منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   16 - لقاء الغرباء - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t152982.html)

Rehana 18-12-10 10:24 PM

16 - لقاء الغرباء - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة )
 
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927033061.jpg

16- لقاء الغرباء

للكاتبة - آن هامبسون

من روايات عبير القديمة


الرواية فيها احداث جميلة ومشوقة بين البطلين :c8T05285:
طبعا الرواية منقولة للإمانة بس كالمعتاد لازم ادقق قبل مانزلها ولقيت ان الرواية ناقصة صفحة كاملة
وانا كملت كتابتها بنفسي.. كل الشكر لكاتبة الرواية .. واتمنى تنال اعجابكم مثلي:flowers2:

Rehana 18-12-10 10:31 PM

الملخص

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif

كلنا غرباء في هذا العالم...الحب وحده يختصر المسافات، يغير الثوابت.. يبدل الاحوال... يجعل المحال ممكنا...والممكن مستحيلاً.. هيلين وليون وروبرت هذا المثلث الشديد التناقض والتنافير من الاشخاص، يجتمعون تحت سماء قبرص الحرة وبينهم يتيمان صغيران لا يعرفان مايجري.. الا انه الحب....يلفهما ايضاً بخيوطه الساحرة وينقذهما الى الابد الضياع... ولكن هيلين الانكليزية الغربية هل تستسلم لزواج فرضته الظروف ام تستجيب لأبن بلدها روبرت الرقيق، المهذب، الذي يفهم طبعها ويشابهها في كل شيء؟

Rehana 18-12-10 10:33 PM

1- العرض والطلب


http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif


اضطرت هيلين إلى الاعتراف بأن العرض جذاب , وهي ترمق صديقتها باهتمام .... نفقات سفرها إلى جزيرة قبرص الجميلة وعودتها , بالإضافة إلى مصاريفها وثمن وقتها , كل ذلك مقابل اصطحابها طفلين في الرحلة , وتسليمهما إلى عمهما ليون بيترو وهو قبرصي يوناني يقيم في قرية لابيتوس الجبلية الجميلة , على مسافة ثمانية أميال من كيرينيا , في الساحل الشمالي للجزيرة .
منتديات ليلاس
قالت, وومضة حماس واهنة تمحو الأسى عن وجهها وتكسبه جمالاً ناعماً ورقيقاً:
" كان لطيفا منك إن تفكري بي, فأنا – كما تعلمين – لم احصل على إجازة منذ ثلاث سنوات تقريباً."
" لهذا السبب بالذات فكرت فيك حين أطلعني أصدقائي على الوضع . ستكون فترة استجمام رائعة بعد مرضك . ونوفمبر / تشرين الثاني شهر بديع للترويح عن النفس – الحر فيه ليس شديداً وهكذا تستطيعين السباحة في البحر – والاستلقاء في الشمس على الرمال – وأنت عندك هناك صديقة لابد إن تستضيفك أسبوعاً أو اثنين."
تناولت هيلين فنجان بريندا وصحنها , وسكبت لها مزيدا من الشاي قائلة :
" ترودي ستفرح للزيارة . اعتقد اخبرتك بأنها متزوجة من قبرصي ."
واستأنفت عندما أومأت بريندا برأسها :
"لهما مسكن على مشارف نيقوسيا , يبدو جميلاً حسب الصور التي أرسلتها إلي ."
كانت ترودي صديقة لها في المدرسة ولم ترها هيلين منذ زواجها – منذ ست سنوات – من الشاب المليح تاسوس , الذي التقت به في إجازة في قبرص . ولكنهما اعتادتا المراسلة بانتظام , ودعتها ترودي عدة مرات للذهاب إلى الجزيرة , لتقضي عطلة معهما . وكانت هذه فرصة رائعة , وازدادت هيلين لهفة وهي تسأل صديقتها عن مزيد من التفصيلات.

Rehana 18-12-10 10:36 PM

"قيل في البداية , ا ن اباهما كما ذكرت سيغادر المستشفى سريعاً , فوافق صديقاي – وهما جاران له – على إيواء الطفلين . ولكن اتضح انه سيمكث في المستشفى عدة اشهر , ولا يستطيع , بيل وجين رعاية الطفلين لأجل غير مسمى , فبيتهما صغير , ولهما ثلاثة أطفال يافعين , لهذا تقرر إن يذهبا – في الوقت الحالي - إلى عمهما في قبرص."
وأخذت بريندا ترتشف الشاي , واستغرقت الفتاتان في التفكير هنيهة وعادت بريندا تقول وهي تطلق ضحكة قصيرة :
" عمهما , فيما علمت , وافق على مضض إن يكفلهما , فيبدو انه لايميل كثيراً إلى الأطفال , ومن الواضح انه عدو للنساء أيضاً , ويبدو انه لايسر احد بصحبته .
منتديات ليلاس
قالت هيلين موافقة , وهي تعبس قليلاً لفكرة اضطرار طفلين صغيرين للحياة مع رجل هكذا :
" من المؤسف إلا يستطيع صديقاك الاستمرار في رعاية الطفلين."
تناولت بريندا رشفة أخرى , قائلة :
" إن هذا مستحيل ."
وبعد هنيهة تمتمت هيلين وكأنها تحدث نفسها :
"وهو أيضا لايحب النساء ."
وتذكرت سلوكها الشخصي نحو الرجال الرجال, مستغربة لحظة سبب ذلك, ثم تساءلت:
" ترى هل أساءت إليه امرأة ما ؟"
" واضح انه يكره النساء ما فعلته زوجة أخيه التي رحلت مع شخص آخر, تاركة زوجها والطفلين. كان تشيبي في الثامنة وفيونا تصغره بسنة . كان تصرفاً أنانياً بشعاً , ولكن بعض النساء قاسيات تماماً ."
ودار في خلد هيلين إن بعض الرجال هكذا. واستغرقت في الصمت وهي تفكر في سنواتها الثلاث مع غريغوري . ولكن,عندما طبيعياً هانئاً , أو هكذا اعتقدت . ولكن , عندما وجد زوجها ميتاً وسيارته محطمة , كانت معه فتاة من مكتبه . وقال احد الأصدقاء:" إن الزوجة آخر من يعلم دائماً ". وغشيت هيلين مرارة بالغة , ثم اضطرت إلى قبول الحقيقة وهي إن علاقة زوجها بالفتاة ترجع إلى أكثر من عام . وكانت هذه النهاية بالنسبة إليها , وفقدت ثقتها بالرجال نهائياً – وأقسمت إلا تطمئن لواحد منهم مرة أخرى , أو تتيح لأحدهم فرصة ابتلائها بمثل هذه التعاسة ثانية . وجلبت عليها الصدمة مرضاً طويلاً , وخطيراً , لم يمتص قواها البدنية فحسب , بل أفقرها مالياً . ثم تحسنت صحتها بعد عامين, وأصبحت تأمل إن تشغل منصباً في المكتب حيث كانت تعمل قبل الزواج. ولكن المنصب لن يخلو إلا بعد عيد لميلاد, ولهذا السبب كانت حرة في انتهاز هذه الفرصة لزيارة قبرص.
منتديات ليلاس
وسألت عندما خطرت لها الفكرة بغتة :
" ماعمر الطفلين انلآ ؟"
" تشيبي في الثامنة,فيونا في السابعة .... وهما مفعمان بالحيوية , ومن ثم فستكسبين المبلغ لقاء جهد ."
وأجابت هيلين في حزن , وقد غامت عيناها الزرقاوان إذ تذكرت طفلها :
" لا ينبغي إن أتوقع أجراً بدون جهد...."
لو إن طفلها عاش لكان في الرابعة.... ولكنها هي وغريغوري لم ينعما به لأكثر من ستة اشهر ..
وأردفت :
" إنني – في أية حال – أحب الحيوية في الأطفال ."
قالت بريندا محذرة , وهي تبتسم :
"اخشى إن هذين الطفلين يفيضان بحيوية كبيرة . والأرجح إنهما سيضجران قبل نهاية الرحلة بكثير. تعرض أبوهما يوما لحادث سقوط طائرة , وهو يرفض – لهذا السبب – إرسالهما بالطائرة . على انك تستطعين العودة جواً . هذا إذا راق لك. هذا العرض."
فأسرعت تجيب :
"انه يروق لي . ولكني سأحتاج إلى إن أرى والد الصغيرين."
" اجل , في المستشفى , سأخبر بيل ليعد لقاء .

** ** **

وإذ أحدثت هيلين أثراً طيباً في نفس الأب , اصطحبتها بريندا لرؤية الطفلين . وقبل إن ينقضي أسبوع كانت هي والطفلان على الباخرة كنوسس متجهين إلى قبرص ,بعدما سافروا بالقطار إلى أثينا .

Rehana 18-12-10 10:38 PM

كان الطقس جميلاً , والسماء صافية زرقاء , والبحر الأبيض المتوسط اقرب إلى بحيرة منه إلى بحر . وصاحت فيونا وهي تشير إلى رودس :
" اهذه هي ؟"
كانت الشمس, تغرب خلفها , وشاب البحر خط من الضوء المتوهج امتد من الجزيرة حتى السفينة تقريباً . فرمق تشيبي أخته باستخفاف وقال :
" كيف تكون هذه ؟ نرسو على البر قبل صباح الغد ."
كان الطفلان يقفان عند الدرابزين مبهورين بغروب شمس الشرق العجيب , واخذت هيلين تراقبهما ساهمة من مقعد يبعد قليلاً , فحوالي الساعة العاشرة من الصباح التالي ستودعهما إلى الأبد . كان هذا الخاطر يلقي عليها شعوراً من الشجن – وأدهشها إن الطفلين احتلا مكانة في قلبها بهذه السرعة. ومع هذا الإدراك, انتابها قلق شديد بصدد مستقبلهما, وعلاقتهما بعمهما الذي يكره النساء والصغار معاً. كيف سيكون حالهما ؟ ومالبثت إن أزاحت عنها هواجسها , وهي تلوم نفسها قائلة بعزم إن واجبها يقتصر فقط على تسليم الطفلين إلى عمهما , فإذا أنجزت هذه المهمة , وأصبحت حرة في الاستمتاع بأجازتها فوق الجزيرة . وما يحدث لتشيبي وفيونا في نهاية الأمر لا يعينيها في شيء .
منتديات ليلاس
قالت فيونا وهي تلتفت باسمة باسطة يدها :
" تعالي وانظري ياسيدة ستورات , تأملي الضوء المتألق على الماء ."
القت هيلين كتابها على المقعد, ونهضت متجهة نحو الدرابزين وأمسكت باليد الممتدة. كانت صغيرة ودافئة والتفت الأصابع حول راحتها وشعرت هيلين بوخزة في قلبها , إذ تذكرت إن الطفلة لم تعرف حب الام .
قال تشيبي وهو يمد يده إلى يد هيلين الثانية اقتداء بأخته :
" اليس جميلاً ؟ ..... يبدو كأن البحر يحترق ."
قالت هيلين وهي تلاحظ سرعة هبوط الشمس :
" انه جميل جداً حقاً ."
كان القرص يزداد هبوطاً وهم يتأملونه, حتى إن الخط الناري على البحر اخذ يتباعد سريعاً عن السفينة ويزداد قرباً من الجزيرة. وتطلعت فيونا إلى هيلين وسألت في حيرة :
" الظلام يحل ... لماذا يهبط بهذه السرعة ؟"
ولما كان من العسير إن تفهم , اكتفت هيلين بالقول إن الشمس في هذا الجزء من العالم تغيب بسرعة , ولذلك يهبط الظلام على نحو مفاجئ .
وبدا الاستياء على وجه فيونا وهي تقول :
"لن نستطيع اللعب في الخارج مساء . وماأظنني أحب هذا ."
فقال تشيبي : منتديات ليلاس
"بل ستحبين .... انظري مدى الدفء . كان البرد في الوطن يحرمك اللعب خارج الجدران , في أية حال ."
وأقرته هيلين وهي تعجب للتعبير الذي بدا على وجه فيونا .
"ستعودين إلى الثياب الصيفية وتستطيعين إن ترتديها على مدار العام ."
واتسعت حدقتا فيونا العسليتان وقالت :
" على مدار العام ؟ اليس لهم شتاء هنا ؟"
" فترة الشتاء قصيرة جداً , والطقس لا يزال دافئاً ."
ظلوا يتأملون في صمت والسماء تزداد ظلمة , ثم أطلقت فيونا زفرة أسى :
" ليتك تمكثين معنا ياسيدة ستوارت . فلا تتركينا مع العم ليون ."
وقال تشيبي :
" العم ليون مروع .... لن يدعك تفعلين شيئاً ...."
وأضافت فيونا :
" انه يجعلك تلتزمين الهدوء ...."
" فإذا لم تلتزمي الهدوء , نظر إليك هكذا ."
وقطب تشيبي أساريره حتى لم تمالك هيلين نفسها من الضحك , وان عاودها القلق على سعادة الطفلين . وقالت :
"إنا واثقة انه ليس بهذا الشكل ...."
ثم أردفت في فضول :
" إذن فقد رأيتما عمكما ؟"
أجابها الصبي :
" لقد جاءلرؤيتنا غير مرة ."

Rehana 18-12-10 10:40 PM

فقطعت فيونا كلامه قائلة :
" مرتين فقط ياتشيبي ...."
ولكن الغلام هز رأسه وقال :
"ثلاث مرات . انك لا تذكرين المرة الأولى لأنك كنت صغيرة ."
"إنني لا أصغرك بأكثر من سنة."
" ماكنت إلا وليدة حين جاء أول مرة .... ولكني أتذكره لأنه قال لأبي إنني استحق صفعة!
"يكن ليون بيترو . كان اسمر وقصيراً , ولكن ابتسامته كانت تلقائية وودية . وقال لماذا ؟ ماذا فعلت ؟
" لا اتذكر . لكن أبي قال إن عمي ليون لم يكن يفهم الأطفال ."
قالت فيونا وهي تشد قبضتهاعلى يد هيلين :
" ولكنك تفهمين الاطفال ياسيدتي , الا تستطيعين البقاء معنا ؟"
" اخشى إلا يكون هذا ممكناً ياعزيزتي فيونا ."
"هل لأنك لا ترغبين ؟"
" هل ستمكثين إذا طلبنا منه إن تبقي ؟"
منتديات ليلاس
ابتسمت هيلين لطريقة تشيبي في السؤال , وقالت أنها متأكدة من إن عمه كلف شخصاً برعايتهما .
قالت فيونا بإلحاح في لهجة ملاطفة :
" ولكننا نريدك أنت. لماذا يجب إن تعودي ؟ هل لديك أولاد ؟"
فأجابت هيلين :
" كلا ليس لي أولاد ."
وكأن فيونا أحست – بطرقة الأطفال – بالأسى في لهجة هيلين , لأن قبضتها اشتدت على راحة هيلين , وردت هيلين بضغطة صغيرة تنم عن الحب . وقالت مشيرة نحو الجزيرة , لتحول انتباههما :
" انظرا , هل تريان القلعة ؟"
ولكن اياً منهما لم يبد اهتماماً , وغشيهما اكتئاب عندما ادركا مدى اقترابهما من نهاية الرحلة . ولازمهما الحزن اثناء العشاء وعندما راقبتهما هيلين تساءلت :" كيف يمكن ان يوصفا بالحيوية ." وعندما آوا الى قمرتهما حاولت ان تخرجهما من وجومهما قائلة , ان اقامتهما مع عمهما موقوتة , وأنهما سيعودان إلى أبيهما بعد اشهر قلائل .
******
سألها تشيبي وهو يأبى ان يتعزى!
- هل ستعودين الى الوطن رأساً ،بعدان تفارقينا في الصباح؟
فقالت وهي تميل لتسوي غطاء الفراش فوقه:
- سأقضي اجازة اولا مع صديقه لي في قبرص، ثم اعود الى انكلترا.
- كم من الوقت ستمكثين هنا؟
قالت في لهجة غير واثقة:
- قد امكث اسبوعين.
رغم انها ابرقت لتبلغ بنبأ قدومها ، فإنها لم تتلق رداً، ولكنهافكرت انه من المحتمل ان يكون الرد وصل بعد سفرها، وهي تأمل في ألا تكون زيارتها مصدر مضايقة لترودي وتسوس.
***
لاحت الجزيرة لأنظار، حين صعدت هيلين الى سطح السفينة في السابعة صباح اليوم التالي، تاركة الطفلين نائمين ، كان خيط من النار يشق الافق منبعثاً من الشمس البازغة من وراء حافة العالم ، وكانت السفينة تتجه شرقاً على طول الساحل الجنوبي، ولكن على مسافة منه، وقال شخص ما:
- هذه يافوس.
والتفتت هيلين.. انه روبرت ستوري المرح المسافر وحيداً عائداً من زيارة لأبويه في انكلترا ، قضى وقتاً مع هيلين والطفلين وشاركهما المائدة في الوجبات، وجالسهم على السطح الذي كان لهم وحدهم تقريباً، فكان المسافرون نفراً قليلاً، لأن شهر نوفمبر/تشرين الثاني اقل شهور السنة حركة،وعاد روبرت يقول:
- سنقضي ثلاث ساعات تقريباً قبلان نرسوا.
ومرة اخرى القت هيلين نظرة الى الجزيرة، وقالت في دهشة:
- كل هذا الوقت؟ إنها تبدو قريبة جداً.
قال:
- ياقوس تبعد مسافة كبيرة عن ليماسول - كما ترين - على الجانب الغربي للجزيرة.

Rehana 18-12-10 10:42 PM

واقترب من هيلين ولم يبتعد ، فرغم عدم اكتراثهابالرجال لم تتمالك ان ترتاح الى روبرت، بعينيه الصافيتين الزرقاوين وقسماته الصريحة اخبرها انه اغرب وانه احب الجزيرة بعدما قض عليها اجازة طويلة، فاشترى كوخاً صغيراً على سفح تل، وحوله بمهارة الى بيت للاقامة، وكان رساماً، ومن الغريب انه كان يعيش في لابيتوس، وقد عرف بيترو معرفة عابرة.
قال عندما ذكرت سبب قدومها:
- انه شخصية صلبة، متشبت بالعزوبية، ولكن له وسائل لهوه طبعاً.
وتضرج وجه هيلين، فضحك روبرت وزادها حرجاً عندما اضاف ان اي قبرصي لا يستطع ان يعيش بدون امرأة، وأردف قائلاً:
- سيقولون لك بصراحة ان الطقس هو عذرهم، او بالأصح تفسيرهم لأن القبرصي لا يحلم قط بالتماس الاعذار لمسلكه.
سألته هيلين بفضول حتى تتصور البيتالذي سيذهب اليه الطفلان:
- ماشكل بيته؟
فاجاب بلهجة تنم عن اعجاب:
- ياله من بيت! مشيد على ركائز على سفح الجبل شبيه ببيت خلوي بنغالو ابيض كبير، لكل حجرة شرفة تطل من الخلف عل سلسلة جبال كبرينيا، ومن الامام على السهل الساحلي، واشجار البرتقال والليمون وانواع اخرى، ثم البحر الأزرق المترامي ، ومن الشرفات الجانبية ترين منظراً شاملاً للجبال والبحر، انه جميل جداً في الواقع، شاعري وخرافي بدرجة لا تناسب شيخا اعزب مثل ليون بيترو.
منتديات ليلاس
- تقول شيخاً؟ كنت اظنه شاباً.
هز روبرت كتفيه وقال:
- لعله في اواخر العقد الثالث، ويجوز ان اضيف انه وسيم جداً، ولكنه محاط بجو من العجرفة يكسبه- كما قلت- مظهراً صارماً صلباً.
فغمغمت هيلين، غير مطمئنة الى احتمال ان يكونا بخير معه:
"آمل ان يكون الطفلان بخير معه."
فكان رده مثقلاً بالشك :
"لا ادري . يدهشني ان ياخذهما – اذ يقال في القرية – ان الصبر والفهم ليسا من خصاله . واظن كل رجال الاعمال الشديدي المراس على هذا النحو , فالمال , - فيما يبدو – هو همه الوحيد في الحياة . سألته :
"وماذا يعمل ؟"
فأجاب :
" من اعماله انه يمتلك عدة مصانع للتعبئة في فاماغوستا , حيث تعبأ الفاكهة وتعد للتصدير . ثم يتجر في الارض , ويمتلك مساحات كبيرة في ارجاء عديدة من الجزيرة , وأي شخص يمتلك أرضاً هنا – في هذه الايام – يمكن ان يصبح مليونيراً بين عشية وضحاها ."
منتديات ليلاس
وجدت هيلين نفسها تزداد قلقاً – عندما امدها روبرت ببضع تفصيلات عن مسلك هذا العم القاسي , الذي بدا وكأنه لا يحب إيواءهما في بيته . ولكن لم يكن في وسعها ان تفعل شيئاً , فعادت هيلين تؤنب نفسها وقررت بحزم الا تفكر في الامر .... واخرجها من تأملاتها صوت روبرت يقول :
"هيا تأملي تلك الشمس والسماء .... إنها جزيرة رائعة , ومن المؤسف انك لن تعيشي هنا ."
وسكت لحظة ثم تابع الحديث قائلاً :
"ولكنك ستمكثين اسبوعين ..... هل استطيع ان اصطحبك في جولة في أي وقت ."
ابتسمت هيلين وقالت :
" سأكون مع اصدقائي .... ولكنني اشكرك في كل حال ."
لم تكن راغبة في صحبته , ولا صحبة أي رجل , ولكنها لن تخبره بذلك . وعادت تقول :
" سيكون مركز اقامتي في نيقوسيا , واتوقع ان ننطلق في جوالاتنا من هناك .... اذا كان لصديقتي هي وزوجها من الوقت مايسمح باصطحابي ."
هز روبرت كتفيه ثانية , وقال انه سيعطيها رقم هاتفه , لتتصل به في أي وقت تجده فراغاً . فشكرته بدون أقل نية في ان تستفيد من عرضه . وكان الاثر الذهبي اللامع أخذ يتلاشى – في تلك الاثناء – اذ ارتفعت الشمس , مرسلة سهامها خلال نتف السحب الصغيرة الطافية كنقاب فضي عبر سماء زاهية الزرقة . والقى انعكاسها صفاء على النور , وبدت الجزيرة وكأنها على مرمى حجر . لم تكن هناك تموجات في البحر , فلم تكن السفينة تهتز اقل اهتزاز , وهي تواصل تقدمها على طول الساحل الجنوبي للجزيرة .

Rehana 18-12-10 10:44 PM

فقالت هيلين أخيراً :
" يجب أن اذهب لأعنى بالطفلين . من المؤكد أنهما استيقظا الآن ."

***

رست كنوسوس في ليماسول الساعة العاشرة , وكانت هناك سيارة تنتظر . ولكن هيلين أدركت حتى قبل ان يتكلم تشيبي – ان الرجل الذي اقترب منهم لم يكن ليون بيترو . كان أسمر وقصيراً , ولكن ابتسامته كانت تلقائية وودية .
وقال الرجل : منتديات ليلاس
" هل انت السيدة ستوارت ؟"
وابتسم للطفلين , وداعب شعر فيونا بيده وهو يقول عندما أومأت برأسها :
"أوفدني السيد بيترو . إنه لا يستطيع الحضور بنفسه , لأنه مضطر للبقاء بسبب عمله . لهذا ,سأصحبكم اليه ."
" هل قال يجب ان اصحب الطفلين ؟ فهمت أنني سأفارقهما هنا , في ليماسول ."
وعندما زحفت يد صغيرة الى يدها , أطلت لترى نظرة توسل , على وجه فيونا الجميل . وبدا الرجل متردداً لحظة ثم قال :
"هذا ماقاله . أتظنينني أرتكب خطأ ؟ كلا ...."
ولكنه هز رأسه بسرعة وقال :
" لست مخطئاً قال للموظفة في مكتبه أن تتصل بالفندق , وتحجز مائدة لأربعة للغداء . عندئذ شعرت هيلين بتوتر قبضة فيونا يسترخي فابتسمت لها بحنان . وبدا تشيبي هو الآخر سعيداً , وأشرق وجهه المليء بالنمش , فقالت ببشاشة والرجل يفتح باب السيارة :
"هيا إذن ..... الى أين نذهب ؟ ليس الى لابيتوس؟"
"كلا الى نيقوسيا , فهناك مكتب السيد بيترو ."
كانت فرصة سانحة إذن , فكانت هيلين تتوقع أن تستقل سيارة أجرة الى مسكن ترودي .
مكتب ليون بيترو خارج مركز المدينة . انه مبنى جديد ذو شرفة واسعة , وبدا أشبه بفيلا حديثة منه بمكتب . وأبدت هيلين دهشتها عندما غادر السائق مقعده , وفتح الباب , وسألها , رغم اهتمام الطفلين اللذين وقفا بجوار السيارة حزينين , مع ان هيلين كانت لا تزال معهما :
"هل أنقل حقائبك ؟"
فقالت: منتديات ليلاس
"قد يحسن تركها في السيارة بضع دقائق , فسأضطر لأن استقل سيارة أجرة ."
وبعد لحظة كانت هيلين في مكتب انيق , تقف أمام مكتب , تتطلع الى ليون بيترو الذي نهض عن مقعده عند دخولهم , وبسط يداً الى هيلين , فمدت يدها , وشعرت بقوة قبضته وهو يقول في لهجة مهذبة :
" صباح الخير ياسيدة ستوارت . لعل رحلتك لم تكن مضنية ."
كانت له لكنة خفيفة لا تكاد تلاحظ . قالت :
" استمتعت بها كل الاستمتاع . شكراً لك ياسيد بيترو ."
ولم تبتسم وهي تسحب يدها , بينما وقف لحظة يرمقها في صمت . ثم تحولت عيناه الى الطفلين . وتذكرت هيلين انها لامتهما قائلة ان عمهما لايمكن ان يكون بالقسوة التي صوارها لها . ولكنها الآن ايقنت انهما وروبرت كانوا على صواب في وصفهم له . ولاحظت جمود وصلابة قسماته السمراء , وخطوط خديه وفكه , وانطباق فمه , والوميض البارد لعينيه اللتين لاحتا – وهو يقف في الظلال – سوداوين أكثر منهما اصطباغاً باللون البني الداكن المميز للقبارصة من يونانين وأتراك . أما شعره فكان منسقاً لامعاً , أسود يمسه الشيب خفيفاً عند الصدغين . قال روبرت إنه وسيم , ولكنه بخسه حقه , اذ كان بالغ الوسامة , غير أن تعبير الخشونة والشراسة كان يشوب وسامته . ولم يكن من العسير التصديق أنه يكره النساء والاطفال .
قال وهو يوليها انتباهه ثانية :
" يسعدني أن أسمع هذا , كنت واثق – لمعرفتي بأبني أخي – من أنهما سيسببان لك بعض المتاعب ."
ورمقها بحدة – وهو يتكلم – ثم أردف :
" يجب أن أشكرك إذ أحضرتهما الي بسلام ."

Rehana 18-12-10 10:45 PM

وشعرت هيلين بالغضب من كلماته الاولى , فقالت بحدة تفوق ماكانت تعتزم :
" لم يسببا لي أية متاعب ياسيد بيترو . استمتعت بالرحلة تماماً كما قلت لك ."
وأومضت عجرفته من نبراتها المقتضبة . اغتاضت هيلين عندما شعرت بتضرج وجنتيها . كان هذا الرجل مثيراً للارتباك , شعرت أنها تستطيع أن تكرهه دون أي جهد .
كان سؤاله عن الرحلة , وشكره أمراً سطحياً نابعاً من الحاجة لابداء المجاملة وحسن الأدب , ومرة أخرى , شعرت هيلين بقلق عميق إزاء حياة الطفلين معه . وعجبت من نفسها فهما غريبان عنها تماماً , ولن تنقضي دقائق حتى تودعهما نهائياً , وليس في نيتها قبول دعوة ليون بيترو للغداء .... أسبوع واحد ؟ مستحيل .... ولكن هكذا الاطفال يسيطرون على قلب الكبير المتفهم بأعجب الطرق , لا سيما اذا كانوا مثل فيونا وتشيبي .
وبتصميم على دفع الاضطراب الذي بدأ يمتلكها , سألت عمهما كيف تستأجر سيارة , فقال :
" ما احسبك سترحلين في الحال ! كنت اعتزم اصطحابكم جميعاً للغداء ."
وقالت : منتديات ليلاس
"شكراً , ولكن ...."
لولا ان تسللت يد فيونا الى يدها , ثم احست بيد تشيبي باردة , فشعرت بغصة في حلقها . لم يكن عمهما قد وجه كلمة واحدة إليهما . ولدهشتها , وجدت نفسها تقول :
"يسرني تناول الغداء معكم ."
ولم يزد بل أومأ برأسه اعترافاً بقبولها , بينما قال :
"هناك ايضاً مسألة دفع مايستحق لك . أعتقد أن أخي دفع مقدماً أتعابك ولكن نفقاتك ماأمرها ؟"
قالت:
"أن السيد بيترو أعطاني مبلغاً اضافياً فتساءل :
"هل هو كاف ؟"
قالت:
"نعم – نعم , أشكرك ."
ماكانت تود التردد , ولكنه لاحظه , فعاد يكرر سؤاله , وبصره ثابت عليها , فأحست بأن الكذب مستحيل , واكتفت بأن قالت :
"الرحلة تتيح لي قضاء عطلة هنا في نيقوسيا , مع صديقة لي ."
ورأته يخرج من حافظته بعض الاوراق المالية , فقالت :
" انني قانعة تماماً ."
فقال :
"هذه عملتنا طبعاً , ولكنك ستجدين أن جنيهنا معادل للجنيه الانكليزي , كما ستجدين أن الاسعار في المتاجر كثيراً ماتحدد بالعملة الانكليزية بجانب عملتنا المحلية ."
وناولها النقود , ففتحت فمها تهم بالرفض , ولكن شيئاً في اساريره جمد الكلمات على شفتيها . وهو يضيف :
" أظن ان هذه تكفي لتغطية أية نفقات تكبدتها أثناء السفر ."
ووجدت هيلين نفسها تقبل النقود , وان كان ذلك رغم ارادتها , اذ أيقنت أنها تأخذ أكثر مما انفقت . تمتمت وهي تضع النقود في حقيبتها :
"شكراً لك "
منتديات ليلاس
وكان الطفلان يرمقانها منتظرين للامساك بيديها . وعندما لاحظ عمهما ذلك , وجه اليهما كل اهتمامه , وانفرجت شفتاه – بمعجزة ما – عن ابتسامة , وقال :
" كيف استمتعما برحلتكما , هل شعرتما بتعب في القطار ؟"
لم يخص بالسؤال أحدهما , ولكن تشيبي تولى الاجابة :
" نمنا ليلاً فوق الاسرة المعلقة , وكان سريري اعلى الاثنين وأرادت فيونا أن يكون لها , ولكنها خافت السلم ."
"لم أخف , أنما أردت النوم قريبة من السيدة ستوارت ."
"وفي النهار .... ألم تشعرا بطول الرحلة ؟"
"أحياناً كنا نضجر , ولكن السيدة ستوارت قصت علينا حكايات , ثم لعبنا بعض ألعاب الورق ..."
وابتسمت فيونا الى عمها في تردد , وهي تقول :
"أحضرت بعض كتب القصص أيضاً , حتى نقرأ ..."
ولكنه لم يبد أنه لاحظ ابتسامتها , وتجلت في عينيه السوداوين دهشة وهما تتجهان الى وجه هيلين . وتساءل :
"كيف فكرت في أشياء مثل هذه ؟"
فقالت:
"توقعت أن يشعرا بالملل ."

Rehana 18-12-10 10:46 PM

ودار بخلدها أنه ماكان ليفكر في مثل هذا الاستعداد وكان من الطبيعي أن يلقى عناء معهما .
قال: منتديات ليلاس
"يبدو أنك بالغة الكفاءة ياسيدة ستوارت ."
وتوقف لحظة ثم قال :
"هل انت متزوجة ؟"
كان الفضول في نبراته وعينيه . ولعله استنتج أن لها زوجاً , فعجب كيف تقوم برحلة كهذه وحدها . فقالت بهدوء :
"أرملة "
وغمغم معتذراً , ثم أردف :
" إنك أصغر من أن تكوني أرملة ."
وقالت هيلين :
"أنا في السادسة والعشرين . ومات زوجي منذ سنتين , في حادث .... " واعتذر ليون مواسياً مرة اخرى , ثم سألها اذا كانت أنجبت أطفالاً , فردت وقد بدا في صوتها بحة مفاجئة :
"مات وليدنا وعمره ستة أشهر ."
كانت تسائل نفسها دائماً : " هل كان غريغوري يظل بجانبها لو أن ابنهما حي ؟"
كان اعتذار بيترو مفاجأة لها , اذ بد ان صوته فقد بعض حدته :
"اسألك المعذرة ياسيدة ستوارت . صادفت حياة محزنة لشابة في سنك ."
واصغى الطفلان باهتمام . كان واضحاً , انهما يفهمان , اذ سألتها فيونا :
"هل مات ابوك ياسيدة ستوارت ؟"
فلما ردت بالايجاب , شد تشيبي على اصابعها , وسألها :
" وابنك الصغير ؟"
فقالت : منتديات ليلاس
"نعم , وابني كذلك ...."
ورمق ليون الطفلين بنظرة عابسة , وقال :
" لا توجها مثل هذه الاسئلة .... ينبغي الاتجيبيهما ياسيدة ستوارت ."
فابتسمت قائلة :
"لا عليك .... انا لا أمانع البتة."
وكأنما كان ليون يهم بالتعليق على ذلك , ولكنه عدل , وأرسل يطلب مرطبات لهم . وبعد ساعة , كانو في الهليتون يتناولون الغداء وعندما خرجوا الى السيارة سأل ليون هيلين عن عنوان صديقتها , وعندما تأمل الورقة التي قدمتها , قال :
"سأقلك الى هناك . نعم – انه ليس بعيداً عن هنا . وشكرته هيلين برقة وهي تستقر بجواره , قائلة :
"إن مثل هذه المساعدة تهون على المرء وهو في بلد غريب ."
وأخذ الطفلان يحدثانها , ولكن الاكتئاب كان يبدو في لهجتهم وشعرت هي نفسها بتعاسة أودت ببريق الاجازة التي كانت تتطلع إليها بشوق .
قال ليون وهو ينحرف نحو طريق آخر :
" هذا هو الطريق ."
وخفضت سرعة السيارة , وهو يتفرس في المباني البيضاء الناصعة , ثم قال :
" انه في الجانب ....آه هاهو !
وشهقت هيلين عندما خرجت من السيارة , كان المسكن ضمن مجموعة من ست عمارت ولكل نافذة شرفة تتدلى منها الازهار . وعلى الارض – حيث فناء مليء باشجار مثقلة بالبرتقال , صف كبير من السرو يفصل العمارة عن العمارات المجاورة لها . قالت : منتديات ليلاس
"سأخذ حقائبي."
وانتظرت ان يفتح السيارة , ولكنه نصحها بأن تتأكد من وجود صديقتها اولاً .
وتساءل تشيبي , وهو مصر على ان يلازمها لاخر لحظة :
"هل نستطيع ان نأتي معك ؟"
والتفت هيلين الى عمهما , فأذا به – لدهشتها – لا يمانع . وتبعها الطفلان صاعدين الدرجات الى الطابق الاول , حيث كان مسكن ترودي وتاسوس .
وأطلت امرأة من المسكن المجاور , عندما همت هيلين بقرع الجرس للمرة الثالثة :
" اتريدين مدام باولو ؟"
"نعم .... أتعرفين اين هي ؟.

Rehana 18-12-10 10:48 PM

تأملتها المرأة لحظة , ثم رمقت الطفلين واحداً بعد الاخر , مما ذكر هيلين بما كتبته ترودي حال مجيئها الى قبرص لتقيم فيها :
" انهم أليفون , ولكنهم يحبون التدخل في شؤون الغير ."
"ذهبت مع زوجها الى مصر . اضطره العمل للذهاب , فرحلا الاثنين الماضي ."
وغاص قلب هيلين , وتساءلت :
"هل تعرفين متى سيعودان ؟"
هزت المرأة رأسها اسفاً وقالت :
"سيبقيان شهرين , هل جئت لزيارتهما."
فقالت هيلين : منتديات ليلاس
"نعم ,نعم , جئت من انكلترا ."
وطغى عليها استياء مرير. جاءت كل هذه المسافة , ولا ترى ترودي ."
قال تشيبي لعمه بعدما عادوا الى السيارة :
"صديقة السيدة ستوارت رحلت الى الخارج ."
واضافت فيونا :
"لن تعود قبل شهرين ."
واشاحت هيلين بصرها . كان الطفلان مغتتطبين . وتساءل تشيبي بلهفة :
"هل تستطيع ان تمكث معنا حتى تعود صديقتها ؟
سارعت تقول :
"كلا ياتشيبي . لا استطيع ان امكث هنا شهرين ."
والتفت كاسفة البال الى ليون قائلة :
"اكون ممتنة اذا اوصلتي الى فندق ."
ورفض في حزم قائلاً : منتديات ليلاس
"كلا سوف تقيمين في منزلي ."
"ولكن .... كلا ! لا يمكن ان اضايقك هكذا !
ومست خط فمه القاسي ابتسامة واهنة , وقال في هدوء :
"الم تسمعي بكرم الضيافة القبرصي , ياسيدة ستوارت ؟ انت اسديت الى اخي خدمة كبيرة , ولن يرضيني ان اتركك وحدك في فندق ."
وظل فاتحاً باب السيارة قائلاً:
" اخشى اننا سنضطر للعودة الى المكتب , ولكن بوسعي ان اتم عملي خلال ساعة , ثم اصحبكم الى بيتي في لابيتوس ."


نهاية الفصل الاول

hoob 19-12-10 04:40 PM

ريحانه ممكن تكملى الروايه الفترة التجريبيه قبل هذه الروايه
ووكن مادام الروايه منقوله تنزليها كلها مرة واحده
علشان انت كده مععلقه قصتيت
حبيبتى ارجوك كملى القصص علشان انا متحمثه جدا لقرائهم:55:

قماري طيبة 26-12-10 06:11 PM

رواية جميلة جدا سلمت يداك على نقلها

بانتظار التكملة عزيزتي

فاتنة الضحى 26-12-10 07:33 PM

كتير رائعة :flowers2:
يسلمووووووووووووووووو

فتاة 86 26-12-10 07:50 PM

ريحانة طولتي علينا كثير
يا ريت تكملية بسرعة و ييعطيكي العافية

زهرة المكان 26-12-10 08:38 PM

:f63::f63::f63::EWx04511::EWx04511::o9Y04826::o9Y04826:

سماري كول 31-12-10 08:18 PM

وين الروااايه كمليها شكلهاا حلوه بلييييييييييييييييييييييييييييييييييز

سومه كاتمة الاسرار 31-12-10 09:53 PM

وينك ياقمر ليش ما كملتيها مستنين باقى الروايه على نار تسلمين مقدما ياعسل :flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2: :flowers2::8_4_134::f63::f63::f63:

Rehana 01-01-11 11:39 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد سلامه (المشاركة 2569758)
ريحانه ممكن تكملى الروايه الفترة التجريبيه قبل هذه الروايه
ووكن مادام الروايه منقوله تنزليها كلها مرة واحده
علشان انت كده مععلقه قصتيت
حبيبتى ارجوك كملى القصص علشان انا متحمثه جدا لقرائهم:55:

انا هلا كملت احمدية رواية الفترة التجريبية لعيونك ياعسل:flowers2:
وبالنسبة لهذا الرواية ماقدر انزلها مرة وحدة ..بحاول انزل فصلين كل مرة :Welcome Pills4:
دمتي بكل الوود

Rehana 01-01-11 11:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قماري طيبة (المشاركة 2579106)
رواية جميلة جدا سلمت يداك على نقلها

بانتظار التكملة عزيزتي

اهلين قماري
الاجمل تواجدك فيهاويسلمك يارب

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتنة الضحى (المشاركة 2579205)
كتير رائعة :flowers2:
يسلمووووووووووووووووو

الأرووع مرورك عزيزتي فاتنة والله يسلمك
ماننحرم من مرورك العطر :flowers2:

Rehana 01-01-11 11:49 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2579233)
ريحانة طولتي علينا كثير
يا ريت تكملية بسرعة و ييعطيكي العافية

بعتذر منك فتاة .. ظروفي كثير صعبة هذا الايام بس راح عم اعمل جهدي
والله يعافيك يارب

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة المكان (المشاركة 2579271)
:f63::f63::f63::EWx04511::EWx04511::o9Y04826::o9Y04826:

زهرة اهلين فيك لعيونك هلا راح نزل فصلين

Rehana 01-01-11 11:57 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سماري كول (المشاركة 2584475)
وين الروااايه كمليها شكلهاا حلوه بلييييييييييييييييييييييييييييييييييز

سماري ..اهلين فيك
الاحلى مرورك ..هلا بنزل فصلين:mo2:

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سومه كاتمة الاسرار (المشاركة 2584577)
وينك ياقمر ليش ما كملتيها مستنين باقى الروايه على نار تسلمين مقدما ياعسل :flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2: :flowers2::8_4_134::f63::f63::f63:

سومه ..اهلين فيك منورة الرواية ..شكرا لك على الوردات الحلوين:friends:
الله يسلمك يارب

Rehana 01-01-11 12:02 PM

2- البيت مهر الفتاة !



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif






ما ان حانت الساعة الثالثة حتى كانوا في طريقهم الى المنزل . ولم يكف الطفلان عن الثرثرة , سعيدين بهذا التحول غير المرتقب حتى امرهما عمهما بحزم ان يركنا للهدوء , فكفا عن الفور , ولكن هيلين لمحت – وهي تلتفت لترى رد الفعل – فيونا تخرج لسانها وراء عمها , فحدجتها بنظرة حادة لكن فيونا اكتفت بالابتسام .
قال ليون , وهم يجتازون المشارف الشمالية لنيقوسيا :
"اخشى ان القافلة فاتتنا , ولهذا ستستغرق الرحلة مايتجاوز الساعة ."
كان الاتراك يسيطرون على الطريق القصيرة عبر الجبال , ولم يكن مسموحاً بسلوكها بدون حراسة الا للاجانب , وكان على اليونانين ان ينضموا لقافلة الامم المتحدة , او يسلكوا الطريق الطويلة . ومن الواضح ان هذا يسبب عناء لليونانين , لكن ليون كان يتكلم بلا حقد .
منتديات ليلاس
وعلمت هيلين فيما بعد ولدهشتها – ان ليون بيترو لم يكن سوى واحد من كثيرين من يوناني الجزيرة , الموالين للاتراك في الحقيقة في الواقع .
ساد صمت في السيارة فترة , فاضطجعت هيلين في مقعدها تشعر براحة مستغربة , وتتأمل المنظر الطبيعي .... كانت المنطقة جذابة , تتلألأ فيها فيلات ومساكن ناصعة البياض . وما أقل الحدائق التي تخلو من اشجار الفاكهة المثقلة بالبرتقال والليمون على انواعه . وكان النخيل المشرئب نحو السماء زاهي الاخضرار وفيض من الالوان ونباتات الخبازي والجكرندة والورود تزدهر بوفرة .
كان رد الفعل الاول لهيلين عندما علمت برحيل ترودي وتاسوس الى الخارج , العودة الى انكلترا في اول طائرة لكن ليون قال ان بوسعها البقاء في بيته ماشاءت .

Rehana 01-01-11 12:04 PM

فقررت على الفور ان تقبل العرض فتبقى في الجزيرة أسبوعين , حسبما خططت فتزور الاماكن المشوقة .... واذا سمح لها ليون باصطحاب الطفلين فان اقامتها سوف تكون اكثر متعة .
ومالبثوا ان خلفوا المدينة وراءهم , فبدأ فيض خضرة السرو والكافور والنخيل ينحسر عن ارض جرداء . على الجانبين مساحات شاسعة انتشرت فيها الصخور . ارض سمراء , شققتها الشمس الحامية المنصبة من سماء صافية . لم تكن هناك سحب الافوق الجبال . ومن آن لاخر , كانوا يصادفون حماراً يرزح بحمله , وصاحبه يسير ببطء الى جواره . ولم يبد أي اثر للسكان , ولكن بعض المحلات السكنية ظهرت احياناً فوق السفح , تختلط فيها الاكواخ الطينية بالفيلات الحديثة البيضاء , التي اقيمت حديثاً . وكانت الارض السمراء محروثة غالباً , بذرت فيها المزروعات التي تبرز فجأة اذا هطل المطر على الجزيرة .
قال ليون والطريق تلتوي :
"نبدأ في المرور خلال الجبال , والطبيعة هنا رائعة ."
منتديات ليلاس
كان باهراً ان تسفر كل انحناءة عن منظر جديد , المرتفعات غير المنتظمة , بعضها مكسوة وبعضها عارية . وفجأة بدا البحر امامهم مباشرة , وبدأت السيارة تسير محاذية له . لم يكن هناك مايعترض الساحل , لا بيت ولا أي مبنى آخر قرب البحر . وكانت قمم جبال كيرينيا الضخمة تبدو في شكل نصف دائرة , وهنا وهناك كانت قرية صغيرة تقبع في احضان الاشجار . وقال ليون :
" هذه هي كيرينيا , وبيتي على بعد ثمانية اميال من هنا ."
كان بيت ليون بيترو كما وصفه روبرت تماماً , لكن هيلين شهقت , حين وقفت بجوار السيارة – بعدما وصلوا اخيراً – تتأمل مايحيط بها . كانت الجبال خلف البيت , والبحر الازرق المترامي أمامه .... وراح الطفلان يصيحان اعجاباً , وقالت فيونا وهي غير مصدقة :
"هل يمكن قطف البرتقال ؟"
فقال ليون :
"بالتأكيد "
ومد يده فاقتطع غصناً صغيراً وأعطاه لفيونا , تتدلى منه ثلاث برتقالات بكامل أوراقها .
أدهش تصرفه هيلين كما بدا مفاجأة للطفلين أيضاً .
وخطر لهيلين انه قد لا يكون صارماً كما قيل لها . وبينما كانت تبدل ثيابها للعشاء – بعد ذلك بوقت – أخذت تفكر فيمن قابلتهم , وفيمن يؤلفون اهل بيت ليون.
كانت هناك اخته كولا وقد تلقت تعليماً عالياً . وهي مخطوبة وسوف تتزوج في نهاية يناير / كانون الثاني . في الثانية والعشرين , وتعمل في احد مكاتب نيقوسيا . اما خطيبها تيودور – الذي يناديه الجميع تيدي – فيكبرها باربع سنوات , ويعمل ايضاً في نيقوسيا . ولم تكن تقابله هيلين بعد , لكن كولا ارتها صورته , فاذا به اسمر , وسيم وكان واضحاً ان كولا متيمة به .
ولم تتمالك هيلين ان تقول , وهي تلمح وميضا في عيني كولا البنيتين الجمليتين :
"قيل لي ان معظم القبارصة يتزوجون زواج اتفاق , ولكن الواضح ان زواجك عن حب ."
امتقع وجه كولا , ثم تمالكت نفسها وقالت :
" نعم . ثمانون في المائة من الزيجات القبرصية اتفاقات . فالذين يتزوجون عن حب ليسوا كثيرين . ولو تزوج اخي فسيكون لاتفاق ما , لأنه ليس من النوع الذي يقع في الحب ."
منتديات ليلاس
وكانت في صوتها المنخفض , المبحوح , نبرة اسف . كان من السهل الادراك انها لا تكن حباً عميقاً لأخيهاً , وان لم تكن مشاعره نحوها واضحة , فكان فاتراً وكاد ان يكون جافاً عندما قدمها الى هيلين .
وتلاها من افراد البيت آسمينا عمة ليون , وزوجها فاسيليوس . كانت اسمينا بالغة الاهتمام بهلين فأمطرتها اسئلة عن حياتها , وموطنها في انكلترا – اما فاسيلوس فاكتفى بأن يحدجها وهو يعبث بمسحبته . والواقع ان الانطباع الوحيد الذي تركه في نفس هيلين تمثل في صوت حبات مسبحته المتواصل . وفكرت لو انها زوجته لفقدت صوابها . وتساءلت اذا كان ليون مولعاً بمسبحته ايضاً ثم تمنت – لسبب غير مفهوم – الا يكون .
اما ام ليون – كانت بدينة , مغضنة الوجه , تلوح اكبر من سنوات عمرها الستين – فكانت هناك للزيارة , اذ اعتادت المجيء مرتين في العام لترى ابنها وكولا وقالت هذه:
" اضطررت ان اترك امي واجيء الى ليون بسبب عملي في نيقوسيا فلم اكن قادرة على السفر يومياً من بافلوس الى العاصمة ."

Rehana 01-01-11 12:05 PM

وقد علمت هيلين – فيما بعد – ان اسمينا وفاسيليوس يقيمان مع ليون حتى شهر يناير / كانون الثاني . اذ كانت لهما دار تبنى وباعا بيتهما القديم عندما عرض عليهما مبلغ جيد .
ودار في خلد هيلين انه لن ينتهي شهر يناير / كانون الثاني حتى يكون ليون وحيداً مع الطفلين , الا من الخدم .

** ** **
رنين جرس في الطابق الاسفل أعادها الى إكمال زينتها . ليون ذكر انها ستسمع الجرس قبل تقديم الطعام بعشر دقائق . وفكرت ان كان مناسباً ماترتدي ؟ لا لأن للأمر أهمية فما كان لديها شيء جذاب , فهي منذ عقدت العزم على الا تتزين لرجل ثانية , تعمدت ان تعاف ارتداء مايبرز جمالها , لهذا اختارت ثوباً خلوا من الزينة , يضفي لونه الرمادي شحوباً على بشرتها , ويعتم زرقة عينيها . ورفعت شعرها الاسود الطويل في غير تأنق – وربطته بشريط أسود . ولم تلون خديها بلمسة من المساحيق , ولم تصبغ شفتيها بما يبدي رقة فمها المقوس .
منتديات ليلاس
كم بدت مختلفة عن كولا , التي ارتدت ثوباً قطنياً موشى بالزهور وأحاطت أحد رسيغيها بسوار مرصع , والرسغ الآخر بساعة جميلة , وهما هدية خطيبها عند الخطبة , فبدت ضافية الفتنة . قالت هيلين في نفسها " هذا مافعله الحب بك " وهي تتذكر فترة خطبتها الشاعرية .
كان مكانها الى يمين ليون , بينما جلس الطفلان في الجانب المقابل , يغشاهما التهيب , لكنهما استطاعا الابتسام حين جلست هيلين . وجذب ليون لها المقعد بحفاوة قبرصية . وقدم اليها الحساء من وعاء كبير . لم تكن واثقة أنها ستستسغيه , فأخذت قدراً صغيراً , لكنه سحب المغرفة من يدها , وقال ليون وهو يقرأ أفكارها :
" سيروق لك "
وأضاف قدراً أكبر , وهي تسائل نفسها بحرج متزايد , كيف تتناول كل هذا . ولكنها أفرغته , وأعجبها كما قال ليون . الا أن الطفلين رفضا نصيبهما , اذ كان الحساء مصنوعاً من لبن الماعز , وله مذاق حامض قليلاً . وفهمت هيلين سر عزوفهما عنه , لكن عمهما اصر على ان يسكب وجبة ثانية , ولم يسمح لتشيبي بترك ملعقته الا حين بدأ يلهث كأنه يوشك على التقيؤ . شقيق ليون أخبرهما أن ليون لا يفهم الاطفال , وماكان أصدقه . فأول ماينبغي معرفته عن الاطفال أنه لا يجب غصبهم على الطعام .
منتديات ليلاس
هذه المائدة حافلة بالطعام , واضطرت هيلين نفسها الى الحزم حتى لا ينتابها ماشعر به تشيبي . لم يحدث أبداً أن رأت هذه الكميات من الطعام في وجبة واحدة , رغم أنها لاحظت ان ليون نفسه كان مقلاً في الاكل . وأخيراً , وضعت الفاكهة : برتقال , يوسفي , بلح , تين , موز . كلها من حديقة ليون . وعندما دعا ليون ابنة أخيه لتتناول ثمرة من التين , قالت:
" ليس هذا تيناً , التين أسمر "
فقال وهو يضع واحدة في طبقها :
" تيني أخضر . ماذا تأخذ ياتشيبي ؟"
فقال:
" لا شيء "
"خذ برتقالة !"
فبدا تشيبي مكفهراً , وقال :
" أرجوك ياعمي ليون "
لكن عمه قال :
" خذ واحدة !"
فلم تتمالك هيلين أن لا تتدخل قائلة :
" لا أحبذ الضغط عليه , فإنه ....إنه ..."
وقال ليون :
"حسن جداً ."
ولكن كلمتيه انطلقتا بحدة , فأدركت هيلين بغريزتها أنه لم يرض عن تدخلها . فرمقته باعتذار وتذكرت أنها ضيفة في بيته . وقالت :
" انني آسفة ياسيد بيترو , ولكنه في الواقع تناول كفايته . الاطفال لا يتعودون بسهولة أي تغيير في نظامهم الغذائي ."

Rehana 01-01-11 12:10 PM

قالت كولا في شيء من الدهشة :
" ألا يأكلون البرتقال؟..."
وأجابت هيلين :
"يأكلونه , ولكن الطعام الاخر , نحن لا نطهو بالزيت مثلاً ."
وأضافت فيونا :
" ونحن لا نتناول نتفا من اللحم على أعواد , مذاقها كادخان ."
أجابها ليون وبدأ اللون الطبيعي يعود رويداً الى وجهه :
"إنك لم تتذوق الدخان أبداً ."
" لايهم , لا ازال أجد مذاقها كالدخان ."
قالت آسمينا لفيونا :
"نحب ان يكون مذاق هذا اللحم كالدخان لأنه مشوي على الفحم ."
ونظرت فيونا الى عمها , قائلة :
" لا أحب هذا الطعام . هل استطيع الحصول على بيض وشرائح بطاطس غداً ؟"
وكان جواب عمها مقتضباً :
" ستتناولين مانتناول , وسرعان ماستتعودينه ."
منتديات ليلاس
وأخذ سكيناً وبدأ يقشر تفاحة . واتقدت عينا فيونا , وخيل لهيلين – للحظة رهيبة – انها ستخرج له لسانها مرة اخرى , ولكم اراحها أن الطفلة فطنت فجأة الى ان الاخرين سيرونها .
عندما انتهى العشاء , غادروا الحجرة , وتناولوا القهوة على الشرفة في أقداح صغيرة . كانت قهوة تركية , وكانت أول رشفة كافية لفيونا . ووضعت قدحها بسرعة , وإذا بالسائل الاسود السميك يتناثر على غطاء الطاولة المطرز . ورمق ليون أبنة اخيه بنظرة غاضبة , وقال بحدة :
"حان الوقت لتأويا الى الفراش."
والتفت الى هيلين قائلاً :
" اتسمحين بأن تعني بهما ياسيدة ستورات ؟ ستتولى آراتيه رعايتهما آخر الامر , ولكن لعلك تقومين برعايتهما أثناء وجودك هنا ؟"
كانت آرتيه هي الخادمة التي قدمت اليهم القهوة , وبدت جافة , فغاص قلب هيلين لفكرة ان تتولى الطفلين . واطقت زفرة عميقة عندما تبينت انها لا تملك ان تفعل شيئاً , وبادرت قائلة :
"نعم بالتأكيد ..."
وازدردت مافي قدحها .
كانت لحجرة فيونا شرفة تطل على البحر , اما حجرة تشيبي فكانت تواجه الجبل , وكانت الحجرتان مكسوتين بأبسطة سميكة ومؤثثتين على النمط الحديث , وقد ألحق بكل منهما حمام . واعجبت هذه الفكرة الطفلين ايما اعجاب , لكن وجهيهما كانا واجمين وهما يجلسان على سرير فيونا , ينظران الى هيلين وهي تغلق المصاريع . وتساءل تشيبي وهو ينظر الى قدميه بينما كان يهز ساقيه :
" هل تعتقدين , بعد ان رأيته , أنه بغيض ؟"
منتديات ليلاس
وكان جوابها :
"ستتعوادنه ."
ثم أردفت :
"هيا ياتشيبي الى حجرتك , فان فيونا ستبدل ثيابها ."
قال مبارحاً الفراش , ومغادراً الحجرة :
"آه , وهو كذلك ."
سألتها فيونا – بعد لحظات – وهي تتطلع اليها :
" الى متى ستمكثين ؟"
فأجابت وهي تحكم الغطاء حول كتفي فيونا :
" سأبقى اسبوعين , اذا لم يمانع عمك في استضافتي ."
ثم أردفت :
" هل ستحتاجين الى بطانية "
فأجابت :
" أريد بطانيات ."
وأحضرت هيلين بطانية من خزانة الحمام , وفرشتها عليها قائلة :
" كلا , واحدة تكفي , فالحر شديد هنا ."
"يسعدني ان تبقي معنا فترة طويلة ."
قالت هيلين :
"هذا غير ممكن ."
وبدافع غريزي , انحنت وقبلت خدها قائلة :
"طابت ليلتك ياعزيزتي فيونا ... نوماً هادئاً !"
** ** **

Rehana 01-01-11 12:11 PM

كانوا يجلسون تحت مظلة زاهية الالوان , في مرفأ كيرينيا , وقد رست أمامهم عدة قوارب صغيرة . وعندما أفرغ الطفلان قديحهما نهضا واقتربا منها ليتأملاها . فهتفت هيلين عندما رأتهما يقتربان من الحافة :
"احترسا . ارجع الى الوراء قليلاً ياتشيبي !"
قالت كولا , عندما اطاع تشيبي فوراً :
" انهما طفلان طيبان جداً ."
كانت تتحدث بدهشة , والوقع انه هيلين لاحظت – في عدة مناسبات – عندما كان الطفلان يطيعان أمراً صغيراً بلا جدل .
فتناولت هيلين كوبها وشربت , وهي تتأمل مرافقتها في فضول – وتلاحظ في الوقت ذاته ترددها – ثم قالت :
" كأنك تتوقعين ان يكونا أرعنين !"
فقالت كولا بعد تردد :
" رآهما ليون في انكلترا مرة او اثنتين – ولم يبد أنه وجدهما حسني السلوك بدرجة ملحوظة ."
قالت هيلين , وهي تتذكر مناسبة او اثنين أثناء الرحلة اضطرت الى كبح جماح أحدهما :
"لهما لحظات أزعاج , ولكن المعروف ان الطفل الهادىء يكون بليداً ايضاً ."
وتناولت كولا رفة من شرابها وقالت :
" اراك تحبين الاطفال ."
ولما لم تعقب هيلين , أستأنفت قائلة :
" انا أيضا احب الاطفال, وأريد أربعة على الاقل ."
منتديات ليلاس
ارتدت نظرة هيلين الى تشيبي , الذي كان يسرح البصر في المرفأ . كان هناك يخت يتحرك منساباً تحت ظلال الحصن . وانتابها شعوراً بالحزن . لو أن طفلها عاش , وبقي غريغوري بجانبها لأمكن أن تكون أنجبت طفلاً آخر أو اثنين في هذه الاثناء .
وتأملت كولا . لم تكن تحسدها , ومع ذلك ... قطبت جبينها وحولت بصرها . كلا . ما كانت تحسدها , وهي مقبلة على الزواج من رجل لا تعرف شيئاً عنه . حقاً , كانت تظن أنها تعرف هذا التيدي ولكن المرأة لا تعرف الرجل الى أن تتزوج منه . عندئذ تكتشف كل عيوبه , كل أنانيته وقسوته . وتكون الفرصة فاتت لتفعل أي شيء . كلا . ما كانت تحسد كولا , بل – على العكس – كانت تشفق عليها . ولكن كولا حالياً في أوج السعادة . قالت هيلين متطفلة :
" أين ستذهبان في شهر العسل ؟ هل سترحلان للخارج ؟"
فأومضت عينا كولا . وسرت هيلين لأنها استطاعت ان تحمل نفسها على ابداء الاهتمام .
" كنت اريد الذهاب الى باريس . ولكن تيدي زراها , فهو يريد الذهاب الى لندن ."
"لندن . ياله من مكان لشهر العسل !"
وعادت هيلين تسألها:
" والى أين ستذهبان ؟"
فأجابت كولا :
" لندن ."
منتديات ليلاس
ثم أردفت بسرعة , وكأنها تقرأ افكار هيلين :
" ولكني وضعت رسم البيت بنفسي . ففي مطبخي كل الاجهزة الحديثة . سأرتاح لوجودي هناك ."
"اذن سمح لك تيدي بأرضاء نفسك في هذا الصدد ."
فرفعت كولا ذقنها قائلة :
" طبعاً , انني ارضي نفسي . انه بيتي ."
حدقت فيها هيلين قائلة :
"بيتك ؟ اتعنين أنك تقومين ببنائه ؟"
لم تكن كولا تتجاوز الثانية والعشرين , وبناء بيت يتطلب نفقات كبيرة , أكبر من ان يتحملها ترودي زوجها . لذلك أردفت :
"لا بد أنك غنية ."
فقالت الفتاة :
" ترك لي ابي مبلغاً للدوطة ودفع ليون الباقي ."
" الدوطة ؟ الا تزالون تعملون بعادة دفع الدوطة ؟"
قالت كولا , محتارة :
"طبعا , أن الفتاة اليونانية لا بد ان تتكفل بالبيت . هذه تقاليدنا . انكن في انكلترا لا تلتزمن ببيت , لأنكن تتزوجن دائماً عن حب . اليس كذلك ؟"
وتجاهلت هيلين السؤال لتقول :
" ولكنك أخبرتني ياكولا انك تتزوجين عن حب ."
"هذا حقيقي , ومع ذلك يجب ان اتكفل بالبيت , لأن ابي ترك لي النقود واضاف اليها ليون لأن الاسعار ارتفعت كثيراً , في الفترة الاخيرة , ابي وفر لي المال اللازم خشية ان اتزوج رجلاً يصر على الدوطة ."

Rehana 01-01-11 12:13 PM

"ماذا يحدث إذا .... أنني أعرف ان الزيجات لا تنفصم هنا كثيراً , ولكن لنفترض ان هذا حدث هل يؤول البيت للزوج ؟"
عجبت كولا , وهتفت :
" كلا .... اذا انهار زواجي , لا يؤول اليه البيت طبعاً يظل لي , وعلى تيدي ان يرحل عنه ."
وادركت هيلين أن هذا هو السبب في قلة انفصام الزيجات في الجزيرة . فالواضح ان الرجل كان في وضع شائك . ولو اساء التصرف , يجد نفسه بلا مأوى . كان لهذا التقليد العتيق – ان توفر الفتاة البيت كدوطة – حسناته , برغم كل شيء .
"قلت إن ثمانين في المائة من الزيجات هنا , زيجات مدبرة , زيجات اتفاق , لكنها تبدو نسبة عالية جداً ."
ولم تكن كولا مصغية , إذ انفرجت شفتاها عن ابتسامة , فالتفتت هيلين لترى ليون واقفاً خلف مقعدها . وعقب على كلامها بفتور قائلاً :
" هذا صحيح ياسيدة ستوارت . ولكن الزمن بطيء في تغير تقاليد الشرق."
منتديات ليلاس
وجلس في أحد المقاعد الخالية , وهو ينظر الى حيث وقف الصغيران , ثم اردف :
" ولكن معظم زيجات الاتفاق هذه , ناجحة للغاية ."
ورمقها بنظرة غريبة وفي نبراته شيء جعل هيلين تشعر بأن لكلامه معنى أعمق مما كان ظاهراً . ثم قال :
" هل أطلب لك شراباً ؟ لم تهتمي بالسيدة ستوارت ياكولا .
قالت هيلين :
"شربنا , أفرغت كوبي منذ قليل ."
قال :
" تأخذين شراباً آخر ؟"
وأشار الى الخادم بدون انتظار جوابها , ثم سألها :
" ماذا تريدين ؟"
وطلب الشراب الذي ذكرته . وجلسوا في صمت برهة , يتأملون المارة . كان معظمهم قبارصة , اذ لم يكن في المدينة أي زائرين تقريباً , في ذلك الوقت من العام . كان بعض القبارصة يفدون في سياراتهم من نيقوسيا .
وقالت كولا :
"انها رحلة معتادة في اصيل يوم الاحد . كانت أسر بأكملها تأتي ومعها طعامها , وتبتاع المشروبات من المقهى المقابل للمرفأ."
تنهدت هيلين عندما تذكرت ان اقامتها اوشكت على نهايتها . بقيت اسبوعاً اطول مما كانت تعتزم , ولكن كولا وليون الحا عليها في البقاء فترة اخرى حين اشارت الى الرحيل . هي وكولا اصبحتا صديقتين حميمتين , واعتادتا – كلما سنح لكولا الوقت – أن تأتيا الى المرفأ فتجلسان وتتكلمان وتنعمان بالشمس . كذلك اصطحبت كولا هيلين في جولات وكان الطفلان يرافقانها احياناً . لكن ليون اصر في عدة مناسبات ان ينطلقا وحدهما , قائلاً :
" لايمكن ان تأخذاهما بأستمرار ."
ورغم ان هذا كان يثير ضيق الطفلين , مالبثت هيلين ان اكتشفت عبثية مجادلة ليون في أي امر .

** ** **
منتديات ليلاس
بدأ الظلام في الهبوط , وتحول الوهج الناري على البحر الى ارجواني . جاءت هيلين وكولا والطفلان من لابيتوس في القطار . لكن ليون جاء بسيارته , فانطلقوا فيها عائدين . وشرعت هيلين وهي تجلس بجواره في المقدمة – تفكر فيما اتى به , تفكر فيما اتى به , اذ تركوه في حجرة المكتب منهمكاً حين غادروا البيت . ثم فهمت انه جاء خصيصاً ليقلهم , عندما اخبرته امه عن مكانهم . ياللمراعاة ! ومع ذلك كان رجلاً غريباً , واكتشفت هيلين هذا بعد وصولها بقليل .

Rehana 01-01-11 12:26 PM

كان مسلكه نحو الطفلين غريباً , مما أثار حنق هيلين . ومع ذلك , فعندما تعثر الصغير مرة وجرح ذراعيه ضمدهما ليون بنفسه . ولن تنسى دهشتها – في تلك المناسبة – ولا الشعور الذي غشيها وهي تراقبه مع الطفل . لاحت اصابعه لطيفة , وهي تعنى بالذراعين , وقد قام هو بنفسه بمسح دموع تشيبي . اما مسلك ليون نحوها هي , فكان مجاملاً دائماً , ولكن في فتور وعدم مبالاة , مما أثبت دون شك ماقالته بريندا عن أنه لم يؤت وقتاً للنساء . أما دعوته لها لأطالة اقامتها فقد كان جزءاً من التقاليد القبرصية ومع ذلك كانت صادقة ... الواقع انه كان بالغ التلهف على ان تبقى في ضيافته مدة أطول وفي محاولتها للعثور على مبرر لذلك تصورت هيلين انه كان مقدراً لمساعدتها في رعاية الطفلين , لأن آرتيه لم تكن قد تولت بعد العناية بهما .
منتديات ليلاس
كان الطريق من كيرينيا الى لابيتوس يمتد مسافة موازياً للبحر , ثم ينحرف الى التلال , متعرجاً , يزداد ضيقاً ووعورة وهم يرقون نحو الفيلا البيضاء الجميلة المنتصبة في ضوء بلون اللؤلؤ ولون الغسق المنسحب . وغشيت هيلين سكينة ووحشة وهي تغادر السيارة وتقف محدقة عبر السهل الساحلي الضيق الى البحر . وهرعت كولا بخفة الى داخل البيت قائلة :
"أرجو ان تأذنوا لي , فأنا اشعر بالبرد ."
كان الهواء حولهم معطراً وقالت فيونا وهي تتقدم بجوار هيلين :
"إنني احب عبير الحديقة , الا تحبينه ياسيدة ستوارت ؟"
" بلى يافيونا , اعتقد انه رائع ."
فسألتها فيونا :
" هل انت حزينة لرحليك ؟"
واختنق صوتها وهي تضيف :
"الا تستطيعين البقاء مدة أطول ؟"
"مكثت اسبوعاً آخر ياعزيزتي . ولي بيتي كما تعرفين ."
قال تشيبي وهو يقبل عليهما :
" ولكنك وحيدة , وليس مستحباً ان تعيشي وحدك . لو انني مكانك ما احببت هذا ."
قالت مبتسمة :
"طبعاً , ولكني تعودت ذلك ."
فسألها :
"ولكن , ماذا تفعلين ؟"
فأجابت :
"اشياء كثيرة , أقرأ وأرسم قليلاً ."
وهتف :
"ترسمين صوراً ؟"
قالت :
"نعم , احب ان اكون وحدي يا تشيبي فلا تحزن هكذا ."
وأقبل ليون من الجانب الآخر للسيارة , فسألها :
"اتحبين ان تعيشي وحيدة , ياسيدة ستوارت ؟"
كان يقف مطلاً عليها , منتظراً – كما بدا – ردها في فضول .
قالت :
"تعودت ذلك ."
ولكنه كرر سؤاله , فقالت :
" نعم احب أن اعيش وحيدة ."
وكان تعقيبه الداعي للدهشة :
" لا يبدو انك متأكدة جداً من ذلك ."
وبعد صمت بدا انه كهرب الجو المحيط بهم , قال :
"أود ان اتحدث اليك على حده ياسيدة ستوارت , بعد العشاء وارسال الطفلين الى الفراش ."
فتساءلت , وهي لا تدري سر الشعور المرتعش الذي سرى في اعماقها :
"على حده ؟ هل أجيء الى مكتبك ؟"
قال : منتديات ليلاس
" إذا سمحت , فلن يزعجنا احد هناك ."
كانت نبراته مقتضبة , وفي عينيه ذلك اللمعان المعدني البارد المعهود وقد اطبق فمه بقوة . وانتظر لحظة ارتقاباً لأي سؤال اخر منها , فلما ظلت صامتة استدار ودخل البيت . وتبعته هيلين وهي شبه مسلوبة الوعي , لا تكاد تفطن الى ان الطفلين كانا متشبثين بيديها وهما يقفزان بجوارها .
ومع انه يلين كانت مفعمة بالفضول , تشعر بدبيب غريب يجعل ضربات قلبها تتسارع فلم تكن مستعدة ابدا لما قاله ليون عندما دخلت حجرة مكتبه في وقت لاحق من ذلك المساء , فبعدما قدم مقعداًودعاها للجلوس , شرع يقول بدون تمهيد , ونبرات هادئة ولهجة الامر الواقع :
"كنت جاداً ياسيدة ستوارت , حيث قلت – في فترة سابقة اليوم – ان زيجات الاتفاق والتراضي عندنا , موفقة جداً في الغالب ."
وجلس في هدوء في مواجهتها واستأنف حديثه :
"استخلصت – اثناء حديث معك منذ فترة – انك لا تأملين في زواج ثان يقوم على الحب . أترينيني اصبت في فهمي هذا ؟"

Rehana 01-01-11 12:27 PM

قالت متلعثمة :
" ن....نعم ."
وهي غير قادرة على تذكر الحديث الذي قصده . لو انها قالت شيئاً كهذا , فلا بد انه كان اشارة عابرة , لأن هذا ليس بالأمر الذي تقبل مناقشته مع أي شخص . اللهم الا أمرأة , وصديقة , هذا بالاضافة الى انها لم تأمل في زواج ثان اطلاقاً .
"هكذا ظننت – ولما لم يكن ثمة احتمال لأن اشعر يوماً بعاطفة عميقة لأمرأة , فأني اعرض عليك مشروعاً , لا تقاطعيني ياسيدة ستوارت انتظري حتى انتهي من كلامي ."
تزحزح في مقعده , ومع ان عينيه لم تكونا تحيدان عن وجهها بدا انه لا يتأملها – إذ كانت ملامحه مكفهرة مريرة ومضى مستأنفاً كلامه :
"تلقيت نبأ – في الاسبوع الفائت – بأن أخي لن يبرأ من مرضه . الواقع انه قد لا يعيش أكثر من شهر , على الاكثر" .
فهتفت هيلين :
"سيصبح الطفلان يتيمين .... ما أفظع هذا !"
قال يذكرها بخشونة :
"إن للطفلين أماً ."
الواضح أنه كان يظنها على علم بتفصيلات تاريخ والدي الطفلين . ثم اردف :
"على ان هذا غير هام , لأنها غير ذات نفع لهما الان , سيكون عليهما ان يقيما نهائياً معي , لا خيار في ذلك . ولقد راقبتك معهما في حذر بالغ , ومن الجلي انهما مرتبطان بك قدر ارتباطك بهما , إزاء هذا آمل ان استطيعا قناعك بالبقاء هنا والعناية بهما ."
أطلقت زفرة طويلة :
" أهذا كل شيء ؟ سأتدبر الامر بلا شك ."
وسكتت عندما نظر اليها , ثم قال بصوت ناعم :
" رجوتك ألا تقطعي حديثي ."
وتصاعد الدم الى وجنتيها , فانتظر لحظة , ثم استأنف :
" أختي كما تعلمين – ستتزوج في الشهر المقبل , وعمتي وعمي سيرحلان في الوقت نفسه تقريباً . وفي انكلترا , يباح لك دخول بيت رجل – ورعاية أولاده , ولو كان يعيش أعزب . أما هنا , فهذا مستهجن – لسوء الحظ – ونحن أكثر اهتماماً بمسائل اللياقة مما في بلادك . وإذ يبدو أنه لا غنى عنك لسعادة الطفلين , فإنني اسألك الزواج مني ."
افحمتها الدهشة ؟ وبعد ثلاثة اسابيع من التعارف فحسب ! لم يزد ليون على ماقال , وامهلها لتستجمع شتات ذهنها . فأخذت تتقبل رويداً – وهي لا تزال مشدوهة – ان الزواج كان المخرج الوحيد له من موقفه , فما كان لأمرأة في هذه البلاد ان تقيم معه دون ان تكون زوجة . وكان للخادمين – آرتيه وزوجها – بيتهما اسفل التل . حتى اذا كانا ينامان في دار ليون , تغير الموقف فأقامة امرأة غير متزوجة في بيت رجل – مهما يكن المبرر – تعتبر في هذه البلاد مثيرة للشبهات والاستهجان .
منتديات ليلاس
تمالكت نفسها اخيراً , وقالت :
" انا لا استطيع الزواج منك , قد ابحث المجيء للعناية بتشيبي وفيونا , اما الزواج ...."
والواقع انها كانت تهتم للطفلين كثيراً , ولا شك انهما سيشعران بالشقاء اذا فارقتهما . كان الموقف سيئاً من قبل .... أما الان فيجب ان يعلما بما اصاب والدهما .... وغمغمت وهي تحدجه بعينين اصبحتا الان اكثر بريقاً :
"لا أدري ماذا اقول ياسيد بيترو . انني عاجزة حتى عن التفكير ."
وأيقنت هيلين انه رجل حكيم وماكر , عندما قال في لهجة أكثر نعومة والطف , انه يفهم الصراع الذي يدور في داخلها , ولا يتوقع قراراً فورياً بل يجب عليها ان تفكر في الامر كثيراً , وتحسب حساب الايجابيات نسبة الى الطفلين واليها . اما من ناحيته في الزواج فلا ينبغي ان تخاف منه, فلن يطلب منها الا ان تبقى عفيفة والا تعرضه قط للهوان بسلوك ربما يوصف – ولو عن بعيد – بأنه غير لائق .
"لن يحدث ماتخشاه من هذه الناحية ...."
منتديات ليلاس
وسكتت اذ اذهلها ان تفكيرها تحول الى صوت مسموع . وابتسم ليون لأرتباكها , فأذا التغير الذي طرأ عليه مذهل . أجل , كان وسيماً ... وكان غريغوري وسيماً ايضاً , ولذلك طاردته النساء . اما اذا طاردن ليون , فلن تجرح مشاعرها , بل انها لن تحفل . ولكن , ماهذا التفكير ؟ لم يكن ثمة مجال لأن تتزوج منه . كلا ماكانت لتتصور الزواج مرة أخرى من أجل الامن والطمأنينة . ولو من أجل الطفلين . ثم ان ليون كان يحتقر النساء , بينما كرهت هي الرجال وفقدت الثقة بهم .
فكرة زواج شخصين على هذه الشاكلة تثير السخرية .


نهاية الفصل الثاني

Rehana 01-01-11 12:32 PM

3- آمال برسم الانهيار ..




http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif






انقضى شهران على زواجهما , حين حلت معجزة الربيع على الجزيرة , واذا بأمطار الشتاء , وماء ثلوج الجبال تبدل معالم الارض الجرداء السمراء وفي مكان برزت نباتات خضراء زاهية تكسو السهول , وأخذت الالوان تعربد على سفوح الجبال , اذ راحت الزهور البرية تتفتح سريعاً. ووقفت هيلين في شرفة مخدعها تسرح النظر الحالم عبر الشريط الساحلي الضيق الى البحر الشاسع . البحر الابيض المتوسط أزرق لازوردي متلألئ . يتدرج ويخف لونه وهو يترامى الى الافق , ولكنه ظل – مع ذلك – قاتماً لدرجة تفرقه عن زرقة السماء الصافية .
ولامست شفتي هيلين ابتسامة . إذ سمعت نداء :
"ياعمتي هيلين !"
منتديات ليلاس
فسارت الى ياج الشرفة , واطلت الى الحديقة , كانت فيونا تقف هناك , متطلعة بوجهها المتألق الى اعلى , تعلق على كتفها حقيبة الكتب . وقالت :
" رجعت !"
فضحكت هيلين قائلة :
"يمكنني ان أرى ذلك ... هل أنت جائعة ؟"
" حتى الموت ."
"تعنين الى درجة التضور جوعاً ."
" اجل , اصبت , هل لدينا شيء من تلك الكعكات التي صنعتها بالامس ؟"
"عدد قليل . سأوافيك حالاً بها , سأرى ماذا لدينا في العلبة ."
تحولت الى غرفة النوم , فأذا بها تلمح نفسها في المرآة , وتذكرت ماقالته ترودي بدون مجاملة , حين زارتها هيلين في الاسبوع الماضي :" انت طراز قديم !"
" لماذا التحفظ وقد تزوجت ؟ إنك لن تستبقيه , واني لأنذرك , فهؤلاء القبارصة سرعان مايجمحون شاردين , يكفي ان يروا وجهاً جميلاً واحداً كي ينحرفوا , مالم يكن لديهم في البيت ماهو افضل ."

Rehana 01-01-11 12:33 PM

"هل تتحدثين عن سابق اختبار"
"كلا طبعاً , فحبيبي تاسوس مختلف , اجل , لا داعي لأن تضحكي ! ولكن هذا هو السائد , إنني احذرك , كما اقول, لأنك صديقتي . انك حسناء ياهلين , فلماذا الجمود ؟ ثم , ما تبريرك لطول ثيابك ؟ يا للسماوات , انني لا اكاد ارى ركبتيك !"
ونبهها صوت فيونا تقول :
"اين انت ياعمتي هيلين "
فبادرت مجيبة :
" هاأنذا قادمة ياحبيبتي !"
كانت فيونا في المطبخ , تطوف بأرجائه وهي تجر حقيبتها على الارض . وبادرت :
"اين الكعك ؟"
" ارفعي حقيبتك , كلا , ارجو ان تعليقها في مكانها ."
منتديات ليلاس
وخرجت فيونا – وهي تبتسم بخبث – لتعلق حقيبتها في خزانة البهو . ثم عادت وجلست الى مائدة المطبخ , وهي تؤرجح ساقيها , وترتقب متطلعة ان تقدم اليها هيلين ماتأكله . ووقفت هيلين تطل عليها لحظة , وهي تتذكر رد فعل الطفلة عندما حدثها ليون عن ابيها بعد وفاته . ظل وجهها الصغير الوديع جامداً في البداية , ثم انخرطت في بكاء مثير للأشفاق على صدر هيلين . أما تشيبي فزم شفتيه , محاولاً ببسالة أن يكون شجاعاً , ولكنه مالبث ان انهار هو الاخر . كان هذا المشهد المفتت للقلب , والوجوم المكفهر القلق في عيني ليون فوق ماتحتمل هيلين . فكان قرارها من وحي الساعة – كما قالت لنفسها – ناجماً عن انفعال عاطفي قوي مؤقت . وشعرت انها قد تندم على الزواج , فالحياة مع هذا الاجنبي الاسمر الصارم الذي كان اسلوب حياته مختلفاً عن اسلوبها وعادتها – لا يمكن ان تكون ممتعة . اكد لها روبرت جازماً أنه مامن قبرصي يستطيع ان يعيش بدون امرأة . ومع ان هذا الجانب من حياته الشخصية ماكان ليمسها قط في شيء , كانت تدرك دائماً احتمال وجود هؤلاء النسوة , وماكان هذا ليساعد على الرضا وراحة البال . وبرغم التحذيرات الكثيرة – في دخيلتها – فأن هيلين سمحت لشفقتها بأن تسيطر على هواجسها , ولم تندم بعد ذلك – وكان هذا النمط من الزواج يلائمها ... اذ هناك مجال لمشاعر أعمق , بدون ايقاظ العواطف , ومن ثم لا خطر لأن تنهار آمالها مرة أخرى .
وهتفت الصغيرة :
"ياعمتي هيلين ...اسرعي ."
تقدمت هيلين الى الخزانة ضاحكة , وأخرجت الكعك , ثم سكبت لها فنجاناً من الحليب , وسألتها , وفم فيونا مليء بالكعك :
"اين تشيبي , لماذا يتأخر دائماً ؟"
"انه مع بعض الاولاد , يستطيع ان يتكلم معهم , اما انا فلا استطيع . من الصعب تعلم اللغة اليونانية , لكن معلمتي طيبة , تخبرني بكل الكلمات ."
"وانت تنسينها على الفور "
" اتذكر بعضاً منها , لكن الحروف غريبة جداً . لماذا يقلبونها رأساً على عقب ؟"
ليست مقلوبة لكنها تختلف عن حروفنا , هذا كل مافي الامر . سوف تتعلمين اللغة قريباً ."
"لكنك قلت لعمي ليون انك لن تتعلمينها ابداً ."
" انا اكبر منك , والتعلم في الكبر شاق دائماً , اتوقع ان اتعلم مايكفي لاحتياجاتي , لا يهم , فمعظم الناس هنا يتكلمون الانكليزية ."
منتديات ليلاس
نظرت هيلين نحو النافذة , اذ ظهر تشيبي عند الشرفة . ثم اقبل خلال الباب الزجاجي , وان هي الا لحظة حتى انسابت حقيبته تتدحرج عبر الارض المصقولة ."
" ماذا تأكل فيونا ؟ هل استطيع ان انال بعضاً منه ؟"
" عندما ترفع حقيبتك وتخرجها من هنا ."
" علقيها نيابة عني يافيونا ."
اتسعت عينا هيلين , وهتفت :
"ماذا قلت ؟"
فأجاب تشيبي وهو يجلس على احد المقاعد العالية , منتظراً ان , يقدم له كعك وحليب :
" قلت لفيونا ان تعلق حقيبتي ."
فقالت هيلين بحزم :
"خذ حقيبتك خارج المطبخ, فوراً ."

Rehana 01-01-11 12:39 PM

فأشار بسبابته الى الحقيبة وقال :
"فيونا ؟"
شربت فيونا جرعة كبيرة من الحليب – وملأت فمها بالكعك ثانية , قالت :
"لن أعلق حقيبتك الزرية ! علقها بنفسك ! لست ادري ماذا دهاك ياتشيبي ,انك تحاول دائماً التعالي واصدار الاوامر !"
وتطلعت الى هيلين في استنكار , وابتلعت مافي فمها , وأردفت تقول بفظاظة :
" طلب مني ان انظف حذاءه , هذا الصباح ."
حدفت فيه هيلين غير مصدقة , وهتفت :
" تنظفين حذاءه ! هل طلبت ان تنظف اختك حذاءك ؟"
فأجاب بهدوء :
" هذا صحيح . الاخوات دائماً يخدمهن اخوتهم هنا . الصبيان هم ذوو القيمة , وليس على البنات سوى الشغل و.... كل شيء ."
منتديات ليلاس
"هل لي ان اسال , من اخبرك هذا "
قال باستخفاف :
" الاولاد كل اختواتهم يخدمنهم وانا شعرت بالتفاهة حين قلت ان اختي لم تكن تخدمني , لأنهم ضحكوا وقالوا انني مخنث ."
" لا اصدق انهم استعملوا هذه الكلمة "
" كانت كلمة اخرى باليونانية , ولكنها تعني الشيء ذاته ."
" مهما تكن الكلمة , فعليك ان تنظف حذاءك بنفسك . والان, اذهب وانقل حقيبتك ...."
قال محتجاً :
"ولكنك لا تفهمين ياعمتي هيلين ...."
"مالذي لا تفهمه عمتك هيلين ؟"
** ** **

كان ليون يقف بالباب , منذ مدة , رشيقاً يرتدي بدلة من التيل الاصفر الشاحب لا تشوبه شائبة , فأن عينيه على هيلين , تطوفان بها من قمة رأسها الى قدميها , ولأول مرة شعرت بمظهرها الكئيب.
كانت ترتدي كنزة وتنورة , كلاهما باللون البني الداكن وشدت شعرها الجميل الى الخلف باحكام , وثبتته الى مؤخرة رأسها بمشبك قبيح من لحاء السلحفاة . وتحول انتباهه الى تشيبي , وتساءل بصوت حازم :
"وبعد ؟"
كان صوته حازماً . وسألت هيلين نفسها : ترى هل كان يصغي الى الحديث قبل دخوله الحجرة ؟ وعاد ليون يقول للغلام :
"هل فقدت لسانك فجأة ؟"
تبخر اعتداد تشيبي وتعاليه فقال مستكيناً :
"لا شيء ياعمي ليون ."
فالتفتت ليون الى هيلين , واضطرت ان تجيب عن الطفل , قالت في لهجة مخففة ونبرة مستضحكة :
" تشيبي يتحول الى قبرصي حقيقي بسرعة . فهو يعتبر ان الانثى أدنى منزلة ."
تساءل ليون :
" أصحيح هذا ؟"
فقالت فيونا :
" إنه يسخرني , ويأمرني بتنظيف حذائه ."
فقالت هيلين مؤنبة :
" هذا افتراء . طلب منك فقط ان تنظفي حذاءه ."
منتديات ليلاس
أدركت هيلين ان ليون سمع مادار , فلم يبد دهشة ما , وقال لابن أخيه بهدوء :
"أنزل عن هذا المقعد وانقل حقيبتك !"
ولمسها بطرف حذائه . واطاع تشيبي على الفور , ولكنه رمق اخته بنظرة محنقة , وهي ترميه بنظرة منتصرة , وقال حين عاد , وهو لا يوجه خطابه لأحد معين :
" كل الاولاد في المدرسة يكلفون أخواتهم بأداء أشياء لهم ."
ثم أردف في شبه تحد لعمه :
"كانت عمتي كولا تؤدي لك اعمالاً ... كنت تكلفها دائماً بأن تؤدي لك اعمالاً , وتأتيك بأشياء ."

Rehana 01-01-11 12:40 PM

أعقب هذا الانفجار الصغير صمت رهيب , ثم امر ليون ابن أخيه بالذهاب الى حجرته . وبادرت هيلين , وهي تقدم الحليب لتشيبي :
"لا .... إنه لم يقصد ان يكون فظاً ."
" تشيبي .... افعل مااقول ."
كان الصوت منخفضاً متوعداً , حتى انه هيلين نفسها ارتجفت قليلاً لسماعه . وانحسر الزهو عن محيا فيونا , ودست خلسة قطعتين من الكعك في جيبها , وانزلقت من المقعد فاتجهت الى الباب , تابعة اخيها .
ولاحظت هيلين تصرفها , وعندما نظرت الى ليون , ادركت انه هو الاخر عرف مااعتزمته فيونا . بيد انه تركها – لدهشة هيلين – تغادر الغرفة . وقال وهو يخطو نحو باب الشرفة :
"مالذي اوحى اليك بأن المرأة ادنى مكانة في قبرص ؟"
قالت : منتديات ليلاس
" انها حقيقة , اليس كذلك ؟"
قال وهو يتأملها – مرة أخرى – بفضول , وقد تسلطت نظراته على وجهها :
" الامر يتوقف على تأويلك سلوك الرجل نحو المرأة ."
وبدا لهيلين أنه يتفحص كل زواية , وكل خط في قسماتها , فسارت نحو المائدة ورفعت الطبق والكوب عنها وحملتهما الى المجلى . بينما استأنف ليون حديثه قائلاً :
"المرأة في بلادكم مساوية للرجل , ولكن يبدو انها في اكتساب هذه المساواة , فقدت شيئاً اثمن منها بكثير ."
التفتت هيلين ونظرت اليه متسائلة :
"مالذي فقدته ؟"
فقال :
"إنها كثيراً ما لا تلقى احتراماً ولا مجاملة . بل الاكثر من هذا , إنها لم تعد تعتبر امرأة . وأعني بذلك لم تعد تحظى باهتمام الرجل . لم تعد تلقى دلالاً ."
فاضت عيناها الزرقاوان بالعجب . ماكانت هذه بكلمات رجل يكره النساء . وقالت :
"لم اعلم ان الرجال الشرقيين يدللون زوجاتهم ."
" إذن , لم يصدقك من اخبرك . اننا ندلل نسائنا ونعتز بهن . وانا اتكلم الان بصفة عامة طبعاً , ولكن لكل تعميم شواذ دائماً . بعض الرجال هنا لا يعاملون نسائهم برقة , ولكن هؤلاء أقلية ... اؤكد لك ."
" لست أدري كيف تقول هذا . فمما رأيت استخلص أن النساء هنا مجرد خادمات , مستعبدات تقريباً ."
تملكه غضب حقيقي , إذ انبعث صوته بحده وقال :
"هراء ! إنما تشتغل النساء في البيت لأن هذا طبيعي لهن , بينما يأتي الرجال بالمال ."
قالت وهي تضع الكوب تحت ماء الصنبور :
"النساء يشتغلن في الحقول , كثيراً ماشاهدتهن ."
وقف في المدخل , واحدى يديه على فخذه , وقد بدا أنه يهتم بالمنظر , ثم قال :
"هذا صحيح , ولكن الرجال يعملون الى جوارهن ."
منتديات ليلاس
كان وضع الشمس وصفاء زرقة البحر والسماء يجعلان للضوء طابعاً يهفو بالمشاعر , لا سيما وهو يترامى على شعر ليون الاشيب , فيكسبه بريق الفضة . وأشاحت هيلين تأخذ منشفة لتجفف الكوب . بينما استرسل ليون :
"النساء يستمتعن بالعمل في الحقول ... ويستمرئن الهواء الطلق ."
والتفت يتأملها وهي تقف عبر أصابع قدميها لتضع الكوب على رف مرتفع فانحسر ثوبها . وعندما استدارت رأته يحدق .... وغير الموضوع , متسائلاً فجأة :
"ألست بحاجة الى نقود ياهلين ؟"
سرى الدم سريعاً الى وجنتيها , ولكن عينيها عكستا دهشة واهنة , وقالت :
"كلا, لدي الكثير ."
كان سخياً , ولابد أنه يعرف بعدم حاجتها . فهز كتفيه , وقد قرأ ماعكسته ملامحها , وقال :
"انما رأيت ان اسأل فحسب . ماعليك الا ان تطلبي , ولن تجديني ضنينا ."
اتسعت حدقتاها . أتراه يومىء الى ان عليها شراء بعض الملابس , فما كانت تعتزم ذلك : مرت مناسابات عديدة – في الفترة الاخيرة – وكانت عيناه السودوان تحدجانها بنظرة تسلبها الهدوء من نفسها وتذكرها – لسبب من الاسباب – بما قاله روبرت من انه ليس بوسع أي قبرصي ان يعيش بدون امرأة . كان ليون يخرج كل مساء .

Rehana 01-01-11 12:41 PM

وكانت لهيلين آراؤها فيما كان يفعل . بيد أنه كان – في اوقات اخرى – يمكث في البيت اسبوعاً بأكمله . إنها لم تجذبه حتى الان , ولكنها كانت تتساءل : كيف كان يفكر عقله هو . وانتهت الى انه لا فرق لدى هؤلاء الشرقيين الشهوانيين بين امرأة واخرى .... وقد يأتي يوم .... واقصت هيلين الفكرة من ذهنها .
كانت الحياة مرضية , وهناك الطفلان وبيت جميل , فلم يكن من الحكمة تعقيد حياتها بالتعرض لايقاظ الرغبات في زوجها . كلا , كانت خلوا من الجاذبية له . وعقدت العزم على ان تظل كذلك .
منتديات ليلاس
سألته في نبرة استعطاف واهنة :
"لن تبقي تشيبي في غرفته طويلاً ؟ إنه جديد على كل هذا , وهو يصغي للصبية الاخرين . إنه في السن التي تجعله يريد الشعور بقيمته ."
وسارت نحوه وابتعد ليون , بدون ان يحاول دعوتها الى الشرفة , فابتسمت وتقدمت نحوه وعندما وقف الى جوارها , ادركت ان رأسها لا يكاد يبلغ كتفه .
قال :
" إنك بالغة اللين معهما ."
ورغم حدة لهجته شعرت أنه لم يكن ينتقد طريقتها مع الطفلين وقالت :
"لا يزالان صغيرين ... وتعرضا لصدمة قاسية ."
" لكنهما تكيفا مع ظروفهما في شكل جيد , وبسرعة ."
وتقوست شفتاه المزمومتان في ابتسامة , وغاب عن عينيه الوميض البارد , وأردف قائلاً :
"إنك طيبة معهما ياهيلين . كلا , لن اترك الصبي طويلاً , ولكنه يجب ان يتعلم أنه لا يستطيع ان يعامل أخته كأنها أدنى منه , يجب ان يدرك أننا نتوقع منه ان يرعاها ."
ورمقته بسرعة , مااغرب هذا الرجل ! هل يمكن ان يكون عدواً للمرأة حقاً ؟ من المؤكد ان تجربة أخيه أثرت عليه , لولا ذلك ماقال وهو يعرض عليها الزواج أنه لن يهتم بأية امرأة اهتماماً عميقاً .
تذكرت هيلين مسلكه نحوها منذ زواجهما . كان مجاملاً , ودوداً ولو أنه مرات كان فاتراً على نحو ملحوظ ولكن لم يحدث ان تحدث إليها بخشونة مرة أو وجه اليها أمراً , او أبدى نحوها ترفعاً وتعالياً . وفي الواقع , لم يكن هناك مايدعوه لذلك . سألها ان تتزوجه وقبلت . كان من حقها ان تتوقع ان يعاملها على قدم المساواة . مع ذلك فأن تلك الشراسة موجودة دائماً , لأنها تؤلف جزءاً دائماً من مظهره . فتحس بوجودها تماماً في بعض الاوقات , ولا تكاد تحس بها أحياناً أخرى . وتطلعت اليه ثانية , ملاحظة فكه الصارم التكوين واختلاجة عضلة خفيفة في جانب منه . الابتسامة خبت , والفم اطبق مزموماً في ذلك الخط الذي كان يوحي بالخشونة . الخشونة التي كانت تشوب وسامة ملامحه . ترى كيف يبدو حين يكون غاضباً ؟ كيف يبدو عندما يمتحن صبره أو يواجه تحدياً ؟ تركت هيلين عيناها تتحولان الى فمه ثانية ؟ فشعرت بقشعريرة غريبة تسري في بدنها , ووجدت نفسها تتمنى في حرارة الا تتعرض لمناسبة تواجهه فيها . اذ اقتنعت لتوها انه يستطيع ان يكون قاسياً حقاً . وانتبه الى اهتمامها , فاستدار واطل عليها من فوق , بنظرة متسائلة فبادرت تقول بارتباك عجبت منه :
"متى يستطيع تشيبي مغادرة غرفته ؟"
" قبيل موعد الشاي – سأرى ."
"قبيل موعد الشاي ؟ إن الساعة الثانية والنصف الان ."
كان اليوم المدرسي هنا ييدأ في الثامنة صباحاً , وينتهي في الثانية بعد الظهر . وأردفت :
"ماأحسب أنك ستبقيه هناك ساعتين أخريين ؟"
فقال: منتديات ليلاس
"كلا , ليس ساعتين , ولكنه سيبقى هناك فترة . لن يصاب بأذى ."
كانت نبراته هادئة , ولكن هيلين ادركت انه لن يقبل مزيدا من الجدل في هذا الامر , فلاذت بالصمت , وهي تطل على فيونا في الحديقة . كانت تلاعب كلبا ضالاً , استقر لديهم أخيراً . ففي قبرص كثيرة هي الكلاب الضالة , تعيش في المدينة والريف على السواء , وكانت هيلين تشعر بالحيرة ..... فكيف تحصل على قوتها ... عندما استقر الكلب الذهبي اللون في حديقتهم , توقعت هيلين أن يطرده ليون أو يأمر باعدامه . – ولكنه – على النقيض – أمر له بالطعام ومكان للنوم .

Rehana 01-01-11 12:48 PM

تحرك ليون , وانحنى قليلاً على السياج . يشاهد أيضاً ابنة اخيه مع الكلب . وطاف بخاطر هيلين مرة اخرى : أجل , انه رجل غريب في عدة نواح , إنه لغز بسمات متناقضة في شخصيته , فهو احياناً صلب لا يلين – لا سيما مع الطفلين – ومع ذلك قد يشمل بعطفه هذا الحيوان الشريد . كذلك كان مسلكه نحو النساء عجيباً . فمع اهتمامه بهن – لسبب واحد فقط – لم يكن يسمح بمجرد إشارة ازدراء ان تشوب صوته إذا تحدث عنهن . كان لطيفاً مع امه وسخياً مع اخته . ولكن نبراته – في المناسبة الوحيدة التي ذكر فيها ام الطفلين – كانت خشنة جداً – حتى خيل لهيلين أنه قادر على القتل . وعادت تنظر اليه جانبياً , وتتمنى مرة اخرى الا تحدث مناسبة تضطر فيها الى اغضابه .
منتديات ليلاس
غير ان احتكاكاً بين إرادتهما حدث في ذلك المساء بالذات فشعرت هيلين – للمرة الاولى – بوطأة شخصيته المتسلطة . كانت قد دبرت ان تزور ترودي مرة في الاسبوع , ومعنى هذا ان تكون خارج البيت حين يعود الطفلان من المدرسة , وشعرت بأن واجبها ان تذكر ذلك لليون , فقالت :
"سيكونان بخير مع آرتيه لحوالي ساعة فقط , فسوف اعود قبل الثالثة ."
وكان ليون يقضي المساء في البيت , وقد جلسا في الشرفة يحتسيان الشاي , ويتجاذبان أطراف الحديث . فقال :
"طبعا , في أي وقت تذهبين ؟"
فقالت :
"أغادر البيت حوالي الساعة التاسعة ."
كانت صادفت روبرت في القرية , في اليوم السابق , فذكر أنه ذاهب الى نيقوسيا كذلك , وعرض عليها ... بطبيعة الظروف – أن يقلها فقبلت .
لمست جبين ليون لمسة خفيفة من العبوس , وقال :
"التاسعة ؟ إذا ابكرت قليلاً استطيع ان اصطحبك ."
فابتسمت قائلة :
"لا عليك يا ليون ... ذلك الشاب الذي صادفته على السفينة , روبرت , اخبرتك عنه , إنه ذاهب الى المدينة , وسيقلني ."
ازداد عبوس ليون وقال :
"أفضل ألا تقبلي . سأنضم الى القافلة , إذ يجب ان اكون في المكتب مبكر جداً , في الغد . ولكن لا ادري مايدعوك لعدم الذهاب معي ."
" ولكن القافلة ترحل في السابعة والنصف , وسأكون هناك مبكرة عما ينبغي ."
" تستطيعين ان تمكثي في المكتب ساعة أو نحو هذا ."
كانت في صوته نبرة متصلبة واضحة . وكانت هيلين لا تزال موغرة الصدر من تعقيبه الهادىء بأنه كان يفضل الا تقبل ان يقلها روبرت . إنها تأبى أن يملي عليها مايجب وما لا يجب ان تفعله . فقالت :
"سأقبل دعوة روبرت , إذا لم تمانع , فهذا أيسر بكثير ."
" بل امانع ياهيلين ."
منتديات ليلاس
كان صوته لا يزال هادئاً , ولكن لهجته أصبحت أكثر حدة , قليلاً واستأنف قائلاً :
"آرتيه ستكون هنا , وبوسعها ان تعنى بذهاب الطفلين الى المدرسة ."
فقالت :
"ولكني لا اريد الخروج مبكرة ."
فكان رده :
"إذن اخشى ان تضطري لأن تستقلي الحافلة , او اطلب لك سيارة اجرة اذا كنت تفضلينها ."
قالت بصوت هادىء , رغم أن لونها بات شاحباً :
"سأذهب مع روبرت , وهذا – كما قلت – أيسر . من السخف ان افكر في سيارة أجرة بينما استطيع قبول الدعوة ."
وضع ليون قدح القهوة على المنضدة , واستلقى في مقعده , وحدق فيها , ثم قال بصوت ناعم :
"هيلين .... اما ان تذهبي الى المدينة في احدى الطرق التي ذكرتها , او لا تذهبين اطلاقاً ."
ومرت لحظة وهي تحدق بنظرات جامدة , لكن انفعالها كان في تصاعد , وما لبثت ان قالت في حدة زادت على ماكانت تعتزم :
"سوف اقبل دعوة روبرت .... يؤسفني ان اخالف رغباتك يا ليون , لكني لا اقبل الجبر . تذكر أنني انكليزية ."
فقال :
" أنت زوجتي , وستفعلين ماأقول ."
اخبرت روبرت , وسوف يأتي ليصطحبني ."

Rehana 01-01-11 12:52 PM

بدا مندهشاً وهتف :
" هل هو قادم الى هنا ؟ هل اخبرته حقاً بأن يأتي الى منزلي ليصطحبك ؟"
ولم تكن هيلين ترى أي عيب في قدوم روبرت الى البيت ليصطحبها , لكنها عندما رأت وجه ليون , شعرت ان هذا ماكان ينبغي ان يحصل . كان من العجيب ان روبرت لم ينصحها , ويبدو أنه يعرف الكثير عن نمط الحياة هنا . لهذا اردفت :
"بوسعي ان اتصل به هاتفياً – إذا كان هذا ماتفضله – فأخبره ان ينتظرني في القرية ."
" ستتصلين به فعلاً , للألغاء التدبير . اوضحت لك – في البداية – انني اتوقع منك ان تتصرفي بأتزان , والا تعرضيني لأي شكل من الهوان . وأنت الان تسعين لتصرف يعرضني للسخرية ."
" هذا غباء! لماذا يعرضك قبولي دعوة روبرت للسخرية ؟"
" هذه قرية صغيرة ... وفي أي حال , فكل امرىء في قبرص يشغل نفسه يشؤون جاره . ولست راغباً ان يقرن اسم زوجتي باسم ذلك الانكليزي ."
منتديات ليلاس
لم يكن من الممكن اغفال التصلب في صوته , ورغم خفوت ضوء المصباح المثبت في الحائط , اكتسى وجهه بتعبير فظ وعدواني . كانت هيلين تكره فكرة الخضوع لقراره لكنها اقتنعت – في الوقت ذاته – بأن أي مزيد من الجدل لن يكون عقيماً فحسب , بل سيؤدي الى اذلالها , كان ليون يفرض ارادته دائماً .... وليس في موقف كهذا فحسب ونظرت اليه مدركة مرة اخرى ذلك الشعور الغريب من المضض الذي خبرته في مناسبات سابقة عديدة . وقادها هذا الشعور الى الحذر , فلم تعد تلح في معارضة رغبته . وقالت :
"إذا كان هذا شعورك ازاء الامر , فسأفعل ماتقول , وألغي التدبير ."
انحسر الدم عن وجهها وكانت تدرك انها شاحبة تحت الضوء الخافت . وتجاهلت نظرات ليون بدون اهتمام , ثم سألها :
"هل ستأتين معي ؟"
فأومأت برأسها . وإذ ذاك أردف :
" سيكون علينا ان ننهض مبكرين . إنني آسف لهذا , ولكن لا حيلة في الامر . لدي يوم حافل في الغد , والانطلاق باكراً سيعينني على انجاز عملي ."
** ** **

كان هواء الصباح خفيفاً صحوا , والشمس تطل بأشعة زاهية في سماء خالية من السحب . وكانت السيارة مرسيدس كبيرة سوداء .
استرخت هيلين في مقعدها , وقد ادهشها أنها ستستمتع بالرحلة حقاً . وما ان غادر كيرينيا حتى انضما الى القافلة . كانت هناك مركبات عديدة من سيارات النقل , والحافلات , والسيارات الخاصة , وبعد تسجيل رقم سيارتهما , انطلقا في حراسة سيارات جيب يقودها جنود الامم المتحدة بزيهم الازرق . وكانت هناك لافتة ضخمة تنبىء المسافرين بأن الاتراك يريدون " حريتهم , وأمنهم وحقوقهم " . السلام يسود كل شيء , وفيما عدا اللافتات التي تظهر من آن لاخر , والتحذيرات التي تحرم التقاط الصور , لم يكن مايشير الى ان الطريق تحت أي رقابة . ونظرت هيلين الى وجه زوجها , فإذا به هادىء مطمئن لا ينم عن كراهية لاضطراره ملازمة الطابور الطويل , ممنوعاً من ان يسبق ما أمامه.
منتديات ليلاس
وتمتمت مأخوذة بالجمال الذي حولها : " من المؤسف ان تكون هناك مشكلات ". كانت قبرص حقاً " جزيرة فينوس الاثيرة بالسحر " ولا مكان للفرقة فيها . وعقب ليون بهدوء :
" إنها ستحل نفسها , فكلنا قبارصة , وليس هناك مايمنعنا من العيش بسلام ."
وتذكرت هيلين ان مشاعره تتجه الى الاتراك , فعجبت لغرابة شخصية هذا الرجل – مرة أخرى ... هذا الذي تزوجته ولا يزال شبه غريب عنها . وما لبثت السيارة ان مضت خلال سلسلة الجبال الشمالية التي كونتها هزات أرضية شديدة , هدمت وشوهت احواض الطبقات الجيرية الاصلية , وكومتها في كتل رمادية ضخمة , تعلوها حصون سانت هيلاريون , وبوفانيفتو , والقن – (كانتارا ) . وكانت سفوح الجبال مكسوة بأشجار السرو والزيتون , بينما القريبة منها تزدان بحشد من الالوان , ألهبها بهاء وتفتح ربيع قبرص .

Rehana 01-01-11 12:57 PM

وفي سهل ميسوريا العظيم , كانت الارض الجرداء العارية التي مرت هيلين بها في طريقها الى كيرينيا – في شهر نوفمبر / تشرين الثاني – قد تحولت الى طوفان من الخضرة والقمح والشعير , بينما كانت مجموعة كبيرة من الاقحوان ترفع رؤوسها الحمراء الزاهية فوق القمح – من آن لآخر – لتكسر تواتر لونه .
منتديات ليلاس
عند لافتة على جانب الطريق تقول :" مرحباً بكم الى القطاع الحر " , تفرقت القافلة – واتخذت كل مركبة وجهتها – وزاد ليون من سرعته , متجاوزاً حميراً عابرة مثقلة بالأحمال , ونسوة فلاحات شدت الى اكتافهن سلالاً كبيرة , وبعض دراجات بخارية متباعدة . وخلفت السيارة وراءها الماعز على جانب الجبل , والرعاة يعنون بقطعان الاغنام البنية ذات الوبر الطويل .
سألها ليون عندما بلغا مكتبه :
"ماذا ستفعلين ؟"
وأوقف السيارة , والتفت نحوها , مضيفاً :
" هل الوقت مبكراً لتذهبي الى صديقتك ؟"
فقالت :
"نعم أرى ان امكث هنا فترة .... إذا لم يضايقك وجودي ."
وابتسم لدهشتها , وقال يذكرها :
"أنا اقترحت عليك ان تمكثي ."
ودار حول السيارة الى ناحيتها وزداها دهشة بأن فتح الباب لها قائلاً :
"سنتناول القهوة ."
فقالت :
"لا داعي للقهوة , فأنا اعرف أنك تود الشروع في العمل ."
ولكنه ألح. وكان الرجل الذي اقل هيلين والطفلين من ليماسول موجوداً – واسمه ثيوفيلوس – فابتسم حين قدمه ليون لهيلين , وطلب منها ان تناديه ثيو . وخرج الرجل بأمر من ليون ثم عاد بعد قليل بالقهوة على صينية . قدحان صغيران , مع كلا منهما ماء مثلج لابد منه . وجلست هيلين الى جانب الطاولة وليون في الجانب الاخر . أخذ يتأملها بنظرات غريبة , وهي تحتسي قهوتها . وكانت ترتدي ثوباً قطنياً , داكناً وخالياً من أي زينة , مما ابرز شحوب وجنتيها . قال ليون بما بدا لهيلين أنه لمسة حذر :
" هل ستتسوقين وانتي هنا ؟"
وساءلت نفسها ثانية , اتراها كانت ايماءة الى ان تشتري لنفسها بعض الملابس . قالت :
"لا احتاج الى شيء ."
ثم اسرعت تضيف :
"الطفلان بحاجة الى جوارب , وربما اشتريتها اذا تجولت مع ترودي في المدينة ."
لم يعقب على ذلك . وبعد لحظات أزاح صينية الشراب عن مكتبه , وتناول ملفاً من احد الادارج . لكنه نظر الى هيلين – قبل ان يبدأ في فحص محتوياته – ومد يده فتناول صحيفة , وهم بأن يناولها إياها , واذا به ينتبه الى انها باليونانية , فوضعها جانباً على الفور , ثم ناولها صحيفتها المفضلة بالانكليزية سايبرس ميل .
بعد ساعة ونصف اقلها ثيو بالسيارة الى مسكن ترودي , على ان يعود اليها في الرابعة والنصف , كما اخبرها ليون وهي تغادر المكتب حيث اعترضت قائلة :
"والطفلان ؟ استطيع العودة قبل ذلك في القطار ."
فقال : منتديات ليلاس
" لن يصيبهما سوء . ارجو لك يوماً لطيفاً , ومتعي نفسك ."
كان الشارع حيث تسكن ترودي محفوفاً بالفيلات البيضاء والبيوت ذات الطابق الواحد , والمباني السكنية , وأشجار السرو والنخيل تنمو في كثير من الحدائق , تعلو وتطل فوق اشجار البرتقال واليوسفي ذات الاوراق اللامعة .
كل الحدائق متألقة بالزهور , في كل مكان , والنباتات المتسلقة تتعانق من الشرفات , تلتف حول أعمدة الحديد المطروق , وتنساب الى الارض .
قالت ترودي معتذرة , إذ خفت الى الباب تستقبل هيلين :
"اضطررت لاغلاق مصاريع النوافذ الخشبية , فالشمس تنال من ألوان كل شيء ."
قالت هيلين :
"لم اتعود بعد أن اغلق المصاريع لأصد الشمس . فهذا يبدو غلطاً لي ."
" أعرف هذا . كنت مثلك في البداية , فالشمس قليلة في انكلترا , حتى لا نفكر في اغلاق المصاريع بوجهها ."

Rehana 01-01-11 12:59 PM

وتقدمتها الى الحجرة المطلة على الواجهة , وكانت آنئذ في الناحية الظليلة , ومصاريع النوافذ مفتوحة . وقالت :
"سنجلس هنا .... إنها ليست في اناقة حجرة الجلوس , ولكنها أطيب هواء في هذا الوقت من النهار ."
قالت هيلين وهي تجلس بجوار النافذة :
"إنني اراها انيقة , واحب مسكنك هذا ."
فقالت ترودي :
"مع أنني لا اتوقع ان يكون شيئاً يذكر بالقياس لبيتك ."
ودفع شيء في صوتها بحمرة خفيفة الى وجه هيلين . كانت تلك الزيارة الرابعة لمسكن ترودي , ولم تدعها بعد الى لابيتوس .
قالت ترودي :
"ماذا تنوين ان تشربي ؟"
فأجابت هيلين :
"سأتناول شراب البرتقال إذا سمحت."
منتديات ليلاس
ودار في خلدها وهي تراقب ترودي اذ أقبلت بالشراب بعد لحظات أنها رشيقة وجميلة . وقالت لنفسها وهي تطلق لذهنها العنان ليعود الى تلك الايام حين كانت هي و ترودي دون العشرين :" أنا ايضاً كنت كذلك ". كان الفتيان ينجذبون اليهما , فكان بوسعهما ان يختارا . بالنسبة الى هيلين , كان لقاؤها بغريغوري حباً من اول نظرة , واقبلا يدخران بلهفة , وتزوجا بعد عامين . وبدا لهيلين – وهي تستعيد الماضي – ان حماس زوجها سرعان مافتر , ولكنهما انساقا الى علاقة مريحة , فكانت هيلين سعيدة , إن لم نقل منتشية . وكثيراً ماقيل لها ان هذه الفترة لن تدوم , ورغم انها شعرت بالتعاسة بعد ضياعها , فقد راضت نفسها , عندما انجبت طفلهما , اتسعت خبرتها واستمتعت بذلك الانجاز الرائع الذي لا تشعر به المرأة الا الأمومة . وعندما فقدت هيلين الطفل , تطلعت الى زوجها ليواسيها أملاً في ان يقترب منها ثانية – كما كان في البداية – لكن علاقتهما ظلت على حالها , مريحة لكنها غير مثيرة .
أما ترودي فكانت اكثر توفيقاً , إذ ظلت وتاسوس متحابين بقدر ماكانا في بداية الزواج. ولم يكن تاسوس يذهب الى أي مكان بدونها بدافع الوفاء . وماكان يشاهد قط في صحبة زملائه الذين يجلسون في مقهى – يلعبون الورق أو النرد . كان كل مايريده أن يعود الى بيته وزوجته , ويمكث معها .

** ** **
منتديات ليلاس
قالت ترودي وهي تستقر في مواجهتها بجوار النافذة :
" حديثني عن ليون ."
واضطربت عيناها البنيتان قليلاً وهي تضيف في شيء من التردد :
" لم تقولي لي عن زواجكما الا القليل جداً . بل لم تقولي شيئاً في الواقع ."
وكان حقيقياً , وارسلت هيلين نظراتها ساهمة الى الطريق ومرت بضع لحظات قبل ان تتكلم . ثم قالت مرتبكة :
" لابد لي ان اخبرك في وقت ما , فلا بأس أن يكون الان . تزوجنا انا وليون من أجل الطفلين ."
اختلجت عينا ترودي وهي تتأملها , وقالت :
"الطفلان , تشيبي وفيونا ؟"
" اخبرتك أن اباهما مات , واضطر ليون ان يكفلهما . وسألني أن أبقى في قبرص وأرعاهما . من الواضح أنه ماكان لي ان اعيش في بيته بدون .... بدون زواج ..... ولذلك ....."
وهزت كتفيها , وسرحت نظراتها الى الشارع ثانية . وانتظرت ترودي , فاضطرت هيلين الى مواصلة حديثها :
" هذا هو السبب انني لم اقل لك الكثير عنه . انه ليس ... ذلك النوع من الزواج ."
فهتفت ترودي :
"هذا النوع ؟"
قالت هيلين :
"أعني .... ليس طبيعياً ."
واتسعت حدقتا ترودي دهشة , وقالت :
" ماذا تقولين ؟"
استطاعت هيلين اخيراً – وهي ماتزال تجد عناء – ان توضح لها فلما واصلت صديقتها الحملقة فيها غير مصدقة , شابت صوتها رنة تحد وهي تقول :
"كنت تعرفين دائماً انني لن أتزوج ثانية عن حب ..... كثيراً ماأخبرتك بهذا ."

Rehana 01-01-11 01:05 PM

فقالت ترودي مصححة :
"كنت تقولين دائماً أنك لن تتزوجي اطلاقاً , لذلك أرى أنني معذورة إذا استنجنت – بعدما تزوجت – أن زواجك عن حب .... ويجب القول أنني تصورت في الامر كله شيئاً مستغرباً , لأنك كنت مغلقة تماماً ."
وتناولت كوبها بين اصابعها , وهي تحدق في هيلين مفكرة , ثم اردفت :
"ولذلك لا تعنين بمظهرك ؟ أنا صريحة , بل وقحة اذا شئت , لكنك كنت دائماً جذابة جداً . الا تريدين أن يهواك ليون ؟"
قالت هيلين : منتديات ليلاس
"كلا في الواقع لا ازال على رأيي حين مات غريغوري " لن ادع قلبي يتورط ثانية " . هذا الزواج يناسبني على ماهو عليه , وإني جادة اذ أقول لا اريد أن أسترعي انتباه ليون أبداً ."
ضحكت ترودي فجأة بشيء من الحرج وقالت :
"كلا , هذا غير ممكن ! إنك تقرأين عن مثل هذه الزيجات , ولكنها لا يمكن ان تحدث في الحياة الواقعية ."
وقالت هيلين :
"هذا الزواج حدث , أنا وليون أكثر من غريبين ."
فصاحت ترودي :
"ألم .... أبداً ؟ كلا , لا أصدق , ليس مع قبرصي . إنه ..... لا يستطيع أن يعيش هكذا . مامن احد منهم يستطيع ."
فهزت هيلين كتفها قائلة :
" أعرف كل شيء عن حياتهم ... لهم علاقات غرامية ."
تساءلت ترودي :
"ألا تهتمين ؟"
هزت هيلين كتفيها ثانية وقالت :
"لماذا أهتم ؟ الزواج – كما قلت – عملية تجارية بحتة , لم يحدث إلا لتفادي الاقاويل فحسب , كلا , لا ابالي بما يفعله ليون . ليس لي شأن بحياته الخاصة ."
وظلت أسارير ترودي توحي بأنها غير مصدقة , وقالت :
"ولكن .... اتعتقدين حقا ياهلين , أنك تستطيعين الاستمرار هكذا طيلة عمرك ؟"
فأجابتها : منتديات ليلاس
" ولم لا ؟"
قالت ترودي باقتناع ثابت :
"مستحيل .... ليس مع قبرصي . انه لا يستطيع !"
" ماذا تعنين بأنه لا يستطيع ؟"
"إنه لا يستطيع أن يعيش معك في البيت ولا يكون ..... لا يكون طبيعياً ."
"قلت لك ان له علاقات غرامية ."
فسألتها :
" ماادراك بهذا ؟"
قالت :
"إنه يخرج كل ليلة ."
فقالت صديقتها :
"معظم الرجال هنا يخرجون كل ليلة , يقضون وقتهم في المشارب والمنتدبات والمطاعم , ليس هناك مايجزم بأنه مع نساء ."
قالت هيلين :
"أعتقد انه يقضيها مع نساء ."
هزت ترودي رأسها في حيرة لعدم الاكتراث البادي في لهجة هيلين وسألتها :
"ألست تبالين حقاً ؟"
وندت من هيلين زفرة دلت عن نفاذ صبر , وقالت :
"أخبرتك أنني لا اجد سبباً للمبالاة . فلا اشعر نحوه بأي عاطفة . إنك تعلمين شعوري نحو الرجال ياترودي . لن اسمح لنفسي بالتورط عاطفياً ."
" سأقول لك هذا .... سواء كانت لديك نية التورط عاطفياً أو لم تكن , فلن تستمري بقية حياتك تعيشين في هذا الوضع غير الطبيعي ."
قالت هيلين :
"لا ارى مايدعو لغير ذلك ."
ولكن صديقتها هزت رأسها قائلة :
" لن يلبث ليون أن ...أن ..."
" وعدني , وهو – بجانب هذا – لا يجدني جذابة ."
تأملتها ترودي لحظة , ملاحظة ثيابها , وشحوب خديها , وتصفيف شعرها المتقشف , ثم سألتها :
" كيف تعلمين أنه لا يراك جذابة ؟"

Rehana 01-01-11 01:06 PM

فقالت :
"انه لا يكاد ينظر الي."
وقطبت وهي تقول هذا , متذكرة تلك المناسبات التي كان يتأملها فيها . ثم عادت تقول :
" لقد وعد !"
وساءت نفسها , أتراها كانت تحاول اقناع نفسها ؟
اضطرت ترودي الى الضحك قائلة :
" وعد ؟ أتصدقين حقاً أنه سيحافظ على وعده ؟"
قالت هيلين :
أظن انه موقع ثقة ."
منتديات ليلاس
وطاف بوجه صديقتها ظل من الرثاء . ثم قالت :
" ماأقل ماتعرفين . ولوكنت مكانك مااتكلمت كثيراً على وعد كهذا , هؤلاء الرجال الشرقيون على حالهم .... أوكما يجعلهم المناخ ... أنا متزوجة من أحدهم , وأعرف .... يؤسفني أن أبدد أوهامك , لكنك ترتبكين أكبر أخطاء عمرك إذا ظننت أنك ستبقين زوجك بعيداً الى ما لا نهاية , ما هكذا خلق الرجال . كما أن هذا ليس طبيعياً له أو لك . كلا ياهيلين , صدقيني – عندما يقرر ليون أن ينتهك هذا الوعد فسينتهكه بدون أي وخز من الضمير ."
"ولكن مشاعري .... يجب ان يراعيها ."
" كلا ياهيلين , وحق السماء! إنك لست ساذجة . وعندما يؤاتيه المزاج ل....ل...."
وسكتت وهي تهز كتفيها في ضيق , ولكنها استرسلت بعد لحظة :
" عندما يحين الوقت , لن يتذكر أنه أعطى وعداً , فيجب أن تعدي نفسك ."
ودهشت هيلين إذ وجدت نفسها ترتعد , وقالت في يأس :
" ليون له ملاهيه , ولن يرغبني أبداً ."
قالت ترودي ضاحكة :
"ليس لديك دليل حقيقي على أن له ملاهيه .... كما تسمينها . في أية حال , من الانسب أن يجد مايريده في متناول يديه , وقد لا يشعر دائماً برغبة في الخروج ."
منتديات ليلاس

** ** **
اشتد تدافع الدم الى وجه هيلين , وقالت :
" أرجوك ياترودي ! أرى أن نغير الموضوع ."
وهذا مافعلتاه , وانقضت بقية النهار على نحو هادىء . وبعد تناول الغداء في الشرفة , ذهبتا الى المدينة .
قالت ترودي وهي توقف سيارتها في شارع جانبي :
"كثير من المتاجر تغلق أبوابها من الساعة الواحدة والنصف الى الثالثة ولكن بعضها تستمر مفتوحة , وسوف نشتري مانريد ."
اشترت هيلين جوارب الطفلين فقط , بينما اهتمت ترودي بشراء الاغذية . وعندما فرغتا من التسوق , ذهبتا الى مقهى طلباً للمرطبات . وارتفعت عشرات العيون عن ورق اللعب والنرد لتتأمل الاثنتين باهتمام . فقالت هيلين :
"أكره هذه المقاهي , لماذا يحملقون هكذا, حتى ليظن أي شخص أنهم لم يروا نساء في حياتهم ؟"
فتلفتت ترودي حولها قائلة :
" هل لأن نساءهم لا يرتدن هذه الاماكن , توقعت أن يكونوا ألفوا مجيئنا نحن , الاجنبيات , فما أكثرنا هنا . تعالي نخرج !"
جلستا في الشرفة تتسليان باحتساء الاوز وتناول مزة من الزيتون والخيار ومكعبات صغيرة من الكبد والجبن . وتذكرت هيلين عناءها الاول في تعود الاطعمة المحلية . وسألتها ترودي في سياق الحديث :
"هل ذهبت الى ماري مونتي ؟"
التمعت عينا هيلين وقالت :
"كلا , ولكن روبرت دعاني للذهاب الى هناك معه ."
فتساءلت ترودي في فضول :
" روبرت ؟ آه ..... الشاب الانكليزي الذي قابلته على السفينة , هل يذهب الى هناك ؟ إنهم يعدون مآكل مدهشة .... من أحسن ماتناولت. هل ستذهبين مع روبرت ؟"
" ربما .... في أحدى الامسيات , فالوحدة تقسو أحياناً , بعد أن أسلم الطفلين للفراش ."
فسألتها ترودي :
"هل تستطيعين أن تتركيهما ؟"
أجابت هيلين :
"ستمكث آرتيه معهما ."
" أتقولين أن ليون يكون خارج البيت دائماً ؟"

Rehana 01-01-11 01:07 PM

" ليس دائماً , ولكنه يخرج في معظم الامسيات ."
قالت ترودي :
" سيكون عليك أن تتأنقي قليلاً , إذ خرجت مع هذا الروبرت ."
أومأت عيناها بلا اهتمام , فهزت هيلين كتفيها وقالت غير مكترثة :
" ليس لدي ماأتأنق به , لذلك ربما لا أذهب معه ."
كان قد بقي – حين عادتا الى المسكن – نصف ساعة قبل مجيء ثيو ليقل هيلين , فأخذتها ترودي الى مخدعها لتريها بعض ثياب جديدة ابتاعتها في زيارتها الاخيرة لمصر . وقالت وهي تخرج بعض الفساتين والتايورات :
"مازلت أظن ان الملابس الانكليزية أفضل مارأيت , ولكن ما رأيك في هذه ؟"
وتأملت هيلين الثياب في تقدير , مشيدة بحسن ذوق ترودي .
قالت ترودي معترفة :
"لكني أخطأت في هذا ."
منتديات ليلاس
وقدمت ثوباً من التيل الازرق . كان قصيراً جداً , فتحة العنق واسعة . واسترسلت قائلة :
"إنه لا يناسبني اطلاقاً . رأيته في نافذة المتجر . وأدركت أنه مقاسي فاشتريته بدون أن أجربه . تاسوس يكرهه."
ونشرته على جسم ترودي , ثم اضطرت لأن تعترف بأن صديقتها على حق وقالت :
" إنه اللون ..... درجة الزرقة لا تناسبك ."
قالت ترودي :
"إنه أقرب الى اللون الملائم لك . جربيه؟"
وفعلت هيلين , وسارت بحركة تلقائية الى المرآة . لا شك في ذلك , فقد تغير مظهرها بأكمله . وقالت وهي تضع الثوب على السرير :
"نعم , إنه لوني ."
فقالت ترودي :
"بوسعك أن تأخذيه , فهو لا يصلح لي ."
" هذا كرم منك ياترودي , ولكني لا أحلم بأخذه وهو جديد تماماً ."
تناولته ترودي وعادت تقيسه على هيلين قائلة :
"ماكنت لأقدمه لك لو لم يكن كذلك , إنه يناسبك – يجب أن تأخذيه ."
فهزت هيلين رأسها ولكن بضعف . كان الثوب بسيطاً , ولكنه حسن الصنع , وأضفى عليها جمالاً بالتأكيد . وشرعت تقول :
" لا توجد مناسبة لأرتديه ."
وأسرعت ترودي معترضة :
"تستطيعين ارتداءه في أي وقت .... مارأيك في ارتدائه حين تخرجين مع صديقك روبرت الى ماريه مونت ؟"
قالت : منتديات ليلاس
"الواقع .... إنني لم اقرر نهائياً الذهاب ."
كانت تقف على درجات السلم , متأبطة صندوق الثوب , حين جاء ثيو بالسيارة .... وقالت ترودي :
سأراك الاسبوع القادم , أرجو أن تأتي !"
فقالت هيلين :
" نعم , سآتي , وأشكر لك الثوب , ليتك تدعيني أدفع ثمنه ."
" ارجوك , لا تعودي لهذا الجدل ثانية ."
فضحكت هيلين .... وماهي الالحظة , حتى كانت تلوح بيدها لصديقتها من السيارة . وصاحت ترودي :
" مع السلامة ."
ثم اردفت بلهجة غامضة غريبة :
" واتمنى لك أحسن الحظ !"


نهاية الفصل الثالث.. قراءة ممتعة:flowers2:

hoob 01-01-11 01:31 PM

ممكن ياريحانه الليل تكمليها بسرعه لانى مشتاقه لقرائتها
كل عام وانت بخير يارب يحقق كل امنياتك

Rehana 09-01-11 01:37 PM

عزيزتي احمدية شكرا لتواجدك ومرورك يالغالية
انا كنت اتمنى ان انزل الرواية بسرعة بس الظروف والمشاغل الكثيرة .. تحمليني يالغالية
وراح اعمل جهدي لحتى انزلها بسرعة
لك ووودي:flowers2:

Rehana 09-01-11 01:42 PM

4- المرأة الأخرى ...



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif






الهواء مفعم بعبير زهر البرتقال . وامتدت أشعة الغروب الذهبية الى مرتفعات جبال كيرينيا الوعرة فتوهجت بجمرات النار المتحضرة , والسحب البنفسيجة تمخر عباب السماء فوق البحر الشاسع . سرعان ماسقطت الشمس وأقبل الظلام وبدأ ضياء القمر يلمس المويجات الصغيرة , فيحيطها , بتألق فضي .
وقف ليون مستنداً الى مدخل الشرفة يسرح البصر في البحر , وألقى برأسه الاسمر الى الوراء . لحقت به هيلين , بعدما أسلمت الطفلين للفراش , فتزحزح جانباً . وبرغم الظلال التي تكسو وجهه , أحست هيلين أنه يبتسم حين مرت خارجة الى الشرفة . وجلسا برهة , ثم مد ليون يده فأنار المكان وسألها :
" ماذا تشربين ؟"
فقالت : منتديات ليلاس
"لا شيء , شكراً ."
لكنه دخل البيت وعاد بابريق بلوري وكوبين .ولم تجادل هيلين حين ناولها كوباً , ولكنها سألته وهو يجلس :
" ألن تخرج ؟"
قال وهو يحدق في عينيها فتتسارع خفقات قلبها :
" لن أخرج الليلة ... لماذا ؟"
لم يخرج في المساء لمدة اسبوع تقريباً . وأدركت سر اضطراب قلبها , ولماذا كان بداخلها خوف ما . فمنذ أكدت لها ترودي أن ليون سوف ينكث بوعده , اخذت تراقبه وهي تحاول ان تسبر غور كل نظرة , وتأمل في نهار ان يخرج .
تمتمت ملاطفة بدون ان تقصد :
" إنها امسية جميلة . من الحرام تمضيتها في البيت ."
فقال :
"نحن لسنا في البيت ."
" ولكنك كنت في المكتب طيلة النهار ."
" أجل , وكان الجو حاراً رطباً , إذ اختل جهاز التكييف ....افرغي من شرابك وسنخرج لنتمشى ."
كانت الكوب تمس شفتيها , واذا جسمها يرتعد فجأة – لم يكن هذا ماارادت.. فعادت تقول :
"اكيد أنك تفضل ان تكون خارج البيت مع.... مع اصدقائك ."
فقال:
" لو صح هذا ماكنت هنا ."
فزادت كلماته من اضطرابها , وتعجلت افراغ كوبها , وشعرت برأسها يدور . وبحركة تلقائية , رفعت يدها اليه قائلة :
"إن بي صداعاً ."
فقال : منتديات ليلاس
"انا آسف ."
كانت لهجة هادئة في مجاملتها , ولكن نبرة قلق داخلتها . ونهض من مقعده قائلاً :
"الهواء المنعش سيشفيك . سأخبرك ماذا نفعل , سننطلق في السيارة حتى الشاطىء , ثم نتمشى هناك , وسرعان ماسيزيل النسيم صداعك ."
قالت :
"الطفلان .... لا استطيع تركهما ."
فقال:
"سأطلب الى آرتيه ان تمكث حتى نعود ."
قالت في الحاح قانط :
"يحسن ان ألجأ للفراش ."
كلا , لم تكن تريد ان تذهب للفراش , فاستدركت :
" لعلك على صواب , وان هواء البحر سيفيدني ."
فسألها وهو يتفرس في وجهها الشاحب :
" هل انت بخير ؟ هل تشعرين بشيء غير الصداع ؟"
اصطنعت هيلين ابتسامة ونهضت , فاقتربت منه ثم ابتعدت بسرعة قائلة :
"كلا لا سوء بي يا ليون . أما رأسي ... فأظنني شربت بسرعة ."

Rehana 09-01-11 01:44 PM

قال :
" فعلاً , ولست متعودة , كان عليك ان تحترسي ."
وما ان استقرا في السيارة , حتى شعرت هيلين بمزيد من الطمأنينة لحظة على الاقل !
أوقف ليون السيارة على جانب الطريق , وتركها غير موصدة الابواب , فقالت وهما يسيران الى الشاطىء :
"أتراها ستكون في أمان ؟"
فأجاب في هدوء :
"الناس هنا لا يسرقون ... ولا اعرف ان احداً يمر من هنا , في اية حال ."
وكان على حق , لم يكن على الشاطىء سواهما .....
القمر بزغ من وراء السحب , فأرسل خيوطه الفضية عبر البحر . لم يكن هناك صوت , ولا وسوسة الامواج وهي تترامى الى الشاطىء . لم تر هيلين بحراً بهدوء البحر الابيض المتوسط . ونسيت مخاوفها وهما يتمشيان وليون يتكلم من آن لآخر بصوت خافت , وكثيراً ما يخلد للصمت . فوجدت هيلين نفسها تهمس :
"يا للسكينة ! "
منتديات ليلاس
كانت انكلترا بعيدة جداً , فبدت مأساة حياتها غير واقعية . لواستطاعت أن تبقي زوجها على مسافة منها , لظلت حياتها سهلة يسيرة ناعمة . من المؤكد أنه ماكان يجدها جذابة ... ولكن عينيه عادتا تحدجانها في اللحظة نفسها , فتطلعت على مضض تقابل نظراته , وسألها :
"هل تحسن رأسك الان ؟"
قالت :
"نعم يا ليون , شكراً ."
كانت كلماتها متكلفة , وبدأت تشعر بحرج في حضوره , وأسفت لانسياقها لذلك الحديث مع ترودي , فكانت مخاوفها – حتى ذلك الحين – مجرد همسات يسهل عليها استبعادها , أما الآن , فقد أصبحت تلح عليها , وتساءلت : كم سينقضي قبل ان تعود ثقتها في وعد ليون ؟ على انها – في هذه اللحظة – عرفت الطمأنينة وتحرر ذهنها من الخوف . كان السير على الشاطىء الساكن متعة , حتى مع ليون .... طالما يلزم الصمت . ماكانت شواغلها تعاودها إلا حين يتكلم , فلم تكن تدري ما سيقوله بصوته الخافت ونبرة القلق التي تشوبه .
قال:
" هناك مقعد على مسافة , نستطيع ان نجلس إذا شئت ."
وما لبثا ان بلغاه , وفوجئت بإحدى التصرفات البسيطة التي تدهشها عندما أخرج منديله ونفض الغبار عن المكان حيث ستجلس . وما من شك ان الحفاوة والمجاملة فن لدى القبارصة . ووجدت هيلين في هذا مايشرح الصدر , فلم تتعرف الى مثل هذه الرعاية من غريغوري ابداً . لذلك ابتسمت لتصرف ليون وشكرته في اكبار . وانساب من وراء الشريط الساحلي الضيق شذى زهور البرتقال , فأخذت هيلين تنهل الهواء .
قال ليون :
"ليتك تشمين العبير حيث البساتين الكبيرة ."
ثم جلس على المقعد المجاور لها . وفجأة قال ,بما بدا لهيلين أنه دافع وقتي :
"سأذهب الى فاماغوستا الاسبوع القادم , وامكث يومين تقريباً فستجري تعديلات رئيسية أريد ان اشرف عليها . هل تحبين المجيء معي ؟"
هتفت : منتديات ليلاس
"أنا ؟"
كان روبرت وكثيرون غيره حدثوها عن وقت اليناع في فاماغوستا حتى القبارصة كانوا يغمضون اعينهم وهم يصفونه , وتمنت هيلين ان تذهب يوماً ... لكن فكرة الذهاب مع ليون لم تخطر لها مطلقاً لذلك أردفت :
" لست ادري ."
وتوقعت انهما سينزلان في فندق , فاسترسلت :
"لا يمكن ترك الطفلين .... آرتيه تحب ان تنام في بيتها . هكذا أخبرتني مراراً."
فقال مبتسماً :
"هذا من اجل زوجها . يستطيع ان يمكث في بيتنا أثناء غيابنا . سيرضي هذا آرتيه . كلا , لا ينبغي ان تعلق على الطفلين ....لن يتأثرا بغيابنا يومين كما انني أشعر انك بحاجة للترويح , كنت قلقاً عليك في الفترة الاخيرة ."

** ** **

اتجهت عيناها اليه .. إذن فقد لاحظ , ولكنه لم يدرك الحقيقة . كان مهتماً بها , فرأى ان الترويح يفيدها .

Rehana 09-01-11 01:45 PM

لكنها تذكرت الجانب الاخر من طبيعته . تذكرت اقتناعها السابق أنه يستطيع ان يكون قاسياً!
انبعث صوته خفيفاً ولكنه ملح :
"مما تخافين ياهيلين ؟"
وعجبت , أيكون أحس بارتباكها وهو ينتظر اجابتها ؟ وارتجفت , ثم اغتصبت ضحكة مرتعشة , وقالت :
"خائفة ؟ مالذي أخافني ؟"
فرد برفق :
"هذا ما أسألك عنه . ولا تجيبين ."
هزت رأسها , وسرحت بصرها في البحر تفكر في جواب مقنع ... فلو انه ادرك الحقيقة ...
قالت كاذبة , متحاشية عينيه :
"لست خائفة من شيء ."
فقال بهدوئه :
"إذن , لا يوجد ما يبررعدم صحبتي الى فاماغوستا . سأعطيك بعض النقود لتشتري لنفسك ثياباً ."
فهتفت قبل ان تفكر :
"آه , كلا ."
ثم أردفت بمزيد من الهدوء :
"لدي الكثير يا ليون ."
فتساءل : منتديات ليلاس
"مالديك ؟ إذن فلابد أنها متروكة في خزانتك ."
أذهلها رده , ثم تذكرت أنه زوجها رغم كل شيء .... من الغريب انها لم تفكر في نفسها ابداً كزوجة ولذلك لم تكن مستعدة لأن يكلمها على هذا النحو الطبيعي في الظروف العادية . وقالت :
"الثياب الداكنة أكثر ملائمة لمن لديها اطفال تعنى بهم ."
وهي تحاول ان تجد رداً مقنعاً .
ارتفع حاجباه قليلاً وهو يقول :
"هذه فكرة عفا عليها الزمن ! "
أجابته :
" إنني افضل الثياب الداكنة ."
توارى القمر وراء السحب العابرة , لكنها أحست بوجهه يتخذ المظهر الخشن , كما تغير صوته وهو يقول :
"أنا افضل الثياب الزاهية . سأرى ماعندك ,فإذا لم يرق لي تشترين بعض الثياب الجميلة ياهيلين , الوانها تتمشى مع عينيك وتلقي ظلاً على خديك الشاحبين ."
واخذ قلبها يخفق بشدة . لكن نبرة مبحوحة سرت الى صوته , وارتجفت وهي تقول لنفسها : لا يمكن ان اكون جذابة له . لكن هذا اليقين خالطه العلم بأن النساء سواء لدى اولئك الشرقيين المشبوبي الرغبة . فقالت محتجة:
" طبعا , يحق لي ارتداء مااحب !"
قال : منتديات ليلاس
"بل ترتدين مايسر زوجك ."
وسكت عندما احس بضيقها , وسرت في صوته رنة تلطف وهو يضيف :
" سآخذك الى فندق الملك جورج – وهو خير مافي فاماغوستا – وأود ان افخر بك – سنلتقي ببعض زملاء عمل لي ."
إذن هذا هو السبب ! واسترخى جسمها , وندت زفرة ارتياح ولامت نفسها على مخاوفها . فما كان في نبرات صوته الرقيقة ماينم عن رغبة – مااغباها ! وكل هذا لأنها اخذت كلمات ترودي بجدية بالغة وبدأ ذهنها يميل لفكرة قضاء ايام قلائل في فاماغوستا , على سبيل التغيير – كما قال ليون .
بالرغم من تعلقها بالطفلين كانا مسؤولية ثقلية وكانا يفيضان خبثاً في بعض الاوقات . وجهد العناية بهما تغيير كامل عن الحياة التي تعودتها , وغالباً ماشعرت بارهاق ولعل هذا زاد اهمالها بمظهرها – قالت :
"متى سيكون سفرنا ؟"
وادهشها انها تنتظر اجابة بلهفة – فقال :
"حوالي نهاية الاسبوع المقبل .... ربما الجمعة , لنعود يوم الاحد او الاثنين , حسب تقدم العمل ."
فتمتمت في قلق :
"أتظن ان تشيبي وفيونا سيكونان بخير ؟ لن لن يرتاحا لفكرة غيابنا عن البيت ."
" بالتأكيد سيكونان بخير . لن يحدث شيء مع آرتيه ونيكوس . أما من حيث عدم ارتياحهما لغيابنا , فيجب ان يتعوداه , اذ قد اصطحبك مرة اخرى الى بافوس . فأني اتدبر شراء أرض هناك ."
قالت مقترحة :
" يمكننا ان نصطحبهما معنا ."

Rehana 09-01-11 01:47 PM

كانت تدرك ان الطفلين سيحبان ذلك . ولدهشتها قال موافقاً :
" سنفعل يوماً .... سوف نحظى – في وقت لاحق – بعطلة للترويح , كأسرة ."
اكفهر وجه هيلين للحظة عابرة ... كانت كلما رأت أسرة تتنزه , او تقضي عطلة . او حتى تتسوق , شعرت بالفراغ الفظيع الذي عانت منه بعدما فقدت زوجها , وابنها ,
لذلك تحمست الى فكرة ليون , وقالت وهي غير واعية للضراعة في صوتها :
"الا نستطيع اخذهما هذه المرة ؟"
ولكن ليون قال بحزم قاطع :
"ليس في هذه المرة ياعزيزتي , فهذه الرحلة تغيير لرتابة حياتك كما قلت , ولن يكون ثمة تغيير ولا راحة اذا اصطحبنا هذين الوغدين ."
منتديات ليلاس
ولم تجادل اذ كانت تعرف هذه اللهجة . وارتاحت في مقعدها تسرح بصره في البحر , شذى الزهور البرية ينساب على انسام الجبل , ليمتزج بعبير زهور البرتقال القوي – وتمتمت :
"لا وقت كالربيع !"
فقال ليون :
" له بهجة خاصة , لكنه لسوء الحظ قصير جداً , بينما الصيف طويل اما شتاؤنا – اذا جاز تسميته كذلك – فهو محدود كما تعرفين ."
في اقل من اربعة اشهر رأت تعاقب الخريف والشتاء , وهاهو ذا الربيع . وستكون بقية العام صيفاً بشمس متألقة وسماوات صاحية .
بدأت نسمة باردة تهب من البحر , فالتفت ليون متسائلاً :
"أنعود للسيارة ؟"
كان الوقت مبكر بعد , وبرغم زهد هيلين السابق في الخروج , لم تعد ترغب في تعجيل العودة ... والتفتت اليه مبتسمة وقالت :
"هل نستطيع البقاء فترة اخرى ؟"
فقال :
"مالم تكوني تشعرين ببرد ."
ثم أردف بحزم فجائي :
"كلا .... إنك تتعرضين للبرد . هيا لنتخذ طريقنا عائدين للسيارة ."
ولكن في طريق العودة , جنح بالسيارة الى مقهى أبيض غير مرتفع تألقت فيه اضواء ملونة , وشرفته الطويلة الواسعة تقابل البحر . وكان بعض الانكليز يجلسون الى المائدة التي قادها اليها . وسرعان ماابتسموا مرحبين وتحرك شاب بخفة ليحضر مقعدين .
منتديات ليلاس
" ما اطيب ان نراك يا ليون , استنتجنا جميعاً أنك في سبات منذ زواجك ."
كان المتكلم شديد السمرة , ملتحياً , وادركت هيلين – حتى قبل ان يخبرها ليون – انه فنان ... فقد قال ليون وهو يضحك :
" لم يلق فيل تكريماً بعد , ولكنه سيحظى به .... فهو موفق , وسوف يضع اسم لابيتوس على الخريطة يوماً ."
فصاح شاب آخر في استياء :
" إن اسم لابيتوس على الخريطة ..."
وتحول الى هيلين قائلاً :
" لدينا مجموعة صغيرة لطيفة من الفنانين , من المحتمل أنك تعرفين ؟"
فابتسمت هيلين وقالت :
"سمعت بهم ... قابلت أحدهم على السفينة عند قدومي ."
"اجل , روبرت ! إنه كثيراً ما يتكلم عنك. إنه موفق الآن . وصوره في كل متاجر الهدايا بالجزيرة . نعم , إنه والله ذكرك ... ويكن لك اعجاباً كبيراً ."
شاعت في وجه هيلين ابتسامة سعيدة , وتحولت تلقائياً نحو زوجها فاذا الابتسامة على شفتيها ترى مالذي فعلته . كان وجهه مكفهراً ومتجهماً . وأسرعت تشيح بصرها , بينما أحضر الساقي المبتسم الشراب ورفعت رأسها بتعاسة , وقد حيرها مسلك زوجها , ورد فعلها إزاءه . غضب وتجهم كثيراً في الماضي , فلماذا تأخذ ماطرأ عليه جدياً هذه المرة ؟ وسرعان ماأقبل آخرون , وحصل التعارف , وسيطر المرح على الجميع .
منتديات ليلاس
وكانت النسوة يرشقن هيلين بنظرات جانبية , فأدركت انهن يعجبن بما اعجب ليون بيترو – ومما زاد حيرتها أنه مشهور بكراهية النساء , لكنه اذا احب ان يقع في غرام امرأة فاتنة لا يقوى على مقاومتها .... كانت هيلين تقرأ افكارهن بدون عناء , ثم فاجأت عيني زوجها ترمقانها بانتقاد , فخيل اليها انه يخجل من عدم اهتمامها بأناقتها . لماذا احضرها لتلتقي بأصدقائه ؟ ولمحته يبتسم فجأة , فاذا قلبها – بل مبرر تعرفه – يقفز منتعشاً , وعادت طبلة الساعة التالية مغتبطة كأي شخص ممن حولها , وقد نسيت مظهرها وأخذت تحادث فيل عن أعماله الفنية .

Rehana 09-01-11 01:48 PM

قال بعدما أخبرها عن اعمال روبرت :
"يقول روبرت إنك ترسمين ! "
قالت وهي تتورد عندما سكت كل الحاضرين متشوقين :
"رسومي ليست جيدة , فلم ألتحق بمدرسة للفن , ولا تلقيت أية اراشادات ."
قال جيري مؤكداً :
"الفنان الصادق يرسم بوحي من قلبه ."
هو الآخر يقيم في لابيتوس ويعمل في نيقوسيا . وإقامته في الجزيرة مهددة , إذ كان على مخدوم هان يطلب ترخيصاً له بالعمل كل ستة أشهر . وكان موقناً بأن طلبه سيرفض ذات يوم . وعاد يقول :
"لابد ان ترينا انتاجك ياهيلين , فكل منا يهتم بالآخر هنا ."
قال ليون رافعاً كوبه الى شفتيه :
"أنا لم أر شيئاً منه بعد . أظن زوجتي فنانة خجول ."
فقالت بضحكة صغيرة :
"لم أرسم شيئاً منذ مجيئي , لم تسنح لي الظروف ."
فهز فيل اصبعه لها محذراً وهو يقول :
"هل يشغلك طيلة الوقت ؟ هؤلاء القبارصة ممتازون في استبقاء زوجاتهم تحت ...."
وأدار أصبعه نحو الارض , ففتح ليون فمه ليحتج , ثم رأى ان يضحك واسترسل فيل :
"لا تخدعي ياهيلين , فزوجك يختلف تماماً عنا معشر المعوزين , يستطيع ان يحيطك بدستة من الخدم إذا شاء ."
وعقبت هيلين : منتديات ليلاس
"ولكني لن اجد ماافعله عندئذ ولن ألبث ان اضجر ."
ولمحت أسارير احدى النساء , فقرأت افكارها مرة أخرى :
" أتضجرين ؟ ومعك زوج مثل ليون ؟"
وتناولت كوبها تتأمله وهي تتبين بصر المرأة مثبتاً على وجه ليون الاسمر . كانت المرأة تغبطها , فمن تكون ؟ أحست هيلين – وهي تتعرف عليها – ببغضاء خفية تتوارى تحت ابتسامتها , ولكنها استبعدت الفكرة حتى عندما فوجئت بنذير سوء ينبعث من عينيها . أما الآن , فمن تكون ؟ وأخلدت للصمت تصغي محاولة ان تعرف شيئاً عنها , وكان كل ما استخلصت ان المرأة سمسارة عقار في نيقوسيا . على أنها – في وقت لاحق – علمت مزيداً , فاكتشفت سر عداوة بولا الظاهرة لها .

** ** **
انفض القوم , وبدأت السيارات تنطلق . وذهب ليون الى سيارته , متوقعاً ان تتبعه هيلين . لكن بولا هي التي تبعته , بينما تلكأت هيلين على الدرجات تراقبهما لعلهما كانا يتكلمان في الاعمال . لكن فيل جذب كمها قائلاً :
"ربما لا يكون من اللياقة ان اقول . لا تطمئني الى هذه ... كانت وليون .. لنقل صديقين على الاقل , وبرغم كل الشائعات أنه لا يفكر في الزواج كانت تأمل ان تصبح يوماً السيدة بيترو . ولا داعي لوصف شعورها حين سمعت انه تزوج سواها ."
وترك كمها – اذ التفت ليون متوقعاً ان يراها قريبة منه – ثم أردف :
"أعرف أن هذا لا يعنيني , وأنك ربما تظنيني أتكلم فيما لا يخصني , لكنك لطيفة , وهي امرأة معدومة الضمير , وإن كانت ذات جاذبية للرجال ... أعني بعض الرجال ."
ودفعها لتواصل الهبوط , وهو يقول :
"يحسن ان تنطلقي , فليون ينتظر . ولكن ..... احذري بولا مكسويل !"

** ** **
منتديات ليلاس
أجل أضفى عليه الثوب جمالاً . ابتعدت هيلين عن المرآة لتتملى شكلها . كانت ذراعها عاريتين , وكشف صدر الثوب عن نحرها الجميل ولمع شعرها الاشقر متهدلاً فوق كتفيها في موجات غير مكتملة . لكن الثوب كان قصيراً , فظهر حسن قوامها . وكان حذاؤها من الجلد الازرق اللين مثبتاً بحزام مزخرف داكن اللون . ووضعت هيلين شالها على كتفيها , ثم تناولت حقيبتها المسائية , وخرجت وأخذت تهبط التل نحو القرية ,
ولم تبتعد كثيراً قبل ان تقف الى جوارها سيارة روبرت .

Rehana 09-01-11 01:50 PM

قال روبرت :
"في الموعد تماماً .. الست بنتا شاطرة ؟"
فسألته وهي تستريح في جلستها :
"كم يبعد المكان ؟"
قال وهو يتجاوز انحناء الطريق , ويزيد السرعة :
"ليس بعيدا جداً . ألم تذهبي اليه بعد ؟ كنت أظن ان ليون اصطحبك الى ماريه مونت , فكل شخص يذهب الى هناك . كل الانكليز يجتمعون هناك . وفي اماكن اخرى طبعاً , لكن هذا المكان بالذات مفضل للانكليز , وفي يوم السبت سهرة عظيمة . لكم يسرني أنك استطعت المجيء ."
قالت ورنة قلق تسري بدون قصد الى صوتها :
"يجب ان نعود في الحادية عشرة على الاكثر . سيعود ليون حوالي الحادية عشرة والنصف ."
فقال : منتديات ليلاس
"سنعود , فلا تخافي ."
وصمت لحظة في فضول :
"مالذي جعلك تتصلين بي هاتفياً ؟ تصورت إنك لا تريدين اية علاقة بي , بعدما رفضت دعوتي لأقلك الى المدينة ذلك الاسبوع ."
امتقع وجهها وقالت :
" أوضحت لك ان ليون لم يرتح للفكرة ."
فعاد يسأل :
"والآن ؟ .... لماذا اتصلت بي ؟"
كانا منطلقين على طريق الشاطىء , والبحر يلتمع تحت ضوء القمر وتذكرت هيلين تلك الامسية حين جلست مع ليون على مقعد هناك , ثم اصطحبها الى المقهى ... والتقت ببولا مكسويل . وفي اليوم التالي زارت هيلين ترودي وخرجتا معا لتشتري هيلين ثياباً لرحلة فاماغوستا , واستقلتا الحافلة ,ثم سارتا قليلاً وأثناء مرورهما بالهلتون , ابصرت هيلين بولا في سيارة ليون وهي تتجه الى الفناء الخارجي . ثم دخلت بولا وليون الفندق . لعلهما جاءا للغداء وكان رد الفعل المباشر لوخزة الالم ان تساءلت هيلين :
" لماذا تهتم ؟ ألم تكن تعرف ان لزوجها علاقات بنساء ؟ أليس هذا هو ماأراده ؟ ان يرضي نفسه لئلا يطالبها بشيء ؟"
ولكن الامر كان مختلفاً والنسوة مجهولات لها . أما ان تلتقي بأحداهن , ثم تراها مع ليون , ولم تستطيع ان تشهق خشية ان تسألها ترودي . ظلت طيلة الاصيل تشعر بتعاسة لم يكن لها مبرر , حتى اذا وافاها زوجها في النهاية ليصحبها , اضطرت لاغتصاب الابتسام وتجاهل بولا كانت – قبل ساعات قليلة – في السيارة , تجلس في المقعد نفسه .
وتساءلت : " بأي حق اعترض ؟" لكنها لم تكن تعترض , فما كانت تعبأ .
قالت اخيراً , تجيب عن تساؤل روبرت :
"إنما شعرت برغبة في امسية خارج الدار . فالجلوس فيها وحيدة يثير الملل ."
قال: منتديات ليلاس
"الا يمكث ليون في البيت أبداً ؟"
وبدون ان يمهلها لتجيب , اردف :
" هذا عيب الرجال هنا . كلهم يخرجون – كل مساء – ليجلسوا في المقاهي يتحدثون مع اصدقائهم الرجال . جو الاسرة المعهود في انكلترا شيء لن تعرفيه هنا . ولكن , هكذا أنتن يانساء , تقعن في هوى الرجل الاسمر المغازل – لماذا يا إلهي , لماذا ولدت بشعر كهذا ؟"
واضطرت هيلين للضحك , وظلت تضحك طيلة الامسية , متظاهرة بالمرح وهي تشعر طيلة الوقت بشيء مؤلم ينغز قلبها . كان في دخيلتها فراغ غريب , عرفته فيما مضى , ولكنها شعرت به لأول مرة منذ مجيئها الى قبرص .
سره ان حان الوقت للانصراف , وتمنت – وهما يمضيان في الطريق – لو انها لم تأت . وفي منتصف الطريق تقريباً , شعرت برجة , وهتف روبرت :
"يا للعنة ! شيء خرق اطار عجلة ."
اضطرب قلبها وقالت :
"هل يستغرق اصلاحها طويلاً ؟"

Rehana 09-01-11 01:52 PM

فقال :
"لا أصلحها , بل ابدل الاطار ."
خرجا وفحصا الاطار , روبرت بصبر نافذ وهيلين بجزع – لو وصل ليون الى البيت قبلها ... لماذا تخاف ؟... وآرتيه مع الطفلين . كان العمل في الظلام مربكاً , وروبرت يلقى عناء كبيراً , فراح يسب من آن لآخر وهيلين تقف بأعصاب متوترة وخفقات قلبها تتزايد كلما مرت لحظة . ونظرت في ساعة السيارة , فاذا بها تشير للحادية عشر وخمس وعشرين دقيقة .
قالت والسيارة تتسلق الدرب الصخري المؤدي الى البيت أخيراً :
"سأهبط هنا , قف ياروبرت ."
فقال :
"لن اتركك هنا في الظلام , في هذا الوقت من الليل ... الآن حدث الضرر , وإذا قدر أن ينشب شجار , فسيحدث سواء نقلتك حتى البيت او لم انقلك , وإن كنت اعتقد ان ليس من حقه ان يشكو , مادام يسهر خارج البيت دائماً ."
ومضى بها – برغم رجائها الملح – حتى باب البيت . فاذا ليون يقف على قمة الدرجات , ووجهه – برغم العتمة – يحمل تعبيرا قاتلاً .
منتديات ليلاس
قال روبرت وقد بدأت تصعد الدرجات :
"طاب ليلتك ياهيلين ."
والتفتت لترد التحية , فاذا صوتها مختنق حتى شعرت أنه لا يمكن ان يكون سمعها . وأفسح لها ليون لتمر , بدون كلمة , حتى إذا صارا في البهو , التفتت وفتحت فمها لتوضح ماجرى لعجلة السيارة ولكن الكلمات انحشرت في حلقها لفرط الخوف .
لماذا تخاف هكذا ؟ وبأي حق وقف يرمقها وقد بدا متأهباً لأن يقتلها . أخيراً , تكلم بصوت خافت , فسألها أين كانت ...
قالت :
"لقد ذهبنا الى .... ماريه مونت ..... وعطبت احدى العجلات ...."
وأفلت الدثار من اصابعها المرتجفة فسقط , ووقفت وهي ترتدي الثوب الذي أعطتها اياه ترودي . وهم ليون ان يعلق على ايضاحها لكنه سكت وعيناه الحادتان تلمان بها , وتتأملان بدقة ذراعيها العاريتين , ونحرها المكشوف , شعرها الذهبي الفاتن الذي افلت بفعل الريح أثناء انتظارها في الطريق . كانت وجنتاها عابقتين وشفتاها منفرجتين في قوس ناعم رقيق . وهبطت نظراته الى ذيل ثوبها وتوقفتا .
فلما رفعهما اخيراً الى وجهها ثانية , كان في اغوارهما القاتمة شيء افزعها أكثر مما افزعتها اساريره القاتلة حين غادرت السيارة وحاولت ان تتخلص من الخوف الذي سد حلقها , وان تتكلم لكنها – بدلاً من ذلك – انحنت فالتقطت دثارها . لكنه أخذه وطوح به الى مقعد . وشهقت متلفتة حولها وكأنها تبحث عن مهرب , هامسة :
"يا آلهي , انه ليس في طور انساني ."
منتديات ليلاس
وهتفت بصوت مختنق , وهي تسائل نفسها أكان الذعر في عينيها ظاهراً كما كان في صوتها :
"ليون , إن ... إن لي حقاً في الخروج ."
قطع عليها الحديث بصوت ناعم :
"هل تتركين الطفلين وحدهما في البيت ؟"
ونسيت ذعرها في لهفتها على الطفلين وقالت :
"ليسا وحيدين ...قلت لآرتيه ... لابد انها مكثت ...."
قال :
"انصرفت آرتيه في موعدها المعتاد ... وهي تحسبك في البيت ."
وبدت نظراتها حائرة وهي تقول :
"سألتها ان تمكث ... ماكنت لاغادرهما وحيدين ابداً وانك لتعلم ."
"الواضح ان آرتيه اساءت فهم ماابلغتها ..... انك تعرفين جداً صعوبة فهمها للانكليزية ."
قالت هيلين حائرة :
"بدا انها فهمت ... كيف علمت بانصرافها في موعدها المعتاد ؟"
قال:
"عدت الى البيت في الساعة التاسعة .وكان كوخها مضاء حين مررت به , ورأيتها فيه ."
وسكت لحظة , واشتبكت نظراتها بنظراته ثم استأنف :
"عندما لن اجدك هنا , كان طبيعياً ان اتساءل عما جرى . كان الطفلان مستيقظين , لكنهما لم يستطيعا ان يخبراني اين كنت , فذهبت الى آرتيه , ولم تكن لديها هي الاخرى فكرة عن مكانك ."

Rehana 09-01-11 01:57 PM

شيء واحد علق في ذهنها : عاد ليون في التاسعة . لماذا عاد مبكراً بعدما اخبرها انه سيتأخر ؟ اعتقدت انه كان في نيقوسيا يقضي السهرة مع بولا . ولكن هل يحتمل انه فضل البيت ؟ وبدافع غريزي تقدمت منه , وحدقت في وجهه بتساؤل وقالت :
"لو عرفت انك ستعود مبكراً ليون , لما خرجت ."
بادر قائلاً :
"هذا واضح ."
وعادت عيناه تطوفان بقوامها الجميل , ثم عاد الوميض المتأجج الى اعماقهما , وسألها بخشونة :
"كم مرة تفعلين هذا ؟"
اسرعت تقول :
"هذه اول مرة ..."
" لا تكذبي ! لا تقفي هكذا وتكذبي عليّ ! كم مرة خرجت مع هذا الرجل ؟"
عادت ترتجف , ولكنها جاهدت ليظل صوتها ثابتاً , وقالت :
"إنها المرة الاولى . في اية حال من حقي ان اخرج ."
قال: منتديات ليلاس
"هل من حقك ان تخرجي مع رجال ؟"
وبرغم خوفها , ارتفعت ذقنها بشمم وقالت :
"رجال ؟ انما ذهبت مع روبرت لأن .... لأن ..."
لم تجد كلمات لتخبره بأنها ظنته مع بولا ؟ ولكنها قالت :
"لأن بقائي وحيدة هنا لايسر .... فأنت تخرج كل مساء تقريباً يا ليون ."
لماذا التذلل ؟ لم تخبره بأن من حقها ان تسري عن نفسها ؟ إنها ليست طفلة حتى يسألها عن غدواتها ورواحها . لذلك أردفت :
"سأخرج كلما راق لي , ولا تستطيع ان تمنعني ."
رباه ماهذا الذي قالته ؟ لماذا لم تلتزم الحذر ؟ انحسر الدم عن وجهها تماماً , وحاولت ان تهرب اذ تقدم نحوها بخطوة سريعة , ولكن ساقيها خذلتاها ,ووجدت نفسها في عناق يهشم القلوع بلا رحمة وقال :
"هل ستخرجين حين يروق لك , مع رجال ؟ ستتأنقين لأجلهم , وتبدين جذابة . أما لي , فستبدين دائماً كعجوز قروية شمطاء."
"ارجوك يا ليون , إنك لا تفهم . لم احاول ان ابدو جذابة لأي سبب الا ..."
"الا ان توقظي الرغبة في صديقك ؟"
كان وجهه قريب من وجهها , رهيبا كجذوتي النار اللتين تجلتا في عينيه , فلم يداخلها شك في نواياه . واردف :
"نجحت في ايقاظ الرغبة في زوجك , وستتحملين العواقب ."
منتديات ليلاس
فناضلت قسوته ولكنها بعد برهه استلقت مستسلمة تبكي بصوت خافت , وامسك بها على مسافة منه اخيراً , فلاحظ الدموع على خديها . مفاجأة هجومه والخوف الذي تملكها جعلا كل عصب في جسمها يرتعش . وتذكرت ماقاله من ان القبارصة يهتمون بنسائهم ويعتزون بهن , فتبادرت الدموع الى عينيها ثانية . كان لمرآها باكية تأثير عجيب عليه فإذا كل غضب وضراوة يتلاشيان فجأة , ومر بأصبعه على وجنتيها يمحو دموعها بحركة حنون , وهتف :
"لاتبكي ياهيلين!"
كأنه يمحو قسوته منذ لحظة . واذهلها تصرفه , ولكنه بعث فيها املاً . فلما افلتها اخيراً , تطلعت اليه وقالت :
"ما أحسبك ..ستخرج عن وعدك يا ليون ؟"
سيطر صمت طويل , واشتد سواد عينيه وقد استقرتا على وجهها ورأسها على الارض . فأجاب برفق :
"إنك زوجتي ياهيلين ! "
وغشيتها مرارة طاغية . صحسح أن القبرصي لا يستطيع ان يعيش بدون امرأة ... وأية امرأة ترضيه .


نهاية الفصل الرابع

Rehana 09-01-11 02:03 PM

5- دعني وشأني ! ..



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif






نظر الطفلين بوجوم وهيلين تغلق غطاء حقيبة ثيابها فيستعصي عليها أحد القفلين . وسأل تشيبي في أسى :
" كم ستغيبان ؟"
وبدت لمحة من السرور في عيني هيلين , وقالت :
" ثلاثة ايام على الاكثر , ابتسم ايها السخيف .... ان من يراك يتصور اننا سنغيب شهراً ."
قالت فيونا متذمرة :
"ثلاثة ايام مدة طويلة , ليس هذا عدلاً , لم لا نصحبكما ؟"
" لأن العمة هيلين تريد ان ترتاح . اخرجا الآن واتركاها تحزم متاعها ."
كان ليون يقف بالباب .... فقالت فيونا في اغراء :
"هل من الممكن ان نصحبكما يا عمي ليون ؟ سنكون مؤدبين تماماً ."
فقال متعجباً من الحاحهما :
"سنأخذكما في وقت اخر "
وعندما رأيا اسارير ليون تتبدل , اطاعا على الفور . وانحنى ليون يتبين مابالقفل, فلمست أصابعه القوية السمراء أصابعها , واذ بها تنتزع يدها . وزم فمه واعتدل , ثم تناول يديها متعمداً وأمسكها بقبضة قوية , قال متهكماً وعيناه تتأملان أصابعها الرشيقة : منتديات ليلاس
"لا شك انك تفضلين الرجال الانكليز , ولكنك – لسوء الحظ – تزوجت مني ."
فردت هيلين :
"لسوء الحظ "
وجاهدت لتخلص يديها ولكن الضغط الفولاذي اشتد , وجذبها إليه , فقالت :
"هل يجب ان اذهب معك الى فاماغوستا ؟ الطفلان مستاءان ."
أحنى رأسه الاسمر قائلاً :
"قلت إنهما لا يصيبهما أذى . نعم ياهيلين , يجب ان تأتي معي ."
" الا تستطيع الاستغناء عن امرأة لثلاثة ايام ؟ أي صنف من الرجال انت ؟"
قال : منتديات ليلاس
"أظن من حقي ان أتوقع مرافقة زوجتي حين اسافر ."
كان صوته خافتاً , لكن وميضاً خطراً لمع في عينيه , وامتدت خطوط الغضب البيضاء من أنفه الى فمه . وقال :
"تبدين مقتنعة بمعرفتك سبب رغبتي ان تكوني معي ."
وحاولت ان تسحب يدها , فأفلحت هذه المرة , لكن اصابع ليون انزلقت على ذراعيها وامسكت كتفيها . قال محذراً وعيناه تتقدان :
"احترسي ياهيلين .... من اجل صالحك ."
كان وجهه قريباً من وجهها , نحيلاً وفظاً . ومات الرد على شفتيها فلا معنى لأن تجازف بالتعرض لهياجه , كما حدث منذ ليال . ثم افلتها . وسألها :
"هل فرغت من حزم امتعتك ؟"
قالت ببرود :
"كل مااحتاج اليه في الحقيبة ."
وخطت الى الشرفة , فاذا مشهد البحر والسماء يبعثان السكينة . كان من الممكن ان تنسجم – قبل اسبوع ومايزيد قليلاً – مع هذا الهدوء . اما الآن , فالاضطراب الداخلي يجعلها تتساءل :
"الى متى تستطيع الاحتمال ؟ وثقت به تماماً حين قال – عندما خطبها – انه لن يضايقها . ولم تتصور لحظة ان ينتهك وعده . ولكنه انتهكه , وبدون أي تعليل او اعتذار . لم يظهر من المشاعر سوى الرغبة .
قال ليون وهو يقف بجوارها :
"هل حزمت كل الثياب التي اشتريتها ؟"
فتطلعت اليه , ولاحظت بدهشة نثار الشببب في سوالفه اكثر ظهورا وقالت :
"هل حزمت ما امرت بحزمه ... لن اكسفك يا ليون ."
وساد الصمت برهة , ثم تحول لينصرف , ولكنه عاد وقال بصوت خافت لكنه كزمجرة حيوان يتأهب للأنقضاض:
" أنذرتك بأن تحذري , ولو أغفلت هذا التحذير , فستتحملين الثمن ."

Rehana 09-01-11 02:04 PM

وتركها واصابعها المرتجفة على السياج , وعيناها تحدقان غائمتين في الخط الفاصل بين البحر الفيروزي الداكن , والسماء الانقى زرقة .
منتديات ليلاس

** ** **

انطلقا بمجرد ذهاب الطفلين الى المدرسة . كان الصباح بهي الاشراق , ومنظر الجبال تبدل مع كل انحناءة في الطريق , وما ان بلغا العاصمة واجتازاها , حتى مضيا عبر السهل في الطريق المستقيمة الطولية , عابرين بمناطق سكنية صغيرة , لا تتجاوز احياناً مجموعة من الاكواخ الطينية تتناثر هنا وهناك بلا تنسيق . وقال ليون وعيناه لا تبرحان الطريق :
"سنذهب رأساً الى الفندق , ثم اصطحبك الى المدينة القديمة ."
ألقت هيلين نظرة على جانب وجهه , ثم التفتت تواصل تأمل الطبيعة . واستأنف كلامه :
"تقولين انك لم تزوري المدينة القديمة ابداً ؟ انها غاية في الجمال , لها جو اعتبره فريداً ."
قالت بصوت جامد :
"سمعت عن جمالها ."
والتفت لحظة ينظر اليها , فواصلت ارسال بصرها خارج النافذة وسألها على غير توقع , وهو يحول عينيه الى الطريق :
"هل تكرهينني ياهيلين ؟ كنا سعيدين في شكل معقول قبل .... قبل ...."
فقالت:
"قبل ان تتخذ مني متعة ؟ نعم يا ليون . كنا موفقين . وكان من الممكن ان يستمر هذا ."
فمست حافة فمه المتصلب ابتسامة مريرة باهتة , وقال :
"أتظنين ذلك ؟ وانت يا هيلين , هل كنت تقنعين بهذا النوع من الحياة ؟"
" عرفت انني مانويت السماح لأحسايسي بالتورط ... افهمتك هذا يوم حدثتك عن غريغوري وكيف خذلني ."
" لم تجيبي عن سؤالي . الرجال بشر , والنساء ايضاً ."
قالت: منتديات ليلاس
"النساء مختلفات , لاسيما الانكليزيات ."
فرد بمرارة :
"لا حاجة , بك لأن تخبريني بهذا ."
ثم اردف :
"ولكني لا ازال أقول انهن بشر , سواء كن باردات او غير باردات , ألن تجيبي عن سؤالي ؟"
قالت :
"لا يمكن ان احلم بالانغماس في المعاشرة لمجرد التراضي ."
فقال :
"مازلت تراوغينني ."
وانحرف ليتفادى عجوزاً مسربلة بالسواد , انحنى جسمها تحت سلة كبيرة ربطت الى ظهرها , ثم استأنف حديثه :
"إنني اعترض على مصطلح التراضي يا هيلين , فأرجو الا تستعمليه ثانية ."
"إنك تشير قطعاً الى انني مخطئة في استنتاجي , وهو انك تستغليني لمتعة مزاجك ."
وأنذرها تهدج انفاسه الى فورة طارئة من الغضب وقال :
"قلت لا تستعملي هذا المصطلح ."
فقال :
"فقالت متهكمة :
"إنك مليء بالمفاجأت يا ليون ..... ماكان ينبغي ان اتوقع منك الاعتراض على فظاظة المصطلح ."
فقال:
" يريحيني ان اسمعك تقرين بفظاظته . كنت قد بدأت أعجب من سذاجتك الفجة , فهي لا تناسبك يا هيلين ."
واقبلا على اكثر أجزاء فاروشا شعبية , عابرين خلال شوارع محفوفة بالمنازل والفيلات البيضاء , لكل منها حديقتها الساحرة المتألقة بألوان زهورها . وكان عبير زهور البرتقال يهب خلال نافذة السيارة المفتوحة . قالت :
"إطرؤاك يحيريني ."
اجابها :
"إن التهكم لا يناسبك , ارجو ان تتفاديه ."
والتفتت بسرعة وحمرة الغضب على وجنتيها وقالت :
"الا يسمح لي حتى بحرية الكلام ؟"

Rehana 09-01-11 02:06 PM

اجاب :
"لك الحرية طالما انك لا تقصدين إهانتي ."
ولم يتبادلا كلمة حتى بلغا الفندق . ونقلت امتعتها الى حجرتها فاذا مصاريع النوافذ مغلقة اتقاء للشمس , ففتحتهما هيلين على الفور قائلة وهي تخرج الى الشرفة :
"لماذا يغلقونها ؟"
كان الامتداد الازرق الشاسع للبحر الابيض المتوسط يترامى امامهما وتحت الشرفة مباشرة تمتد الرمال الذهبية . وادركت ان زوجها يقف بجوارها قائلاً :
"إنها العادة .... لم تألفي عاداتنا بعد ."
عادة ! كانت عادة ايضاً ان يعامل الرجال زوجاتهم كأنهن ممتلكات . وتلفتت فإذا بالحجرة فراش لاثنين . أهو الذي طلب ذلك ؟ قيل انها القاعدة في احسن الفنادق ان تجهز الفرفة بسررين منفصلين . فقالت وفي صوتها رنة اغتمام مفاجئة :
"يحسن ان اخرج ثيابي ."
ولكن ليون لم يتزحزح ليفسح لها مخرجاً . فاستدرات , واسستندت الى السياج تحدق في البحر ساهمة . وأحست بذراعيه يطوقانها فتيبست ولابد انه أدرك مايخالجها , ولكنه قال :
" من الممكن ان يكون هذا شهر عسلنا ياهيلين ."
فردت : منتديات ليلاس
"شهر العسل للعشاق ."
قال:
"وهذا ما اعنيه ."
وأزاحته وفرت داخل الغرفة , صائحة :
"الا تستطيع ان تدعني وشأني ؟ هل يجب علي ان اعاني منك ليلاً ونهاراً ؟"
وانفرجت شفتاه الشاحبتان , ووقف كامصعوق لكنه تمالك نفسه في الحال . وتقدم بتؤدة وقبضتاه مشدودتان وعيناه السوداوان تطلقان شرراً . وقال :
"إذا كنت تعتبرين عناقي مصدر عناء . فالجواب على سؤالك هو نعم . سآخذ ماابتغي , عندما يروق لي ."
قالت والغضب باق في صوتها , ولكن الخوف أفعم قلبها :
"لكنك وعدت ."
ليتها تستطيع الفرار من هذا الرجل ولكن الطفلين كانا يعترضان أية فكرة لتركه . وكان يدرك انها في حوزته مادام الطفلان بحاجة اليها . وعادت تقول :
"الا يؤلمك ضميرك أنك نكثت بوعدك ؟"
فقال :
"لا ضمير عندي فيما يتعلق بصلتي بك . انت زوجتي , وانا لا اخرق القواعد اذا اخذت ماهو ملكي ."
وقالت بسخط :
"لا داعي لأن تذكرني بأن الزوجة هنا ملك تقتينه ."
اضطربت عيناها اذ واجهتا الشمس , فأسرعت تجذب الستائر على النافذة , وقد كرهت – للمرة الاولى – الشمس والسماء الصافية , بل كل شيء يمت الى الجزيرة التي لا مهرب منها , واردفت :
"لكنك لن تستبقيني الى الابد , فبمجرد ان يبلغ الطفلان سناً كافية سأتركك ."
انبعثت طقطقة خافتة من اتجاه منضدة صغيرة , فشغلتهما عن الحديث , وأصغيا , هيلين بحيرة وليون بعدم مبالاة – قال بهدوء وهو يسير الى المنضدة :
"قد تكونين انجبت اطفالاً قبل ذلك بوقت طويل ."
فصاحت : منتديات ليلاس
"تود ان تقيدني بهذه الطريقة !
فاجاب بهدوء :
"بهذه الطريقة !"
وتطلعت مأخوذة , اذ كانت في صوته اختلاجة غريبة , كأنما يجد أشد الصعوبة في الكلام . والتقت نظراتهما , وبغير مبرر قفزت الى ذهنها ذكرى اللوعة البسيطة التي احست بها حين رأته مع بولا قرب الهيلتون . ولذهولها محت الذكرى كل ماجرى , وتقدمت منه وكأن قوة في ذاتها تجذبها نحوه , ومدت يداً – بدون ان تفطن – في توسل , وهتفت :
" ليون "
تناول يدها فأمسكها بقوة . وعاد الدم رويداً الى شفتيه . واكتسحت ابتسامته كل خشونة . وقال :
"نعم يا هيلين ؟"

Rehana 09-01-11 02:08 PM

ولكنها لم تستطيع الكلام , عجزت عن صياغة كلمات تعبر عن افكارها وتصف اضطراب قلبها , ذلك الاضطراب الذي لم يعد وليد خوف . وخيل اليها ان شيئاً في كيانها يستجيب برغم ارادتها . فقالت :
"هذه الرحلة القصيرة ... هل .... نستطيع ان نكون سعيدين فيها ؟"
وحدق فيها غير مصدق , ثم جذبها برفق , واحاط خصرها بذراعه , وتمتم :
"اجل ياعزيزتي ....نستطيع ....ان نكون سعيدين ."
سرى في اعماقها شعور بالذنب لا تدري معناه . وتكلمت مسرعة تحاول دفع الشعور عنها :
"ماهذا الصوت يا ليون ؟... أهو الخشب ؟"
فهز رأسه مبتسماً وهو يقول :
" انها حشرة , تدب في الاثاث . سنطلب من خادمة الغرف ان ترش مادة مبيدة ."
قالت :
" حشرة ؟ كيف تدخل في الخشب ؟"
قال:
"صفحات المناضد مثقوبة . وتغلغل هذه الحشرات مدهش ."
قالت :
"احسب انه اذا اوتيتم طقساً كهذا فلابد من قبول المساوىء التي تصحبه . فلا يوجد شيء كامل ! "
وابتسمت ابتسامة واهنة , فعاد يمسك بيديها ويتأملها , ثم رفعها بأسى وقال :
" كلا يا هيلين شيء كامل ."
منتديات ليلاس

* * *
انطلقا بعد الغداء الى فاماغوستا القديمة , في زيارة لأسباب تتعلق بالعمل – بالدرجة الاولى – كما قال ليون , ولكنه لم يبق في مصانع التعبئة سوى دقائق . وقال وهو ينزلق الى مقعد القيادة بجوارها :
"سنمضي في بساتين البرتقال . إنها متعة في هذا الوقت من السنة ."
وكان على صواب اذ كانت البساتين تمتد أميالاً في كل اتجاه . وكانت هناك فضلا عن اشجار البرتقال – اشجار اليوسفي والحامض . كانت المنطقة بأسرها كتلة زهور , والهواء مشبعاً بعبيرها . وقالت هيلين وهي تستنشقه :
"هذا رائع, لم أر مثل هذا في حياتي ."
أوقف ليون السيارة . واختفى الوميض القاسي من عينيه وهما تتأملان هيلين برهة , وهي تقف على حافة بستان البرتقال , والنسيم يداعب شعرها , متوردة الوجنتين , وعيناها متألقتان . كانت ترتدي احد الاثواب التي جعلها ليون تشتريها : ثوباً من القطن المطبوع بالزهور , ابرز قسمات جسمها الشاب . وقال بصوت خافت :
"انت جميلة جداً يا هيلين ."
منتديات ليلاس
واشتدت حمرة وجهها . ومد ذراعه فوق رأسها , فقطع فرعاً صغيراً , وقال :
"زهور البرتقال هدية للعروس ."
وناولها الفرع . وفجأة , بدا شاباً صغيراً غير واثق من نفسه . كان التغير سريعاً حتى تصورت انها كانت واهمة . وابتسمت له وهي تتناول الفرع المعطر وتقربه الى وجهها , وقال بصوت خافت ورقيق :
"انت بارعة الجمال !"
قالت له وقد عادا الى السيارة , وهي ممسكة بفرع البرتقال قرب وجهها وتتنشق عبيره :
"حدثني عن البرتقال يا ليون . أعني ما عملك .... في مصانع التعبئة ؟"
فقال:
"كل الثمار تنتقل اليها بعد الجمع , فتغسل وتفرز .... تغسل قبل تصديرها , وتقوم نسوة بهذا العمل عادة . ثم تفرز وتعبأ للتصدير ."
قالت :
"وانت تملك المصانع فقط ... دون البساتين ؟"
قال :
"املك المصانع ...
وساد الصمت والسيارة تمضي تحت سماء صافية . كانت الطريق ملاصقة للبحر , وعلى طول احد جانبيها , كانت هيلين تلاحظ النباتات العالية .
قالت وقد ثار اهتمامها :
"ماهذه ؟ إنها تبدو نوعا من القصب ."

Rehana 09-01-11 02:10 PM

فأجاب :
"إنها غابة قصب تزرع لحماية بساتين البرتقال من هواء البحر ."
كانت البساتين تمتد حتى البحر تقريباً . واستطرد ليون :
"إننا نصدر كميات كبيرة الى انكلترا , من الكريبفروت كما تعلمين ."
كانت في صوته رنة زهو ,.... زهو بجزيرته ومنتجاتها .....
وكان كل القبارصة الذين التقت بهم مثله .... أي شيء ينتج في قبرص يتفوق على كل ماينتج في أي مكان آخر .
عندما بلغا المدينة القديمة , اوقف ليون السيارة في الساحة , ودخلا احد المقاهي لتناول بعض المرطبات .
ولم يكن هناك سوى رجال , اتجهت عيونهم كالعادة صوب هيلين , وليون , ثم ارتدت الى الصحف ولعب الورق والطاولة .
قالت هيلين تستعلم , وهي تراقب رجلين يلعبان على مقربة :
"هل يلعبان على نقود ؟"
قال: منتديات ليلاس
"على المشروب فحسب "
فرمقته بنظرة متسائلة :
"أليس لديهم عمل ؟"
فضحك قائلاً :
"ما زال رأسك الجميل مشغولاً بأن النساء يعملن , بينما يقضي الرجال في تكاسل ؟"
امتقع وجهها لأن هؤلاء الرجال بدون نشاط سوى اللعب . وزاده امتقاعاً استعمال ليون كلمة الجميل , ياله من شخص متقلب ! تعمدت في بداية الامر ارتداء ثياب قديمة لئلا تبدو جذابة للرجال , ولكنها تشعر بالسعادة الان , لأن ليون يعتبرها جميلة ومالذي يساوره ؟ من الواضح انه عرف من البداية أنها مصممة على ان تستبقيه على مسافة منها . وقالت اخيراً :
"أكره ان اكون زوجة رجل فقير هنا ."
رمقها متسائلاً وقال :
"أصحيح هذا يا هيلين ؟"
فعضت شفتيها وقالت :
"ماعنيت هذا ..... إنما قصدت أنني ماكنت أتمنى ان أولد هنا , واكون فقيرة .... إنك تعلم ماأعني ."
قال :
"نعم , أعرف ماتعنين ."
ونظر الى صاحب المقهى اذ أحضر صينية تحمل فنجاني قهوة صغيرين وكوبي ماء . ثم أستأنف :
"لكن النساء هنا لا يأبهن . تعودن هذا , طالما انهن يهتدين أخيراً الى زوج فهن مقتنعات ."
تناولت رشفة من قهوتها وقالت :
"تلك الزيجات ..... الزيجات التي لا تقوم على حب ... كيف يتسنى ؟"
قال: منتديات ليلاس
"الامر بسيط , فمثلاً تزوج بافلوس , احد ابناء عمي اخيراً فتاة من قرية صغيرة في الجبال . سعى اليه اخوها واخبره بميزاتها , قائلاً بوسعها ان تقدم بيتاً . فوافق بافلوس على اللقاء بها , والواضح انها راقت له فقبل الزواج منها على الفور ."
وتناول جرعة ماء , وومضت عيناه بابتسامة حيال الصدمة التي بدت على هيلين , التي سألته :
"أهذا كل شيء .... الاخ يدبر الامر والشاب يتأملها لكن هذا بشع ! "
فقال:
"إنه الاجراء الطبيعي ."
فصاحت :
"ولكن الفتاة .... أليس لها أي رأي في الامر ؟"
قال معترفاً :
"رايها لا يذكر .... بل اذا رفضت فأن أباها واخواتها لا يصغيان الى رأيها لكن يندر ان يحدث هذا . الرجل يحسن صنيعاً للفتاة بأن يتزوجها , ولذلك تعترف بفضله ولا تفكر برفضه ."
فقالت:
"إنه يبدو نوعاً بغيض التدبير , لابد انه محرج للفتاة الى حد مؤذ ."
فقال وعلى وجهه وميض ابتسامة :
"أبداً انها العادة يا عزيزتي ."

Rehana 09-01-11 02:11 PM

خرجا الى الساحة فإذا ضوء الشمس ينعكس على جدران القصر البندقي الفخم . وكان يواجهه مبنى آخر شامخاً . فقال ليون :
"هذا هو الجامع .... هذه المدينة القديمة هي – كما تعلمين – الحي التركي في فاماغوستا . أتودين دخول الجامع ؟"
فأومأت برأسها . وخلعا أحذيتهما ودخلا المبنى الجميل – الذي كان يوماً كاتدرائية القديس نيقولا , وأقامها ملوك قبرص قبل قرون كثيرة . حتى اذا خرجا , قال ليون :
"سنقوم الآن بجولة في السيارة ! "
وأخذها لترى الجدران البندقية , والقلعة ذات البرج المشهور حيث اخرجت قصة عطيل . وخيل الى هيلين في جولتها أنها رأت مئات الكنائس , تحولت الى اطلال .
قال ليون :
"كانت ثلاثمائة وخمس وستون كنيسة ."
فهتفت:
"غير ممكن ..... في هذا المكان الصغير ؟"
قال:
"هذا حقيقي , اختفى معظمها طبعاً , ولكن قسماً كبيراً بقي."
وتوقف مرات عدة ليريها بقايا النقوش الملونة والفيسفاء . فقالت :
"لا تزال باقية بعد كل هذه السنين . هذا يبدو مستحيلاً ! "
فقال: منتديات ليلاس
"المناخ يساعد على حفظها ... فالمطر هنا قليل ."
اتجها في السيارة الى بوابة البحر , التي دخل ريتشارد قلب الاسد خلالها الى المدينة , ثم تركا السيارة , وسارا على الاقدام . لم تشعر هيلين بمثل هذه السعادة منذ امد طويل . وأمسك ليون يدها اذ انزلقت على حجر متفكك, واحتفظ بها طيلة مسيرتهما.
عندما عادا الى غرفتهما في الفندق , وضعت هيلين غصن زهر البرتقال في كوب ماء . وراقبها ليون وهي تخرج من الحمام , فابتسمت ووضعت الكوب على منضدة الزينة , وكان ليون قد دعا بعض أصدقاء العمل للعشاء فسألته , وهي تطرح ثلاثة أثواب كوكتيل على السرير :
"أيهما أرتدي ؟"
أدهشها سؤالها بقدر ما ادهشه , فقبل سويعات قلائل ما كانت تحلم بأستشارته . ورفع ثوباً , ثم هز رأسه وتناول آخر . كان الثوب القصير الواسع , من القطن المائل الى الصفرة يلائمها كل الملاءمة . فقال :
"هذا! "
كان اثنان من أصدقاء ليون انكليزيين – والثالث قبرصياً يونانياً . وكان يانيس يني أول من وصل , فنظر باعجاب الى هيلين حين تعرف اليها , وأمسك بيدها أطول مما ينبغي .
فسأله ليون :
"ماذا تود ان تشرب ؟"
والتفت يني اليه , فلمح عبوس محياه , وهتف :
"أتغار يا ليون ؟ كلا , ليس مني !"
وجلس على مقعد مرتفع بجوار هيلين وقال :
"سأشرب رتسينا اذا سمحت ."
منتديات ليلاس
يغار ؟ وحدقت هيلين الى زوجها , وكان يرتدي حلة انيقة من التيل , ذات لون رمادي جذاب مشوب بالزرقة . قميصه الابيض يبرز سمرته , ولدهشتها وعجبها شعرت بلمسة فخر , فتصاعدت الحمرة الى وجنتيها عندما التفت ليون ورمقها بنظرة باردة .
يغار ؟ كيف تنشأ غيرة بدون حب ؟ وما لبث ليون ويانيس ان اندمجا في حديث عن العمل . وسرعان ماوافاهم صديقا ليون الانكليزيان إريك وستيفن . وفرحا ايضا بلقاء هيلين ... تبينت ان الانكليز ... برغم كثرة المقيمين منهم في الجزيرة – كانوا يتلهفون للقاء معارف جدد من انكلترا . وعندما علقت على هذا , قال إريك :
"هذا صحيح ... ومع هذا فنحن في كل مكان من الجزيرة ."
وقال ليون دون ضغينة :
"سرعان ما سيفوق الانكليز عدد القبارصة . الناس يغادرون بلادهم فراراً من الضرائب ."
والتفتت ستيفن الى هيلين مبتسماً وقال :
"هكذا يقتني زوجك وامثاله الثروات ."
وأضاف بأيجاز :
"الارض! "
الارض , ومصانع التعبئة . هل ليون واسع الثراء؟ وما اغرب ان تكون زوجة جاهلة تماماً بشؤون زوجها المالية . لم تكن لديها أقل فكرة عن دخله ."

Rehana 09-01-11 02:13 PM

وبعد العشاء انتقل الجميع الى ملهى ليلي – واخذ النعاس يغالب هيلين شيئاً فشيئاً , حتى باتت مستعدة لأن يحملها زوجها الى الغرفة حين دخلا الفندق في الثالثة صباحاً ."
بعد افطار متأخر خرجا الى الشاطىء مباشرة . وكانت الشمس حاره , فاقترح ليون ان يسبحا . ولدهشة هيلين لم تشعر بآثار سيئة نسبة الى الليلة الفائته , بل كان وجهها يتألق صحة وهي تسير الى جواره نحو الماء. وسبحا قليلاً , ثم اسلقيا تحت الشمس . وبعدما تناولا غذاءهما قال ليون :
"سأضطر لأن اتركك زهاء ساعتين فلدي عمل , ستكونين على الشاطىء اكثر راحة منك في السيارة الحارة ."
وسألت هيلين نفسها , وهي تتأمله بفضول : هل كان يجد هذا العمل مضجراً حقاً ؟ على انه لم يغب اكثر من ساعة ونصف الساعة , ثم فتحت عينيها فإذا به يقف في ثوب السباحة , طويلاً ,اسمر , وسيماً بدرجة تفوق التصور . منذ متى كان واقفاً يتأملها متفرساً ؟
استوت جالسة , يغشاها الحياء , وقالت :
"عدت مبكراً "
قال وهو يجلس باسطاً ساقيه الطويلتين :
"لو صدقت ماتراه عيناي لقلت أنك سعيدة ؟"
ومال على احد مرفقيه يحدق فيها قائلاً :
"هل انت سعيدة يا هيلين ؟ أم ترى لا يجوز لي ان أوجه ذلك السؤال ؟"
منتديات ليلاس
واستمرت ترسم بأصابعها صورة على الرمال . هل كان يريد ان تحفل به , هل كان يريد شيئاً يفوق العلاقة من جانب واحد ويتخطى ان يأخذ بنفسه ما كان يعتبره حقاً له , لكنها لم تمنحه شيئاً وما كان يحتمل ان يرضيه فتورها وهو المتأجج الهوى . وربما عجزه عن ترويضها كان يجرح كبرياءه . اذ علمت هيلين من ترودي ان الحب لدى اليونانيين عامة فن وهم يدركون انهم متفوقون فيه عن سواهم . قالت ترودي في خجل :
"الانكليزي ناشىء في هذا الفن , اذا قورن بهم . ولو قدر لليون ان ينكث بوعده , ستشعرين أنك في نعيم ! "
دفعت ذكرى هذه الكلمات الدماء الى وجه هيلين . واختار ليون هذه اللحظة بالذات ليرفع رأسها بلمسة رقيقة تحت ذقنها . ومن الغريب انها لم تقاوم حركته . وقال :
" لماذا يا هيلين الجميلة "
واضطرب شيء ما في كيانها ولكنها ابت ان تفسر هذه الهدنة التي التزماها , وكل منهما يوقن انها تتوقف في نهاية الرحلة ...... وتمتمت وهي تحاول ان تتبين ما في عينيه :
" كنت افكر في امر ما ."
فقال وفي صوته اصرار :
"مالذي كنت تفكرين فيه فجعل وجهك يحمر هكذا ؟"
هزت هيلين رأسها وهبطت يده على يدها , فأمسكها بأصرار حال دون تخطيطها العصبي على الرمال , وقال :
"الجو حار , انزلي الى الماء ؟"
ونهضت على الفور , بعدما ارتاحت لاقتراحه . وسارا الى حافة الماء يداً بيد كعاشقين . وانطلق ليون في الماء بعيداً , لكن هيلين بقيت قريبة من الشاطىء . وما لبثت ان طلعت فجلست على الرمال الدافئة , وعيناها تتابعان رأس ليون عن بعد . لوح لها بيده فلوحت له . كانت مثل هذه الزمالة جديدة عليها , لم تعرفها مع غريغوري – وعجبت – وهي تسترجع علاقتها بغريغوري – انهما لم يكونا متقاربين في الواقع . وما كانت تعتبره زواجاً سعيداً , كان في الواقع مجرد تعايش كثيراً ما وصفه الناس بأنه مريح . أما السعادة ؟ وتمثلت لها صور ترودي واشراقتها كلما ذكرت زوجها .
تمتمت هيلين لنفسها : وانقضى على زواجهما ست سنوات ! أجل , كانت حقيقة لا يمكن انكارها , كانت ترودي وتاسوس , متحابين اليوم بقدر ما كانا يوم زواجهما .
منتديات ليلاس

* * *
كانت ترسم على الرمال حين وصل ليون . فقال وهو يمسك بيدها :
"ألا ترسمين لي ؟"
قالت وهي تستجيب إذ جذبها فأوقفها :
"لست بارعة يا ليون ."
كانت قطرات الماء تتلألأ على جسمه الاسمر . والتمعت عيناه وهو يتأمل كل صغيرة في قوامها الممشوق , وألصق ذراعه بذراعها فجففت ساعدها وهي تضحك . وقال :
"بالنسبة الى رسمك هذا – أنا الذي سيحكم , هل هو جيد ام لا . عندما نعود الى بيتنا سترسمين لوحة ."

Rehana 09-01-11 02:15 PM

فقالت :
"كلا , اين ستضعها ؟"
فجاء رده ناعماً:
"سأعلقها في مكتبي ."
وشعرت بهزة سعادة . لم يكن لغريغوري رأي في انتاجها , بل كان يقول صراحة ان صورها ينقصها الشعور ..... ورفض ان تعرض شيئاً منها .
قالت منذرة :
"ربما يتغير رأيك حين تراها ."
فقال :
"لن اغير رأيي."
منتديات ليلاس
لماذا كان يريد لوحة لها معلقة حيث يستطيع رؤيتها باستمرار ؟ هل لتذكره بأنه يمتلكها ؟ وابعدت هذه الفكرة ,فمهما كانت عينا ليون , كان يبتسم بأخلاص صادق أعجبت به , فالناحية العاطفية من طبيعته شيء قائم بذاته , ادت قوتها الى نبذ النوايا الطيبة التي كانت لديه حين عول على الزواج منها .
وكان لنكثه بوعده , وعدم اكتراثه لمشاعرها , أسوأ الاثر على رأيها فيه . ومع ذلك كانت موقنة بأنه في جوهره رجل صالح , تستطيع ان تعتمد عليه وتركن اليه .
سارا ببطء الى حيث تركت هيلين منشفة الشاطىء , فالتقطها ليون وساعدها على ارتدائها, ثم ارتدى إزاره . ولم يكن على الشاطىء سوى افراد قلائل من الفندق , يستمتعون بالشمس . وتساءلت هيلين :
"أترى زوجها كان يعرف ان زوجين يشغلان مائدة قريبة من مائدتهما في الفندق , راحا يراقبان رعايته لها باهتمام ؟"
قال :
"ارفعي رأسك! "
فأطاعت ... واضطربت عيناها إزاء تألق الشمس . ومست أصابعه عنقها , ثم هز رأسه وابتسم لها في حنان وقال :
"لو لم يكن هناك من يراقبنا لقبلتك ! "
ذهبا في اليوم التالي الى لارنكا , وراحا يتمشيان على الشاطىء وتناولا بعض المرطبات في مقهى صغير تحت النخيل , ثم استقلا السيارة الى البحيرة المالحة الكبيرة , التي ترتادها الطيور الموسمية . واعجبت هيلين بهذه الطيور فقال ليون :
"من حظنا ان نراها , فسترحل قبل نهاية الشهر ."
وابتسم لها مضيفاً :
" كنت ادرك ان هذا المكان سيروق لك . والان , أتودين ان نتوغل في الجبال ؟"
وشاب صوتها شيء من الشغف وهي تقول :
"نعم يا ليون . هل نحن بعيدان عن ليفاكارا . أتمنى رؤية النساء تقمن بأعمالهن الحرفية وأود شراء بعض منتجاتهن , اذا أمكن ."
قال: منتديات ليلاس
"هذا ممكن طبعاً , لست مضطرة لأن تسأليني ياهيلين ."
وصلا الى قرية جبلية صغيرة , تصنع فيها منتجات , لاسيه ليفكاريتيكا ذات الشهرة العالمية . فاشترى ليون أغطية للموائد ومناشف ومناديل وثوباً مطرزاً بشكل فخم , مزين الصدر, والاكمام بأرق الدانتيل .
وشهقت هيلين إزاء ثمنه , وقالت :
"إنه باهظ ..... والابيض يناسبني ."
فتلفت ليون حوله قائلاً :
"حقاً , الابيض يلائمك ."
ودعتها صاحبة المتجر الى التجربة .... وهزت هيلين رأسها , لكن ليون ألح . كان الثوب مناسباً لها تماماً , وجميلاً , وحبست أنفاسها اذ رأت صورتها في المرآة , وهتفت :
"إنه جميل جداً .... ولكن الثمن غال جداً ."
فقال ليون :
"لاشيء يعتبر غالياً لك ياعزيزتي ."
ثم أردف بصوت خافت :
"ألم نقل أننا سنسعد ؟"
وعاد يقول :
"هل انت سعيدة ياهيلين ؟"
كانت في صوته رجفة , وراح يتأمل محياها متلهفاً في انتظار الجواب وارتعشت ابتسامة على شفتيها الجمليتين , وقالت بصوت خافت وبحة :
"نعم يا ليون ....إنني سعيدة ...."


نهاية الفصل الخامس

فتاة 86 09-01-11 10:56 PM

THANk YOU
I LOVE IT
I'LL WAIT FOR YOU
GOD BLESS

ام الاولاد الثلاثه 10-01-11 06:08 PM

الروايه حلوة جداااااااااا ومشوقه ...شكرآآآآ لك
وجااااااااارى الانتظار لتكملة القصة ...فأرجو الا ننتظر كثيرااااا
ودمتى بخير

فتاة 86 21-01-11 10:20 AM

ريحانة ريحانة ريحانة
يعطيكي العافية
بس طولتي علينا
نحنا متشوقين لمعرفة باقي أحداث الرواية
بليز كمليها

فتاة 86 21-01-11 10:21 AM

:8_4_134:
:flowers2::friends::flowers2:

فتاة 86 28-01-11 10:37 PM

ريحانة أرجوكي كمليها
كثير طولتي علينا هلمرة
نحنا عم نستناكي
بشوق

فتاة 86 28-01-11 10:38 PM

:flowers2::friends::flowers2:

abir_atieh 31-01-11 12:52 AM

slam wen altkmlh

فتاة 86 02-02-11 10:29 AM

ريحانة حبيبتي طولتي علينا نحنا عم نستنى
يعطيكي العافية

Rehana 05-02-11 06:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام الاولاد الثلاثه (المشاركة 2594831)
الروايه حلوة جداااااااااا ومشوقه ...شكرآآآآ لك
وجااااااااارى الانتظار لتكملة القصة ...فأرجو الا ننتظر كثيرااااا
ودمتى بخير

ام الاولاد الثلاثة .. الأحلى مرورك والعفووو يالغلا
دمتي بكل الوود

Rehana 05-02-11 06:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2624608)
ريحانة حبيبتي طولتي علينا نحنا عم نستنى
يعطيكي العافية

عزيزتي فتاة .. اولا بشكر كل رودودك وثانيا التأخير حصل بسبب ظروفي الصحية
هلا بنزل فصلين من الرواية لعيونك المتابعة لرواية
لك كل الووود:flowers2::friends:

Rehana 05-02-11 06:35 PM

6-الطاحون لوحة جميلة ...

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif



امتزج الربيع المسرع الخطى , مع الصيف على نحو غير ملحوظ , وتدفق الزائرون بالآلاف على المصايف الساحلية والجبلية . لكن البيت الابيض الجميل المتربع عالياً على السفح فوق لابيثوس , لو يتأثر . ولم تتمالك هيلين – وهي مضطجعة في مقعد من القماش في الحديقة – ان تقر بأنها محظوظة من نواح كثيرة . فكانت حياتها – حتى شهور قليلة مضت تتسم بوحشة الوحدة والكآبة وليس فيها مايرتجى سوى العمل لأعالة نفسها . ودار بذهنها ان القدر قام بحيل عجيبة . فلو لم تفكر بريندا فيها – حين علمت بمشروع ارسال تشيبي وفيونا الى عمهما ماكانت وضعت قدماً فوق هذه الجزيرة البديعة , ولما سنحت لها فرصة اتخاذها موطناً . مع ان الحياة تحتفظ بمشكلات لابد منها كزواجها من ليون بدافع رعاية الطفلين .
منتديات ليلاس
خففت الرحلة من توتر علاقتها الجديدة بليون ولم تستطع ان تنسى أنها – بالنسبة اليه – مجرد امرأة أخرى , وأنه عاشرها بدون حب , فلم تكن قادرة على أن تغفر له انتهاكه وعده المبدأي وتنهدت متذكرة أنه وافقها على أنه لا يوجد شيء كامل . ولقد انسابت وليون لنمط حياة محتمل . وعليها أن ترضى بهذا , فهذا افضل من السخط الذي كانت تعانيه – في البداية كلما اقترب ليون منها .
رفعت رأسها عندما أقبل ليون , واغتصبت ابتسامة , وقالت في أدب :
"كان يومك حافلاً بالعمل ؟"
فأجاب :
"الى حد كبير ...وأنت؟"
فقالت:
"أظنني أجنح الى الكسل . آرتيه تقوم بكل شيء ."
فوقف يتأملها وفي عينيه الداكنتين ابتسامة , ثم قال :
"اكتسبت سمرة فاتنة ياعزيزتي ."
منتديات ليلاس
كانت اطراءاته تصدر عفواً .... ومتباعدة ..... ليتها تصدر من القلب وعن صدق . لكنه كان يقدمها لنساء غيرها في الماضي وربما لسواها في المستقبل .
أحضر مقعداً وجلس أمامها . وقال :
"سنزور عمة لي هذا المساء , شكت لي هاتفياً أنها لم تقابلك ."
فسألته :
"عمة أخرى ؟ لم تذكرها لي مطلقاً ."
فقال بابتسامة واهنة :
"ما اكثر الاشياء التي لا يزال كل منا يجهلها عن الاخر ."
واكتفت بالايماء , فسألها :
"كيف يحدث ان الحديث الطبيعي صعب جداً بيننا يا هيلين ؟"
أدهشها السؤال , اذ بدا في احدى حالاته اللينة , اللطيفة , التي تبعث فيها شعوراً بالذنب لا تدري له سبباً . فقالت :
"لا أظن ان الحديث متعذر ."
فقال :
"قلت : الحديث الطبيعي . كان ينبغي ان أقول ان تبادل المعلومات الحميمة صعب بيننا ."
فقالت :
"أحسب أن هذا أمر مفهوم ... نظر للظروف ."
تحول ليون عنها , فضاقت عيناه اذ كانت الشمس تواجهه , وسرح بصره نحو السفوح المكسوة بالغابات والزرقة الشاسعة خلفها . ثم قال :
"لماذا تواصلين الشعور بالنفور مني ؟"
كانت كلماته تنطلق بصعوبة , وفي مرارة . وأردف :
"لقد حدث ما حدث "
فقالت : منتديات ليلاس
"ربما لا ينبغي ان نعود الى هذا يا ليون , تكلمنا من قبل , فكانت النتيجة دائماً توتراً بيننا . يجب ان نمضي في الحياة معاً , فلنحاول ان نجعلها تسير بسلام بقدر ما نستطيع ."
تحرك رأسه فتحول الشيب في سوالفه الى فضة , وسألها :
"أتستطيعين ترويض نفسك على هذا ..... الى الابد ؟"
واستدار نحوها قائلاً بصوت خافت :
"إننا لم نحاول , ألا ترين ان نحاول ....أن ......أن ؟"

Rehana 05-02-11 06:39 PM

فبادرت :
" هل تتوقع مني حباً ؟"
تسربت رنة المرارة الى صوتها , وغامت عيناها في تفكير مهموم فقال :
"كلا يا هيلين , لا أتوقع , ولكن , ما أرق ان أشعر بذراعيك حولي أحياناً ."
وسكت عندما رآها تجمد متصلبة , فاسترسل مسرعاً وكأنه يريد أن ينسيها لحظة الضعف الى حد الهوان :
"كلا , لا اتوقع منك حباً . إنك لا تريدين ان تمنحيه . أخبرتني من البداية انك لن تسمحي لانفعالاتك العاطفية بأن تورطك مرة أخرى .. بسبب ما فعله رجل غيري ."
منتديات ليلاس
وسمعت اصواتاً تتردد على سفح التل ... كان تشيبي وفيونا يلعبان مع اطفال القرية , لكن صراخ فيونا يزداد ارتفاعاً . قالت :
"قلت إنني لن اعرض نفسي لذلك النوع من آلام القلب ثانية ."
فقال :
"هل تعتقدين ان هذا المسلك معقول ؟"
قالت :
"لن اتيح لرجل آخر ان يؤذيني ثانية . لن أقع في الحب ثانية ."
فسألها :
"ومع ذلك تتوقعين الحب مني ؟"
فنظرت اليه بحدة , وقد حيرتها كلماته وقالت :
"لم اتوقع منك حباً يا ليون ."
احتدت نظراته واكفهر وجهه كبرياء ,وقال :
"إذن لماذا الامتعاض ؟"
وبدأت تفهم ما به , فقالت :
"إنك تعرف السبب – ليس لأنك تعاشرني بدون حب , وإنما لأنك تفعل فحسب ! "
فهز كتفيه بصبر نافذ وقال :
"إنك غير واقعية ولا منطقية ."
وقالت : منتديات ليلاس
" غير منطقية لأنني توقعت ان تلتزم بوعدك ؟ انت عرضت علي الزواج من اجل الطفلين , ووافقت ايماناً بأنك ستفي بوعدك . فلماذا عدلت ؟"
وتردد متروياً , قبل ان يقول :
"سأكون صريحاً جداً ياهيلين , ولن يروق لك هذا – أول ما رأيتك كنت خلوا من الزينة والتأنق , وليس فيك ما يثير انتباه أي رجل , فلم تطرأ ببالي الرغبة فيك ."
وسكت يتأمل الدماء تتصاعد الى وجنتيها , ثم استرسل :
"وبرغم انك قبلت ان تكوني زوجتي , لم تكوني – فيما يتعلق بمشاعري أكثر من خادم .... مربية للطفلين . ولكن سرعان ما بدأت اتبين ان خلوك من الزينة والاناقة كان متعمداً , وأخذت ارى انك قد تكونين ..."
فصاحت:
"مثيرة ! "
والتمعت عيناه بنذير خطر وقال :
"نعم , اذا كانت هذه هي الكلمة التي تودين استعمالها . كنت اتوق الى معرفتك على حقيقتك , فأبديت رغبتي في ان تحصلي على ملابس ."
فقالت: منتديات ليلاس
"كي أتأنق ارضاء لفضولك ؟ لأصبح دمية جميلة ؟"
وسكتت اذ رأت محياه .... كانت تعرف اهتياج غضبه .
ولكنه قال متهكماً :
"لكن تأنقت لشخص غيري – لذلك الانكليزي اللعين ! "
قالت :
"كلا ..."
فقال :
"بل فعلت ! "
فردت :
"ليكن .... رأيتني ووجدتني مثيرة . أهذا عذر لتنكث بوعدك ؟"
قال :
"هذا الوعد اصبح فكرة متسلطة عليك .... قلت لك إنك غير واقعية . هل تظنين اننا نستطيع ان نمضي هكذا اربعين سنة او اكثر ؟"
وفي تلك اللحظة اندفعت فيونا الى الحديقة , لاهثة توشك ان تبكي وهي تصيح :
"عمي ليون ! ...عمتي هيلين ... لا تدعاهم يمسكون بي ."

Rehana 05-02-11 06:45 PM

كان التغيير الذي ألم بليون أشبه بمعجزة , وحمل الطفلة وأجلسها على ركبتيه , وضم رأسها الى صدره , وأخذ يربت مواسياً , فبكت فيونا , وأخرج منديله , وهو يقول :
"يا الله , ما بالك ؟"
وأخذ يجفف دموعها , وازداد تشنجها عندما اقبل تشيبي لاهثاً , يتبعه ولدان , وهم يلوحون بعصي ويصرخون , ولكنهم وقفوا جامدين عندما شاهدوا فيونا على ركبة ليون , شحب وجه تشيبي , بينما راح ليون ينقل بصره بينه وبين زميليه , ثم استقر بصره على العصا التي في يد تشيبي وصاح :
"ما هذا الذي تفعله ؟"
وارتجفت هيلين نفسها للهجته , وتسارعت دقات قلبها . بينما قال تشيبي واجفاً :
"إننا نلعب لعبة السجن ."
قالت فيونا بين نهنهاتها :
" حبسوني في البيت التركي العتيق في الغابة ... وقالوا إنهم سيتركونني هناك الى الابد ."
منتديات ليلاس
فأسرع تشيبي قائلاً :
"لم نكن جادين , إنك تعلمين هذا ...."
فقال اندرياس وهو يرمق فيونا بازدراء :
"بل كنا جادين , إنها مجرد بنت ."
وقال اليكس وهو اكثر من صاحبه حصافة :
" لم نكن جادين , وما كنا سنتركها هناك . صدقني يا سيد بيترو ."
تفرس ليون في الغلامين , وقال بهدوء :
"انصرفا ... سأقول لأبويكما في الصباح ."
واطاع اندرياس متجهماً . اما اليكس فتلكأ مضطرباً , وقال :
"سيضربني ابي ."
قال ليون :
"كان ينبغي ان تفكر في هذا , البنات الصغيرات جديرات بالرعاية وليس بالمطاردة بالعصي ."
وابتعد الغلام بضع خطوات , ثم التفت قائلاً :
"آسف يافيونا ... لن اطاردك ثانية ."
وألقى نحو هيلين نظرة استعطاف , ثم انصرف . فاعتزمت هيلين ان تشفع له , عندما يصفو مزاج زوجها . وكانت فيونا مستمرة في بكائها فقالت :
" دعني آخذها يا ليون ."
منتديات ليلاس
وتركها لها وهي ترتجف , وعينا ليون قاسيتان , غاضبتان .
ونهض فأشار الى تشيبي ان يقترب , ثم امسك بذقنه , ورفع رأسه قائلاً :
"لابد من ايضاح كامل . ما معنى ان تسجن اختك في ذلك البيت ؟"
قالت هيلين في حيرة :
"كيف تحبسونها ؟"
كان البيت ظللاً خرباً , وخالياً لثلاثين عاماً , وليست له نوافذ ."
وقالت فيونا وهي تنتحب :
"اضطررت لتسلق الجدار , ومزقت ثوبي . ثم ركضت فتعقبوني ."
ما كان ثمة شك في فزعها . وامسك ليون بكتفي تشيبي يهزه قائلاً :
"أجب عن سؤالي فوراً ."
" كنا نلعب فحسب يا عمي ليون . اقترح اندرياس لعبة السجن , ولم يكن هناك من نحبسه سواها ."
قالت هيلين :
"مازلت لا ادري كيف سجونها .... ليس للبيت باب ."
فقالت فيونا :
"كنت في الجزء المخصص للبقر ."
منتديات ليلاس
وصاح ليون مرعداً , غير مكترث لقولهما :
"انني انتظر يا تشيبي , أريد معرفة ما حدث تماماً ."
قال تشيبي بصوت مرتجف :
"وضعناها في الداخل , وأغلقنا بوابة المدخل ."
وأمسكت هيلين بفيونا تهدئها , وهي تقول :
"أجل ...هناك بوابة ثقيلة , ولكنها صدئة ."
وشرع تشيبي في البكاء , فهمت هيلين بالتدخل , ولكن ليون صاح وقد برز فكه واسود حاجبه غضباً :
"دعي هذا الامر لي ."
وسأل تشيبي :
"كيف استطعتم اغلاق البوابة ؟"

Rehana 05-02-11 06:47 PM

فقال :
"دفعتها أنا واليكس , وغلام آخر هرب حين شرعت فيونا في الصراخ ."
فعاد يسأله :
"ماذا كان اندرياس يفعل ؟"
قالت فيونا وهي ترمق اخاها :
"كان يحرسني , وناشدت تشيبي ان يساعدني فأبى , ترك اندرياس يقف بعصاه ليمنع هروبي ."
فنظر تشيبي الى أخته قائلاً :
"كنت السجينة ولم تمانعي في البداية . لم تكن العصا لضربك , وانما كانت بمثابة البندقية . وقلت انك لا تمانعين ؟"
والتفتت اليه ودموعها تنساب على وجهها , قائلة :
"ما كنت اظنكم ستغلقون البوابة . قال اندرياس انها سحرية واذا اغلقت لن يستطيع احد فتحها ثانية , ولن اخرج من هناك ."
كاد فزعها ينقلب الى انفعال هستيري , فأشار ليون على هيلين بأن تدخل معها , وتعطيها دواءاً منوماً .
تطلعت هيلين الى زوجها في توسل , وان كانت مضطرة الى الاقرار بأن تشيبي جدير بالعقاب . فقال ليون وهو يأخذ العصا من تشيبي : منتديات ليلاس
"أعتقد ان إذقته هذه العصا على ساقيه لن يؤذيه ."
فصاحت بوجه شاحب , وهي تهز رأسها :
"كلا يا ليون ! سيتذكر هذا طيلة عمره , وسيظل دائماً حاقداً ."
كانت لكلماتها تأثير عجيب على ليون . فحدق فيها والحيرة في عينيه ثم قال وكأنما نسي وجود الطفلين :
"كأنك قلقة عليّ وليس على الطفل ."
قالت وعيناها لا تحيدان عن وجهه :
"نعم .... أرجوك يا ليون ! "
وعاد يسألها :
"أتزعجك فكرة ان يبغضني ؟"
أجابت :
"نعم ... إنه يكن لك اعجاباً واحترماً كبيرين , ولا أريد ان يتغير رأيه فيك ."
هز رأسه – وأطلق زفرة وهو يقول :
"إنك عجيبة يا هيلين .... لا أستطيع ان افهمك ."
والتقت نظراتهما , فسرى في عينيه تعبير غريب , هل قرأ افكارها ؟ هل ادرك انها لا تفهم نفسها ؟ أخيراً قال :
"لا داعي للخوف لن أضربه ."
منتديات ليلاس
استعرضت هيلين ما حدث , وهي تجلس بجوار سرير فيونا , تنتظر استسلامها للنوم . تذكرت كيف اجلس ليون الصغيرة على ركبته يهدئها في رفق ويجفف دمعها . وقوله لأليكس بأن البنات جديرات بالرعاية . وانتهت الى ان ليون مزدوج الشخصية : فظ وحنون , متغطرس ومتواضع , متوسل ومسيطر .
أي الحالات كان ليون الحقيقي ؟ وهزت كتفيها , وقطبت حاجبيها . لماذا تحفل بمعرفة حقيقته ؟ لا جدوى من الانكار إنها لا تستطيع ان تظل بلا شعور نحو زوجها .
تمتمت فيونا وهي تحاول مقاومة النعاس :
"هل سيغضب من تشيبي ؟ لابد ان يعاقبه ؟"
فقالت هيلين :
"اغمضي عينيك يا عزيزتي . يؤسفني أنه لابد من عقابه ."
فعادت تسألها :
"ألا تستطيعين ان تقولي لعمي ألا يعاقبه ؟"
فقالت هيلين :
"سيفعل عمك ما يراه صواباً ."
وصمتت فيونا , واستسلمت الى النوم رويداً رويداً , فتسللت هيلين بهدوء وكان ليون وحيداً في الشرفة , فذهبت اليه .
وسألته : منتديات ليلاس
"اين تشيبي ؟"
" في غرفته . وعليه ان يلزمها كل يوم لدى عودته من المدرسة ."
قالت :
"الى متى ؟"
فأجاب :
"حتى اقرر أنه استوعب الدرس ."
ونهض وأعطاها مقعده , وأحضر لنفسه غيره , وقال :
"لست افهم هذا الولد . من اين له هذه الافكار ؟"
قالت :
"الواضح ان صبية القرية لا يقمن للاناث وزناً . انهم يقتدون بآبأئهم ولا شك ."

Rehana 05-02-11 06:49 PM

قال في فتور :
" هل كان تعليقك هذا ضرورياً ؟"
فنكست رأسها , ثم نهضت لتساعد آرتيه في اعداد العشاء .... ولكنه ناداها متسائلاً :
"اللوحة ؟ هل بدأتها ام لا ؟"
فقالت :
"مجرد بداية . لا تستطيع ان تراها حتى ...."
ولكنه أصر على ان يراها . فأحضرتها بخجل وقالت محرجه , وقد اشاحت ببصرها :
"لست رسامة جيدة يا ليون ..... قلت لك هذا ."
وراحت تتأمل المرتفع المكسو بالأشجار , الذي ألف السياج الخارجي للحديقة .... فقال بصوت خافت ولهجة مثقلة بالفضول :
"ما الذي أوحى اليك برسم الطاحونة القديمة ؟"
منتديات ليلاس
واستدارت مطلة عليه من وقفتها , وهو ينشر اللوحة بين يديه يتأملها بامعان :
" إنها تجذبني على نحو غريب , فهي في بقعة فاتنة , والماء ينبثق من جانب التل! "
لم يعد يصغي اليها , وفي عينيه تعبير نصف حالم , ونصف حزين . بدا وحيداً بدرجة أليمة , وأمسكت هيلين أنفاسها لسبب لا تفسير له . كان زوجها في احدى حالاته التي يبدو فيها كطفل , فشعرت برغبة لا تقاوم في أن تحيطه بذراعيها .وشعرت بدبيب غريب في قلبها . منذ فترة وجيزة , قال وفي صوته رنة أسى , بأنه يود ان يشعر بذراعيها حوله احياناً , فتصلب جسمها , ولم تحاول اخفاء مشاعرها , لم يكن السبب نفوراً أو عزوفاً , إذن , فماذا ؟ وأدركت فجأة أنه ما كان متصلباً , وإنما اختلاجة ترفع وكبرياء لمجرد ستر شعور الندم الذي كان يخالجها كلما دار هذا الجدل بينها وبين ليون .
وأبرقت عيناها استنكاراً , لماذا تشعر بالذنب ؟ كان هو الملوم في كل شيء , وهو الذي يجب ان يزعج الندم راحته .
وقال وهو لا يزال غارقاً في افكاره :
"كان هذا بيت جدي , كان زاخراً بالاحفاد , لكننا تفرقنا , عندما غادر كثيرون الجزيرة بحثاً عن عمل في مكان آخر – كنا نجتمع قرب الطاحون في عيدي الميلاد والفصح . وفي كل عيد وعطلة .... والواقع ..."
وسكت قليلا , ثم قال :
"إن الطاحون ملكي , خطر لي أنك اهتديت اليها ."
اجابت قائلة :
"اكتشفتها مصادفة , وانا اتنزه مع الطفلين . كنا نهيم في هذا الدرب الصخري , وفجأة وجدناها : صورة جميلة , والماء يتلألأ تحت الشمس في انحداره على الصخور ."
قال والاعجاب في ابتسامته :
"ابدعت في رسمها ."
منتديات ليلاس
واشتد احمرار وجه هيلين وغامت عينا ليون , وهبطا جفناه فأخفيا مافيهما من تعبير . أتراها اخطأت الحكم عليه ؟ كانت تتصور كلما تأملها في نظراته اشتهاء . وقالت اخيراً :
"من المحزن انها خربة , تكسوها الحشائش , الا يمكن عمل شيء لأصلاحها ."
فقال : منتديات ليلاس
"الواقع انني انوي بيعها . ومن الغريب ان تختاريها بالذات لترسميها فأن فيل كان يقول – في الفترة الاخيرة – ان علينا الاحتفاظ بصورة لها على حالها , قبل ان يضيع طابعها في التجديد . والرجل الذي يشتريها ممول ثري من ابناء بلادك , أعتقد انه يعتزم ابقاء الكثير منها , لكنه سيجري طبعاً تعديلات كثيرة على المكان ."
أفعمت عيناها بالأسف . وخطر لها انها غريبة الاطوار , فالتجديدات من هذا القبيل – تحزنها دائماً . وقال ليون :
"إنني واثق بأنه سيحولها الى مكان جميل . من الافضل كثيراً اتاحة الانتفاع لشخص ما , لا بالمكان وحده , بل بالمنظر الطبيعي . فهو من احسن مناظر لابيتوس ."
قالت وهي تفكر وفي عينيها وميض رقيق :
" نعم .... البحر والجبال .... ماذا يبتغي المرء أكثر من هذا ؟"
وتنهدت بعمق , ونظرت نحوه . كانت عيناه تكنان أسى , ولكن صوته اكتسب رقة وهو يقول :
"سأعجب برسمك يا عزيزتي . كنت واثقاً من هذا ! "
وتلقت كلامه بابتهاج لأنه لم يستأ من رسمها .

Rehana 05-02-11 06:50 PM

كانت عمة ليون كريسولا تقيم في بيت فسيح من الطراز اليوناني اقامه والدها قبل ستين عاماً,حين بلغ عدد اطفاله ستة عشر, مات بعضهم وتزوج الباقون او اقاموا في اماكن اخرى.
قالت مزمجرة, وهي تفتح الباب, وتفحص هيلين من الرأس الي القدم قبل ان تنحنى لتدعها وليون يدخلان:
"بدأت اشعر بأنني مصابة بالطاعون , اوشي من هذا ."
واكتفى ليون بالضحك- فلما دخلت زوجته, استدار يقدمها ,فهزت العمة كتفيها وقالت:
"انكليزيه؟ لاباس, احسبك تعرف ماتفعل."
قال في استهزاء لم تفطن عليه العجوز:
"تم الامر ياعمتي كريسولا."
وتصاعد الدم خفيفاً الي وجنتي هيلين. وامسك بذراعيها فقادها برفق الى غرفة الجلوس في اثر عمته, وهو يقول :
" حان الوقت لنحاول التخلص من هذا البيت العتيق"
قالت:
"ربما يحسن ان اموت هنا... اجلسا على الاريكه ... ازيحي القطط ياهلين, فهي تظن انها مالكة المكان."
فابتسم ليون وقدم لزوجته المقعد الذي بدا نظيفاً, وقال لعمته التي ذهبت الى المطبخ:
" لماذا كل هذه القطط"
قالت: منتديات ليلاس
"انها ضالة مشردة في كل مكان, وكذلك الكلاب, ولكني لا ستطيع ايواءها, فهي تنبح وانا عجوز لا اطيق الصخب."
كانت انكليزيتها بعيدة عن الكمال, ولكنها مفهومة. واخذت هيلين تجيل البصر فيما حولها ماخوذة, فقال ليون :
" انتظري حتي تطوف بك خلال البيت."
كانت الغرفة اشبه بمخزن كبير للغلال, رصفت ارضها بالحجاره ودعمت سقفها الواح خشبية نخرها السوس . وكانت هناك طيور محنطة جاثمة على فروع اشجار او اقفاص او في اوعية زجاجية, وتبدو كأن العثة دبت في ريشها منذ سنوات. تحت الزجاج اشياء للزينة والزخارف من كعكات الاعراس.
وعلى الجدران المكسوة بالخشب عشرات الصور لأعضاء اسرة كريسولا, فيما بدا. بينما شغلت القطط كافة المقاعد . واستلقى بعضها على السجاده قرب المدفأه الخالية.
منتديات ليلاس
بعد قليل عادت العمة كريسولا تحمل صينية عليها ثلاث اكواب ماء, وثلاث اكواب زجاجية احتوى كل منها شيئاً اسود غريب الشكل بحجم البيضة الصغيرة, في نهاية شوكة فضية طويلة , وانساب منها سائل سكري اسود سميك وتأملتها هيلين في ارتياب , واحست بغثيان ولكن بايماءة حازمة من رأس ليون انبأتها بانها لاينبغي ان ترفض .
لم يكن لدى هيلين فكرة عن كنهه, بينما ليون يتبادل هو وعمته حديثاً باليونانيه. ثم قطبت العمة جبينها وقالت:
" كلا ......ليس جوزاً "
والتفتت الى هيلين قائلة:
"تفضلي ياابنتي."
تناولت هيلين صحناً, لكن ليون اخذه منها واعاده الى الصينية وقال:
"امسكي كوب الماء . والآن ارفعي الشوكة واغمسي ال...."
وقطب جبينه , وعاد يسأل عمته باليونانية ثم قال :
"آه, جوز برازيلي."
وحدقت هيلين غير مصدقة, بينما قال:
" اغمسي الجوزة....كلما قضمت منها."
غصبت نفسها على تعود مأكولات الجزيرة , ولكنها لم تواجه شيء يدعو للنفور كهذا وقالت:
" انه اللون .....الا بد لي من تناوله؟"
فقال:" تذويقه."
وفعلت كما قال , ثم هتفت: منتديات ليلاس
" اوه ... انه لذيذ!"
وعجب لاعجابها الذي ارضاه. وتذوق بدوره , واخذ يستمرئ المذاق مهنئاً عمته لابداعها في صنع الحلوى . وارادت هيلين معرفة سبب غمسها في الماء فقال:
"انها الطريقة الصريحة لتناول هذا الجوز , فالشراب السكري ينساب منها- وانت تزيليه في الماء."
قالت :
" ولكن هذا الجوز البرازيلي كبير."
فقال:
"انه يتضخم نتيجة طريقة الاعداد ."

Rehana 05-02-11 06:52 PM

بعد الحلوى جاء المشروب المرطب , ثم قالت العمة كريسولا :
"سأريك البيت !"
فرمق ليون زوجته مبتسماً , وقال :
"لن تصدقي أنك في بيت , انه واسع وبجانب اتساعه , كان في حال مذهل من البلى ."
كان هناك المزيد من الطيور والحيوانات المحنطة , المثقلة بالغبار . وفي كل مكان ايقونات امام كثير منها اضواء حمراء دقيقة , من مصابيح كهربائية صغيرة , تتدلى اسلاكها على الارض , وتتشابك . فهمس ليون :
"هذه اصلية تساوي ثروة ."
منتديات ليلاس
فنظرت عمته اليه وسألته باليونانية , فقال :
"إنني اخبر هيلين بأن ايقوناتك ثمينة للغاية ."
قالت وقد توقفت لتحرك النور الى وسط احدى الصور :
"لاشيء زائفاً هنا , إنها عتيقة جداً ."
وتوقفت مرة اخرى لتعدل رسماً مئلا للقديس نيقولا , وأردفت :
"إنني أقبلها جميعاً كل مساء ."
وحدقت هيلين بدهشة , فأردفت وهي تتقدمها الى غرفة نوم أخرى :
"كل واحدة منها ."
ولم تعد هيلين تتذكر عدد الغرف , وتعجبت ان تحتمل عجوز مثلها الاقامة في بيت كهذا . وهمست لليون :
"إنني اموت فزعاً ."
فقال :
"عاشت كل حياتها في هذا البيت فألفته ."
" لكنها وحيدة .... وهذه الايقونات ثمينة . وقد تتعرض لعدوان ."
"عدوان ! هذا العنف لا يحدث عندنا . إنه نادر جداً جداً . هذا هو الفارق بين القناعة والجشع. الناس هنا قانعون , واعتقد ان لهذا علاقة بالمناخ . فالشمس المشرقة تبعث السعادة ."
منتديات ليلاس
كان هو نفسه يبدو قانعاً , سعيداً ولكن في مسلكه شيئاً من الرغبة أثار فيها الندم مرة اخرى . وفي الوقت ذاته , احست في داخليتها بفراغ لاتدري مصدره , ولم تستطع كبح رجفة البرودة , فشعرت بأصابعه على كتفها تتحرك مطمئنة , ثم جذبها اليه . كانت لمساته رقيقة , أتراه يكن لها بعض الوجد ؟
وابتعلت ريقها , متخلصة من توتر الجيشان العاطفي . هل تستطيع من ناحيتها ان تكن له حباً ؟ وتذكرت غريغوري وكيف خذلها وهي مطمئنة اليه بثقة عمياء .... كلا , لن تسمح لنفسها بحب رجل مرة أخرى . أقسمت ألا تثق برجل آخر , حتى لا تتعرض لجرح مشاعرها وللخداع .
قالت العمة كريسولا :
"كان بيتاً بديعاً , ولكنه الان مهمل , فلست استطيع العناية به كما اعتدت . ربما من الواجب ان ابيعه , ولكني لا اتصور ان انتقل منه في هذه السن ."
فقال ليون :
"دعيني ابيعه لحسابك ."
فسألته :
"أتستطيع الحصول على ثمن جيد ؟"
فقال : منتديات ليلاس
"جداً , فموقعه مثالي ."
والتفت الى هيلين قائلاً :
"يجب ان نأتي مرة اخرى في النهار . فللعمة كريسولا هنا حدائق بديعة , فيها كل انواع الاشجار والزهور ."
قالت العجوز :
"الحدائق.... أجل , ومناظر طبيعية بديعة كذلك ."
وكانت تشير بأصابعها الى النوافذ , فابتسمت هيلين اذ تصورت ان , مصاريعها الخشيبية لم تفتح يوماً . وقال ليون وهم يعودون الى غرفة الجلوس :
"هل ستفكرين في بيع البيت ؟سأعثر لك على بيت صغير تسهل عليك العناية به ."
فسألته :
"أيكون رخيصاً ؟"
فضحك قائلاً :
"إنك كالجميع , تريدين ثمناً عالياً لبيتك , وتأملين الشراء بثمن رخيص ! "
والتفتت الى هيلين قائلاً :
"هكذا الامر تماماً , كلما جئت , تفكر العمة كريسولا في بيع البيت ثم تغير رأيها دائماً ."
فقالت العجوز :
"القطط هي السبب .... ماذا افعل بها ؟"

Rehana 05-02-11 06:54 PM

قال ليون :
"كثيراً ما قلت لك ما تفعلين ."
فصاحت عمته :
"إنك قاس , بلا قلب . ألا تجدينه كذلك ياهيلين ؟"
فاحمر وجهها ولاذت بالصمت . فقال :
"ألا تردين على العمة كريسولا ؟"
قالت عمته :
"لا داعي , فأنا متأكدة أنك تضايق المسكينة بدرجة مخجلة ."
منتديات ليلاس
ووضعت احدى القطط على ركبتها وقالت :
"ما رأيك في بيت ليون ؟"
فهتفت متحمسة :
"إنني أحبه ... لم أر في حياتي بيتاً مثله ."
تجاذبوا الحديث لفترة ثم قال ليون لعمته :
"آرتيه لا تحب العودة متأخرة , فيجب ان نذهب . ما رأيك ان تزورينا ؟"
" يسعدني هذا لأنني لم أر الطفلين , ولكن عليك ان تأتي لتصطحبني فما عدت قادرة على المشي ."
اتفقوا على ان يوافيها يوم الاحد التالي , فتتناول الغداء , ثم يقلها ليون في الاصيل ليعيدها الى بيتها . وقال ليون وهو يقود السيارة :
"أعتقد انني اعرف شخصاً لديه بيت يلائم العمة كريسولا . إنني مسرور لأنها فكرت اخيراً في بيع ذلك البيت العتيق ."
قالت هيلين :
"إنه كبير للغاية بالنسبة اليها , انها تشغل غرفتين او ثلاثة , والغرف الاخرى عارية وباردة ... فتصور ! "


نهاية الفصل السادس

Rehana 05-02-11 06:57 PM

7- زيارة العمة كريسولا ...




http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif

كانت هيلين مستغرقة في عملها حتى أنها لم تفطن الى ان هناك من يراقبها الى ان سمعت صوت زوجها خلفها , وقد ارتفع على خرير الماء النازل في البركة المجاورة للطاحون . والتفتت محرجة , فإذا به يقول وعيناه مسلطتان باعجاب على اللوحة :
"هل أوشكت على الفراغ ؟ ما أسرعك! "
فابتسمت متراجعة تتأمل عملها من مسافة وقالت :
"إنه التشجيع . كيف عرفت انني هنا ؟
فأجاب :
"اخبرتني آرتيه ."
قالت :
"عدت مبكراً ."
قال :
"أخذ الحر يشتد في المكتب ."
لم تكن فترة بعد الظهر شديدة الحرارة . كان هذا اليوم الثالث على التوالي يعود فيه مبكراً .هل كان يريد ان يكون معها . وأسرعت تستبعد الفكرة وتولي الرسم كل اهتمامها .
وقال : منتديات ليلاس
"التشجيع ؟ كأنك لم تتلقي تشجيعاً من قبل ."
ولم تجب , فأدراها لتواجهه , وقال :
"هل هذا هو السبب في انك لم ترسمي من قبل ؟ لم يكن لديك ما ترينني عندما طلبت رؤية بعض انتاجك ؟"
وأومأت برأسها , ولكنها لم تجب . كان غريغوري يستخف بعملها . ففقدت الثقة بنفسها . ولم تشأ ان تخبر ليون بذلك , ولكنها قالت تحت الحاحه :
" لم يكن غريغوري يعجب بأسلوبي . لم يكن يظن ان احداً , يشتري ما ارسم ."
سألها :
"هل كنت تودين بيعه ؟"

Rehana 05-02-11 07:00 PM

فتروت ثم قالت :
"ليس للنقود , ولكن من اللطيف ان تفكر في ان هناك من يشتريه . قال فيل ان الفنان لا ينظر الى المال قدر نظره الى الارضاء , والارضاء لا يأتي إلا بتقدير اعمالك ."
وأخلد للتفكير برهة , وقال :
"هذا صحيح سيقيم فنانون محليون معرضاً لأعمالهم في نيقوسيا , وسأدخل لوحتك فيه ."
وأبرقت عيناها الزرقاوان , لكن البريق خفت بعد لحظة , وقالت واليأس يزحف الى صوتها :
"لن تكون جيدة بدرجة كافية يا ليون ."
قال والثقة في صوته , وبريق الزهو في عينيه :
"قلت لك من قبل ان الحكم في هذا لي."
فبادرت قائلة :
"إنه كرم منك ان تشجعني , وإنني انا اشكرك لذلك ."
منتديات ليلاس
كان بوسع الكلمات ان تنقل مدى عمق تقديرها ؟ كانت دائماً تشعر برغبة قوية في الرسم . ولكن غريغوري اقنعها بأنها لا تجيده , مما جعلها تتراجع . وهاهي تبدأ ثانية في ممارسة هوايتها , لتستمد متعة فيها . ومن أي مديح من زوجها . كان صوته خافتاً , حنوناً , فطغت عليها السعادة . مالذي كان يجري ؟ تساءلت منذ ايام ... هل من الممكن ان تهتم به ؟ وها هي تناضل لتمنع نفسها من ان تهتم به , لكن بدون جدوى . إن نكث ليون بوعده وقسوته ليلة خرجت مع روبرت , والتباعد بينهما , كل هذا بهت خلال تلك الايام القلائل .وأصبح المهم ان ليون ينظر اليها هذه النظرة ويكلمها بهذه النعومة , ويلمسها بهذه الرقة .
قالت وهي تحس بحرارة يديه على ذراعيها :
"يجب ان نعود , فلابد ان الطفلين عادا من المدرسة ."
قال :
"آرتيه هناك ."
وتناول منها اللوحة , ورفعها . وشعرت هيلين ثانية بالسعادة الفاترة . وماهي الا دقائق حتى كانا في البيت .
كانت فيونا في الحديقة مع الكلب , أما تشيبي فكان لا يزال معاقباً , فقالت هيلين في رجاء :
"أليس لتشيبي ان يترك غرفته ؟ مرت ثلاثة أيام . انه يعرف الان خطأه , ولا شك انه سيعنى بفيونا في المستقبل ."
وأدهشها ان ليون استجاب لرجائها , رغم انه ألقى على تشيبي محاضرة عندما جاء الى الحديقة . وقال ليون وهو يلاحظه أثناء لعبه مع فيونا في الاصيل :
"أظن انك على صواب , لن يفعل شيء كهذا مرة اخرى ."
ما لبث الطفلان ان انطلقا الى التلال , وساد صمت لا يتخلله سوى حفيف النخيل . واستلقت هيلين في مقعدها , واختلست نظرة الى زوجها , كانت عيناه مغمضتين , وبدا مستغرقاً في سلام عميق , وان كانت شفتاه تتحركان برفق من آن لآخر .
منتديات ليلاس
ترى ماذا كانت افكاره واحاسيسه ؟ خالت في البداية ان انفعالاته العاطفية غير عميقة , ولكنها أخيراً أخذت ترتاب في ذلك . وراحت تتصور المستقبل وقد أدركت الان ان قلبها خفق له . لو أنه اهتم بها حقاً , لشعرت بسعادة تفوق كل ما عرفت . ولو ان ماسمعته عن طبيعة القبارصة كان صدقاً , لكانت في موقف متأجج , لانه لن يلبث ان يسأمها .
سمعا ضحكات بعض الاطفال في الغابة , فغام جبين ليون , وأرهف أذنيه , وقال :
"إنهما مع صبية القرية , ويبدو انهم في البيت التركي القديم ."
ونهض عن مقعده قائلاً :
"تعالي نذهب فنتبين ما يجري ."
كان قلقه على فيونا صادقاً جداً . فتذكرت هيلين ما اكدته بريندا من عدم حبه للأطفال . قد يكون حازماً وشديداً , ولكن عدم حبه للاطفال أبعد ما يكون عن الحقيقة .
كانت فيونا وتشيبي وأليكس واندرياس , كما توقع وكان تشيبي أول من رآهما فأقبل مسرعاً وهو يقول :
"إننا لا نلعب لعبة السجن , وانما لعبة الهنود الحمر ."
وجرت فيونا الى عمها , واحاطت ساقيه بذراعيها , وقالت متطلعة الى هيلين :
"إنني أحبه كثيراً ."
والتفتت هيلين ببطء , فاذا ليون يطل بحنان على الوجه الصغير الحافل بالمشاعر . ثم رفع رأسه , ونظر الى هيلين وسمعته يتمتم :
"ما ألطف ان اشعر بذراعيك حولي احياناً ."
وتلاقت نظراتهما , فاختفت آخر شكوكها . كان يهتم بها , ولن يخذلها .

Rehana 05-02-11 07:01 PM

قال بعد فترة , وهو يفحص وهيلين الشقوق الغائرة في المبنى :
"أظنني سأضطر الى هدم هذا المكان , فهو غير مأمون وليس فيه أي جمال ! "
فسألته بدهشة :
"أهو ملكك ؟"
وأومأ قائلاً :
"مما ورثته ."
وعادا مع الطفلين سيراً على الاقدام الى البيت .

منتديات ليلاس
** **

كان هيلين وليون يتناولان العشاء بعدما لاذ الطفلان بفراشيهما حين عاد ليون الى موضوع الاجازة , قائلاً :
"اذا ذهبنا الى بافوس نستطيع زيارة أمي ....ولا نستطيع الاقامة لأن بيتها لا يتسع وربما اتفقد تلك الارض التي افكر في شرائها ."
وتحمست هيلين للفكرة , فقررا ان يقوما بالرحلة بعد ثلاثة اسابيع حين يكون الطفلان في عطلة مدرسية ."
فقالت هيلين :
"يجب ان اشتري بعض الاشياء الجديدة للطفلين , في زيارتي التالية لترودي ."
في تلك الاثناء زارتها العمة كريسولا . وارتدت هيلين – استعداداً للمناسبة – الثوب الذي اشتراه ليون . واذ أقبلت من غرفة النوم الى غرفة الجلوس , شعرت بخجل لم تدر مصدره عندما لاحظت تغير قسماته ... فقد حدق فيها بأعجاب صامت قبل ان يقول :
"زوجتي الجميلة ! هل اجرؤ على ضم حسناء كهذه ؟"
فتقدمت منه , وأحاطته , وبعد عشر دقائق قال :
"يجب ان اذهب وأحضر العمة كريسولا , لن اغيب طويلاً ."
وما أن وصل مع العجوز , حتى وصلت سيارة اخرى هبطت منها آسمينا وفاسيليوس . ورمق ليون زوجته متسائلاً , وهو يحييهما قائلاً :
" هل تبقيان معنا للغداء ؟"
قالت آسمينا وهي تبتسم لفيونا إذ اقبلت عليها :
" كلا يا ليون , إنما جئنا في نزهة قصيرة ."
فقالت هيلين :
"يجب ان تبقيا . فالعمة كريسولا هنا ."
فهتفت آسمينا :
"هنا ؟ هل استطعتما ان تخرجاها من بيتها ؟ إنها ترفض الدعوات دائماً ."
ونظرت الى زوجها وقد استند الى السيارة يداعب مسبحته . وعبست هيلين على الرغم منها , فلاحظ زوجها ذلك . ولمعت عيناه بابتسامة .
منتديات ليلاس
كان الطفلان يخجلان من العمة كرسولا – في البداية – والواقع انهما كانا يخشيانها , إذ كانت مجللة بالسواد من رأسها حتى قدمها وكان وجهها متغضنا , ويداها نحيلتين معروقتين . لم تتزوج ابداً , فتوقعت هيلين ان تضيق بالطفلين , ولكن ما حدث كان عكس ذلك , وبدأ تشيبي وفيونا يثرثران معها , وهي تستمتع بذلك .
بعد الغداء , قدمت القهوة في غرفة الجلوس . وكان ليون قد اغلق مصاريع النوافذ , فنظرت اليه هيلين بدهشة , وقالت :
"ألا نترك المصاريع مفتوحة ؟ من غير المقول ان نجلس في نور صناعي بدون سبب ."
فقال :
"لندعها مغلقة حالياً يا حبيبتي , حتى تشعر العمة كريسولا بأنها في بيتها ."
وتدافع الدم الى محياها لنداء الاعزاز الذي لم تتعوده منه .

** ** **

لاحظت ترودي التغير الذي طرأ على هيلين حين زارتها , فقالت :
"ماذا جرى لك ؟"
وأردفت مداعبة , وهي تضحك :
"إنني لا اكاد اعرفك , كيف حدث هذا , بعد كل اصرارك على الا تقعي في الحب ؟"

Rehana 05-02-11 07:05 PM

فضحكتا معا . وقالت هيلين , وهما في المطبخ تتناولان وجبة خفيفة :
"طلب ليون ان ادعوكما لزيارتنا . نريد ان تأتيا الى العشاء , ولكننا سنرحل بعد ايام , فلنحدد الموعد بعد عودتنا ."
سألتها ترودي :
"أهو شهر عسل ؟"
فسرحت هيلين بصرها على الطريق وهي تتذكر الايام التي قضتها مع ليون في فاماغوستا , ثم قالت :
"كلا , سيصحبنا الطفلان ."
فوجمت ترودي وقالت :
" هل أنتما مقيدان بالطفلين ؟"
فبادرت هيلين قائلة :
"إنني أحبهما .... كلانا نحبهما , حرما الكثير , ولكننا نعوضهما الان ."
ذهبا بعد شراء ما أرادت هيلين الى مقهاهما المفضل . وبرغم النظرات المتطفلة المألوفة , تناولتا المرطبات . وكانت الساعة لم تتجاوز الرابعة عندما غادرتا المقهى . فقررت هيلين ألا تعود الى مسكن ترودي انتظاراً لثيو , وأن تذهب الى مكتب زوجها . ومرتا في طريقهما الى موقف الحافلات بمتاجر الهدايا , وعندما تأملت هيلين احدى نوافذها , هتفت في دهشة :
"احدى لوحات روبرت . ألاترينها جيدة ؟"
فقالت ترودي : منتديات ليلاس
"بلى ..... نسيت أن أسألك , كيف قوبلت لوحتك ؟"
واحمر وجه هيلين وهي تخبرها أنها قوبلت باستحسان , وطلب منها ان ترسم منظرين على جدارين في احدى الفيلات الجديدة التي أقامها أحد الانكليز وأضافت :
"وهو معجب أيضا بانتاج روبرت , ولذلك سوف يزين جدران غرفة الطعام ."
قالت ترودي :
"في البيت ذاته ؟"
فأومأت هيلين برأسها . وعقبت صديقتها :
"كيف تلقى ليون الفكرة ؟"
قالت :
" إنه مسرور من اجلي , فهو يدرك انني استمتع بالرسم ."
وعادت ترودي تسألها :
"أين لوحتك الان ؟"
قالت وفي صوتها وعينيها سرور , اجتذب الابتسام الى شفتي صديقتها :
"أخذها ليون الى مكتبه وأتوقع ان يكون قد علقها ."
فعقبت ترودي : منتديات ليلاس
"لابد أنه يحبك , اذ يريد لوحتك أمامه طيلة النهار ."
كانت المسافة الى المكتب قصيرة . عندما دخلت هيلين , نظر زوجها الى الساعة , وقال :
"هل حدث شيء . كان ثيو يتهيأ للذهاب اليك بعد حوالي نصف ساعة ."
فقالت وهي تضع الرزم على مقعد , وتستقر في آخر :
"رأيت ان آتي بعدما فرغنا من التسوق ."
فابتسم وهو يضغط الجرس على مكتبه :
"سأطلب لك شراباً , إذ تلوحين متأثرة بالحر . لماذا حملت كل هذه الرزم ؟"
قالت وهي تلتفت حولها :
"إنها ليست ثقيلة ."
لم يعلق ليون لوحتها , ترى أين هي ؟ وجاء ثيو بالقهوة لليون , وشراب البرتقال لهيلين , فقال ليون وهو يلقي نظرة على الاوراق التي امامه :
"أكاد أنتهي من عملي الان ...."
هل تذكر له الرسم ؟ كلا , شعرت ان هذا ليس من الصواب .
وقالت بدلاً من ذلك :
" لاداعي لأن تترك عملك , فلست أمانع في الانتظار ."
ولكنه قال, وهو يجمع الرزم :
" كلا يا عزيزتي . سننصرف ."
منتديات ليلاس
أخذ الطفلان يثرثران بانفعال فرح تأثرت له هيلين , لانها لم تعرف هذا في حياتها . ورغم ان الاستعداد للرحلة أدى الى عمل أضافي , فذلك مصدر للسرور .
وقالت فيونا وهي لا تكاد تقاوم اللهفة :
"يا ليت السفر يوم الجمعة فلست أطيق صبراً ."

Rehana 05-02-11 07:07 PM

ورفعها الى السرير , وانتزع حذاءها , وجذب الغطاء فوقها ثم اغلق مصاريع النافذة وقال :
"حاولي ان تنامي يا حبيبتي ."
وما ان خلت بنفسها , حتى عجزت عن كبح دموعها , كيف فعل ليون بها هذا ؟ لكم أطرى رسمها , وألح في عرضه . كيف بدا صادقاً حين قال أنه يريده في مكتبه ! فليستمتع بفوزه فترة , ثم يفيق , وليذهب اذ ذاك الى بولا مكسويل , لأن هيلين لن تجعله يقربها ثانية !
كان ليون يجلس بجوار الفراش حين استيقظت , فسألته أن يفتح مصاريع النافذة , فقال :
"لقد هبط الظلام يا عزيزتي ."
وأضاء النور الكهربائي وهو يضيف :
"أتشعرين بتحسن ؟"
ما أبرعه في صبغ صوته بالاهتمام والقلق ! فقالت :
"إنني بخير .... كان مجرد صداع ."
فقال :
"هل أنت متأكدة ؟"
أجابت :
"كل التأكيد , سأنهض الآن ! "
لا شك أن الصدمة جعلتها شاحبة , وصرفتها عن العشاء . وكان قلق ليون واضحاً , فامتلأت نفسها مرارة وغيظاً , لو أن شعوره كان صادقاً لزحفت الى ذراعيه , والتمست عزاء على صدره !
منتديات ليلاس

** ** **


استيقظ الطفلان في السادسة صباحاً وأقبلا يركضان , لكن ليون لم يكن راضياً , وسألها :
"هل تشعرين بأنك قادرة على الرحلة ؟ إذا لم تكوني قادرة فلن نقوم بها ."
وضمها اليه بالرقة المألوفة . كيف يكون بهذا الرياء ؟ هل هناك تفسير محتمل ؟ حتى إذا كان يحب بولا , مالذي يضطره لاعطائها لوحة زوجته ؟ وأحست هيلين بيده تربت وجنتها برفق وحنان . هل تسأله عن اللوحة ؟ هل يمكن اجلاء هذا الغموض بايضاح بسيط ؟ لو كان مذنباً , فسيدب بينهما شقاق, هذا ما حرصت على تفاديه اكراماً للطفلين .

** ** **
منتديات ليلاس
قضوا اليوم الأول مع أم ليون , ثم انتقلوا بعد العصر الى فندق في كتيما , عاصمة منطقة بافوس الحديثة , وكان المساء جميلاً , صافي السماء , والهلال يمخر عبابها فوق البحر وخلفهم سفوح جبال ترودوس . كان البحر هادئاً , وسارا على الشاطىء في صمت – بعدما أوى الطفلان الى الفراش – أخذت هيلين تسائل نفسها : ترى هل أحس ليون بنفورها ؟ فهي برغم محاولاتها لم تكن تقوى على النظر اليه , أو مخاطبته بتلك الرقة التي أصبحت أخيراً طبيعية لها . اذا فطن لتغير فانه لم يقل شيئاً , ولعله حسبها لا تزال متأثرة بصداع الامس .
قطع الصمت أخيراً , قائلاً :
"ما أهدأ البحر . سنقضي الصباح على رمال الشاطىء , وفي السباحة . وفي الاصيل , ننطلق بالسيارة الى غابة بافوس ."
فقالت :
"هل هي جولة ممتعة للطفلين ؟"
فضغط يدها برفق قائلاً :
" ستروق لك . ليست الجولة للطفلين فحسب كما تعرفين ."
وتطلعت اليه تحاول كشف أساريره . لكن الظلام لم يمكنها . كيف يستطيع تمثيل دور كهذا؟ وفجأة عادت اليها ذكرى غريغوري . ظل عاماً كاملاً يخدعها ببراعة , بدون أن تساورها لمحة شك . ظل سلوكه كما عهدته , لا كلمات حنان , ولا قسوة , ولا مشاجرات . وها هو ذا ليون يحذق فن الخداع , حتى لتعذر أن تصدق أنه كان يخدعها .
كانت الرحلة للطفلين مغامرة عظيمة , رغم أنها كانت لهيلين محنة مرهقة . كان الطفلان بحاجة الى تغير رتابة حياتهما , ولو أنها خيبت رجاءهما لما صفحت عن نفسها أبداً , لكن شقاءها كان يفوق أحياناً ما تحتمل . فلم تستمتع بلحظة واحدة . وقضوا الصباح الاخير على الرمال , عند خليج صغير جميل , في غرب بافوس . كان تشيبي يستطيع السباحة , وليون يعلم فيونا في كل فرصة . ولوحت الشمس بشرة الطفلين وتألقا بالصحة .

Rehana 05-02-11 07:10 PM

قالت فيونا وهي تتكىء على عمها في توسل :
"ليتنا لا نرحل . ألا نستطيع البقاء يوماً آخر ؟"
فقال :
"يؤسفني ألا نستطيع يافيونا , ولكننا سنأتي ثانية . ربما بعد بضعة أسابيع ."
ونظر الى هيلين يسألها :
"ما رأيك ؟ أتودين هذا ؟"
قالت :
"نعم ."
ونكست رأسها لتخفي عبوسها .... أبداً , لن تستطيع احتمال عذاب كهذا مرة أخرى . فضلاً عن أنها اعتزمت أن تخبر ليون – عند العودة – بما علمت .
قال :
"لا يبدو أنك حازمة يا هيلين . ألم تستمتعي ؟"
لاحظت أن عبارات الاطراء اختفت في اليومين الاخيريين , وأنذرها عودة الخشونة الى فمه وعينيه بأنه أحس بأمر ما . ولكنها قالت كاذبة عندما لمحت القلق في عيني فيونا :
"بل استمتعت ..... أعتقد أننا جميعا نعمنا بوقت رائع ."
ولم يفطن الطفلان الى شيء في لهجتها , لكن نظرات ليون ازدادت حدة . وقال تشيبي :
" نعمنا بوقت ممتع . هل تعدنا بالحضور مرة أخرى يا عم ليون ."
وقال ليون :
"نعم أعد ."
منتديات ليلاس
لم تفارق عيناه زوجته . كأنما كان يخبرها بأنهم سيعودون في اجازة أخرى , شاءت أو لم تشأ . واشتد خفقان قلبها . كانت قد اطمأنت الى أن الامور تسير على هواها . وأن بوسعها أن تملي شروطها بعد ما اكتشفت تفاني زوجها . هل يقدر لهما أن يعودا الى الوضع الذي كان قائماً قبل أن تتعود الاهتمام بليون ؟ كان فمه منطبقاً في حزم وعيناه ترسلان ذلك الوميض البارد الذي كانت ترتجف له في أكثر من مناسبة .
هل خالجها الامل حقاً ؟ ولو – للحظة واحدة – في أن تملي ارادتها على هذا الاجنبي الاسمر الصارم الذي كان زوجاً لها ؟ كلا , بل تقبلت الحقيقة بقلب مثقل , واعتزمت أن تروض نفسها على تسلط ليون وتسير الحياة كما كانت من قبل تماماً .


نهاية الفصل السابع

الجبل الاخضر 06-02-11 10:29 AM

:friends:ننتظررررررررررررررررررررررررررر :dancingmonkeyff8:التكمله :party0033:على احر من الجمر:7_5_129:

Rehana 07-02-11 09:11 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2627846)
:friends:ننتظررررررررررررررررررررررررررر :dancingmonkeyff8:التكمله :party0033:على احر من الجمر:7_5_129:

شكرا لمرورك خضراء .. وهلا بنزل لعيونك الفصول الأخيرة

Rehana 07-02-11 09:14 AM

8- نعم .... كنت مع روبرت !



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif

رغم أن هيلين اعتزمت ابلاغ ليون بما اكتشفته بصدد الرسم , رأت أن ترجىء ذلك باستمرار . وكان السبب – كما اعترفت – هو الجبن , فقد خشيت شجاراً مع زوجها , إذ أعطاها مثالاً لغضبه , وللقسوة الناشئة عنه . ولكن احجامها خلق موقفاً من نوع آخر , بطبيعة الامر , إذ لم يجد ليون سبباً للتغير التام في مسلكها نحوه . واحتملها لفترة بسيطة , وتولاها شعور غريب بأن الكبرياء هي التي تمنعه أن يسألها عن سبب التغيير على أنه في آخر الامر عالج الموضوع . ومع أنه – في بادىء الامر – سيطر على طباعه , إلا أن الخشونة لم تكن خفية . وكانا قد فرغا من غدائهما , والطفلان يقضيان بضعة أيام لدى فاسيلوس وآسمينا , في عطلتهما الصيفية الطويلة .
منتديات ليلاس
كانت تقرأ , فأخذ الكتاب منها بدون انذار , وطوح به الى المنضدة وقال :
"أريد ايضاحاً يا هيلين . أظن هذا حقي ؟"
قالت وهي لا تدري لماذا ترتجف , فما كان يملك أن يؤذيها :
"إيضاح ؟ لست أدري ما تعني يا ليون ."
قال وهو واقف وعيناه تغيمان بغضب متزايد , وإن ظل مسيطراً على طبعه :
"أتنكرين أن تغيراً طرأ عليك ؟ هل تنكرين إنك لم تعودي راغبة في ؟"
فرفعت ذقنها قائلة :
"راغبة ! ما رغبت فيك أبداً ."
" لا تكذبي . كنا سعيدين لفترة قصيرة , فما الذي حدث ؟ هذا ما أطلب أن اعرفه . التغيرات التي من هذا القبيل لا تحدث بدون سبب قوي . أخبريني بالسبب , نستطيع أن نناقش الامر , ونبث في الخلافات التي بيننا ."
لم تثر كلماته سوى مرارة بدت في قوس شفتيها , وازدراء بدأت تشعر به نحوه . يا للهدوء الذي طلب به ايضاحات وهو على علاقة مشينة بحبيبته السابقة . تمنت أن تخبره , وتجازف بالتعرض للعواقب , ولكنها كبحت أفكارها فجأة . كانت قد مكنته من أن يرى حبها . وفرح سراب انتصاره . فعندما أرغمها على حبه حقق رغبته في أن تبادله مشاعره . ولوصارحته الان بالحقيقة , لاعتقد طبعا بأنها لا تزال تحبه , واستنتج بأن التغير الذي أصابها نجم عن جرح وخيبة , وما كان هذا ما تبتغيه ..... وشرعت تقول :
"ما زلت لا افهمك . عقد زواجنا بدون حب من الطرفين . ومضينا على نحو محتمل يا ليون , ولا أستطيع أن ارى لك ما تشكو منه ."
منتديات ليلاس
ازدادت نظراته حدة كالفولاذ فقال :
"لم تجيبي عن سؤالي : ما الذي أحدث التغيير المفاجىء ؟"
فسألته وفي صوتها هدوء وإن كان قلبها يدق بقوة :
"أي تغيير ؟"
فصاح وراحتاه تنقبضان وتنبسطان :
"لا تراوغيني ! أجيبي وإلا هززتك حتى تجيبي , أحببتني لفترة وجيزة ."
وبرغم خوفها , قالت :
"أحببتك ؟ كيف توصلت لهذا ؟ لأنني استجبت لك ؟"
كانت تود أن تؤلمه , لا لما فعله بها فحسب , وإنما لمل فعله غريغوري كذلك . وأستأنفت :
"من المؤكد , أنك لا تعلق على هذا أية أهمية ."
أخذ الغضب المعتم يزحف على محياه , وكان انطباق فمه وقسوة نظراته تنذرها ولكنها عميت عن الخطر لحظة لتجرح كبرياءه , وعادت تقول :
"أما التغير , فالمرء لا يستطيع الاستمرار في التمثيل , كما أن المرء لا يلبث أن يسأم ."
وسكتت , وساد صمت رهيب . ونهضت مترنحة وحاولت الوصول الى الباب , ولكن قبضة ليون اشتدت على رسغها , وبدفعة أعادها لمكانها والألم يسري الى كتفها .
"إذن فهكذا كان الامر ؟ كان تمثيلاً . أهذا ما تقولين ؟"
قالت :
"إنك تؤلمني يا ليون ."

Rehana 07-02-11 09:15 AM

ولكنه بدا للحظة عاجزاً عن السيطرة على نفسه , وراح يهزها بغير رحمة , وهو يقول :
"كان تمثيلاً ؟ ستندمين على هذا ما حييت . ما من امرأة تخدعني وتفلت من عقابي ."
وغاض الدم من وجه هيلين , وراح جسمها يرتجف . ولكن اليقين بأنها حققت غايتها بزغ خلال غمام الخوف . كان يعتقد بحق أنه مخدوع , وأنها كانت ضجرة خلال معاشرته . أية لطمة لكبريائه ! ليصب عليها نقمته . فانتقامها هذا يستحق ما تعاني – وتطلعت بنظرة خاطفة – كانت شفتاه منفرجتين كوحش يزمجر . وتوقعت أن تتعرض لقسوته البدائية ثانية , ولكنه – لذهولها وارتياحها – دفعها عنه , وغادر الغرفة – وبعد لحظات , سمعت صوت باب السيارة يغلق وضجيج المحرك يتباعد .
جلست على مقعد , واسندت وجهها الى يديها وهي ترتجف وقلبها يخفق بشدة حتى لتكاد تسمع خفقاته . كان البيت هادئاً . وفجأة شعرت برغبة ملحة في أن تغادره . لكن , الى أين تذهب ؟ ولأول مرة فطنت الى أنها بعيدة عن اصدقائها . ما كان أحد هنا سوى أقارب زوجها , وترودي . لكنها ما كانت تستطيع الذهاب الى ترودي لأنها ستشعر في الحال بأن في الامر شيئاً .
منتديات ليلاس
استغرق روبرت فترة قبل أن يجيب نداءها الهاتفي – معتذراً بأنه في المرسم الذي أقامه لنفسه فوق سقف منزله .
وقال :
"كنت أعتزم الاتصال بك , فان السيد كرولي – ذلك الانكليزي – أرسل لي مفتاحاً لبيته – وسألني أن أتصل بك لنشرع فوراً في الرسم , اذ يأمل في أن ينتقل الى البيت مع الخريف ."
وأمسك لحظة ثم أردف :
"ما أحسبك خالية الآن , فاحضر اليك ."
قالت :
"بل تعال يا روبرت , فأني أود أن أراك وأناقش ما علينا عمله للسيد كرولي . أتقول أن بوسعك الحضور فوراً ؟"
"نعم . لكن زوجك ؟ لدي فكرة بأنه لا يحبني كثيراً ! "
وخيل اليها أنها ترى الابتسامة على وجه روبرت العريض , الطيب – فقالت بهدوء :
"ليون في الخارج , ولا أتوقع عودته حتى اواخر الليل ."
وسادت لحظة صمت , ثم قال :
"إذن سآتي بعد نصف ساعة , وسأحضر المفتاح معي , ونستطيع الانطلاق لنرى ما يمكن عمله في الفيلا ."
وتردد قليلاً , ثم أردف :
"لعلنا نستطيع الذهاب لمكان نتناول فيه الشاي ."
منتديات ليلاس
وصل روبرت في الوقت الذي حدده بعد نصف ساعة تماماً . وبينما كانت هيلين في المطبخ لتحضر بعض المرطبات , سمعت رنين الهاتف , وخفت لتجيبه , فأدهشها أن ترى روبرت ممسكاً بالسماعة . وزادها دهشة أنه احتفظ بها بدلاً من أن يسلمها اليها . وكان صوت المتكلمة مرتفعاً , فسمعت هيلين كل شيء بوضوح : " ..... وسنذهب في سيارتك يا ليون ... أحضر بعض الفطائر أيضاً , وقنينة شراب . فسنكون في العراء أحياناً , وأنت تعرف مدى صعوبة الحصول على شيء هناك "... وانقطع الصوت , فغطى روبرت السماعة براحة يده , وهمس وهو يرمق هيلين وعلى وجهه أغرب تعبير :
"غرام قديم لزوجك .... بولا مكسويل ..... تظنني ليون , فماذا أفعل ؟"
تناولت هيلين السماعة وهي متماسكة برغم شحوبها , وقالت بأدب :
"أنا السيدة بيترو . يؤسفني أن زوجي غير موجود ."
وأنتظرت , وهي تعجب هل أنقطع الاتصال . ولكن بولا تكلمت أخيراً بصوت أهدأ :
"أتقولين أن ليون غير موجود ؟ هل لديك فكرة عن موعد عودته ؟"
فأجابت هيلين وقد خفق قلبها , عندما تذكرت ان ليون استغرق وقتاً كافياً لبلوغه نيقوسيا , اذا كانت مقصده :
"كلا , للأسف . هل أنقل اليه رسالة ما ؟"
" كلا , شكراً . سأتصل به ........ آه , إنه هنا الآن ."
وبعد صمت وجيز قالت بولا :
"من الرجل الذي أجابني يا سيدة بيترو ؟"
كان الصوت خافتاً وناعماً , فشعرت هيلين بخوف واستنكار – وقالت :
"هذا أمر يعنيني يا آنسة مكسويل ."
وأتاهما الرد متلكئاً :
"فليكن .... لكن لا تخافي فلن أقول كلمة لزوجك ! "
قال روبرت معتذراً :
"رفعت السماعة بحركة تلقائية . حاولت أن أقول أنني لست ليون , ولكنها مضت في الكلام ..."

Rehana 07-02-11 09:16 AM

وأضاف وقد تسللت لصوته نبرة غريبة :
"بمجرد أن ذكرت اسمها تذكرت بولا مكسويل , التي كانت تصاحبه كثيراً قبل أن يتزوجك ."
خرجت كلماتها بصعوبة , إذ جف حلقها :
"أيعرف كثيرون بأمرها ؟"
قال متردداً :
"كانا صديقين حميمين لدرجة بالغة ."
وتبعها عندما عادت الى المطبخ , وقال :
"ليس هذا من شأني , لكن ما الذي يجري بحق السماء ؟ اذا كان راغباً فيها , فلماذا تزوجك ؟"
وتمالكت نفسها , وأخبرته عما دعاها وليون للزواج , فأطلق صفيراً يعرب عن دهشة , وهو يحدق فيها , لا يصدق مايسمع .
قال وهو يتناول الكوب التي قدمتها اليه , وجذب لها مقعداً ليجلسا في الشرفة :
"إنك هادئة جداً ..... لا حب من الطرفين ؟"
قالت :
"هذا صحيح .... لا حب من الطرفين ."
منتديات ليلاس
وأرسلت نظرها الى البحر , فاذا به هادىء الامواج . وحولت بصرها الى الجبال , فاذا دروب صخرية وعرة تتخللها , اذا سلكتها وجدت نفسك في العراء .... ترى أين هما الان ؟ أهما في الطريق الى مكان اعتادا التردد اليه ؟ قد لا يكون في الجبال , فالجزيرة مليئة بالأماكن المنعزلة .... الشاعرية .
قال وهو يقف خارج غرفة النوم ريثما تتهيأ للخروج :
"ما رأيك في قضاء مساء طويل , وسهرة ؟ نستطيع أن نتأمل البيت ونتبين ما ينبغي أن نفعله , ثم نذهب للسباحة , وننتهي الى تناول العشاء في مكان ما ؟"
ارتدت الثوب الذي ابتاعه لها ليون , فأنطلقت من فم روبرت تعابير الاعجاب وهو يتأمها . وكان تعليقه الوحيد :
"بعض الرجال حمقى ! "


** ** **
منتديات ليلاس
كان البيت , فيلا , بيضاء جميلة , على جانب التل فوق كيرينيا . وبدا واضحاً أنه لم يكن للمال قيمة في تصميمها .
وهتفت هيلين وقد نسيت شقاءها وراحت تتأمل ما حولها :
"ستكون جميلة اذا ما اكتملت . أين نضع رسومنا ؟"
وكانت الارشادات لدى روبرت . فقال وهما يسيران ليتبينا الاماكن :
"سوف نسعد بهذا العمل . نستطيع أن نؤديه معا . أوافيك بالسيارة صباحاً لأقلك ذهاباً وإياباً ."
وتساءلت في نفسها عما يقوله ليون في تدبير كهذا ؟ من المؤكد أنه لن يقره , ولكن إقراره لم يعد يهمها .
" ستكون اللوحات الزيتية على الجدران متعة , إنني متلهف للبدء , متى تستطيعين البدء يا هيلين ؟"
" في أي وقت . وإن كنت لا أدري كيف أذهب عندما يكون الطفلان في البيت . إذا عادا الى المدرسة , بوسعي الحضور كل صباح , إلا في العطلات الاسبوعية طبعاً ."
" إذن , نستطيع البدء فوراً ."
واتفقا , قال روبرت :
"هناك مقهى صغير بديع على السفح , على مقربة من هنا , نستطيع تناول وجباتنا فيه . ستكون تسلية مرحة يا هيلين ."
هل ستشعر بالمرح مرة أخرى ؟ عملها الان سيكون مجرد شاغل يساعدها على نسيان الشقاء الذي في قلبها .
ذهبت مع روبرت الى جزء منعزل من الشاطىء , يبعد ستة أميال عن كيرينيا , فقضيا ساعتين تحت الماء وتحت الشمس على الرمال الذهبية . غير ان افكارها طيلة الوقت كانت مع ليون وبولا . ماذا كانا يفعلان ؟ وأعاد الماء والرمال الى ذهنها ذكرى مناسبة أخرى , حين كانت وليون على رمال فاماغوستا وأمسك بيدها بحنان , وراحا يمشيان على حافة الماء . لم تدرك عندئذ أنها أوشكت أن تحبه , ومع ذلك استمتعت بصحبته , وانبثقت في اعماقها بداية سعادة غامرة . ولكنها ولت !
قال روبرت بعد نصف ساعة :
"ما رأيك في بعض الشاي , وجولة في الريف , ثم العشاء ؟"
وقال بعد أن بدلا ثيابهما في السيارة , كل بدوره – ونسقت شعرها :
"هل نتناول الشاي في الميناء , أم تفضلين مكاناً أكثر عزلة ؟"

Rehana 07-02-11 09:17 AM

وفضلت مكاناً أكثر عزلة , فكانت الميناء تعج بالناس بعد ظهر أيام الاحد . ثم انطلقا في السيارة – بعد الشاي – خلال التلال حتى اذا هبط الظلام , اقترح روبرت مطعماً معروفاً .
وترددت هيلين فبادرها قائلاً :
"من الممكن أن يشاهدنا أحد , أينما ذهبنا . ما رأيك بالمجيء الى مسكني , ونعد وجبة لنا ؟"
ترددت هيلين ثانية , لكن العودة الى منزلها معناه أن تقضي الامسية وحيدة . لذلك ذهبا الى مسكنه . وقال روبرت :
"إنه صغير جداً , ولكني أرتاح اليه . لم أكن املك مالاً كافياً , ولا أزال – في الواقع – أجري فيه التجديدات . على أنه مريح , كما أن لدي ثلاجة ."
منتديات ليلاس
صاحت هيلين اذ دخلا البيت :
"أراك ابدعت فيه ! "
كانت في المطبخ , ووراء قنطرة بيضاء مرتفعة , كانت غرفة الطعام صغيرة – في جزء أشبه بفجوة في الجدار – وأردفت :
"إنني أعجب بهذه القنطرة والسقف . لم أشاهد من قبل أحد هذه السقوف التركية المصنوعة من الحصير ."
فقال :
"ليس حصيراً , إنه غاب مجدول وليست الاعمدة سوى جذوع شجر جردت من قشرتها . وهنا الحمام , وهذه دورة مياه صغيرة ."
وتبعته هيلين وهي تتساءل :
"أين غرفة الجلوس , اذ لم تعد هناك أبواب أخرى ."
وأخيراً قال :
"الآن الى الطابق الاعلى ."
وصعدا درجات سلم حلزوني ضيق , فاذا هناك غرفة واحدة , أثثت كمخدع وغرفة جلوس . وضحك روبرت وهي تتأمل المكان وقال :
"أشعر كأنني حافظت على مبنى أثري عتيق . إن عمر هذا البيت مئات السنين ."
قال يدعوها :
"تعالي اريك مرسمي . يجب أن تجتازي هذه النافذة , وتصعدي سلماً متنقلاً لكنه مأمون ."
كان المنظر مثيراً للأعجاب . وهتفت وهي تطل خلال النوافذ الواسعة المنخفضة على الجبال المحيطة والبحر :
"لا عجب في أنك تستطيع الرسم هنا فالمكان هادىء جداً ."
هبطا فقادها روبرت الى الثلاجة وقال :
"اختاري ما تريدين , ريثما أعد المائدة ."
كانت هناك أنواع عدة من اللحم وكثير من الخضر الطازجة .
وسألته :
"هل سنضطر لطهو شيء ما ؟"
فقال :
"كلا , لا طهو وأنت في هذا الثوب البديع . لنكتف بلحوم باردة وسلطة ."
استمتعت هيلين بالطعام , ولدهشتها . كان روبرت أنيساً طيباً , كما أعطاها انطباعاً بأنه عميق التفكير . وأعجبها أنه لم يذكر ليون مرة أخرى , ولا الظروف الغريبة لزواجها منه . فاستطاعت أن تحتفظ بحياتها الشخصية على حده .ومع أن خروجها معه كان تصرفاً يتسم بالتحدي , فلم تكن راغبة في تحمل مشاجرة أخرى مع ليون , بعد الذي جرى بعد الظهر . لذلك طلبت من روبرت في الساعة التاسعة أن يقلها الى البيت .
منتديات ليلاس
فارقها روبرت عند باب الحديقة . وكانت الفيلا غارقة في ظلام دامس , فارتاحت لذلك . وآوت الى فراشها مباشرة . في الصباح التالي , خرج ليون مبكراً , فتأهبت هيلين لانتظار روبرت , بعدما ساعدت آرتيه في الاعمال المنزلية .
أقبل روبرت في الساعة التاسعة . وقاد السيارة خلال الطريق الطويلة , فوصلا الى العاصمة بعد العاشرة واستغرقا أكثر مما توقعا في شراء لوازمهما للرسم , فاقترح روبرت أن يتناولا الغداء في نيقوسيا . وذهبا الى الهيلتون . وكانت أول من رأت هناك , بولا مكسويل , جالسة الى مائدة لشخصين , في أحد الاركان . وشعرت هيلين أن قلبها يقفز من مكانه . وتذكرت المناسبة التي رأت فيها زوجها وبولا هناك لتناول الغداء .

Rehana 07-02-11 09:19 AM

قالت متلعثمة وقد ادركت ان بولا رأتها وأخذت تتفرس في مرافقها باهتمام :
"هل تمانع في الذهاب لمكان آخر ياروبرت ؟ إن بولا هنا ... مع .... زوجي ؟"
فقطب جبينه وقال :
"بولا وليون ؟ هنا ؟ ما ادراك بأنها مع ليون ؟ انني لا أرى أثراً له . واذا كان له ان يتناول الغداء معها , فلي أن اتناوله معك ."
وكاد يدفعها دفعاً الى المقعد , فلم تبد احتجاجاً آخر , إذ كان بوسعها – برغم المسافة بينها وبين بولا – أن ترى ابتسامة على وجهها فشعرت بأنه تعجب من ارتباكها . وظلت تراقب المائدة الاخرى بقلب خافق , انتظاراً لظهور ليون . ولكن الرجل الذي وافى بولا كان أكبر سناً من ليون , وجلس في مواجهتها , وجذب بعض أوراق من جيبه , فمالت بولا , وأخذا يفحصانها معا . فتمتمت :
"يا لغبائي ! إنه ليس ليون ."
قال روبرت :
"هل رأيت ؟ لم يكن هناك ما يدعو لهذا الفزع . أظنه عميل لها , فهي سمسارة عقارات ."
وعادت عيناها تتأملان بولا . كانت فاتنة حقاً , ولكن شيئاً من الاعتداد فيها كان يضفي عليها مسحة غطرسة . كانت مناسبة لرجل مثل ليون وسمسارة عقارات , فهما يشتركان في الكثير .
في طريق العودة , مرا بالبيت الذي كان عليهما العمل فيه , فتركا الدهانات التي اشترياها , وقاما بقياس الابعاد تمهيدا للشروع في العمل , الصباح التالي .
منتديات ليلاس

** ** **
كان ليون في البيت حين عادت هيلين , فتطلع من فوق صحيفته وسألها أين كانت .... قالت :
"في نيقوسيا لشراء بعض الدهانات لذلك البيت ."
فسألها :
"لماذا لم تأت الى المكتب وتعودي في السيارة معي ؟"
بكل هدوء سألها وهو يعلم تماماً أنها ستتعجب في نفسها مما جرى للوحتها . أي عذر كان سيبديه لو أنها سألته عنها ؟
قالت :
"اصطحبني روبرت الى المدينة . كان عليه هو الاخر ان يبتاع دهاناته وتركناها في البيت ."
كان هذا أول حديث يتبادلانه منذ خرج غاضباً بعد شجارهما بالامس . وكان فمه مطبقاً , فجمعت هيلين اطراف شجاعتها توقعا لما كان مقدراً ان يحدث . هل قدر للحياة ان تكون هكذا دائماً ؟ أن يستطيع ليون أن يثير خوفها كلما فعلت شيئاً قد لا يحبذه ؟
"في أي وقت ذهبتما الى المدينة ؟"
فتحركت الى مقعد في الطرف الاخر من الغرفة , بعيداً عنه , وقالت :
"جاء روبرت ليصطحبني في الساعة التاسعة ."
فنظر الى الساعة حول رسغه . وغص حلق هيلين وعيناها تتجهان الى ساعة الحائط . وقال :
"هل كنتما معاً طيلة النهار ؟"
وتحشرج صوتها وهي تقول :
"الواقع ....ليس ...."
فقال بصوت خافت :
"إنها الخامسة والنصف الان ."
"كان يجب ان نذهب الى البيت لنترك الدهانات ."
وطوى صحيفته ووضعها على المنضدة الصغيرة . وبدأت يداها تختتلجان بحركة عصبية , وقالت :
"كان علينا القيام بعمل تمهيدي , لأننا سنبدأ في الصباح ."
فقال :
"مع هذا الانكليزي ؟"
قالت : منتديات ليلاس
"مع روبرت .... نعم يا ليون ....."
وسكتت عندما لاحظت الخيوط البيضاء , الدقيقة تزحف تحت سمرة وجهه – ثم أردفت :
"كلانا لدينا عمل في البيت , فمن الطبيعي أن نكون هناك معاً ."
"وأحسبك تتوقعين أن تكوني متغيبة طيلة اليوم ؟"

Rehana 07-02-11 09:20 AM

وقف – واجتاز الغرفة نحوها وقال بهدوء :
" عدلت عن رأيي بصدد السماح لك بأداء هذا العمل . بوسعك أن تكتبي للسيد كرولي وأخبريه أنك لن تساعديه ."
اتسعت حدقتاها غير مصدقة , وقالت :
"أكتب ؟ أتتوقع مني ان افعل ذلك ؟ ان اتخلى عن وعدي بعدما وعدت ؟"
وهزت رأسها , وأردفت :
"لا استطيع يا ليون . بحثت الامر معك في البداية , حين سألني ان اقوم بالعمل , فلم تعترض اذ ذاك ."
" تغيرت الظروف ."
"كيف تغيرت ؟"
فسرى في عينيه وميض قاس , وقال باقتضاب :
"ما أظنني بحاجة لأن اجيب ."
واستأنف بعد برهة :
"أنا مصر على ما أقول . لا تقومي بهذا العمل . أتفهمين ؟ "
واعتدلت في مقعدها قائلة :
"كلا يا ليون لا افهم ."
كان صوتها خافتاً وثابتاً . وقابلت نظراته بدون ان تطرف عيناها , وهي تضيف :
"أنا أرفض تلقي هذه الاوامر منك . لي حق في قدر معين من الحرية , وسأرضي نفسي به . اعطيت السيد كرولي وعداً , وسأفي به ."
منتديات ليلاس
وبدأت عينا زوجها تتقدان لكن هيلين عقدت العزم على ألا تذعن هذه المرة . كان للعمل اهمية في أي حال حتى يساعدها على ان تنسى – ولو لبعض الوقت – الالم وخيبة الامل اللذين كان هو السبب فيهما , وأضافت بتحد واضح :
"سيأتي روبرت في الصباح .... وكل صباح اثناء غياب الطفلين .... وسأذهب معه . إنني آسفة اذا لم ترتح لفكرة عملي معه . ولكن لا حيلة لك في ذلك ."
خيم صمت الذهول على الحجرة , وبدا للحظة أن تحديها تجاوز قدرة ليون على ضبط النفس . كان في عينيه وعيد , وتحركت يداه وكأنهما تتحركان للضرب . وبرغم تظاهر هيلين بالشجاعة , أحست برجفة أعصابها تتجدد . ثم انحسر غضبه ليحل محله تصلب أكثر وضوحاً , مما اقنع هيلين بعقم جهودها في التحدي . كان مصراً على فرض إرادته , وأخذت تسائل نفسها عما اذا كان يدبر ليفرض عليها الرضوخ لارادته , لم يكن يستطيع منعها من الخروج مع روبرت , في الصباح , الا بحبسها . وسألها أخيراً بصوت خافت :
"هل هذا هو قرارك الاخير ؟"
منتديات ليلاس
فأومأت في تعاسة . لكم اختلف الموقف عما توقعت حين رجاها السيد كرولي ان ترسم له . كانت سعيدة جداً , وبدا ليون فخوراً بها . حتى ومضة استيائه لفكرة عمل روبرت معها زدات من سعادتها , فقد اعتبرتها غيرة . وغص حلقها , فصعب عليها الكلام , ولكنها استطاعت اخيراً ان تقول :
" لابد ان أؤدي العمل يا ليون , لا لأنني وعدت فحسب , بل لأنه سيمنحني متعة ."
ضغط على اسنانه , وازدادت حالة صلابته وهو يحدجها برهة , وعيناه تنمان عن تفكير . ثم قال :
"متعة ؟ إنك ستستمتعين بقضاء اليوم كله في ذلك البيت مع صديقك الذي من انكلترا . هل افهم ان هذا ما تقولينه لي ؟"
" إنك تعلم انني لم اقصد ذلك . انني استمتع بالرسم . وكنت اتطلع الى اداء هذا العمل ."
نظرت اليه , ولكنه لم يتأثر لبادرة الدموع في عينيها ,وقال :
"اعتقد اني انذرتك – في مناسبة سابقة – بأنني غير مستعد لأن يرتبط اسم زوجتي بأسم هذا الروبرت . كنت جاداً عندئذ , وأنا جاد الان . إما ان تنفذي رغبتي طائعة , أو اتخذ الاجراءات لأكفل انصياعك ... الاختيار متروك لك وحدك ."
احتقن وجهها غضباً , وصاحت :
"لن اقبل اوامرك خاضعة . أما اتخاذ اجراءات تكفل ان اتخلى عن العمل ففكرة سخيفة ! إنك لا تستطيع ان تحبسني في البيت ."
فوافقها قائلاً بصوت خافت :
"كلا يا عزيزتي . لم أفكر في هذا ."
وغادر الغرفة بدون ان يزيد كلمة . وسمعت صوت السيارة تنطلق مبتعدة
منتديات ليلاس.
كانت في المطبخ تساعد آرتيه في اعداد العشاء , حين سمعت صوت السيارة مرة اخرى . وفي الحال اندفع الطفلان داخلين . ووثبت فيونا تحتضنها بشدة قائلة :
"عمتي هيلين ! أحببنا العمة آسمينا , ولكننا سررنا كل السرور حين جاء عمي ليون ليأخذنا ."
وقال تشيبي بتأكيد :
" لن ابتعد عن البيت ثانية .... بدونك ."
وتحول الى عمه قائلاً :
"لا تدعنا يا عمي ليون ! "
أطل عليه ليون مبتسماً وقال :
"كلا يا تشيبي . لن أدعكما تبعدان أبداً ."
وأردف في حيرة :
"لقد ظننت انكما كنتما سعيدين ! "
فبادرت فيونا , وكأنها ادركت أنهما لم يقدرا كرم ضيافة آسمينا :
"بل استمتعنا .... لكننا نحبكما أنتما الاثنين أكثر مما نحب الجميع ولهذا أردنا ان نأتي ."


نهاية الفصل الثامن

Rehana 07-02-11 09:24 AM

9- الزوجة آخر من يعلم ...



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif





مرت الايام متثاقلة , فالطفلان يلعبان خارج الدار معظم الوقت , وسخط هيلين على زوجها يتزايد حتى بلغ قسطاً هائلاً . بأي حق يسيطر عليها هكذا ؟ كانت انكليزية , وليست جارية لا هم لها سوى الاعتناء بزوجها والاطفال .
كان من حقها وقت فراغ تمارس فيه هوايتها , بجانب هذا , كيف يقضي ليون كل الوقت في الخارج ويتركها مع الطفلين ؟ حتى يوم الاحد كان يخرج وبالطبع كان يصاحب بولا مكسويل . وعندما اشتكت من تركها وحيدة , ذكرها بأنها موجودة لرعاية الطفلين , في المقام الاول .
منتديات ليلاس
ولكي تجبره على البقاء في البيت , ولو لأمسية واحدة , دعت ترودي وتاسوس للعشاء . كانا قد زارا الفيلا مرة , وانسجم تاسوس وليون , فلم تتوقع هيلين لحظة ان يرفض زوجها البقاء في البيت , عندما اخبرته بالدعوة . لكنه قال بفتور :
"مساء غد ؟ إنني على موعد , ولن أعود قبل العاشرة ."
أومضت عيناها الزرقاوان وتساءلت :
"موعد ؟ في المساء ؟"
وكان يقف ويداه في جيبه , ووجهه مكفهر بالخشونة التي اصبحت اخيراً جزءاً من قسماته . وقال :
"هناك أناس لا يمكن اللقاء بهم في النهار , ولهذا يقابلونني مساءاً , مثل بولا التي تعمل طيلة النهار ."
كان بوسعه ان يعتذر , ولكن بولا لم يكن يسعدها أنه يفضل البقاء في البيت . وبرغم اقتناع هيلين بأنه تضيع وقتها , ألحت قائلة :
"إنهما سيشعران بمهانة كبيرة . وأنا سأشعر بحرج شديد . ماذا أقول ؟"
تحرك في ضيق وقال :
"لماذا لم تستشيريني قبل دعوتهما ؟"

Rehana 07-02-11 09:26 AM

فأقرت بصراحة :
"أعتقد أنه ينبغي علي ذلك . سيكون الموقف صعباً بالنسبة الي يا ليون ."
فانبعثت من شفتيه زفرة وقال :
"حسن جداً , سأرجىء عملي . لكن أرجو استشارتي في المستقبل . ليس من اللياقة في العمل أن اضرب موعداً ثم ألغيه قبل حلوله بوقت قصير ."
غشي عينيها شيء من الحيرة , هل يحتمل أنه لم يكن يلقى بولا كل مساء ؟ هزت كتفيها , وعاودها كل الاسى المرير . كان حاذقاً . ألم يثبت لها هذا بأدلة لا سبيل لانكارها ؟"
جاءت ترودي وتاسوس مبكرين , فقضى الجميع الفترة الاولى من الامسية في الحديقة , وأثار وجود ضيفبن مرح الطفلين فرفضا ان ينصرفا , وارتفع صوتاهما وضحكهما طيلة الوقت . فقال تاسوس :
" هذان الاثنان محظوظان . فقدا أباً وأماً , فوجدا غيرهما ."
منتديات ليلاس
والتقت نظرة هيلين بنظرة زوجها فاذا باختلاجة سخرية تلم بفمه وعينيه . اذ طرأ على مسلكه نحوها تغيير تام منذ أحضر الطفلين من عند آسمينا , على غير توقع قبل اسبوعين عندما فتر اهتمامه بها ورغبته فيها , وعادت العلاقة التي كانت قائمة في بداية زواجهما . واعتقدت هيلين ان هذا هو ما تريده . ألم تتوقع هذا عندما قبلت عرضه للزواج ؟ أما الشيء الذي تأباه , فهو الطريقة المتسلطة والآمرة التي كان يكلمها بها أحياناً . ولو سمح لها بقدر من الحرية , لقنعت بنصيبها محتملة . لكنها مع تتابع الايام أخذت تشعر باستياء متزايد . واصبحت تشعر – في بعض الاحيان – بأن الظفر بنصيب من انتباهه خير من عدم الاهتمام بها بتاتاً .
أدركت أن بصر ترودي مركز عليها بتفرس , فالتفتت اليها مبتسمة . أتراها لاحظت شيئاً ؟ إنها لا تحتمل ان يظن أحد انها لم تعد جذابة لزوجها .
انساب اليهم صوت فيونا العذب وهي تقول :
"هل تسمح بأن تأتي وتدفعني يا عمي ليون ؟ تشيبي لم يعد راغباً ."
فقال تشيبي عندما نهض ليون وسار الى الارجوحة :
"إنه دوري .... إتها تريد الارجوحة طيلة الوقت ."
"حسنا يا فيونا , اتركي الارجوحة ."
وحاولت ان تتمنع , ثم رمقت عمها من تحت أهدابها الطويلة بإغراء :
"ادفعني مرة أولاً ....أرجوك ."
صاح :
"انزلي ."
فأطاعت . وضربها بصفحة يده , فاتسعت عيناها دهشة للمفاجأة ورمته بنظرة شاكية , وصاحت :
"لقد أوجعتني ! "
وهرعت الى هيلين وهي تفرك أثر الضربة وتقول :
"إنه قاس , لم أعد أحبه ."
فضحك الجميع فرمقته باستهجان , بينما بسطت هيلين ذراعيها قائلة :
"مسكينة يا فيونا ! تعالي واجلسي على ركبتي ."
قالت تشكو :
"لكم أوجعني ! إنه فظيع ! "
فأرحتها هيلين على ركبتها قائلة :
"إنني أحبك , ولكنني لا أحبه ."
قالت ترودي وفي صوتها نبرة حنين :
"أنا واثقة بأنك تحبينه كثيرا . وهو يحبك قطعاً ."
فقالت فيونا وهي تراقب عمها يدفع الارجوحة :
"كلا , لو كان يحبني ما اوجعني ! "
وجال بخاطر هيلين : صدقت , فالمرء لا يوجع الذين يحبهم " . ترك ليون الارجوحة وعاد اليهم , فوقف بجوار مقعد هيلين . وطافت عيناه في غير مبالاة , ثم استقرتا على وجه ابنة أخيه , فقال :
"ما بالك ؟"
فقالت : منتديات ليلاس
"أوجعتني , لم أعد أحبك . أنني أحب عمتي هيلين , فهي لا تؤلم أحداً ."
ساد صمت وجيز . وشعرت بالدماء تتصاعد الى وجنتيها عندما التقت عيناها بنظرة زوجها المتفرسة . وقال بصوت خافت :
"ألا تؤلم أحداً يافيونا ؟"
فزدات فيونا ذراعيها احكاماً حول عنق هيلين , وقالت مؤكدة :
"كلا , إنها دائماً رقيقة , ولهذا أحبها ."

Rehana 07-02-11 09:27 AM

ظل واقفاً لفترة وجيزة ثم جلس الى جوار تاسوس , وانخرطا معا في الحديث . فقالت هيلين بعد برهة :
"سأذهب لأتمام العشاء , فأن آرتيه متوعكة , ولم تأتي اليوم ."
فنهضت ترودي قائلة :
"هل أساعدك ؟"
" كل شيء جاهز , والطعام في الفرن . لم تبق سوى المائدة ."
فقالت ترودي وهي تتبعها :
"سأتولى أعدادها."
أعدت ترودي المائدة , وشغلت هيلين بعمل المطبخ . ثم نادت الطفلين , فغسلت أيديهما , وهما محتجان بأن الوقت مبكر للنوم . ولاحظت هيلين نبرة الحنين تسري ثانية في صوت ترودي وهي تلاطفهما . فاعترفت بأنهما – هي وتاسوس – يريدان أطفالاً , فاذا لم يرزقا قريباً , فسيقومان بتبني طفل .
قالت هيلين :
"من العجيب ان تعنيا بأبناء غيركما ."
وعجبت في نفسها مما تفعل لو أبعد تشيبي وفيونا عنها . لم يكن عمهما قد تبناهما قانونياً , وكانت هيلين تفكر في أمهما أحياناً .
منتديات ليلاس
سأل تشيبي والامل يراوده وهو يتأمل الحلوى والفواكه التي نسقتها هيلين في اطباق فضية :
"ألا نستطيع البقاء لتناول العشاء معكم ؟"
وقالت فيونا :
"كم من العمر يجب أن تبلغي لتستطيعي البقاء للعشاء ؟"
فقالت هيلين وهي تضع عشاءهما على منضدة صغيرة بجوار النافذة :
"تعاليا وتناولا البسكويت والحليب ."
قالت فيونا :
"قد يسمح لنا عمي ليون لو طلبنا منه ."
فقال ليون عندما أقبل من الشرفة وسار الى الثلاجة :
"بماذا أسمح ؟"
قالت :
"نريد أن نبقى مستيقظين , لنتناول العشاء معكم ."
وتطلعت اليه في اغراء , فمست فمه ابتسامة خفيفة وقال :
"إنك تطلبن البقاء .... في حين أنك لم تعودي تحبينني ."
فبادرت قائلة :
"ولكني أحبك الان , أحبك بقدر ما أحب عمتي هيلين ."
قال :
"هكذا أرحت قلبي ."
وفتح باب الثلاجة , ونظر في داخلها , ثم سأل عابساً :
"أليست لدينا مشروبات معبأة في علب ؟"
فخفت اليه هيلين قائلة :
"إنها في الجزء الخلفي ."
وبدأت تنقل الاشياء التي تحجبها . ومدا يديهما معاً لاحضارها . فتلامست اليدان . وأسرع ليون يسحب يده . وتركها تخرج العلب وقدمتها له , فتناولها بدون كلمة , حملها والاكواب عائداً الى الحديقة . وظلت هيلين بجوار الثلاجة تفرك يدها برفق حيث لامست يد ليون . وطرفت عيناها فجأة .
ألم تنقض سوى اسابيع قليلة حقاً . منذ كان يدللها بحنان ؟.... منذ كان ينتهز كل فرصة ليمسك بيدها , أو يحيط كتفها بذراع رقيقة ؟ وها هو ذا الان لا يطيق مجرد تلامس أصابعها بأصابعه .
منتديات ليلاس
** ** **
أخيراً ذهب الطفلان الى فراشيهما . وانتهى العشاء والسهرة على وجه بهيج بدون ان يخطر للضيفين أن بين هيلين وزوجها قطيعة ما . وارتاحت هيلين الى تخليه عن المسلك الصارم الذي انتهجه اخيراً نحوها .
قال تاسوس وهم يهمون بالافتراق :
"يجب ان تزورانا ."
وكان مع ترودي في السيارة بينما وقف ليون وهيلين بجوارهما , قال ليون :
"لندع تحديد الموعد يوماً او اثنين . سأخبر هيلين متى أخلى لذلك ."
هل كان يعني انه لن يرد الزيارة ؟ تمنت هيلين لو انه لا يفعل ما يفسد صداقتها مع ترودي , كما فعل بالنسبة الى روبرت . فقد نفذ صبر روبرت منذ رضخت لرغبة زوجها وتخلت عن العمل في الفيلا حتى لم يعد يحييها , ولو بايماءة من رأسه , اذا تصادف أن تقابلا في القرية .

Rehana 07-02-11 09:28 AM

قالت ترودي , وهي تطل من نافذة السيارة :
"أتمنى ان يأتي الطفلان في وقت ما . لماذا لا تحضرينهما حين تأتين يوم الجمعة ؟"
فقالت هيلين مترددة :
"لا أدري , ربما يكونان شديدي الصخب , ولديك أشياء بديعة في البيت ."
فقال تاسوس :
"وفي منزلكما أيضاً , إننا نحب الناس في المسكن , فلا تشغلي بالك بالاشياء ."
تدخل ليون قائلاً :
"لا أتصور أنهما يسيئان السلوك يا هيلين . سنذهب جميعاً الى نيقوسيا يوم الجمعة ."
ظلت هيلين وليون واقفين حتى غابت السيارة وراء منعرج , ثم دخلا البيت . ولاح لها أن المناسبة الاجتماعية البسيطة خففت من التوتر بينهما . فقالت تستدرجه :
"أنا استمتعت بوجودهما . وأنت ؟"
فقال وهو يتثاءب :
"كانت من أبهج الامسيات .... وكان طعامك ممتازاً ."
منتديات ليلاس
ابتسمت وهي تجلس , وتود أن يحذو حذوها . ما بالها ؟ قد لا يؤدي هذا الى هوانها , فليون لم يعد يأبه لها , وكانت كرامتها تحول دون أن تتسول أية محاباة أو وصال . ولكن , ليته يكون رقيقاً فحسب , فلم تكن تحتمل ان تستمر على هذا المنوال . كان من السهل ان تقول أنها لم تعد تحفل به , ولكن من العسير أن تقنع نفسها بصدق هذا .
قال ويداه في جيبه :
"الوقت متأخر . أرى أن أذهب الى فراشي . طابت ليلتك يا هيلين ."
فغاص قلبها , وقالت بصوت مرتجف :
"طابت ليلتك يا ليون . إنك على صواب , فالوقت متأخر ."


** ** **

منتديات ليلاس
اتصلت العمة كريسولا هاتفياً – في اليوم التالي – تسأل عن ليون فلما أخبرتها هيلين بأنه في المكتب , قالت مغضبة :
"كلا , ولا أجده كلما طلبته هاتفياً . ماذا فعل بصدد الدار التي سيبتاعها لي ؟ قال منذ اكثر من اسبوع أنه رأى ما يناسبني ولكن الثمن مرتفع كثيراً . وكنت أتوقع ان يتمكن من تخفيضه ."
" ألم يتصل بك بعد ذلك ؟"
" لم أره ولا سمعت منه . في أي حال , أين هو ؟ لماذا ليس في مكتبه ؟"
"لا ادري يا عمتي كريسولا . لعله خرج في عمل ..."
" لماذا ؟ كل يوم ؟ أخبريه بأنني أريد رؤيته هذا المساء ! "
" أنه يعود متأخراً عادة ولكني سأخبره عندما يعود . وإذا لم يكن الوقت متأخراً جداً فقد يوافيك , والا فسيأتي في وقت آخر .."
"وقت آخر ؟ متى ؟ اسمعي يا هيلين , ما الذي يجري ؟ لماذا لايعود للبيت مبكراً ؟ أين يذهب ؟"
ترددت هيلين . كان واضحاً أن العمة كريسولا في دهشة من سلوك ابن أخيها , واحتارت هيلين , أتنتحل لليون أعذاراً ؟ ولكن , ماذا تقول ؟وانتهت الى القول :
"لست أدري أين يذهب . فهو لا يحدثني في شؤون عمله ."
صاحت العمة :
"عمل ؟ أتقولين أنه ينجز عملاً في الليل ؟"
وازاء عجز هيلين عن الجواب , لاذت بالصمت . فاسترسلت العجوز وفي صوتها نبرة الشك :
" لم يكن أبداً ممن يترددون على المطاعم والمقاهي , أعني بانتظام . فأين هو ؟"
ووعدتها هيلين بأن تبلغه رسالتها , ثم أعادت السماعة .. لم يكن ليون في المكتب , ولم يعد الى البيت إلا في ساعة متأخرة ؟ لعله من الافضل أن يذهب ويعيش مع بولا مكسويل ! وحاولت ان تكبح دموع الغضب , ولكنها ما لبثت أن أسلمت نفسها للبكاء . واذ ذاك أقبلت فيونا فأخذت تحدق فيها مذهولة , ثم أحاطت خصرها بذراعيها , قائلة :
"لماذا تبكين ؟ أرجوك , لا تبكي , هل انت حزينة يا عمتي هيلين ؟"

Rehana 07-02-11 09:29 AM

جففت هيلين عينيها , واصطنعت بمجهود ابتسامة باهتة وقالت :
"كلا , يا عزيزتي , ولا شيء ."
لكن الدموع عادت . وحاولت هيلين التخلص من ذراعي فيونا , لكن الصغيرة تعلقت بها بشدة وشرعت تبكي فهتفت هيلين :
"اسكتي يا فيونا العزيزة , لا شيء هناك اطلاقاً ."
" بل إنك حزينة , ما كنت تبكين لو لم تكوني حزينة ."
جففت هيلين عينيها وتحولت تمسح الدموع عن وجه فيونا الصغيرة , وهي تقول :
"لست حزينة يا حبيبتي . كوني مطيعة وكفي عن البكاء ."
قالت فيونا وجسمها يرتج بالتشنج :
"لماذا كنت تبكين ؟"
فضمتها هيلين لحظة بدون كلام , ثم قالت أخيراً :
"لم أكن بصحة جيدة ."
فتطلعت فيونا بلهفة , وبدا أنها على وشك البكاء ثانية
بادرت هيلين قائلة , وقد حزنت لتكدر الطفلة :
"لم أعد كذلك . إنني الان بخير يا عزيزتي ."
منتديات ليلاس
دهشت هيلين إذ اتقدت عينا ليون غضباً , عندما أبلغته رسالة عمته وقد عاد الى البيت مبكراً خلافاً للعادة . وصاح محنقاً :
"هل تتصور أنه لا يوجد ما يشغل بالي سوى دارها ؟ عليها ان تنتظر فهناك أمور أهم تحتاج العناية حالياً ."
ما هذا السخط ؟ وما معنى هذه الكلمات ؟ هل حدث بينه وبين بولا ما يسوء ؟ أم أن علاقتهما أصبحت أكثر عمقاً وتوريطاص ؟ واضطرت الى أن تسأله :
"ما هذه الامور الهامة يا ليون ؟ "
لكنه هز رأسه وأبى أن يخبرها . وإن كانت توقعت ذلك , كان يبدو مجهداً , ولاحظت عينيه كذلك , لكم تبدوان متعبتين ! ونتف الشيب عند سالفيه بدت بيضاء تقريباً ! ما الذي ألم به ؟ وفي لحظة وجيزة لم يخالجها سوى الحب والحنان , وتحرقت الى أن تحيطه بذراعيها , وأن تجذب رأسه الى صدرها لتواسيه . لكنها أسرعت تقاوم لين قلبها . إن ما حدث – أيا كان – لا يعني سوى بولا . واذا انغمس في علاقة كهذه فعليه وحده أن يحمل عبء أي متاعب تترتب عليها . لماذا تمنحه عطفها وهو يضن عليها بالعطف ؟
لم يخاطبها لساعة أو أكثر . وعندما أقبل تشيبي يطوح بكرته ويتلقفها وصاح فيه مغضباً , صاحت على الرغم منها :
"ليون ! لا داعي لأن تكلم تشيبي هكذا ."
وجاء رده حاداً , فصاحت به :
"لا حاجة لك بأن تصرخ , فلست صماء ."
حدجها بغضب , وهم أن يتكلم , ثم سكت وأخلد للصمت . وكانت هيلين تتأجج غضباً . ظلت أسبوعين تقضي الامسيات وحدها , ولما عاد مبكراً مرة , لم يفعل سوى ان ينفث غضبه فيها وفي الطفليين . وسعت الى الحديقة لتنضم الى الصغيريين , وتركوه وحيد . لكنه ما لبث ان جاء وقال أنه ذاهب لمقابلة عمته – كان صوته قد فقد حدته , لكن مزاجه ظل مكدراً .
فسألته :
"هل عثرت لها على دار صغيرة ؟"
"كما تبتغي لكن أغلى مما توقعت . على ان بيتها العتيق جلب سعراً ممتازاً فستخرج بفائض كبير ."
ودفع يداً كليلة خلال شعره , ثم انطلق – وهو لا يزال مضطرباً متعباً . وانتقلت حاله الى هيلين , فلن تطق البقاء وحيدة أمسية أخرى , واستبقت الطفلين ...ولدهشتها عاد ليون قبيل الساعة التاسعة فلما رأى الطفلين ساهرين , قالت :
"استبقيتهما ليؤنساني . من الممكن الان ان يذهبا الى النوم ."
قال متردداً :
"لا داعي اتركيهما فترة , واحضري عشاءهما هنا."
منتديات ليلاس
عجبت هيلين . كان دائم الحزم بالنسبة لموعد نومهما . وهزت كتفها وذهبت الى المطبخ . وعندما عادت الى حجرة الجلوس , وجدت فيونا على حضن عمها , وذارعها حول عنقه , ووجنتها تلتصق بوجنته . أما تشيبي فظل جالساً على السجادة , واجماً . وأطل ليون من مجلسه لحظة – ثم بدا على وشك البكاء . وأدركت هيلين ما به . ولكن ليون عاد يسأله , فقال مشيحاً ببصره :
"إنك لا تحبني قدر ما تحب فيونا , صرخت في مغضباً , عندما كنت العب بالكرة ."
بسط ليون ذراعه للصبي , قائلاً :
"إنني آسف يا تشيبي "

Rehana 07-02-11 09:30 AM

وجلس الطفلان على ركبتي ليون . وكان وجهه متوارياً عن هيلين , حين دخلت الحجرة لكنها شعرت بحزن عميق يتملكه . ليته يخبرها بما يكربه !
مالت فيونا تتفرس في وجه عمها الاسمر , وسألته :
"أتحب تشيبي بقدر ما تحبني ؟"
فقال :
"أحبكما سواء ."
كانت هيلين تعرف أنه صادق . وما كان ثمة شك أنه اخذ يزداد حباً لهما . ولم تملك سوى ان تواصل التحديق فيه . فالنبرة المرتجفة في صوته , كانت توحي بتعاسة خالصة – وذراعاه كانا تحيطان تشيبي وفيونا باحكام , وبدا كأنه لن يفلتهما أبداً . وقالت هيلين مؤنبة نفسها :
"ما بالي ؟"
ثم اردفت لمجرد تخفيف التوتر في نفسها :
"هل سويت كل شيء مع العمة كريسولا ؟ هل ترغب في الدار التي وجدتها لها ؟"
أومأ برأسه – ورمقها بنظرة عابرة , شعرت معها أنه لا ينتبه اليها مطلقاً . وقال وهو يسحب ذارعه ينزل تشيبي انتظاراً للعشاء :
" إنها سعيدة بالصفقة كلها . زال عن ذهني هم واحد على الاقل ."
منتديات ليلاس
واحد .... ما المشكلة الفظيعة التي تشغل بال زوجها ؟ هل تتعلق بشيء غير علاقته ببولا ؟ هل هي متعلقة بالمال ؟"
عندما أوى الطفلان الى الفراش , وغسلت صحون عشائهما , عادت الى حجرة الجلوس , فاذا ليون على الاريكة , وقد أسلم رأسه الى راحتيه . واعتصر الاسى قلبها , ونسيت بولا , وكل شقاق , وكل كلمات غاضبة دارت بينهما . لم تعد واثقة الا انها لا تزال تحبه , وأنها ستظل تهتم به مهما فعل بها في الماضي أو في المستقبل – ومست كمه في تهيب وقالت :
"ليون . ألا تخبرني بما يغيرك ؟ أهي النقود ؟"
فبادر قائلاً :
"كلا , يا هيلين . ليست خسارتي في النقود ."
كان واضحاً أنه خسر شيئاً . لعل بولا نبذته . وعادت تسأله :
"إذن ماذا ؟ ألا تخبرني بما يسوءك يا ليون ؟"
لم يجب على الفور , بل استغرق في التفكير , وشعرت أنه كان يحاول أن يتخذ قراراً . لكنه قال أخيراً في هدوء وحسم :
"كلا يا هيلين , لا أستطيع أن أخبرك ."
سحبت يدها , وشاحت ببطء والاسى يفيض في قلبها . لم يكن لجوابه سوى معنى واحد , هو أن شقاءه متصل ببولا . فلو كان له سبب آخر , لما وجد مبرراً يمنعه أن يخبرها .

** ** **
منتديات ليلاس
كان عليهم أن ينطلقوا مبكرين يوم الجمعة , لأن ليون يريد اللحاق بالقافلة . وكان هذا يعني أن يصلوا الى نيقوسيا قبل الساعة الثامنة فاقترحت هيلين ان يمكثوا في المكتب فترة , وقال ليون :
"أخشى أنني سأكون مشغولاً . سأقلكم مباشرة الى بيت ترودي . إنها تعرف أنكم قادمين مبكرين , لأنني قلت لكم انكم ستأتون معي ."
" ولكن الساعة الثامنة . كلا يا ليون , اذا لم تردنا في المكتب , فسنقوم بجولة بعض الوقت ."
قال :
" ليست المسألة أنني لا أريدكم . ولكنني مشغول جداً ."
لا أثر لاعتذار في صوته , ولكن السبب كان واضحاً . لا داعي للقلق , فهي لن تسأله أبداً عن اللوحة , لأن كبرياءها يمنعها .
قالت فيونا :
"ولكني أريد الذهاب الى المكتب ,فلم أره سوى مرة واحدة ."
وقال تشيبي :
"سنلتزم الهدوء يا عمي ليون ."
كان ثيو موجوداً عند وصولهم , وقد انصرف الى ري الزهور حول الجدار الخارجي وعلى جانبي السلم .
قالت فيونا وهي تسير على السجادة السميكة , متأملة كل ما حولها :
"ما أجمله ! لم يكن هكذا من قبل ."
فقال عمها :
"هكذا كان تماماً , لكنكم لم تنتبهوا لأنكم كنتم تشعرون بغربة ! "
حقا , ألم يكن الطفلان يقولان ان عمهما فظيع ! وكانت هي نفسها مضطربة , لا تدري كيف سينسجمان مع رجل اشتهر بأنه يكره الاطفال . لكنه سرعان ما تعود ان يحبهما , وسرعان ما بادلاه حبا بحب . ليته يحفل بها هي , عندئذ سيكونون أسرة سعيدة .

Rehana 07-02-11 09:32 AM

كان ليون يهم بالانتقال الى المكتب الداخلي , حين رن جرس الهاتف ورفع السماعة , وسرعان ما بدا التحفظ على محياه , وألقى بنظرة سريعة نحو هيلين لم تدع لديها شك في أنه يفضل ان تكون في مكان اخر . وكانت كلماته حذرة , وما لبث أن غطى السماعة براحته , وقال :
"أتسمحين باصطحاب الطفلين الى الخارج ياهيلين ؟ آسف , ولكن هذه المكالمة خاصة , ادخلوا مكتبي ."
وشحب وجهها لكنها لم تجب , بل دفعت الطفلين بلطف الى حجرة ليون .
ترى من على الطرف الاخر من الهاتف ؟ كانت امرأة , اذ سمعت هيلين صوتها . امرأة كانت تعرف بعزمه على الحضور الى المكتب مبكراً . ما الذي قالته حتى يبدو الحذر في عينيه ؟ كان كل ما أتيح لهيلين سماعه هو : " صارحتك بالامس , لكنك حين اتصلت ثانية وقلت أنه غير كاف , سحبت ما عرضت . فقلت أنك ستتصلين ثانية في الصباح . نعم , بوسعك أن تناليه بالتأكيد ."
منتديات ليلاس
بعد لحظة او اثنين , اقبل ثيو , وسار الى المكتب , فأخذ بعض الاوراق . وسقط دفتر شيكات ليون على الارض , فانحنت هيلين تلتقطه , ولكن ثيو سبقها . وقال وهو يشعر بالحاجة الى بعض الايضاح :
"هذا ما يريده السيد بيترو . الشيك للسيدة ."
وابتسم وهو ينتزع شيكاً ثم يعيد الدفتر الى الدرج . وخرج . وما لبثت هيلين أن سمعت سيارته تنطلق . السيدة ؟! لمعت عيناها , ثم غامتا . ولمحت الرقم , حين وقع الدفتر مفتوحاً – خمسة ملايين من المليمات – خمسة الآف جنيه ! واتجهت نظراتها الى الدرج الذي احتوى الدفتر . وكانت فيونا قد خرجت الى الشرفة , بينما ظل تشيبي جالساً في مقعد عمه . وتسارعت دقات قلبها لما جال بخاطرها ... فهناك خطأ . ولكن , لابد ان تعرف . فقد لا تكون المرأة بولا . وراحت تدعو ألا تكون هي . اذ لمحت تاريخ الشيك وحرف "ب" لماذا أعطاها النقود ؟ هل تورطت بولا في دين ؟ ألهذا كان ليون قلقاً ومهموماً ؟
نظرت اليه عندما دخل الحجرة , فاذا معظم القلق فارق محياه وبدا أن هذا كان علة قلقه وهمه حقا . وقبل ان تتكلم , اندفعت فيونا الى الحجرة قائلة :
"أشعر بألم يا عمي ليون ."
وتعلقت به , وشرعت تبكي قائلة :
"إنه شديد ! "
ورفعها وأجلسها على ركبته , وقال :
"أين الالم ؟ في بطنك ؟"
فهزت رأسها وقالت :
"كلا , لا أدري , زال الان ."
وتناول منديله فجفف عينيها وهو يقول :
"الفتيات الكبيرات لا يبكين لمجرد الشعور بتوعك ."
" العمة هيلين فتاة كبيرة , وهي تبكي حين تشعر بتوعك ."
اتجهت عيناه الى هيلين , فأحمر وجهها وهو يقول :
"متى كانت العمة هيلين مريضة ؟"
فقالت الصغيرة :
"منذ ايام , وبكت كثيراً . اليس كذلك يا عمتي هيلين ؟"
منتديات ليلاس
وسمعت أخاها يناديها , فأسرعت اليه . وعندئذ سأل ليون زوجته :
"لماذا كنت تبكين يا هيلين ؟"
لم يعد صوته خافتاً رقيقاً , بل عادت خشونته المفاجئة . وقالت :
"كنت متوعكة , كما قالت فيونا ."
" لا تكذبي , لابد أنك كنت اكثر من مستاءة حتى انك سمحت لفيونا ان تراك باكية , لعل هذا يرجع الى انني لم اسمح لك بلقاء صديقك الانكليزي ."
وحدقت فيه بحيرة , وقالت :
"لا أظنني أفهمك يا ليون . لماذا تقحم روبرت ؟ كأننا لم نكن مجرد صديقين ."
"انكما اكثر من صديقين بكثير , فلا داعي لأن تحاولي التغرير بي ."
اشتدت حيرتها . وصاحت :
"كيف تجسر على هذا القول ؟ انني لا اكاد أعرفه! "

Rehana 07-02-11 09:33 AM

بأي حق يجلس هناك ويرميها باتهامات , وهو أعطى بولا منذ قليل خمسة آلاف جنيه ؟ هل تخبره بما عرفت ؟ كلا , من حقه ان يفعل بنقوده ما يشاء ؟
" إن معرفتك به كانت كافية لأن تدخليه بيتي! "
"أدخله ؟ كيف لك ان تعرف ؟"
"قيل لي ان هذه الامور تنتشر ."
واحتقن وجهها غضباً وهتفت :
"ولكن من ؟ أهي التي أخبرتك ؟"
فقال :
"هي ؟"
" أنت تعرف جيداً . بولا مكسويل ! "
"أصبت إنها أخبرتني ."
منتديات ليلاس
حملقت فيه حائرة . أكان يعرف طيلة الوقت , ومع هذا لم يخبرها إلا الان . أكان ليون من النوع الذي يظل صامتاً ازاء أمر كهذا ؟ لماذا لم ينتهز الفرصة لتعريضها مرة اخرى لشقاق عنيف ؟ أمر يتعذر تصديقه . وسألته :
"لماذا لم تقل شيئاً عن هذا قبل الان ؟"
" كانت لي اسباب خاصة ."
"أية اسباب ؟"
قال :
"إنها لم تعد الان ذات اهمية ؟ المهم أنني لم ادع زوجتي تجري في كل مكان مع رجال القرية ."
فاشتد احمرار وجهها وصاحت :
"رجال ! لا اسمح لك بأن تقول هذا لي . كيف تجسر وأنت تخرج معها ."
فنظر اليها مذهولاً :
"معها ؟"
اشتدت فورة غضبها , وألقت اليه بكل ما عرفت :
"بولا مكسويل ! هل اخبرتك عن روبرت ؟ ألا اسمع .... عندما رد روبرت على مخابرتك , ظننته أنت , واخذت تحدثه عن الغداء الذي دبرتماه ."
اعتدل في مقعده , والدهشة تكسو محياه , وهتف :
"غداء ؟"
واشتد غضبها , فمضت تقول بصوت مرتجف :
"أجل .... ولا داعي لهذا التظاهر , فأنت تعرف كل شيء . كانت تطلب منك طعاماً وشراباً , لأنكما كنتما ذاهبين الى العراء ."
منتديات ليلاس
ونطقت العبارة بتؤدة متعمدة , لتستقر كلماتها في نفسه , ثم سكتت في حيرة , عندما استلقى زوجها في مقعده ويداه في جيبه وعلى محياه مزيج من الدهشة والارتياح . وزادها حيرة ان قال في هدوء وخفوت زادها هياجاً :
"أتصدقين هذا حقاً ياهيلين ؟ أهو السبب في ...... أهذا ما كان يضايقك ؟"
" أصدقه ؟ طبعاً . فكل شخص يعرف بعلاقتك مع بولا , اخبرني روبرت انك كنت تصاحبها قبل ان تلتقي بي ."
"كنت وبولا صديقين يوماً ."
" ولا تزالان ..... أما ان يضايقني هذا , فأنت تتملق نفسك . لا اهتم ولو كنت تصاحب عشر نساء ! إذا كنت تقضي معها كل مساء , إذا كنت أعطيتها لوحتي , مع أنك قلت أنك تعجب بها جداً ....."
وناضلت لتكبح الدموع الحارة التي وثبت الى مقليتها , وواصلت حديثها غير مكترثة بكتمان شيء :
"لست احفل بأنك أعطيتها خمسة آلاف جنيه ! "
"أأنت ؟ كيف تعلمين بهذا ؟"
وشرحت له ما حدث , واردفت متحدية :
"روبرت صديقي , ولا يهمني ما تظنه بي , لا احفل بشيء ."
وهرعت مغادرة المكتب , وهي تناضل لتهدئة نفسها , وراحت تنادي الطفلين . وسمعت صوت زوجها يناديها بلطف , ولكنها واصلت ركضها , حتى كادت تصطدم برجل طويل أشيب , أقبل على المبنى . وسمعت صوت زوجها يزداد اقتراباً :
"هيلين ..... أيتها الحمقاء الصغيرة ."


نهاية الفصل التاسع

Rehana 07-02-11 09:40 AM

10- لغز اللوحة ..



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12927042711.gif




كان من المتوقع ان تفطن ترودي لحدوث شيء ما , فما أن خرج الطفلان يلهوان في فناء البيت , حتى سألت هيلين في لهفة عما يزعجها . وأجابتها بصوت متهدج :
"لاشيء يا ترودي ."
وجاهدت لئلا تبكي , لكن ترودي ألحت عليها , حتى افضت اليها بكل شيء وجزعت ترودي . وحدقت فيها غير مصدقة في البداية لكنها تقبلت القصة شيئاً فشيئاً .
" أعطاها خمسة آلاف جنيه ؟"
" وهكذا ترين أنه لابد مدله بهواها ."
"لماذا لم يتزوجها ؟ ألم تقولي أنه عرفها قبل ان يعرفك ؟"
"كانت تتوقع دائماً ان يتزوجها , لكنه لم يكن ممن يتزوجون . ولعله ما كان يتزوج لولا الطفلين ."
أرسلت ترودي صفير دهشة , وقالت :
"خمسة آلاف جنيه ....لابد انها استدرجته حيث تريده بلا شك ."
" لاشيء يمكن أن يزيد الموقف سوءاً بيننا . ليتني استطيع ان أتركه , ولكني لا استطيع ترك تشيبي وفيونا أبداً ."
أحاطتها ترودي بذراعها , وقالت :
"سيجلبان لك السعادة ياهيلين . انني متأكدة ."
وتهدج صوتها , وهي تقول :
"تصوري ان يحدث هذا لك انت دون الناس جميعاً ! وكأن صدمة واحدة لا تكفيك ."
" انا المخطئة يا ترودي . أقسمت ألا اتعلق بأحد ثانية , والا أدع رجلاً أخر يجرح مشاعري ."
" الذي لا افهمه هو لماذا اخبرك بكل هذا عن روبرت صياح اليوم فقط ؟ لابد انه عرفه من مدة ."
" أجل , وهذا يحيرني انا الاخرى , لأنه اصبح في الفترة الاخيرة شديد الحرص لماذا يلزم الحذر ؟"
منتديات ليلاس
كان ليون يبدو حذراً بالتأكيد في الاسابيع القلائل الماضية . وكان فاتراً نحوها , لكن بدون مشاجرات ولا كلمات جارحة . وحرص على التباعد . وعللت هذا بأن رغبته تضاءلت , لكنها الان لا تجزم بهذا . أترى السبب أنه .... لعله ما ..... لم يشأ ان يثير اضطرابها , أو يجعلها تزداد تبرما بحياتها ؟ لكن , ما سر هذا التغير المباغت ؟ لو لم تروعه اليوم لعرضها – مرة أخرى – لمشهد عنيف , وجعلها تشعر – مرة اخرى – بقوة سلطانه .
مرة اخرى , سألت نفسها : ما السبب في التغير ؟ وقالت وكأنها تفكر بصوت عال :
"هناك أمر لا افهمه يا ترودي . ولكن , لا قيمة له لأنه لا يمكن ان يحدث أي اختلاف بالنسبة الى ليون والي ."
قالت ترودي اثناء تناول الغداء :
"لا يزال الامر كله يحيرني . لايبدو اطلاقاً ان ليون من الصنف الذي يتعمد ايلامك على هذا النحو . ان تاسوس كثير الاعجاب به ."
منتديات ليلاس
ايلام ؟ إنه تعبير مخفف لوصف معاملة ليون إياها في بعض المناسبات . وتدفقت الذكريات . كانت هناك اوقات بدا فيها ان ليون لا يريد شيئاً اكثر من ان يكون معها ومع الطفلين . وتذكرت مشاعرها نحو زوجها وهي تتطور ببطء , وبرغم ارادتها , تقارباً حتى شعرت بسعادة ما كانت تعتقد أنها ممكنة . ثم كان إعطاء لوحتها لبولا . كانت هذه هي البداية .....
اقتحم أفكارها صوت تشيبي :
"هل أستطيع الخروج للرياضة بعد الغداء ؟"
فرفعت بصرها وابتسمت له . ثم سألت صديقتها :
"أيناسبك هذا ؟"
قالت ترودي :
"تماماً , فأنا أحب المشي ."
كانت الساعة الرابعة حين عادوا الى البيت , فاذا ليون يجلس في السيارة امامه , ووجف قلب هيلين لكنها حاولت ان يكون صوتها رصيناً وقالت :
"إنك مبكر يا ليون ."
وغادر السيارة ووقف يتأمل هيلين وعلى وجهه أغرب تعبير .
"إنني أنتظر منذ أكثر من ساعتين ."

Rehana 07-02-11 09:41 AM

أمسكت فيونا بيده , وألصقتها بوجنتها , وقالت :
"كل هذا المدة يا عمي ليون ؟ كنا نتريض فمشينا أميالاً ."
وسأله تشيبي :
"هل جئت لتصطحبنا الى البيت ؟ قالت العمة هيلين أننا سنعود في القطار ."
غمغم ليون وهو لا يزال يرمقها بتعبير عجيب :
"إن ما تقوله العمة هيلين يختلف عما اقوله . أحياناً بخطر على بالها أغرب الافكار يا تشيبي ."
ما كانت لتخطىء المعنى العميق وراء تلك الكلمات , فحدقت فيه , وهي تفطن الى اهتمام ترودي فتشعر بالحرج . وأخيراً قالت ترودي , وهي تتقدمهم الى السلم :
"ألا ندخل ؟ انني أموت عطشاً ."
منتديات ليلاس
وذهبت الى المطبخ فوراً لتعد المشروبات . ودخل الاخرون غرفة الجلوس . ودعا ليون الطفلين للذهاب الى اللعب , ولكنهما ارتميا في المقعدين متعبين . وقالت هيلين :
"إنهما متعبان حقاً ."
وصمتت عندما ظهرت على شفتي ليون لمسة حزم . وتذكرت مسلكها ذلك الصباح , فاذا برجفة تنتابها فجأة . ما كانت تود ان تخلو مع زوجها . قال , وقد سمح للطفلين بالبقاء :
"من أخبرك بأنني فرطت في لوحتك ؟"
بدا صوتها عالياً مضطرباً وهي تقول :
"مصففة الشعر في القرية ... ما كنت اصدق هذا ."
قال في لوم :
"كنت أظنك فوق الاكتراث بالشائعات . هل صدقت أنني افارق اللوحة وقد قلت أنني اريدها في مكتبي ."
ابتلعت هيلين ريقها بعناء . كان ثمة خطأ في الامر , فبرغم بقاء اللوم في عيني ليون , سرى خلالهما وميض من حنان .
وقالت :
"لكنها ليست في مكتبك ."
" لابد ان اصحح قولك ياعزيزتي . فهي في مكتبي ."
اتخذت خطوة قصيرة نحوه , وقالت :
"ولكن .... لكنها لم تكن ..... إذا لم تكن اعطيتها إياها , فأين كانت ؟ ظننت أنك أعطيتها إياها لأن ...لأن ..."
وأمسكت عندما انتبهت الى ان الطفلين يصيغيان اليها .
قال متجاهلاً آخر كلماتها :
" الايضاح بسيط يا عزيزتي . لو انك سألتني عندما سمعت أول مرة , لوفرنا علينا قدراً كبيراً من الشقاء ."
منتديات ليلاس
ومضى يخبرها بأن الرجل المهتم بشراء الطاحون القديمة أتى اليه أصلاً من طرف بولا . وعندما رأى لوحة الطاحون في مكتبه , أراد ان يشتريها ولكن ليون رفض طبعاً . اذ ذاك سألني اذا كنت أجعلك ترسمين لوحة اخرى له , ولكنت كنت انانياً , أريد ان اقتني اللوحة الوحيدة من رسم زوجتي . غير انني اعرته اياها ليصطنع نسخة منها . وكانت بولا تعرف رساماً مستعداً لذلك , وهكذا كانت اللوحة عندها . لكنني استرجعتها وهي الان في مكان مشرف في مكتبي .
وهز رأسه في اسى وقال :
"كيف تصدقين ذلك عني يا هيلين ؟"
أخذت تعتصر يديها في حيرة , وقالت :
"لست أدري , إنها لم تكن في مكتبك عندما كنت فيه منذ يومين , فلما قالت ايليني ان بولا تقتينها , استنتجت بطبيعة الامر أنك أعطيتها اليها ."
وتطلعت اليه , وفي نظراتها بقية من عدم الاطمئنان , وقالت هامسة :
"لديك تفسير لهذا , ولكن بقية الامور الاخرى ...."
وأمسكت وهزت رأسها . أي عذر لديه لاعطائه بولا خمسة آلاف جنيه . فأجاب بلطف :
"لدي تفسير لكل شيء ."
تطلعت اليه بنظرة متسائلة , وهي تقول :
"كل شيء يا ليون ؟"
منتديات ليلاس
فغمغم بتفكه حنون :
"إنك رعناء صغيرة ياهيلين ؟ ما الذي يجب ان افعله معك ؟"
فرمقته بتوسل قائلة :
"ما التفسير يا ليون ؟ كنت تعسة جدا ."
لم يتكلم لبرهة , وعيناه شردتا الى الطفلين , ثم قال :
"هيا الى السيارة .... أنتما الاثنان ."
انزلقت فيونا عن مقعدها , وأمالت رأسها لتتطلع اليه , وقالت :
"هل ستصطحبنا الى البيت يا عمي ليون ؟"
فسرى في عينيه أعجب تعبير – وقال بصوت خافت :
"نعم يا فيونا , اذهب الى السيارة يا تشيبي."

Rehana 07-02-11 09:42 AM

وراقبهما حتى خرجا – ثم قال لهيلين :
" هيا يا حبيبيتي , حان الوقت لننطلق ."
" ولكنك قلت ستفسر الامر يا ليون ."
فابتسم بحنان , وقال :
"ليس هنا يا حبيبتي , عندما نصل ال البيت , ويأوي الطفلان الى النوم ."
هتفت ترودي بعد لحظة , وهما يستأذنان فجأة للانصراف :
"لا اطيق هذا ! ما الذي يجري يا ليون ؟ لا يحق لكما ان تنصرفا هكذا , وتتركاني مشغولة البال ."
فقال ونظراته الحنون لا تفارق وجه هيلين :
" كانت هيلين مضطربة الفكر حين وصلت الى هنا ."
تدافعت الدماء الى وجه هيلين . وحاولت ان تستوقفه , فقالت ترودي :
"والآن تتعجلان الانصراف بدون ان تخبراني بشيء , رحمة بأمرأة يستبد بها الفضول يا ليون ! "
قال :
"إننا ذاهبان الى البيت لنسوي بضع حالات سوء الفهم ."
ثم أردف :
"أما ذلك العشاء .... فأرسلا لنا دعوتكما عندما تشاءان ."
ونقلت ترودي بصرها بينهما , وابتسمت راضية , وقالت :
"سنجعل منه احتفالاً ."
منتديات ليلاس
** ** **
كانت ثرثرة الطفلين هي كل مافي السيارة من صوت لبرهة طويلة , ثم قالت هيلين بفتور , لمجرد تبديد الصمت :
"تركت المكتب مبكراً ."
ولم يبد أنه لاحظ الفتور , وقال :
"تركته قبل مجيء بوقت أطول , كان علي ان احسم مهمة ."
وعاد الصمت ثانية , ثم قالت متهيبة :
"قلت إنك ستفسر يا ليون ."
قال :
"ما الذي لا يجوز قوله أمام تشيبي وفيونا ."
كانت في صوته خشونة مفاجئة , فالتفتت اليه في دهشة . كان فمه ينم عن اصرار فاستلقت في مقعدها ولم تزد .
كانا في الشرفة حين اخبرها ليون بما عاناه منذ يوم ظهور ام الطفلين وتهديدها بأن تأخذهما منه يقول :
"رأيت على الفور أنها لا تكن اهتماماً حقيقاً للطفلين , ولا تبغي سوى المال . وأحسبني كشفت موقفي , فرأت مدى قيمة تشيبي وفيونا لدي , فظلت تجادل بصدد المبلغ ...تغير رأيها باستمرار طمعاً في المزيد على انه قررت ان ترضى بخمسة الاف .....مع انني مستعداً لأن ازيد لو ألحت ."
منتديات ليلاس
ساد صمت لا يعكره سوى النسيم يتخلل سعف النخيل على حافة الحديقة .... ثم قال هيلين في جزع :
"ليس لها ان تاخذهما يا ليون .... ليس الان ."
فهز رأسه في حزم قائلا ً:
"كان هذا هو المصدر الحقيقي لقلقي , لكني رفضت ان اعطيعا نقود مالم توافق على ان اتبناهما قانونياً . وقد سوينا هذا اليوم . كلا يا عزيزتي , ما من أحد سيأخذهما من أبداً ."
وشدها اليه , فأحست مرة أخرى بفيض حنانه وقوته . فقالت بشعور بالذنب :
"ليتك تجعلني أشاطرك متاعبك ."
ثم أردفت بندم صادق :
"لكم كنت حمقاء يا ليون ! لا أدري كيف تستطيع ان تصفح عني ."
قال :
"صفحت عني مرة . أتذكرين ؟ لم يكن الامر كما ظننت قط يا عزيزتي ما كان ذلك الا لأنني أحببتك ."
وأقصاها عنه قليلاً ليتأملها بلهفة , وهو يقول :
"هل تصدقينني يا هيلين ؟ لابد ...."
"إنني أصدقك ....أوه يا ليون , لماذا لم أعرف عندئذ ."
قال :
"بسبب جرحك القديم . اعتقدت ان الرجال سواء , وهذا أمر طبيعي ."

Rehana 07-02-11 09:49 AM

ومرت برهة طويلة , قبل أن يقول في دعابة رقيقة :
" هناك مسألة بسيطة أخرى , ياحبيبيتي الحمقاء الصغيرة . اتهمتني بالذهاب لغداء خلوي مع بولا . إنها تبيع عقارات صغيرة , وكلفتها بالبحث عن شيء للعمة كريسولا . وكانت لديها قائمة طويلة , وأؤكد لك يا حبيبتي بأن الطواف بالاماكن لاختيار احدها بالثمن الذي ارادت عمتي دفعه , لم يكن نزهة أو غداء خلوياً ."
ظلت هيلين صامتة , ورأسه مطرق . وبعد برهة , وضع أصبعاً تحت ذقنها , فاضطرت الى ان تتلقى نظرته .
عادت تقول بصوت خفيض , متحشرج :
"لا ادري كيف تستطيع ان تغفر لي . لقد مضيت اتسرع في استنتاجاتي ."
فقال :
"وكذلك فعلت انا في الواقع ... لكني كنت شديد الغيرة من رجلك الانكليزي."
"إنه ليس رجلي الانكليزي ... فلا داعي ابداً للغيرة ."
" سبحت معه , فجن جنوني ..."
" السباحة ؟ كيف عرفت هذا ؟"
قال :
"تركت حقيبتك في الشرفة وفيونا – كما تعلمين – لا تقاوم العبث بأي شيء ."
منتديات ليلاس
وسكت فكادت هيلين تجفل إذ اشتدت قبضته على ذراعها , وهو يسترسل :
"طاش صوابي عندما أخرجت ثوب السباحة المبتل . ادركت أنه روبرت لانك لم تكوني تعرفين سواه ."
" لماذا لم تخبرني بهذا في حينه يا ليون ؟ اعني انك لم تذكر ذلك الاهذا الصباح ."
قال :
"اعترف بأنني كنت اريد احاسبك على قضائك بعد ظهر ذلك اليوم معه , ولكني لم اجسر ."
وارتجف , فاشتدت ذراعيها حوله في حب . بينما واصل حديثه :
"كنت أعرف يا حبيبتي انه لو قدر لزوجة اخي ان تأخذ الطفلين , فستكونين في حل من ان تتركيني , لان الطفلين وحدهما هما اللذان ابقياك هنا ."
بادرت مسرعة :
"كلا ....كلا يا ليون ..... ما كنت لاتركك أبداً يا حبيبي .... فلم يكن هناك داع لجزعك ....."
" ولكنني اعتقدت انك ستتركيني , فلزمت الحرص والحذر , لا اجرؤ على ان اثير عداءك , او اجعلك غير راضية عن حياتك . كم اخشى ان افقدك ! "
وضمها اليه وحمل اليه النسيم عبير الصنوبر . وكان الصمت شاملاً , فهمست :
"لن تفقدني ابداً يا ليون . إنني لك الى الابد ! "







The End…

Rehana 07-02-11 09:51 AM

تمت الرواية
تمنياتي لجميع الاعضاء والزوار بقراءة ممتعة:flowers2:

زهرة منسية 07-02-11 10:42 PM

يسلم ايديكى يا قمر مره مره مره حلوه

فتاة 86 07-02-11 11:21 PM

يعطيكي العافية يا أحلى مشرفة بكل المنتديات
شو مارح قلك ما رح يوفيكي حقك
بس كلمة شكراً طالعة من قلبي نشالله تعبر عن مشاعري

:55::friends::flowers2:

الجبل الاخضر 08-02-11 05:35 PM

:55:برافو :55:برافو:55: برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::f63: تسسسسسسسلمين :23_28_116:الروايه مرررررره روعه :friends:اختيار يجنن :0041:وشكرا لمجهودك :8_4_134::55::7_5_129:وننتظر جديدك:flowers2::7_5_129:

هدىgb 17-02-11 02:04 AM

تسلم ايدك على الروايه الحلوه

Rehana 17-02-11 08:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nona1979 (المشاركة 2629566)
يسلم ايديكى يا قمر مره مره مره حلوه

الله يسلمك يارب .. الاحلى مرورك نونا

Rehana 17-02-11 08:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2629591)
يعطيكي العافية يا أحلى مشرفة بكل المنتديات
شو مارح قلك ما رح يوفيكي حقك
بس كلمة شكراً طالعة من قلبي نشالله تعبر عن مشاعري

:55::friends::flowers2:

الله يعافيك يارب .. تسلمى على الكلام الحلووو .. كلك ذوق ياقلبي
ماننحرم منك والعفووو يالغاليه .. عن جد خجلتيني .. تسلمى مرة ثانبة:flowers2:

Rehana 17-02-11 08:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2630146)
:55:برافو :55:برافو:55: برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::f63: تسسسسسسسلمين :23_28_116:الروايه مرررررره روعه :friends:اختيار يجنن :0041:وشكرا لمجهودك :8_4_134::55::7_5_129:وننتظر جديدك:flowers2::7_5_129:

الله يسلمك يارب .. الارووع مرورك خضراء.. والعفووو
وان شاء الله في جديد بإستمرار

Rehana 17-02-11 10:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدىgb (المشاركة 2638371)
تسلم ايدك على الروايه الحلوه

الله يسلمك يارب والاحلى تواجدك فيها

lily12 03-03-11 01:26 PM

thank youuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuu

Rehana 13-05-11 11:44 AM

العفوووو عزيزتي

شمس المملكة 13-05-11 07:42 PM

يعطيك االعااااااافية

ندى ندى 15-05-11 03:43 AM

روووووووووووووووووووووووووعه

Rehana 04-06-11 12:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس المملكة (المشاركة 2741858)
يعطيك االعااااااافية

الله يعافيك يارب
منورة شموسة^-^

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ندى (المشاركة 2743802)
روووووووووووووووووووووووووعه

الارووع مرورك ندى ياندى

lolita07 18-08-11 05:48 PM

جميلة

شكراااااااا

Rehana 24-11-11 11:36 AM

الاجمل مرورك والعفووووو

فجر الكون 26-11-11 08:28 PM

رواية رائعة و مذهله :55:

Rehana 12-01-12 10:21 AM

الاروووع مرورك .. فجر
منورة الرواية بتواجدك فيها

عميشه 17-01-12 03:36 AM

[SIZE="6"][/تشكرات تشكرات جدآ رائعSIZE]

شرطيه المنتدى 18-02-12 04:28 PM

رواية خوقاقيه وهه بسسسس
يسلموووو قلبي:peace:

سبحان الله وبحمده سبحآن الله آلعظيم =)

Rehana 23-03-12 09:45 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عميشه (المشاركة 2981745)
[SIZE="6"][/تشكرات تشكرات جدآ رائعSIZE]

العفوووووو.. عزيزتي
الارووع تواجدك فيها

Rehana 23-03-12 09:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شرطيه المنتدى (المشاركة 3013178)
رواية خوقاقيه وهه بسسسس
يسلموووو قلبي:peace:

سبحان الله وبحمده سبحآن الله آلعظيم =)

بصراحة مافهمت معنى كلامك
بس الله يسلمك

ساحرات 10-06-12 09:37 AM

شكرااااااااااااااااااااااا لكى على مجهودك

ملكة لولو 10-06-12 01:47 PM

شكراااااااااااااا
ممكن اعرف كيف اكتب ف هذا القسم عندي رواية اريد اكتبها

Rehana 11-09-12 09:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحرات (المشاركة 3115846)
شكرااااااااااااااااااااااا لكى على مجهودك

العفوووو ... ساحرات

Rehana 11-09-12 09:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملكة لولو (المشاركة 3115978)
شكراااااااااااااا
ممكن اعرف كيف اكتب ف هذا القسم عندي رواية اريد اكتبها

العفوووو
وانا رديت عليك بالخاص

black star 14-09-12 10:12 PM

يسلمووووووووو ع المجهود

Rehana 03-01-13 08:34 AM

رد: 16- لقاء الغرباء - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة )
 
الله يسلمك .. بلاك
منورة الرواية

Moubel 16-08-21 05:14 PM

رد: 16 - لقاء الغرباء - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية رائعة جدا
شكرا لك على المجهود


الساعة الآن 07:53 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية