الليلة في المستشفى .. فقد تعرضت لحادث بسيط ولكن لا شئ خطير

شهقت خيرية بعد أن سمعت إجابة الوليد المقتضبة على سؤالها .. ولم يترك لها الفرصة لمزيد من الأسئلة .. وانصرف إلى السلم ليصعد إلى غرفته ..

وهنا تدخلت هي بعد أن رأت وجه خيرية قد تحول إلى اللون الأًصفر وقالت لها لتهدئها :
ـ اهدئي يا خيرية .. الأمر بسيط .. هي فقط جرحت في أنفها وهي في الجامعة وستحتاج إلى خياطة الجرح
ـ أرجوكي أخبريني الحقيقية .. هل هي حقا بخير ؟؟
ـ نعم .. نعم صدقيني هي بخير .. حتى أنها كانت في وعيها وتحدثت معنا ..

قاطعهما صوت الوليد من فوق السلم الذي صرخ في خيرية قائلا :
ـ خيريـــــــة .. هل ستتحدثين طويلا ؟!! .. سأدخل لأستحم وأبدل ملابسي وحينما أخرج أريد أن أرى كل شئ جاهزا ..

قامت سارة بوضع اصبعها على فمها في إشارة لخيرية لأن تخفض صوتها و وشوشتها قائلة :
ـ إنه غاضب وقلق من أجل لمياء .. أنصحكي بأن تنفذي بسرعة ما طلبه ..

لم تمضي أكثر من ربع ساعة حتى كان الوليد قد خرج من الغرفة وقد بدل ملابسه .. ومن حسن الحظ كانت خيرية قد انتهت هي الأخرى من تجهيز حقيبة لمياء .. فتناولها الوليد وخرج على عجلة ..

أذن المغرب .. وشعرت هي بأن كل جسمها يؤلمها .. لقد كان يوما شاقا بالنسبة لها .. واكتشفت بأنها لم تأكل شيئا منذ الفطور .. فطلبت من خيرية بأن تعد لها شيئا بسيطا لتأكله .. ثم صعدت بدورها إلى غرفتها لتأخذ حماما دافئا .. وأمضت نحو نصف ساعة تحت الماء الدافئ .. مما جعلها تشعر بالاسترخاء..

حينما انتهت شعرت بالنعاس الشديد .. ولكن الوقت كان لايزال مبكرا على النوم .. فصلت المغرب وجلست على السرير حيث وضعت خيرية بجانبها صينية عليها بعض الشطائر وكوبا من العصير ..

كانت تتضور جوعا وفي نفس الوقت تشعر بصعوبة في فتح عينيها من شدة النعاس .. راحت تستذكر أذكار المساء .. وهي تفكر بما عليها القيام به .. عليها أن تطلب من خيرية أن تغسل لها ملابسها التي توسخت اليوم .. كما عليها أن تتصل بسمر وتطلب منها أن تحضر لها غدا أوراق المحاضرة التي فاتتها .. وعليها أن ...........

استيقظت من النوم حينما سمعت صوت الباب وهو يغلق .. ففتحت عينيها ببطأ لترى الوليد أصبح موجودا بالغرفة الآن ..
أخذت تتسائل ما الذي حدث ؟!! .. آخر ماتتذكره أنها كانت ممسكة بالسبحة وتستذكر .. رفعت رأسها بصعوبة ونظرت إلى الساعة بجانبها فوجدتها تشير إلى العاشرة مساء ..

لقد كانت متعبة جدا لدرجة أنها لم تشعر كيف دخلت في النوم .. كانت السبحة لا تزال في يدها فوضعتها بجانبها ونهضت بتكاسل للتتوضأ وتصلي العشاء .. لقد مضى الوقت ولم تلحق أن تكلم سمر .. هي تعرف أنها لو اتصلت بها الآن فستكون مستيقظة فليس من عادتها النوم مبكرا .. ولكنها هي التي لن تتمكن من ذلك .. فكل ماتحتاجه الآن هو النوووووم ..

بعد أن انتهت من الصلاة كان الوليد في الحمام .. فتمددت على السرير في أنتظار خروجه ليغلق هو الضوء .. لاحظت أن صينية الطعام لا تزال بجانبها .. وبالرغم من أنها كانت لا تزال جائعة إلا إنها من المستحيل أن تأكل قبل النوم .. هي لا تريد أن يزيد وزنها ..

حينما خرج الوليد من الحمام بادرت بسؤاله :
ـ كيف هي لمياء ؟
ـ أفضل ..

أجابها باقتضاب ..فشعرت أنه مرهقا جدا وليس في مزاج يسمح له بالكلام .. شعرت ببعض السعادة لأنها سترتاح يوما من لمياء .. ولكنها عادت وفكرت في أنها تبدو شريرة لأنها تشعر بذلك ..حتى ولو كانت لا تتقبل لمياء ولا تحبها فمهما يكن .. لا يجب أن تصبح حقودة مثلها..

سمعا صوت طرق على الباب ومن ورائه خيرية تقول :
ـ هل يمكنني الدخول ؟

فأجابها الوليد :
ـ تفضلي يا خيرية

دخلت خيرية وبيدها صينية طعام وضعتها على الطاولة وقالت للوليد :
ـ لقد أعدت لك شطيرة خفيفة لتأكلها فأنت تبدو مرهقا ولم تأكل شيئا طوال اليوم
ـ اه خيرية .. لقد جئتي في وقتك .. أنا بالفعل أتضور جوعا ..

وهنا تحدثت سارة هي الأخرى قائلة لخيرية :
ـ أنا أعتذر يا خيرية .. فقد غلبني النعاس قبل أن أكل شطائرك .. هل يمكنك أن تأخذي الصينية .. لن أستطيع أن أكل الآن ..
ـ ولكن سيدة سارة انتي أيضا لم تتناولي شيئا .. يمكنني أن أقوم بتسخينهم مرة أخرى ..

قالت ذلك ثم قامت بحمل الصينية وهي تبدو أنها ستقوم بتسخين الطعام بالفعل .. فسارعت تقول لها :
ـ لا ياخيرية لا أريد .. لا يمكنني .. لن أتناول شيئا الآن ..

لم تلح عليها خيرية أكثر .. وتوجهت نحو الباب .. ولكنها توقفت فجأة .. وبدت وكأنها تريد أن تقول شيئا ولكنها لا تعرف كيف تبدأ .. فبادرها الوليد قائلا :
ـ هاتي ما عندك يا خيرية .. أعرف أنك تريدين أن تقولي شيئا
ـ سيدي ... ابنتي ستلد غدا ... وأنت تعرف أنني لما أراها منذ فترة .. كما أنه من الأفضل أن أكون بجانها في يوم ولادتها .. لأن .. أنت تعرف أن ...

سكتت خيرية متلعثمة في كلماتها .. فقال الوليد :
ـ قولي ماتريدينه يا خيرية بوضوح
ـ حسنا هل يمكنني أن آخذ عطلة غدا ؟؟

سكت الوليد قليل قبل أن يجيبها بلطف :
ـ خيرية .. انتي تعلمين أنه لا أحد غيرك يهتم بالبيت .. كما تعلمين أن لمياء قد تأتي غدا وبالطبع ستحتاجك .. لا أعتقد أنه مناسبا أن تأخذي عطلة غدا ..
ـ ولكن سيدي .. إنها ابنتي .. وهي في أشد الحاجة لي غدا
ـ يمكنك الذهاب لزيارتها .. ولكن لا يمكن أن تأخذي عطلة كل اليوم .. أنا واثق أن زوجها سيكون معها وسيعتني بها جيدا .. وأعدك أن أعوضك عن هذه العطلة في وقت لاحق .. حينما تكون لمياء قد تعافت ..

كانت سارة تراقب الحديث باهتمام .. ولم تقل خيرية شيئا آخر .. فقد بدا الوليد حاسما فيما قاله .. ورغم لطفه في رفضه لطلبها .. إلا أنها شعرت باستياء خيرية .. التي استأذنت بهدوء وانصرفت ..

اعتدلت في جلستها على السرير وأخذت تحدق في الوليد وقد أغضبها موقفه .. ولم يلتفت هو إليها .. كان جالسا على الكنبة وبدا منشغلا بمتابعة بعض الأمور على حاسبه الشخصي الذي كان يضعه أمامه على الطاولة .. وفي نفس الوقت كان يتناول من الشطائر التي أعدتها له خيرية ..

ولم تكف هي عن التحديق فيه .. كانت ستقدم على تأنيبه ولكنها حاولت أن تمسك لسانها وأن تهدأ من غضبها ..

ـ إن كنتي جائعة فيمكنك أن تطلبي من خيرية أن تحضر لك طعامك مرة أخرى .. أظن أن ذلك سيكون أفضل من التحديق بي وأنا أأكل !!

قال الوليد ذلك ليسخر منها بعد أن لاحظ تحديقها له أخيرا .. فانفجرت فيه قائلة :
ـ هذا ليس ظريفا .. ليس ظريفا إطلاقا .. من أي البشر أنت ؟!! .. ألم ترى كيف كانت خيرية تتوسلك فقط لتوافق على طلبها .. رغم أن هذا من أبسط حقوقها أن تكون مع ابنتها في يوم ولادتها !!
ـ لقد سمعتني جيدا .. أنا لم أحرمها من الذهاب لرؤيتها .. يمكنها أن تستأذن بعض الوقت .. ولكن ليس كل اليوم لأن لمياء ستكون ...

قاطعته بحدة قبل أن يكمل كلامه قائلة :
ـ لمياااااااااء !! .. أنت تريدها أن تعتني بلميااء ؟!! .. هل تعتقد أن حاجة لمياء لخيرية تساوي شيئا بحاجة ابنتها إليها ؟!!!
ـ هل كنتي ستقولين ذلك لو كانت لمياء أختك انتي ؟!
ـ لوكان ذلك حدث مع أختي لكنت قد أعتنيت بها بنفسي .. دون أن أحرم أم من أن تكون مع ابنتها حتى لو كانت تلك الأم هي خادمتي !

كان الحديث قد بلغ شدته بينهما ولم يكن غضبه هو بأقل من غضبها .. فهو بالطبع لم يروقه كلامها .. ولكنه لم يعلق بشئ آخر .. واكتفى بالنظر إليها وعينيه تتطايران شررا .. ورغم كل غضبها إلا أنها ارتاحت قليلا بعدما رأت كيف أغضبه حديثها ..

وتابعت تقول له بنبرة أقل حدة من السابق :
ـ كنت أظنك تعاملني أنا فقط بتلك القسوة .. ولكنني اكتشفت الآن أنني كنت مخطئة في ذلك .. انت قاسي مع كل الناس .. وأناني أيضا !

استمرت بالنظر إليه وقد شعرت أنها ولأول مرة تستطيع أن تغلبه في الحديث وتقول له مافي نفسها ..

لم يكمل الوليد بقية طعامه .. وتقدم إلى السرير لينام .. وقبل أن يغلق الضوء .. ألتفت إليها وقال منهيا الحديث :
ـ أنت لم تعرفيني جيدا بعد يا سارة

وأغلق الضوء تاركها في حيرتها من جملته تلك التي خلا فيها صوته من أي سخرية أو حتى غضب .. ولم تستطع أن تفهم ماذا قصد بقوله هذا !!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ


لم يكن الوليد بجانبها حينما استيقظت في الثامنة صباحا .. كانت قد اسيتقظت من نفسها قبل أن يرن المنبه على غير عادتها .. لعل ذلك يعود إلى أنها أخذت قسطا كافيا من النوم في تلك الليلة .. وبالرغم من أن مواعيد محاظراتها سبتدأ متأخرا اليوم .. إلا أنها قامت من فراشها وفكرت في أن تلحق بالوليد لتفطر معه ..

لم تعد تفهم نفسها !! .. فبالأمس تؤنبه .. واليوم تتلهف شوقا للجلوس معه .. إنه ذلك الشئ الذي يسمى بالحب .. يجعلك تعفو عمن تحبه مهما كانت عيوبه وتتغاظى عنها !!

سارعت بارتداء ملابسها .. وتركت شعرها ينسدل على كتفها .. وتمنت لو كان بإمكانها أن تضع بعض المكياج .. ولكنها ستخرج بعد ساعات على أية حال .. وهي لا تحب أن تضع مساحيق على وجهها أثناء خروجها ..

راحت تقفز السلم بحماس .. ولدهشتها رأت الوليد يجلس في الصالة هذه المرة .. كان يعمل على حاسبه وبيده فنجان القهوة يحتسي منه ..
وبالطبع لم تكمل طريقها إلى غرفة الطعام لتتناول فطورها .. فهي لا تريد سوى قضاء بعض الوقت معه .. وما الفطور إلا حجة لذلك وقد فسدت هذه الحجة الآن ..

وبدون تفكير توجهت نحوه .. وهمت لتلقي عليه تحية الصباح ولكنها توقفت .. فقد تذكرت أن عليها أن تكون باردة معه .. لا يجب أن تبدو وكأنها نست تماما حديثهما في ليلة أمس .. فتظاهرت بالعبوس وقالت بفتور :
ـ صباح الخير

وتوجهت لتجلس على الكنبة التي أمامه .. فرفع نظره عن حاسبه ونظر إليها قليلا بتفحص .. ولكنها لم تلتفت إليه ..
قد يكون قد اندهش من تصرفها هذا بعد مشادة الأمس .. ولكنه رد عليها أخيرا :
ـ صباح النور

ثم حول نظره مرة أخرى إلى حاسبه ..
كانت رائحة قهوته تعبأ المكان .. لكم عشقت تلك الرائحة !!

تسائلت في نفسها عن سبب عدم تناوله الفطور في غرفة الطعام اليوم .. هل لأن لمياء غير موجودة ؟! .. ألهذه الدرجة يهتم لأمر لمياء حتى أنه لا يفطر إلا معها ؟!! .. آلمتها هذه الفكرة كثيرا .. ولم تعد مضطرة لأن تدعي العبوس .. فقد أصبحت منزعجة بالفعل ..

ـ صباح الخير سيدة سارة
ـ صباح الخير

ألتفتت لتنظر إلى خيرية التي قد اتت من خلفها .. ولكنها استغربت فقد توقعت أن تبدو كما بدت بالأمس من حزن وغضب لعدم تمكنها من البقاء مع ابنتها اليوم .. ولكن الأمر كان على عكس ذلك .. فقد بدا وجهها مشرقا ككل صباح .. بل وأكثر ..

تسائلت ما إذا كانت تحب الوليد وتحترمه إلى الدرجة التي تجعلها تتعاظى عما فعله .. ولكن مهما كانت تحبه فبالطبع لا تحبه أكثر من ابنتها ..
إن الأمر حقا محير !! .. أو قد تكون هي التي تعطي الأمور أكثر من حجمها ..

ـ ألن تتناولي فطورك ؟
ـ بلى سأتناوله بعد قليل .. هلا أعددتي لي الآن فنجان قهوة

طلبت منها ذلك وهي لم تعد تستطيع أن تقاوم رائحة قهوته ..

ـ ألن تحتاجي إلى أي شئ أعده لك قبل أن أذهب اليوم ؟

اتسعت عيناها بعدما سمعت سؤال خيرية وهي لم تفهم ماقصدته .. فسألتها بخوف :
ـ ماذا تعنين بقبل أن أذهب اليوم ؟!! .. هل ستتركين العمل هنا ؟!!!

ما إن انتهت من سؤالها حتى انفجرت خيرية في الضحك .. لم يرفع الوليد رأسه من على شاشة حاسبه إلا إن ذلك لم يخفي ابتسامته ومحاولته للتماسك من الضحك ..

توقفت خيرية عن الضحك وقالت :
ـ لا تقلقي سيدة سارة .. أنا لم أقصد هذا بكلامي .. ولماذا أصلا أترك العمل ؟؟
ـ لأنك قد انزعجتي مما حدث بالأمس وأنك لن تتمكني من قضاء اليوم مع ابنتك ..
ـ سيدتي .. إن علاقتي بتلك الأسرة أعمق من أن ينهيها أي موقف .. فمهما انزعجت من السيد وليد فهو يظل كابني .. لا يمكن أن أتخلى عنه ..

سكتت قليلا قبل أن تتابع :
ـ ثم إن السيد وليد وافق لي بالذهاب اليوم إلى ابنتي والبقاء معها إلى الغد .. هذا ما قصدته بذهابي اليوم

هتفت سارة غير مصدقة :
ـ وافق !!

وحولت نظرها إلى الوليد لتسأله :
ـ أحقا وافقت ؟!

نظر إليها الوليد بلا مبالاة وأجابها :
ـ نعم وافقت

شعرت بأنها ستطير فرحا .. أيعقل أن يكون كلامها بالأمس قد أثر فيه إلى الحد الذي يجعله يغير موقفه وهو الذي لا يفعل ذلك بسهولة ؟!!

ولكن الوليد سارع ليقول :
ـ وافقت لأن لمياء لن تأتي إلى المنزل اليوم .. لقد اتصلت بالطبيب منذ قليل وأخبرني بأنها ستبقى في المستشفى إلى الغد

قالت لنفسها بأنه قد وافق على أية حال .. وهي سعيدة من أجل خيرية ..

نظر الوليد إلى ساعته ثم نهض وقال :
ـ أنا مضطر للذهاب الآن .. سأمر على المستشفى لأطمئن على لمياء قبل الذهاب إلى الشركة

علقت خيرية قائلة :
ـ معافاة بإذن الله .. ولا تنسى أن توصل لها سلامي
ـ سأفعل يا خيرية .. شكرا لك ..

تركهما الوليد واتجه ناحية الباب .. وانصرفت خيرية بدورها لتعد لها القهوة .. فنهضت هي من مكانها لتتمكن من مراقبة ظل الوليد .. ولكنه لم يكن واضحا في هذا الصباح .. حيث أن السماء كانت ملبدة بالغيوم لتغطي على أشعة الشمس ..

"أعشق كل شئ في فصل الشتاء .. ماعدا غياب الشمس في وقت خروج الوليد من البيت ! "
هكذا قالت لنفسها وهي تشعر بالاستياء لعدم تمكنها من رؤية ظل الوليد ..

توجهت نحوه .. وفتحت الباب فوجدته لايزال أمامه ولم ينصرف بعد ..

ـ وليد

ألتفت الوليد إليها ليراها تقف عند الباب .. فاقتربت منه وقالت :
ـ شكرا لك

سألها بفتور :
ـ على ماذا ؟
ـ لأنك وافقت على ذهاب خيرية اليوم
ـ أنا لم أرى داعي لمنعها مادامت لمياء لن تأتي اليوم

قالت جملته الأخيرة تلك وهم لينصرف ولكنها استوقفته مرة أخرى لتقول :
ـ وليد انتظر
ـ ماذا أيضا ؟؟
ـ أنا .. أنا .. أريد أن ..
ـ هل تريدين أن أوصلك في طريقي ؟
ـ لا .. الأمر ليس كذلك .. أردت أن أطلب منك شيئا آخر ..

سكتت وهي لا تعرف كيف تصوغ ماتريد أن تطلبه منه .. وراح هو يهز رأسه في إِشارة أنه منتظرا لأن تقول ماتريده .. فتابعت :
ـ هل يمكنك .. يعني أقصد .. هل تستطيع ...
ـ سارة !

نطق الوليد باسمها وقد بدا أن صبره سينفذ فتحدثت أخيرا :
ـ هل يمكنك أن تأتي البيت على الغداء اليوم لنتناوله معا ؟
ـ على الغداء ؟!

بدا الوليد مندهشا حيث أنه لم يتوقع أبدا أن تطلب منه أمرا كهذا ..

ـ ولكنني أنا .. أعني أني لدي اليوم غداء عمل لذلك لن أتمكن من الحضور

سارعت لتقول :
ـ إذا على العشاء ؟!

كانت هي أيضا مندهشة من جرأتها تلك .. فمنذ زواجها منه لم تستطع أن تطلب منه أمرا كهذا .. ليس فقط لأنها تخجل منه .. بل أيضا لأنها تخشى أن يرفض طلبها .. فهو على ما تظن لا يستمتع بقضاء الوقت معها .. ولكن بالرغم من ذلك فقد قررت أن تحاول هذه المرة ..

ظل الوليد صامتا لفترة وبدا أنه سيرفض حينما قال :
ـ سارة ...

ولكنها قاطعته على الفور :
ـ أرجوووك .. أرجوك أن توافق .. أنا لا أحب البقاء في البيت وحدي .. خيرية ستكون عند ابنتها .. ولمياء في المستشفى ..

تنهد بعمق قبل أن يقول لها باستسلام :
ـ حسنا .. لا مانع لدي ..

صفقت بيدها بطريقة تظهر سعادتها وهتفت بامتنان :
ـ شكرا لك

ثم وبدون أن تفكر .. طبعت قبلة سريعة على خده وركضت بسرعة إلى الداخل دون أن تشاهد حتى ردة فعله ...

ghazee 01-10-13 12:49 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
يعطيك العافيه
بس البارت قصير توي بديت استمتع فيه لقيته خلص

ومشكووره

مي الحطاب 01-10-13 11:32 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكراااا
بانتظار الجزء التالي

طمووح 01-10-13 07:32 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي الحطاب (المشاركة 3375962)
سجلت في المنتدى مخصوص علشان أشجعك :331:
استمري و ماتتأخريش علينا ارجوكي :f63:

وأنا روايتي نورت بوجودك ومتابعتك لها :yjg04972::yjg04972:

شكرا كتيييييييييييير على تشجيعك ويارب تفضل الرواية عند ظنك وتستمتعين بمتابعتها للأخير :rdd12zp1:

طمووح 01-10-13 07:37 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ghazee (المشاركة 3375998)
يعطيك العافيه
بس البارت قصير توي بديت استمتع فيه لقيته خلص

ومشكووره

أنا ماحبيت ادخل على البارت الخامس ... خليته في يوم تاني لواحده :biggrin:

بس أوعدك إني هحاول على قدر المستطاع إني انزل بارتات زيادة على يوم الاثنين ..
مكافئة لكل اللي تحمسوا مع الرواية
:8(1)::8(1):

عصفورالجنة 03-10-13 04:53 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:8_4_134:فصل رائع بس ياخساره قصير .

مي الحطاب 07-10-13 10:28 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طمووح (المشاركة 3376236)
أنا ماحبيت ادخل على البارت الخامس ... خليته في يوم تاني لواحده :biggrin:

بس أوعدك إني هحاول على قدر المستطاع إني انزل بارتات زيادة على يوم الاثنين ..
مكافئة لكل اللي تحمسوا مع الرواية
:8(1)::8(1):

أيواااا انا أطالب ب 3 أجزاء كمان :52:
و جزء جديد كل 3 ايام
شكرا على مجهودك :rdd12zp1:

ريم السعودية 07-10-13 10:33 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ا البارت على احر من الجمربانتظ

طمووح 07-10-13 11:09 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(5)


ـ لا يعقل أن تكوني قد فعلتي هذا !

هتفت سمر بذلك وهي غير مصدقة ما قالته لها .. فقالت تدافع عن نفسها :
ـ بصراحة أنا أريد أن أقضي وقتا ممتعا معه .. أريد أن نتقرب أكثر من بعضنا .. أن نفهم بعضنا أكثر .. أن نتصرف كزوجين حقيقيين ..

نظرت إليها سمر وبدت أنها لم يعجبها كلامها .. وقالت :
ـ سارة حبيبتي ..أنتي تعلمين جيدا أنه لا أنت ولا الوليد قد تزوجتما عن حب
ـ أعرف .. ولكنني بت أشعر الآن انني أحبه !
ـ ولكن هذا لن يغير شيئا .. هو مازال يتصرف معك بنفس الجمود .. ما أدراكي أنه لم ينسى خطيبته السابقة بعد ؟!! ... أنا لا أريد أن أفسد سعادتك .. ولكني أخشى أن تتعلقي بآمال زائفة

شعرت بالخوف من تحذيرات سمر لها .. فربما تكون محقة فيما تقول .. ربما لن تجدي محاولاتها تلك نفعا ..
ولكن .. فليكن .. لن تفكر في شئ من قبيل ذلك الآن .. فكل مايشغلها هو أن تنجح في إعداد عشاء مميز للوليد .. وأن لا تدع أي شئ يعكر صفو هذه الليلة ...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ


كان كل شئ جاهزا على طاولة الطعام .. كل شئ كما تريد .. وبالطبع لم تنسى أن تضئ بعض الشموع على المائدة حتى تضيف جاذبية لها ..

وقفت أمام مرآة الصالة.. كانت تلك هي المرة العاشرة التي تتأمل فيها نفسها.. تبدو في قمة الجاذبية بقميص النوم هذا.. ذلك القميص الذي أعجبها منذ أسبوع فاشترته لها سمر .. نعم لقد ارتدته أخيرا بعد تردد كبير .. حينما أقنعت نفسها بارتدائه على أن ترتدي فوقه الروب الطويل الذي أتى معه ..

تجاوزت الساعة التاسعة مساء .. فتسائلت ما إذا كان قد تراجع عن فكرة تناول العشاء معها .. ولكنها طردت هذه الفكرة إذ أنه ليس من النوع الذي يتراجع عن قراراته ..
ففكرت في أنه قد يكون نسي أمرها .. وهذا ما جعلها تشعر بإحباط شديد .. لقد بذلت مجهودا كبيرا لإعداد العشاء ولتجهيز نفسها .. وتأملت أنها ستقضي وقتا ممتعا في صحبة الوليد هذه الليلة .. ولكن أحلامها راحت هباء ..

كانت في قمة اكتئابها حينما سمعت فجأة صوت مفتاح في الباب .. لا شك في أنه هو ..
تنفست الصعداء وقد عاودها الأمل مرة أخرى .. ظلت واقفة في مكانها وهي تحاول أن تهدأ من دقات قلبها التي تنبض بعنف .. و ابتلعت ريقها حينما رأته يسير باتجاه الصالة حيث تقف هي ..

ـ مساء الخير

بادرها بإلقاء التحية بعد أن رآها .. فابتسمت له وهي تبادله التحية :
ـ مساء النور

لم تستطع أن تنطق بكلمة أخرى مما كانت قد تدربت على قوله ..فقد أربكتها نظراته لها .. كان يتأملها بعمق .. مما جعلها تتسائل ما إن كانت قد استطاعت أن تنال إعجابه أخيرا ..

حاولت أن تبدو طبيعية .. فقالت في محاولة لصرف نظره عن تأملها :
ـ ظننتك ستتأخر وأنك قد نسيت اتفاقنا ..

أخرجته جملتها تلك من شروده فتوقف عن النظر إليها أخيرا وأخذ يخلع حذائه وهو يقول :
ـ لقد كدت أن أنسى بالفعل .. ولكن من حسن الحظ أنني قد تذكرت على اخر لحظة

لم تفهم ما الذي عناه بكلمة "حسن الحظ" .. هل قصد حسن حظه هو أم حسن حظها هي .. أم حسن حظهما كلاهما !

خلع سترته وهم ليرميها على الكنبة التي بجواره ولكنه أسرعت إليه ومدت يدها له وهي تقول :
ـ ناولني إياها سوف أضعها في الغرفة

استجاب لها وناولها سترته وقد بدت الحيرة واضحة في عينيه ..
حينما تناوت السترة من يده .. لمست يدها يده من دون قصد .. فعادت ضربات قلبها تتسارع من جديد ..

ـ اسبقني أنت إلى غرفة الطعام .. سأعلقها وأعود على الفور

قالت له ذلك قبل أن تذهب مسرعة إلى الغرفة لتعلق سترته على عجل .. وقبل أن تخرج منها نظرت مرة أخرى نظرة سريعة في المرآة .. وراحت ترتب شعرها الذي كانت قد جمعته كله على جانب واحد ..

هل حقا ستتناول العشاء الليلة برفقة الوليد بمفردهما ؟!! .. مازالت لا تصدق ذلك !
" حسنا يا سارة .. عليكي أن تكوني هادئة وأن تتصرفي على طبيعتك "
قالت ذلك لنفسها وهي تهبط الدرج وتتوجه إلى غرفة الطعام ..

حينما دخلت الغرفة كان الوليد لا يزال واقفا في مكانه ويتأمل المائدة المرتبة بعناية ودقة ..

بادرته بالقول :
ـ أمازلت واقفا ؟ .. أنا أتضور جوعا

وهنا تنبه إلى وجودها فتوجه إلى كرسيه ليجلس واتخذت هي أيضا مكانها للجلوس ..

ـ هل أعددتي كل هذا الطعام وحدك ؟!

سألها ذلك وفي صوته نبرة انبهار .. فأجابته بفخر :
ـ بالطبع أعددته بمفردي
ـ لم أكن أعرف أن زوجتي طباخة ماهرة

تفاجئت من تعليقه .. وخاصة من كلمة " زوجتي " .. فهذه هي أول مرة تسمعه يقول هذه الكلمة .. الأمر الذي جعلها تشعر بالسعادة ..

تناولت صحنه لتغرف له من المعكرونة وهي تقول ممازحة :
ـ عليك أن لا تتسرع بالحكم بأنني طباخة ماهرة قبل أن تتذوق الطعام .. فربما غيرك رأيك بعد الأكل
ـ رائحته تكفي لأن أصفك بذلك

أحمرت وجنتاها خجلا من إطرائه .. ولم تجرؤ حتى على شكره ..
ناولته الصحن بعد أن وضعت له مع المعكرونة شرائح اللحم والبطاطا .. وأخذت تنظر إليه حينما بدأ في تذورق أول ملعقة من المعكرونة.. راحت تراقبه بتوتر في انتظار أن يبدي رأيه .. ثم رأته أخيرا يطلق نبرة استحسان وأشار لها بإبهامه علامة على الإعجاب .. وراح يقول لها :
ـ كما توقعت .. شهية بحق ! .. أظن أنني لن أكتفي بصحن واحد
ـ ههههههه .. كل كما شئت فلا يوجد غيرنا اليوم ليتناولها ..
ـ في هذه الحالة ستجعليني أعتاد على هذا الدلال .. وربما طلبت منك كل يوم أن تعدي لي العشاء ..
ـ سيكون هذا من دواعي سروري

نظر إليها بتعجب كمن يحاول أن يحل لغزا .. فأسرعت تقول :
ـ بالطبع إذا لم يكن لدي مذاكرة كاليوم

سادت لحظة من الصمت قبل أن يقطعها بسؤاله :
ـ هل تعلمتي الطهي من والدتك ؟
ـ لا .. أنا .. لا ...

سكتت قليلا تحاول أن ترتب كلماتها ثم تابعت :
ـ والدتي قد توفيت منذ ولادتي .. لقد تعلمت الطهي بنفسي حينما كنت في السكن الجامعي ..
ـ كنت أظن أنهم يقدمون لكم الطعام في السكن الجامعي
ـ نعم هذا صحيح .. ولكنه لم يكن جيدا على الإطلاق .. فأقدمت أنا ورفقيقتي التي كانت تشاركني الغرفة على تعلم الطبخ .. في البداية كنا نصنع العجائب .. ولكن مع مرور الأيام تمكنا من إتقان طهي العديد من الأكلات ..
ـ أظن أن الظروف هي التي تجبر الإنسان على تحمل المسؤولية واكتساب المهارات
ـ هذا صحيح .. فلو لم يكن الطعام في السكن سيئا لدرجة كبيرة ولو لم أكن مضطرة لما كنت فكرت في تعلم الطهي أبدا

ساد الصمت من جديد قبل أن يفاجئها بسؤاله :
ـ هل تزوج والدك من امرأة أخرى بعد وفاة والدتك ؟
ـ نعم .. لقد تزوج حينما كنت في الرابعة من عمري .. وليته لم يفعل ..
ـ لماذا ؟؟ هل كانت سيئة ؟
ـ بل أسوأ مما تتصور .. لقد كانت أسوأ انسانة قد تراها في حياتك على الإطلاق .. على كل الأحوال .. لم يكن والدي بأفضل منها ..عشت معهم في جحيم حتى توفي والدي وبعدها بعدة شهور ألتحقت بالجامعة .. فلم أرى زوجة أبي منذ ذلك الوقت ..

تنهدت بعمق ثم تابعت :
ـ ماكان يصبرني على الحياة معهم هو أنني كنت أعد نفسي دائما بأن المستقبل سيكون أفضل وأجمل من ذاك الحاضر .. كنت أصبر نفسي بأحلامي .. وكنت أقول بأنه سيأتي اليوم الذي سأصبح فيه طبيبة ناجحة وسيكون وقتها هناك معنى لحياتي ..تلك الأحلام هي من هونت علي الحياة البؤس التي كنت أحياها معهم

بدا أنه قد تأثر بكلامها .. فابتسم لها وهو يقول :
ـ وها أنتي في آخر سنة دراسية في كلية الطب وقد حققتي حلمك
ـ ليس بعد
ـ أنا واثق بأنك ستحققينه في وقت قريب

ابتسمت لكلماته .. وشعرت بأنه يحاول أن يرفع من معناوياتها ..

ـ هل تشتاق إلى والدك ؟

فاجئته بالسؤال دون أن تسبقه بأية مقدمات .. انتظرت سماع إجابته ولكنه ظل صامتا على الرغم من أنه لم يبدو عليه الاستياء من سؤالها .. بدا أنه يفكر في شئ ما .. قبل أن يتكلم أخيرا ويقول :
ـ أحيانا لا أتوقف عن التفكير به .. لقد كان مثلي الأعلى في كل شئ .. ولكم تمنيت أن أكون مثله ..

سكت قليلا قبل أن يتابع :
ـ لقد كنت في تلك السنوات الأخيرة من حياته بعيدا عنه تماما .. لم أكن آتي لزيارته سوى شهرا واحدا طوال السنة .. وهذا ما يجعلني أشعر بتأنيب الضمير بعد وفاته لأنني لم أكن بجانبه في آخر أيامه
ـ ألهذا السبب صممت أن تحقق وصيته ؟

وجهت له هذا السؤال بسرعة دون حتى أن تفكر في عواقبه .. ولكنه جاوبها بهدوء وقد بدا الحزن في صوته :
ـ نعم .. لهذا السبب

قال ذلك ثم استطرد يقول وهو يحاول أن يغير مجرى الحديث :
ـ ولكنني على الرغم من أنني عشت سنين بمفردي أنا ولمياء إلا أنني لم أستطع أن أصبح طباخا ماهرا مثلك
ـ حقا ؟!
ـ نعم .. لا أنصحك أبدا بأن تتذوقي طعام قمت أنا بطهيه .. فلن تتذوقي أسوأ منه .. ولا أعرف لماذا يكون طهيي بذلك السوء كله ؟؟ .. مع أنني أضع المقادير كما هي واتبع الطريقة خطوة بخطوة .. ولكن لا جدوى .. الشئ الوحيد الذي نجحت في إعداده هو الشاي
ـ الشاي فقط ؟!
ـ وحتى الشاي لم اتقنه كثيرا

علقت بعدم تصديق :
ـ لا !! أنت تبالغ .. مالشئ الصعب في إعداده ؟َ! مجرد ماء مغلي ومعه ملعقة شاي .. و سكر حسب الرغبة
ـ هنا تكمن المشكلة .. في السكر .. تلك المرة أتى إلي أحد أصدقائي لزيارتي في المنزل .. فاضطررت إلى إعداد له الشاي بنفسي .. فهو الشئ الوحيد الذي أجيده .. سار كل شئ على مايرام حتى سألته عن كمية السكر الذي يريدها .. ووضعت له الكمية التي طلبها بكل دقة .. ولأنني لا أستعمل السكر كثيرا ..

سكت قليلا وهو يتحاشى النظر إليها .. فبادرته بالسؤال بفضول :
ـ ماذا ؟؟ ماذا حدث بعد ذلك ؟؟
ـ أذكر أنه قد أنتابه الغثيان وقتها .. فببساطة لقد وضعت له الملح بدلا من السكر .. كانت علبته تشبه علبة السكر كثيرا مما جـ...

لم يستطع أن يكمل كلامه لأنها كانت قد انفجرت من الضحك ..
ـ هههههههههههههههههه .. لا أستطيع أن أتخيل ذلك .. ههههههههههههههه

بادلها الضحك هو أيضا وراحت تحكي له بدورها بعضا من مواقفها الطريفة .. استمرا يتحدثان حتى بعد أن انتهيا من الأكل .. فقد قام يساعدها في رفع المائدة وتوجه معها إلى المطبخ حيث كان يقوم بتجفيف الصحون التي تنتهي هي من غسلها ..

كان الحديث معه ممتعا لدرجة أنها لم تنتبه إلى كم من الوقت مضى وهما يتحدثان .. لم تنتبه إلى الساعة إلا حينما انتهيا من غسيل الصحون وخرجا من المطبخ فرأت الساعة تقترب من منتصف الليل ..

ثلاث ساعات .. لقد أمضت معه ثلاث ساعات كانت أجمل ساعات في حياتها .. و تمنت لو أنها تستطيع أن تقضي معه وقتا كهذا كل يوم ..

ـ إنه عمل متعب بحق .. أنا لا أدري كيف تستطيع مجيدة أن تقوم بذلك كل يوم بمفردها !

قال لها ذلك وهما يدخلان إلى غرفتهما .. فضحكت وردت عليه تقول :
ـ وليد .. أنت حتى لم تفعل شيئا سوى تجفيف الصحون .. هذا لا يعد عملا!

رفع حاجبه بتعجب .. كان يبدو وسيما جدا كعادته .. غمازاته التي تظهر كثيرا حينما يبتسم أو يضحك .. لحيته الخفيفة .. رائحة عطره التي قد أصبحت مدمنة عليها .. كل شئ فيه يجذبها ..

كان يحمل بيجامته وهو يتوجه إلى الحمام قبل أن يلتفت إليها ويقول بلطف:
ـ شكرا لكي يا سارة .. أنا حقا كنت بحاجة لأمسية كتلك منذ فترة

ابتسمت له وهي تقول :
ـ وأنا أيضا كنت بحاجة إلى ذلك

دخل الحمام وتركها والسعادة تغمرها .. لقد نجحت في قضاء وقتا رائعا معه كما كانت تتمنى و أفضل ..

ومن بين سعادتها تلك لاحظت محفظته الواقعة على الأرض بجانب الدولاب .. تناولتها بيدها على الفور وهي تفكر ما إذا كانت هي من أوقعتها وهي تعلق سترته ..
فكرت في أن تعيدها إلى جيب سترته ولكنها تراجعت إذ أنه من المحتمل أن يكون هو من أوقعها من جيبه .. فقررت أخيرا أن تنتظر خروجه وتسلمها له في يده ..

تملكها الفضول لأن تفتحها وتشاهد ما بداخلها .. ولكنها تراجعت .. فليس من اللائق أن تقوم بذلك .. حولت نظرها عنها ولكنها ما لبثت وأن عادت تنظر إليها .. حسنا إنها في الأول وفي الآخر زوجته .. ولا ترى عيبا في أن تشاهد ما بداخلها .. ويمكنها أن تخبره بذلك وهي تسلمها له ..

تشجعت وقامت بفتحها بسرعة ولكنها تسمرت حينما رأت بداخلها صورة امرأة ..
كانت فتاة شقراء لا ترتدي حجابا .. عيناها لونهما أخضر على حد ما تمكنت من رؤيته .. كانت امرأة في غاية الجمال .. واستطاعت أن تخمن من أن تلك المرأة هي خطيبته السابقة

ـ ماذا تفعلين ؟

جعلها صوته تقفز من مكانها .. كيف لها أن لا تنتبه إليه وهو يخرج من الحمام ..
قامت بإغلاق محفظته على الفور ومدتها له وهي تقول بنبرة تحاول أن تبدي فيها الا مبالاة :
ـ لقد وجدتها على الآرض فحملتها لأسلمك إياها
ـ ولماذا كنتي تتأملين ما بداخلها ؟؟
ـ كنت أتفرج عليها لا أكثر

ابتسم لها بسخرية ثم قال :
ـ وهل أعجبتك ؟

حدقت فيه وسألته بارتباك :
ـ من ؟!!
ـ ومن غيرها ! .. المحفظة بالطبع
ـ اهاا .. المحفظة .. نعم .. نعم إنها جميلة

شعرت بالخجل لأنها بدت كالمتطفلة أمامه .. ولكنه لم يعلق أكثر على الموقف واكتفى بالصمت ..
ولم تستطع هي أن تمسك لسانها فقد تملكتها الغيرة والغضب وهي تتذكر كلمات لمياء لها بأنها هي من فرقت بينه وبين من يحب .. و مايدل على صحة كلامها في أنه لا يزال يحبها هو احتفاظه بمثل هذه الصورة في محفظته .. فسألته بارتباك :
ـ الصورة التي في محفظتك .. هل هي لخطيبتك السابقة ؟

لا تدري لماذا سألته هذا السؤال .. فهي واثقة من أنها هي بالفعل .. لابد وأن غيرتها جعلتها تتحدث بدون تفكير ..
ولكن سؤالها هذا جعل ملامح وجهه تتبدل ليبدو عليه الغضب ..

لم تسمع منه أي اجابة .. فتابعت تسأله :
ـ لماذا تضع صورتها في محفظتك ؟

ما إن انتهت من سؤالها حتى رأته يعبس بحاجبيه فأدركت مدى حماقتها وأنها قد أغضبته بشدة ..
ولكنها لم تعد تستطيع أن تتراجع فتابعت :
ـ هل تحبها لهذه الدرجة ؟!

وهنا أمسكها الوليد بقوة من ذراعها حتى أنها شعرت بأصابعه تغوص في جلدها .. فتكلم أخيرا وهو يكز على أسنانه :
ـ من الأفضل لك أن لا تتدخلي فيما لا يعنيكي
ـ لا يعنيني ؟!! هل نسيت أنني زوجتك ومن حقي أن أعرف علاقاتك السابقة ..

رفعت حواجبها في علامة على التحدي على الرغم من أن قلبها يكاد يموت رعبا .. شدد من قبضته على ذراعها وقال لها :
ـ جيد .. ولكن لماذا لا تخبريني أنت أيضا عن علاقاتك السابقة ؟ .. يبدو أن لديكي خبرة كبيرة في إغراء الرجال !
ـ ماذا تقصد بكلامك ؟!!
ـ هيا .. لا تحاولي أن تدعي البراءة .. أخبريني كيف تعلمتي كل ذلك الإغراء ؟؟ .. ألستي تحاولين إغرائي بملابسك هذه ؟!
ا
وهنا دفعته بقوة في محاولة أن تخلص ذراعها من قبضته وصرخت به :
ـ أيها الحقير .. من تظن نفسك ؟! .. ابعد يديك عني

ولكن بدلا من أن يترك ذراعها راح يمسك بذراعها الآخر أيضا مما جعلها لا تقدر على التخلص منه .. ثم قربها إليه وقال لها بسخرية :
ـ أليس هذا ماتريدين الحصول عليه ؟

بدأ يعانقها مما جعلها تحاول أن تفلت منه .. ولكن لا جدوى .. راح يعانقها بعنف وكأنه يريد أن ينتقم منها ..
وقامت هي تستجمع كل قواها وصممت على أن لا تستسلم له فدفعته بكل ما أوتيت من قوة .. وتمكنت أخيرا من الإفلات منه .. ثم صرخت به وهي تلهث:
ـ هل جننت ؟

تجاهل كل غضبها وقال لها باستهزاء :
ـ هيا اقتربي .. سأعطيكي كل ماكنتي تتوقين إليه مني

وهنا صفعته بيدها وهي لم تعد تتحمل أكثر من ذلك .. لقد أهانها بما يكفي .. وعليها أن تسترد كرامتها منه ..
نظرت إليه لتراقب ردة فعله .. وقد ظنت أن صفعها له سوف يجعله يتراجع عما يريد القدوم عليه .. وأنه سيستفيق ويسشعر بتأنيب الضمير عما قاله لها .. ولكنها كانت مخطئة .. وتمنت لو أنها لم تقم بصفعه .. فلم يزده ذلك إلا غضبا .. وبدا كالبركان الذي انفجر .. فتقدم منها وحملها من فوق الأرض ثم رماها بعنف على السرير .. كانت قوته كافية لأن تشلها عن الحركة .. فعرفت أن أمرها قد انتهى .. وماتت الكلمات في حلقها ...

مي الحطاب 08-10-13 12:59 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
نريد المزيييييييييييييييد
أنا احتج :'(

ghazee 08-10-13 03:24 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بلييز لا توقفين هنا
مانقدر ننتظر اسبوع كامل عند هالوقفه

طمووح 08-10-13 06:25 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
يا أجمل أعضاء في الدنيا :8(1):

والله لو علي كنت نزلت لكم الرواية كلها مرة واحدة ..
أنا مش متعمدة إني أحمسكم لفترات طويلة ..
بس زي ما قلت لكم ظروف الدراسة مقيدتني ..:Taj52:

فياريت تعذروني على أي تأخير وأي تقصير في تنزيل بارتات طويلة مرة واحدة ..:c8T05285:
وانا أوعدكم أي وقت أكون فيه فاضية راح أنزل لكم بارت جديد حتى لو قبل يوم الاثنين
:flowers2:

عصفورالجنة 10-10-13 01:37 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اشتقنا لايطالك طموح.:flowers2::0041:

عصفورالجنة 10-10-13 01:51 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:0041::rdd12zp1:

ريم السعودية 14-10-13 01:08 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بانتظار البارت يا طموح

طمووح 14-10-13 07:08 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
كل عام وانتوا بخير يا أحلى قراء ..

إن شاء الله راح انزل البارت الليلة ... وأنا حاليا قاعدة أكتب فيه ...

وراح يكون البارت طويل بإذن الله :125:

طمووح 14-10-13 11:49 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ألا حبذا .. حبذا حبذا .. حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ


فتحت عينيها بصعوبة واستطاعت أن تبصر ضوء الشمس الذي يتسلل إلى الغرفة عبر النافذة ..ألقت نظرة سريعة حولها فلم يكن هناك أي شخص سواها .. فراحت تستعيد بذاكرتها كل ماحدث معها بليلة الأمس .. ثم انفجرت في البكاء ..

الحزن .. واليأس .. والغضب ..هذا كل ماتشعر به الآن .. لم يسبق لأحد وأن أهانها بهذه الطريقة من قبل ..
انتفضت بسرعة من فوق السرير الذي لم تعد تطيق أن تبقى به لحظة أخرى .. وبدأت برمي كل الوسادات من فوقه على الأرض .. ثم راحت تركل السرير بكل قوتها وهي تجهش بالقول من بين بكائها : " تبا له "

كانت تحاول أن تفض جام غضبها في ركل السرير وهي تتمنى لو كان الوليد مكانه .. ظلت تركله حتى بدأت تؤلمها قدمها ولكنها لازالت تشتعل غضبا وقهرا ..
وأخيرا جلست على الأرض ودفنت وجهها بين رجليها وراحت تبكي بحرقة وألم ..

لا تدري كم من الوقت مضى وهي على هذه الحالة .. ولكنها في الاخير قررت أن تأخذ حماما ساخنا ..

حينما خرجت من الحمام .. كانت أعصابها قد هدأت قليلا .. نظرت إلى الساعة فرأتها تشير إلى العاشرة .. لقد أضاعت المحاضرة الأولى .. ولا تنوي أن تلحق بباقي المحاضرات .. لن تستطيع أن تذهب إلى أي مكان وهي في هذه الحالة وعينيها قد انتفختا من البكاء .. كما أنها ليست في مزاج يسمح لها بمقابلة الناس ..

قامت بقضاء صلاة الصبح ..ثم تلتها بصلاة الضحى .. وبدأت نفسها تستعيد هدوئها تدريجيا .. فراحت ترتب الفوضى التي أحدثتها .. وأعادت الوسادات لمكانها على السرير بعد أن قامت بتبديل الملائة والكساوي بأخرى ..

وأخيرا ارتمت على السرير ..و تمددت عليه لتحاول أن تسترخي .. ولكنها ما إن أغمضت عينيها حتى عادت إليها ذكرى الأمس من جديد .. فعادت دموعها تذرف مرة أخرى .. وبينما هي على هذه الحالة سمعت هاتفها يرن .. كانت سمر هي من يتصل .. لم تكن تلك المرة الأولى .. فمنذ أن استيقظت وهي لم تكف بالاتصال بها .. لابد أنها قلقت حينما لم تحضر الجامعة دون أن تعطيها حتى خبر بذلك ..

لم تكن مستعدة للرد عليها .. ولكنها أدركت أن عليها أن تجيبها هذه المرة حتى لا تقلقها أكثر من ذلك .. جاء صوتها خافتا وهي تقول :
ـ مرحبا
ـ اهه .. الحمد لله ياربي .. وأخيرا قد أجبتي .. كدت أن أموت رعبا عليكي .. أين انتي ؟؟ ولماذا لا تجيبين على مكالماتي ؟؟ ولماذا لم تأتي بعد ؟؟

تنهدت بعمق وأجابتها وهي تحاول أن يبدو صوتها طبيعيا :
ـ آسفة يا سمر .. أعذريني لم أسمع هاتفي وهو يرن .. انتي تعرفينيي جيدا حينما أكون نائمة لا شئ يوقظني بسهولة
ـ هل انتي بخير ؟ .. إن نبرة صوتك تقلقني !

على الرغم من محاولاتها في أن تتحكم في نبرة صوتها إلا أن سمر لم ينطلي عليها ذلك وارتابت لأمرها .. فأجابتها لتصلح الأمر :
ـ نعم .. أنا بخير .. كنت نائمة واستيقظت للتو لذلك يبدو صوتي متغيرا .. كما أنني أشعر ببعض الإعياء
ـ أنا لا أشعر بأنك بخير أبدا .. على أية حال .. سوف آتي لكي أطمئن عليكي بعد أن ينتهي دوامي
ـ لا لا .. إياكي وأن تفعلي ذلك .. أنا حقا بخير .. صدقيني مجرد زكام بسيط ..

كانت تخشى أن تنفذ سمر مافي رأسها وتأتي .. لأنها ما إن تراها فستعرف على الفور بأنها تكذب ..

ـ كما تريدين .. أردت فقط أن أطمئن عليك ..

قالت سمر ذلك باستسلام ثم استطردت تقول :
ـ كيف كانت ليلة الأمس ؟

تمنت لو أنها لم تسألها عن ذلك .. وأن لا تهتم لمعرفة التفاصيل .. ولكن هذا شبه مستحيل .. لا يمكن أن لا تسألها سمر عما حدث وهي تدري كم كانت متحمسة هي للعشاء مع الوليد ..

أجابتها ببرود :
ـ كانت ليلة جيدة .. ولكنني لا أستطيع أن أحكي لك أي شئ الآن .. غدا سوف أخبرك بكل ماتريدين معرفته .. لأنني متعبة الآن
ـ حسنا لن أشق عليك .. سأدعك ترتاحين الآن ..

وأخيرا ودعتها وأنهت المكالمة .. كانت واثقة من أنها شعرت من أن شئ ما قد حدث معها .. إن سمر صديقتها منذ خمسة سنوات .. وهي تفهمها جيدا .. ولن تتمكن من التهرب منها طويلا ..

دفنت رأسها في الوسادة وهي تشعر بالاكتئاب .. وخلدت إلى النوم من جديد حتى تتهرب من حزنها قليلا ..

استيقظت هذه المرة على صوت خيرية .. ففتحت عينيها بصعوبة لتراها واقفة أمامها .. رفعت رأسها وأسندت ذراها على الوسادة وهتفت :
ـ لقد عدتي !!

ابتسمت لها خيرية كعادتها وأجابت :
ـ نعم .. عدت منذ ساعات وانتظرتك لتستيقظي ولكنك تأخرتي في النوم اليوم على غير عادتك .. لقد أصبحنا الظهر الآن
ـ كيف كانت ابنتك ؟
ـ هي بأفضل حال .. تعبت قليلا بعد الولادة ولكنها أفضل الآن .. انجبت ولدا وسمته باسم ...

انطلقت خيرية تحكي لها كل صغيرة وكبيرة حدثت معها في اليوم السابق .. كما راحت توصف لها حفيدها وقد اشتاقت إليه في تلك الفترة التي تركته فيها .. ووعدتها ابنتها بأنها ستصوره قريبا وتمنحها صورة له ..

كانت تحاول أن تتظاهر بأنها منتبهة لما تقوله .. ولكنها في الحقيقة كانت غير ذلك .. لقد كان رأسها يؤلمها بشدة .. كثرة البكاء والنوم أيضا هما من جلبا لها هذا الصداع ..

وأخيرا سكتت خيرية وقد انتبهت لحالتها فسألتها بقلق :
ـ انتي بخير ؟؟
ـ أشعر فقط ببعض الصداع
ـ هذا طبيعي .. انتي لم تأكلي شيئا منذ الصباح .. سأحضر لكي الفطور فورا
ـ لا تحضري شيئا يا خيرية .. أنا لن آكل شيئا
ـ ولكن هذا لا يمكن .. انظري إلى وجهك كيف يبدو شاحبا ..
ـ أرجوكي يا خيرية لا تضغطي علي أكثر .. إذا اردتي مساعدتي فاتركيني على راحتي وأحضري لي حبة مسكن ..

انصرفت خيرية مستسلمة وهمت بالخروج من الغرفة ولكنها توقفت حينما لاحظت الملائة والكساوي التي وضعتهم على الكنبة .. فحملتهم معها وقد بدا عليها الاستغراب وهي تقول :
ـ كان من الأفضل أن لا تتعبي نفسك وتنتظري حتى أبدلهم بنفسي !

بعد انصرافها ارتاحت كثيرا لأنها لم تنتبه إلى أنها كانت تبكي .. ولكن لم تمضي دقائق حتى عادت من جديد وهي تحمل في يديها هذه المرة صينية وضع فوقها كوب حليب وبجانبه شطيرة صغيرة ..

ـ لا جدوى فيكي يا خيرية .. مابرأسك تنفذيه دائما ..

ردت عليها خيرية مشجعة :
ـ هيا .. إنها مجرد شطيرة .. ستفيدك .. فليس جيدا أن تتناولي حبوب على معدة فارغة .. انتي طبيبة وتفهمين في ذلك أكثر مني

تناولت منها الصينية وهي مستسلمة .. لم تكن تشعر بالجوع على الإطلاق .. بل تشعر أنها ستستفرغ إن هي وضعت شيئا بفمها الآن .. ولكنها أخذتها حتى تكف خيرية عن الكلام ..

ـ سأمر بعد قليل لكي آخذ الصينية مرة أخرى ..

هكذا قالت لها خيرية وهي تفتح باب الغرفة للخروج .. ولكنها توقفت للحظة عنده وعادت لتسألها :
ـ هل سلمتي على لمياء ؟

كانت تشرب من الحليب حينما سمعت هذا السؤال .. فغصب وهي تشرب وسألتها بارتباك :
ـ لمياء ؟!! .. هل .. هل هي هنا ؟!

اندهشت خيرية لأنها لم تعرف بقدومها بعد .. فأجابتها قائلة :
ـ نعم لقد أحضرها الوليد اليوم منذ الصباح بعد أن أتيت أنا ببعض الوقت .. ظننتك تعلمين بالأمر !
ـ لا .. في الحقيقة لم أعلم بوجودها إلا منك الآن
ـ على أية حال هي لا زالت نائمة حتى الآن .. إن أردتي سأعطيكي خبرا حينما تستيقظ حتى تسلمي عليها ..
ـ حسنا لا بأس

هذا ماكان ينقصها .. ألا يكفيها تصرفات الوليد معها .. كيف ستتحمل تصرفات لمياء أيضا .. كانت تعلم بأنها ستخرج اليوم من المستشفى ولكن ماحدث بالأمس جعلها لا تفكر في شئ آخر ..

من المفترض أن تذهب إلى لمياء في غرفتها حينما تستفيق وتطمئن على سلامتها .. فتنهدت باكتئاب وهي تقول لنفسها " ياربي الصبر "

وضعت يديها على رأسها وهي تحاول أن تتماسك .. لا يمكن أن تعاود البكاء مرة أخرى .. لقد نفذت كل طاقتها .. كما أن البكاء لم يجلب لها سوى المزيد من الصداع ..

قررت بأنها لن تجبر نفسها على شئ لا تريده .. وأنها لن تذهب لتطئن على لمياء .. ولو ترتب على ذلك غضب الوليد منها .. لم يعد يهمها غضبه بعد ما فعله بها ..

شعرت ببعض الألم في ذراعها .. فعادت لها ذكريات الأمس وهي تستشعر أصابعه التي كان يضغط بها على ذراعها .. لم تكن تدرك أن مجرد الحديث عن خطيبته السابقة سيغضبه إلى هذه الدرجة .. ماكان يجدر بها أن تفتح هذا الحديث معه ..

لقد أراد أن ينتقم منها .. لأنها بالإضافة إلى أنها تدخلت فيما يراه أمورا خاصة به .. أنها كانت السبب الأساسي في أن ينفصل عن خطيبته ..

إلى جانب كل الغضب الذي تشعر به نحو الوليد .. إلا أن بداخلها كانت تكمن مشاعر الندم أيضا .. لأنها أفسدت كل شئ كان سيكون ذكرى جميلة للأبد لو لم تفاتحه هي في موضوع خطيبته .. ليتها لم تفعل .. ياليتها لم تفعل ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ

مضى الوقت ببطأ وهي تحاول أن تستذكر شيئا من محاضراتها .. ولكنها بالطبع لم تستطع أن تركز أبدا .. ظل بالها منشغلا وخصوصا حينما اقتربت الساعة من العاشرة مساء .. فمن المفترض أن يعود الوليد من العمل في أي لحظة .. هي لا تطيق أبدا رؤيته .. وربما تنهار أمامه بالبكاء إن هو تحدث معها .. ولن تكون قوية بالقدر الكافي لمواجهته ..

قامت من مكانها وتوجهت نحو الباب في محاولة منها لأن تستمع إلى صوت خطواته حينما يأتي ..مضت بعض الدقائق حتى سمعت صوت خطوات على السلم .. فوضعت يدها على قلبها الذي كان يخفق بعنف من شدة التوتر .. وظلت منتصبة في مكانها لا تعرف ماذا تفعل حتى سمعت صوت باب غرفة أخرى يفتح ثم يغلق مرة أخرى ..

تنهدت قليلا وقد أحست أنه دخل غرفة لمياء ..لابد وأنه سيطمئن عليها قبل أن يأتي إلى هنا .. أخذ عقلها يفكر بسرعة لتجد حلا ما .. فوجدت نفسها تضع يدها على المفتاح الذي بباب الغرفة .. وبدون أي تفكير حركته لتغلق قفل الباب .. هذا هو الحل الوحيد أمامها لتتجنب الوليد ..

جلست على السرير وهي تحاول أن تسيطر على انفعالها وتنتظر ماذا سيحدث في الدقائق القادمة ..
مضت ربع ساعة حتى سمعت صوت أقدام تقترب من غرفتها .. إنه الوليد بلا شك ..

أخذت تنظر إلى مقبض الباب بترقب .. وأخيرا رأته يتحرك .. ولكن الباب لم يفتح بالطبع .. فبدأ الوليد يطرق الباب بخفة ..
لم تجيبه .. ولا تفكر أن تجيبه .. أخذت أنفاسها تتسارع وهي لا تدري ماسيؤول إليه فعلها هذا ..

راح الوليد يناديها بصوت خافت حتى لايسمعه أحد غيرها .. فنهضت من مكانها واقتربت من الباب لتسمعه جيدا حتى أصبح لا يفصلها شئ عنه سوى ذلك الباب .. مما آثار في نفسها الرعب ..

ـ سارة .. أنا أعلم بأنك لازلت مستيقظة .. من الأفضل لك أن تفتحي هذا الباب الآن

بدا صوته غاضبا رغم أنه كان منخفضا .. هي واثقة أنه لا يريد أن تسمعه لمياء أو حتى خيرية ..
حينما لم يسمع منها ردا راح يطرق الباب مرة أخرى ولكن بقوة هذه المرة .. ففكرت أنه من الأفضل أن تخرج عن صمتها .. فتكلمت أخيرا قائلة :
ـ لا تتعب نفسك .. أنا لن أفتح الباب

كان صوتها مرتجفا .. وفشلت في أن تخفي خوفها ..

ـ افتحي الباب ودعينا نتفاهم في الداخل .. توقفي عن تصرفات الأطفال تلك!
ـ لا مستحيل .. أنا لن أفتح لك هذا الباب .. ولا أريد أن أتفاهم معك

كان ردها عنيفا ومؤكدا لأنها لن تتراجع عن قرارها .. فسمعته يقول لها وقد خفت حدة صوته قليلا :
ـ أنا أعرف بأنك غاضبة مما حدث في ليلة الأمس .. ولكني أعدك بأن هذا لن يتكرر مرة أخرى ..
ـ هل هذه مزحة ؟! أنت فعلت مايحلو لك ثم تأتي الآن وتعدني بأنه لن يتكرر .. تحتاج إلى امرأة غبية لكي تصدقك .. وأنا لست بغبية !

سمعته يتنهد في إشارة إلى نفاذ صبره .. وتابع يقول لها :
ـ إن ذهبت للنوم في غرفة أخرى من المحتمل أن لمياء وخيرية سيعرفان بالأمر .. على الأقل دعيني أدخل وأعدك بأنني سأنام على الكنبة .. أو حتى على الأرض إن أردتي ذلك

شعرت بأنه صادقا فيما يقوله .. ولكنها لازالت تخافه .. كما أنها ازدادت غضبا منه لأن كل مايهمه هو أن لا تشعر أخته أو خيرية بشئ .. لذلك يقدم هذه التنازلات .. أما هي فلا تعنيه بشئ !.. فأجابته بحدة :
ـ أنا لا أصدقك .. ولن أصدقك في حياتي .. والآن اذهب واتركني وشأني ..

عمت لحظة من الصمت قبل أن يتكلم مرة أخرى وقد بدا أنه قد استسلم :
ـ بيجامتي في الغرفة عندك .. أظن أنه من المفترض أن تخرجيها لي إن أردتي أن أنام الليلة في غرفة أخرى
ـ هل تريدني أن أفتح الباب وأناولك بيجامتك ؟!
ـ نعم .. واسرعي في ذلك لأنني قد سئمت من هذا الحوار
ـ وما الذي يضمن لي أنك لا تخدعني وتريدني أن أفتح الباب حتى تدخل إلى الغرفة ؟!!
ـ ماذا تريديني أن أفعل حتى تضمني ذلك ؟؟؟
ـ لا شئ .. لا تفعل شيئا .. فمهما فعلت لن أصدقك .. أنا ماعدت أثق بك يا وليد ..

انتفضت من مكانها حينما ركل الوليد الباب بقدمه .. ثم سمعت خطواته وهو يبتعد ويتمتم بغضب :
ـ تبا لك

حسنا لقد رحل .. انتابها الارتياح لذلك .. فقد نجحت لأول مرة في فعل ماتريده مع الوليد ..
والآن فقط يمكن أن تقول بأنها لقنته درسا لن ينساه ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ


لم تستغرق وقتا طويلا حتى تجهز هذا الصباح .. بدت شاحبة جدا لأنها لم تنم جيدا .. فطوال الليل وهي تظن أن الوليد سيأتي في أية لحظة ليكسر الباب ويدخل ..

فكرت بقلق فيما سيفعله بها إن رآها اليوم .. لابد وأنه لن يغفر لها جعله ينام في غرفة أخرى بملابس عمله .. كان هذا سببا كافيا ليجعلها تنتظر في الغرفة عدة دقائق حتى تتجنب لقائه .. ولكنه لم يعد لديها الكثير من الوقت حتى تنتظر أكثر .. فهي لا ترغب في أن تفوت محاضرة أخرى ..

أخذت نفسا عميقا وقررت أخيرا الخروج من الغرفة .. أخذت تهبط السلم على أطراف أصابعها على غير عادتها .. وحينما أصبحت بالصالة استطاعت أن تسمع أصوات لمياء والوليد التي تأتي من غرفة الطعام ..

من الأفضل أن لا تبقى هنا أكثر من ذلك .. سوف تخرج من البيت دون أن يشعر بها أحد ..
وبنفس خفة نزولها على الدرج راحت تسير نحو الباب.. كانت تمسك بحذائها في يدها .. وما إن وصلت إلى الباب همت بارتدائه بسرعة ..

ـ سيدتي !

انتفضت من مكانها حينما سمعت هذا الصوت .. كانت تلك هي خيرية تناديها وقد رأتها لسوء حظها ..

ـ آه خيرية .. لقد أفزعتني
ـ عذرا سيدتي لم أقصد ذلك .. ولكنني تفاجئت بأنك ستخرجين قبل أن تتناولي فطورك !
ـ لقد تأخرت كثيرا يا خيرية .. علي الذهاب الآن حتى ألحق بمحاضرتي .. سأتناول فطوري في الجامعة ..

ألقت عليها تلك الكلمات وهي في عجلة من أمرها ثم وبدون أن تترك لها الفرصة لكي تقول شيئا آخر خرجت بسرعة من البيت ..
عليها الآن أن تطلب السائق وتنتظره قليلا .. تمنت لو أنها فعلت ذلك منذ أن كانت بالغرفة حتى لا تقف أمام البيت وقتا أطول ..

فكرت في أن تغير رأيها وتوقف سيارة أجرة من الطريق .. ولكن هذا قد يجعلها تتأخر أكثر على دوامها ..
قامت بفتح حقيبتها وأخرجت هاتفها وقد قررت أخيرا أن تطلب السائق .. ولكنها حينما همت بطلب الرقم أمسكت يد قوية بذراعها لتلفها إلى الخلف .. يد تعرفها جيدا فقد جربتها مرارا ..

ـ تحاولين تجنب اللقاء بي ؟!

سألها الوليد ذلك متحديا .. أما هي فقد بقي ذهنها مشوشا وهي تتسائل كيف عرف بخروجها الآن ؟!! .. لابد وأن خيرية هي من أخبرته بذلك .. ستحاسبها حينما تراها ..

لم ترفع نظرها إلى وجهه .. فقد ركزت نظرها على يدها التي يمسك بها ذراها وقالت له بحدة :
ـ أبعد يدك عني .. إن ذراعي لم يعد يتحمل

سكت الوليد قليلا وبدا أنه يتأملها جيدا .. ثم .. على غير ما توقعت أنزل يده عن ذراها .. وراح يسألها مستنكرا :
ـ هلا أخبرتني الآن كيف تجرأتي على فعل ذلك بي ؟! .. أتمنعيني من دخول غرفتي ؟!! .. وفوق كل هذا تجعلينني أنام بملابس العمل ؟!!
ـ أنت تعرف جيدا لماذا أقدمت على ذلك ..

قالت له ذلك ثم ألتفتت لتبتعد عنه وهي تتابع كلامها قائلة :
ـ والآن إذا سمحت لي ليس لدي وقت لأتجادل معك
ـ ولا أنا لدي الوقت

لحق بها وأمسك بيدها ولكن برفق هذه المرة .. وقال لها بصيغة الأمر :
ـ تعالي سأوصلك في طريقي
ـ لا شكرا .. أفضل عدم الذهاب على أن آتي معك
ـ هيا .. لا تكوني عنيدة .. هل ستتغيبين على الجامعة من أجل أن لا تركبي معي .. لا أظن ذلك !

دفعها برفق إلى سيارته حتى لا يترك لها خيارا آخر.. ولم تكن هي مستعدة لخوض شجار آخر معه .. فاستسلمت لذلك .. وقد كانت تنتظر الأسوأ حينما يراها .. ولكن لدهشتها كان هادئا ولم يبدو عليه أي غضب مما فعلته معه بالأمس !!

هل هو يشعر بتأنيب الضمير تجاهها ويحاول أن يصالحها ؟؟ هل يعتقد أن الأمر بذلك البساطة ؟؟ .. إذا كان يعتقد ذلك فهو مخطئ ...

أسندت رأسها على المقعد من خلفها وبدأت الدموع تتجمع في عينيها .. لم تكن تريه وجهها .. فقد كانت ملتصقة بباب السيارة وجهها كله موجه إلى النافذة ..
في الماضي كانت تموت شوقا لكي يقوم هو بتوصيلها إلى الجامعة .. أما اليوم .. فهي منزعجة من ذلك .. وتكرهه .. أو بمعنى أدق تتجنبه .. ابتسمت بألم وهي تفكر في ذلك ..

جاء صوت الوليد قاطعا لأفكارها :
ـ هل انتي بخير ؟؟

هل مافي صوته هذا نبرة قلق حقا أم أنها تتخيل ؟!! ..
أجابته بسخرية :
ـ وهل تهتم لأن أكون بخير أم لا ؟!
ـ اسمعيني يا سارة .. أنا لم أقصد أن أزعجك في تلك الليلة .. ولكنك استفززتني بشدة ..جعلتيني أفقد أعصابي .. ولم أكن واعيا لما أقوم به وقتها من شدة الغضب ..

سكت لينتظر منها أن تعلق بشئ على كلامه .. ولكنها اكتفت بالصمت .. فلو تكلمت لاكتشف بأنها تبكي ..
فتابع كلامه قائلا :
ـ ومع ذلك .. أعترف بأنني أخطأت
ـ وبماذا سيفيد اعترافك هذا ؟!

كان صوتها مكتوما هي تحاول أن تخفي بكائها قدر المستطاع ..

ـ قد يفيدك انت .. حينما تعرفين أنني اعترف بخطأي ونادما عليه .. لعل هذا يخفف من انزعاجك

كان قد توقف أمام بوابة الجامعة وهي لا تزال تشيح بوجهها عنه نحو النافذة ولا تلتفت إليه .. ولكنها مع ذلك شعرت بنظراته لها وكأنه ينتظر منها أن تقول شيئا قبل أن تذهب .. فاكتفت بالقول قبل أن تفتح الباب وتنزل من السيارة :
ـ أنا لن أسامحك أبدا ياوليد .. أبدا

قالت ذلك وأخذت تمسح وجهها الذي كان قدر أغرقته الدموع ....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ


ـ أخبرتك بأنه لم يحدث شئ .. كنت مريضة وحسب واستيقضت متأخرا ففضلت الغياب لأرتاح قليلا .. ما المستغرب في ذلك الأمر ؟؟

قالت ذلك لسمر علها تستطيع أن تتهرب من مواجهتها ..

ـ حسنا .. أنا متأكدة أن هناك شيئا آخر تخفيه عني .. ملامحك تؤكد على ذلك .. ولكن لا بأس .. لن أضغط عليكي .. أعرف جيدا أنك لا تحبين الحديث عما يزعجك في وقت انزعاجك .. ولكن ما إن تري نفسك مستعدة لأن تحكي فستجدينني بانتظارك ..

أرادت سمر أن تواسيها بكلامها هذا على الرغم من عدم معرفتها بالسبب الحقيقي وراء حزنها ..
أراحها كثيرا كلامها .. فقالت لها محاولة أن تغير مجرى الحديث :
ـ كفي عن مجادلاتك تلك الآن .. وأعطيني المحاضرة التي كتبتها بالأمس

ناولتها سمر مذكرتها وقالت لها ممازحة :
ـ خذي .. وإياكي أن تتغيبي مرة أخرى .. فأنا لا أحب إعطاء مذكرتي لأحد ـ انظروا من يتحدث .. ذكريني بعدد المرات التي تغيبتي فيها منذ دخولنا إلى الجامعة لأنني نسيت أن أحصيها لكثرتها !

استمرا في المزاح مع بعضهما بقية الوقت .. مما جعلها ترتاح من همومها قليلا ..
كانتا تجلسان في مكانهما المفضل على السلم حينما سمعا صوتا من الخلف يقول :
ـ دكتورة سارة

ألتفتت كلا منهما ليرا أمامهما زميلهما رامي .. الذي ألقى عليهما التحية فبادلاه بالتحية هما أيضا ..
ثم ألتفت إليها قائلا :
ـ لاحظت أنك لم تأتي بالأمس .. لعل المانع يكون خيرا
ـ لقد كنت متعبة قليلا .. شكرا على سؤالك
ـ لا تشكريني هذا واجب .. المهم أن تكوني تشعرين بتحسن الآن
ـ أنا بخير .. كان مجرد صداع بسيط لا شئ مقلق
ـ لا تجهدي نفسك كثيرا .. فمازلتي تبدين شاحبة
ـ حسنا سأستمع لنصيحتك
ـ لن أطيل عليكي .. ولا أحتاج أن أخبرك بأنني مستعد لأن أشرح لك أي شئ مما فاتك من محاضرات الأمس
ـ لن أتردد في أن أطلب منك ذلك إذا استدعى الأمر .. وأشكرك مرة أخرى على اهتمامك

ابتسم لها بلطف ثم ودعها هي وسمر قبل أن يلتحق بأصدقائه ..
ولم تفوت سمر الفرصة لأن تضحك وهي تقول لها :
ـ انتي حقا محظوظة .. انظري .. رامي من أوائل الدفعة ومن أوسم الطلاب .. وتتهافت عليه كل الطالبات .. وهو لا يهتم لأحد غيرك !
ـ لا تبالغي مجددا .. إنه مجرد زميل .. ولطالما كان يسأل عنك حينما كنت تتغيبين أيضا ..
ـ هناك فرق .. لا تنكري أنك لم تحسي باهتمامه بك أكثر من أي أحد آخر

سكتت قليلا وهي تفكر في كلام سمر .. ثم تنهدت وهي تقول لها :
ـ حسنا أعترف بأنه ربما يعطيني اهتمام فوق الطبيعي ولكن .. ولكن كان ذلك في السابق أما الآن فقد اختلف الوضع .. ولابد وأنه يعرف أنني أصبحت متزوجة .. فلماذا سيهتم بي دونا عن الباقيين ؟!!
ـ هه .. لا تسأليني أنا .. بل اسألي من قد جرب حب شخص لا يحبه ولا يهتم لأمره .. أسأليه عن سبب استمراره في عشقه رغم أنه يعلم جيدا أنه ليس له .. ولم يكن يوما من نصيبه !

فهمت جيدا إلى ما تلمح إليه سمر .. فموقف رامي معها .. كموقفها هي مع الوليد .. وما إن تستطيع أن تجد إجابة عن سبب استمرارها في حب الوليد .. ستجد على الفور الإجابة عن سبب اهتمام رامي بها .......

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


لم تكن جائعة كثيرا في وقت الغداء .. ومع ذلك ما إن أكلت القليل من الطعام حتى شعرت بأنها كانت فعلا بحاجة إلى أن تأكل شيئا .. فقد أمدها بكثير من الطاقة التي تحتاجها على الأقل لمذاكرة محاضراتها ..

لم تعد تهتم كثيرا بصحتها في اليومين الأخيرين وأصبحت مهملة في غذائها على غير عادتها .. فقد كانت في السابق تهتم كثيرا لنوعية وكمية الطعام الذي تأكله ..
فطلبت من خيرية أن تشتري لها بعض الفواكه حينما تذهب لشراء أغراض البيت في المرة القادمة ..

فكرت في أن تذاكر في الحديقة مستغلة بذلك الجو الجميل بالخارج .. فراقت لها الفكرة كثيرا وبالفعل نفذته ..
حاولت أن تذاكر بجد .. فقد فاتها الكثير .. وإن لم تجتهد الآن فلن تحصل على الامتياز الذي تتمناه .. ومع هذا لم تسلم من الشرود .. لم يكن من السهل عليها التوقف عن التفكير في الوليد .. فقد كانت كلماته الأخيرة لازالت ترن في أذنها .. هل حقا كان مهتما لأمرها ؟!! ..هل أراد أن يخفف من انزعاجها ؟!! ..

" حمقاء .. لماذا تأبهين لذلك ؟! "
هكذا قالت لنفسها .. لقد أخبرته بأنها لن تسامحه في حياتها وعليها أن تكون صادقة فيما قالته .. ولكنها مع ذلك استمرت بالتفكير فيه وتمنت لو أنها استطاعت أن ترى ملامح وجهه حينما قالت له تلك الكلمات ..

كان الظلام قد حل فاضطرت للقيام من الحديقة لأن الإضاءة لم تكن كافية لمساعدتها على المذاكرة .. فأكملت دراستها في الغرفة ..
ظلت متحيرة فيما ستفعله الليلة .. وتسائلت ما إذا كانت ستكرر مافعلته بالأمس مع الوليد أو أنها تقوم بجمع أغراضها وتذهب هي إلى غرفة أخرى للتتجنب الشجار معه ..
ترددت فيما ستقوم به .. ولكن الشئ الوحيد الذي كانت واثقة منه هو أنها لن تنام معه في نفس الغرفة مهما حدث ..
فقررت أن تبقى خارج الغرفة وتنتظر لترى ماسيفعله الوليد حينما يعود .. وما إن كان سيدخل غرفتها أو أنه سيقضي ليلته في غرفة أخرى كما بالأمس ..

وفي التاسعة مساء خرجت من الغرفة .. ستجلس في الصالة تتابع التلفزيون حتى يأتي الوليد وترى إلى أي غرفة سيذهب ..
وأثناء نزولها على الدرج .. ولسوء حظها .. كانت لمياء تصعد إلى غرفتها في نفس الوقت .. فلم يكن هناك مفر من المواجهة معها ..

فكرت في أن تستغل تلك الصدفة لتبارك لها عودتها سالمة إلى البيت .. وما إن اقتربتا من بعضهما حتى تكلمت قائلة :
ـ حمدا لله على سلامتك .. أنا سعيدة لرؤيتك بصحة جيدة

رمقتها لمياء بنظرة استعلاء واستحقار .. إنها كما هي لم يغيرها شئ .. نفس الغرور ونفس الكبرياء .. لم يتغير فيها شيئا إلا تلك اللصقة التي وضعت على أنفها فوق الجرح ..

ـ هل تذكرتي لتوك أنني عدت من المستشفى .. أين كنتي منذ الأمس ؟!!

كانت السخرية واضحة في صوتها .. ولكنها مع ذلك حاولت أن تبقى لطيفة معها بقدر المستطاع .. فأجابتها محاولة تبرير موقفها :
ـ في الحقيقة لقد كنت متعبة كثيرا بالأمس .. حتى أنني تغيبت عن الجامعة .. وحينما قررت الذهاب إليك في الغرفة أخبرتني خيرية أنك نائمة ...

قاطعتها لمياء بحدة قبل أن تكمل كلامها قائلة :
ـ لا تحاولي تمثيل الإعياء لكي تلفتي نظر الوليد إليك وتحظين باهتمامه .. إن حركاتك مكشوفة

أكملت لمياء صعود السلم بعد أن رمتها بتلك الكلمات غير آبهة لها .. أما هي فقد وقفت في مكانها مذهولة مما سمعته .. مالذي تقوله تلك المجنونة ؟!! .. هذا ماكان ينقصها ..

توجهت إلى الصالة وهي تحاول أن تطردها من رأسها ..لا يجب أن تدعها تعكر مزاجها أكثر مما هو ..
هي لم تعد تتفاجأ من تصرفاتها تلك .. فقد اعتادت عليها .. وأفضل طريقة للتعامل مع أمثالها هو أن تتجاهلهم ..

ارتمت على الكنبة وراحت تقلب المحطات في التلفزيون .. لم يكن فيه ما يثير انتباهها .. فكرتونها المفضل " صاحب الظل الطويل " انتهى ولم يعد هناك ما تتابعه ..

إلا أنها اوقفتها إحدى المحطات التي كانت تعرض مسلسلا كانت تتابعه منذ سنوات .. إنه مسلسل " أهل الغرام " .. كان تعشق هذا المسلسل ولطالما تمنت أن تعيش قصة من قصصه .. ولكن بالطبع على أن تكون النهاية سعيدة .. فأغلب قصص هذا المسلسل كانت نهاياتها مؤلمة ..

ابتسمت لنفسها بألم .. إن ماتعيشه الآن مع الوليد يصلح لأن يكون قصة في هذا المسلسل .. ولكن الواقع دائما مايكون أكثر قسوة من المسلسلات والروايات ..أن تقرأ عن الحب ليس كأن تعيشه وتتحمل آلامه ..

أنصتت جيدا إلى كلمات أغنية المسلسل .. فشعرت وكأنها تسمعها لأول مرة .. لقد سمعتها كثيرا من قبل ولكن تلك هي المرة الأولى التي تفهم فيها ماتعنيه كلماتها .. لكم تنطبق تلك الكلمات عليها الآن .. أخذت دموعها تسيل رغما عنها وهي تنصت إليها جيدا ..

ألا حبذا .. حبذا حبذا ..
حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى
بنفسي يامن اشتكي حبه
ومن إن شكى الحب لم يكذب
ومن لا أبالي رضى غيره
إذا هو سر ولم يغضب
ألا حبذا .. حبذا حبذا ..
حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى


ـ هلا أخفضتي صوت هذا الشئ قليلا !!

جاء صوت الوليد من جانبها مما جعلها تتفاجأ بوجوده .. فهي لم تشعر بقدومه و لا تعرف كم من الوقت مضى وهو هنا ..

لم تستجب لأمره بخفض الصوت وتجاهلت وجوده تماما .. مما جعله يوجه الأمر إليها مرة أخرى ولكن بغضب هذه المرة .. فردت عليه ببرود :
ـ إذا كان صوته يزعجك فيمكنك الذهاب إلى غرفة أخرى

ما إن قالت جملتها تلك حتى رأته يتقدم أمامها ويتجه نحو التلفاز ليغلقه من عنده .. ورفع حاجبه علامة على التحدي ثم قال لها :
ـ والآن ستصغين إلى ما أقوله

اعتدلت في جلستها وهي تكاد أن تنفجر من الغضب ولكنها حاولت أن تتماسك لترى ماذا لديه ليقوله .. فأخذت تنظر إليه بشرر وهو يقول لها :
ـ هل يمكنك أن تخبريني لماذا تستمرين في إزعاج لمياء ؟!! ..منذ أن اتيتي إلى هذا البيت وقد لاحظت أنك لا تحبينها .. انتي حرة في مشاعرك ولكن عليكي أن تعلمي أنه يجب عليك احترامها .. فهي لها في هذا البيت تماما كما لك انتي .. بل وربما أكثر .. ألم يكن من الواجب عليك أن تذهبي إليها في غرفتها حينما اتت إلى البيت لتطمئني على صحتها ؟!! .. حتى لو كانت صحتها لا تعنيكي ولكن على الأقل .........

لم يتمكن الوليد من انهاء كلامه فقد سكت فجأة حينما رآها ترميه بالوسادة التي كانت بجانبها .. ولكنه استطاع أن يلقفها قبل أن تصطدم بوجهه .. وقبل أن تمسك بالوسادة الأخرى قالت له من بين أسنانها :
ـ هذه من أجلك

ثم راحت ترميه بالوسادة التالية التي لقفها هي الأخرى مما زاد من غضبها .. وتابعت تقول :
ـ وهذه من أجل أختك

لقد فاض بها الكيل .. ولم تعد تستطيع التماسك أكثر من ذلك .. نظرت إلى جانبها فلم تجد أية وسادة أخرى لترميه بها .. فقامت من مكانها وأخذت تدور بنظرها حولها وهي تبحث عن شئ آخر لترميه به .. فوقع نظرها على المزهرية التي كانت موضوعة على الطاولة أمامها ..

توجهت نحوها بسرعة ولكن لسوء حظها تعثرت قدمها بطرف السجادة مما جعلها تسقط على الأرض لترتطم بها بعنف ..
فرفعت وجهها على الفور وهي تلهث وكأنها في سباق ..

كان يقف بعيدا عنها وبدا مترددا في الاقتراب منها ومساعدتها على النهوض .. فقد تفاجأ من ردة فعلها تلك ..
ولم تبقى هي على الأرض سوى للحظات فسرعان ما وقفت على رجليها مرة أخرى وقد أمدها الغضب بقوة لم تعهدها ..

وبسرعة تناولت المزهرية من فوق الطاولة ورمتها باتجاهه وهي تقول :
ـ وهذه من أجل ما تفعله بي

استطاع الوليد مرة أخرى أن يفلت منها فقد انحنى بسرعة ليتفادى اصطدام المزهرية به لترتطم بالحائط بدلا عنه ثم وقعت على الأرض على شكل أجزاء صغيرة ..

ـ هل جننتي ؟!!

صرخ بذلك وهو مذهولا من تصرفاتها ..
وهنا وجدت أنه لا جدوى من رميه من بعيد بما يقع في يدها .. فاقتربت منه ودفعته بكل ماتمتلك من قوة ولكنه كان قويا جدا ولم يتزحزح من مكانه ..
فانقضت عليه تلكمه في صدره بقبضة يديها.. ولكنه لم يكن يبدو عليه أي تألم بل على العكس .. فقد شعرت بأن يديها هما المتضررتان ..

وأخيرا أمسك الوليد بيديها وكتفهما ليوقف حركتها ولكنها أخذت تركله برجلها وتتحرك من بين يديه محاولة أن تفلت من قبضته .. فسمعته يقول وهو يلهث أيضا فقد أتعبته بكثرة حركتها :
ـ حسنا .. اهدأي .. اهدأي

ولكنها لم تستجب له واستمرت بالحركة حتى أفلتها أخيرا .. فابتعدت عنه بالقدر الكافي حتى لا يمسك بها مرة أخرى .. وراحت تنظر إليه من مكانها وهي ترتجف غضبا .. ثم .. وعلى غير المتوقع .. انفجرت بالبكاء !
كانت تلك هي المرة الأولى التي تبكي فيها أمامه دون أن تخفي وجهها .. لم تكن تحب أن يراها أحدا وهي تبكي .. ولكنها قد انهارت الآن .. ولم تعد تستطيع أن تخفي دموعها ..

بدأت تتكلم من بين بكائها وتقول :
ـ إنني أكرهك .. أكرهك .. وأكره أختك .. وأكره نفسي لأنني وافقت على الزواج منك .. كــ .. كل ما .. كنت أريده .. هو .. هو أن أكمل دراستي الجامعية لأتخرج وأصبح طبيبة ناجحة .. هل هذا شئ كثير علي ؟! .. هل هذا شئ يستحق أن أعاقب عليه ؟!!

كانت تبكي بشدة مما جعلها تتلعثم في الكلام .. ولم تستطع أن ترى تعابير وجهه بوضوح لأن الدموع كانت تملأ عينيها .. فتابعت تقول :
ـ أنت مثل أبي .. وأبي مثل زوجته .. وزوجته مثل أختك .. كلكم تشبهون بعض .. كلكم تحبون أن تنغصوا علي حياتي ..

سكتت قليلا لتنظم أنفاسها حتى يبدو كلامها واضحا ثم استطردت :
ـ أنت تكرهني لأنني أفسدت عليك حياتك .. لهذا تسعى دائما على الانتقام مني .. ولكني ليس لي ذنب في ذلك .. لست أنا من كتبت تلك الوصية .. هل تعتقد بأنني أكثر سعادة منك ؟؟ .. لطالما وعدت نفسي وأنا صغيرة بأن كل ما أعانيه هذا لن يستمر طويلا وأنني حينما أكبر ستكون حياتي سعيدة .. فلن يكون فيها أبي حتى يضربني .. ولا زوجته حتى تتحكم في حياتي .. وسأكون انسانة ناجحة وسعيدة .. وها أنا ذا كبرت وتزوجت .. ولم أذق طعم السعادة يوما .. فأصبحت أعد نفسي بأن المستقبل سيكون أفضل .. وأنني بمجرد أن أتخرج سينتهي كل هذا .. وسأحقق أحلامي التي لطالما حلمت بها ..

ابتسمت بسخرية قبل أن تتابع قائلة :
ـ يبدو أنني سأحيا طوال حياتي أنتظر الأفضل وانتظر أن يتحقق ماحلمت به وأعلق نفسي بآمال .. آمال ليست في الحقيقة سوى أوهام ..

قالت عبارتها تلك ثم دفنت وجهها بين يديها وقالت وهي تجهش بالبكاء :
ـ لقد سئمت من كل ذلك .. سئمت من حياتي .. انني اتمنى أن أرتاح من تلك الحياة البائسة

كانت حزينة ويائسة من كل شئ .. واستمرت على تلك الحالة حتى شعرت بالوليد يقترب منها ليضمها بين ذراعيه ..
كادت أن لا تصدق أن هذا هو الوليد .. ولكن رائحة عطره التي لا تخطئها أبدا أكدت لها ذلك ..

لم تكن في حالة تسمح لها بالتفكير في الأمر .. فقد نفضت كل أفكارها ودفنت رأسها في صدره .. وتمنت أن لا تنتهي تلك اللحظة أبدا .. فهي لم تشعر في حياتها بالأمان مثل الآن ..

أخذ يربت على رأسها بلطف محاولا التخفيف عنها .. ثم سمعته يقول لها :
ـ هوني عليك .. لا يوجد شئ في العالم يستحق دموعك .. أنا واثق من أنك قوية وستستطيعين أن تتخطي كل تلك الظروف .. تماما كما تخطيتي ماهو أسوأ منها في السابق ..

توقف عن الكلام قليلا وبدا أنه يفكر في شئ ما قبل أن يستطرد قائلا :
ـ أعرف بأنني قد أخطأت في حقك كثيرا .. فوصية والدي كانت مفاجئة كبيرة بالنسبة لي .. لقد قلبت تلك الوصية حياتي رأسا على عقب .. مما جعلني انتقم منك دون أن أشعر .. كان علي أن أفهم أنه لا ذنب لك في كل ذلك ..

كم أراحها كلامه كثيرا .. كان صوته حنونا جدا وبدا أنه يهتم لأمرها كثيرا .. الأمر الذي جعلها تهدأ قليلا في البكاء ولكنها مع ذلك استمرت في وضع رأسها على صدره .. ولم تكن تريد أن ترفعها أبدا .. وتابع يقول هو :
ـ انت فتاة طيبة .. ولا تستحقين تلك المعاملة مني .. لا أريد أن أؤذيك أكثر من ذلك .. لذا فقد عزمت أن أطلقك ما إن تنهي دراستك .. وأنا واثق من أنه في يوم ما ستجدين الشخص الذي يستحقك .. وسيكون شخصا محظوظا كثيرا لأنه حصل على زوجة مثلك ..

كانت كلماته الأخيرة تلك بمثابة الصفعة لها .. وعلى الفور رفعت رأسها من فوق صدره وابتعدت عنه .. وقد شعرت بأنها لم تكن إلا في حلم جميل وكلماته الأخيرة جعلتها تستفيق منه ..

بدأت تجفف دموعها وكلمته لا تزال تتردد في رأسها " طلاق " ! .. ألم يفهم بعد ؟! ألا يعرف أن كل ما تعاني منه الآن بسبب حبها له .. وأن كل ما يزعجها لا يساوي شيئا بجانب فكرة طلاقها منه ..

أخذت تنظر إلى عينه وهي تحاول أن تجد تفسيرا لكل مايفعله معها .. إن لم يكن يحبها فلماذا يهتم بها بهذا القدر؟! .. أهو تأنيب الضمير ؟!.. أم أنها ربما تثير شفقته ؟!
تمنت لو أن يستطيع هو الآخر قراءة عينيها .. لو يستطيع أن يعرف من نظراتها أنها تعشقه بجنون .. فهي لا تمتلك الجرأة للبوح له بذلك .. لقد استطاعت أن تصارحه بكل مافي داخلها ماعدا حبها له ..

أشاحت بوجهها عنه وصعدت إلى غرفتها دون أن تنبث بأية كلمة .. وعلى الرغم من أنها لم تغلق الباب بالمفتاح إلا أنه لم يحاول الدخول إلى الغرفة .. واستطاعت أن تستمع إلى خطواته وهو يتجه إلى غرفة أخرى ..

فارتمت على سريرها وهتفت بعد أن دفنت رأسها في الوسادة :
ـ أنا أحبك ...

ثم أغمضت عينيها .. علها تستطيع أن تضع حدا لدموعها ..........




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يامن خلقت الدمع لطفا منك بالباكي الحزين
بارك لعبدك في الدموع فإنها نعم المعين

حافظ ابراهيم

طمووح 14-10-13 11:52 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصفورالجنة (المشاركة 3380152)
اتاخرتى علينا طموح

بعتذر على التأخير ..
ويارب البارت يعجبك ويكون طويل زي مابتتمني :yjg04972:

عصفورالجنة 15-10-13 08:10 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn2.gstatic.com/i...848PoSIVa5Ia9P

عصفورالجنة 15-10-13 08:12 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...Q_jj7puACUtE9l

عصفورالجنة 15-10-13 08:15 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
[IMG]https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...8Wjlribw5CvT6d[/IMG]

عصفورالجنة 15-10-13 10:38 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://files.myopera.com/medoamado/blog/471795777.gif

مي الحطاب 17-10-13 12:25 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
كل عام و أنتم بخير :)
الجزء المرادي اطول :D و هذا يجعلني أطمع الجزء الي بعيده يا يبقى قده أو ياريت اطول :P
رائع كالعادة و :)

غاليه 1 17-10-13 10:30 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بارت رائع وحزين يعطيك العافيه

طمووح 21-10-13 08:37 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(6)

كانت كلما تذكرت مافعلته بالأمس تمنت لو أن تبتلعها الأرض .. تسائلت ما إن كانت قد رمته بالفعل بالمزهرية وأن هذا لم يكن حلما !!.. حمدت الله أنه استطاع أن ينحني في الوقت المناسب .. فماذا كانت ستفعل لو أصابه مكروه ؟! .. لم تكن لتسامح نفسها أبدا ..
لقد كانت غاضبة منه لدرجة أنها لم تستطع أن تتحكم في تصرفاتها .. و بدت كقنبلة قد انفجرت ..

من حسن حظها أن دوامها كان في وقت متأخر من هذا الصباح .. الأمر الذي جنبها اللقاء بالوليد .. كانت تخجل من رؤيته .. فهي لم تعتد البكاء أمام أحد .. حتى ولو كان أقرب الناس إليه .. والوليد كان آخر شخص تتوقع أن تضعف وتبكي أمامه ..

حسنا لقد حدث ما حدث .. وربما مايهون عليها كل ذلك هو تصرفه معها حينما ضمها إليه بعطف .. فقد نجح بالفعل في أن يمتص غضبها ..

لم تعلق لها خيرية بشئ .. فمن حسن الحظ أنها كانت نائمة في ذلك الوقت من الليل .. فهمت هذا حينما أبدت استغرابها من المزهرية المكسورة :
ـ لا أفهم كيف حدث هذا ؟!!

اعترفت لها قائلة :
ـ أنا من كسرتها

نظرت لها خيرية بحيرة ولكنها لم تسألها عن شئ اخر .. وهي لم توضح لها المزيد .. وتركتها تظن أن الأمر كان حادثا وأنها كسرتها عن طريق الخطأ ..

وعلى الرغم من خجلها من نفسها .. إلا أنها لم تستطع أن لا تحكي لسمر .. ظلت سمر تستمع إليها بهدوء حتى علقت في الاخير قائلة :
ـ لقد نجا منك بأعجوبة !
ـ كل أبدو كالحمقاء ؟؟

أمسكت سمر بيديها وهي تجيبها قائلة :
ـ لا .. أبدا .. كان من حقك أن عتبري عن مدى استيائك منه ومن تصرفاته معك واهتمامه لأمرلمياء أكثر منك .. في رأيي لقد فعلتي الصواب
ـ نعم ولكني لم أكتفي بالكلام فقط .. فقد رميته بكل ماكان في متناول يدي ولكمته بيداي ...
ـ هو يستحق أكثر من ذلك

قالت سمر جملتها الأخيرة بطريقة أضحكتها .. لأنها بدت منزعجة من الوليد أكثر منها هي على الرغم من أنها لم تحكي لها عما حدث في تلك الليلة ..
كما أنها لم تصارحها بمدى سعادتها حينما قام الوليد بضمها بين يديه حتى لا تؤنبها لمشاعرها تلك ..

بعد انتهاء دوامهما ودعتها سمر ووقفت هي تنتظر السائق .. لقد أخبرته وهو يوصلها إلى الجامعة بالوقت الذي ستنهي فيه دوامها حتى يأتي ليقلها ..
كانت الساعة قد أصبحت الخامسة مساء .. حيث اقتربت الشمس من الغروب .. وما هي إلا دقائق حتى رأت سيارة تقف أمامها .. ولكنها ولدهشتها لم تكن سيارة السائق .. بل كانت سيارة الوليد ....

وقفت في مكانها مترددة في الاقتراب من السيارة وهي تتسائل عن سبب قدوم الوليد إليها هنا وفي هذا الوقت !!
ظلت مسمرة في مكانها لا تتحرك حتى رأت نافذة السيارة تفتح لترى وجه الوليد بوضوح وهو يسألها :
ـ هل سأنتظر طويلا ؟!

أفاقها سؤاله من دهشتها وسارت نحو سيارته بسرعة .. وما إن ركبت حتى انطلق بها على الفور ..
أخذت تنظر حولها جيدا لتتأكد أن لمياء ليست معهم .. وبالفعل لم يكن أحد في السيارة سواها هي والوليد ..

رأته يبتسم وهو يسألها :
ـ لماذا تبدين مندهشة هكذا ؟؟
ـ لا أنا لست مندهشة .. أقصد .. بلى مندهشة .. لم أتوقع أن تأتي أنت لتقلني من الجامعة ..
ـ لقد أنهيت عملي باكرا اليوم .. فقلت لنفسي أنه لا مانع إن أتيت كي أصطحبك أنا بدلا عن السائق ..فاتصلت به وأخبرته أني أنا من سأصطحبك من الجامعة اليوم

أربكتها مفاجئته كثيرا .. ولكن بالرغم من ذلك لم تستطع أن تخفي شعورها بالسعادة .. ورغم ذلك فقد شعرت أن هناك سببا آخر جعله يأتي لكي يصطحبها بنفسه .. فمن النادر جدا أن ينهي الوليد عمله في تلك الساعة .. وحتى لو كان قد انتهى اليوم باكرا كما يقول .. فلماذا يأتي ليقلها ؟؟

خرجت عن أفكارها تلك عندما توقف الوليد بالسيارة فجأة على جانب الطريق .. فسألته بحيرة :
ـ ما الأمر ؟!
ـ لا شئ .. لا تقلقي .. أردت فقط أن أخبرك أن هناك سببا اخر جعلني آتي لاصطحابك
ـ وماهو ؟
تنهد بعمق قبل أن يجيبها قائلا :
ـ لقد فكرت في أنني قد أغضبت زوجتي كثيرا .. وأنني علي أن أصالحها بطريقة ما .. لذلك قررت أن أقدم لها هدية ما .. لعلها تعجبها هديتي وتسامحني

قام بجلب كيسا كان يضعه في الخلف ثم أخرج منه علبة وهو يسألها :
ـ هل تقبل زوجتي هديتي المتواضعة تلك ؟؟

فتح العلبة فرأت بداخلها ساعة من الجلد لونها أبيض .. تبدو في غاية الثراء .. قام بأخراج الساعة من العلبة ومد يده ليتناول يدها وهو يقول :
ـ أتسمحين ؟

وعلى الفور .. ومن دون حتى أن تفكر أعطته يدها .. فأمسكها بلطف وقام بإلباسها الساعة بكل خفة .. وبعد أن انتهى سحبت يدها بسرعة وقد احمر وجهها من الخجل والارتباك .. وراحت تتأمل يدها التي بدت صغيرة داخل تلك الساعة .. لم تكن تتخيل يوما أنها سترتدي ساعة بكل تلك الفخامة ..

ـ هل أعجبتك ؟

أخرجها سؤاله من تأملها .. فأجابته بذهول :
ـ إنها حقا رائعة !

ناولها الكيس الذي بيده وهو يقول لها :
ـ ليس هذا كل شئ ..لازالت هناك هدية أخرى

تناولت منه الكيس وهي غير مصدقة مايحدث معها .. وحينما نظرت بداخله قالت بانبهار :
ـ غير معقول !

ابتسم الوليد لردة فعلها وعلق قائلا :
ـ لقد وجدت أن تلك الهدية ستناسبك كثيرا .. وبعد حيرة بينها وبين الساعة .. قررت في الاخير أن أهديكي كلاهما

أخرجت الهدية من الكيس التي كانت عبارة عن بالطو أبيض ولكنه بدا باهظ الثمن وأنيقا جدا .. وراحت تقول له :
ـ لا أحد عندنا يرتدي هذا النوع من البلاطي الباهظة الثمن إلا الأطباء المرموقين .. أما الأطباء المبتدئين مثلي فيرتدون أرخصها
ـ ههههههههههههههه .. ولكني أراكي منذ الآن طبيبة مرموقة .. لهذا اشتريته لك

شعرت بالسعادة تغمرها .. فهي لم تعتد على هذا الاهتمام من الوليد منذ أن تزوجته .. وهمست له دون أن تنظر إليه :
ـ شكرا لك
ـ ولاآن هل ترضى عني زوجتي ؟

لم تعرف ماذا تقول له .. فهي حقا لا تشعر بأي عداء نحوه الآن .. وحتى لو كانت تشعر فلم تكن لتستطيع أن تستمر في عدائه بعد طلبه بمسامحته ..

وضعت يدها على ذقنها وقالت له مازحة :
ـ آه .. حسنا دعني أفكر .. ولكن إذا كان غضبي منك سيجعلك تدللني بتلك الطريقة فأنا أفضل أن لا أسامحك
ـ لااا .. أعدك بأنني سأقدم لك هدايا أفضل من تلك إذا سامحتني
ـ مممم .. يبدو عرضا مغريا .. سأفكر فيه
ـ لك كل الوقت يا عزيزتي

ضحكت على كلماته تلك .. وبدا واضحا أن الوليد يحاول أن ينسيها كل ما يزعجها .. ربما لأن حالتها بالأمس جعلته يشعر بالشفقة عليها !

ـ هل انتي جائعة ؟

سألها الوليد ذلك فأجابته :
ـ إلى حد ما ..
ـ أما أنا فأتضور جوعا .. هنالك مطعم يقع بالقرب من هنا .. وطعامه لذيذ جدا .. مارأيك أن نذهب ونتعىشى فيه ؟

حاولت الاعتراض ولكنه قاطعها قائلا :
ـ أنا أريد أن أعوضك عن تلك الليلة التي أفسدتها .. وأدعوكي لأن تقبلي تناول العشاء معي .. وأعدك بأنني لن أفسد هذه الليلة
ـ ولكن .. أنا ..
ـ رجااء

بدا متحمسا جدا لأن تقبل دعوته .. وهي في الحقيقة كانت أكثر حماسا منه .. فالوقت الذي تقضيه مع الوليد لا يعوض .. ولكن ماجعلها تبدو متردد هو أنها كانت تخشى أن يحدث شئ ما يغضبه منها فتعاني منه من جديد ويفسد كل شئ ..

فكرت قليلا ثم قالت أخيرا مستسلمة لنظراته :
ـ حسنا .. أنا أقبل دعوتك

تنهد الوليد بارتياح وانطلق بسيارته على الفور باتجاه المطعم ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
نظرت إلى المطعم من الخارج فشعرت بالثراء الفاحش .. بدا أنه مطعم لا يدخله إلا الأغنياء فقط .. وهي بالرغم من أنها كانت تعيش في تلك المدينة منذ سنوات إلا أنها لم تأتي إليه قط ..

نزلت من السيارة ورافقته إلى داخل المطعم .. وحينما دخلا استقبلهما النادل فسألأه الوليد عن الطاولة التي يحجزها باسمه .. فأوصلهما إليها ..
وتسائلت كيف تسنى له الوقت لأن يحجز طاولة في المطعم وهو لم يدعوها إلا للتو !.. ترى هل كان يخطط لذلك قبل أن يلتقي بها اليوم ؟!

قبل أن يجلسا طلب الوليد من النادل أن يدله على مكان للصلاة فقد كان وقت صلاة المغرب قد حان .. فأشار لهما النادل عن مكان الصلاة لكل منهما .. فأخبرها الوليد قبل أن يتركها أن يتقابلا عند طاولتهما بعد أن ينهيا الصلاة ..

وبالفعل .. فبعد أن أنهت صلاتها استطاعت أن تذهب لوحدها إلى الطاولة المحجوزة باسمه .. ولكنه لم يكن قد أتى بعد .. فجلست تنتظره .. وناولها النادل قائمة الطعام .. فأخذتها وبدأت تقرأها وقد انتابها التوتر ..

كانت جميعها مأكولات لا تعرفها .. وراحت تفكر فيما ستقوله للوليد حينما يسألها عن الوجبة التي تريد أن تطلبها .. وبينما هي كذلك .. انتبهت إلى الوليد حينما سحب الكرسي الذي أمامها وجلس عليه ..

ابتسم لها وهو يسألها :
ـ هل قررتي ماذا ستطلبين ؟
ـ سأطلب ما ستطلبه .. في الحقيقة المأكولات غريبة بالنسبة لي وأخاف أن أطلب شيئا ولا يعجبني
ـ حسنا سأختار لك على ذوقي

أشار بيده إلى النادل ثم بدأ بالطلب .. وبدا معتادا على الأكلات التي يطلبها .. وراحت هي تتأمل المكان من حولها .. فرأت أن المطعم قد امتلأ عما كان عليه حينما دخلاه .. ولكنه رغم هذا ظل هادئا ..

كان كل من في المطعم يبدو عليه الأناقة .. ولم تكن هي والوليد الوحيدان المتزوجان هنا .. فقد رأت الكثير من الرجال ومعهم زوجاتهم الاتي كنا في غاية الجمال .. قد لا يكن أكثر جمالا منها ولكنهم كانوا أكثر اعتناء بملابسهم .. حتى أن بعضهن كنا يرتدين فساتين سهرات ! .. والكثير منهن لم يكن محجبات ..

تمنت لو أنها كانت تعلم بتلك الدعوة من قبل .. لكان لديها الوقت الكافي لتتزين فيه وترتدي ماهو يتناسب أكثر مع فخامة المكان ..

أخرجها الوليد من أفكارها حينما سألها وهو يبتسم تلك الابتسامة الجذابة :
ـ هل أعجبك المكان ؟
ـ أعجبني كثيرا .. لم أدخل مطعما كهذا من قبل

سكتت قليلا قبل أن تسأله :
ـ هل أنت معتاد على المجئ إلى هنا كثيرا ؟
ـ نعم .. إنه مكاني المفضل لعقد صفقات في العمل مع شركات أخرى .. وكان كذلك بالنسبة لوالدي

توقفا عن الكلام حينما رن هاتفه فأجاب عليه .. أما هي فأخذت تتأمله .. وسيما جدا كعادته .. شعرت بأنه أكثر الرجال جاذبية في هذا المكان .. هي محظوظة جدا به .. ولابد أن كل النساء هنا يحسدنها عليه !

انتبهت لأول مرة منذ أن قابلته اليوم إلى بذلته الأنيقة التي كان يرتديها .. كان لونها أسود .. وقميصه أيضا كان أسود .. ولم يكن يرتدي ربطة عنق .. فراق لها أكثر ..

أما هي فكانت ترتدي بلوزة طويلة من الصوف لونها رمادي على بوت طويل يغطي ساقها أسود اللون .. أما لون طرحتها فكان أحمر داكن ..

أنهى الوليد مكالمته فتوقفت عن النظر إليه حتى لا يلاحظ أنها كانت تتأمله .. وسمعته يقول لها :
ـ حتى حينما أرحل من الشركة باكرا فإن الأعمال لا تنتهي ..
ـ قد يبدو الأمر مضحكا .. ولكنني إلى الآن لازلت لا أفهم كثيرا نشاط الشركة !
ـ بل يبدو الأمر غريبا .. انتي تمتلكين اسهما كثيرة في تلك الشركة ومع ذلك لا تفهمين نشاطها !

علق بذلك قبل أن يشرح لها قائلا :
ـ نشاط الشركة الأساسي هو الاستثمارات العقارية
ـ إذا أنت مهندس ؟
ـ لا .. لست كذلك .. صحيح أن عملنا يعتمد بشكل أساسي على المهندسين ولكن من يدير الشركة ليس بالضرورة أن يكون مهندسا
ـ وماذا درست إذا ؟
ـ درست الهندسة في أول ثلاثة أعوام قضيتهم في كندا .. ولكني تركتها في الاخير ودرست ادارة الأعمال .. أراد والدي أن اصبح مهندسا مثله .. ولكني لم يكن لدي الميول لذلك .. فقد جذبتني ادارة الأعمال بشكل أكبر

من الغريب أن يكونا متزوجان لأكثر من ستة أشهر وهي حتى هذه اللحظة لم تكن تعرف شيئا عن عمله .. كل ماكانت تعرفه هو أنه يدير شركة عمها ..
تابعت تسأله :
ـ هل تنوي العودة إلى كندا بعد أن تستقر أمور الشركة ؟
ـ لا أعرف .. لازال هذا الأمر يحيرني كثيرا .. فقبل وفاة والدي لم أكن أفكر إطلاقا في العمل هنا .. وكانت كل مخططاتي تتعلق بكندا .. أما الآن وبعد وفاته أظن أن كل شئ قد تغير الآن .. وأنه علي أن أعيد النظر فيما كنت قد خططت إليه .. لأنه لا يمكن أن أترك شركة والدي التي تعب كثيرا في تأسيسها وانجاحها .. أظن أن هذا سيكون أنانية مني وخيانة لأمانته إن أنا تركتها بتلك السهولة .. في هذه الظروف

توقف عن الكلام .. فلم تجد ما تقوله له .. بعد أن لاحظت انزعاجه .. لقد أحب والده كثيرا .. ويبدو الآن مترددا فيما يفعله بشأن شركته ..

ـ انني أترك التفكير في هذا الأمر حاليا حتى اتجاوز بالشركة الأزمة المالية التي تمر بها ..
ـ أتمنى أن تنجح في ذلك وأن تتخذ بعدها القرار الصائب

كان الطعام قد أتى وبدأت في تناوله لأن رائحته كانت لا تقاوم ..

ـ انظري لقد أخذنا الوقت ونحن نتحدث عني .. حان دورك الآن .. أخبريني كيف تسير دراستك ؟
ـ الدراسة تسير وفقط .. ولا أستطيع أن أحدد إن كانت تسير على مايرام أم أنها تسير عكس ذلك .. ولكن لا تقلق هذا شعور طبيعي دائما ما يساورني قبل الامتحانات .. فكما تعلم لم يتبقى سوى ثلاثة أشهر وتبدأ الامتحانات ..
ـ يبدو أنك مضغوطة كثيرا
ـ المشكلة أن هذه السنة ليست كسابقتها .. فأيام التدريب تكون كثيرة ومن الصعب أن توفق بينها وبين المذاكرة .. كما أنني أطمع في الامتياز حتى أتمكن من الحصول على البعثة

أطلق صيحة انبهار قبل أن يسألها بتعجب :
ـ تطمحين في بعثة إلى الخارج ؟!
ـ نعم .. أريد أن أكمل دراستي بعد أن أتخرج وأن أحصل على الدكتوراة من الخارج ..
ـ أنا لا أفهم كثيرا في تخصصات الطب ولكن لدي الفضول لأن أعرف في أي قسم تريدين أن تتخصصي ؟
ـ سأتخصص في قسم الأطفال .. لقد أحببته كثيرا .. بالإضافة إلى أنه ليس معقدا كبعض التخصصات الأخرى ..
ـ انتي تحبين الدراسة كثيرا .. أنا لم أكن كذلك إطلاقا حينما كنت في مثل سنك
ـ حقا ؟
ـ نعم .. كما أنني لم أحب مجال الطب مطلقا .. كنت أفضل الموت على أن أقضي معظم حياتي في دراسته !

ضحكت من كلامه وعلقت قائلة :
ـ أنت محق في أن عدد سنوات دراسة الطب أطول من أي مجال آخر .. ولكن الأمر يستحق بالنسبة لمن يحبون هذا المجال

سكتت قليلا قبل أن تتابع كلامها قائلة :
ـ ولكني كنت أظنك طالبا مثاليا ومجتهدا !

ضحك الوليد بشدة من جملتها الأخيرة تلك وسألها :
ـ هل حقا أبدو كذلك ؟

أومأت له بالايجاب فانطلق يحكي لها عن مشاغباته حينما كان طالبا وكيف أنه كان يتهرب من الحصص في المدرسة .. وبالطبع كانت أمه تدللـه كثيرا ..
ـ لقد ربتني والدتي على الدلال ولم تكن ترفض لي أي طلب .. حتى حينما كنت أطلب منها أن لا أذهب إلى المدرسة في يوم كانت توافق !

حول نظره عنها وراح يفكر قليلا ثم تابع وقد بدا شاردا :
ـ ولكن حينما كبرت تمنيت لو أنني تطبعت بطباع أبي وليس أمي .. كان ذلك سيغير في أشياء كثيرة
ـ ولكنك لا تتصرف الآن كالمدللين !

أخفضت رأسها قليلا لتتحاشى النظر إليه وهي تتابع قائلة :
ـ بعكس لمياء

ابتسم لها بلطف على غير ما توقعت وقال لها :
ـ من حسن حظي أنني نجحت في أن أحسن من نفسي .. وأن لا أكون ذلك الشخص المستهتر الذي لا يبالي بشئ سوى نفسه .. أما أختي فلم تستطع أن تتغير .. حاولت معها كثيرا ولكن دون جدوى .. في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أتعامل مها بالحزم اللازم .. فكثيرا ما أشعر بالشفقة نحوها لأنها عاشت بعيدا عن أمها منذ طفولتها .. لذلك فأنا أتعامل على أنها مسؤولة مني .. وأحاول جاهدا أن أعوضها عن جو الأسرة الذي حرمت منه

سكت منتظرا إياها أن تعلق بشئ ولكنها لم تفعل .. فهي لا تشعر بأي شفقة تجاهها .. لأنها لا تؤمن بأن الإنسان ضحية ظروفه .. فقد مرت بظروف أسعب من تلك التي مرت هي بها .. ومع ذلك لم تتحول أبدا إلى انسانة متغطرسة .. بل دفعتها تلك الظروف إلى أن تكون أفضل .. كما أن الوليد مر بنفس ظروف لمياء .. ولكن هاهو الآن لا يشبهها في شئ ..

حينما وجدها لا تقل شيئا تكلم قائلا :
ـ أنا أعلم أن لمياء فيها الكثير من العيوب .. كما أعلم أنها كثيرا ما تزعجك .. أشعر بالأسف لذلك .. ولكني واثق في أنك أكبر من كل ذلك وأنه لديكي قلب كبير مستعدا للعفو

بدا لها واضحا أنه يعتذر لها نيابة عن لمياء .. الأمر الذي أشعرها بالرضى لأنه ولأول مرة يقف في صفها هي ويعترف بأخطاء لمياء معها ..

كانا قد انتهيا من طعامهما حينما أشار الوليد بيده إلى النادل وسألها قبل أن يأتي :
ـ ماذا ستشربين ؟

ترددت قليلا قبل أن تجيبه قائلة :
ـ القهوة

فطلب الوليد من النادل أن يحضر لهما فنجانين قهوة .. وحينما انصرف ألتفت إليها وقال لها :
ـ يبدو أنك تعشقين القهوة مثلي
ـ أنا لم أكن استطعمها من قبل .. ولكني أصبحت أعشقها مؤخرا

لم يفهم الوليد ماتلمح إليه بكلامها .. فتابع يقول :
ـ أحاول أن أقلل من شربها .. وخاصة في المساء .. ولكن الليلة ستكون اسثناء ..

استمرا في الحديث طويلا عن أشياء كثيرة .. وضحكا كثيرا .. بقيا هكذا إلى أن لاحظا أن الساعة قد أصبحت التاسعة حينما اتصلت خيرية بها لتطمئن عليها وتستفسر عن سبب تأخرها .. فأخبرتها أنها برفقة الوليد .. وأنه ليس عليها انتظارهما لأنهما قد تعشيا بالخارج ..

ـ أظن أن علينا القيام الآن

قال لها الوليد ذلك بينما كانت هي تتمنى أن لا تنتهي تلك اللحظات أبدا ..
حينما أصبحا في خارج المطعم .. انتابتهما الدهشة .. فقد كانت الأمطار تهطل بغزارة ..
ركظا بسرعة نحو السيارة وحينما صعدوا بداخلها قال لها :
ـ هذا غريب .. لم يكن هناك أي مؤشر على أن أمطارا ستهطل اليوم !

استمرت الأمطار تنهمر حتى بعد أن وصلا إلى البيت .. فبقيا بداخل السيارة آملين في أن تتوقف الأمطار أو أن تخف قليلا .. ولكن هذا لم يحدث .. فقالت له :
ـ لا أظن أننا سنبقى هنا طوال الليل !
ـ لا .. بل نحن مضطرين لمواجهة تلك الأمطار
ـ مارأيك في أن نتسابق إلى المنزل ؟

استمر الوليد ينظر إليها ليتسوعب ماقالته .. ثم انفجر ضاحكا .. وسألها غير مصدق :
ـ تريدينا أن نتسابق ؟!
ـ مالمانع في أن نحظى ببعض المرح ؟؟
ـ يبدو الأمر طفوليا .. ومع ذلك فأنا موافق .. ولكني أحذرك بأنني سأفوز عليك .. يمكنك الاستسلام من الآن
ـ لا تكن واثقا هكذا .. فأنا سريعة جدا
ـ حسنا لنرى

وعلى الفور نزلت سارة من السيارة ثم لحق بها هو الآخر وركضا بسرعة نحو باب المنزل .. حيث كان عليهما أن يصعدا أيضا الدرج الذي أمامه قبل أن يصلا إليه .. وبسرعة فتحت الباب بالمفتاح الذي معها ثم سبقته بالدخول ..
كانا يضحكان بمرح حينما قالت له :
ـ لقد فزتك

فأخبرها وهو يمثل دور الصبي الذي لا يعترف بالهزيمة :
ـ لقد كان مكانك أقرب إلى الباب مني

كان المنزل غارقا في الظلام وبدا أن خيرية ولمياء قد خلدا إلى النوم ..
ذكرها هذا الظلام بشئ ما .. مما زاد ضحكها .. فسألها الوليد :
ـ لمذا تضحكين ؟
ـ وأنت أيضا تضحك
ـ هل تذكرين أول مرة تقابلنا فيها هنا ؟
ـ ههههههههههههههه .. أرجوك لا تذكرني .. أكاد أموت خجلا كلما تذكرت ذلك الموقف
ـ كيف لك أن تظنيني لصا ؟؟ هل أبدو لك كاللصوص ؟؟
ـ أنت لم تكن تبدو لي أساسا .. لقد كان الظلام يعم المكان ولم أتمكن من رؤيتك

وضع الوليد يده على خده وقال وهو يتحسسه :
ـ لازلت أذكر كيف هجمتي علي كالقطة المتوحشة

راحا يصعدان السلم معا وهما لا يكفان عن الضحك .. حتى تماسك الوليد أخيرا وهمس لها وهو يضع أصبعه على فمه :
ـ هوششش

فوضعت يدها على فمها لتحاول هي الأخرى أن تكتم ضحكاتها .. لقد نسيا تماما أن هناك من هو نائم في هذا البيت .. وبينما هما كذلك .. تعثرت رجلها بأحدى السلالم وكادت أن تقعد ولكن الوليد أمسك بيدها بسرعة ..

حينما وصلا إلى باب الغرفة انتبهت إلى أنها لازالت ممسكة بيده .. فتركتها بارتباك .. وساد بينهما الصمت وهي تفكر هل تدعه ينام معها في الغرفة اليوم .. أم أنها لا تزال لا تثق به ..

قررت أخيرا وقالت له بتردد وهي تفتح باب الغرفة :
ـ يمكنك أن تعود للنوم هنا كما في السابق
ـ هل انتي متأكدة ؟؟
ـ لا أظن أن ماحدث في تلك الليلة سيتكرر

هم بالدخول ولكنه توقف ما إن اقترب منها .. فأغمض عينيه وبدا أنه يفكر في أن يتراجع .. فقال لها :
ـ أفضل النوم في غرفة أخرى الليلة .. سأعود من الغد

كادت أن تسأله عن السبب ولكنها تراجعت حتى لا تبدو متلهفة عليه .. واكتفت بالقول :
ـ كما تريد

ظل واقفا في مكانه يتأملها .. وبدا مترددا في أن يتكلم .. ولكنه في الاخير تحدث قائلا :
ـ شكرا لأنك لبيتي دعوتي على العشاء الليلة
ـ بل أنا من علي أن أشكرك .. لقد قضيت وقتا ممتعا معك .. أشعر بأن مزاجي قد تحسن الآن

بدت غمازاته واضحة حينما ابتسم لها وهو يقول :
ـ تبدين أجمل حينما تكونين سعيدة .. أرجوكي أبقي هكذا دائما

ثم اقترب منها وطبع قبلة على جبينها بلطف .. وقال قبل أن يتركها :
ـ تصبحين على خير
وبالكاد استطاعت أن تجيبه :
ـ وأنت بخير

أغلق الباب ورائه بعد خروجه تاركا إياها في ذهول !!!
تكاد لا تصدق .. وضعت يدها تتحسس جبينها وراحت تدور في الغرفة وهي تكاد أن تطير من شدة الفرح ..
كان قلبها يخفق بشدة .. وكادت أن تقسم لنفسها أن الوليد بدأ يحبها هو أيضا ..

توضأت لتصلي العشاء وهي تشكر الله على كل ماعاشته اليوم .. إن اليوم هو أسعد يوم في حياتها كلها ..

ارتمت على السرير وقد شعرت أن النعاس قد بدأ يغلبها .. وقبل أن تغرق في النوم .. وعدت نفسها أنه لن يكون هناك طلاقا أبدا .. لقد أحبها الوليد .. وكل أمورهما ستسير على مايرام .....................

عصفورالجنة 21-10-13 11:15 PM

غاليتى مرحبا اولا احب ان اهدى اليكى هذه الباقة من الزهور على هذا الفصل الرائع.


http://www.karom.net/up/uploads/13358009364.gif

http://www.karom.net/up/uploads/13253390346.gif

عصفورالجنة 21-10-13 11:24 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ياترى تغيير وليد مع ساره لانه حاسس بالذنب ولاهو فعلا ابتدا يحبها انا خايفه على ساره انيكون احساسها بحب وليد ليها يكون وهم وكل الى بيعملو احساس بالذنب لااكثر ولا اقل مع تحياتى لكى.


http://www.karom.net/up/uploads/13255022188.gif

مي الحطاب 21-10-13 11:33 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:peace:

ايوة كدة
شوية فرفشة أنا قلبي بيوجعني من الخناق الي بيتخانقوه ده
في انتظار الجزء التالي من دلوقتي :D :D :D

فيوري 22-10-13 09:14 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
الرواية جدا رائعة وفي انتظار البارت القادم على احر من الجمر
وعندي تعقيب بسيط ان سارة شخصيتها قوية لانها مرت بظروف صعبة ومستحيل كانت تكون متغطرسة بعكس لمياء اللي اتربت في جو مدلل فلا يمكن عقد المقارنة بينهما
:55::55::55::55:

طمووح 23-10-13 11:19 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
عصفور الجنة ..
دايما بستنى تعليقك بعد كل بارت أنزله .. يعني الرواية مش بتكمل من غير تعليقاتك الحلوة زيك :0041:

إن شاء الله تستمتعي في اللي باقي من الرواية اكتر من اللي فات ..

طمووح 23-10-13 11:24 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي الحطاب (المشاركة 3382292)
:peace:

ايوة كدة
شوية فرفشة أنا قلبي بيوجعني من الخناق الي بيتخانقوه ده
في انتظار الجزء التالي من دلوقتي :D :D :D

فرفشتك اهوه علشان ماتبقيش محرومة من حاجة :58:

ربنا يعيني و إن شاء الله كل البارتات اللي باقية تعجبك

طمووح 23-10-13 11:32 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيوري (المشاركة 3382379)
الرواية جدا رائعة وفي انتظار البارت القادم على احر من الجمر
وعندي تعقيب بسيط ان سارة شخصيتها قوية لانها مرت بظروف صعبة ومستحيل كانت تكون متغطرسة بعكس لمياء اللي اتربت في جو مدلل فلا يمكن عقد المقارنة بينهما
:55::55::55::55:


هو وجه التشابه مابين سارة ولمياء إن الاتنين عاشوا في أسرة مفككة .. وبعيد عن أمهاتهم ...
بس الفرق إن معاملة والد سارة كانت قاسية جدا معها بعكس معاملة والد لمياء تماما ...

شكرا على تعليقك :peace:
وإن شاء الله تستمعي في باقي الرواية

TALA1414 24-10-13 07:11 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
صباح الخير
روايه جميله .. ابدعتي قلم رائع (اتمنى انك تستمري )
مشكوره ع البارت
وننتظرك لاتتاخري علينا حبيبتي...

عصفورالجنة 24-10-13 10:42 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكراحبيبتى طموح على الكلام الجميل ده بس انا فعلا باكون مستمتعه وان باقرء روايتك الرائعه المتميزه وانتىبجد كاتبه موهوبه وتستحقى كل التقدير.

عصفورالجنة 28-10-13 05:13 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
عزيزتى طموح هل سنستمتع اليوم بجزء جديد من ابداعك

طمووح 28-10-13 07:20 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
إن شاء الله يا عسل :9jP05261:

طمووح 28-10-13 11:24 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
____________________________________

كان ضوء الشمس قد بدأ يتسلل إلى الغرفة حينما فتحت عينيها ..
اعتدلت في جلستها على السرير وراحت تتحسس جبينها وهي تتسائل هل كان ماعاشته مع الوليد ليلة أمس واقعا أم حلما ؟!!
نظرت بسرعة إلى جانبها حيث وضعت علبة الساعة فوجدتها في مكانها .. إذا كل ماحدث بالأمس كان واقعا .. واقعا جميلا تعيشه لأول مرة مع الوليد ..

لم يكن لديها أية محاضرات هذا اليوم .. ولكنها لم تستطع أن تفوت فرصة تناول الفطور مع الوليد .. فنهضت بسرعة من على السرير لتبدل ملابسها .. وارتدت كما لو أنها ستخرج من البيت إلا أن الفارق هو أنها تركت شعرها ينسدل على كتفها ولم تغطيه ..

ترددت كثيرا في ارتداء الساعة التي أهداها لها .. فهي تخشى أن يلاحظ مدى اهتمامها بهديته .. ولكنها سرعات ماطردت تلك الأفكار من رأسها وقررت أن ترتديها .. فليلاحظ الوليد مشاعرها .. ربما يكون احساسها صادقا ويكون هو الاخر قد بدأ يبادلها نفس المشاعر ..

حينما دخلت غرفة الطعام لم يكن بها أحد سوى لمياء .. فشعرت بالانزعاج وتمنت لو أنها تأخرت قليلا في النزول حتى يكون الوليد موجودا ولا تضطر للبقاء وحدها مع لمياء ..

تنهدت بعمق وقررت أن تواجه الأمر الواقع .. فألقت عليها تحية الصباح على مضض واتخذت مكانها أمامها كالعادة .. ولم تعرها لمياء أي انتباه .. وكأنه لا يوجد أحد قد دخل منذ قليل !!

فحاولت هي الأخرى أن تتجاهل التفكير بها حتى لا تعكر صفو مزاجها .. وأشغلت تفكيرها بالوليد .. وعما إذا كان سيأتي ويتناول معهم الفطور أم لا ..

دخلت خيرية وهي تحمل صينية الشاي .. وما إن لاحظت وجودها حتى قالت :
ـ صباح الخير سيدة سارة
ـ صباح الخير
ـ تبدين في غاية النشاط اليوم

ابتسمت لها سارة وهي تتسائل ألهذا الحد تبدو عليها السعادة ؟!! ..

ـ صباح الخير جميعا

كان هذا هو صوت الذي تنتظره .. صوت الوليد ..فرفعت رأسها لتراه وقد أتى أخيرا .. وما إن انضم إليهم على المائدة و بدأت تشتم رائحة عطره حتى بدأ قلبها يخفق بشدة .. وتمنت لو أن تتصرف على طبيعتها وأن لا ترتبك ..

ـ يبدو أن الجميع قد سبقني على الفطور اليوم

قال الوليد ذلك فأسرعت لمياء تجيبه :
ـ لقد تأخرت في النوم اليوم على غير عادتك

أخذت تتأمل الوليد وقد بدا عليه هو أيضا الحيوية و النشاط .. وبينما هي تتأمله هكذا رفع الوليد رأسه إليها وألتقت أعينهما .. ثم .. وفي حركة لم تتوقعها منه .. غمز لها بعينه .. مما جعلها تكتم ضحكتها حتى لا تلاحظهما لمياء ..
شعرت بالسعادة لأنه صار هناك أمرا خاصا بينهما لا يشاركهما فيه أحد ..

ـ وليد أين كنت ليلة أمس ؟ .. لقد تأخرت كثيرا حتى أنني نمت قبل أن تأتي

سألته لمياء ذلك فأجابها :
ـ كان لدي عشاء عمل واضطررت أن أتأخر قليلا ..

أرتاحت كثيرا لأنه لم يخبرها بأنه كان معها .. فهذا لن يزيد لمياء إلا حقدا عليها .. كما أراحها أيضا أن خيرية لم تعلق بشئ ..

ظلت تتبادل النظرات مع الوليد من الحين للآخر .. حتى انتهى هو من فطوره ونهض من مكانه وهو يقول :
ـ من يريد أن أوصله في طريقي فليجهز الآن

وعلى الفور نهضت لمياء من مكانها هي الأخرى وقالت له :
ـ أنا جاهزة
ـ حسنا هيا بنا

سبقته لمياء بالخروج من غرفة الطعام وقبل أن يلحق بها ألتفت إليها وسألها :
ـ ألن تأتي معنا ؟؟
ـ أنا اجازة اليوم
ـ حسنا اعـتـ .....

توقف الوليد عن الكلام وقد بدا أن نظره قد توقف على يدها .. حيث ترتدي الساعة .. الأمر الذي جعلها تحمل خجلا .. وأخيرا ابتسم وتابع جملته :
ـ اعتني بنفسك
ـ وأنت أيضا

ظلت جالسة في مكانها ولم تتحرك حتى تأكدت من خروجهم من البيت .. وما إن فعلوا ذلك حتى انقضت على قهوة الوليد !
لم يكن هناك الكثير منها في الفنجان .. ولكن ما ارتشفته كان كافيا بالنسبة لها ........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ


اكتفت سمر بالنظر إليها دون أن تعلق بشئ على كلامها .. فسألتها مستغربة :
ـ ألن تقولي شيئا ؟؟!!

فتكلمت سمر أخيرا قائلة :
ـ أنا لا أفهمك يا سارة .. فتارة تكوني منزعجة منه .. وتارة أخرى تأتي وكأنك قضيتي معه أجمل لحظات حياتك كما هو حالك الآن !!
ـ ومالذي يزعجك في ذلك ؟!!
ـ مايزعجني هو أنك في كلتا الحالتين تعشقينه .. وأنت لم تتأكدي حتى الآن ما إذا كنتما ستستمران معا أم ستنفصلان
ـ ولكن كل ما حكيته لك عن تصرفاته معي في اخر عشاء لنا مع بعضنا .. وعن تركه لعمله خصيصا ليأتي إلي في الجامعة ويعتذر لي .. والهدايا التي قدمها إلي .. ألا يدل ذلك على أنه صار يبادلني نفس الشعور ؟!!
ـ لنفترض أن ماتقولينه صحيحا .. لماذا لم يصارحك بحبه إذا ؟؟ .. أو على الأقل لماذا لم يخبرك بأنه قد تراجع عن فكرة الطلاق ؟؟ .. ثم ماذا عن خطيبته السابقة التي أنت نفسك قلتي لي في إحدى المرات أنه لازال يحبها وينوي الرجوع إليها .. وأنه يكرهك لأنه يراك السبب في التفريق بينهما ..

سكتت سارة وهي لا تعرف بماذا تجيبها .. فتابعت سمر تقول :
ـ لم يبقى سوى ثلاثة أشهر وتنتهي الدراسة وأنت إلى الآن لا تعرفين ما إذا كان سيطلقك بعدها أم لا !
ـ بل باقي أربعة أشهر ..
ـ وماذا سيغير ذلك الشهر ؟!!

تنهدت سمر بنفاذ صبر قبل أن تتابع كلامها :
ـ أرجوكي يا سارة .. لقد دفعتك دفعا إلى هذا الزواج ظنا مني وقتها أنه هو الأنسب لوضعك .. لا تجعليني أشعر بتأنيب الضمير نحوك .. أنا لا أريدك أن تتعلقي بآمال قد لا يكون لها وجود على أرض الواقع
ـ أعرف أن تعلقي بالوليد يقلقك .. ولكن صدقيني .. لقد أصبحت واثقة الآن من أنه قد بدأ يحبني بالفعل .. هو فقط بحاجة إلى بعض الوقت حتى يتأكد من مشاعره نحوي .. والأيام القادمة ستثبك لك صحة ما أقول ..
ـ أتمنى أن تكون توقعاتك صحيحة

كانت تتفهم سبب خوف سمر عليها .. إن سمر لا تريد لها أن تعاني .. هي تخشى أن تستمر في حبها للوليد ثم في الأخير يكون انفصالهما بمثابة الصدمة عليها ..
في واقع الأمر .. لقد كانت تبادلها هي الأخرى نفس مشاعر الخوف تلك .. فربما كانت توقعاتها خاطئة كما تقول سمر ..

الأسوأ من ذلك كله هو أنها وصلت لمرحلة لا تستطيع أن تتخيل فيها شكل حياتها من دون الوليد .. وهذا مالم تكن تريده ..........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ


مضى باقي الأسبوع سريعا ..وعاد كل شئ إلى ماكان عليه .. فقد عاد الوليد من جديد ينام معها في نفس الغرفة ..
في البداية كانت تشعر بالخوف .. تماما كما كانت تشعر في بداية زواجهما .. ولكنها مالبثت وأن اعتادت .. وساعدها في ذلك رجوعه المتأخر من العمل في الليل .. فتكون وقتها قد استغرقت في النوم ..

في وقت الفطور .. كان واضحا أن تعامله معها قد تغير تماما .. فهو لم يعد يتجاهل وجودها كما في السابق .. بل كان يظهر اهتمامه بها وكان يسألها عن أمور دراستها .. وبالطبع لم يكن ذلك يعجب لمياء .. فكانت تحاول بكل مايمكنها من طرق جذب انتباهه لها وحدها .. فهي لم تعتد أن يتحدث إلى أحد غيرها في هذا البيت ..

ولكن ذلك لم يعد يزعجها .. فاهتمام الوليد بها كان ينسيها تصرفات لمياء تلك وتعليقاتها ..

استمرت باقي الأسابيع على نفس الحال ولم يتغير شئ حتى أتى منتصف الشهر ..
في تلك الليلة .. أخذت التقويم الذي كان موضوعا بجانب السرير وراحت تنظر إليه في تجهم .. هذا أمر لم يحدث معها من قبل في حياتها .. فقد تأخرت عشرة أيام إلى الآن ..
في بعض الأحيان كانت تأتيها مبكرا عن موعدها .. ولكنه لم يسبق لها وأن تأخرت .. ثم إن عشرة أيام ليست بالقليل .. على الأقل بالنسبة لها ..

وفي لحظة ما .. خطرت ببالها تلك الفكرة .. فابتلعت ريقها وهمست تسأل نفسها في ذعر " هل يعقل أن أكون حامل ؟! "

لا تدري كم من الوقت مر عليها وهي في تلك الحالة من الذهول .. صار فكرها مشوشا تماما .. وبدأت تلتقط أنفاسها بصعوبة .. فراحت تفرك عينيها علها تستطيع التركيز ..

حاولت أن تطمئن نفسها وهي تفكر في أن كل ذلك مجرد ظنون وقد لا يكون لها أي أساس من الصحة .. لهذا فلا داعي لأن تقلق إلى هذا الحد كله ..

وبينما هي على تلك الحالة .. فتح باب الغرفة .. لترى الوليد يقف أمامها .. فانتفضت من مكانها ...
وقف الوليد يتأملها قليلا وقد لاحظ ما اعتراها .. فهمست له مدافعة عن ردة فعلها :
ـ وليد .. لقد أخفتني .. لم أتوقع أن تعود الآن ..
ـ أنا الذي لم أتوقع أن تكوني مستيقظة إلى الآن .. لقد اعتدت أن تكوني نائمة في مثل هذا الوقت

لم تعلق بشئ .. وحاولت أن تتحاشى النظر إليه حتى لا يقرأ أفكارها .. فأخفضت رأسها وانتبهت إلى أن التقويم لايزال في يدها .. فأسرعت بإعادته إلى مكانه بجانبها ..

سمعت صوت خطواته وهو يقترب منها .. ثم سألها بقلق :
ـ هل انتي بخير ؟؟
ـ نـ .. نعم إنني ... بخير

هز الوليد رأسه في إشارة إلى عدم التصديق وقال لها :
ـ لا تبدين كذلك .. انظري إلى نفسك في المرآة .. تبدين كما لو أنك رأيت شبحا !!
ـ لا .. أنـ ..أنا .. بخير

راحت تمسح وجهها الذي كان يتصبب عرقا وتابعت تقول له :
ـ إنني ... أنا فقط أشعر بالحر

رفع الوليد حاجباه استغرابا وأشار بعينه إلى المكيف وهو يقول :
ـ ولماذا صنع هذا الشئ ؟!!
ـ آه .. نعم .. صـ .. صحيح لقد نسيت أمره ..

نهضت من على السرير واتجهت نحو المكيف لتحاول تشغيله والتهرب من مواجهة الوليد قليلا ..
ولكنها من شدة ارتباكها نست حتى كيف يعمل هذا المكيف .. على الرغم من أنها تعاملت معه من قبل كثيرا ..

بقيت واقفة عند المكيف تبحث عن زر التشغيل وقد احمر وجهها خجلا من ذلك الموقف الذي أصبحت فيه .. لم تكن مستعدة إطلاقا لمقابلة الوليد في ذلك الوقت بالذات ..
ظلت تدور بيدها وهي تدعو الله أن تجد ذلك الزر لتتخلص من هذا الوضع الحرج .. فهي واثقة أن الوليد يراقب تصرفاتها المضحكة تلك ..

وأخيرا شعرت بيد تمتد فوقها .. ثم انفتح المكيف ..
كيف لها أن تنسى مكان زر التشغيل .. يالغباؤها !!

ألتفتت ببطء إلى خلفها حيث يقف الوليد وقد كان قريبا جدا منها فكان يسمع صوت أنفاسها المتسارعة ..

سادت بينهما فترة من الصمت قبل أن تقطعها أخيرا بالقول :
ـ لقد اعتدت أن أفتحه بجهاز التحكم !
ـ لو كنتي في حالتك الطبيعية لكنت قد لاحظتي أنه كان بجانبك

حولت نظرها إلى حيث يشير الوليد فرأت أن في نفس المكان الذي وضعت فيه التقويم كان جهاز تحكم المكيف موضوعا فيه .. فابتلعت ريقها وهي لا تعرف ماذا تقول له فكلما قالت شيئا لم تزد الأمر إلا سوءا ..

ـ لو كان وجودي هنا يزعجك يمكنني أن أنام الليلة في غرفة أخرى ..

قال لها الوليد ذلك بصوت دافئ فاندفعت تقول له :
ـ لا .. صدقني ليس الأمر كذلك .. ولكن ...

توقفت عن الكلام حتى تبتعد عنه وتوجهت إلى السرير لتجلس عليه ثم تابعت قائلة :
ـ لا يوجد شئ مهم .. أنا فقط بحاجة إلى النوم

رفع الوليد كتفيه مستسلما وقال لها :
ـ حسنا كما تشائين .. ولكن تأكدي إنني مستعد لسماعك إذا كان هناك ماتودين قوله ..
ـ شكرا لك ..

وضعت رأسها على الوسادة وقد تمكنت من التهرب منه أخيرا .. ولكنها بقيت مستيقطة حتى سمعته يتمدد بجانبها ..
كانت تعطيه ظهرها .. فعلى الرغم من الظلام إلا أنها كانت تخشى أن يقرأ عيونها ..

لقد اعتراها كل ذلك الاضطراب لمجرد أنها فكرت في أنها قد تكون حامل !! .. أخذت تسأل نفسها .. ماذا هي فاعلة إن كان هذا الأمرصحيحا ؟!!
راحت تفكر طوال الليل بالأمر .. كانت في لحظة ما يروق لها الأمر .. وفي لحظة أخرى تشعر بالخوف لدرجة أنها ترتجف ..

بقيت على هذه الحالة طوال الليل ولم تذق عيناها النوم حتى سمعت أذان الفجر .. فقامت وتوضأت ثم أيقظت الوليد ليصلي هو الآخر .. وكانت تلك من المرات النادرة التي تقوم فيها هي بإيقاظه لصلاة الفجر وليس العكس ..

حينما عادت مرة أخرى إلى السرير تمنت أن تتمكن من النوم قليلا قبل موعد تدريبها .. فدوامها منذ الصباح الباكر .. كما أنه سيكون عليها الذهاب قبل الموعد بقليل حتى تستطيع أن تجري تحليل الحمل .. لعلها تريح نفسها من هذا الشك الذي كاد أن يقتلها ..................


طمووح 28-10-13 11:25 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(7 )

ـ صدقيني .. هذا ليس ذنبي .. سمر .. صدقيني .. إنه ليس ذنبي ...
ـ ذنب من إذا ؟!!

أتى هذا الصوت من بعيد .. ففتحت عينيها ببطأ لترى الوليد بجانبها جاثيا على ركبتيه على الأرض .. فألقت نظرة سريعة على الساعة التي بجواره فرأتها تشير إلى السابعة والنصف ..
أعتدلت في جلستها على السرير بعد أن ابتعد الوليد عنها ووقف يغلق أزرار أكمامه ..

لقد كان حلم .. لا بل كابوسا .. كانت تحلم بأن سمر غاضبة جدا منها بعد أن تأكد أمر حملها .. راحت تحمد الله على أن كل ذلك كان مجرد حلما ..

ـ انتي لم تكفي عن الكلام طوال نومك

قال لها الوليد ذلك مما جعلها ترتبك بشدة .. وتسائلت عما قالته وسمعه منها .. فأسرعت تسأله بفزع :
ـ بماذا كنت أتكلم ؟؟
ـ لسوء حظي لم أفهم كلمة مما تقولين .. كل مافهمته هو أنك تتحدثين مع فتاة تدعى سمر ..

التقطت أنفاسها قليلا بعد اعترافه أنه لم يفهم كلامها .. وتابع هو يسألها :
ـ سمر هذه .. تكون صديقتك ؟؟

أومأت له بالإيجاب .. فقال لها بخبث :
ـ أنا أحسدها .. لأنها ستعرف السبب الذي قلب حال زوجتي هكذا ..

أخذت تفكر فيما ستكون عليه ردة فعل الوليد إن كانت هي حقا حامل ..

ـ إن كنت تودين أن أوصلك إلى الجامعة فعليك أن تكوني جاهزة في غضون دقائق ..

قال لها ذلك وهو يتناول سترته ويتهيأ للخروج من الغرفة .. فقالت له :
ـ ليس لدي جامعة اليوم .. لدي تدريب في المستشفى .. لهذا لا تنتظرني
ـ أنصحك بأن لا تذهبي إلى مكان اليوم .. أعرف أنك لم تنامي إلا بعض الساعات .. لهذا تابعي نومك لعلك تصبحين أفضل

لم ينتظر منها ردا .. فقد قال لها ذلك ثم خرج من الغرفة على الفور .. لابد وأنها أزعجته بكثرة تقلبها على السرير طوال الليل وهي تحاول جاهدة أن تنام ..
ولكن على الرغم من ذلك فهي ليست ناعسة الآن .. نهضت بسرعة من على السرير وبدأت تجهز للخروج .. كانت تنوي الذهاب قبل موعد التدريب .. حتى تستطيع أداء التحاليل قبل أن تأتي سمر وتعرف بالأمر ..

لم ترغب في أن تجرب تحليل الحمل المنزلي .. فنتائجه ليست دقيقة ويحدث كثيرا أن تكون خاطئة .. لهذا فضلت تحاليل المستشفى ..

في المستشفى .. أخبرتها الطبيبة أن عليها أن تنتظر نصف ساعة على الأقل حتى تستلم النتيجة .. مما يعني المزيد من معاناتها ..
لم يكن لديها الكثير من الوقت على تدريبها .. فقررت الالتحاق بالتدريب وبعد انتهائه تأتي لاستلام نتيجة فحصها ..

وبالطبع لم تخبر سمر بأي شئ عن مخاوفها .. لعلها لا يكون لها أي أساس من الصحة وتأتي النتيجة بعدم وجود حمل ..
ولم تشك سمر في أي شئ فقد حاولت أن تبدو طبيعية على قدر الإمكان .. ولكن مع ذلك علقت سمر بأنها تبدو وكأنها لم تأخذ كفايتها في النوم .. فتعللت لها بأنها سهرت على المذاكرة ..

ظلت طوال فترة التدريب شاردة .. ولم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير في الأمر .. ماذا لو كانت شكوكها صحيحة بالفعل .. كيف ستكون ردة فعلها هي ؟!!.. عجزت عن أن تعرف حقيقة مشاعرها حيال ذلك .. وما إن كان ذلك سيسعدها أم سيزعجها ..

فإن كان زواجها من الوليد سيستمر فما المانع في أن تنجب منه ؟!! .. ولكن إن كانا حقا سينفصلان .. فموضوع حملها منه سيكون بمثابة الكارثة !
ولما كل ذلك الخوف وهي التي كانت تؤكد لسمر أن الوليد قد بدأ يحبها بالفعل وهنالك الكثير من المؤشرات التي تدل على ذلك ؟! ..
ومع كل هذا .. شعرت أنه سيكون من الأفضل لها أن لا تكون حاملا منه الآن .. على الأقل حتى يصارحها بحقيقة مشاعره تجاهها ..

بعد انتهاء التدريب .. طلبت من سمر أن تنتظرها قليلا .. وعلى الفور توجهت إلى قسم التحاليل .. وسلمتها الممرضة التي هناك ورقة التحليل .. فتناولتها وفتحتها بسرعة .. وراحت تقرأها وهي تحاول أن تستوعب ما هو مكتوب فيها ..

ـ طبعا انت لست بحاجة لأن أشرحها لك .. فأنت طبيبة وبالتأكيد تفهمين ماهو مكتوب ..

قالت لها الممرضة ذلك ثم تابعت :
ـ مبروك دكتورة سارة .. انت في الشهر الأول

استمرت تحدق في الورقة التي بيدها وقد شعرت أن الزمن قد توقف من حولها ..
كل مخاوفها أصبحت الآن واقعا .. لقد حاولت أن تهيأ نفسها لهذا الاحتمال منذ الأمس ..ولكن مع هذا هي تشعر الآن بصدمة كبيرة ..

ـ عليك أن تعتني بنفسك جيدا .. وأن لا تجهدي نفسك كثيرا .. فكما تعلمين مع الحمل عليك أن تتخلي عن أشياء كنت تمارسيها من ....

قاطعتها قبل أن تكمل كلامها لأنها لم تعد تستطيع أن تسمع المزيد .. وقالت لها قبل أن تنصرف وتتركها :
ـ شكرا لنصائحك .. سأعتني بنفسي جيدا ..

كانت سمر لازالت جالسة في صالة الاستقبال تنتظرها .. فسارت باتجاهها ببطء وهي شاردة تماما .. وما إن لمحتها سمر حتى قامت من مكانها وهي تقول لها :
ـ لقد اتيتي أخيرا .. هل لي أن أعرف أين ذهبتي هكذا على عجل ؟؟

لم ترد على سؤالها وظلت صامتة وهي تشعر أن صوتها قد اختفى .. فلاحظت سمر حالتها .. مما جعلها تقطب بجبينها وتسألها بقلق :
ـ أأنتي بخير ؟؟

ناولتها الورقة التي بيدها .. فقد وجدت أن تلك هي خير طريقة لإخبارها بالأمر .. فمسكتها سمر بسرعة وأخذت تقرأ ماهو مكتوب بصوت مسموع:
ـ تحليل الحمل .. موجب .. الاسم ..سا........

توقفت سمر عن القراءة وأخذت تنظر إليها وقد اتسعت عيناها من هول المفاجأة .. وسألتها بعدم تصديق :
ـ حامل ؟!!!!!!!!!!!!!

أومأت لها بالإيجاب دون أن تنظر إليها .. فتابعت تسألها :
ـ ممن انت حامل ؟!!

نظرت إليها سارة مستنكرة لسؤالها .. فاستطردت تقول سمر :
ـ لا أقصد .. ولكن .. هل هو ....

قاطعتها سارة وقد وجدت صوتها أخيرا :
ـ الوليد ..

سكتت قليلا تلتقط أنفاسها قبل أن تكمل كلامها قائلها :
ـ في ذلك اليوم .. حينما كانت خيرية عند ابنتها ولمياء في المستشفى .. أخبرتك بأنني طلبت منه أن نتناول العشاء معا .. ثم .. أنا .. تغيبت عن الجامعة في اليوم التالي ... لأنني ...

اخفضت رأسها علها تستطيع أن تتفادى نظرات سمر لها .. ولم يمضي وقت وهي هكذا حتى تكلمت سمر قائلة :
ـ كنت واثقة أن هناك أمرا ما قد حدث في تلك الليلة ولم تخبريني به

سكتت سمر وكأنها تستذكر شيئا قبل أن تتابع قائلة :
ـ إذا مزاجك السئ في تلك الأيام كان بسبب ذلك الأمر ..

هزت سمر رأسها وهي واثقة من استنتاجاتها دون حتى أن تجيبها هي .. ثم فاجأتها بالسؤال :
ـ هل أجبرك على هذا ؟؟
ـ لقد أغضبته وكــ ...

لم تجد الجرأة لأن تكمل جملتها .. فهتفت سمر بغضب :
ـ تبا له ...أي ورطة وضعك فيها الأن

كما كانت تتوقع .. معرفة سمر بالأمر لم يزدها إلا هما .. وأخيرا تكلمت محاولة أن تخفف من حدة الموقف :
ـ ربما لا يحتاج الأمر كل ذلك الغضب .. ربما سيسعد الوليد بهذا الخبر

نظرت سمر إليها محاولة فهم ماتقصده بكلامها .. فتابعت تقول :
ـ أخبرتك في السابع بأنه يبدو وكأنه يريد التحقق من مشاعره تجاهي .. ربما معرفته الآن بحملي منه سيجعله يقرر أخيرا بأن الأفضل لنا أن لا ننفصل ..
ـ وماذا إن كان العكس ؟! .. ماذا إن كان لايريد الاستمرار معك ؟! .. ثم لماذا لم يتأكد من مشاعره قبل أن يرتكب معك حماقته تلك ؟!!
ـ أنا واثقة من أنه أصبح لا يفكر في الطلاق .. تعامله معي في الفترة الأخيرة يؤكد ذلك .. حتى ولو لم يخبرني بهذا بعد .. فربما يكون خبر حملي فرصة له لأن يخبرني برغبته في الاستمرار معي ..
ـ أصلا لم يعد أمامه سوى هذا الخيار .. عليك الآن أن تخبريه بالأمر فورا .. لأن شئ كهذا لا يحتمل أي تأجيل ..

وافقتها على كلامها وتمنت أن يكون حملها هذا لها وليس عليها .. فهي تعتقد أنه قد حانت الآن اللحظة التي ستعرف فيها ما إذا كانت حياتها ستستمر مع الوليد فعلا أم أنها تتوهم ..

لقد كان زواج الوليد منها لتلبية وصية والده فقط لا غير .. وهي تأمل الآن أن يكون قد تغير موقفه منها .. وأن يكون قد أحبها كما أحبته هي .......

مي الحطاب 29-10-13 12:06 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ﻵﻻﻻﻻﻻﻻﻻﻻﻻﻻﻻﻻ ماتوقفيش هنا :((((((((
المفروض سارة ماتبقاش خايفة ... هوا الي غلطان يتحمل بقى
عايزين حد يتخلص من لمياء
مستفزة بصراحة :D
اشكرك على البارت =)

عصفورالجنة 29-10-13 12:28 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:8_4_134::55::55::55::55::8_4_134:
lمرحبا عزيزتى طموح شكرالكى على البارت الجميل ده بس كان نفسى يكون اطول شويهكنت عايزه اعرف رد فعل وليد بسبب الخبر ا
للى انا حسه انه هيرفضه حبيبتى متتاخريش علينا فى تنزيل البارت القادم .
مع تحياتى
:8_4_134::55::55::55::55::8_4_134:

عصفورالجنة 29-10-13 12:32 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...F2e9U9xgLd1-bw

عصفورالجنة 29-10-13 12:35 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...CCma9VAXhQHJIs

عصفورالجنة 29-10-13 12:39 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://www.kuwaityiat.com/storeimg/i...125.gifhttp://

عصفورالجنة 29-10-13 12:42 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://forums.graaam.com/up/uploaded...1254944203.jpg

عصفورالجنة 29-10-13 12:46 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...hj_zOso_CqfesQانا ارسلت ليكى باقتين ورد الاحمر والروز يارب يعجبوكى وشكراليكى ياقمر لانك تستحقى كل التقدير.

المقناص 29-10-13 02:58 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكرررا على الروايه الجميله

جودى ناجى 30-10-13 01:18 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
حلوة اوى الرواية فيها تشويق كتير هو مواعيد نزول باقى الاجزاء امتى بس بجد تحفة ربنا يوفقك ان شاء الله

عصفورالجنة 31-10-13 10:33 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://www.baqofa.com/forum/upload/2...l1dwn476l5.gif

عصفورالجنة 01-11-13 12:08 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://files2.fatakat.com/2011/3/12989352301604.gif

عصفورالجنة 01-11-13 06:23 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://www.alshiaclubs.net/upload//u...13b8f189b4.jpg

عصفورالجنة 01-11-13 06:25 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn1.gstatic.com/i...U_R03MnR9aEC2g

سارة امينة 02-11-13 03:07 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
السلام عليكم واللله الرواية رائعة اعجبتني كثيرا و متشوقة لاعرف ردة فعل الوليد و مياء اتمنى لك التوفيق المحبة لعملك سارة:55:

طمووح 02-11-13 06:23 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جودى ناجى (المشاركة 3384944)
حلوة اوى الرواية فيها تشويق كتير هو مواعيد نزول باقى الاجزاء امتى بس بجد تحفة ربنا يوفقك ان شاء الله

وفقني الله واياكي لكل خير :smile:

شكرا على الرد الجميييل .. وأنا بنزل بارت كل يوم اثنين بالليل

طمووح 02-11-13 06:28 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكراااااااااااااااا يا عصفور الجنة على الورود الحلوة دي :rdd12zp1::flowers2:

ربنا مايحرمنيييش من ردودك أبدا :hR604426:

طمووح 02-11-13 06:32 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة امينة (المشاركة 3386064)
السلام عليكم واللله الرواية رائعة اعجبتني كثيرا و متشوقة لاعرف ردة فعل الوليد و مياء اتمنى لك التوفيق المحبة لعملك سارة:55:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..

أسعدني ردك .. وبإذن الله تستمتعي في باقي الرواية :spinningemoticonmu8

ريم السعودية 04-11-13 05:06 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
با نتظار البارت اليوم ياطموح تظار

عصفورالجنة 04-11-13 06:23 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكراليكى حبيبتى وفى انتظارك ياقمر انا باستنى الفصل على نار ولى رجاء يكون الفصل طويل مع تحياتى.

عصفورالجنة 04-11-13 06:27 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكرا ليكى ياقلبى انا فى انتظار الفصل على نار وياريت يكون طويل شويه مع تحياتى.:8_4_134:

طمووح 04-11-13 09:50 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ


عاد الوليد متأخرا في تلك الليلة .. فلم تجد الوقت مناسبا لإخباره بالأمر .. وكذلك كان الحال في الليلة التالية ..
كانت على استعداد للحديث معه في أي وقت .. ولكنها كانت تخشى أن لا يكون هو أيضا مستعدا لسماع خبرا كهذا .. حيث يكون مرهقا بعد عودته من العمل في الليل .. ولم يكن من المناسب إطلاقا فتح حديث كهذا معه في هذا الوقت ..

وبالطبع لم تتركها سمر وشأنها .. وظلت تلح عليها في إخباره حتى لو عبر الهاتف ! .. لأن الأمر لا يحتمل التأجيل أكثر من ذلك ...
وأخيرا في اليوم الثالث .. قررت بعد انتهاء تدريبها أن تذهب للوليد بنفسها في الشركة !!!

بدا السائق متعجبا حينما طلبت منه أن يوصلها إلى شركة الوليد بدلا من المنزل .. ولكنه استجاب لها وأوصلها على الفور ...

وقفت تتأمل شركة عمها من الخارج .. ولم تصدق أن شركة فخمة كهذه تمتلك فيها الكثير من الأسهم ..
كانت قد مرت عليها عدة مرات من قبل ولكنها لم يسبق لها وأن دخلتها ..

طلبت من السائق أن ينتظرها بالخارج ثم همت بالدخول .. شعرت بأنها دخلت عالما أخر مختلفا تماما عما اعتادت عليه .. عالما ملئ برجال الأعمال وسكرتيرات في غاية الأناقة .. وهي التي قد اعتادت فقط على عالم الأطباء والممرضات ..

لم تكن تعرف أي شئ في الشركة فتوجهت إلى مكتب الاستقبال الذي رأته أمامها .. حيث كانت تجلس فيه فتاة حسناء بادرتها بالسؤال:
ـ كيف يمكنني مساعدتك ؟
ـ أريد أن يدلني أحد على مكتب الوليد ؟
ـ تقصدين مدير هذه الشركة ؟؟ .. سيد وليد ؟!!!
ـ نعم .. بالضبط
ـ حسنا .. استقلي المصعد وتوجهي إلى الطابق السادس ..

راحت الموظفة توصف لها الطريق بدقة .. وتمنت أن تبقى متذكرة كل ماقالته لها .. فتلك الشركة تبدو عملاقة جدا .. ولن يكون من الظريف أن تضيع فيها ..

امتثلت سارة لوصفها .. وبالفعل لم تمضي دقائق حتى وجدت نفسها أمام مكتبه .. حيث كتب فوقه " مكتب المدير العام "..
ولكنه لم يكن متاحا لها العبور إلى مكتبه قبل المرور بمكتب السكرتيرة .. التي كانت فتاة تبدو في الثلاثينيات من عمرها .. وما إن لمحتها حتى قالت لها مستنكرة وجودها :
ـ لايسمح بالتواجد هنا لغير الموظفين
ـ أريد مقابلة الوليد لأمر خاص
ـ هل لديكي موعد معه ؟
ـ لا .. ولكنني ..

قاطعتها السكرتيرة ببرود قائلة :
ـ سيد وليد لا يقابل أحدا دون موعد .. يمكنني ترتيب موعد لك في يوم آخر

عادت السكرتيرة لمزاولة عملها متجاهلة تماما وجودها .. مما جعلها تشعر بأنها لا تبدو لطيفة كما كانت من قابلتها في الاستقبال حين دخولها .. ولا تعرف لماذا ذكرتها تلك السكرتيرة بلمياء .. فهي تبدو بنفس تكبرها ..

همت لأن تشرح لها أنها زوجته ولكنها قبل أن تتحدث وجدت باب مكتب الوليد يفتح فجأة .. ليظهر هو من ورائه ..

ـ مالمشكلة في جهازك يا آنـسـ ...

توقف الوليد عن الكلام ما إن رآها تقف أمامه .. أما هي فقد راحت قدماها تترتجف من شدة ارتباكها .. وشعرت بالحرج لأنها أتت من دون موعد .. أخذت تراجع موقفها وتسائلت ما إن كانت قد اتخذت القرار الصائب بقدومها إلى هنا ..

هتف الوليد مندهشا :
ـ سارة !! .. منذ متى وانتي هنا ؟؟
ـ أنا .. منذ قليل .. ولكن السكرتيرة أخبرتني بأنني لا يمكنني مقابلتك من دون موعد ..

نظر الوليد إلى السكرتيرة وقد بدا غاضبا وهو يسألها :
ـ ألا تعلمين أنها تكون زوجتي ؟!

نهضت السكرتيرة من مكانها وقالت بتلعثم :
ـ أنا أعتذر سيد وليد .. لم أكن أعلم أنها زوجتك .. أكرر اعتذاري لك أيضا سيدتي
ـ حسنا هاقد علمتي أن السيدة سارة تكون زوجتي .. لا أريد ماحدث معها أن يتكرر ..

توقف الوليد عن توجيه الكلام إلى سكرتيرته وألتفت إليها وقاله لها وهو يبتسم :
ـ تفضلي يا سارة

وأشار إلى مكتبه فدخلت على الفور .. وانتظرته بالداخل حتى ينهي كلامه مع السكرتيرة .. كان مكتبه مختلفا تماما عن مكتب السكرتيرة .. حيث كان أكبر حجما .. ويحتوي على طاولة اجتماعات كبيرة في منتصف الغرفة .. ووضع في إحدى جوانب الغرفة كنبا مصنوعا من الجلد الأسود ..

كانت لا تزال واقفة حينما دخل .. فقال لها بعد أن توجه ناحية الكنبة وجلس عليها :
ـ هيا تعالي واجلسي هنا .. لا تقولي لي بأنك تشعرين بالخجل .. لا تنسي أنك تعتبرين من ملاك هذه الشركة !

تحركت أخيرا من مكانها لتجلس بجانبه على الكنبة وهي تقول :
ـ إن مجرد التفكير في ذلك يصيبيني بالذهول !

ضحك الوليد من كلامها وعلق قائلا :
ـ أستغرب أنك لم تعتادي بعد على ذلك

سادت فترة من الصمت بينهما راحت تتذكر فيها كيف كان موقف الوليد منها في السابق .. وكيف كان يتهمها بأنها لم تتزوج منه إلا طمعا في ماله .. لقد تغير موقفه تماما الآن .. الأمر الذي يزيد من تأكدها بأن مشاعره قد تغيرت تجاهها وأنه صار يحبها ..

راح الوليد ينظر إليها وهو ينتظر منها أن تقول شيئا .. فتكلمت أخيرا قائلة:
ـ أتمنى أن لا أكون قد أزعجتك بقدومي
ـ لا .. بالطبع لا .. على العكس فأنا سعيد جدا لأنك هنا .. لو أنك فقط أعطيتني خبر بقدومك لكنت قد طلبت منهم أن يفرشوا لك الأرض وردا

ضحكت سارة من مجاملته .. ولكنها في الحقيقة كانت تتمنى أن تبكي .. فقد شعرت بهم كبير في طريقة إخباره بالأمر .. ولم تكن تمتلك أي جرأة في البدأ بالحديث .. وفي لحظة ما تمنت لو أنها لم تأتي وتورط نفسها .. ليتها فكرت جيدا في الأمر قبل قدومها ..

ظنت أن الشركة ستكون مكانا أفضل للحديث عن البيت الذي لا يعود إليه إلا في وقتا متأخرا من الليل .. ولكنها الآن تراجعت عن ظنونها تلك .. فقد بدا أنه منشغلا كثيرا في عمله .. ولولا أنها زوجته لما تمكنت من رؤيته والجلوس معه ..

استمر الصمت سائدا بينهما فعلمت أن هي من عليها أن تتحدث وأن تخبره على الأقل عن سبب زيارتها المفاجئة له .. فتكلمت أخيرا :
ـ لقد كنت في الجوار .. فقلت لنفسي أن أمر وأتفرج على الشركة

سكتت وهي لا تدري هل صدق الوليد كلامها أم لا .. ولكنه سألها بجدية :
ـ هل تريدين أن تأخذي جولة في الشركة ؟

وبالطبع لم يكن مزاجها يسمح بذلك إطلاقا .. فأجابته بسرعة :
ـ لا .. لقد أطلعت على مايكفي منها
ـ وكيف ترى دكتورتنا الشركة ؟؟
ـ إنها رائعة .. وكبيرة .. كبيرة جدا .. أعتقد أنها أكبر من المستشفى التي أتدرب فيها !!

عادت إلى صمتها من جديد .. وكانت حينما تنظر في عينيه ترى فيهما الحيرة .. كانت واثقة من أنه يتسائل عن السبب الحقيقي وراء قدومها ..

ـ ماذا تريدين أن تشربي ؟

سألها الوليد ذلك فنهضت واقفة وأخبرته :
ـ شكرا لك .. ولكنني سأرحل الآن
ـ ولما العجلة ؟!! .. لقد أتيتي للتور !
ـ لا أريد أن أعطلك عن عملك .. كما أنه لدي الكثير من لأذاكره

نهض الوليد بدوره من مكانه .. ولحق بها حتى أوصلها إلى الباب .. ولكنها قبل أن تخرج توقفت فجأة وألتفتت إليه وقد تظاهرت بأنها تذكرت أمرا ما .. ثم قالت له :
ـ آه .. نسيت أن أسألك .. متى ستأتي إلى البيت الليلة ؟

نظر إليها مستغربا وبدا أنه لم يفهم سؤالها .. فتابعت موضحة :
ـ أقصد .. هل ستتأخر في العمل الليلة كباقي الأيام ؟
ـ لماذا ؟

ابتعلت ريقها وأجابته بتلعثم :
ـ أنا .. فـ .. فقط كنت أريد .. أن أحدثك في أمر مهم
ـ يمكنك أن تحدثيني فيه الآن .. أنا مستعد لسماعك
ـ لا .. لا .. ليس الآن ..

أجابته بسرعة وقد أربكتها فكرة أن تخبره بالأمر الآن

ـ حسنا .. أعدك بأنني سأحاول أن لا أتأخر الللية
ـ أراك في البيت إذا
بدا متفهما جدا لها .. وحينما خرجت من مكتبه لحق بها وأوصلها إلى المصعد .. وبقي واقفا حتى ركبت فيه ..

كم هو لطيف معها .. شعرت لوهلة بأنه سيسعد كثيرا بخبر حملها .. ولكنها مع ذلك لم تمتلك الجرأة لأن تخبره .. وتمنت لو أنها تستطيع أن تخبره بالأمر عن طريق كتابته في ورقة وإعطائها له ثم تفر هاربة .. بالطبع هذا التصرف صبياني .. ولكنها تفضله على المواجهة ..

هي لم تستطع أن تعرف إلى الآن ما إن كان تغير تصرفه معها ناتجا عن شعوره بالحب أم لشعوره بتأنيب الضمير نحوها ..

حينما وصلت إلى البيت حاولت جاهدة أن تستذكر شيئا ولكنها لم تفلح .. وظلت تراقب بطنها وتضع يدها عليها.. لم يكن يبدو على شكلها أي تغير .. هي تدرك جيدا أن بطنها لن تبدأ في البروز إلا في نهاية الشهر الثالث على الأقل ..
وشعرت بالفضول لمعرفة ما إن كان وزنها قد ازداد أم لا .. فوقفت لتزن نفسها ووجدت أنها بالفعل قد ازدادت ثلاثة كيلوجرامات عن وزنها الطبيعي .. على الرغم من أن ذلك لا يظهر عليها إطلاقا ..

تسائلت ما إذا كان طفلها سيكون ذكرا أم أنثى ؟!! .. وقد بدأت فكرة حملها تروق لها كثيرا !!
ولكنها توقفت عن التفكير في كل ذلك وأخذت تفكر فيما هو أهم ..

كيف تصيغ الخبر للوليد .. أخذت تدرب على ماستقوله له .. ووجدت أنه من الأفضل أن تتدرج في إخباره وأن لا تخبره مباشرة ..

ازداد توترها مع قدوم الليل .. فمن المحتمل أن يأتي الوليد مبكرا عن باقي الأيام كما وعدها .. لقد قطعت نصف الشوط بقدومها إليه في الشركة .. ولم يبقى لها سوى أن تقطع النصف الاخر حينما يأتي إلى البيت ..

قررت أن تخرج من غرفتها وتذهب للحديث مع خيرية قليلا في المطبخ .. عل ذلك يخفف من توترها ..
وبالطبع استغلت خيرية الفرصة ولم تتوقف عن الكلام لحظة .. واستمرت تحدثها في شتى المواضيع حتى سمعا صوت الوليد في الخارج .. لقد عاد إذا ..

ـ لقد عاد باكرا الليلة على غير عادته

قالت لها خيرية ذلك قبل أن تخرج معها من المطبخ ويتوجها إلى الصالة حيث الوليد ..
كانت لمياء قد انقضت عليه وكأنها لم تراه من قرن !! .. أما هو فقد كان يحيطها بذراعه ..

تكلمت خيرية قائلة :
ـ مرحبا سيد وليد .. لقد عدت باكرا اليوم
ـ أنهيت عملي باكرا بعكس المعتاد

تدخلت لمياء في الحديث قائلة :
ـ إذا ستكون فرصة رائعة لأن نتناول العشاء سويا الليلة
ـ ولكن أنا ...
ـ وليد أرجووووك .. أنا دائما أتعشى بمفردي

ظلت لمياء تتوسله مما جعلها تشتعل غضبا .. كل ما خططت له سيذهب هباء بسببها .. لقد انتظرت قدومه بفارغ الصبر .. وهاهي لمياء تفسد عليها كل شئ ..

نظر الوليد إليها وكأنه يريد معرفة رأيها .. فحدقت فيه عله يفهم قصدها ويرفض .. ولكنه لم يعلق بشئ .. فتنهدت بنفاذ صبر وتوجهت نحو السلم لتصعد إلى غرفتها .. فبادرتها خيرية بالسؤال :
ـ ألن تتعشي ؟؟

جاء ردها سريعا وبحدة :
ـ أنا لا أتعشى

ولم يوجه لها أحدا سؤالا آخر .. حتى الوليد نفسه .. فقد استطاعت لمياء أن تستحوذ على اهتمام الجميع ..

دخلت غرفتها وراحت تمشي فيها ذهابا وإيابا وهي تحاول أن تطفئ نار غضبها .. ولكنها ما إن كانت تهدأ قليلا حتى تصل إلى مسامعها ضحكاتهم بالأسفل فتشتعل من جديد ..

إنها هنا تحمل هم طريقة إخباره بحملها وهو يجلس في الأسفل مع لمياء يمرح ويضحك معها ولا شئ على باله !
مرت نحو ساعة تقريبا وهي على هذا الحال حتى أطل عليها الوليد أخيرا ..

ـ أتمنى أن لا أكون قد تأخرت عليك

قال لها ذلك فردت بسخرية :
ـ لماذا لم تتأخر ساعة أخرى .. هل ينتظرك شئ ما ؟!
ـ أنا حقا أعتذر عما حدث .. حاولت قدر المستطاع أن أنهي عملي باكرا ومع ذلك ..

رفع كتفه ثم تابع :
ـ لقد رأيتي بنفسك .. لم أستطع أن أرفض طلب لمياء .. لا أريد أن أكسر بخاطرها

بدا الوليد متفهما لغضبها ويحاول أن يمتصه .. فتنهدت باستسلام وهي تحاول أن تنسى الموضوع وأن تفكر في موضوعهما الأساسي .. فقالت له بعد أن خف غضبها قليلا :
ـ حسنا لا يهم .. المهم الآن هو أن هناك أمرا عليك أن تعرفه ..

نظر إليها بجدية وقال لها :
ـ أنا اسمعك
ـ لقد كنت عند الطبيبة منذ يومين .. واستلمت نتائج تحاليل كنت قد أجريتها في نفس اليوم ..

سكتت قليلا لترتب كلماتها .. وحينها سألها الوليد بقلق :
ـ هل انتي مريضة يا سارة ؟؟
ـ لا .. الأمر ليس كذلك .. كل ما في الأمر هو انني ...

كان الوليد ينصت إليها باهتمام بالغ .. وينظر إليها بتركيز شديد منتظرا أن تتابع جملتها ..

فابتلعت ريقها وأغمضت عينيها وهي تقول :
ـ أنا حامل يا وليد ...

ظل الوليد واقفا أمامها وبدا أنه لم يستوعب بعد ما قالته .. فسألها وقد تغيرت نبرة صوته :
ـ انتي ماذا ؟؟؟

حاولت أن تلتقط أنفاسها وأن لايضيع صوتها من شدة الرعب .. فملامح الوليد لا تبشر إطلاقا ..

ـ أنا حا... حامل .. فـ ..ي .. شهري الأول

أطلق الوليد ضحكة هستيرية وسألها بسخرية :
ـ انتي تمزحين ؟؟ .. من المؤكد أنك تمزحين

هزت رأسها بالنفي .. فتابع يقول لها :
ـ مهلا .. لم يبقى سوى ثلاثة أشهر وننفصل إلى الأبد .. وانتي الآن تخبريني أنك حامل .. وتريديني أن أصدق ؟!!!

لم تجد الشجاعة الكافية للنظر إليه .. فأحنت رأسها وأخذت تنظر إلى الأرض .. ولكنها انتفضت من مكانها حينما صرخ الوليد فجأة :
ـ تبا لكي ..

راح الوليد يركل السرير الذي كان يقف بجانبه بقدمه وكأنه يحاول أن يصب جماح غضبه عليه .. وأخذ يكرر بغضب :
ـ تبا لكي .. تبا لكي

وحينما نفذت طاقته توقف عن ركل السرير وأخذ يسير نحوها والغضب يتطاير من عينيه .. فبدأت هي بدورها تتراجع ببطأ إلى الخلف وهي تشعر أن قلبها يكاد أن يتوقف .. ولكن في الاخير تمكن الوليد من الامساك بها .. فأحكم قبضته على ذراعيها وراح يهزها بعنف وهو يصرخ :
ـ قولي أنك تمزحين .. هيا .. قولي لي أن تلك مجرد مزحة

وهنا سحبت ذراعيها من بين يديه وتحدثت أخيرا وصوتها لا يقل حدة عنه:
ـ أنا لا أمزح في تلك الأمور .. لقد صدمت من النتيجة مثلك تماما .. ولو لم تكن ارتكبت حماقتك في تلك الليلة لما كنت أقف وأخبرك بذلك الآن !

سكت الوليد ولم يجد مايعلق به على كلامها .. وأخذ يهز رأسه غير مصدقا وهو يتراجع إلى الخلف حتى وصل إلى حافة السرير .. فجلس بجانبه على الأرض ووضع رأسه بين يديه ..

لم يسبق لها وأن رأت الوليد في تلك الحالة ..لقد بدا في حالة صدمة وهو يردد لنفسه :
ـ لا أصدق .. لا أصدق

شعرت بالدموع تنهمر من عينيها .. ولم تدري هل تبكي حزنا على نفسها أم حزنا على الوليد ؟!!
أخذت تقترب منه .. وجلست بجانبه على الأرض وهي تتمنى أن تربت على كتفه وأن تطلب منه أن يعيشا مع بعضهما إلى الأبد .. أن يعيشا معا ويربيا ذلك الطفل الذي رزقهما الله به .. وأن يصرف نظره عن الطلاق إلى الأبد .. ولكنها لم تستطع ولم تجرؤ على أن تطلب منه ذلك ..

في المقابل وجدت الوليد يقول لها وقد رفع رأسه من بين يديه :
ـ انتي مازلتي في الشهر الأول .. إذا يمكننا .. يمكنك أن تجهضيه .. لا أعتـ ...

وهنا قاطعته قبل أن يكمل كلامه حينما صرخت فيه قائلة :
ـ هل جننت ؟؟ .. أنا أبدا لن أفعل ذلك .. لن أضر بنفسي .. ولن أضحي بطفلي من أجل أن سيادتك لا تريد ه

نهضت من جانبه وراحت تلتقط أنفاسها قبل أن تكمل :
ـ شئت أم أبيت فهذا الذي في بطني هو طفلك كما أنه طفلي .. وقد أصبح واقعا الآن .. وستتحمل مسؤولياتك كأب لهذا الطفل .. وستدفع ثمن حماقتك .. وأنا لن أفرط به أبدا مهما حدث

نهض الوليد هو الآخر من على الأرض .. ورفع أصبعه وهو يقول لها :
ـ لقد دمرتي حياتي مرة يا سارة .. ولن أسمح لك بأن تدمريها مرة أخرى ..

توقف عن الكلام وتناول سترته من فوق السرير وقبل أن يفتح باب الغرفة ويخرج صرخ بها :
ـ سواء كنتي حامل أو لم تكوني .. فسنتطلق يا سارة .. سنتطلق .. ماجعلني أؤخر طلاقنا كل ذلك الوقت هو أنني وعدتك بأنه لن يكون هناك طلاق قبل أن تنهي دراستك .. وحينما تحين تلك اللحظة .. فسأطلقك

خرج من الغرفة دافعا الباب ورائه بقوة .. حتى أنها شعرت أنه كاد أن يتحطم .. واقتربت من الباب لتستمع إلى كلام لمياء وخيرية معه بالأسفل .. ولكنها لم تسمع شيئا سوى صراخه فيهما وهو يقول :
ـ اغربا عن وجهي

ومن ثم استطاعت أن تسمع باب البيت وهو يغلق بنفس القوة التي أغلق فيها باب الغرفة ..

أسندت ظهرها إلى الباب وراحت تنزل ببطأ على الأرض وقد أغرقت الدموع وجهها .. وراحت تهتف لنفسها :
ـ حمقاء .. بل غبية .. في كل مرة كنت أظن فيها أنه قد أحبني كنت غبية .. كل ذلك كان وهم .. لم يحبني الوليد يوما .. حتى أنه يفضل الموت على أن يكون لديه طفلا مني .. يالك من غبية يا سارة .. كل ماكنت تتمنيه في أن يحبك الوليد وأن تستمر حياتك معه كان حلم .. مجرد حلم ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

استفاقت من نومها على صوت أحدهم وهو يطرق باب غرفتها بعنف .. رفعت رأسها وأخذت ترتجف وهي تفكر في أنه قد يكون الوليد .. ولكن سرعان ماتبددت فكرتها تلك حينما سمعت صوت لمياء تصرخ :
ـ افتحي الباب

ماذا تريد منها هذه الآن ؟! .. تمنت لو أن تستطيع تجاهلها .. ولكنها واثقة أن لمياء لن تتركها حتى لو اضطرت إلى فتح الباب هي بنفسها .. فقامت مستسلمة تفتح لها الباب .. وحينما رأتها لمياء همت لتكمل صراخها .. ولكنها توقفت لتتأمل وجهها .. وكأنها لاحظت آثار البكاء عليه ..

لم يطل صمت لمياء كثيرا .. فسرعان ما عادت تصرخ من جديد قائلة :
ـ انتي .. قولي لي ماذا فعلتي بالأمس لتجعلي الوليد ينزعج كل هذا القدر ؟؟

لم تجيبها على سؤالها .. فتابعت بنفس نبرة الصراخ :
ـ هيا قولي لي .. ماذا فعلتي لتجعليه يخرج غاضبا هكذا ولا يعود إلى الآن ؟! .. ألا يكفي أننا نتحمل وجودك في هذا البيت .. فوق كل هذا تسببين في ازعاج أخي !!

لم تنطق بأي كلمة .. فلم يكن لديها أي استعداد للدخول في شجار معها .. وهي التي مازالت تشعر بالصداع من كثرة بكائها في الليلة الماضية .. وهنا جائت خيرية تحاول أن تهدأ لمياء وهي تقول لها :
ـ سيدتي .. لا تقلقي لقد رد على هاتفه أخيرا .. أخبرني أنه أمضى الليل في مكتبه .. وطلب مني أن لا نقلق عليه ..

سحبتها خيرية بلطف قبل أن تتابع :
ـ هي تعالي معي سوف تتأخرين على جامعتك

ولكن لمياء قبل أن تذهب معها لوحت بأصبعها مهددة لسارة وهي تقول :
ـ أيا كان مافعتله بالأمس وأغضب أخي .. ولكنني سأجعلك تدفعين ثمنه

لم تنتظر حتى تذهب لمياء وقامت بإغلاق بابها على الفور .. وحمدت الله أن خيرية هنا حتى تخلصها من تلك المجنونة ..
فكرت في أن الشئ الوحيد الذي لن تحزن عليه حينما تتطق من الوليد هو أنها ستتخلص من تلك المتشردة وترتاح منها إلى الأبد ..

توقفت عن التفكير فيها وحولت تفكيرها إلى الوليد .. فلم يسبق له وأن قضى الليل خارج البيت .. ولكنها عادت ولامت نفسها على الاهتمام به كل هذا القدر .. فمع كل ماهي فيه الآن بسببه مازالت تفكر فيه ..

في الجامعة .. لم تتركها سمر حتى تقص عليها موقف الوليد حينما أخبرته بأمر حملها ..

ـ مع أن وجهك يوحي بموقفه .. إلا أنني مازلت أصرعلى أن أسمعه منك ..

قالت لها سمر ذلك .. فأجابتها باختصار :
ـ لم يسعده الخبر .. وأكد على أنه لا يزال مصرا على الطلاق ما إن انهي دراستي ..
ـ حقا ؟!!! .. ولماذا لم يفكر في ذلك في تلك الليلة ؟؟
ـ لقد طلب مني أن .. أن .. أن أجهض و ...
ـ ذلك الوغد .. هو يفعل مايحلو له ثم لا يتحمل نتيجة أفعاله ..

كانت سمر تشتعل غضبا .. ومع ذلك تابعت سارة كلامهة وهي تحاول أن تكتم دموعها :
ـ سيكون علي أن أتحمل مسؤولية هذا الطفل وحدي .. سيعيش طفلي بلا أب ..

أخذت تجفف دموعها التي بدأت تنهمر رغما عنها .. ولم تنطق سمر بكلمة أخرى .. واكتفت بالربت على كتفها محاولة التخفيف عنها .. أما هي فقد تابعت تقول :
ـ ليس عندي شك من أنه سيلتزم بالنفقة .. ولكن مع ذلك أشعر بأنني سأتحمل المسؤولية وحدي ..

ظلت سمر صامتة وهي لا تريد أن تتكلم فتزيد من همها .. فقالت لها :
ـ هي قولي

سألتها سمر باستغراب :
ـ أقول ماذا ؟!!
ـ قولي لي أنني فتاة بائسة .. مثيرة للشفقة .. مسكينة وغبية .. أعشق رجلا لا يكن لي أية مشاعر
ـ لا .. لست كذلك .. الأمر كله هو أنك أحببتي زوجك .. ولم يكن يستحق حبك ..

نعم .. كل مافي الأمر هو أنها علقت نفسها بآمال زائفة .. وكانت تعرف ذلك جيدا .. ضحكت من نفسها حينما تذكرت أنها كانت في بادئ أمرها ترفض ذلك الزواج .. وحينما وافقت كانت تخشى أن لا تنسجم معه وأن تطلب منه الطلاق فلا يوافق .. والآن ها هي نفسها تبكي لأنها ستتطلق منه ..

ـ إن كانت دموعك هذه من أجل الوليد فهو لا يستحقها .. وإن كانت من أجل الطفل فأنا واثقة من أن طفلك هذا محظوظ جدا .. لأنك ستكونين والدته ..

كانت سمر تحاول أن تهون عليها بتلك الكلمات .. فجففت دموعها وحاولت أن تستعيد صمودها .. فهي لا تريد أن تزعج صديقتها عليها أكثر من ذلك ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

في صباح اليوم التالي .. وحينما فتحت عينيها .. أسرعت بالنظر إلى جانبها فلم تجد الوليد .. لقد شعرت به حينما جاء في الليل .. وعلى الرغم من أن الوقت لم يكن متأخرا إلا أنها تظاهرت بأنها نائمة .. وعلى غير ما توقعت فقد قضى الوليد ليلته معها في نفس الغرفة .. ولم يذهب إلى الغرفة الأخرى ..

لم تكن الساعة تتجاوز الثامنة صباحا .. وكان دوامها في وقت متأخر اليوم .. ولكنها مع ذلك نهضت من السرير وبدلت ملابسها لتنزل بالأسفل حيث الوليد ولمياء يتناولون الفطور بالتأكيد ..

أرادت أن ترى كيف سيتعامل الوليد معها .. وحينما دخلت إلى غرفة الطعام كان الوليد ولمياء بالفعل هناك .. فألقت عليهم تحية الصباح .. ولو لم تكن خيرية في الغرفة هي الأخرى تصب العصير لبدت وكأنها تحدث نفسها !!
فكلا من الوليد ولمياء لم يرد عليها .. بل إن الوليد لم يلتفت إليها أصلا .. أما لمياء فقد رمقتها بنظرة حقد كالعادة .. ثم تجاهلتها للتابع حديثها مع الوليد ..

بدا الوليد شاردا تماما عما تقوله لمياء على الرغم من أنه كان يتظاهر بالعكس ..
كانت عيونه مرهقة وكأنه لم ينم منذ أيام ! .. وكان منظره يوحي بأنه مكتئب ..

راحت تنظر إليه بين الحين والآخر لتتأمله .. أما هو فلم يلقي لها بالا .. حتى حينما أنهى فطوره وقام لم يسألها كالعادة إن كان سيوصلها أم لا .. بل اكتفى بالنظر إلى لمياء وطلب منها أن تجهز ليوصلها .. كان تجاهله لها بهذه الطريقة يحرقها من الداخل ..

بعد خروجهم من الغرفة .. نهضت من مكانها هي الأخرى لتقف على باب الغرفة .. لقد اشتاقت كثيرا إلى ظله .. ولم يبقى لها الكثير في هذا البيت .. لذلك عليها أن تستغل ما تبقى لها من أيام فيه لممارسة ماتحبه .. ومن ذلك رؤية ظله الطويــــــل ...

لقد عاد الأمر كما كان عليه منذ البداية .. كل شئ عاد كما كان .. عاد الوليد يتجاهلها من جديد .. وها هي عادت تراقب ظله بشوق مرة أخرى .. بعد افتقادها لتلك اللحظة طوال فصل الشتاء ..

تمنت للحظة لو أنها أخفت عن الوليد خبر حمله .. فلو أنه كان سيطلقها في جميع الحالات .. فعلى الأقل كانت ستستمتع معه فيما تبقى لهما من أشهر ..
طردت تلك الأفكار من رأسها وهي تعاهد نفسها أن لا تفكر في الوليد بعد اليوم .. وأن لا تشغل بالها سوى بدراستها وبطفلها ..

ـ هل أنهيتي فطورك سيدة سارة ؟

جاء سؤال خيرية ليخرجها من شرودها .. فاعتدلت في وقفتها بعد أن كانت مستندة على الباب .. وتجاهلت الرد عليها .. وبدلا من ذلك سألتها :
ـ خيرية .. ألا تلاحظين أن شيئا ما قد تغير في ؟؟
ـ لقد سمنتي قليلا .. ولكن هذا يناسبك أكثر
ـ ألا تتسائلين عن السبب الذي يكمن في زيادة وزني تلك ؟

نظرت إليها خيرية قليلا .. ثم اتسعت عيناها وهي تقول :
ـ لا أصدق .. انتي ..

قاطعتها قبل أن تكمل كلامها وقالت :
ـ نعم .. أنا حامل

وهنا اندفعت خيرية تزغرد فرحا بالخبر .. فراحت سارة تضع يدها على فمها علها تستطيع إيقافها ..

ـ هششش .. سيسمعكي الحارس والسائق
ـ دعيهم يسمعوا .. فخبر كهذا لا يكتم

راحت خيرية تحتضنها وتبارك لها .. مما جعلها تشعر ولأول مرة بأن حملها خبر يبارك لها عليه .. لا أن تلام عليه !

ـ هل علم الوليد ؟

سكتت قليلا قبل أن تجيبها على سؤالها بحزن :
ـ نعم .. علم
ـ ألم يسر بالخبر ؟ .. لا عليكي .. فجميع الرجال يكونون هكذا في البداية

لم تقل لها سارة شيئا .. فهي لم تكن تريد أن تنزع عليها فرحتها

راحت خيرية تلقنها نصائح كالعادة .. فقالت لها :
ـ أنت الآن لست كما في السابق .. ففي بطنك الآن روحا أخرى .. لذلك عليك أن تلتزمي بعدة أمور .. أولها أن تكفي عن صعود السلم وهبوطه بطريقتك المجنونة تلك

ضحكت وصفها هذا .. واستمرت تستمع إلى باقي نصائحها

ـ ثانيا .. عليكي أن تتغذي جيدا .. فكميات أكلك تلك لا تعجبني أبدا .. قد تشعرك أنت بالشبع .. ولكنها لن تكون كافية لغذاء طفلك أيضا ..

تابعت خيرية تلقي عليها نصائحها التي لا تنتهي .. وهي تحاول أن تفلت منها ولكن دون جدوى .. وأخيرا وبعد أن شعرت بالدوار من كثرة كلامها قاطعتها قائلة :
ـ خيرية .. لنكمل في وقت لاحق .. لقد تعبت من كثرة نصائحك

انصرفت بسرعة من أمامها قبل أن تعاود الحديث مرة أخرى .. وأخذت تصعد إلى غرفتها بطريقتها المعتادة .. فسمعت خيرية تقول لها :
ـ ماذا كنت أقول لك منذ قليل ؟؟

ردت عليها مستسلمة بعد أن هدأت من خطواتها على السلم :
ـ حاضر سيدتي !

عصفورالجنة 04-11-13 10:16 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...fO27PMa0bWLZrl

عصفورالجنة 04-11-13 10:21 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مع ارق تحياتى
http://www.egyptladies.net/vb/imgcache/83150.imgcache

طمووح 10-11-13 07:49 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
يابناااات أنا بعتذر كتييييير لإني بكرا مش هقدر انزل البارت نظرا للظروف الدراسية :lPk05240::Sorry:

عصفورالجنة 11-11-13 06:41 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مرحبا طموح انا كنت مستنيه الفصل على نار لكننى لااقدر غير ان اقول ربنا يوفقك فى دراستك

RiverRose 11-11-13 07:00 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
السلام عليكم انا كنت متابعه لروايتك من وراء الكواليس بس ما قدرت اصبر لحتى اخبرك كم هي روايتك روووووووووووووعه وجميله جدا وايضا سلسه مثل ما بقولو السهل الممتنع بس اتمنى اتكمليها للاخر والله يوفقك

ريم السعودية 16-11-13 06:14 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
صباح الخير
رواية اكثر من رائعة
بانتظار البارت يا طموح
لاتتاخرين علينا
اشتقنا لسارة والمغرور الوليد
بانتظارك ياعزيزتي

عصفورالجنة 20-11-13 08:07 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:party0033::55::party0033::123:
مبروك حبيبتى طموح على الاوسمه

عصفورالجنة 20-11-13 08:14 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:mod4uf8::mod4uf8::mod4uf8:

طموح انا زعلانه اوى من فضلك متتاخريش كتير وحشتينا اوى انتى وابطالك

مي الحطاب 22-11-13 09:36 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مبرووووك عالوسام
ماتتاخريش علينا بقا :):)

مي الحطاب 25-11-13 11:36 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بانتظار الجزء الجديد ;) ;)

عصفورالجنة 26-11-13 12:06 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اتاخرتى علينا كتير طموح عسى المانع خير اشتقنا لك كتير بليز متتاخريش علينا اكثر

عصفورالجنة 01-12-13 03:30 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
منتظرينك طموح

شذى ع ن 01-12-13 06:58 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
منتظرينك بجد من الروايات الرائعه التي قراءتها واعجبت بشخصياتها

طمووح 04-12-13 10:50 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
السلام عليكم يا أحلى قراااء :smile:

أولا اعتذااااار وااااجب لكل المتابعين لإني اتأخرت عليهم كل الفترة دي … بس والله ظروف الامتحانات :Taj52:
وأخص بالاعتذار عصفور الجنة ومي الحطاب وريم السعودية وكل الأعضاء اللي متابعين الرواية …

ياريت تقبلوا اعتذاري … ورغم إن لسة عندي امتحانات إلا إني تعويضا لكم أوعدكم ببارت هنزله يوم الجمعة دا بإذن الله ..
وسامحوني على أي تقصير صدر بغير قصد مني

مي الحطاب 04-12-13 05:57 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:331::331:
شدي حيلك :)

عصفورالجنة 04-12-13 06:05 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ربنا معاكى حبيبتى

عصفورالجنة 04-12-13 06:11 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...eTgsLpAVB6yKUL

عصفورالجنة 04-12-13 06:12 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://www.hayah.cc/forum/imgcache/28093.png

عصفورالجنة 04-12-13 06:14 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
http://www.dantdubai.com/gallery/dat...andlessbkt.jpg

ريم السعودية 06-12-13 07:08 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بانتظارك ياطموح لاطولي علينا :dancingmonkeyff8:

عصفورالجنة 06-12-13 08:57 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
فى انتظارك طموح

طمووح 06-12-13 09:09 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
خلاص هانت ..

اصبروا علي ساعة وبإذن الله يكون البارت جاهز

طمووح 06-12-13 10:33 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(8 )

مضى شهرين على حملها .. ولم يتغير أي شئ في موقف الوليد تجاهها .. استمر يتجاهلها .. أما هي فقد كانت تتفادى الحديث معه قدر الإمكان ..
وفي وقت الفطور .. كان يقضي كل وقته هو ولمياء في الحديث دون أن يلقيا لها بالا ..

لم يكن يتبقى على موعد امتحاناتها سوى شهر .. الأمر الذي كان يزيدها توترا .. فقد يكون ذلك هو اخر شهر في حياتها تقضيه مع الوليد !
لم يكن أمر انفصالها عن الوليد هو مايقلقها فحسب .. بل إنها أيضا كانت تحمل هم ولادتها .. على الرغم من أنه لايزال الوقت باكرا للتفكير في ذلك .. إلا إنها تشعر بالخوف من الآن .. ولعل السبب في ذلك هو أن الوليد لن يكون بجانبها في ذلك الوقت ..

بالرغم من كل شئ وبالرغم من كل الحقائق التي تؤكد على أن الوليد لا ينوي الاستمرار في ذلك الزواج .. إلا أنها لا تزال تمتلك الأمل في أن الوليد سيغير قراره ويعدل عن الطلاق ..
حاولت أن لا تعلق نفسها بآمال حتى لا تتحطم ككل مرة .. ولكنها لم تستطع أن توقف أمنياتها تلك ..

كان حجم بطنها قد ازداد بعض الشئ .. وملابسها لم تعد مناسبة كثيرا لهذا الوضع .. ستحتاج لا شك إلى شراء ملابس مناسبة للحمل .. ولكنها أجلت ذلك إلى أن تنهي امتحاناتها ..

استيقظت من النوم هذا الصباح وهي تشعر بتوعك في معدتها .. ويتملكها شعور قوي بالغثيان ..
حاولت أن تتماسك على الأقل حتى يخرج الوليد من الغرفة .. الذي كان قد بدل ملابسه ولكنه ظل واقفا يتأمل هاتفه وهو على مايبدو يتصفح فيه رسائله ..

شعرت بأن الكثير من الوقت مضى وهو لايزال لم يتحرك من موضعه .. ازداد أمرها سوءا .. وازاداد شعورها بالغثيان ..
وأخيرا نهضت من السرير وهي لم تعد تستطيع أن تتماسك أكثر .. وراحت تمشي كالمومياء إلى الحمام .. حاولت أن تبدو طبيعية ولكن يبدو أنها لم تفلح في ذلك لأنها شعرت بنظرات الوليد تتعقبها ..

دخلت الحمام وأسرعت بفتح صنبور المياه حتى لايسمعها .. تسائلت عن الطعام الذي تناولته وتسبب لها في ذلك !!
ولكنها لم تكن قد تناولت أي طعاما مختلفا عن العادة .. حتى أنها لم تتعشى ليلة الأمس .. فأدركت أن الحمل هو السبب دون شك ..

هي تعرف جيدا أن المرأة الحامل تصاب بتلك النوبات ولكنها لم تتخيل يوما أنها ستحدث لها .. فقد مضى أول شهرين من حملها دون أن يصيبها أي شئ ...

راحت تغسل وجهها بالماء البارد علها تتحسن قليلا .. ومن ثم خرجت إلى الغرفة حيث لم يكن الوليد لايزال فيها ..
تمنت لو أن تستلقي على السرير وأن تسحب الغطاء فوقها .. ولكنها بالطبع لا يمكن أن تفعل ذلك فتدريبها بعد ساعة تقريبا وهي لا تريد أن تخسر درجات أخرى على الغياب ..

وقفت أمام الدولاب تتأمل ملابسها .. وشعرت أنها لا تطيق حتى أن تبدل ملابسها .. فقررت أن تنزل إلى غرفة الطعام وتتناول شيئا حتى يتحسن مزاجها قليلا ..
دخلت غرفة الطعام وهي بملابس نومها .. كانت ترتدي قميص نوم طويل من الحرير بلا أكمام .. وكان يظهر فيه بوضوح ارتفاع بطنها .. أما شعرها فقد كان مبعثرا تماما ..

اتخذت مكانها على المائدة دون أن تنطق بأي كلمة تحية على غير عادتها .. وانتبهت إلى أن لمياء لم تأتي بعد .. وأنها تجلس بمفردها مع الوليد ..
كان لايزال ممسكا بهاتفه وبدا أنه يتصفح عليه الأخبار ..

وضعت يدها على خدها وهي تتأمل الطعام الذي أمامها .. وشعرت بأنها لا تمتلك أي شهية للأكل ..
ظلت شاردة في الطعام لفترة لاتعلمها حتى جائها السؤال :
ـ ألن تذهبي إلى تدريبك اليوم ؟

تفاجئت حينما انتبهت إلى أن الوليد هو من يسألها .. فهي لا تذكر متى آخر مرة تحدث فيها الوليد إليها !!
نظرت إليه وقد لاحظت أنه يتأملها .. فراحت تحك في رأسها وهي تجيبه :
ـ بلا سأذهب ..
ـ متى ستجهزين إذا ؟
ـ بعد ساعة
ـ ومتى هو موعد تدريبك ؟
ـ بعد ساعة أيضا ..

استمر الوليد يحدق فيها وكأنه يحاول أن يتأكد ما إن كانت في وعيها أم لا ! .. فتابع يسألها :
ـ هل استيقظتي من النوم ؟!!

وهنا رفعت خدها من فوق يدها ونظرت إليه في ذهول .. فتابع يقول بسخرية :
ـ أعني أنك تبدين وكأنك لازلتي نائمة ..

فتحت فهمها لترد عليه ولكنها توقفت ما إن رأت لمياء قد دخلت إلى الغرفة وهي تقول :
ـ صباح الخير

رد عليها الوليد أما هي فقد عادت لتضع يدها على خدها من جديد .. وراحت تقلب في الطعام الذي أمامها بضجر ..
وكالعادة انطلقت لمياء في الحديث مع الوليد .. ولم تركز هي كثيرا فيما تقوله .. إلا أنها فهمت أنه لديها رحلة في الأسبوع المقبل وهي تريد أن يسمح لها الوليد بطلوع الرحلة .. فهمت أيضا أن الرحلة ستستغرق أسبوعا كاملا ..

كانت لمياء قد انهت امتحاناتها منذ يومين .. فكلية الهندسة تختلف عن كلية الطب .. بل إن كلية الطب تختلف عن جميع الكليات .. فدائما ما تتأخر عنهم في انتهاء السنة الدراسية ..

ـ أرجوووك يا وليييد .. أرجوووك أن توافق .. أرجووووك

استمرت لمياء تلح على الوليد طويلا مما زاد من شعورها بالصداع .. كان صوتها يزعجها كثيرا حتى أنها كادت أن تتوسل الوليد هي أيضا ليوافق علها تتوقف عن الكلام ..

ـ ولكن كيف سأقضي ذلك الأسبوع من دونك ؟ .. ألا تفكرين بي أبدا ؟

كان هذا هو رد الوليد عليها فتابعت لمياء تقول له :
ـ نحن لا نقضي وقتا معا سوى وقت الفطور .. فأنت تقضي كل يومك في الشركة .. أي أنك لن تفتقدني كثيرا ..

استمر الحديث يدور بينهم على هذا النحو .. وتمنت لو أنها لم تنزل على الفطور .. كانت تأمل أن يتحسن مزاجها فساء أكثر !

وبينما هم كذلك بدأت تشتم رائحة قهوة الوليد التي لطالما عشقتها .. ولكنها هذه المرة بدأت تشعر بالغثيان منها !! .. وهي لا تدري مالذي أصابها .. لقد كانت تحب رائحتها كثيرا فماذا دهاها الآن ؟!!!!

تمنت لو أن تستطيع التماسك حتى لا تضع نفسها في موقف محرج أمامهم ..ولكنها لم تفلح هذه المرة أيضا .. فتركت بسرعة الشوكة التي كانت بيدها وقامت تركض إلى خارج الغرفة وهي تضع يديها على فمها ..

كان الصمت قد خيم على غرفة الطعام حينما خرجت بتلك الطريقة .. ولكنها لا تدري مالذي دار بعد خروجها ..
لحسن حظها أنه كان يوجد حمام بالقرب من غرفة الطعام .. فدخلته على الفور .. وفتحت صنبور المياه لتغطي على صوتها ..

قررت أن لا تخرج من الحمام حتى تستمع إلى صوت الوليد وهو يخرج من البيت .. فقد كانت تشعر بالخجل من النظر إليه بعد ما انتابها أمامهم ..
ولم يمضي الكثير من الوقت حتى سمعت صوت باب البيت وهو يغلق .. وأخيرا أصبح بإمكانها أن تخرج ..

وما إن خرجت حتى رأت خيرية تقف أمامها .. فاقتربت منها وسألتها في فزع :
ـ هل انتي بخير ؟؟ .. رأيتك وأنت تركضين خارجة من غرفة الطعام فقلقت عليك .. أخبريني بما تشعرين ؟؟
ـ أظن أني أفضل الآن .. لا أعرف ماذا دهاني اليوم .. منذ أن استيقظت وشعور الغثيان لا يفارقني
ـ يا عزيزتي .. لا عليك هذا طبيعي في فترة الحمل .. كان هذا يحدث مع ابنتي أيضا وقت حملها.. سأذهب وأعد لك شيئا دافئا لتشربيه .. وستشعرين بالتحسن

انصرفت خيرية تحضر لها ما تشربه .. أما هي فصعدت لغرفتها حتى تجهز للذهاب إلى تدريبها .. فقد تأخرت بما يكفي ..
أسرعت بتبديل ملابسها ثم نزلت مرة أخرى فوجدت خيرية تناولها فنجان شاي بالبابوننج ..

شربت منه القليل على عجل ثم قالت لها :
ـ حسنا هذا يكفي .. سأتأخر على التدريب .. هل السائق في الخارج ؟
ـ نعم إنه ينتظرك بالخارج .. ولكن أنصحك بأن تأخذي راحة اليوم .. فأنت لا تزالين شاحبة

ودعتها سارة متجاهلة جملتها الأخيرة .. ثم خرجت بسرعة من البيت قبل أن تقول لها كلمة أخرى ..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


حينما وصلت إلى المستشفى كانت قد تأخرت حوالي ربع ساعة .. ولكنها حمدت الله لأن الطبيب الذي كان يدربهم لم يقل لها شيئا ..
توجهت إليها سمر وسألتها :
ـ لم تأخرتي ؟؟
ـ لم يكن لي مزاج في القدوم اليوم
ـ هل القدوم للتدريب أسبع يتوقف على المزاج !! .. لو كان الأمر كذلك لما حضرت ولا يوم ..

ضحكت سارة من تعليقها ثم قالت لها :
ـ أنا محظوظة لأنه لم يحاسبني على هذا التأخير
ـ هو لم يحاسبك لأنه من الواضح أنك حامل
ـ هل أبدو مثيرة للشفقة إلى هذه الدرجة ؟؟

أومأت لها سمر بالإيجاب ثم تابعت :
ـ لقد أصبح حملك واضح للجميع الآن .. حتى أن مشيتك بدأت تصبح كمشية الحوامل التي كنا نسخر منها في السابق
ـ حسنا .. يمكنك أن تسخري كما تشائين .. سيأتي اليوم الذي ستحملين فيه وسأسخر منك وقتها دون شك
ـ أنا لا أتخيل نفسي حامل أبدا
ـ وهل كنت أنا أتخيل ذلك ؟!

توقفا عن الحديث قليلا حينما مر الطبيب من جانبهم .. وما إن ابتعد حتى تحدثت سارة من جديد قائلة :
ـ الأمر لا يتوقف على المشي فقط .. فهناك أمورا أخرى أكثر إزعاجا
ـ مثل ماذا ؟
ـ مثل تقلب مزاجك .. وكرهك لأشياء كنتي تحبيها في السابق .. فمثلا القهوة التركية .. انت تعلمين كيف كنت أعشق رائحتها .. ولكني اليوم حينما فاحت رائحتها في أنفي انتابتني حالة من الغثيان !
ـ هذا غريب !!
ـ وأيضا لا أدري ماذا أصابني .. لدي رغبة قوية في أن أتناول مثلجات بطعم الشيكولاتة .. وأشعر بأنه سيحدث لي شيئا إن لم أتذوقها اليوم

حاولت سمر أن تكتم ضحكتها وقالت معلقة :
ـ تتوحمين ..
ـ نعم .. لا أجد تفسيرا غير ذلك

توقفت سمر عن الضحك وأخذت تفكر قليلا قبل أن تقول لها ببطأ :
ـ سيكون من المفيد لو توحمتي على كره الوليد ..
ـ حتى لو توحمت على كرهه .. فسيكون ذلك فترة مؤقتة ولن يدوم كرهي له طويلا
ـ انتي مريضة بحبه !

انزعجت من كلمات سمر ولكنها لم تجد ما تقوله لها .. فمهما يكن كلامها جارحا إلا أنه صحيح تماما وينطبق عليها ..

تحدثت من جديد محاولة أن تغير مجرى الحديث :
ـ لم تسأليني ماذا سأسمي الطفل
ـ لأنني أعلم أنها إن كانت فتاة فتسميها سمر بكل تأكيد
ـ تبدين واثقة من ذلك ! .. وماذا إن كان صبيا ؟
ـ ممم .. لم أفكر في هذا الاحتمال .. ولكن من ربما سمير سيكون أقرب الأسماء لأسمي
ـ هههههههههههههههه .. سمير !!! .. عذرا سمر .. أنا صحيح أحبك ولكني لن أفعل ذلك في طفلي .. إذا رزقني الله بفتاة فسأسميها على اسم والدتي "أسماء"
ـ وإذا رزقتي بصبي ؟
ـ سأسميه خالد .. ليكون اسمه خالد ابن الوليد

راحت سمر تقترح عليها أسماء أخرى تروق لها أكثر .. ولكنها شردت عنها وهي تفكر ما إن كان الوليد سيتدخل في تسمية الطفل .. وما إن كان لن يطلقها .. ويتشاوران معا في اختيار الاسم ...............…


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كان الظلام قد حل على الغرفة حينما فتحت عينيها .. فنظرت إلى الساعة بجانبها لتجدها تشير إلى التاسعة مساء .. لقد نامت منذ أن عادت من التدريب في الرابعة عصرا إلى هذا الوقت .. ولم تستيقظ إلا لتصلي المغرب ثم عاودت النوم من جديد ..

لم يسبق لها وأن نامت كل ذلك الوقت ولكنها كانت تشعر بإرهاق شديد ..
نهضت بتكاسل من على السرير وغسلت وجهها قبل أن تنزل إلى خيرية في المطبخ ..

ـ خيرية .. هل أحضر السائق المثلجات التي أوصيته بها ؟؟
ـ نعم .. ولكن مساء الخير أولا !

ابتسمت لها وأجابت وهي تشعر بالخجل :
ـ عذرا .. مساء الخير .. انت لا شك تتفهمينني .. لقد كنت حامل من قبل وابنتك أيضا كانت حامل ومن المؤكد كانت تنتابكم حالات كهذه
ـ ههههههههههههههههه .. نعم بالفعل .. حينما كنت حامل في ابنتي كنت أتوحم على الملوخية !!

ضحكت سارة وقد ارتاحت لأنها ليست الوحيدة التي يحدث معها ذلك ..
أخرجت خيرية لها علبة كبيرة من المثلجات بطعم الشيكولاتة .. بنفس النوع الذي أوصت به السائق .. وعلى الفور تناولته من يدها وتناولت ملعقة من جانبها ثم همت بالخروج من المطبخ .. ولكن خيرية استوقفتها حينما سألتها بسرعة :
ـ هل ستتناولينها كلها ؟!

فأجابتها وهي تكمل سيرها إلى الخارج :
ـ لا تخافي سأترك لك بعضا منها ..
ـ نعم .. ولكن ....

لم تستمع إلى باقي كلام خيرية حيث كانت قد انصرفت تاركة إياها في حيرتها ..

جلست في الصالة حيث يوجد التلفاز ولكنها لم تفتحه .. فقد جلست لتستمتع بطعم الشيكولاتة المثلجة ..
كانت تتناول ملعقة ثم تغمض عينيها وتجلس فترة وهي تتلذذ بالطعم في فمها .. لقد بدت وكأنها لم تتناول هذا الطعم من قبل في حياتها !

ظلت على هذه الحالة إلى أن أغمضت عينيها في مرة من المرات وعادت لتفتحها مرة أخرى فسمعت صوت الوليد يأتي من خلفها وهو يقول :
ـ لمياء انتي لا زلـ ....

توقف عن إكمال جملته ما إن رآها .. ثم تابع قائلا :
ـ عذرا .. ظننتك لمياء

هم لينصرف ولكن منظرها وهي جالسة متربعة على الكنبة وعلبة المثلجات الكبيرة في حضنها استوقفه ..
راح يتأملها قليلا مما جعل وجهها يحمر خجلا .. لم تكن تحب أن يأتي في ذلك الوقت ويفسد عليها متعتها ..

جلس الوليد على مسند الكنبة المجاورة لها وتكلم بسخريته التي أعتادتها :
ـ لا أحب أن أتدخل .. ولكن هل تلك طريقة جديدة لمعالجة الغثيان ؟!!

أشار بإصبعه إلى علبة المثلجات الكبيرة .. ثم تابع يقول بعدما لم تقل شيئا :
ـ أعرف أن المرأة تكون بحاجة إلى كميات أكبر من الغذاء حينما تكون حاملا لكي تغذي جنينها .. ولكن ..

هز رأسه باستهزاء ثم أكمل :
ـ لا أنصحك بتناول كل هذه العلبة .. على الأقل من أجل الطفل ..

نهض من مكانه وهم بالانصراف ولكنه توقف حينما سمعها تقول له بسخرية :
ـ اهاا .. جيد أنك لازلت تذكر أنني حامل .. ظننتك قد نسيت ذلك

ألتفت الوليد إليها وقد بدأ يقطب بحاجبه وهو لم يعجبه كلامها .. فتابعت تقول بنفس نبرة السخرية :
ـ ترى .. هل لازلت تذكر أيضا أنني حامل في ابنك ؟!

بدأ الغضب يظهر على ملامح الوليد .. ولكنه ظل مسيطرا على هدوئه وهو يقول لها :
ـ أنا لم أنسى .. صحيح أن ذلك واقع مرير أنا لم أكن أرغب فيه .. ولكنني مضطر للقبول به لأنه مامن حل آخر

أطلقت ضحكة مستهزئة بكلامه وقالت :
ـ واقع مرير ؟!! .. ولا ترغب فيه ؟!! .. أنت المسؤول الأول عن هذا الواقع الذي لا ترغب فيه

وهنا تكلم الوليد بحدة :
ـ لقد خططتي جيدا لك هذا .. ورغبتي بشدة في أن تنجبي طفلا مني .. ظنا منك أن هذا سيجعل زواجنا يستمر .. وهذا سيجعلك لا تخسرين حياة الرفاهية التي تعيشينها الآن .. ولكن لا تحلمي يا سارة .. لن يتحقق شئ من مخططاتك تلك

كانت تشتعل غضبا من انتهاماته تلك .. فوضعت علبة المثلجات التي كانت في يدها على الطاولة .. ونهضت من مكانها لكي تصرخ به .. ولكنها ما إن وقفت على رجليها حتى شعرت بالدوار .. وشعرت بالسواد يحيط بها .. وكادت أن تفقد توازنها ولكن الوليد تدارك حالتها فأسرع بالإمساك بها من الخلف ..

استمر الوليد محكما قبضته على خصرها .. أما هي فقد أسندت رأسها على كتفه .. مما جعلها تشعر بأنفاسه الدافئة .. ومضت لحظات قبل أن تسمعه يهمس لها بهدوء :
ـ تبدين مرهقة وتحتاجين إلى أن ترتاحي قليلا .. دعيني أساعدك للصعود إلى الغرفة .. فلا داعي لأن نتشاجر مجددا الآن .. فمهما قلتي لن يتغير شيئا من الحقيقة

لم تستطع أن تفرق هل يقول لها الوليد ذلك خوفا عليها أم لشعوره بالمسؤولية ..
ولكنها استجمعت قوتها بعد أن خف دوارها وابتعدت عنه وهي لا تزال غاضبة من اتهامه لها .. وراحت تقول له في حدة :
ـ نعم صحيح .. لقد رغبت في كل ذلك .. رغبت في أن أنجب طفلا منك حتى أتحمل مسؤوليته وحدي .. رغبت في أن أنجب طفلا سيحرم من والده .. أنا رغبت في جلب كل تلك المتاعب لنفسي

كانت تسخر من اتهاماته .. ولكن الوليد بالطبع لم يسكت بل قال لها وقد عادت الحدة لصوته من جديد :
ـ لا تلعبي دور الضحية هنا .. لا تلعبي دور المسكينة التي ستتحمل المتاعب .. انتي من خططتي لكل ذلك .. لقد خططتي لكل شئ في تلك الليلة .. وأصريتي على أن نتناول العشاء معا .. وبذلتي كل مافي وسعك لإغوائي .. هل تنكرين ذلك ؟؟

هزت رأسها غير مصدقة مايظنه فيها .. فدفعته بكلتا يديها على صدره وهي تهمس له :
ـ لقد جننت

همت لتنصرف من أمامه ولكنه أمسك بذراعيها وصرخ بها :
ـ وكيف تريديني أن أبقى عاقلا بعد كل ماحدث ؟!! .. إن كنت حقا صادقة فبرري لي سبب تشبثك في أن أتعشى معك في تلك الليلة

تنهدت بعمق ولم تجيبه .. فهزها بقوة وكرر سؤاله :
ـ لماذا أصريتي على أن نتعشى معا تلك الليلة ؟؟ .. لماذا ؟؟

نظرت في عينيه وتحدثت أخيرا قائلة :
ـ لأنني .. لأنني ...

بدأ قلبها يخفق بشدة .. كانت تريد أن تخبره بالحقيقة .. أرادت أن تقول له لأنها كانت تريد أن تتحسن علاقتهما ببعض .. لأنها تحبه .. عل ذلك يريحها ..

استمر ينظر في عينيها التي بدأت تلمع وكأنه يحاول أن يقرأ مايدور بداخلها ..
ـ لأنني ....

لم تستطع أن تكمل كلامها .. فقد انتبهت إلى صوت أقدام لمياء على الدرج .. فعرفت أنها حتى لو أرادت أن تصارحه بحبها فلن يكون هذا هو الوقت المناسب ..

خفف الوليد من قبضته على ذراعيها ما إن لاحظ هو أيضا قدوم لمياء .. فاستغلت الفرصة لتسحب ذراعيها من بين يديه .. وهمست له قبل أن تذهب وتتركه :
ـ أنت لن تفهم ...

سارت نحو السلم وقد قابلت لمياء في طريقها التي يبدو أنها لاحظت أن هناك أمرا ما حدث بينها وبين الوليد .. ولكنها لم تعترض طريقها بل اتجهت فورا إلى الوليد .. أما هي فقد أسرعت بالصعود إلى غرفتها ..

حينما دخلت الغرفة أغلقت الباب ورائها ثم اسندت ظهرها عليه .. ووضعت يديها على قلبها تتحسس نبضاته المتسارعة ..
هل حقا كانت تنوي أن تقول له أنها تحبه ؟!! .. لم يخطر ببالها قبل هذه اللحظة أن تفعل ذلك .. ولكنها الآن بدأت تفكر جديا في الأمر ..

ماذا إن صارحته ؟؟ .. هل سيكون ذلك سببا في أن يغير الوليد ظنونه فيها ؟؟ .. وهل إن تغيرت ظنونه تلك فسيحبها هو الآخر ؟!!

تنهدت بعمق وأنزلت يديها على بطنها وراحت تهمس :
ـ طفلي العزيز .. إن والدك لايرغب بك .. ولكنني أرغب فيك لأنك نعمة من الله .. ولأنه هو والدك !! .. وسأبذل كل مافي وسعي لأجعلك تحيا وتكبر بين والديك .. بين أب وأم متفاهمان وغير مطلقان ..................

عصفورالجنة 06-12-13 11:36 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:0041::welcome3:ابدعتى طموح ووعدتىووفيتى شكرا لكى انك نزلتى البارت وانتى مشغولة فى امتحاناتك

ريم السعودية 07-12-13 05:45 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ابدعتي ياطموح بانتظار البارت القادم

sara.B 08-12-13 06:09 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
_



ايش هذا يَ طموح ؟
وينكَ من زمان انتي و روايتك ؟
فجأه حصلتها وبسرعة كملتها معك مما انتبهت للنفسي وانا اقرى
العنوان شدني لاني من متابعين اهل الغرام زمان ("
صابني هوس فيهآ جمميلةة جداُ و لو ايش ما اتكلمت ما راح اوصل احساسي فيها لكِ .

* سارة :
قوي قلبكَ ي بنت واتركي على وليد الغبي هو واختهه ما جاكِ من وراهم الا الهمَ
انا اقول خليها لا تخرجت تدرس برى و كمان تتطلق وتاخذ رآمي :tongue:
احرقي قلب وليد عليها و خليه يعرف قيمتها .

* وليد :
اكرهه على عمايله في الكتكوتهه ساره , ي رجل هيا ناقصة يعني ؟!
ولا ردة فعله لما عرف انها حاملَ قههرني جاب ليّ الجلطةة , وقح ب اسلوبه معها ,
قال ايه انتي مخططة كذا , مو عارف انو قلبها يسيرها يمين وشمال بحبكَ الغبي ,
ان شاء الله تتشافى ساره منه وانت اجلس اتحسر عليها .

* سمر :
ي جمال الصداقة ي ختي , وعي صديقتك الهبلةة وخليها تترك احلامها الوردية معه على جنب
محد فاهم وليدوووه غيري وغيركَ , لا تتركين سارة مالها غيرك
وتستاهلين من يسمي على اسمك البيبي < مم تلمح لطموحَ .

# انا ب إذن الله متابعةة معك , بَ التوفيق .

طمووح 08-12-13 06:55 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
sara.B
من أجمل الردود إللي قرأتها على روايتي :Thanx:
شكرا كتييير على تشجيعك وياريت ماتحرمينا من تعليقاتك أبدا :8(1):
وبإذن الله يكون اللي جاي من الرواية أحلى وأحلى


عصفور الجنة & ريم السعودية
تسلملي هالردود الحلوة :361::361: ويارب دايما تكون الرواية عند حسن ظنكم


حبيت بس أنوه إني في الفترة الحالية مش هقدر أنزل بارتات جديدة :Sorry:
بس أنا أوعدكم بإذن الله أول ما تبدأ اجازة نص العام الدراسي راح أعوضكم …
بتمنى تقبلوا عذري وتستحملوا ظروفي :e412:

sara.B 09-12-13 09:05 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
_




حبيبتيّ انتي وانا قلت ردي مما يكفيَ اعجابي بكتابتك
عارفة كيف تخوننا الكلمات لماَ نكون محتاجينها ؟!
هذا وضعي بروايتك ..

# ب النسبةة للبارتات الله يكون معانا ويصبرنا لان الفاينال ع الابواب
بس مع ذا راح اطل ب استمرار ع الرواية * متى اجازة نص العام عندكم -لو فيه اختلاف بيننا- *


قلوب من هينا لعندكِ طموحَ , لا تطولي علينا ♥♥♥ . . .

مي الحطاب 10-12-13 03:16 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
عايزين سارة المرة القادمة تخبط ولييد باي حاجة تقابلها :D
لأنه مستغزززز

عصفورالجنة 10-12-13 03:44 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي الحطاب (المشاركة 3397280)
عايزين سارة المرة القادمة تخبط ولييد باي حاجة تقابلها :D
لأنه مستغزززز

انا مع رايك عزيزتى مى :Welcome Pills4:

اسرارالحزن 10-12-13 04:18 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
:0041:واااااااااااااااااااااااااااااااااااااو روايتك جميلة جدا منتظرينك حبيبتى تكمليها فى الاجازه

طمووح 13-12-13 05:06 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sara.B (المشاركة 3397122)
_

حبيبتيّ انتي وانا قلت ردي مما يكفيَ اعجابي بكتابتك
عارفة كيف تخوننا الكلمات لماَ نكون محتاجينها ؟!
هذا وضعي بروايتك ..

# ب النسبةة للبارتات الله يكون معانا ويصبرنا لان الفاينال ع الابواب
بس مع ذا راح اطل ب استمرار ع الرواية * متى اجازة نص العام عندكم -لو فيه اختلاف بيننا- *


قلوب من هينا لعندكِ طموحَ , لا تطولي علينا ♥♥♥ . . .


اجازة نص السنة عندنا ان شاء الله بعد شهر ..
الله يكون في عوننا جميعا وإن شاء الله يكون لنا عودة قريبة

:0041:

طمووح 13-12-13 05:30 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي الحطاب (المشاركة 3397280)
عايزين سارة المرة القادمة تخبط ولييد باي حاجة تقابلها :D
لأنه مستغزززز

هههههههههههههههههههههههه … هو من ناحية الاستفزاز هيكون فيه .. بس من غير ضرب :biggrin:

طمووح 13-12-13 05:31 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسرارالحزن (المشاركة 3397299)
:0041:واااااااااااااااااااااااااااااااااااااو روايتك جميلة جدا منتظرينك حبيبتى تكمليها فى الاجازه

أهلا بك عزيزتي … نورتي الرواية :flowers2:

مي الحطاب 17-12-13 10:50 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
لاااا مش معقولة كدة يا طمووح لازم يبقى فيه ضرب
سارة سلبية قوي و الكلام ده ماينفعش

أي كلمة تانية منه و أنا الي هاقومله بقى :D :D :D
بالتوفيق و ربنا معاك في مزاكرتك

ريم السعودية 01-01-14 07:15 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مساء الخير
اخبارك ياطموح اشتقنا للرواية وابطالها
لاطولي علينا خلصت الاختبارات
وبانتظارك تنورينا بارت طويـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل جدا

طمووح 06-01-14 03:15 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
أهليين عزيزتي ريم :)
والله أنا كمان مشتاقة لأيام كتابة البارتات ولتعليقاتكم الحلوة ..
أنا بإذن الله امتحاناتي راح تخلص يوم 22 - 1 بالتقويم الميلادي ..
دعواتكم ليا وإن شاء الله راح أروقكم بارتات طول الاجازة :)

مي الحطاب 15-01-14 10:28 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ياااااا مسهل :) :)
شدي حيلك بس كدة هانطلب بارت كل يوم :P

مي الحطاب 15-01-14 10:29 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ياااااا مسهل :) :)
شدي حيلك بس كدة هانطلب بارت كل يوم فالاجازة :P

طمووح 20-01-14 01:18 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ماتقلقوش والله هضبطكم في الاجازة :yjg04972:

ومش هتخلص الاجازة الا والرواية مكتملة عندكم بإذن الله

sara.B 21-01-14 02:16 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اشتقت للروايهه كثثثثثير واشتقت لسارونهه ووليد ، كيفك طموحح وككيف امتحانات ؟ متحمسه ب الممرهه للبارت وش بيصبرني ليين مما اشوفه نازل ؟؟ يلا حبيبتي تكتكي عليهه و كفخي وليد بطريقك < حاقده بقووه ، ننننتظرك'(

حسام بني ياسين 23-01-14 12:42 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
يلا هي اليوم 23 الشهر يعني بدنا فصل بلييييز

أرسلت من GT-I9082 بإستخدام تاباتلك

طمووح 25-01-14 01:51 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
غدا بإذن الله ( يوم السبت ) هنزل بارت جديد في الرواية

كان نفسي انزله الليلة بس مالحقتش أخلصه ..

أعذروني على التأخير ..

طمووح 25-01-14 06:00 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ



تسائلت عمن يطرق الباب في هذا الوقت .. فلم تكن الساعة قد تجاوزت السابعة صباحا بعد .. وأخيرا هتفت بصوت ناعس دون حتى أن تفتح عينيها :
ـ ادخل ...

ثم فتحت عينيها بتكاسل لترى وجه الداخل .. لتجد أنها خيرية

ـ صباح الخير سيدة سارة .. آمل أن لا أكون قد أزعجتك

ردت عليها وهي تتثائب :
ـ ما الأمر يا خيرية ؟!! .. لقد أقلقتني
ـ لا شئ مقلق .. أنا فقط أردت أن استأذنك انتي والسيد وليد في أن أقضي يومين مع ابنتي .. فأنا لم أرها منذ فترة وأشتاق إليها وإلى حفيدي باسم كثيرا وأريد قضاء بعض الوقت معهم .. بالطبع إن لم يكن لديك مانع
ـ لا أنا لا أمانع في ذلك .. ولكنني لا أعتقد أن لمياء ستوافق حتى لو وافق الوليد
ـ سيدة لمياء سترحل في عصر اليوم فلديها رحلة لمدة أسبوع ..

رفعت رأسها قليلا من فوق الوسادة وهي تحاول أن تستوعب ما قالته خيرية .. لقد نست تماما أن لمياء ستذهب في رحلة هذا الأسبوع ..

بدأ القلق ينتابها .. وتمنت لو أن ترفض إعطائها الأذن بالذهاب .. فهي لا تريد أن تقضي ليلتين مع الوليد بمفردها !!
ولكنها لو رفضت تكون بذلك قد ظلمت خيرية .. فما ذنبها هي لتحرمها من رؤية ابنتها .. إن فرصة كهذه لا تتوفر لها كثيرا .. فقليلا ماتتغيب لمياء عن البيت ..

في تلك اللحظة خرج الوليد من الحمام .. وقد انتبهت للتو بأنه لم يكن بجانبها ..
كان يمسك بالمنشفة ويجفف بها شعره .. وما إن انتبه إلى وجود خيرية حتى بادرته هي بالقول بصوت متلعثم :
ـ صباح الخير ..سيد وليد ..
ـ لا تأتين إلى هنا وفي هذا الوقت إلا لتطلبي أمرا ما .. ماذا لديك ؟؟

أخفضت خيرية رأسها في خجل وقالت :
ـ أنا كنت .. في الواقع .. أردت الذهاب إلى ابنتي الليلة .. والبقاء معها يومين .. فأسمح لي بذلك من فضلك
ـ انتي تعرفينني .. لا مانع عندي إطلاقا .. ولكن لمياء ...

قاطعته خيرية قبل أن يكمل جملته قائلة :
ـ تستافر عصر اليوم .. سيد وليد .. لا أظنك قد نسيت !!

توقف الوليد في مكانه وبدا عليه التجهم ما إن تذكر أن لمياء ستسافر اليوم .. أخذ يربت على جبينه وقد بدا مرتبكا هو الاخر ..

ثم تكلم أخيرا وقد بدا أنه سيعترض :
ـ نعم ولكن ...
ـ ليلتين فقط سيد وليد .. فقد ليلتين .. لقد اشتقت إليها كثيرا ..أرجوك أن لا تحرمني من رؤيتها ورؤية حفيدي ..

سادت لحظة من الصمت قبل أن يقول الوليد مستسلما :
ـ ليلة واحدة فقط .. ستقضين مع ابنتك ليلة واحدة .. تذهبين الليلة وتعودين في مساء الغد ..

قطبت خيرية بجبينها وهي لم يعجبها كلام الوليد .. فسألته في حيرة :
-ـ سيدي لا أفهم لماذا ؟؟ .. قلت للتو أنك لن تمانع .. والسيدة لمياء لن تكون هنا لمدة أسبوع .. أما عن سيدة سارة فقد أعطتني الموافقة .. فلماذا تشترط أن أقضي ليلة واحدة فقط مع ابنتي رغم أنه يمكنني قضاء ليلة أخرى معها ؟!!
ـ خيرية .. أنا أيضا احتاج إليك تماما كحاجة ابنتك لك .. قولي لي من سيحضر لي الفطور حينما تذهبين انتي ؟؟ .. من سيعد لي قهوتك اللذيذة ؟؟ .. قد اتحمل يوم ولكني لن أتحمل أكثر من ذلك

كان يحدثها بلطف وكأنه يحاول أن يخفف من انزعاجها .. مما أدهش سارة ..

ـ بالطبع انتي لا ترضين لسارة أن تعد هي الفطور بنفسها .. تعرفين أننا لا ينبغي أن نرهقها وهي حامل ..

بدا أن خيرية قد اقتنعت بما قاله الوليد .. فخف انزعاجها تدريجيا حتى ابتسمت اخيرا وقالت :
ـ حسنا .. ليلة واحدة ليست بالأمر السئ !

ثم شكرته وانصرفت ..
أما هي فقد كانت في حالة من الذهول وهي لا تصدق ما سمعته بأذنيها حينما تكلم الوليد عن عدم رغبته في إرهاقها ..
اعتدلت في جلستها على السرير وهي لا تزال تنظر إليه ..

ـ لا تحملقي في هكذا .. انتي تعرفين جيدا لما لا أريد أن تذهب خيرية .. ففكرة البقاء بمفردنا لا تروق لي .. لقد نجحتي في إغوائي مرة .. ولا أستبعد أن تكوني تخططين لذلك مرة أخرى .. ولكن أعدك بأنني لن أسمح لك بذلك هذه المرة ..

لم تعلق على كلامه بشئ .. لأنها لم تكن تمتلك القوة التي تمكنها من خوض مشادة كلامية معه ككل مرة .. فقد عاودها شعور الغثيان .. فتركته وتوجهت إلى الحمام .. وهي تفكر أن إهانات الوليد لها أصبحت تؤثر في نفسيتها أكثر من أي وقت مضى ..
ربما الحمل هو مايجعلها لا تقوى على مواجهته كما في السابق ...



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ



ـ ماذا إن صارحته ؟؟
ـ تصارحيه بماذا ؟!!!!
ـ بحبي له ..
ـ هل جننتي !!

هكذا قالت لها سمر بحدة ثم تابعت :
ـ أنا لا أعرف أين ذهبت كرامتك .. ألهذه الدرجة أعماكي الحب ؟؟ .. لا يكاد الوليد يفوت فرصة إلا ويهينك فيها وانتي تريدين أن تصارحينه بحبك ؟!!! .. على الأقل حافظي على ماتبقى لك من كبرياء !

كان كلامها جارحا جدا بالنسبة لها .. فأجابتها محاولة الدفاع عن نفسها :
ـ لو كنت واثقة من أنه يكرهني لما كنت لأفكر في أمرا كهذا .. ولكني إلى تلك اللحظة لا أعرف ما إن كان الوليد يكرهني حقا .. أم ...
ـ أم ماذا ؟ .. قوليها .. تظنين أنه يحبك ؟؟ .. لو كان يحبك ما كان لينزعج إلى هذه الدرجة لمجرد سماع خبر حملك ..
ـ أنا لا أقول أنه يحبني .. أنا فقط .. لا أعرف .. لا أجد تفسيرا لتصرفه هذا .. كما انني لا أجد تفسيرا للطفه معي في الفترة التي سبقت إخباره بحملي

سكتت منتظرة سماع تعليق سمرعلى كلامها .. ولكن سمر لم تقل شيئا .. فقط اكتفت بالنظر إليها بغضب .. فتابعت تقول :
ـ سمر أرجوكي افهميني .. لا أريد أن أقضي بقية حياتي نادمة على عدم مصارحتي له .. ربما اعترافي له بحبه سيغير الكثير .. وربما لا يتغير شئ .. ما المانع في أن أحاول ؟؟ .. لم يتبقى على الامتحانات سوى شهر .. أريد أن أعبر له عما بداخلي لأرتاح ..
ـ واهمة .. إن ظننتي أن اعترافك بحبك له سيريحك فانتي واهمة .. بل على العكس .. لن تجرأي أبدا على النظر إليه بعد فعلك هذا ..
ـ هذا أفضل من أن أحيا بقية عمري نادملة على شئ لم أفعله ..

تنهدت سمر يائسة منها وقد شعرت بأنه لا جدوى من الحديث .. فما برأسها ستنفذه مهما قالت هي لها ..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ



أمضت أغلب يومها مع سمر حيث قاما بالدراسة معا في الجامعة بعد انتهاء محاضراتهما .. وكثيرا ما كانت سمر تخرجها من شرودها الذي تكرر لأكثر من مرة .. ولكنها لما تسألها عن سببه .. لأنها تعرفه ..

كل ما كانت تحاول فعله هو أن تجذب انتبهاها للدراسة .. حتى أنها ـ وعلى غير عادتها ـ لم تفتح معها أي موضوع خارج الدراسة .. فلم يبقى الكثير على موعد الامتحانات .. وإذا استمرت بالتفكير في الوليد فلن يكون هذا من من مصلحتها .. ولن يساعدها ذلك على الحصول على التقدير المطلوب للبعثة ..

حين اقترب وقت المغرب ألحت عليها سمر للمجئ والمبيت معها هذه الليلة بعد أن عرفت أنها ستكون بمفردها مع الوليد .. وكادت أن توافق لولا أن اتاها اتصال من الوليد يخبرها فيه بأن المحامي سيأتي لمقابلتهم الليلة .. وأن عليها أن تكون بالبيت قبل الثامنة مساء !!

ـ حاولي أن تعتذري .. قولي له أي شئ ليأجلوا تلك المقابلة .. المهم أن لا تقضي الليلة معه بمفردك
ـ لا يمكنني أن أطلب من سيد مجيد تأجيل المقابلة .. لا عذر لدي أخبره به .. سيكون من غير اللائق أن أطلب منه عدم القدوم الليلة لأنني أريد المبيت معك !
ـ حسنا .. إذا بعد مقابلته اخرجي من البيت وتعالي إلي في السكن ..
ـ بوابات السكن الجامعي تغلق في الثامنة .. لن يسمحوا لي بالدخول بعد ذلك الوقت !

بدا أن كل الحلول قد سدت أمامها .. وما من شئ يمكنها فعله سوى الدعاء بأن تمر تلك الليلة بسلام ...

لم تبدل ملابسها حينما عادت إلى البيت .. وانتظرت قدوم المحامي مع الوليد .. كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف .. فتمددت على السرير وهي تشعر بالإرهاق ولا تقوى حتى على الدراسة ..

حينما فتحت عينيها كان الوليد يقف أمامها !! .. فنهضت مفزوعة من فوق السرير وسألته برعب :
ـ انت .. هنا ؟!! .. منذ متى وأنت هنا ؟؟
ـ مابك ؟؟ أنا لن آكلك !! .. ناديت عليك من الأسفل ولكن دون جدوى .. ألم أخبرك أن سيد مجيد سيأتي لمقابلتك الليلة ؟؟
ـ اه صحيح .. سيد مجيد .. كم الساعة ؟!!

نظرت إلى ساعة يدها فوجدتها تشير إلى الثامنة والربع .. لم تشعر أبدا بنفسها حينما غرقت في النوم ..

ـ هيا بسرعة .. ضبطي تلك التطرحة التي على رأسك وألحقي بنا في الأسفل .. ليس من اللائق أن نتركه بمفرده هكذا !!

قال لها ذلك قبل أن يتركها ويخرج من الغرفة .. أما هي فقد وقفت أمام المرآة تربط طرحتها التي كانت قد نزلت من فوق رأسها بالكامل ..

لم تمضي دقائق حتى لحقت هي الأخرى بالوليد .. كان يجلس هو والسيد مجيد في قاعة الاستقبال .. وما إن رآها المحامي حتى حياها قائلا :
ـ كيف حالك ابنتي سارة ؟ .. يبدو أنك كنتي نائمة .. أنا حقا أعتذر على إزعاجك
ـ لا .. لا عليك .. ليس من عادتي النوم في هذا الوقت ولكنني اليوم مرهقة قليلا .. أنا بخير الحمد لله
ـ لم نلتقي منذ أشهر .. سامحيني على تقصيري في السؤال عنك ولكنني كنت أحرص على معرفة أخبارك دائما من الوليد

انتبهت إلى الوليد الذي كان يشير لها بوجهه إلى القيام .. فلم تفهم مايقصده .. وراحت ترفع كتفها له مشيرة إلى أنها لا تفهم مايحاول أن يقوله لها !!

فتنحنح قبل أن يتكلم أخيرا موجها كلامه إلى سيد مجيد :
ـ ماذا تحب أن تشرب يا مجيد ؟
ـ لا شكرا .. أرجوكم لا تتعبوا أنفسكم .. اتيت لأن هناك بعض الأمور الهامة سأناقشها معكم بشأن الميراث ..
ـ لا .. هذا لا يمكن عليك أن تشرب شيئا ..

وهنا نهضت من مكانها وقد فهمت أخيرا ما كان يحاول الوليد أن يلمحه إليها .. وتكلمت قائلة :
ـ عليك أن تشرب شيئا .. هل أعد لك القهوة مع الوليد ؟؟

تنهد سيد مجيد مستسلما ورد قائلا :
ـ انتما عنيدين للغاية .. حسنا لا بأس سأشرب القهوة .. ولكن لا تتأخري من فضلك حتى لا يضيع الوقت دون أن اتمكن من الحديث فيما أتيت لأجله ..

وما هي إلا دقائق حتى خرجت إليهم بصينية وضعت عليها فناجين القهوة .. ثم جلست بجانب الوليد بعد أن قدمت القهوة إليهم وتناولت فنجانها ..

ـ لن أطيل عليك .. سأدخل في صلب الموضوع .. تعرفين طبعا أن ثلث تركة عمك قد أوصى بها إليك .. ولكنك لم تتمكني من الحصول على حصتك من الميراث بسبب الأزمة المالية التي كانت تمر بها الشركة .. أستطيع أن أخبرك أن كل شئ أصبح على مايرام الآن .. ويمكنك الحصول على أرباحك من أسهم الشركة

صعقت حينما أخبرها بمقدار أرباحها من الشركة حتى الآن .. وانعقد لسانها فلم تجد ما تقوله ..

أخذت ترتشف من قهوتها .. ولكنها شعرت بالغثيان من شدة مرارتها .. يا للهول .. لقد نسيت أن تضع السكر في القهوة !!!!
كيف لها أن تنسى أن الوليد والمحامي يشربان القهوة مضبوطة وليست سادة ..

شعرت بالإحراج الشديد منهم .. فكلاهما لم يعاود الشرب منها بعد أن تذوقاها من أول مرة .. ولكنها لم تجرأ على الأعتذار لهم عن هذا الخطأ ..

قطع الوليد الصمت الذي ساد بينهم حينما تكلم قائلا :
ـ بالنسبة لحصتك في البيت .. لا أعتقد أنك بحاجة إليها .. لذا أريد أن استغل وجود المحامي لنقوم باجرائات البيع .. سأدفع لك ما تطلبينه ..
ـ بيع ماذا ؟ .. ومن يبيع لمن ؟؟
ـ بيع حصتك في هذا البيت لي !
ـ ومن قال انني أريد البيع ؟؟
ـ ماذا تقصدين ؟!
ـ أقصد أنني لا أريد بيع حصتي في هذا البيت ..

بدا أن الوليد سيشتعل غضبا .. وأخذ يكز على أسنانه وهو يقول لها :
ـ ماذا ستستفيدين من الاحتفاظ بحصتك في البيت ؟؟ .. لن تستفيدي منه مادام ليس ملكا كاملا لك وحدك ؟!!

بدأ المحامي يتنحنح في توتر .. وقد اربكه حدة حوارهما معا رغم وجوده .. وهنا انتبه الوليد لذلك .. فتنهد بنفاذ صبر محاولا استعادة رباطة جأشه من جديد ..

فاستغلت هي ذلك وابتسمت لنفسها قبل أن تمسك ذراعه بلطف وانطلقت تقول له بدلال :
ـ وما الفرق بيني وبينك يا حبيبي ؟ .. إنها مجرد شكليات .. نحن متزوجان وعلينا أن لا نلتفت لمثل تلك الأمور التافهة .. لما تريد أن تشتري مني حصتي في البيت وأنا اساسا زوجتك .. وأملاكي هي أملاكك !

كادت أن تنفجر من الضحك حينما رأت وقع كلامها على الوليد الذي بدا مذهولا من طريقة كلامها لدرجة أنه لم يستطع أن يتفوه بكلمة ..
الأمر الذي شجعها على متابعة دورها .. فاقتربت منه ببطأ وتعلقت برقبته وراحت تطبع قبلة على خده وهي تقول له :
ـ مثل هذه الأمور لا يجب أن تعكر صفو حياتنا .. علينا أن لا ننشغل بأي شئ اخر في هذه الفترة سوى طفلنا ..

ـ طفلكم ؟!!!

هكذا هتف المحامي غير مصدقا ما سمعه .. فتكلمت وهي تتظاهر بالدهشة :
ـ ألم يخبرك الوليد بعد بأنني حامل ؟!

وقبل أن يتمكن الوليد من قول شئ أمسكت بيده بسرعة ووضعتها على بطنها وسألته :
ـ ماذا ياحبيبي ؟! .. هل يعقل أن لا تكون قد أخبرت سيد مجيد حتى هذه اللحظة بأننا سنرزق بطفل قريبا ؟؟

تمكن الوليد من ايجاد صوته اخيرا فقال متلعثما :
ـ أنا .. لا .. كنت ..كنت سأخبره

علق المحامي قائلا :
ـ لا بد من أنك كنت منشغلا للغاية حتى تنىسى إخباري بأمرا كهذا .. على أية حال ألف مبروووك .. أنا حقا سعيد من أجلكم

قال المحامي ذلك ثم نهض من مكانه قبل أن يتابع :
ـ لقد تأخر الوقت .. علي أن استأذن الآن مالم يكن هناك شيئا اخر تريدان مناقشته بشأن البيت
ـ مازال هناك .....

حاول الوليد أن يعترض ولكنها قاطعته بسرعة قائلة :
ـ لا أظن أن هناك شيئا اخر يستحق أن نناقشه .. أما بشأن البيت فأظن أننا قد تفاهمنا .. أليس كذلك يا حبيبي ؟؟

لم يتفوه الوليد بكلمة .. وعوضا عن ذلك نهض بدوره من مكانه ليقوم بتوصيل المحامي إلى الباب .. أما هي فقد ألقت عليه التحية ثم أسرعت بالصعود إلى غرفتها قبل أن يعود الوليد إليها ..

وبسرعة البرق أخذت تبدل ملابسها ثم أرتمت على السرير وسحبت الغطاء فوقها وهي تحاول أن تكتم ضحكاتها ..
وفي تلك اللحظة سمعت باب الغرفة وهو يفتح بالقوة مما جعلها ترتجف في مكانها ..

شعرت به وهو يسحب الغطاء من فوقها بعنف .. قبل أن يصرخ بها قائلا :
ـ هل يمكنني أن أفهم ما هذا الذي كنتي تفعلينه أمام المحامي ؟؟؟
ـ ماذا أنا لم أفعل شيئا !! .. أم أنك منزعج لأنه قد علم بأنني حامل ؟!! .. هل كنت تنوي أن تجعل هذا الأمر سرا ؟
ـ لا تدعي البراءة .. انتي تفهمين جيدا ما أقصده .. مالذي كنتي تحاولين اثباته ؟؟ .. جعلتنا نبدو وكأننا زوجين متفاهمين وكأننا ننوي الاستمرار في هذا الزواج !!
ـ وما الذي يزعجك في ذلك ؟؟ .. أنا لم أشأ أن تكون خلافاتنا واضحة للعلن .. على الأقل علينا أن نتظاهر أمامه بأننا متفاهمين
ـ وماذا بشأن البيت ؟ .. لقد جعلتني أبدو كالأحمق أمامه !! .. مالذي تخططين له بالظبط ؟؟
ـ أريد الاحتفاظ بحصتي في البيت .. ولا أنوي البيع

مسح الوليد وجهه بكلتا يديه علامة على نفاذ صبره .. ثم صرخ بها :
ـ لماذا ؟؟ .. سنتطلق في جميع الأحوال .. فما الذي تريدينه من هذا البيت بعد طلاقنا ؟؟
ـ أريد الاحتفاظ بتركة عمي .. وإن كان الأمر لا يعجبك فيمكنك أن تبيع أنت حصتك لي .. سأشتريها بالسعر الذي تطلبه حتى لو اضطررت لأن استدين ..

ركل الوليد السرير برجله مما جعلها تنتفض من مكانها .. ثم قال لها وهو يشتعل غضبا :
ـ إذا هذا ماتخططين إليه .. لقد رأيتي أنه لا أمل في أن أتراجع عن طلاقك فبدأتي البحث الآن عن خطط بديلة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من ميراث والدي .. انتي تحلمين .. لن تطولي من هذا الورث شيئا اخر ..

قال جملته تلك ثم أمسك ببيجامته وتوجه إلى خارج الغرفة صافعا الباب ورائه ..

لماذا تصرفت بتلك الطريقة أمام المحامي ؟! .. ولماذا ترفض أن تبيعه حصتها في المنزل رغم أنها متأكدة من أنها لن تستفيد منها إذا تطلقا بالفعل ؟!! .. هي لن تكون بحاجة إلى ذلك البيت .. ففي جميع الأحوال هي تنوي الابتعاث إلى الخارج لإكمال دراستها .. فلماذا تعمدت أن ترفض عرضه بالبيع ؟!!

ربما أرادت اغضابه .. ارادت استغلال حاجته إليها لكي تنتقم عن كل مرة أهانها فيها ..
إذا لقد نجحت بالفعل في اغضابه .. حتى أنها نجحت في أن تجعله يبيت الليلة في غرفة أخرى ..
ولكنها رغم ذلك لم تشعر بالسعادة .. حتى في انتصارها عليه تشعر بالهزيمة !!


لم تتمكن من النوم طوال الليل .. أخذت تفكر ما إن كانت الفرصة مناسبة لإخباره بحقيقة مشاعرها تجاهه .. إنها الفرصة الوحيدة أمامها .. عليها أن تستغل عدم تواجد لمياء وخيرية أثناء تناولهم الفطور غدا ..

راحت تفكر في الكلمات التي ستقولها له .. تريد أن توصل له مشاعرها بأقل عدد من الكلمات ..
بقيت على هذه الحال حتى آذان الفجر .. فنهضت أخيرا وصلت الفجر ثم توجهت إلى المطبخ .. ستعد فطورا لهما .. ليست واثقة ما إن كان الوليد سيقبل بمشاركتها الفطور الذي أعدته هي .. ولكنها على الأقل ستحاول ..

جهزت مائدة الطعام بأنواع الجبن التي يحبها الوليد .. وحمصت رقائق من الخبز الذي يتناوله كل يوم ..
بالطبع لن تتمكن من إعداد الفطائر الشهية التي تعدها خيرية .. ولن تتمكن من إتقان القهوة كما تتقنها هي ..
ولكنها بذلت ما تستطيعه لتجعل المائدة تبدو كاملة من كل شئ ..

صعدت إلى غرفتها من جديد ورتبت شعرها سريعا .. لم تبدل ملابسها .. بل بقيت بالشورت والتيشرت اللذان كانت تنام بهم ..

نظرت إلى الساعة فرأت أن الوقت لا يزال مبكرا لنزول الوليد .. فجلست على حافة السرير وراحت تعد الدقائق .. بدأ قلبها يخفق بشدة وهي تفكر أن مايفصلها عن مصارحة الوليد ليس سوى بعض الوقت ..

بعد مرور نصف ساعة تقريبا استجمعت قواها وقررت التوجه إلى غرفة الوليد ..
أخذت نفسا عميقا ثم طرقت بخفة على باب الغرفة التي قضى فيها ليلته .. مرت الثواني ثقيلة قبل أن تسمع صوته يأتي فاترا :
ـ ماذا تريدين ؟

فاجأها سؤاله .. فتلعثمت وهي تبحث عن إجابة مناسبة سريعا :
ـ أنا .. اه .. كنت اعدت الفطور .. فأحببت أن أخبرك بأن الـ ..

فتح باب الغرفة فجأة مما جعلها لا تتمكن من اكمال جملتها .. كان يقف أمامها بطوله الفارع .. ولا يفصلها عنه سوى بضعة خطوات .. رأته يرتدي بذلته استعدادا للخروج وهو يمسك بسترته في إحدى يديه ..

ـ صباح الخير !

هكذا قالت له من بين أنفاسها المتسارعة .. وعوضا عن أن يرد التحية قال لها :
ـ سأتناول فطوري في الشركة اليوم

قال ذلك ببرود ثم حاول المرور من جانبها .. ولكنها أمسكت ذراعه بلطف لتستوقفه .. ثم تنبهت لنفسها حينما رمقها بنظرة استنكار .. فتركت ذراعه على الفور وتكلمت قائلة :
ـ هي يمكنك انتظاري إذا ؟ .. أقصد أني سأبدل ملابسي بسرعة وآتي معك لكي توصلني إلى المستشفى في طريقك

لم يكن ذلك من ضمن مخططاتها .. ولكنها لم تشأ أن تضع استعدادها هباء .. ستحاول على الأقل أن تصارحه في الطريق وهو يوصلها ..

ولكنه رد عليها مخيبا آمالها قائلا :
ـ أنا مستعجل .. اطلبي من السائق أن يوصلك

انتابها احباط شديد ولكنها مع ذلك استوقفته مرة أخرى بقولها:
ـ هناك أمرا هاما أريد أن أحدثك به ..

وهنا التفت إليها الوليد بعد أن كان قد استدار لها وراح يتأمل بتعمق .. فراحت أنفاسها تتسارع ..

ـ لم يعد هناك شئ بيننا لنتحدث به

اعترضت على كلامه بصوت مرتجف :
ـ بل يوجد يا وليد أشياء كثيرة بيننا نتحدث عنها ..
ـ إذا كنت تقصدين الطفل .. فقد تحدثنا كثيرا عنه ولم يعد لدي ما أظفيفه .. أما عن طلاقنا فليس لدي وقتا الآن لنتحدث عن تفاصيله

استدار لها من جديد وتابع سيره قبل أن تتفوه هي بأي كلمة أخرى .. لم يكن الوليد مستعدا إطلاقا لسماع أي كلمة منها .. لذلك فضلت التراجع عما كانت تنوي عليه ..

استندت على سور السلم وأخذت تراقب خطواته وهو يسير باتجاه الباب الذي ما إن فتحه حتى تكون ظله الطويل من جديد .. مما حرك مشاعرها من جديد ..

ماذا لو لحقته الآن ؟!! .. ماذا لو توجهت إليه قبل أن يركب السيارة وألقت عليه ما تريد قوله ؟!! .. أخذت تقلب الفكرة في رأسها .. ثم قالت لنفسها " حسنا .. سأذهب إليه الآن وأقول له أنني قد أحببته .. وبعدها سأنصرف من أمامه بسرعة دون أن أترك له فرصة للتعقيب " !!

ستقولها له وليكن مايكون .. همت بهبوط السلم بسرعة لتلحق به .. ولكنها من شدة سرعتها تعثرت وكادت أن تقعد .. لولا أنها تسمكت بسور السلم على آخر لحظة ..

لقد كانت على وشك السقوط من فوق السلم !!.. وضعت يدها المرتجفة على قلبها وهي تحمد لله أنها لم تقع ..
ثم تابعت نزول السلم بسرعة مرة أخرى .. ولكنها بعد خطوتين تعثرت من جديد .. وخانتها قدماها هذه المرة فلم تتمكن من أن تتمسك بشئ ..
تدحرجت من فوق السلم وفي لمح البصر وجدت نفسها تصطدم بالأرض ..

ظلت ممتدة على الأرض بجوار السلم وهي تشعر بالعجز على تحريك جسمها .. حتى في صوتها شعرت بالعجز .. لم تتمكن من أن تصرخ لتطلب النجدة ..

أخذت تحلق في السقف وهي تشعر أن كل شئ يدور من حولها .. لم تكن تسمع شيئا سوى صوت أنفاسها المتباطئة .. وشيئا فشيئا بدأت تحس بطعم الدماء في فمها !!

هل تكون هذه نهايتها ؟!! .. فتحت فمها وفي محاولة يائسة منها حاولت أن تصرخ .. ولكنها عوضا عن ذلك وجدت نفسها تهمس باسمه في وهن شديد " الـ .. وليد "

ثم .. ولأول مرة في حياتها .. غابت عن الوعي ...............……………………………………………………...

شرقاوية عسل 25-01-14 07:14 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مساء الخير طموح

أهنؤك على روايتك الجميلة

لم تعجبني شخصية سارة مطلقة استغرب كيف طبيبة بهذا الغباء المستحكم

ثم كما يقولون احبابنا المصريين الثقل صنعة وهي لا تفهم هذا المثل مطلقاً

ننتظر البار الجديد بكل حب وشوق

ريم السعودية 25-01-14 07:23 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
لا لا لا ياطموح داخلة بقوة عقب عالغيبة نبغى بارت بكره مانقدر نتظر اكثر من كذا
سلمت الانامل التي خطت هذا الابداع
بانتظار ياغاليتي
محبتك ريم

طمووح 25-01-14 07:55 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شرقاوية عسل (المشاركة 3411868)
مساء الخير طموح

أهنؤك على روايتك الجميلة

لم تعجبني شخصية سارة مطلقة استغرب كيف طبيبة بهذا الغباء المستحكم

ثم كما يقولون احبابنا المصريين الثقل صنعة وهي لا تفهم هذا المثل مطلقاً

ننتظر البار الجديد بكل حب وشوق

:yjg04972::yjg04972:

مرحبا فيك كمتابعة جديدة للرواية

ممم .. ممكن تنظري إلى شخصية البطلة من زواية أخرى .. يعني فيه مثل كمان بنقوله إن الحب أعمى :cgE05050: يمكن لهذا السبب البطلة بتتصرف بعكس شخصيتها مع البطل .. الحب أعماها ..

صحيح إن الثقل صنعة بس المثل دا اللي طبقه هو البطل معاها .. وكان نتيجة لذلك ازدياد تعلقها به أكثر ..

دي مجرد وجهة نظري .. مش شرط تكون صح :yjg04972:

ونورتي الرواية يا عزيزتي

طمووح 25-01-14 08:01 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم السعودية (المشاركة 3411878)
لا لا لا ياطموح داخلة بقوة عقب عالغيبة نبغى بارت بكره مانقدر نتظر اكثر من كذا
سلمت الانامل التي خطت هذا الابداع
بانتظار ياغاليتي
محبتك ريم

تسلمي لي يا ريم :flowers2::flowers2:

إن شاء الله بس أخلص البارت الجديد راح انزله ..

هي الرواية 10 بارتات .. يعني باقي بارتين وتخلص الرواية .. تقريبا راح انزل البارتين على أربع مرات ..
للتنويه فقط :spinningemoticonmu8

حسام بني ياسين 25-01-14 09:26 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بس طولي البارتات بلييييز وفصل كتير حلو وبجنن

أرسلت من GT-I9082 بإستخدام تاباتلك

طمووح 27-01-14 08:07 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
( 9 )



أَلاَ حَبّذَا .. حَبّذَا .. حَبّذَا
...........................حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى

وَيَا حَبّذَا مَنْ سَقَانِي الجَوَى
...........................ونَبْضاً مِنَ الحُزْنِ مِنْهُ اغْتَذَى

غَـذَاهُ بِدَمْعٍ وقَلْبٍ بَكَى
...........................عَلَى غُصْنِ رُوحٍ تَبُثُ الشَذى

تَرَاءَى لِعَيْنِي سَنَا عَيْنِهِ
...........................وَهَلَّتْ عُيُـونِي: أَلاَ حَـبّذَا

تَمَلَّكَ مِنِّيْ سَلِيلُ الوِدَادْ
...........................وقَلْبـيْ تَبَنّاهُ واسْـتَحْوَذَا

حَبِيبٌ .. قَرِيبٌ لِنَبْضِيْ أنَا
...........................فَلَسْتُ لِـذَاكَ ولَسْتُ لِـذَا

سَقَانِي العَمَى عَنْ هَوَى غَيْرِهِ
...........................كَأَنْ بِعُيُونِ الفُـؤَادِ قَذَى

وَمَا خِفْتُ مِنْ وَصْلِهِ وَالرَدَى
...........................وَلا مِنْ عَذُولٍ رَمَى مَأخَذَا

وَمَا خِفتُ مِنْ غَدْرهِ إنّمَا
...........................تمنّيتُ حَتى بُكـاءِ الأَذَى

تَمَـادَيتُ فِي حُبّه بَعْدَمَا
...........................تغنّى الرَّحِيـلُ لَهُ هَـكَذا:

أَلاَ حَبّذَا .. حَبّذَا .. حَبّذَا
...........................حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى

بَكَاهُ فُؤَادِيْ وَلَيْلُ الهَوَى
...........................بَكَتهُ الأَمَانِي وشوقٌ هَذَى

وَضَاعَتْ دُرُوبِيْ وَضَيّعْتُهْ
...........................وخَطْوِ الفُؤادِ خُطاهُ احْتَذَى

تَظَـاهَرْتُ أَنّيْ تَنَاسَيْتُهُ
...........................وَأَنّ الحَنِينَ لهُ اُسْـتُنْفِذَا

فَغنّى فُؤَادِيْ وَنَادَى الهَوَى

أَلاَ حَبّذَا .. حَبّذَا .. حَبّذَا
...........................حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى


عمر ابن أبي ربيعة




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

ما كل تلك الضجة من حولها ؟!! ..
لماذا لا يكفون عن الحديث قليلا ؟!! .. أو على الأقل لما لا يخفضون صوتهم قليلا ؟!!
لما يصرخون هكذا وكأن الأمر بالنسبة لهم حياة أو موت ؟! ..
ومن يدري .. قد يكون الأمر هكذا بالفعل .. ولكن ما شأنها هي بذلك .. فليبتعدوا من حولها .. وليدعوها ترحل بسلام !!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ







أول مابدأت تشعر به هو تلك اليد الدافئة التي تربت على شعرها .. كان ذلك يشعرها بالأمان .. وتمنت أن تظل تلك اليد تربت عليها حتى تعاود النوم مرة أخرى .. ولكن لم يتحقق ما كانت تتمناه ..

ارتفعت فجأة تلك اليد من فوق رأسها .. مما جعلها تنزعج .. ففتحت عينيها مضطرة لتبدأ في استكشاف معالم ما حولها ..

أول ما لفت انتباهها هو ذلك الكيس المعلق فوقها والمملوء بالدم .. كانت تمتد منه أنبوبة لتتصل بيدها اليمنى .. ففهمت أنه يتم نقل دم إليها .. وفي نفس اليد أيضا كان كفها متصلا بأنبوبة أخرى تصلها بكيس يحتوي سائلا شفافا .. لابد من أنه مغذي .. لقد تعاملت مع تلك الأشياء كثيرا أثناء تدريبها في المستشفى ..

أشد ما كان يزعجها في كل ذلك هو أنبوبة الأكسجيت تلك المتصلة بأنفها .. حولت رأسها قليلا لناحية اليسار لترى مصدر الحديث الذي يأتي من تلك الجهة ..

فكانت تقف أمامها امرأة شابة غير محجبة .. عرفت من ملابسها أنها ممرضة .. كانت تتحدث مع شخص يقف أمامها .. لا ترى هي منه سوى ظهره .. ولكنها عرفت بحدسها أنه الوليد !

لم تكن تفهم شيئا مما يقولاه .. ربما لأنها لم تستعيد كامل تركيزها بعد .. ولكنها أحست بألم ينخر في رقبتها .. نتيجة للحركة البسيطة التي قامت بها حينما ألتفتت لهم ..

لم تستطع أن تكتم ألمها فتأوهت بصوت واهن .. وهنا خيم الصمت على الغرفة .. حيث أن الوليد والممرضة توقفوا فجأة عن الحديث ما إن سمعوا صوتها .. وقاموا بالاقتراب منها .. وما إن تبينوا من أن عينيها نصف مفتوحة حتى هتفت الممرضة بصوت مزعج :
ـ لا أصدق ..لقد استعادت وعيها

جثى الوليد على ركبتيه بجانب سريرها وقال بصوت بدا عليه التأثر :
ـ حمدا لله .. لقد افقتي أخيرا

تكلمت الممرضة بسرعة جعلتها لا تعي تماما ما تقوله .. ولكنها حينما اندفعت مسرعة إلى خارج الغرفة فهمت أنها ستذهب لإحضار الطبيب..
كانت تجد صعوبة في القيام بأي حركة .. فأخذت تعقد جابيها من شدة الصداع والألم الذي تشعر به في كل مكان في جسمها ..

فوجدت الوليد يسألها :
ـ هل انتي بخير ؟ .. هل تتألمين ؟؟

وبصعوبة تمكنت من الحديث .. فسألته بصوت أنهكه الألم وكأنها تهمس :
ـ أنا في المستشفى ؟؟
ـ نعم .. انت في المستشفى منذ يومين

كان صوته فرحا .. وكأنه ارتاح لسماع صوتها أخيرا ولم ينتبه للحيرة التي انتابتها من مضمون ما قاله .. وراودتها تساؤلات أكثر .. فتابعت تسأله :
ـ ولكن .. ما الذي حدث معي ؟؟

وهنا رأته يقطب في قلق وهو يسألها :
ـ انت لا تذكرين ماحدث معك ؟؟؟
ـ أنا .. أنا كنت .. كنت ...

كان يومأ لها برأسه محاولا تشجيعها على التذكر .. ولكنها قالت أخيرا :
ـ أنا لا أذكر سبب مجيئي إلى هنا !!

انزعجت كثيرا لعدم تذكرها شيئا مما قد حدث .. فابتسم لها الوليد ليطمئنها وقال لها :
ـ حسنا لا ترهقي نفسك بالتفكير في ذلك .. يبدو أنك قد وقعتي من فوق السلم أو ما شابه ذلك .. ولكن هذا لا يهم .. مايهم الآن هو أنك بخير

أقلقتها فكرة أن تكون قد وقعت من على السلم .. ووضعت يديها اليسرى بصعوبة على بطنها وأخذت تتحسسها في ذعر .. رغم الألم الذي شعرت به إلا أنها استمرت تتحسسها .. وبدأ يساروها الشك .. فماكانت تشعر به من قبل حينما تتحسس بطنها لم تعد تشعر به الآن .. لم تعد تشعر بذلك الارتفاع البسيط في بطنها ..

بدا أن الوليد فهم مايدور في ذهنها .. فنهض من فوق ركبتيه وقال لها بارتباك :
ـ سأذهب لأرى لماذا لم يأتي الطبيب بعد

هم لينصرف ولكنها استوقفته حينما سألته بصوت مرتجف :
ـ هل فقدت الجنين ؟؟

شعرت بالدموع قد أغرقت عيناها حتى قبل أن تسمع منه الاجابة .. ورأته يربت على جبينه بتوتر ثم قال لها بتلعثم :
ـ إنه فقط .. أقصد أنه .. أنه .......

كان يحاول جاهدا أن يجد مايقوله لها ..ولكنه توقف عن الكلام فجأة وكأنه قد شعر بأنها لاحظت أنه يحاول اختلاق كذبة .. وظل صامتا .. فسألته من جديد ولكن هذه المرة كانت تعرف الاجابة :
ـ هل فقدت الجنين .. ياوليد ؟؟؟

كان صوتها كالهمس .. ولولا أنه يقف ملاصقا لسريرها لما كان سمعها .. وأخيرا سمعته يجاوبها مستسلما :
ـ لقد كان حادثا قويا .. كنت في حالة سيئة جدا حينما أحضرتك إلى هنا .. عانيت من نزيف داخلي .. الأمر الذي تسبب في إجهاضك ...

كان وقع اخر كلمة نطقها كوقع السيف عليها .. شعرت بأن قلبها سيتمزق من الألم ..
أغمضت عينيها لتتهرب من رؤية واقعها المرير .. وشعرت بدموعها الحارة وهي تنهمر على خديها ..

راحت تجاهد نفسها لتتكلم وهي تقول له :
ـ لقد تحقق مرادك أخيرا ياوليد .. رحل الطفل الذي تسبب في تعاستك حتى قبل أن يولد .. ألم يكن هذا ماتريده ؟!

لم تستطع أن تفتح عينيها لترى وقع كلماتها عليه .. ولكنها سمعته يقول لها :
ـ سارة أرجوكي لا تقولي هذا ..

تجاهلت عبارته وتابعت تقول :
ـ لا بد من أنك سعيد الآن ..

لم تجد القوة لتقول أي شئ اخر بعد تلك الجملة .. فقد أنهكها الألم .. الألم الذي ينخزها من كل مكان في جسمها .. ولكن هذا الألم لا يساوي شيئا بجانب الألم الذي تشعر به في قلبها ..

لقد انتهى كل شئ كان يربطها بالوليد .. حتى طفلها منه .. مات قبل أن يولد !! .. أي حب هذا الذي يجعلها تتذوق كل ذلك الألم ؟!!

في تلك اللحظة تمنت بالفعل لو أنها رحلت هي أيضا مع طفلها .. ربما كان ذلك الخلاص الوحيد لها من كل ذلك الألم الذي تشعر به الآن ..
استمرت دموعها تنهمر بغزارة وبصمت ..

لم تعد تقوى على تحمل كل هذا .. ولم تكن تقوى حتى على أن تفتح عينيها لتستدرك مايحدث حولها .. ولكنها أدركت بحدسها أن الغرفة لم يعد فيها الوليد فقط .. وسمعت صوت رجلا يأتي من جانبها ويسألها :
ـ هل تشعرين بالألم سيدة سارة ؟ .. هل تحتاجين لمسكن ؟؟

ادركت أن هذا الصوت يعود للطبيب .. ولكنها تجاهلت سؤاله .. فهي لا تدري عن أي ألم تخبره .. ألمها الذي تشعر به في كل مكان في جسمها .. أم ألمها النفسي ..

وحينما لم يجد الطبيب منها ردا راح يسألها من جديد :
ـ سيدة سارة .. هل تسمعينني ؟؟

وعوضا عن أن تجيبه وجدت نفسها تهمس بعبارة مخنوقة :
ـ ليتني مت مع طفلي أنا أيضا ...

استمر الطبيب بالحديث ولكنه لم يعد يوجه كلامه لها .. وهي بدورها لم تفهم ما يقولونه من حولها .. ولكنها كانت تستطيع أن تميز بين أصواتهم .. لم يكن أحدهم يوجه لها أي كلمة بل كان الحديث يدور بينهم ..

بعد دقائق .. شعرت بأحدهم يمسك بيدها اليمنى .. ثم شعرت بسائل بدأ يجري في وريدها من خلال صمام المغذي .. وشعرت بتلك اليد الدافئة تربت على شعرها من جديد .. فأدركت هذه المرة أن تلك هي يد الوليد بلا شك ..
وشيئا فشيئا لم تعد تشعر بما يدور حولها …



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ



حينما فتحت عينيها مرة أخرى .. لم يكن هناك أحدا في الغرفة غيرها .. فأخذت تتأمل الغرفة لأول مرة .. وتسائلت عما إذا كانت هذه هي نفسها المستشفى التي تدرب فيها ..

فإذا كانت قد وقعت بالفعل في الفيلا فلا شك أنهم سيأتون بها إلى هنا .. لأن تلك هي أقرب مستشفى لهم ..
ولكن طراز الغرفة لم يكن من النوع الذي دخلته من قبل .. فلا يوجد سوى سرير واحد بالغرفة .. على عكس الغرفة الأخرى التي تضم سريرين .. كما إن هذا الكنب لم تراه في أي غرفة من قبل ..

قد تكون تلك بالفعل هي المستشفى التي تدرب فيها .. ولكنها في جناح خاص على أغلب الظن ..
كانت أنبوبة الأكسجين لا تزال متصلة بأنفها .. ولا يزال المغذي متصلا بيدها .. ولكن لم يكن هناك كيس دم كما في السابق ..

وهنا سمعت صوت باب الغرفة وهو يفتح .. ثم يقوم من دخل بإغلاقه ببطأ كي لا يزعجها .. وتبين لها أن الداخل هو الوليد .. الذي لاحظ بعد أن التلفت إليها أنها قد استيقظت .. فقال بنبرة مرحة :
ـ اها .. وأخيرا استيقظت الأميرة النائمة ..

ثم سحب كرسي وقربه من سريرها ليجلس عليه بالقرب منها وتابع يقول :
ـ لم أكن أعلم أنك تعشقين النوم إلى هذه الدرجة ..

انتابها الخجل من وصفه لها .. فسألته في محاولة منها لادراك الأمور من حولها :
ـ كم الساعة الآن ؟

نظر إلى ساعة يده قبل أن يجيبها :
ـ إنها الثانية بعد الظهر

فتابعت تسأله :
ـ وأي يوم نحن ؟؟
ـ اليوم هو الثلاثاء ..

كان يبتسم لها بلطف دون أن يسخر منها على غير عادته !! .. مما شجعها على أن تسأله أكثر :
ـ في أي يوم أتيت إلى هنا ؟؟
ـ انت هنا منذ يوم السبت .. ولكنك لم تستعيدي وعيك إلا في مساء الأمس .. آمل أنك تذكرين ذلك ..

وهنا وجدت نفسها تسأله في دهشة :
ـ هل بقيت غائبة عن الوعي طوال يومين ؟!!
ـ الحمد لله أنهما مجرد يومين .. أخبرنا الطبيب أنك في غيبوبة وأن الأمر قد يطول ..

قطبت بجبينها وهي تفكر أن وضعها كان بهذا السوء كله .. وهنا وجدته هو من يسألها :
ـ هل مازلتي لا تذكرين ماحدث معك ؟؟
ـ لا أذكر أي شئ

بدا عليها الانزعاج من ذلك .. فقال مخففا عنها :
ـ أخبرني الطبيب أن هذا طبيعي في مثل حالتك ..
ـ هل يمكنك أن تذكرني بآخر شئ حدث بيننا يوم السبت ؟

أجابها الوليد متفهما :
ـ كنا في الصباح .. وأخبرتني أنك قد أعددتي الفطور لأن خيرية كانت تقضي هذا اليوم مع ابنتها ..

سكت حينما رآها تومأ برأسها بالإيجاب وقالت :
ـ نعم نعم .. تذكرت ذلك الآن .. حتى أن خيرية كانت تريد أن تبقى مع ابنتها ليلتين ولكنك لم تأذن لها سوى بليلة واحدة ..
ـ هذا رائع .. وهل تذكرين أيضا أين كانت لمياء ؟؟

فقطبت من جديد قبل أن تسأله :
ـ ومن تكون لمياء ؟!!!

اتسعت عينا الوليد من سؤالها .. وبدا أنه قد صعق منه .. فأجابها بذهول :
ـ لمــ .. لمياء .. أختي لمياء ؟؟ .. هل يعقل أنك لا تذكرينها ؟!!!!!

أخذت تقلب الاسم في رأسها .. وراحت تفكر بصوت مرتفع :
ـ لمياء .. لمياء .. أختك لمياء .. لا يبدو الأمر غريبا علي .. ولكنني لازلت لا أذكرها !!

وهنا وجدت الوليد يخرج هاتفه من جيبه في ذعر ثم فتحه بسرعة ليريها صورة للمياء ..

ـ هاهي صورتها .. انتي تعرفينها جيدا !!

أطلقت شهقة دهشة قبل أن تقول له :
ـ تقصد تلك الفتاة المغرورة المتكبرة !! .. هي تكون أختك !! .. اها لقد تذكرتها ....

ظل الوليد يتأملها قليلا قبل أن ينفجر من الضحك .. راح يضحك طويلا حتى أن عينيه قد دمعتا من شدة الضحك ! .. ثم تكلم بصعوبة من بين ضحكاته وقال لها :
ـ هل تكرهين لمياء لتلك الدرجة التي تجعلك لا تريدين تذكرها .. هههههههههههههههههههههه .. لا أصدق كيف يحدث ذلك .. ههههه لو كنت في حالة تسمح لما كنت قد تغاضيت عن وصفك لأختي بالمغرورة والمتكبرة ..
ـ ومتغطرسة أيضا .. ماذا هل أنا مخطأة ؟!!
ـ حسنا .. سأتغاضى عن رأيك فيها .. المهم هو هل تذكرين أين كانت لمياء في ذلك اليوم ؟؟ .. ألا تذكرين أنها كانت في ....

قاطعته بسرعة قبل أن يكمل كلامه وقالت :
ـ رحلة .. كانت في رحلة .. وكنت أنا وأنت بمفردنا في البيت .. وكان لدي في صباح يوم السبت تدريبا في المستشفى ..

تكلم الوليد محاولا مساعدتها في التذكر أكثر :
ـ نعم حتى أنك طلبتي مني أن أوصلك في طريقي ولكني رفضت ذلك لأنني كنت في عجلة من أمري ..
ـ نعم تذكرت ذلك أيضا .. كل ما تقوله أتذكره .. ولكني لا أذكر ماحدث بالضبط بعد ذلك .. إن كنت قد وقعت من على السلم فلا بد من أنني كنت أنوي النزول إلى الأسفل .. ربما لتناول الفطور وربما للخروج ..

سكتت قليلا قبل أن تتابع:
ـ للأسف لا أتذكر تفاصيل ما حدث

بادلها بابتسامة وهو يقول لها :
ـ لا بأس .. يكفي أنك تذكرتي كل ما سبق .. مادفعني للحيرة وقتها هو أنك كان من المتفرض أن تبدلي ملابسك للخروج .. ولكني وجدتك بملابس النوم .. وأتسائل عن غرض نزولك قبل أن تبدلي ملابسك !!
ـ ربما كنت أنوي تناول الفطور أولا ثم تبديل ملابسي ..
ـ ربما ...
ـ ولكن كيف اكتشفتوا أمري ؟!! .. أعني أنك كنت قد خرجت إلى العمل فكيف علمت بتعرضي لأمر ما ؟؟

اختفت ابتسامته وقد بدا أنه تذكر أمرا مزعجا .. وأجابها قائلا :
ـ صديقتك سمر .. لقد اتصلت بي وقالت أنها قلقة عليك لأنك تأخرتي على التدريب .. كما أنك لا تجيبي على هاتفك ..

سكت قليلا ثم تابع :
ـ شعرت بالقلق أنا أيضا لأنه قبل خروجي من البيت كان واضحا أنك تنوين الذهاب إلى التدريب .. فقمت بالاتصال بهاتفك وبهاتف المنزل ولكني لم أجد ردا علي أيا منهما .. فاتصلت بالسائق الذي أخبرني بدوره أنك لم تخرجي أبدا من البيت وأنه لم يوصلك إلى أي مكان .. فطلبت منه أن يدق جرس البيت حتى يرى ما الأمر .. ولكنك لم تفتحي له أيضا .. ولم يشعر بأي حركة في الداخل !!

أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يقول :
ـ شعرت أن شيئا ما ليس على مايرام .. فخرجت من الشركة على الفور وعدت إلى الفيلا .. لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى وجدتك .. كنت ممدة بجانب السلم مباشرة وتغرقين في بركة من الدماء ...

كان يتكلم وهو خافضا رأسه ويتحاشى النظر إليها ولكنه بدا عابسا ومكتئبا .. فتسائلت عن مدى فظاعة المنظر ليتأثر الوليد إلى هذا الحد !!

سمعته يقول وكأنه يكلم نفسه :
ـ مضت أربع ساعات منذ أن خرجت في الصباح وحتى عدت كي أبحث عنك .. الأمر الذي جعلك تفقدين كميات كبيرة من الدماء ..

بدا شاردا .. ورغم تأثرها هي أيضا ما جرى معها إلا أنها شعرت بالشفقة عليه .. فقالت له محاولة التخفيف عنه :
ـ حسنا لقد انتهى كل ذلك ولا داعي لتذكره ..

حينما سمعها تقول ذلك تنبه لنفسه فرفع رأسه وعاود الابتسام لها من جديد وهو يقول :
ـ نعم لقد انهى كل هذا .. حمدا لله الذي نجاكي

أخذت تتأمله لأول مرة منذ أن استعادت وعيها .. كان شعره مبعثرا تماما ولم يهتم حتى بتصفيفه .. وأيضا كانت ازرار قميصه مفتوحة من الأعلى .. ولم يكن يرتدي ربطة عنقه ..

أما وجهه فقد بدا شاحبا جدا رغم ابتسامته التي كان يحاول أن يخفي بها إرهاقه .. ولاحظت أيضا تلك الهالات السوداء التي كانت تحت عينيه .. بدا لها أن سبب ذلك هو أنه لم ينم منذ أيام !!

هل حقا تأثر الوليد لما جرى لها إلى هذه الدرجة ؟!! .. ألم يكن منذ يومين فقط يتهرب من الفطور معها ومن توصيلها .. ويخبرها بأن لا شئ بينهم ليتحدثوا فيه ؟!! .. هل يعقل أن من يجلس أمامها الآن وكل اهتمامه منصب عليها هو نفسه من كان قبل ذلك غير مباليا بوجودها من عدمه ؟!!

ورغما عنها شعرت بمتعة لاهتماهه بها ..

رفعت يدها وحاولت أن تزيح عن أنفسها أنبوبة الأكسجين لترى كيف سيكون وضعها من دونها .. ولكن الوليد وقف فجأة وأمسك بيديها بسرعة وقال لها وقد بدا الخوف في عينيه :
ـ لا يا سارة .. لا تفعلي هذا ..

استغربت من رد فعله وقالت له محاولة أن تبين له موقفها :
ـ أنا أشعر بالانزعاج منها ..

أجابها وقد خفف من قبضته على يدها :
ـ قد تشعرين بالانزعاج أكثر من دونها !.. لقد قال الطبيب أن تنفسك لم ينتظم بعد لذلك انتي مضطرة لتحمل ازعاجها قليلا حتى تتحسن حالتك ..

وأخيرا ترك يدها وعاد للجلوس في مكانه .. فتسائلت عن سبب هذا التصرف معها .. كان من الممكن أن يحذرها من مكانه .. ولكنه تصرف كما لو أنها ستعارض تحذيره !! .. ولكن لما يتوقع منها أن تعارضه في فعل سيضرها ؟!

وللحظة تذكرت ما قالته حينما استعادت وعيها في المرة السابقة .. وشعرت بالخجل من نفسها .. فتكلمت وهي تتحاشى النظر إليه :
ـ أنا اعتذر على ما قلته لك حينما استفقت أول مرة .. لم أكن أعي تماما ما أقوله

كانت تعي كل كلمة قالتها له.. ولكنها تشعر بالخجل من نفسها .. لذلك تحاول أن تتبرأ مما قالته !!

ـ أنا لم اتمنى أن يحدث ذلك يا سارة .. انزعجت من فكرة أنك حامل بطفل لي .. ولكني ما كنت لأتمنى أن يصيبك أو يصيبه أي مكروه .. لو كنت قد خيرت بين بقاء الطفل .. وبين أن يحدث لك ما حدث لكنت قد اخترت بقاء الطفل بلا شك ..

لم تشك لحظة في صدق ما يقوله لها .. هي تعرف الوليد جيدا .. لم يكذب عليها أبدا .. حتى وإن كان يغضب كثيرا ولكنه لا يكذب ولا يجامل ..

فتحت فمها لتعلق على ماقاله ولكنها توقفت .. فقد تفاجأوا بمن يفتح الباب ويدخل الغرفة بسرعة .. كانت تلك هي سمر !
وما إن نظرت سمر إلى السرير ووجدتها هي الأخرى تنظر إليها حتى ركضت نحوها بسرعة وراحت تقبلها من كل مكان في وجهها .. وقد أغرقت عيناها بالدموع ..

وهنا اضطر الوليد للوقف من مكانه .. ووقف بعيدا عنهما مستندا على الحائط بجانبه ومكتفا ذراعيه .. وكأنه لا يريد أن يفوت ذلك المشهد عليه !!

هتفت سمر وهي تلهث من شدة انفعالها :
ـ حمدا لله .. حمدا لله أنك بخير .. حمدا لله أنك استعدتي وعيك .. كدت أمووت من دونك ..

قالت ذلك ثم جلست على حافة السرير ووضعت وجهها بين يديها ثم انفجرت في البكاء !

كانت سارة مذهولة من حالة سمر .. فلم تستطع أن تتفوه بكلمة .. وهنا تنحنح الوليد أخيرا وقال :
ـ حسنا .. سأخرج الآن وسأتي إليك في وقت لاحق

ما إن خرج حتى شعرت بأريحية أكثر في الحديث مع سمر .. فقالت لها وهي تحاول أن تكتم ضحكتها :
ـ سمر .. هل جننتي ؟!! .. تبكين كما لو أني قد مت .. ها أنا ذا أمامك حية أرزق !!

رفعت سمر وجهها الذي أحمر من شدة بكائها وقالت وهي تجهش :
ـ نـ .. نعم هذا صحيح .. انتي حية .. لم تموتي .. لم تموتي .. لقد أخفتني عليك

لاحظت سمر الضحكة التي كانت تحاول أن تكتمها هي .. فقالت لها وقد خف بكائها قليلا :
ـ لو لم تكوني مريضة .. لكان لي تصرف اخر معك الآن
ـ ههههههههههههه .. سمر انتي تعرفين كم أحبك كثيرا .. ولكني فقط دهشت من شدة انفعالك .. لم أكن أعلم أن وضعي أخافك إلى هذه الدرجة .. أنا حقا آسفة على ماتسببته لك من الخوف

وهنا اندفعت سمر تقص عليها ما حدث بحماسة وكأنها قد وجدت أخيرا من تحكي له ما بداخلها ..

ـ انتي لا تتصورين كم أخفتنا جميعا حينما أحضرك الوليد إلى المستشفى في وقت تدريبنا .. لقد كنت تنزفين .. وملابسك أغرقها الدم وملابس الوليد أيضا .. كانت حالتك سيئة جدا لدرجة أن قلبك قد توقف عن النبض واضطروا لاستخدام الصدمات الكهربائية ..

توقفت سمر عن الكلام وعادت للبكاء من جديد وهي تقول :
ـ أنا لا أصدق أنك كنت في هذه الحالة ..

أما هي فقد وضعت يديها على قلبها لتتحسس نبضاتها .. وراحت تفكر في خوف .. هل يعقل أنه توقف عن النبض !! .. لقد كانت على مشارف الموت ...

مضت دقائق حتى هدأت سمر عن البكاء .. فابتلعت ريقها وقالت :
ـ أدخلوكي إلى غرفة العمليات .. ولم أصدق حينما خرج الطبيب وأخبرنا أنك .......

توقفت عن الكلام وبدأت تراجع نفسها فيما قالته .. فبادرتها هي بالقول :
ـ أعلم بأنني خسرت الجنين ...
ـ أنا آسفة لذلك .. لا تعلمين كم بكيت حينما عرفت الخبر .. حزنت لأنني كنت أعلم كم يعني لك هذا الطفل .. ومن شدة حزني وقلقي عليك تشاجرت مع الوليد ...

اتسعت عيناها غير مصدقة وسألتها :
ـ مـ..ماذا ؟!!

اخفضت سمر رأسها من الخجل وقالت مبررة :
ـ قلقي عليك جعلني لا أفكر فيما أفعل .. ولا فيما أقول .. لقد اتهمت الوليد بأنه هو من تسبب لك في هذا .. وأنه فعل ذلك ليتخلص من الطفل ..

وضعت سارة يديها على رأسها وقالت :
ـ اه سمر .. لا تقولي أنك فعلتي ذلك معه ...
ـ بل فعلت ماهو الأسوأ أيضا .. فهددته بأنه إذا أصابك أي مكروه سأبلغ الشرطة عنه وأتهمه بأنه هو من حاول قتلك !!

ظلت سارة فاتحة فمها غير مصدقة .. وقد أحمر وجهها خجل وهي تتخيل كيف كان تفكير الوليد بهم حينما اتهمته سمر بشئ كهذا ..
راحت سمر تبرر لها ما فعلته وتقول :
ـ سامحيني .. ولكنني خفت عليك كثيرا .. وماكنت تقوليه لي عن شدة رفض الوليد لفكرة انجاب طفل منك جعلني أفكر به على أنه شخص شرير .. وأنه قد يقدم على خطوة كهذه .. ولكني شيئا فشئا شعرت بأني مخطأة فيما ظننته به .. لقد بقى معك الوقت كله طوال الليل والنهار ولم يفارقك لحظة .. وقد عرفت أيضا بأنه لا يذهب إلى العمل لأن أصدقائه كانوا يأتون إلى هنا ويسألوه عن وضعك ..

ـ ليتك فكرتي قليلا قبل أن تتهميه بشئ كهذا !
ـ علي أن أعترف بأنني أخطأت .. أنا عوضا عن ذلك ممتنة كثيرا له .. فلو لم يكن قد أخذ قلقي عليك على محمل الجد .. فالله وحده يعلم ما الذي كان سيحدث لك وقتها ..
ـ ولكن كيف عرفت رقم هاتفه ؟!!
ـ لقد اتصلت بهاتف الشركة .. كنت قد اخبرتني من قبل باسم شركة عمك .. فسألت على رقمها من الدليل .. ودلوني عليه ..

لقد اكتملت لديها صورة ما حدث معها .. ولكنها مع ذلك لازالت لا تذكر تفاصيل ماجرى وقت وقوعها .. ولا تتذكر سبب وقوعها أيضا ..

تكلمت أخيرا محاولة تغيير مجرى الحديث :
ـ كيف حال الدراسة معك ؟؟.. لا شك أنه سيفوتني الكثير ..
ـ لا تقلقي بشأن ذلك أبدا .. فقط تعافي وسأعوض لك كل ما فاتك .. في الحقيقة أنا نفسي فاتتني بعض المحاضرات
ـ لما ؟؟ لا تقولي بأنك تغيبتي عن المحاضرات بسببي ؟!!
ـ بلى لم أتغيب .. كنت أحضر ولكنني كنت شاردة ومكتئبة .. حتى أنني في احدى المحاضرات انفجرت في البكاء .. فأوقف الدكتور الشرح وأعطاني إذنا بالخروج لاستنشاق الهواء .. وأخبرني بأنه لن يعتبرني غياب !!
ـ هههههههههههه .. ألا تشعرين بالخجل أبدا من تصرفاتك تلك ؟!
ـ حينما أكون حزينة فلا تحاسبيني على حماقة أفعالي ..

لم يسبق لها من قبل وأن رأت سمر تبكي هكذا مثل اليوم .. فهي من النوع الذي لا يبكي بسهولة .. شعرت بالأسف لأنها أخافتها من غير قصد منها إلى هذا الحد ..

ـ هل تعلمين من هو الطبيب المسؤول عن حالتك ؟؟

هكذا سألتها سمر .. فأشارت لها بالنفي

ـ إنه ذاك الطبيب الذي كان يدربنا في بداية العام الدراسي
ـ لا تقولي أنك تقصدين دكتور مصطفى ؟!!

أومأت لها سمر بالإيجاب .. فوضعت وجهها بين يديها من شدة الخجل وقالت باعتراض :
ـ لاااااا .. لا يمكن أن يحدث هذا معي
ـ انت في وضع لا يحسد عليه

لقد كان دكتور مصطفى رجلا كبيرا في السن وكان سريع الغضب مع المتدربين .. وقد ارتكبت في مدة تدريبها معه أخطاء لا تحصى .. لهذا تشعر بالإحراج الشديد من أن يكون هو نفسه من يعالجها الآن ..

ـ علي الذهاب الآن .. فوقت الزيارة قد أوشك على الانتهاء

أخرجها صوت سمر من أفكارها .. فتكلمت قائلة :
ـ حسنا .. لا بد من أن لديك الكثير من الدارسة
ـ لا تشغلي بالك بالدراسة أبدا خصوصا في هذه الأيام .. وإلا بقيتي مريضة وتأخر شفاؤك

ضحكت من تعليق سمر هذا وهي توافقها الرأي تماما ..
ودعتها سمر وأخبرتها بأنها ستعاود زيارتها كل يوم في وقت الزيارة .. وبعد خروجها راحت تنتظر الوليد أن يأتي .. ولكنها كانت قد بدأت الشعور بالنعاس .. إلا أنها راحت تقاوم النوم .. فما زال الوقت باكرا وهي لا تريد أن يدخل الوليد فيجدها قد عاودت النوم من جديد وبهذه السرعة ..

بقيت تقاوم النوم ولكنها ما إن أغمضت عينيها حتى عجزت عن فتحهما مرة أخرى .. وغرقت في نوم عميق ……………………………….

حسام بني ياسين 27-01-14 08:40 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بارت حلو بس قصيييييييييير بدنا كمان

أرسلت من GT-I9082 بإستخدام تاباتلك

مي الحطاب 27-01-14 11:18 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكراااا على الجزء الجديد
و مبروك الاجازة :D
بس شوفولكو حل مع سارة ،،،،، هاتشلنييييييي
سيبوني بس شوية مع وليد و أنا هاعرف اتصرف معاه :D :D :D
في انتظار الجزء الجديد

برونز 28-01-14 08:30 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ايش هـ البارت الروووووووووعه ي طموح 😚 يعطيك العافيه ي رب
بس تكفين غيري شخصية ساره وطولي بالبارت شوييتين.☺️وكم باقي جزء ع الروايه

ريم السعودية 29-01-14 10:22 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مساء الخير
بارت رائع بكل معنى لكلمة
سلمت الانامل ياغاليتي
بانتظارك في البارت القادم

moogah 29-01-14 11:37 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بارت رائع
وليد هل صحا من غفلته او هو ندم وضمير معذب لاحساسه بالذنب تجاه ساره

ساره هل ستترك حبها وترحل بعد فقدها للطفل الذى كان سيربطها بالوليد

طمووح 30-01-14 12:51 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكرا كتييير على ردودكم .. حاليا قاعدة أكتب في باقي البارت وهحاول انزله على بكرا بإذن الله :yjg04972:

طمووح 30-01-14 10:33 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 

وأسألُ نَفسي :
لِماذا أُحبُّكِ رَغمَ اعتِرافي
بأنَّ هَوانا مُحالٌ .. مُحالْ ؟

ورَغمَ اعتِرافي بأنَّكِ وَهمٌ
وأنكِ صُبحٌ سَريعُ الزَّوالْ

ورغمَ اعترافي بأنكِ طَيفٌ
وأنكِ في العِشقِ بعضُ الخَيالْ

ورغمَ اعتِرافي بأنكِ حُلمٌ
أُطارِدُ فيهِ ..
وليسَ يُطالْ !!

وأسألُ نفسي لماذا أحبُّكْ
إذا كنتِ شيئًا بعيدَ المنالْ
لماذا أحبُّكِ في كلِّ حالْ ؟!!

لماذا أُحبكِ أنهارَ شَوقٍ
وواحاتِ عِشقٍ
نَمَتْ في عُروقي وأضحَتْ ظِلالْ

وأسألُ نَفسي كثيرًا . كثيرًا
وحينَ أجَبتُ
وَجدتُ الإجابةَ نَفسَ السؤالْ
لِماذا " أُحبُّكْ ؟! "



عبد العزيز جويدة



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كان الضوء خافتا في الغرفة حينما فتحت عينيها .. ومصدر هذا الضوء الخافت هو المصباح الذي بجانبها .. أما ضوء الغرفة نفسه فكان مغلقا ..
لم تعد ترى أي شعاع ينبعث من النافذة التي في زواية الغرفة .. فعرفت أنهم في وقت ما من الليل .. وانزعجت لأنها لا تمتلك أي مصدر لتعرف منه الساعة في هذا الوقت ...

ألتفتت إلى جانبها ففوجئت بالوليد يجلس على الكنبة التي بالغرفة وغارقا في النوم .. كان رأسه مستندا إلى الوراء وذراعيه مكتفتين .. بدا أنه بحاجة ماسة إلى أن يرتاح قليلا ..

راحت تفكر في كل ما قالته لها سمر .. لم تستطع إلى الآن أن تستوعب أن كل ذلك قد حدث معها .. كان الأمر أشبه بأنها تستمع إلى قصة فيلم ما أو أن شخصا آخر هو من جرى معه كل ذلك وليست هي ..

لقد فاتها الكثير في هذين اليومين كما أنه قد تغير فيهما الكثير أيضا .. لازالت منزعجة لأن جزء ما في حياتها مظلم ولا تستطيع تذكر أي شئ عنه .. لا تتذكر تافصيل ماحدث معها وتسبب في وصولها إلى هذه الحالة وهذا المكان ..

ظلت تتأمل الوليد وهي تتسائل .. هل كل هذا الاهتمام بها فقط لأنه يشعر بالمسؤولية تجاهها ؟!! .. بما أنها كانت حامل في طفله أيضا !
أم لربما هو يهتم لأمرها فعلا .. هل كانت على صواب حينما ظنت من قبل في وقت ما أنه يحبها ؟!!

نفضت تلك الأفكار من رأسها وأخذت تحذر نفسها .. لقد أظهر لها الوليد اهتمامه من قبل ولكن كل ذلك اختفى بمجرد أن أخبرته بحملها .. عليها أن لا تقع في نفس الفخ مرة أخرى ..
كيف لها أن تأمن له بعد كل ماحدث ؟!! .. ألا يكفي ماحدث لها حتى الآن ؟!!

منذ يومين فقط كانت تنتظر أول مولود لها بفارغ الصبر .. واليوم هي تتحسر على فقدانه .. لقد أجهضت في أول طفل لها في حياتها !!
شعرت بدموعها تنهمر من جديد وهي تفكر في الحالة المزرية التي وصلت لها ..

ألم يكن هو السبب في كل ذلك ؟!! .. لم إذا لا زالت تهتم لمعرفة حقيقة مشاعره تجاهها ؟!!
ولكنها رغم كل ذلك اعترفت لنفسها بأنه لولا وجوده بجانبها الآن .. لكانت لازالت تتمنى لو أنها ماتت هي الأخرى مع طفلها !!!
هو سبب معاناتها وسبب تشبثها بالحياة في الوقت نفسه !!

سمعت صوت باب الغرفة وهو يفتح مما جعل الوليد يستيقظ على تلك الحركة .. فراحت تجفف دموعها بسرعة راجية من الله أن لا يلاحظ أنها كانت تبكي ..

ـ مساء الخير

كانت تلك هي الممرضة .. فبادلتها التحية .. أما الوليد فراح يمسح وجهه بيديه وهو يحاول أن يستفيق جيدا ..
اقتربت منها الممرضة وسألتها بابتسامة :
ـ كيف تشعرين ؟

بادلتها الابتسامة وأخبرتها أنها بخير .. آملة أن لا تلاحظ اكتئابها ..
راحت الممرضة تقيس درجة حرارتها وهنا نهض الوليد من مكانه واقترب منهما .. وحينما أصبح بجانب سريرها ظل فترة صامتا .. فشعرت بأنه يتأمل وجهها .. وأنه قد لاحظ آثار بكائها .. رغم محاولاتها في أن تبدو طبيعية ..

ارتاحت حينما لم يعلق بشئ .. وعوضا عن ذلك وجدته يسأل الممرضة عن درجة حرارتها .. فأجابته :
ـ 38 درجة .. درجة الحرارة الطبيعية هي أقل من ذلك بدرجة واحدة .. ولكن لا شئ يستدعي القلق ..

قامت بعد ذلك بتبديل كيس المغذي الذي بدا شبه فارغا بآخر ممتلأ .. ومن ثم قالت موجهة كلامها إلى الوليد :
ـ يمكنك يا سيد وليد أن تذهب إلى البيت وترتاح هذه الليلة .. لا داعي للقلق نحن نعتني بها جيدا

ألتفتت إليها قبل أن تتابع قائلة :
ـ ألا توافقيني الرأي سيدة سارة ؟!

انزعجت من اقتراحها كثيرا وخشيت أن يوافقها الوليد ويرحل .. فوجدت نفسها رغما عنها تمسك بقبضة يده عوضا عن أن تجيبها .. تمسكها ببقائه وعدم جرئتها على البوح بذلك جعلها تبدي ردة الفعل الصامتة هذه ..

لم يتأخر الوليد في الرد حينما أجابها قائلا :
ـ أنا واثق من اعتنائكم بها جيدا .. ولكنني أفضل البقاء هنا مع زوجتي .. وإذا كنت تتحدثين عن الراحة فهذه الكنبة تقوم بالواجب ..

ارتاحت كثيرا من رده .. فبدأت تخفف من قبضتها على يده ومن ثم تركتها .. ولكنه استمر ممسكا بيدها رغم ذلك !

لم يطل بقاء الممرضة في الغرفة .. فما إن انتهت من تركيب المحلول حتى تمنت لهم الشفاء ومن ثم انصرفت ..

وحينها التفتت إلى الوليد وسألته :
ـ كم الساعة الآن ؟؟
ـ إنها الثامنة مساء
ـ حينما خرجت من عندي وقت قدوم سمر لزيارتي .. لما لم تعد بعدها ؟
ـ بلى..عدت بعد دقائق من خروج سمر من عندك .. ولكنك كنت سبقتني إلى النوم

سادت فترة من الصمت بينهم .. سحب خلاله كرسي ووضعه بجانبها ثم جلس عليه .. ومن ثم تكلم أخيرا :
ـ انت محظوظة لأنه لديك صديقة مثر سمر .. كان من الممكن أن تتجاهل تأخرك في ذلك اليوم .. ولكنها لم تفعل !
ـ سمر تكون صديقتي منذ أول عام لي في الجامعة .. وكنا نتشارك غرفة واحدة حينما كنت في السكن الجامعي .. إنها من الأشخاص النادرين الذين وهبتهم لي الحياة ..
ـ نعم تبدو مخلصة جدا لك ..لم تفوت يوم إلا وأتت لزيارتك فيه ..

توقف عن الكلام .. فبدأ التوتر ينتابها لأنها ظنت أنه سيحدثها عما فعلته سمر معه وعن اتهامها له بأنه حاول قتلها !! .. ولكنه فاجأها بأنه لم يفعل .. ولم يقل شيئا في هذا الأمر ..

فقط اكتفى بإبداء إعجابه بإخلاصها له ..
وهي بدورها تظاهرت بأنها لا تعلم شيئا عن هذا الأمر .. لأنه لو فتح الموضوع معها فستموت خجلا ..
لا شك أنه لاحظ أنها كانت تحكي الكثير من أمورهما الشخصية لسمر.. وتسائلت ما إذا كان ذلك قد أغضبه أم لا ؟!!

لم يطل حديث الوليد معها .. فما هي إلا دقائق حتى وجدته ينهض من جانبها بعد أن طلب منها أن تعاود النوم .. ومن ثم تمدد هو على الكنبة وسريعا ما خلد إلى النوم .. أما هي فلم تستطع النوم أبدا .. وظلت تتقلب طوال الليل .. كان الألم قد عاد يساورها في أنحاء جسمها كلها .. وخاصة في بطنها ..

فكرت ما إذا كان المغذي السابق يحتوي على مسكن لهذا لم تكن تشعر بالألم .. أما بعد أن بدلته فلم تضع لها مسكنا !! .. ربما كان عليها أن تطلب منها ذلك بنفسها ..

أكثر من مرة كانت ستهم بإيقاظ الوليد ليطلب من الممرضة إعطائها شيئا يسكن ألمها .. ولكنها كانت تتراجع .. فقد بدا غارقا في النوم ولم تحب إزعاجه ..

بقيت على هذا الحال طوال الليل .. كانت تغفو بعض الوقت ومن ثم تستيقظ من جديد .. وهكذا إلى أن رأت ضوء النهار يتسلل عبر النافذة .. وحينها غفت مرة أخرى .. ولكنه كان مناما مزعجا ..

حلمت فيه بأنها تهوي من فوق السلم وشعرت بأن قلبها يهوي أيضا معها .. حتى اصطدم جبينها بالأرض بقوة .. فانتفضت من مكانها وفتحت عينيها مفزوعة ..

فلاحظت يد الوليد الموضوعة على جبينها .. ولكنه ما إن رآها تنتفض حتى قال لها مطمئنا :
ـ لا تخافي .. يبدو أنك كنت ترين مناما مزعجا .. لذلك حاولت ايقاظك ..

ابتلعت ريقها وقالت له وهي تلهث وتتصبب عرقا :
ـ أريد أن أشرب .. أشعر بالظمأ الشديد

وعلى الفور وجدته يضغط على زر ما في سريرها فارتفع الجزء الأعلى منه قليلا ليجعلها في وضعية الجلوس .. ومن ثم تناول كأس به ماء من جانبها وبقي ممسكا به وهي تشرب ..

وحينما أعاده إلى مكانه لاحظت أن هناك ساعة صغيرة قد وضعت بجانبها .. فابتسمت لذلك وقالت له وهي تشير إليها :
ـ لابد وأنك من قمت بوضعها .. أنا حقا ممتنة لك

بادلها الوليد الابتسامة وسألها :
ـ هل انتي بخير ؟؟ لم تكفي عن التألم طوال نومك
ـ نعم أظن أني بخير الآن ..

لم تحب أن تبدأ في الشكوى له وأن تشغل باله بمعاناتها طوال الليل .. لذا اكتفت بهذا الرد .. ولكنها ما إن رأته يقرب صينية عليها وجبة فطور لها حتى بدأت ندمت على عدم قولها الحقيقة .. وقالت له معترضة :
ـ لا مستحييل .. لا يمكنني أن آكل شيئا
ـ ولم لا ؟!! .. سأساعدك كي تأكلي .. فلابد أن تأكلي شيئا .. لا خيار آخر أمامك ..
ـ وليد صدقني لا أستطيع .. ينتابني الغثيان بمجرد أن أشتم رائحة الطعام .. جسمي كله يؤلمني وخاصة معدتي.. عانيت بسببها طوال الليل ولم أتمكن من النوم جيدا ..

عقد الوليد حاجبية عابسا وهو يقول لها :
ـ لم تنامي طوال الليل !! .. لما لم توقظيني إذا ؟!! .. وكيف لم تعطيكي الممرضة أية مسكن حينما دخلت في الليل ؟!!

لم تجيبه بشئ .. فقد شعرت بالخوف بعد أن بدا عليه الغضب .. فتركها وخرج من الغرفة .. ثم بعد عدة دقائق وجدته يعود من جديد ولكنه بدا أكثر هدوءا ..حتى أنه ابتسم لها ليزيل الوجوم الذي بدا على وجهها وقال لها :
ـ ستأتي الممرضة في الحال .. طلبت منها أن تعطيكي شيئا يخفف آلامك ..

سكت قليلا قبل أن يتابع :
ـ ولكن هذا لن يعفيكي من الأكل .. قال الطبيب أن عليك أن تبدأي في أكل شئ اليوم

علقت على كلامه متأففة :
ـ قال اليوم .. هذا لا يعني الآن وفي تلك اللحظة بالضرورة !
ـ حسنا سيأتي ليتفحصك الآن وسنسأله على أية حال

اتسعت عيناها وهي تسمع جملته الأخيرة .. وسألته بارتاك :
ـ من ؟!! .. تقصد دكتور مصطفى ؟!
ـ نعم .. هذا من أقصده .. يبدوأن صديقتك سمر قد أخبرتك إذا !
ـ دكتور مصطفى سيأتي الآن ؟!!
ـ لما كل تلك الدهشة ؟! .. نعم سيأتي الآن تماما ككل يوم .. ولكن هذه هي المرة الأولى التي تكوني مستيقظة فيها في هذا الوقت

تمنت في تلك اللحظة لو أنها بقيت نائمة وأنها لم تستيقظ الآن حتى تتجنب مقابلته .. ولكن لا جدوى من ذلك .. هو الطبيب المسؤول عن حالتها وعاجلا أم آجلا ستراه ..

ـ يا إلهي ..

هكذا قالت بتوتر ..مما جعل الوليد يكتم ضحكته وهو يسألها :
ـ ألهذه الدرجة انت تخشين مواجهته ؟!!
ـ أنت لا تعرف ماكم الحماقات التي أرتكبتها حينما كنت أتدرب معه
ـ ومن قال لك أني لا أعرف ؟!!
ـ ماذا تقصد ؟!! هل أخبرك بشئ ما عني ؟!!!!
ـ حسنا لا داعي لكل ذلك الرعب .. انتي مريضته الآن ولست متدربة لديه لذا لا تشغلي بالك ..

إذا هو يعرف ولو القليل عما كانت ترتكبه في تدريبها ..هذا واضحا جدا .. لابد وأن دكتور مصطفى هو من أخبره

ازداد توترها وارتباكها أكثر .. ووجدت نفسها تقول له :
ـ أريد طرحة كي أغطي شعري بها ..

بدا متفاجأ من طلبها .. وأخذ يلتفت حواليه وكأنه يحاول أن يجد لها شيئا تضعه على رأسه .. ولكنه قال أخيرا :
ـ في الوقت الحالي لا يوجد شئ تضعيه على رأسك .. ولكني حينما أعود إلى المنزل لأبدل ملابسي سأحضر لك احدى طرحك من هناك ..
ـ لااااااا .. لايمكن هل سيراني بشعري ؟!!
ـ أنا لا أريد أن أصدمك .. ولكنها ليست المرة الأولى التي يراكي فيها بشعرك .. لقد كنتي غائبة عن الوعي ليومين وكان يراك فيهما كثيرا وانتي على تلك الهيئة !!

تنهدت بضجر قبل أن تعاود سؤاله :
ـ حسنا كيف أبدو ؟؟
ـ ماذا ؟!!

جاء سؤال الوليد مستفسرا وهو لم يفهم ماعنته بسؤالها .. فأجابته موضحة :
ـ أقصد كيف يبدو شكلي ؟؟ هل شعري مرتب ؟؟

ظل الوليد يحدق بها دون أن ينطق بكلمة .. فقالت له مدافعة عن نفسها :
ـ لا تستغرب هكذا .. لن يكون ظريفا أن يراني الطبيب الذي كان يدربني في يوم ما وأنا على هيئة غير مرتبة

تكلم الوليد أخيرا وهو يحاول أن يبدو جديا فيما يقوله :
ـ حسنا لست بذلك السوء كله .. صحيح أن وجهك شاحبا ويبدو مخيفا بعض الشئ بتلك الهالات السوداء التي تحيط بعينيك .. ولك لا بأس بذلك

انفجر الوليد من الضحك بعد أن شاهد كيف كان وقع كلماته عليها .. وتابع يقول لها :
ـ لا أصدق أنك تهتمين بشكلك حتى وانت في هذه الحالة ! .. لطالما كانت النساء لغزا محيرا !!

لم يخفف مزحه من توترها وراحت تسأله وهي لازالت مستائة :
ـ هل حقا وجهي يبدو شاحبا ومخيفا ؟؟

راحت تحاول ترتيب شعرها بيديها وأخدت تفك بعض عقده بأصابعها ..

ـ انت جميلة في كل حالاتك

قال لها الوليد ذلك ثم غمز لها بعينيه .. مما جعلها تشعر بأن قلبها سيتوقف من شدة السعادة .. كان هذا اخر ماتتوقع أن تسمعه من الوليد !!

حاولت أن تخفي سعادتها وقالت له بلا مبالاة :
ـ أعرف أنك تجاملني .. لقد تعاملت مع مرضى كثر وأعرف كيف يكون شكلهم في تلك الحالة ..

هم الوليد ليعترض على كلامها وكلنه توقف بعد أن سمعوا أحدهم يفتح باب الغرفة ويدخل ..
أحمر وجهها خجلا وهي ترى دكتور مصطفى يقف أمامها .. وتمنت لو أنها تذوب وتختفي من هذا المكان ..

لاحظت كيف سلم على الوليد بحرارة وقد بدا أن هناك صداقة قد نشأت بينهم خلال الفترة القليلة السابقة التي أتت فيها إلى هنا .. ومن ثم ابتسم لها وتعامل معها بلطف أنساها أن هذا هو نفسه مدربها في السابق ..

ولكنها لم تعجب من ذلك فلطالما شاهدت أسلوبه المختلف تماما مع المرضى .. كان يتعامل معهم بلطف على عكس تعامله معهم !

أخذ يقرأ التقرير المعلق عند سريرها ومن ثم راح يفحص نبضها بسماعاته .. استغرق الأمر عدة دقائق قبل أن يتكلم أخيرا ويقول :
ـ أنا فخور جدا بك .. انت قوية جدا وتستجيبين للعلاج بشكل جيد .. كما أن تنفسك بات منتظما .. ستدخل الممرضة بعد قليل وستنزع عنك أنبوبة التنفس ..

ـ وأخييييرا
قالت ذلك بسعادة غامرة .. فقد كانت منزعجة كثيرا من تلك الأنبوبة وتمنت أن تتخلص منها سريعا .. وتابعت تسأله :
ـ متى سأخرج من المستشفى ؟؟ .. فأنا لا أريد أن أتغيب عن الجامعة وقتا أطول ..
ـ مازال الوقت مبكرا على هذا السؤال .. انت تعانين من الاجهاض وجرحك لم يلتئم بعد

تضجرت من رده فقال لها معاتبا :
ـ انت طبيبة ولابد أنك تفهمين ذلك جيدا .. ولكن لا تقلقي .. إذا بقيت حالتك منتظمة مدة أسبوع فسنأذن لك بالخروج

تابع يقول لها وللوليد أن عليها أن تبدأ في تناول شيئا من الطعام .. وقبل أن ينصرف لاحظت أشار للوليد بوجهه كي يخرج معه .. ففهمت أنه يريد أن يتحدث مع الوليد دون أن تسمعهما .. الأمر الذي أغضبها كثيرا وشعرت بالحنق عليهما .. فالمريض هو أولى الناس بمعرفة تفاصيل حالته ..

ولم تمر لحظات على خروجهما حتى دخلت إليها الممرضة .. قامت بمساعدتها على نزع أنبوبة التنفس .. ومن ثم قامت بتجديد الشاش على الجرح .. وأخيرا أعطتها ابرة وقالت لها بأنها ستسكن من ألمها وستساعدها على النوم ..

وبالفعل بعد دقائق قليلة لم تعد تشعر بأي ألم .. وبدأت تشعر بالنعاس حيث أنها لم تنم سوى ساعات قليلة من الليل .. فراحت تحاول النوم ..

كانت شبه نائمة حينما شعرت بأحدهم يدخل الغرفة .. فسألت دون أن تفتح عينيها :
ـ وليد ؟؟ أنت هنا ؟؟

سمعت صوته وهو يجيبها :
ـ نعم أنا هنا .. جئت للتو
ـ هل يمكنك أن توقظني حينما تأتي سمر لزيارتي ؟
ـ حسنا يا حبيبتي سأفعل ..

لا تدري هل ما سمعته كان حقيقة أم حلما .. هل حقا قال لها الوليد "ياحبيبتي" !!
أما أنها بدأت تهذي بسبب النعاس !! .. تمنت لو أنها تستطع أن تفتح عينيها وتتأكد مما سمعته .. ولكن النوم كان قد غلبها .........…..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ



كان صوت سمر مزعجا مما جعلها تستيقظ بسرعة .. بقيت معها سمر طوال ساعيتن الزيارة .. وراحت تحاول معها في أن تأكل شيئا من وجبة الغداء التي أدخلتها الممرضة ولكنها لم تستجب لذلك .. كما أن سمر لم تلح كثيرا ..

وبانتهاء وقت الزيارة وعدتها سمر بأنها ستعاود زيارتها في الغد ومن ثم ودعتها وخرجت ..

لم تمضي دقائق على ذهابها حتى دخل الوليد إليها .. كان قد بدل ملابسه ولم يعد يرتدي بذلته الرسمية .. بل ارتدى قميصا مخطط باللونين الأبيض والأخضر وبنطلون جينز .. كان يرفع أكمام قميصه قليلا فظهرت يداه .. من النادر أن يرتدي الوليد ملابسا غير رسمية كهذه .. ولكنه بدا أكثر جاذبية فيها ..

شعرت أيضا باختلاف كبير في لحيته .. لقد عادت خفيفة كما في السابق .. وانتهبت إلى أنه قد أهملها طوال الأيام السابقة منذ دخولها إلى المستشفى ..

ـ أحضرت إليك هذه الطرحة من المنزل
قال لها ذلك وهو يناولها إياها .. فعلقت قائلة :
ـ وأخيييرا ..

راح يحرك طاولة الطعام لتصبح فوقها ومن ثم جلس على الكرسي بجانبها ...

ـ لن تستطيعي التهرب هذه المرة ..

بدأت تعترض على ماقاله ولكنه بدا مصمما ولن يثنيه شئ فاستسلمت أخيرا وقالت له :
ـ حسنا ولكن سأتناول الشوربة فقط ..

تفاجأت بأن الوليد هو من أمسك بالمعلقة وبدأ في إطعامها بنفسه !! .. غمرتها السعادة لذلك مما جعلها تستمر في تناولها منه حتى بعد أن شعرت بأن معدتها قد اكتفت ولن تتحمل المزيد ..

ـ راائع .. لقد أنهيتي الصحن كله .. يبدو أنك كنت تدلعين فقط !

لم تعلق بشئ على كلام الوليد لأنها بدأت تشعر بالغثيان .. وراح نفسها يتسارع والعرق يتصبب من جبينها ..
لاحظ الوليد مابدا عليها من شحوب وبإشارة من يدها فهم على الفور ماتقصده ..

فأتى لها مسرعا بكيس .. وحدث ما كانت تخشاه .. تقيأت كل ماتناولته !! .. تمنت لو أن الأرض قد ابتلعتها قبل أن يحدث هذا أمام الوليد ..

وعلى الفور بدأ الوليد يمسح وجهها بمنديلا بلله بقليل من الماء .. كانت ملامح الوليد قد تبدلت كليا وبدا عابسا جدا الآن ..

شعرت بالضعف الشديد حتى أنها لم تستطع أن تعيد ظهرها إلى الخلف لإسناده على الوسائد من خلفها ..
فرأت الوليد يجلس بجانبها على السرير ليصبح ملاصقا لها .. ومن ثم أحاطها بذراعيه .. فتركت رأسها يستند على صدره ..
كانت تشعر بأنفاسه .. ورائحة عطره تلوح في أنفها .. فتمنت لو أنها كانت بحال أفضل لتتمكن من الاستمتاع بتلك اللحظة ..

شعرت بأن الجو من حولها قد أصبح باردا فجأة .. فبدأت ترتجف .. وأحس هو بذلك فراح يربت على ذراعيها في محاولة منه لتدفئتها .. وسمعته يهمس لها بصوت هادئ :
ـ لا بأس .. لا بأس ..حاولي أن تسترخي

وخلال لحظات كانت الممرضة في الغرفة .. وما إن رأتها حتى سألت الوليد :
ـ مابها .. مالذي جرى لها ؟!!
ـ انتابها الغثيان بعد أن تناولت الشوربة !! .. لم يكن من المفترض أن تشربها كلها مرة واحدة ..
ـ لا شئ مقلق .. لم يدخل الطعام إلى معدتها منذ أيام فمن الطبيعي أن يحدث ذلك معها .. لكن ذلك لا ينافي أن تحاول الأكل مجددا في وقت لاحق ..

تمنت في تلك اللحظة لو أنها تمتلك القوة لتقوم بصفعها .. هي على تلك الحالة بسبب ماتناولته ومع ذلك تتحدث بكل برود على أنها لابد أن تأكل مجددا !!
تسائلت في نفسها .. كم من المرضى تمنوا صفعها هي أيضا أثناء فترة تدريبها ؟!!

خرجت الممرضة من الغرفة وهي تحمل صينية الطعام ومن ثم عادت بعد دقائق وهي تحمل كوب ليمون .. وضعته بجانب الوليد وطلبت منه أن يساعدها في شربه .. ثم خرجت ..

حينما حمل الوليد طوب الليمون ورأته يقربه من فمها كي تشرب .. شعرت بالحنق والغضب .. فاعترضت بصوت غاضب :
ـ لا .. لا أريد .. لا أريد .. يكفي ماحدث بسبب الشوربة !!

ثم أخذت دموعها تنهمر من شدة انزعاجها .. ولكن ما فعله معها أنساها كل غضبها وكل تعبها .. حيث راح يمسح دموعها بأصابعه .. وطبع قبلة على رأسها قبل أن يقول لها بلطف :
ـ صدقيني إذا شربتي عصير الليمون ستشعرين بتحسن كبير ..

قرب لها الكوب من جديد .. وهنا استسلمت وشربت دون أن تعترض مجددا .. ادهشتها قدرة الوليد على تغيير موقفها بهذه السرعة !!

وبالفعل أخذت تشعر بتحسن وهي تشرب عصير الليمون .. وبدأ شعور الغثيان يختفي تدريجيا ..
وبعد أن تناولته بالكامل أبقيت رأسها مسندة على صدر الوليد .. وهي لا تذكر متى ولا كيف قام من جانبها .. لأنها على مايبدو قد نامت من جديد ..


هذا الصوت .. تعرفه جيدا .. المبالغة في جعل صوتها ناعما .. والحديث بدلال يفوق الحد .. من سيكون غيرها إذا ..
فتحت عينيها وألتفتت إلى مصدر الصوت وهي تعرف صاحبه جيدا .. لتراها تجلس هناك على الكنبة والوليد يحاوطها بذراعه .. إنها لمياء لا غيرها !!

ـ حمدا لله على سلامتك سيدة سارة .. آمل أن لا نكون قد أزعجناك بصوتنا ..

كانت تلك هي خيرية حيث كانت تجلس على الكرسي الذي بجانبها .. وأعقب قولها هذا قول لمياء لها بفظاظة :
ـ كفاااارة !

تنحنح الوليد مرتبكا وكأنه يحاول أن ينبه لمياء ..

لو كانت تتمنى شئ من هذا الحادث الذي تعرضت له .. لتمنت لو أنها تلقت ضربة على رأسها أنستها كل شئ يتعلق بتلك الكائنة "لمياء" .. كانت بالفعل لا تذكرها حينما استفاقت .. ولكن ما إن أراها الوليد صورتها حتى تذكرتها للأسف !!

ردت عليهم أخيرا قائلة :
ـ شكرا لكم ..

راحت خيرية تتحدث معها وتسألها عن صحتها وهي تجيبها وتتظاهر بأنها منتبهة لها .. ولكنها في الحقيقة كانت تختلس النظر إلى لمياء والوليد بين الحين والآخر .. اللذان لم يكونان يشاركانهما الحديث ..

بدا أن لمياء تقص على الوليد قصة حياتها كلها وتحكي له كل تفاصيل الرحلة .. وهو بدوره كان منصتا جيدا لها وبدا مهتما لما تقوله ..

كانت لمياء قد تركت شعرها ينسدل على كتفها العاري الذي اكتسى هو وباقي بشرتها باللون البرونزي .. وكذلك ارتدت بنطلون جينز قصير كشف عن ساقيها البرونزيتين .. بدت وكأنها تستعرض لونها الذي اكتسبته مؤخرا نتيجة تعرضها للشمس أثناء رحلتها ..

ولا تنكر أنها قد بدت أكثر جمالا وجاذبية في هذا اللون .. بدأت تشعر بالاستياء من اهتمام الوليد بلمياء واهماله لها طوال فترة وجودها ..

الأمر الذي ذكرها بالحادث الذي تعرضت له لمياء من قبل حينما أصيبت في أنفها .. وكيف كان اهتمام الوليد بها .. وكيف أنها تمنت حينها لو أنها تكون مكان لمياء !!

لقد اعتنى الوليد بها بالفعل حتى أكثر من اعتنائه بلمياء في ذلك الوقت .. ولكنه بدا حريصا على أن لا يظهر ذلك أمام لمياء !!

تذكرت كيف كان الوليد يتجاهلها طوال الوقت قبل الحادث .. وكيف كان لا يعيرها أي اهتمام وقت الفطور في كل صباح .. وينشغل الوقت كله بالحديث مع لمياء ..

في ذلك الصباح .. تذكرت أنها أعدت الفطور لتستمتع في تناوله معه بمفردهما دون وجود لمياء ولا خيرية ..
تذكرت كيف خاب أملها حينما أخبرها بأنه سيتناول فطوره في العمل وحينما رفض توصيلها في طريقه ..
تذكرت أيضا أنها كانت تريد أن تصارحه .. أرادت أن تصارحه بحبها !!!

اندفعت تهبط السلم مسرعة لتلحق به .. تذكرت الضربات التي تلقتها بعد أن تعثرت في السلم .. تذكرت الألم الذي شعرت به وقتها .. تذكرت كيف كان كل شئ يدور من حولها وكيف شعرت بالظلام الذي حل في المكان .. تذكرت طعم الدماء في فمها ..تذكرت أن آخر ما نطقت به كان اسمه !!

لقد تذكرت كل شئ الآن .. وبطريقة أو بأخرى كانت لمياء هي السبب وراء ذلك ..
تعامل الوليد معها في وجود لمياء أحيا بداخلها مشاعر قديمة .. واحساسها بتلك المشاعر من جديد جعلها تتذكر كل هذا ..

مضت نصف ساعة تقريبا على قدومهم إلى أن نهضت لمياء من مكانها وطلبت من خيرية أن تلحق بها دون حتى أن تلتفت إليها .. وخرجت من الغرفة برفقة الوليد ..

ولكن خيرية لم تلحق بهم على الفور .. وبدا أنها كانت تنتظر خروجهم لتقول لها شيئا .. فتكلمت قائلة والدموع تتجمع في عينيها :
ـ لازلت أشعر بتأنيب الضمير لأنني لم أكن موجودة وقت سقوطك من على السلم ..
ـ لا تقولي هذا يا خيرية .. إنه القدر .. ووجودك لم يكن ليمنعه ..

مسحت خيرية دموعها وقالت لها :
ـ معك حق .. قدر الله وما شاء فعل .. ولا تحزني على الطفل .. مازلت صغيرة والعمر أمامك انت والوليد .. سيعوضكم الله بطفل غيره ..

زادتها تلك الكلمات آسا وحزنا !! .. هل يعقل أن خيرية لازالت تظن أن حياتها هي والوليد ستستمر وأنها ستنجب منه طفلا آخر ؟!! .. ألا ليت كل مايتمناه المرء يدركه ..

ودعتها خيرية أخيرا وتمنت لها الشفاء.. وحينما خرجت من الغرفة تركت الباب مفتوحا .. فتمكنت من رؤية لمياء وهي تحتضن الوليد وتودعه بدلال .. ومن ثم سمعتها تسأله :
ـ ألازلت مصرا أن لا تأتي معنا ؟؟

أجابها الوليد بعد أن طبع قبلة على خدها :
ـ لقد أجبتك من قبل .. لذا كفي عن تكرار السؤال ..

أغمضت عينيها محاولة النوم .. وهي تشعر أن ذاك هو السبيل الوحيد للتهرب من واقعها .........

في اليوم التالي حينما اتت سمر لزيارتها أخبرها الوليد بأنه سيذهب إلى الشركة لإنجاز بعض الأمور العالقة .. وأنه قد يتأخر بعض الشئ ..
وبعد ذهاب سمر من عندها بقيت بمفردها باقي اليوم .. مما جعلها تشعر بالملل ..

حينما أدخلت لها الممرضة وجبة العشاء كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء .. ولم تشعر بأي رغبة في الأكل .. فقررت انتظار الوليد حتى يأتي ليساعدها في الأكل ..

نهضت من السرير وقررت أن ترتدي احدى بيجاماتها التي أحضرها لها الوليد في هذا الصباح .. بعد أن كانت قد أوصت خيرية بالأمس بتجهيز بعض الملابس لها وإعطائها للوليد حينما يعود إلى المنزل في أي وقت ..
كانت قد ملت كثيرا من ملابس المستشفى تلك .. لذا طلبت من خيرية ذلك ..

دخلت إلى الحمام .. وبدأت في تبديل ملابسها .. بذلت مجهودا كبيرا في ذلك !! .. واستغرقت الكثير من الوقت أيضا !!
وبعد أن انتهت أخيرا كانت تلهث .. و شعرت بالعرق يتصبب من جبينها .. فوقفت أمام الحوض وبدأت في غسل وجهها عل ذلك يجعلها تشعر بتحسن ..

لفتت انتباهها المرآة التي كانت أعلى الحوض ..لم ترى شكلها منذ أن دخلت إلى المستشفى .. لذلك صعقت مما رأته !! .. بدت كالأموات ! .. كان وجهها شاحبا جدا .. أما جفونها فقد اكتسبت اللون الأصفر .. وتحت عينيها كانت تحيط بهما هالات من السواد ..
أما جسدها فلم تظهر له أي ملامح .. وشعرت بأنها قد خسرت مالايقل عن عشرة كيلو جرامات من وزنها !!

أدركت مدى فظاعة ما تعرضت له من شكلها هذا .. لقد رأت مرضى بهذه الهيئات أثناء تدريبها ولكنها لم تتخيل يوما أن تصبح واحدة منهم ..

خرجت من الحمام وهي تشعر بدوار شديد .. كان كل ما تأمله هو أن تصل إلى السرير وتتمدد عليه .. ورغم أنه لا يفصلها عنه سوى بعض الأمتار إلا أنها شعرت أنه بعيدا .. بعيدا جدا !!

بقيت مستندة على الحائط من ورائها خشية أن تفقد توازنها .. ولكنها في لحظة ما لم تعد تفرق بين الحائط والأرض ! .. وشعرت بأنها قد تقع في أية لحظة ..
فجلست على الأرض ودفنت رأسها بين ذراعيها المستندتان على ركبتيها ..

حاولت أن تتذكر شيئا مما درسته في هذه الحالات .. كانت تحاول بشتى الطرق أن لا تصاب بالإغماء وأن تبقى في وعيها ..
ولكنها بقيت على هذا الوضع حتى سمعت أحدهم يدخل إلى الغرفة ..

لم تستطع أن ترفع رأسها لترى وجه من دخل ..

ـ سارة مابك ؟؟ ماذا جرى لك ؟؟ أخبريني هل انت بخير ؟!!

عرفت على الفور أن هذا هو صوت الوليد .. كانت نبرة القلق بادية في صوته .. وبسرعة اقترب منها وجلس بجانبها على الأرض وقام برفع رأسها ليتأكد من أنها لا زالت في وعيها ..

حينما رفع رأسها أخذت تنظر إليه وتتأمله .. ولأول مرة في حياتها ترى الوليد خائفا هكذا .. وتسائلت ما إذا كان كل هذا الخوف بسببها هي ؟!!

وأخيرا اجابته قائلة :
ـ أنا .. أنا فقط كنت في الحمام .. ولكنني لم أستطع العودة إلى السرير لأنني شعرت بالدوار ..

راح الوليد يزيل شعرها من فوق عينيها وقال لها :
ـ حسنا تعالي .. أنا سأساعدك ..

أحاط ذراعيه بخصرها وهم لينهض بها ولكنها سحبته ليجلس مرة أخرى .. وبدت أنها ترفض القيام معه .. مما جعله يسألها في حيرة :
ـ مابك ؟!!
ـ هل حقا تريد أن تساعدني ؟؟
ـ نعم بالطبع .. سأوصلك إلى السرير
ـ ولما ؟؟

نظر إليها الوليد متحيرا وهو لم يفهم ما تقصده من سؤالها .. فتابعت تسأله :
ـ لما تهتم لأمري ؟؟

تردد قليلا قبل أن يجيبها قائلا :
ـ لأنني ...

قاطعته قبل أن يكمل كلامه قائلة :
ـ لأنك تشعر بالذنب تجاه ماحصل للطفل ؟؟ أتشعر بتأنيب الضمير ؟؟

تجاهل الوليد أسئلتها وهم لينهض بها مرة أخرى ولكنها عادت وامتنعت عن القيام وأكملت تقول :
ـ هل تعلم أني تذكرت كل ماحدث معي في وقت الحادث ؟؟
ـ ليس هذا وقته الآن .. قومي معي فأنت تبدين شاحبة جدا ..
ـ هل تعلم لماذا نزلت السلم مسرعة ؟؟

وضع الوليد يده على جبينها ليقيس حرارتها .. ومن ثم قال لها بغضب :
ـ قومي معي يا سارة .. حرارتك مرتفعة يجب أن يأتي الطبيب لكي يفحصك ..

بدا عليه نفاذ الصبر ..وشعرت بأنه قد يحملها رغما عنها إلى السرير .. ومع هذا استمرت تتكلم قائلة :
ـ كنت أريد أن ألحق بك قبل أن تذهب إلى العمل ..

سكتت برهة تلتقط أنفاسها ومن ثم تابعت :
ـ حينما رفضت تناول الفطور معي وإيصالي معك في الطريق .. قررت أن ألحق بك .. كنت مصممة على مصارحتك ..

لم يلح عليها الوليد هذه المرة وبدا أنه يحاول أن يفهم مغزى ما تريد قوله ..

ـ أردت أن أخبرك بأنني .. بأنني ..........................................

moogah 31-01-14 07:23 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بارت رائع

ساره وتمسكها بحبها لوليد رغم ماسببه لها من الم

لمياء شي مزعج

طمووح ابدعتى

شرقاوية عسل 31-01-14 11:08 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
حبيبتي طموح يقول المثل الانجليزي الشهير

الرجال كطوابع كلما بصقتي عليهم زادوا التصاقاً

ممكن تبلغي هذا الكلام للغبية سارة

لم أرى في حياتي فتاة عربية هكذا كالعلقة تتلصق برجل نبذها أكثر من مرة

تقول له الممرضة اذهب لكي ترتاح تتشبث بيده

الرواية حلوة لكن ينقص شخصية سارة الكرامة

حبها الهادر لوليد في غير محله

المهم ننتظر البقية

بفارغ الصبر

مي الحطاب 31-01-14 11:26 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
هيا لمياء دي كل ما تظهر تحصل مصيبة :3
في انتظار الجزء التالي

ريم السعودية 31-01-14 06:17 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بارت رائع
يسلمو طموح على هذا البارت
وبانتظار المزيد سلمت اناملك عزيزتي

عصفورالجنة 01-02-14 12:12 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
شكرااااالكى حبيبتى طموح على البارتات الرائعة جدااااااواعزورينى على التاخير كنت باتمنى اكون من اول المشاركين فى الرد على البارتات لكن كان عندى ظروف منعتنى من دخول المنتدى عندى سؤال متى سيكون البارت القادم وشكرااااو وفقكى الله حبيبتى ورعاكى

طمووح 01-02-14 02:05 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
عصفووور الجنة :e106::e106:
وأخيييرا شوفت ردك .. كنت مفتقدة ردودك بصراحة بعد كل بارت نزلته .. عسى المانع يكون خييييير :8(1):

إن شاء الله يا عزيزتي باقي البارت هنزله على بكرا .. ولا تحرمينا من ردودك

ريم السعودية 02-02-14 07:58 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مساء الورد ياطموح
نبغى البارت الليلة بانتظارك

طمووح 02-02-14 09:09 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
إن شاء الله عزيزتي ريم :8(1):

حسام بني ياسين 02-02-14 10:15 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
متى البارت الساعة صارت 11 وشوي ناطرينك نحن

أرسلت من GT-I9082 بإستخدام تاباتلك

طمووح 02-02-14 10:27 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
تابع بارت ( 9 )



ـ أردت أن أخبرك بأنني .. بأنني .......................

لا يفصلها عن لحظة الحقيقة سوى كلمة واحدة .. والوليد كله أذان صاغية لما ستقوله .. لم يبقى سوى النطق بتلك الكلمة ...

ـ أنني أحببتك يا وليد ... تلك التسعة أشهر التي قضيتها معك كانت كافية للوقوع في حبك ..

بدا الوليد مصدوما مما سمعه .. وظل مسمرا مكانه لا يحرك ساكنا .. فتابعت تقول :
ـ لقد أحببتك يا وليد .. وهذا هو سبب كل معاناتي الآن ..

سادت لحظة صمت بينهما .. استطاع الوليد بعدها أن يجد صوته أخيرا فقال باقتضاب ليعلق على كلامها :
ـ انتي تهلوسين !
ـ لم أكن أشد وعيا لما أقوله أكثر مما أنا عليه الآن !!

أحاط بها الوليد مرة أخرى وسحبها بقوة هذه المرة فلم تستطع معارضته .. وقفت مستندة عليه وبمجرد أن خطوا خطوة واحدة حتى فقدت توازنها ولم تعد قدماها تقويان على حملها ..

حمدت الله أن الوليد كان ممسكا بها وإلا لكانت قد اصطدمت بالأرض .. وشعرت به وهو يحملها بخفة ليضعها على السرير أخيرا .. أخذ يربت على خدها بلطف وهو يسألها :
ـ هل تسمعينني ؟؟

لم تستطع أن تجد صوتها لتجيبه .. كما لم تستطع أن تحرك وجهها لتشير إلى أنها تسمعه .. شعرت بالشلل والعجز حتى عن تحريك أحد أصابعها .. كانت شبه غائبة عن الوعي ..

شعرت بذلك الضوء الذي سلط على أحد عينيها .. كما شعرت ببرودة سماعات الطبيب على يدها .. لابد وأنهم يقوموا بقياس ضغطها ..
لا تدري كم من الوقت مضى وهي على هذه الحالة .. ولكنها حينما استطاعت أن تفتح عينيها أخيرا وأن تستعيد كامل وعيها .. لاحظت وقوف الوليد والطبيب في جانب من الغرفة .. حيث كانوا يتهامسون ..

لم يلاحظ أحدهم أنها استفاقت فأغمضت عينيها من جديد وحاولت فهم ما يتهامسون فيه ..

ـ لا تنسى بأنها قد فقدت أول طفل لها منذ أيام فقط
ـ لكنها كانت قد تحسنت !
ـ ألم تقل لك بأنها تذكرت تفاصيل الحادث ؟
ـ بلى قالت ذلك ..
ـ لابد وأن تلك التفاصيل كانت مزعجة بالنسبة لها .. ونفسية المريض عامل مهم في سرعة شفاؤه ..

سرت رعشة سريعة في جسمها .. مما جعلهم يتوقفوا عن الحديث ويلتفتوا لها ..

ـ هل استفقتي سيدة سارة ؟

كان هذا هو صوت الطبيب .. فأومأت بالإيجاب برأسها دون أن تفتح عينيها .. لأنها لم تكن تشعر بأية رغبة في رؤية ما حولها .. ولكنها وضعت يديها على رأسها وقالت :
ـ لازلت أشعر بالدوار ..
ـ لقد انخفض ضغطك كثيرا ومن الطبيعي أن تشعري ببعض الدوار

شعرت بالوليد وهو يطبع قبلة خفيفة على جبينها قبل أن يهمس لها في أذنها :
ـ ارتاحي الآن يا سارة

ثم راح يربت على شعرها .. وتمنت لو أنه يبقى بجانبها طوال الليل .. ولكنها عوضا عن أن تطلب منه ذلك سألته :
ـ هل ستبقى بجانبي يا وليد ؟؟
ـ نعم بالطبع .. سأبقى بجانبك ولن أتركك أبدا

" أبدا " !! .. أخذت تلك الكلمة تتردد في رأسها حتى نامت من جديد ..

ليتها تعرف معنى تلك الكلمة في قاموس الوليد !!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


واصلت النوم إلى صباح اليوم التالي .. ولم تستيقظ إلا مرة في منتصف الليل .. كان الضوء مغلقا ولكنها استطاعت أن ترى الوليد الذي كان لايزال يجلس على الكرسي الذي بجوارها واضعا رأسه بين يديه على سريرها حيث كان غارقا في النوم ..

في الصباح حينما استيقظت كانت الممرضة تقيس حرارتها .. أما الوليد فكان يقف مكتفا ذراعيه ويراقب الممرضة بهدوء .. وما إن لاحظ أنها استيقظت حتى ابتسم وهو يقول لها :
ـ صباح الخير

ثم ألتفت إلى الممرضة منتظرا تعليقا منها .. فتكلمت قائلة :
ـ حرارتها أصبحت 38 .. انخفضت درجتين عن ليلة الأمس ..

وهنا انطلقت تسأل الممرضة بدهشة :
ـ هل كانت حرارتي 40 في ليلة الأمس ؟؟
ـ نعم .. ولكن حمدا لله تداركنا الأمر بسرعة

بعد انصراف الممرضة من الغرفة تكلم الوليد قائلا لها :
ـ كنت تهلوسين طوال الليل
ـ ماااذا ؟!!!!!!!!!!

ضحك الوليد من ردة فعلها وعلق قائلا :
ـ لكني لم أفهم حرفا مما قلته

أخذت تسترجع أحداث الليلة الماضية .. ثم أحمر وجهها خجلا وهي تتذكر ما ارتكبته مع الوليد ..
رأت أن أفضل حل لهذه الورطة هو أن تتظاهر بأنها لا تذكر شيئا مما حدث !!

ـ كيف تشعرين الآن ؟
ـ أنا بخير .. أشعر بتحسن

ظل الوليد يراقبها وهي تتناول فطورها حتى يتأكد أنها ستنهيه كله ..

ـ لقد أقلقتني عليك كثيرا بالأمس ..
ـ لا أعرف لماذا ارتفعت حرارتي هكذا !

نظر إليها الوليد بتعمق قبل أن يفاجأها بسؤاله :
ـ انتي حينما كنت تجلسين على الأرض .. تذكرين ماحدث أليس كذلك ؟؟

وهنا غصت وهي تأكل وراحت تسعل فناولها مسرعا كوب ماء وساعدها كي تشرب .. وبعد أن هدأت أنفاسها جلس من جديد بجانبها وأخذ يتأملها فعرفت أنه لا يزال ينتظر إجابتها ..

وأخيرا قالت له وهي تتحاشى النظر إليه :
ـ هل جلست على الأرض ؟!! .. لابد وأنني كنت أشعر بدوار شديد لهذا لجأت إلى ذلك ..
ـ ألا تذكرين ؟؟

أعاد سؤاله متشككا .. فابتلعت ريقها وأجابته :
ـ أنا لا .. آخر ما أذكره هو أنني كنت واقفة مستندة على الجدار وكنت أخشى أن أقع ..

لا تدري هل اقتنع بكلامها أم لا .. ولكنها تمنت أن لا يسألها المزيد من الأسئلة .. وهو بدوره لم يفعل ..

وكعادته حينما أتت سمر لزيارتها استأذن هو وانصرف ..
فاستغلت الفرصة وانطلقت تحكي لسمر ما ارتكبته بالأمس .. ولم تقاطعها سمر إطلاقا فقط اكتفت بأن تطلق صيحات دهشة بين الحين والآخر .. وحينما أنهت كلامها كانت سمر لا تزال تنظر إليها غير مصدقة ..

ـ ألن تقولي شيئا ؟! .. ألن تؤنبيني كعادتك ؟!!
ـ أنا لا أدري حقا ماذا أقول لك .. لقد ظننتك صارحتيه بحبك من قبل الحادثة ..
ـ حقا ؟!!
ـ نعم حتى أنني ظننت أن هذا التغيير في تعامل الوليد معك سببه هو اعترافك له بحبك !
ـ وما رأيك الآن بعدما عرفتي حقيقة الأمور ؟
ـ في الحقيقة لقد فاجأتني .. ولكن عليك أن تستمري بالتظاهر أنك لا تذكرين شيئا .. هذا هو الحل حتى تتمكني من مواجهة الوليد في الوقت الذي تبقى لكما معا ..

سكتت سمر فجأة ووضعت يديها على فمها وهي منزعجة من ذلة لسانها تلك

ـ تابعي .. لقد تأقلمت على هذه الحقيقة ..
ـ أنا آسفة .. لم أقصد أن أقول مايزعجك ..
ـ إنه الواقع ..
ـ ولكن بما أنه سألك إن كنت تذكرين ماحدث أم لا .. إذا فهو مهتم لمعرفة حقيقة ما قلته ..
ـ نعم يبدو لي ذلك .. ومع أني تظاهرت بعدم التذكر إلا أنني لست واثقة ما إذا كان قد انطوى عليه الأمر أم لا
ـ على أي حال .. ورغم معارضتي للفكرة بحد ذاتها .. إلا أنك نجحتي في اختيار الوقت المناسب لمصارحته
ـ ماذا تعنين ؟!!
ـ أقصد أنك كنت في حالة من السهل أن يتنبأ فيها بأنك تهلوسين .. وبأنك ربما لا تعنين ما تقولينه ..

فهمت ماتعنيه سمر .. ولكنها تسائلت ما إذا كان هذا لصالحها أو لضدها .. وفكرت في أنه إذا ما كان الوليد يبادلها نفس الشعور فسيأخذ ما قالته على محمل الجد .. وسيسعى إلى اكتشاف ما إذا كانت تعني ماقالته أم لا .. أما إنه إذا كان لا يبادلها هذه المشاعر .. فلن يأبه بكلامها .. وسيقنع نفسه بأنها كانت تهلوس .. وهي ساعدته في ذلك بقولها أنها لا تذكر ما حدث بالضبط ..

شعرت بالملل والضجر من كل تلك الحوارات التي تدور في رأسها منذ شهور .. ولم تصل إلى شئ حتى الآن ..
كان من أسباب اهتمامها بمصارحته إلى هذا الحد هو أنها قد أصبحت حامل في طفل منه .. وإذا لم يتراجع الوليد عن الطلاق من أجل حبها له فإن هذا قد يزيد من احتمالية تراجعه من أجل طفلهم .. ولكن الطفل قد ذهب الآن .. ولن يستمر الوليد معها إلا إذا كان فعلا يحبها ...

ودعتها سمر قبل أن تنتهي مدة الزيارة لأنه كان لديها تدريب في هذا الوقت .. وأخبرتها بأنها ستعاود رؤيتها في فترة الزيارة المسائية بعد الإنتهاء من تدريبها ..

دخل إليها الوليد فور خروج سمر .. وجلس على الكنبة ثم قام بفتح حاسبه الشخصي الذي أحضره معه وانهمك في العمل ..

ـ يمكنك الذهاب إلى الشركة .. سأكون بخير هنا لا تقلق علي ..
ـ لقد تركتك بالأمس ورأيت ماحدث لك .. لذا لا أنوي أن أتركك مرة أخرى .. وإذا أردتي مني الذهاب إلى الشركة فعليك أن تتعافي وتخرجي من المستشفى أولا ..

قال ذلك بلطف وهو يبتسم لها .. وشعرت بالراحة لكلامه هذا فهي لم تكن تريده أن يذهب على أية حال .. كانت تستمتع بمرافقته لها حتى ولو كان منشغلا ..

بقي الوليد ينظر إلى ساعة يده بين الحين والأخر .. وشعرت بأنه ينتظر شيئا ما .. ولكنها لم تستطع أن تخمن ماقد يكونه هذا الشئ ..

في السادسة مساء استأذن منها وخرج دون أن يخبرها إلى أين !! .. وبعد ربع ساعة تقريبا رأته يدخل مرة أخرى وقال لها :
ـ من الأفضل أن تغطي شعرك فهناك من يريد زيارتك ..

ناولها طرحتها وخرج مسرعا قبل أن تتمكن من الاستفسار منه عن الشخص الذي سيزورها .. ولكن لم يمضي الكثير من الوقت حتى عرفت زائرها ..فما هي إلا لحظات حتى تفاجئت بما رأته أمامها ..

كان هناك ما يعادل العشرين شخصا دخلوا إلى غرفتها وسمر هي من تتقدمهم ..
إنهم زملائها في الجامعة الذين كانت تدرب معهم ..
استمرت تنظر إليهم في ذهول من هول المفاجئة .. وأخذ كل واحدا منهم يتقدم إليها ليديها باقة ورد ويتمنى لها الشفاء العاجل ..

وكان زميلها رامي من ضمن هؤلاء الطلبة .. وحينما جاء دوره أهداها باقة ورد أكبر من البقية كلهم وقال لها :
ـ أتمنى أن تتعافي سريعا لكي تعودي إلى الدراسة .. فالجامعة تبدو كئيبة من دونك ..

شعرت بالخجل الشديد من كل مايحصل .. وتمكنت أخيرا من الرد عليهم قائلة :
ـ لقد فاجئتوني جميعا .. شكرا لكم .. أنا حقا سعيدة لرؤيتكم ..

أشارت على الورود التي امتلئت بها غرفتها في كل مكان وتابعت :
ـ لقد أدخلتم البهجة على الغرفة بتلك الزهور .. ولكن ما كان ينبغي أن تكلفوا أنفسكم إلى هذا الحد ..

رد عليها رامي قائلا :
ـ أنت تستحقين أكثر من ذلك ..

كان الوليد يقف ورائهم جميعا .. وبقي مستندا على الحائط وهو يراقبهم .. وقد لا حظت أن نظراته لم تفارق رامي .. وكان رامي بدوره منصب بنظراته عليها هي .. وتسائلت ما إذا كان الوليد قد شعر بحقيقة مشاعر رامي نحوها .. ولكنها لم تشغل بالها كثيرا بهذا الأمر حيث ألهاها مزاح زملائها من التفكير في ذلك ..

ـ أظن أن تلك المرأة العجوز التي تدربتي عليها في أول يوم تدريب لنا هي أكثر من تتمنى الآن أن تراكي في هذه الحالة ..

قالت سمر تلك العبارة فانفجرالجميع بالضحك .. باسثناء رامي الذي كان يتأملها بشرود .. والوليد الذي كان شاردا في رامي !!

راح زملائها يقصون عليها بعض المواقف الطريفة التي حدثت معهم أثناء التدريب في غيابها .. فضحكت كثيرا معهم .. هي لم تضحك هكذا منذ زمن .. لقد ساهموا بالفعل في تحسين مزاجها .. وتمنت لو أن تخرج سريعا من المستشفى لتعاود الدراسة معهم .. فقد شعرت بأنها افتقدتهم كثيرا ..

بعد مضي نصف ساعة تقريبا .. سمعت الوليد يتكلم بهدوء قائلا :
ـ أظن أن زوجتي بحاجة إلى الراحة الآن ..

كان يطلب منهم الذهاب ولكن بطريقة لبقة .. وبدوا جميعا متفهمين لطلبه وردت سمر قائلة :
ـ نعم صحيح .. لا يجب أن نطيل عليك أكثر من ذلك حتى لا نجهدك ..

وقبل أن ينصرفوا عاودت شكرهم من جديد .. واستمر الوليد يراقب رامي الذي تعمد أن يبقى حتى يكون آخر من ينصرف من عندها ..

وبعد أن خلت الغرفة منهم جميعا ولم يبقى سواها هي والوليد .. ألتفتت إليه تسأله بحماسة :
ـ هل كنت تعرف بهذه المفاجئة ؟؟

راح الوليد يرتب باقات الزهور في الغرفة وهو يجيبها :
ـ بصراحة كنت أعرف .. ولكن ليس من وقت بعيد .. فقد أخبرتني سمر بهذا حينما أتت لزيارتك ظهر اليوم .. لقد خططت هي لكل شئ وأعلمتني في الأخير ..

سكت قليلا .. ثم حينما أمسك بالباقة الكبيرة التي أحضرها رامي قال لها :
ـ إنهم يحبونك كثيرا ..

تنحنحت بارتباك وقد شعرت بأنه يحاول أن يشير إلي شئ ما ثم علقت قائلة :
ـ نعم نحن نحب بعضنا كزملاء ويحترم كلا منا الآخر ..

أخذ الوليد يشم الورود التي في يده وقال لها :
ـ كزملاء !!!

شعرت بأن هناك نبرة سخرية في صوته .. وتسائلت ما إذا كان قد شعر بالغيرة عليها من رامي !!


ولكن أيعقل أن يغار الوليد عليها ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

عصفورالجنة 02-02-14 11:49 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 6 والزوار 10)
‏عصفورالجنة, ‏karima74, ‏أنين الجريح, ‏يتيمة الراحه, ‏شكولاين, ‏رونق النرجس
منوررررررررررررررررررررررررررررررين

عصفورالجنة 02-02-14 11:52 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
جزء فى منتهى الروعة طموح شكرااااالكى ياقمر

ريم السعودية 03-02-14 07:16 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بارت جميل جدا
سلمت الانامل
ياغاليتي
بانتظارك

التربوية 03-02-14 11:39 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
جزء حلووسلس ورائع ومشوق سلمت يداك طموح لقد امتعتنا

طمووح 04-02-14 12:58 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ترقبوا البارت العاشر والأخير

في خلال الأسبوع القادم بإذن الله .. راح أنزل البارت كله مرة واحدة

مي الحطاب 04-02-14 08:55 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
جزء جميل يا طموح :)
بس قصييير
تسلم ايدك

طمووح 09-02-14 12:39 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
غدا بإذن الله .. آخر فصول رواية " حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى "

في تمام الساعة 9 بتوقيت ksa

طمووح 09-02-14 08:48 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
(10 )


جلست بإرهاق على السرير بعد أن انتهت من تبديل ثيابها .. لقد انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر ..
قضت مايقارب الأسبوعين في المستشفى حتى أنها كادت تموت من الضجر في الأيام الأخيرة ..

قبل يومين .. دخل الوليد إليها ومعه أحد أصدقائه في الشركة .. وبدا أنه صديقه المقرب .. تمنى لها الشفاء وناولها علبة شوكلاة بدت من النوع الفاخر ..
لم يزورها أحد غيره في الفترة الأخيرة باستثناء سمر .. والمحامي الذي زارها مرة أخرى بعد أن كان قد زارها في أول أيامها في المستشفى .. ولكنها لم تكن قد استعادت وعيها حينها ..

دخل الوليد إلى الغرفة في اللحظة التي كانت فيها تحاول ارتداء حذائها .. فأسرع نحوها وجلس على ركبتيه وهو يقول لها :
ـ دعيني أساعدك
ـ لا داعي .. أستطيع ارتدائه بمفردي
ـ كفاكي عنادا .. هل نسيت كلام الطبيب بهذه السرعة ؟!!

راح الوليد يربط لها رباط الحذاء غير آبها باعتراضها .. فشعرت بالخجل والسعادة في الوقت نفسه ..

ـ حسنا لقد انتهيت .. هل أنتي جاهزة
ـ نعم أنا جاهزة

نهض الوليد من مكانه وقام بحمل حقيبة يدها التي وضعت فيها كل متعلقاتها التي كانت تستخدمها في المستشفى ..

ـ هل أنهيت إجراءات الخروج ؟
ـ نعم أنتهيت منها وسنخرج من هنا على الفور

وأخييرا ستخرج من هذا المكان .. توجهوا نحو المصعد بعد خروجهم من الغرفة .. وتفاجئت بالوليد حينما أحاط خصرها بإحدى يديه وراح يسير وهو قريبا جدا منها !!

ـ لا داعي لكل هذا .. أنا بخير ولن أصاب بمكروه

قالت له ذلك وهما في المصعد .. فابتسم لها ورد بلطف :
ـ أنت لم تتحركي من السرير منذ أكثر من أسبوع .. ماعدا في بعض المرات القليلة .. ولم تبذلي أي مجهود حينها .. لذلك علي أن أكون حذرا

تنفست الصعداء ما إن خرجوا من باب المستشفى .. وشعرت بأنها لم تتنفس الهواء الطلق منذ زمن ..
حينما وصلا إلى السيارة قام الوليد بفتح الباب لها !! .. فقالت له ممازحة :
ـ سأعتاد على هذا الدلال .. وستقع حينها في ورطة لأنك ستضطر إلى تدليلي دوما ..

ضحك الوليد على تعليقها ولم يعلق بشئ ..
بعد ربع ساعة تقريبا كانا قد وصلا إلى البيت .. فراحت تنظر إليه وتتأمله وقد اشتاقت إليه كثيرا ..
أخرج الوليد حقيبتها من السيارة وحينها رأت عم سليم السائق يقترب منهما ويهتف بفرح :
ـ حمدا لله على سلامتك ..
ـ شكرا يا عم سليم

توجه عم سليم على الفور إلى الوليد وحمل الحقيبة عنه .. ثم توجها إلى باب البيت فوجدا خيرية تقف عنده لاستقبالها ..
وما إن اقتربت منها حتى ضمتها خيرية بقوة وهي تهتف بانفعال :
ـ وأخيرا عدتي ..لقد افتقدتك كثيرا كان البيت كئيبا من دونك ..
ـ أنا أيضا افتدتك كثيرا يا خيرية

قاطع الوليد حديثهم فجأة حينما تكلم يسأل خيرية :
ـ أين لمياء ؟؟

أجابته خيرية بتلعثم وهي تقول :
ـ مازالت نائمة يا سيد وليد ..

بدا الوليد منزعجا من عدم وجود لمياء لاستقبالها هي أيضا .. ولكنها بعكسه لم تكن منزعجة .. بل شعرت بالسعادة لذلك !
غير الوليد الحديث حينما استطرد قائلا :
ـ تناولي الحقيبة من عم سليم يا خيرية .. وإذا كنت قد انتهيتي من طعام الغداء فاحضري لسارة غدائها في غرفتها بالأعلى ..

وعلى الفور تناولت خيرية الحقيبة واتجهت نحو السلم لتضعها في غرفتها ..
وهي بدورها سارت نحو السلم لتصعد إلى غرفتها .. ولكنها ما إن اقتربت منه حتى بدأت تستعيد ذكريات ذلك الحادث المؤلم ..
ظلت تتأمل السلم وقد شعرت بأن الوليد لاحظ ترددها في صعوده ..

ـ أعتقد أنه عليك صعود السلم بدلا من تأمله !

هل يسخر منها ؟!! .. ربما ! .. لاشك في أنه قد افتقد هوايته في السخرية منها !
استجمعت قواها أخيرا ووضعت قدماها على أول سلمة .. ولكنها فجأة شعرت بيدين الوليد تحملانها .. وراح يصعد بها السلم بسرعة ..

ـ ماذا تفعل ؟؟ .. انزلني الآن .. يمكنني الصعود بمفردي أنا لم أشل بعد ..

قالت له ذلك معترضة .. فجأبها دون أن يستجيب لكلامها :
ـ أنا الذي سأشل لو انتظرتك حتى تصعديه كله !

دخل بها إلى الغرفة حيث كانت خيرية قد خرجت منها للتو بعد أن رأتهما يدخلان .. ثم وضعها على السرير و تابع يقول لها :
ـ امتحاناتك بعد أسبوع .. وإن أردتي حضورها فعليك سماع كلامي طوال هذا الأسبوع
ـ ولكن أنا ..

قاطعها قبل أن تعترض :
ـ لا تخرجي من الغرفة اليوم .. وأي شئ تريدينه أطلبي من خيرية أن تحضره إليك هنا ..
ـ ألن تكون موجودا اليوم ؟؟
ـ لا .. لدي أعمال كثيرة علي أن أنجزها في الشركة .. وقد آتي في وقت متأخر من الليل .. ولكن هذا لا يمنع أنك لو خالفتي أيا مما قلته لك فستخبرني خيرية بذلك ..
ـ لن أخالف أوامرك يا سيدي !

بعد دقائق من ذهاب الوليد من عندها سمعت صوت طرق على باب الغرفة

ـ ادخلي يا خيرية

ولكنها تفاجئت بعد أن فتح الباب .. فلم تكن خيرية هي من تقف هناك بل كانت لمياء .....
دخلت لمياء إلى الغرفة بعد أن أغلقت الباب ورائها .. ومن ثم وقفت أمامها مكتفة ذراعيها في كبرياء وهي تقول لها :
ـ إذا لقد تعافيتي أخيرا ..
ـ هل هذه طريقتك للترحيب بي بعد عودتي إلى البيت وشفائي ؟!!
ـ لا تمثلي أمامي يا سارة .. ما يصدقه الوليد لن أصدقه أنا ..

لم تعلق على كلامها واكتفت بالتظاهر بالامبالاة بها .. فتكلمت لمياء مرة أخرى ولكن هذه المرة كان صوتها غاضبا :
ـ أنا وأنت نعرف جيدا أنك كنت تبالغين في التظاهر بالإعياء لتكسبي تعاطف الوليد معك ..
ـ لم أكن أعرف أنك تفهمين في الطب وتستطيعين تشخيص حالات المرضى !!

كانت تستهزأ بكلامها .. مما جعل لمياء تزداد غضبا و تعلق قائلة :
ـ لا أفهم في الطب ولكنني لست غبية .. وأفهم تمثيل البنات جيدا ..
ـ عليك أن تفهمي أمرا واحدا يا لمياء .. وهو أنه ليست كل البنات مثلك
ـ انتي تتمنين أن تكوني مكاني وأن تحصلي على ما أحصل عليه

لم تستطع أن تمنع نفسها من الضحك بعد قول لمياء هذا فانفجرت في الضحك .. ثم تابعت تقول في سخرية :
ـ لا داعي لكل هذا يا لمياء .. يوما ما ستتزوجين وسيعتني بك زوجك كما يعتني بي الوليد .. لذا لا داعي لأن تموتي غيظا !
ـ نعم ولكن من سيتزوجني سيعتني بي لأنه يحبني وليس لأنه يشفق علي كحال الوليد معك ..

شعرت بأن كلامها جارحا جدا .. وتمنت لو أن تقوم بصفعها .. ولكنها لا تمتلك القوة لأي شجار الآن .. فاكتفت بالقول لها :
ـ لا تتدخلي في علاقتي بالوليد .. لست صغيرة لأخبرك بأنه من غير اللائق التدخل في الشئون الخاصة بالآخرين ..

لم تكن لمياء لتسكت لها على هذا الكلام .. ولكنها ما إن فتحت فمها حتى سمعا طرقا على الباب .. أعقبه دخول خيرية إلى الغرفة ..
كانت تحمل صينية في يدها وضع عليها حساء ساخن .. شعرت بالارتياح لأنها قد أتت في تلك اللحظة لتخلصها من لمياء ..

بدت لمياء أكثر غضبا لقدوم خيرية قبل أن تنهي مالديها من كلام .. وما إن لمحتها خيرية حتى قالت :
ـ سيدة لمياء ! .. لم أتوقع أن تكوني هنا ..

وضعت خيرية الصينية بجانبها ثم تابعت تقول للمياء :
ـ لو كنت استيقظتي قبل خمسة دقائق فقط لكنتي قد لحقتي بالوليد ..

لم تقل لمياء شيئا .. ولكنها بقيت واقفة في مكانها .. ففهمت أنها تنتظر خروج خيرية حتى تكمل حديثها .. ولكنها لم تكن لتترك لها هذه الفرصة .. فقالت موجهة كلامها لخيرية :
ـ لمياء أتت فقط لترحب بعودتي سالمة إلى البيت .. وقد فعلت ذلك وهي سترحل الآن ..

أرادت أن تطردها ولكن بلباقة .. فبدت لمياء كما لو أنها تلقت صفعة .. وبدأت خيرية تنتبه أن هناك جوا من التشاحن يدور بينهما .. ولكنها تظاهرت بأنها لم تلاحظ شيئا ..

وأخيرا توجهت لمياء نحو باب الغرفة بعد أن رمقتها بنضرة حقد .. وخرجت من الغرفة صافعة الباب ورائها !


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ


اليوم هو الجمعة .. أول امتحان لها سيبدأ في الغد .. لذلك طلبت من سمر بالأمس أن لا تأتي إليها اليوم وأن تركز هي أيضا في دراستها ..
لقد ساعدتها سمر كثيرا حيث كانت تأتي إليها طوال هذا الأسبوع لتساعدها فيما فاتها من المحاضرات .. ومن الأنانية أن تتركها تأتي إليها اليوم أيضا .. فمن الطبيعي أن هناك ما تحتاج إلى استذكاره بتركيز أكثر وهي بمفردها ..

قضت أغلب أوقاتها طوال هذا الأسبوع في غرفتها .. حتى في وقت الغداء لم تكن تخرج من الغرفة بل كانت تتناوله في غرفتها .. فساعدها ذلك أن لا تلتقي بلمياء كثيرا ..

مر النهار سريعا في هذا اليوم .. ولم تشعر بالوقت وهو يمضي .. حتى أنها حينما نظرت إلى الساعة ووجدتها تشير إلى العاشرة تفاجئت بذلك ..
لقد اعتادت كل يوم أن تنام في مثل هذا الوقت .. ولكنها لن تستطيع أن تفعل ذلك اليوم .. فمازال لديها الكثير من المذاكرة التي لم تنهيها بعد ..

حينما دخل الوليد إلى الغرفة تفاجأ حينما رآها مازالت مستيقظة .. وأخذ يجول بناظره على الورق المبعثر حولها في كل مكان على السرير ..

ـ ألم تنامي بعد ؟!
ـ لا .. مازال لدي الكثير من المذاكرة .. حتى لو بقيت مستيقظة إلى وقت الامتحان فقد لا أنتهي منها كلها

قالت ذلك وهي تشعر بالكآبة .. وراحت تقاوم دموعها حتى لا يراها الوليد وهي تبكي ..
لم يكن من الجديد عليها أن تبكي قبل الامتحان !! .. لقد اعتادت أن يحصل معها ذلك في كل امتحاناتها .. ولكن ما أزعجها هذه المرة أن يحدث هذا أمام الوليد ..

ظل الوليد واقفا مكانه عند الباب وقد شعرت بأنه لاحظ دموعها التي حاولت اخفائها عنه ..
ظل يتأملها بدهشة وكأنه يحاول أن يستوعب الموقف .. ثم بعد ذلك بقليل لاحظت أن دهشته تبدلت ليحل محلها رغبة شديدة في الضحك !!

فسألته وقد انتابها الغضب :
ـ هل يبدو لك الأمر مضحكا ؟!!

وهنا انتبه الوليد لنفسه و بدأ يحاول أن يرسم الجدية على ملامحه ثم أجابها قائلا :
ـ لا بالطبع لا .. أنا فقط متفاجأ قليلا فلم أرى من قبل أحدا يبكي على أمر يتعلق بالدراسة !
ـ لست معقدة نفسيا .. ولكنني أشعر بالاكتئاب لأنني لم أنهي شيئا بعد ..
ـ لطالما نقول لأنفسنا ذلك ولكننا نكون نبالغ .. لا أذكر يوما دخلت فيه امتحانا وأنا لا أقول لنفسي أنني لم أنهي مذاكرتي بعد .. ولكنني كنت اجتازه في الاخير !

كان يحاول أن يرفع من معنوياتها قليلا .. فمسحت دموعها وحاولت أن تستعيد نشاطها لأن اليأس ليس من صالحها في هذا الوقت بالذات ..

ظل الوليد واقفا مكتفا ذراعيه وهو يتأمل مكان نومه الذي امتلأ برزم من الورق والكتب .. فسألته بتوتر :
ـ هل تفكر في النوم الآن ؟!! .. ستتركني أسهر للمذاكرة بمفردي ؟!!

بدا الوليد مترددا في الاجابة ولكنه حينما رأى الدموع تتجمع في عينيها من جديد حتى رفع يديه مستسلما و هو يقول :
ـ حسنا حسنا .. لن أنام الليلة حتى تنامي انت ..
ـ أنت تقول ذلك فقط لأنك تشفق علي .. ولكنك في الحقيقة لا تريد السهر معي .. وأنا لا أريد أن أرغمك على شئ لا تريده

راحت تمسح دموعها التي كانت تنهم بغزارة .. فاستطرد الوليد قائلا :
ـ بالله عليك يا سارة ! .. ما كل هذا البكاء ؟؟ انت لم تكوني بتلك الحساسية حتى في أيام حملك !!

شعرت بالانزعاج لأنها ولا شك تبدو الآن كالطفلة أمامه .. فبدأت تجفف دموعها وهي تتوعد نفسها إن عاودت البكاء من جديد أمامه ..

ـ سأسهر الليلة معك .. لا تجادليني في ذلك لقد قضي الأمر .. والآن إذا كنت تريدينا أن نبقى مستيقظين فمن الأفضل أن ننزل إلى الصالة بالأسفل .. لأن منظر السرير وحده يجلب الشعور بالنعاس ..

وافقته الرأي فبدأت تجمع كتبها و أوراقها وقام هو بمساعدتها في ذلك .. ثم نزلا إلى الأسفل فوضعا أغراضها على الطاولة التي في غرفة التلفاز .. وفي تلك اللحظة تثائب الوليد أمامها .. وحينما لاحظ أنها تنظر إليه قال لها:
ـ حسنا لا تنظري إلي هكذا .. سأقوم بإعداد فنجان قهوة الآن وسيساعدني هذا في أن أستفيق قليلا ..

انصرف الوليد إلى المطبخ .. ومضت بعض الدقائق حتى بدأت رائحة القهوة تتجلى من المطبخ .. فشعرت بالحنين لها .. لطالما عشقت هذه الرائحة لارتباطها بالوليد ..
لم تستطع أن تمنع نفسها فلحقت به في المطبخ ..
كان قد انتهى من اعدادها للتو .. ورأته يرتشف من الفنجان ليتذوقها .. ثم أومأ برأسه وأطلق نبرة استحسان فظهرت غمازاته .. وراح يقول لها:
ـ لقد نجحت في صنعها .. ليست تماما كما تعدها خيرية ولكن لا بأس بها ..
ـ دعني أتذوق طعمها لأقيمك عليها ..

ناولها الوليد الفنجان دون تردد .. فارتشفت القليل منه ثم اتجهت به مسرعة إلى خارج المطبخ وهي تقول له :
ـ لن تمانع بالطبع من أن آخذه لي ..
ـ ماذا ؟؟ .. ولكن .. انتظري ...

لم تترك له فرصة للاعتراض وتركته يقف مصدوما في مكانه ..
بقيت تنتظره في الصالة إلى أن جاء أخيرا وهو يتذمر :
ـ الفنجان الذي سرقته مني كان مذاقه أطيب من فنجاني الآن ..
ـ ههههههههههههههه إنها حظوظ
ـ لو لم أكن أعرف مرارة القهوة التي تصنعينها لكنت جعلتك مدينة لي بفنجان قهوة آخر ..

ذكرها كلامه بتلك المرة التي جاء فيها المحامي إلى البيت واضطرت لإعداد القهوة لهم بنفسها وكانت شديدة المرارة لنسيانها وضع السكر فيها .. أحمر وجهها خجلا وهي تتذكر ردود أفعالهم بعد تذوقها ..

ـ عليك أن تتوقفي عن الشرود وتنهي مذاكرتك قبل أن ينتهي مفعول القهوة ..

تنبهت لواقعها من جديد .. وعادت تتابع مذاكرتها في الوقت الذي جلس فيه الوليد على الكنبة بجانبها وبدأ يعمل على حاسبه الشخصي ..
بقيا على هذه الحال طوال الليل .. ولم يتحركا إلا بعد أذان الفجر .. فصلياه معا .. وبعدها لم تتمكن من الصمود أكثر فبقيت تغفو بين الحين والآخر ..

ـ سارة ..

سمعت صوت يأتي من بعيد .. ففتحت عينيها لترى وجه الوليد فوقها .. كانت تضع رأسها فوق رجليه وتشعر بأصابعه وهو يداعب شعرها .. كان يتأملها بعمق .. فراحت تتأمله هي الأخرى ..

هل هي في حلم ؟!!
راحت تفرك عينيها في محاولة منها للإفاقة من النوم واستعادة تركيزها ..

ـ هيا استيقظي .. إنها الثامنة صباحا .. امتحانك بعد ساعة من الآن

همس لها بذلك .. فرفعت رأسها بسرعة وأخذت تنظر حولها .. إنها في الصالة .. لقد نامت أثناء مذاكرتها .. وهنا هتفت برعب :
ـ يا إلهي لقد نمت دون أن أراجع على ما ذاكرته !

تكلم الوليد محاولا أن يخفف عنها :
ـ الوقت الذي نمتيه الآن سيفيدك في الامتحان أكثر من المراجعة .. لم يكن من المعقول أن تدخلي الامتحان وأنت مرهقة دون أن تحصلي على أي قسط من النوم !!

لم تستغرق وقتا طويلا في تبديل ملابسها .. أما الوليد فكان قد سبقها وبقي ينتظرها في الصالة ..
وحينما نزلت إليه مرة أخرى كانت خيرية تقف هناك هي الأخرى وفي يديها تحمل صينية وضع عليها الفطور ..

ـ صباح الخير سيدة سارة
ـ صباح الخير

ردت عليها التحية ثم ألتفتت إلى الوليد وقالت له :
ـ أنا جاهزة .. هيا بنا حتى لا نتأخر

وهنا اعترضت خيرية وقالت :
ـ لا يمكن أن تخرجوا من البيت قبل أن تأكلوا شيئا ..
ـ أنا سأتناول فطوري في الشركة اليوم يا خيرية ..

هكذا أجابها الوليد .. فاستطردت تقول هي الأخرى :
ـ وأنا ليس لدي وقت يا خيرية .. سأحاول أن أتناول شيئا في الجامعة قبل دخولي الامتحان ..

ألتفت إليها الوليد وقال لها :
ـ خيرية معها حق .. اشربي العصير على الأقل هذا سيزودك ببعض الطاقة ..

عرفت أنهم لن يتركوها حتى تأكل شيئا .. ولم يبقى لديها الكثير من الوقت كي تجادلهم .. فتناولت عصير البرتقال من على الصينية وشربته بسرعة .. ومن ثم تناولت بعض الفطائر وقالت وهي تندفع نحو الباب :
ـ سأتناولهم في السيارة .. هيا بنا يا وليد

وأخيرا ركبت السيارة وانطلق بها الوليد على الفور ..

ـ لا تتوتري .. التوتر هو مايفسد الأمر .. أذكر عندما كنت في الجامعة كنت أدخل الامتحان وهناك معلومات كثيرة في المنهج لم أطلع عليها ..

شهقت حينما أخبرها بذلك .. فابتسم لها وتابع يقول :
ـ ولكنني كنت اجتازه بسهولة وأحصل على درجات مرتفعة أيضا !
ـ كيف ذلك ؟؟ هل كنت تغش ؟؟
ـ هههههههههههههههههههههههه .. بالطبع لا .. ولكن السر يكمن في برودة أعصابي وقتها .. لم أكن من النوع الذي يتوتر في الامتحانات .. وحينما كان يأتي سؤال لا أعرف اجابته .. كنت أحاول الاسترخاء قدر الإمكان لأتمكن من التركيز بكفاءة عالية .. ثم أمسك بالقلم وأبدأ في كتابة جواب للسؤال .. كنت أتذكر معلومات سمعتها في المحاضرة في هذا الشأن وأكتبها ..
ـ وهل كان هذا يجدي ؟؟؟
ـ نعم .. على الأقل كنت لا أخسر درجة السؤال كلها .. ولكن كما قلت لك السر يكمن في برودة أعصابك وعدم توترك

شعرت بارتياح كبير بعد كلامه هذا .. لا تشك أبدا في أن الوليد شخصية مثالية في كل شئ .. حتى في دراسته .. راحت تتأمله وهو منشغل في القيادة .. من النادر أن يكون أحدا بكل تلك الوسامة والذكاء في وقت واحد .. كم كانت محظوظة به !

حينما وصلا إلى الجامعة سألها قبل أن تنزل :
ـ متى سينتهي امتحانك ؟؟
ـ في الثانية عشرة ظهرا
ـ جيد .. لدي راحة غداء في هذا الوقت لذا سآتي لأقلك إلى المنزل
ـ لا شكرا لك .. يمكنني انتظار السائق .. لا تتعب نفسك من أجلي أكثر من ذلك يكفي أنني أسهرتك معي طوال الليل
ـ لا تعترضي يا سارة ولا تشكريني .. هذا مايجب أن أقوم به .. فرغم كل الظروف التي مررنا بها إلا إنك لا زلتي زوجتي .. وعلي الاعتناء بك .. وأعلم جيدا أنك كنت لتقفي بجانبي وتهتمي بي أكثر من ذلك لو كنت أنا الذي أمر بتلك الظروف

نزلت من السيارة وهي تفكر في كلماته تلك .. لقد تبدلت تصرفات الوليد كليا معها .. فهل يعطيها هذا الأمل في أنه قد بدل قراره بشأن الطلاق ولم يعد ينوي أن يطلقها ؟!!

لا .. لقد تعلمت الدرس جيدا .. ولن تعلق نفسها بأية آمال هذه المرة .. يكفيها كل ماحدث معها وكل ما عانته نفسيا بسبب الوليد ..
ستترك الأمور تجري كما هو مقدر لها .. ولن ترهق عقلها بأي تفكير فيما قد يحدث في الأيام القليلة القادمة ........................


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أمضت بقية الأسبوعين على نفس الحال .. وفي أغلب الأحيان كان الوليد هو من يوصلها إلى الجامعة ويقلها منها إلى البيت .. وبقي أيضا يسهر معها في الليالي التي كانت تواصلها لتنهي مذاكرة المادة قبل الامتحان .. وهو ما كان له الأثر الكبير في نفسها .. و ساهم في تهوين الأمور من عليها .. فلم تعد تتوتر في ليلة الامتحان كما في السابق !!

تمنت لو أن تطول امتحاناتها أكثر حتى تقضي وقتا أطول مع الوليد .. ولكن اليوم كان آخر امتحان لها ...
أوصلها الوليد كعادته وأخبرها بأنه سيأتي ليقلها .. ولكنها طلبت منه أن يتأخر ساعة عن وقت اصطحابها لتقضي بعض الوقت برفقة سمر ..

حينما خرجت من الامتحان .. كان هناك ازعاجا كبيرا في الجامعة نظرا لصوت الصراخ الذي يصدر من الطلبة احتفالا بأنهم أنهوا آخر امتحان لهم .. والبعض منهم كان قد أحضر معه جرة فخارية ليقوم بكسرها في تقليد متعارف عليه عندما تترك مكانا لم تكن تطيقه ..

ـ لقد انتهينا .. انتهينا .. سنتخرج أخيييرا من كلية الطب

هكذا هتفت سمر بفرحة عارمة وراحت تضمها بقوة .. ثم فتحت ذراعيها إلى السماء وتابعت تقول :
ـ أنا دكتورة .. لا أصدق .. أنا دكتووووورة

وهنا انفجرت سارة من الضحك برغم كل ما كان يشغل بالها .. وعلقت قائلة :
ـ اهدئي يا سمر .. مازلنا لم نحصل على الشهادة بعد
ـ أنا لا أهتم بتلك الشكليات .. لقد انتهينا من الامتحانات وأدائنا فيها كان جيدا .. لذا سأعتبر نفسي من اليوم بأنني قد تخرجت وأصبحت دكتورة بصفة رسمية
ـ حسنا يا دكتورة .. أتمنى أن يحصل كلانا على البعثة
ـ دعك من التفكير في هذا الآن ودعينا نحتفل .. تعالي سأدعوك على الغداء بهذه المناسبة
ـ لا .. لا ليس اليوم .. هناك الكثير من الأمور التي علي إنجازها اليوم

خفت حماسة سمر وبدأت تلاحظ القلق الذي تبدو هي عليه .. فقالت لها وقد تبدل صوتها كليا لتظهر عليه نبرة التوتر :
ـ اها صحيح .. كدت أنسى ذلك .. اليوم ستتوضح لك الأمور مع الوليد
ـ أنا ارتجف بمجرد التفكير في ذلك .. ماذا تتوقعين أن يحدث ؟؟

تنهدت سمر بعمق قبل أن تقول :
ـ لأول مرة في حياتي لا أستطيع تخمين ما الذي سيحدث .. حياتك مع الوليد كانت معقدة جدا .. قبل شهر فقط كنت أجزم بأنه سيطلقك لا محالة .. وكنت أبذل شتى الطرق لإقناعك بذلك .. ولكن بعدما رأيت اهتمامه بك في المستشفى .. وخصوصا استمراره في الاعتناء بك حتى بعدما تعافيتي .. لم أعد أستطيع أن أجزم بشئ
ـ ولا أنا أستطيع أن أجزم بشئ ...

ربتت سمر على كتفها وراحت تقول لها :
ـ أيا كان ماسيحدث فتأكدي من أنه الخير لك .. ولا تكدري نفسك وقلبك على شئ لم يكتب لك ...

عرفت أن سمر تحاول أن تهيأها للأسوأ .. ولكنها كانت ولأول مرة منذ أن تزوجت الوليد متهيأة لفكرة الطلاق منه ! .. لقد غلبت عقلها على قلبها .. وستستمع لصوت العقل من جديد ..

ـ علي أن أكون عند البوابة الآن .. سيأتي الوليد في أي وقت

رافقتها سمر إلى البوابة .. وما إن أصبحا بالخارج حتى رأت سيارة الوليد تقف هناك ..

ـ هاهو لقد أتى .. أراكي لاحقا
ـ أتمنى لك حظا موفقا

ركبت السيارة على الفور ثم بادرته بالسؤال :
ـ منذ متى وأنت تقف هنا ؟؟ هل تأخرت عليك ؟؟
ـ لا أبدا لقد وصلت للتو

سكت قليلا ثم تابع يسألها :
ـ كيف كان امتحانك اليوم ؟؟
ـ ليس بالجيد .. وليس بالسئ .. أعتقد أن ادائي فيه كان لا بأس به
ـ أتمنى أن تحصلي على أعلى تقدير حتى لا يضيع سهري معك هباء
ـ هههههههههههههه نعم أعتقد أنك قد تعبت مثلي إن لم يكن أكثر مني في هذه الامتحانات
ـ أنا أيضا أعتقد ذلك

سادت فترة من الصمت بينهما فازداد معه توترها وارتباكها .. لم يقطع هذا الصمت سوى صوت الأغنية المنخفض الذي ينساب من راديو السيارة .. أخذت تتفكر في كلمات هذه الأغنية .. لم تكن تلك أول مرة تسمعها فيها .. ولكنها لأول مرة تتأثر بمعانيها ..


وندهلي حبيبي جيت بلا سؤال ..
من نومي سرقني من راحة البال
أنا على دربه ودربه عالجمال
يا شمس المحبة حكايتنا اغزلي ..

أنا لحبيبي وحبيبي إلي ..
يا عصفورة بيضا لا بئى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي ..


أغمضت عينيها وهي تقول لنفسها بمرارة " أنا لحبيبي وحبيبي إلي ؟!! .. ليتها كانت بتلك البساطة يا فيروز ! "


بعد دقائق من الصمت شعرت بأن الوليد يشعر بالتوتر هو الاخر .. فقررت أن تبدأ هي بالحديث عوضا عن هذا الصمت المطبق .. ترددت قليلا قبل أن تقول :
ـ هناك أمور كثيرة علينا أن نتحدث فيها
ـ نعم علينا أن نتحدث ..

قال ذلك ثم أوقف سيارته في نفس اللحظة .. فنظرت إليه باستغراب وهي تسأله :
ـ ماذا.. لماذا توقفت ؟؟ ألن نذهب إلى البيت ؟؟

تجاهل الرد على سؤالها وعوضا عن ذلك وجدته يقول :
ـ أنا أحب هذا المكان كثيرا .. نافذتي في الشركة تطل عليه .. وكثيرا ما كنت أرتاده حينما أكون بحاجة إلى التفكير في أمور هامة في حياتي ..

ترجل من السيارة بعد أن قال ذلك فلحقت به هي الأخرى .. كانا يقفان على جسر يطل على البحر .. لقد عاشت مايقارب الست سنوات في هذه المدينة ولكنها لم يسبق لها وأن رأت مكانا فيها في غاية الجمال كهذا ..

لم يكن هناك الكثير من الناس حولهم .. وكان الهدوء يعم على المكان فلم يكونا يسمعان سوى صوت الأمواج التي ترتطم بالصخور تحتهم ..

ـ هل أعجبك المكان ؟

سألها الوليد ذلك فأجابته دون أن تنظر إليه وهي مبهورة بما حولها :
ـ إنه راااائع .. أنا أحسدك لأن شركتك تطل على مكان كهذا

ابتسم الوليد على تعليقها .. وقال لها :
ـ لم يسبق وأن رافقني أحد إلى هنا .. انتي أول من يرافقني في هذا المكان

استندا على سور الجسر وأخذا يتأملان لون البحر شديد الزرقان .. ثم سمعته يقول لها :
ـ دعينا نناقش أمورنا هنا .. هذا المكان أنسب من البيت لأنه لا يوجد سوانا هنا ..

وافقته على تلك الفكرة .. فهنا سيتكلمان براحتهم دون القلق من لمياء أو حتى خيرية ..
وجدت نفسها تقول له :
ـ لقد أنهيت دراستي يا وليد .. أصبح بإمكانك الآن أن تنفذ ما كنت تخطط له

نظرت إليه فوجدته يخفف من ربطة عنقه قليلا .. ثم نظر إليه بتعمق وهو يقول لها :
ـ أنتي تحبيني يا سارة

فاجئتها جملته كثيرا .. وشعرت كما لو أن قلبها سينتزع من مكانه من شدة خفقانه .. لم تستطع أن تنطق بشئ .. وبقيت صامتة فتابع هو يقول :
ـ أعرف أنك لم تكوني تهذين حينما أخبرتني بذلك في المستشفى .. لم تستطيعي خداعي حينما أخبرتني بأنك لا تتذكرين ماحدث .. فعينيك كانت تخبرني بعكس ذلك

تنهد بعمق قبل أن يتابع :
ـ حينما عدت إلى البيت أبحث عنك في ذلك اليوم ووجدتك غارقة في دماؤك .. كدت أن أفقد صوابي .. ورحت أتذكر كل ما فعلته معك .. أعلم أنني أسأت معاملتك كثيرا .. وأنني وجهت إليك اتهامات باطلة .. وما كنت لأسامح نفسي أبدا لو كان قد أصابك مكروه ..

سكت ليسمع منها تعليقها .. ولكنها بقيت صامتة فسألها :
ـ ألن تقولي شيئا ؟؟

وجدت صوتها أخيرا وبادرته بالسؤال :
ـ هل أحببتني يوما يا وليد ؟؟؟؟
ـ أحببتك يا سارة أكثر مما تتخيلين .. أحببتك منذ البداية ولكنني كنت لا أعترف لنفسي بذلك .. بل عوضا عن هذا وجدت نفسي أعاقبك على حبي لك !! .. ظننت أن حبي لك بمثابة الخيانة لخطيبتي السابقة نورهان .. لقد قلبتي حياتي كلها .. وبدلتي كل مخططاتي .. في السابق كنت أريد الانتقام من أجل هذا .. ولكنني الآن لم تعد تتملكني تلك الرغبة .. بل أصبحت أحمد الله على وجودك في حياتي ..
ـ هل مازلت تحب نورهان ؟؟
ـ مع كل هذا التعلق بك لم أستطع نسيانها .. لقد كانت خطيبتي يا سارة .. وكنت سأتزوجها .. قضيت معها أيام لم أستطع أن أمحوها من ذاكرتي ..

سكت قليلا وبدا أنه يحاول أن يرتب كلماته ثم تابع :
ـ ذلك الفتى الذي بدا مهتما بك كثيرا حينما أتى زملاؤك لزيارتك في المستشفى .. شعرت بأنه يهتم بك أكثر من باقي الزملاء .. الأمر الذي جعلني أشعر بالغيرة عليك !! .. أنا أخاف عليك .. وأفتقدك .. وأغار عليك .. ومع هذا كله مازلت أحب خطيبتي السابقة ….

ـ لا يمكن أن يحب القلب اثنين يا وليد ..

ـ أنتم النساء لا تتسع قلوبكم إلا لشخص واحد .. أما نحن الرجال نستطيع أن نفعل ذلك .. ربما لهذا السبب أحل لنا الشرع تعدد الزوجات ..

نظرت إليه بذهول قبل أن تسأله :
ـ هل ستجعل نورهان زوجة ثانية ؟؟؟
ـ لا أريد أن أطلقك .. ولا أستطيع نسيانها .. لذا سأطلب منها الزواج هي أيضا ..
ـ وهل ستوافق هي أن تكون زوجة ثانية ؟؟؟
ـ لو كانت تحبني فستوافق ..
ـ وماذا إن لم توافق ؟؟
ـ إذا سأحاول نسيانها مجددا .. انت زوجتي .. ولن أطلقك من أجلها .. قد أكون كنت أفكر في ذلك في السابق .. ولكن الأمور قد اختلفت الآن .. لقد أحببتك ..

ـ لقد أحببتك أنا أيضا يا وليد .. ولكنني لن أقبل بذلك .. لقد تعبت من كل هذا .. تعبت من الحياة مع رجل يحب غيري ..
ـ لكنني أحبك أيضا يا سارة !
ـ أنا واثقة من أنك لم تحبني كما أحببتها هي ..

ـ وأنا واثق من أنها لم تحبني كما أحببتني أنت .. صدقيني أنا لن أستطيع العيش بدونك .. حينما دخلتي إلى المستشفى عرفت مدى قيمتك عندي .. كنت أكره العودة إلى البيت لأنك لن تكوني موجودة فيه !! .. أصبت باكتئاب طوال اليومين اللذين كنتي غائبة فيهما عن الوعي .. شعرت بأن هناك شيئا ما ينقصني وأنني لن أتمكن من إكمال حياتي من دون هذا الشئ ..
ـ لو كنت تحبني بحق لكنت عرفت قيمتي في وجودي قبل أن تعرفها في غيابي ..

منذ بضعة أسابيع فقط كانت تفعل المستحيل لكي تقنع الوليد بالتراجع عن فكرة الطلاق .. والآن هو الذي يحاول اقناعها بالعدول عنه والاستمرار معه.. يا لسخرية القدر !

راح الوليد يخفف أكثر من ربطة عنقه ومن ثم سألها بصوت مهتز :
ـ هل حقا تريدين الطلاق ؟؟
ـ أنا أعرف جيدا ما أريده يا وليد .. ولكن هل تعرف أنت ما تريده ؟!!
ـ أريدك وأريدها ...
ـ إذا عليك أن تختار بيننا ..
ـ أتخيرينني بين الهواء والماء ؟؟؟
ـ عليك أن تختار يا وليد .. عليك أن تختار
ـ من الصعب أن أختار .. أرجوكي أن تفهمينني يا سارة
ـ إذا سأختار أنا ..

ساد الصمت بينهما .. وبدا الوليد مترددا قبل أن يقطعه بسؤاله :
ـ و ماذا ستختارين ؟؟
ـ سأختار كرامتي .. وراحة بالي .. والحياة باستقرار .. وهي أمورا لم أجدها معك ياوليد

بقي الوليد صامتا ولم ينطق بكلمة .. فتابعت تقول له :
ـ دعنا ننتهي من كل ذلك اليوم .. طلقني يا وليد .. لا أريد أن أعاني أكثر من ذلك ..

بقيت تنتظره أن يتكلم .. وراحت تتأمله وهو يشيح بوجهه عنها وينظر إلى البحر .. مضت الدقائق ببطأ .. قبل أن تجده يلتفت إليها ويتكلم أخيرا ..

ـ ليتني عرفتك قبلها .. كان الأمر سيختلف كثيرا عما هو عليه الآن

ابتلعت ريقها بصعوبة كبيرة .. وقالت له بصوت مخنوق :
ـ ياليت يا وليد .. ياليت ....

اقترب الوليد منها ليطبع قبلة دافئة على جبينها .. ومن ثم همس في أذنها بكلمة لطالما كانت تخشى سماعها منه : " انتي طالق "

هل تنهي هذه الكلمة حكايتها بالوليد ؟!!
هل بهذه البساطة تنتهي الحكايات ؟!! .. بكلمة واحدة ؟!!!

ستوثق كل ماعاشته معه على الورق .. ولكنها ستترك النهاية مفتوحة ..
فلربما لا تكون هذه هي النهاية .. ربما تأتيها البعثة التي تحلم بها في كندا .. وربما تقابله حينها هناك .. وربما يكون وقتها استطاع تحرير قلبه ليعطيه لها وحدها .. ربما وربما وربما ...
الشئ الوحيد الذي هي أكيدة تماما منه الآن .. هو أن الوليد استحق بجدارة لقب (حبيبً تحملتُ منهُ الأذى) !


" تمت "

moogah 09-02-14 10:23 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
رووعه
ونهايه حزينه لكن منطقيه

يعطيك العافيه طموح بانتظارك بابداع جديد

شرقاوية عسل 10-02-14 03:15 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مرحبا بك يا طموح

أولاً وقبل كل شيء نطالب بجزء ثاني للرواية وانتهى الموضوع

نريد أن نسافر مع البطلة لنعرف هل استفادت من هذا الدرس الصعب ولا لأ ؟؟؟؟؟؟

المهم

الرواية

ياما سمر نصحت سارة لا ترمي نفسها على وليد لكنها لم تسمع مشت وراء قلبها كما تطير الفراشة إلى اللهب فتحترق

وما خسرته سارة لا يعوض ثمن ليلة واحدة

أرى أنها هي السبب لانها قد اوحت له بذلك طبخت ولبست وتساهلت معه حتى أعطتهإيحاء أنها تريده

نعم تحملت الأذى لكنها هي من جلبت لنفسها الأذى

لا ترقص أمام الذئب وتستثيره ثم تقول له لماذا هاجمتني وأكلتني حياً.....

تستحقين يا سارة كل ما جرى لك

لذا يا طموح نريد ان نعرف استفادة أم لا من درسها الاسود

شكراً وبارك الله فيك ننتظر الجزء الثاني ثم جديدك

طمووح 10-02-14 04:21 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
أهلين فيك يا شرقاوية عسل ..

نظرتي للبطلة تختلف تماما عن نظرتك ليها ..
حتى اثناء كتابتي وتخيلي للشخصية كنت متعاطفة معاها :)
الرؤية اللي كنت بسعى لإني أوصلها للقراء هي كيفية تغير تصرفات سارة وطريقة تناولها للأمور فقط بسبب الحب !
كانت شخصية ناجحة وقوية في حياتها وحازمة في قراراتها ومع ذلك تجديها أمام الوليد تتحول لانسانة مختلفة .. ربما لأنها أصبحت تستمع لصوت قلبها وليس لصوت العقل !
والدرس اللي تعملته سارة من كل دا هو إن تغليب القلب على العقل لم يجلب لها سوى المشاكل ..
وبالفعل قرارها في اخر الرواية أكبر دليل على إنها تعلمت الدرس جيدا

يعني اختلافي معاكي هو إني بألقي اللوم على الحب وليس على سارة ..
والوليد كان السبب في هذا الحب …

بالنسبة لطلبك جزء ثاني من الرواية فأنا خيالي لم ينطلق لما بعد هذه النهاية ..
وتركت النهاية إلى حد ما مفتوحة حتى يسرح كل قارئ بما يتوقعه لهما في المستقبل

وأخييرا أسعدتني متابعتك للرواية :smile:

ريم السعودية 10-02-14 04:27 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
السلام عليكم
شكرا طموح لانك كملتي الرواية لنهاية
بس انصدمت من نهاية
تمنيت تكون نهاية سعيدة
بس بنهاية بتكون نهاية واقعية
ويسلمو ياعزيزتي واتمنى نشوفك في رواية جديدة قريبا

طمووح 10-02-14 04:38 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
أسعدتني متابعتك يا ريم ..

لكي تحياتي :flowers2:

عصفورالجنة 10-02-14 09:00 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
جميله جدااااطموح لكن كنت اتمنى ان تكون النهايه غير كده شكرااااالكى طموح على هذه الروايه الرائعه
وهل توجد روايه جديده سنقرؤها قريبا على ليلاس وفقكى الله حبيبتى

nada yousef 10-02-14 09:06 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
تسلم ايدك روايه رائعه ونهايتها منطقيه جدا والوليد اناني مش عايز يخسر الاتنين وسارة كان اختيارها صح منتظرين الجديد

طمووح 10-02-14 09:56 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصفورالجنة (المشاركة 3415792)
جميله جدااااطموح لكن كنت اتمنى ان تكون النهايه غير كده شكرااااالكى طموح على هذه الروايه الرائعه
وهل توجد روايه جديده سنقرؤها قريبا على ليلاس وفقكى الله حبيبتى

عزيزتي عصفور الجنة أنا انبسطت كتيير بمتابعتك الدائمة للرواية وكنت انبسط كتيير بتعليقاتك وبباقات الورود اللي فيها :flowers2::flowers2:

بصراحة مش من مخططاتي حاليا كتابة رواية جديدة وتفكيري كله مشغول بكتابة سيناريست لفيلم سينمائي .. ادعيلي بالتوفيق

ولكي مني كل تحياتي

غرام الدانتيلا 11-02-14 02:33 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
روايه بجد هايله وعظيمه بحيكي على الابداع بس المسكين سارة تظلمت كثير وكمان جيتي عليها في النهايه توقعت على المرار الي شافته في حياتها حايتعوض بحب وليد ليها بس طلع حقير واناني وعايز يجمع الاثنين قال ايه هوا ومويه في عينه قال بحبها كثير ازاي حتى مااترجاها تتركه كانه ماصدق تقول طلقني وموش راضي يختار بينهم للدرجه دي بيكذب عليها وبيضحك كمان لكن ايه مصيره ومصيرها في المستقبل
بتمنى بجد جزء ثاني ليه لان النهايه مفتوحة وعايزين نعرف ايه الي راح يحصل بتمنى ياطموح في جزء ثاني حتى لو نزلتيه السنه الجايه مش مهم بس عايزين نعرف نهايه الموكوس وساره ايه

فيوري 11-02-14 02:10 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
نهاية حزينة .... وبعد كل لحظات الفرح والحزن والحب خاصة في المستشفى ... ولكنها واقعية خاصة ان الوليد لن يتخلى عن لمياء وهي في حد ذاتها كارثة ....رواية رائعة واول رواية حزينة اقراها واحبها واكثر مااعجبني فيها هو قدرتك على الوصف لدرجة تشعرني بالبكاء احيانا والضحك احيانا اخرى وكاني اعيش معهم الاحداث ...شكرا

fadi azar 11-02-14 11:06 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
رواية رائعة جدا الوليدلا اعرف كيف يحبها ويتخل عنها بسهولة وانا لااعتقد ان وصية عمها انه يتزوجها ثم يطلقها وهيك يكون حقق الوصية اكانه يضحك على ابيه والده وصاه بالزواج منها لكي يصونها طول العمر وليس لفترة قليلة فهو لم يحقق وصية والده باعتقادي انا مع قرارها ان تفترق عنه لانها في النهاية ستجد من يحبها لنفسها والوليد ولمياء خصروابنت عم وهزا ما اراده والدهم ان يتواصلو مع بنت عمهم لكن الانانية والتكبر خصرهم جميعا وانا ايضا اتمنى ان تعملي جزء تاني للرواية ليعرفو مازا اراد والدهم بهزا الزواج

لامار جودت 12-02-14 03:25 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
مش معقول ما هذه النهاية الماساوية مش ممكن تكون خلصت على كده اكيد فى جزء ثانى ماتتركينا فى هاالحيرة الروايةكتيير روعة وكتيير حبيتها واختلفت معبعض الاعضاء الى شافوا سار لزقة او ضعيفة بالعكس انا شفت انها فى منتهى القوة وهى عملت اللى عليها

so.so 13-02-14 05:32 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصفورالجنة (المشاركة 3391343)
:party0033::55::party0033::123:
مبروك حبيبتى طموح على الاوسمه

الموقع كتير بطيء ارجوكم حاولو ان تلاقو حل الصفحه تاخذ وقت طويل لمن تفتح فالواحد يمل من كتر انتظار افتتاح الصفحات وشكرا

malikaflowrs 13-02-14 08:20 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
لا يمكن تكون هذه النهاية
ارجوك اخبرينا ان هناك جزء ثان
بليييييييييييييييييييييييز
صراحة كرهت شخصية سارة و في نفس الوقت تعاطفت معها
لكن كان لابد لها من هذا الدرس غير اني واثقة ان هناك سارة جديدة ولدت ستكون اقدر على حمل الوليد على معرفة انها الانسب له
دمت بكل الود
و شكرا على الرواية الرائعة

سيمفونية الحنين 23-03-14 03:06 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
يسلمووووووووووو على الرواية

شموخ الصمت 06-04-14 12:53 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
السلام عليكم

رواية رائعة طموح تستحق القراءة

جميلة وتجذب القارئ بكل جوارحه

عجبتني شخصية سارة وكرهت شخصية لمياء من كل قلبي
سمر صديقة نادرة الوجود هذه الأيام
الوليد !! غير عادل

جميلة الرواية

ولكن !

النهاية صعقتني كانت مفتوحه و في اجابات ناقصة كثيرر و كم تمنيت ان تكون نهاية سعيدة
يكفي ما نعانية بالواقع ليلحقتا حتى بالروايات !!

اكيد في جزء ثاني يبرد قلبنا احس الرواية نااقصة جدا نبغى نعرف نهاية سارة والوليد ورامي وسمر


ولك جزيل الشكر

طمووح 06-04-14 05:28 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
أسعدني ردك يا شموخ الصمت ..
وسعيدة لإن الرواية عجبتك …

وبعتذر لك ولكل الأعضاء اللي ازعجتهم النهاية ..
اردت بتلك النهاية أن لا أحيد عن الواقعية .. وغاب عن خاطري أن قراءة الروايات هي وسيلة للابتعاد قليلا عن الواقع

malikaflowrs 06-04-14 06:39 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
ولا يهمك طمووووووووووووووووووح
استمتعنا جدا بقراءة الرواية
و رغم النهاية الحزينة فهذا لم ينقص من قدرها ابدا
لكنا فقط نحب النهايات السعيدة
و ننسى احيانا ان الواقع ليس دائما نهايات سعيدة
ننتظر جديدك بفارغ الصبر
و دمت بكل الود غاليتي

طمووح 06-04-14 11:48 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
تحياتي لكي malikaflowrs :flowers2:

ندى ندى 22-04-14 04:00 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
رائعه رائعه وجميله جدا

مؤثره جدا وتمنيت انهم ما تركو بعض

بس نهايه مختلفه وجميله

تسلم ايدك حبيبتي ووفقك الله

بنت أرض الكنانه 03-06-14 01:30 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
اولا اسمحيلي اشيد بقلمك الرائع جداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااا
ثانيا انا بحبك في الله
ثالثا مازلت احلم بنهاية سعيده لروايتك فهل اطولها يوما
كتير اتغميت بالنهاية انا ما بقبلش النهايات التعيسة وبتكدرني جدا
والنهاية المفتوحه انا مش بستوعبها وبخيالي بشوف انها تبقى نهاية حزينة لكن الكاتبة استخدمت اسلوب الكاموفلاج

طمووح 20-06-14 05:46 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
زهرة المشمش ..
وأنا كمان بحبك في الله :)

تحياتي لك

السماء الزرقا 30-10-14 11:24 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
والله رووعة لمت يداكي ....وليد رجل اناني حقير لايفكر سوى بنفسه وكان سارة ليست ابنه عمه ومن دمه ويعاملها بهذه القسوة مزدوج الشخصية وفرحت بالنهاية جدا لان سارة حكمت عقلها وتمسكت بكرامتها وتركت حب من طرف واحد الا وهو حبها لوليد الذي ورغم ماعنته على يديه واخته يريد ان يحظى بحبيبته الاولى معها ليكتمل مسلسل الذل والهوان لحياة سارة .....منتضرين جديدك على نااار حبي

ماهيتاب ا 23-11-14 01:20 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
روايه رائعه ومميزه ولو انى اعشق النهايات السعيده ارجو ان تكمليها بجزء آخر فهى تستحق وشكرا لكى

بنت أرض الكنانه 16-01-15 06:08 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
طموح
انا كمان بحبك اوي
لا تغيري النهاية لا تكتبي جزء تاني
انتي خليتي اغنية صاحب الظل الطويل في بالي مرتبطة بالقصة دي
كل ما اسمعها وانا بسمعها على الاقل مرة اسبوعيا افتكر النهاية واحزن
بايدك تغيريها
احنا محتاجين الامل
لو فيه تعدد ابطال في قصتك ماشي
شوية نهاية حزينة شوية نهاية سعيدة
يسعد ايامك يا قمر

asrraar 24-01-15 03:57 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
روايه جميله رغم تعقُدها قليلاً من الممكن ان تعبر عن حقيقة ؛اتمنى لو كان لها جزء ثاني ينصف كلاهما في حياه أفضل بحب يجمعهما سوااء..موافقه أختي طمووووح الان لديك مسؤلية قُراااااء معجبين ....تحياتي.

فل وياسمين 25-01-15 11:35 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
رواية رائعة رغم النهاية الحزينة وبصراحة انا اتمني ان تكتبي جزء تاني فانا لا احب النهاية الحزينة مع انني اوافق سارة في قراراها براي الوليد لم يحبها ربما هو شعور التملك الطبيعي من الزوج لزوجته او اعتياد لا اعلم ...لكن هو سيعود لحب حياته ويعيش معها وسارة هي ايضا تستحق ان تجد هذا الحب لا ادري ربما تذهب في بعتة مع رامي مثلا او تقابل شخص اخر هناك او يكتشف الوليد ان سارة هي حبه الحقيقي وقد اضاعها .. لست ادري.. لكن اتمني ان تحصل سارة علي النهاية السعيدة التي تسحقها
شكرا لك طموح واتمني رؤية المزيد منك شكرا

أثير الحياة 27-01-15 02:20 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
رواية جميلة يداً سلم الفكر وسلمت تلك الأنامل ..
بصراحة كنت لما اشوف ان الرواية مكتوبة باللغة الفصحى أهج هههههههههههههههههههههه
لكن غيرتي نظرتي وجذبتيينييي بقوووة لدرجة خلصتها بليلة ونصف يوم ماقدرت اقوم شدتني الأحداث والأسلوب
أسلوبك يذكرني بروايات أحلام مستغانمي ...
أشكرك وأصفق لك بحرارة على هذا الأبداع الراقي جداً
وأتفق معك على النهاية
ودي وتقديري ياجميلة :55:

sweet nothing 16-07-15 06:02 AM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
القصة رائعة لكن احسك نقصتي جدا من البطلة يعني لا جمال ولا مال مادا سيعشق بطلنا فيها وحتى ان شخصية البطلة ضعيفة وبدون اي قيمةعلى العموم مشكروة اتمنى لك التوفيق

لحظات صعبة 19-07-15 04:45 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
تحفة ما حبيتش النهاية بس بجد جميلة كفاية تذكيرها لينا بجو يا صاحب الظل الطويل استمري يا بنتي موهبتك جبارة

أم الجماجم 04-08-15 05:34 AM

اللهم صلي على محمد

محمود105 09-08-15 02:59 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
تسلم يمناك والى الامام

زهوري الحلوة 16-08-15 04:50 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
هيه الروايه بس كدة ولا فيه فصول تانيه

manshe 17-10-15 09:44 PM

رد: حبيب تحملت منه الأذى
 
بصراحة نهاية الرواية خيبت توقعاتى افتكرت ان البطلة هاتحس وهاتنتقم لكرامتهاالمهدورة من اول فصل بس للاءسف خاب ظنى وبعدين دكتورة اية اللى فاضية للحب وكمان ضعيفة الشخصيةاسفة على التعليق بس الرواية غاظتنى


الساعة الآن 05:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية