منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   129 - الفجر في الغسق - روميليا لاين - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t139402.html)

Rehana 10-04-10 02:02 PM

129 - الفجر في الغسق - روميليا لاين - عبير القديمة ( كاملة )
 
http://www.liillas.com/up3//uploads/...3ac1bcc3aa.gif


السلام عليكم

الفجر في الفسق
للكاتبة :روميليا لاين..من عبير القديمة

هذا رواية من الروايات الغير مكتملة في القسم
وإن راح اكملها في القسم وللإمانة ..منقولة

الملخص

ليس سهلاً ان يتقمص الصديق شخصية صديقه له, بخاصه اذا كان للأمر علاقة بالقلوب و اذا كان هذا القلب مرهفاً الى حد الانكسار . لكن الظروف شاءت ان تذهب فيفيان مكان لوسى الى طنجة للقاء روبرت المقعد المشرف على الموت و كانت لوسى قد راسلته و ارسلت اليه صورة فيفيان لانها اجمل منها .
و فى طنجه تجد فيفيان نفسها ممزقة بين ثلاثة رجال : ترانت شقيق روبرت الذى يملك الكازينو و تحيطه اجمل النساء لكنه شديد القسوه لا يرحم , غارى الشاب الذى احبته منذ سنوات فى طنجه و راحت تبحث عنه حتى وجدته , و روبرت المقعد الذى يحلم بالشعر و الزواج بعدما لمح طيفاً للشفاء .
اى واحد من هؤلاء سيكون رجلها و هل تنجح مؤامرتها مع غارى للسطو على خزنة الاموال فى مكتب ترانت ؟
منتديات ليلاس

Rehana 10-04-10 02:13 PM

1- عندما يخطئ الاصدقاء

الصمت العميق يعم داخل مكاتب شركة بيتشفيلد للمبيعات .
ثم كالعاده رن الجرس معلناً نهاية النهار فى العمل . و فى الحال سمع ضجيج و صخب الموظفات يهبطن السلالم و يجتزن الممرات الطويلة التى تصلهن الى الباب الخارجى فى الوقت نفسه كن يثرثرن عن مختلف الامور العابرة و الاحاديث المقتضبة , و خاصة عن الرجل الجنس الخشن .
تنهدت ساندا غاتش , و هى فتاه شقراء ممشوقة و قالت :
-كم انا مستعجلة للوصول الى المنزل .سـأرى براين فى المساء انا اكيده انه سيطلب يدى هذه الليلة ! منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:28 PM

علقت بياتريس تشرمان بصوت متعب و هى والده لثلاثة اطفال و قالت :
- الحياة الزوجية ليست دائماً حلوة و مفرحة ! لو طلب منى ان اعيش حياتى من جديد و لما كنت وقعت فى الخطأ نفسه!
اما الزميله صوفيا سيمث فأعلنت ضاحكة :
- انت حظك شئ يا بياتريس لقد تزوجت من اول رجل تقدم لك , و هذا كان الخطأ الذى ما كان عليك ان ترتكبيه . كان من المفروض الانتظار حتى التعرف الى الرجل المثالى .
ضحكت مونيكا راندال و قالت بسخريه :
- الرجل الثرى بما معناه !
اجابت صوفيا بجدية :
- بالضبط . اليوم نختار الرجل نظراً الى طريقة الحياة التى بامكانه ان يقدمها لنا .لا يوجد فتاة عازبة لا تشاطرنى هذا الرأى , انا اكيدة من ذلك.
- ما عدا فيفيان !
الرؤوس التفتت بأستغراب نحو فيفيان . فقالت احدى رفيقاتها بسخرية :
- صديقتنا محافظة جداً , فلم تخبرنا مره عن مغامراتها العاطفية .
اجابت فيفيا ن الهادئة:
- ليس لدى مغامرات عاطفية و هذا ابسط ما فى الامر .
كان لهذا الكلام صدى دهشة و استغراب . فقالت بياتريس تشرمان بلهجة قاطعة :
- انها تقول الحقيقه . انا اعرف فيفيان من زمان و لم ارها ابداً برفقة رجل .
و حلت الابتسامات المرتبكة و الشفوقة مكان المزاح . فقالت فتاة فى الثلاثين من عمرها و تدعى باتى غارمس :
- اه ! لو الشباب يعرف ولو الشيخوخة تقدر !انظرن الى هذه الفتاة ! الا تدعو الى الغيرة بشعرها المجعد الجميل .....لا عدالة فى هذا العالم !
ابتسمت فيفيان بهدوء كما هى عادتها فى مثل هذه الظروف . فهى تعتبر نفسها فتاة شابة بالرغم من عمرها الذى يبلغ الثالثة و العشرين , بل غالباً ما تشعر بأنها لم تعد صبية , و من يدخل الى قلبها يكتشف مدى عذابها و مرارتها .
منتديات ليلاس
و انتهى الحديث و تمنت كل واحدة لزميلاتها ليلة سعيدة . بعضهن امطتين دراجتهن النارية , و البعض الاخر من ذوات الحظ و الثروة صعدن الى سيارتهن . اما فيفيان على غرار عدد كبير من زميلاتها ,فعادت الى غرفتها مشياً على الاقدام . فهى تسكن فى المنزل المعد خصيصاً للموظفات اللواتى يعملن فى بيتشفيلد ,و الذى يقع قرب مكاتب الشركة , خارج المدينة , دخلت البناية و سمعت صوت خطواتها و هى تدوس البلاط . ثم وضعت يدها على الدرابزين الحديدى و صعدت السلالم . فقد اختارت فيفيان من زمان و عن قصد ان تعيش فى هذا المكان البارد , اللاشخصى , و ما ان وصلت الى الطابق الثانى , حتى شاهدت فجأه باباً ينفتح و على عتبته تقف فتاة فى هيئة مربية .
صرخت فيفيان مسرعة نحوها :
- لوسى! لم تذهبى للعمل بعد الظهر , هل انت مريضة ؟
عضت لوسى على زاوية منديلها و رفعت نحو صديقتها عينيها المدمعتين و ناحت تقول:
- آه يا فيفيان , لقد حدث امر كريه !

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:29 PM

امسكت فيفيان بمعصم صديقتها و اقتربت عليها قائلة:
- لندخل الى غرفتك و ستخبرينى كل شئ .
لوسى مايلز من عائلة فلاحين, فتاة خجولة , عديمة المهارة , تعمل بنشاط فى بيتشفيلد يداها و قدماها طويلتان بالنسبه الى جسمها النحيل و ملابسها الباهتة . لكن فيفيان عرفت ان وراء هذا الشكل الرتيب , تتمتع لوسى بصدق كبير و كرم لا حدود له . لذلك اصبحتا بسرعة غريبة صديقتين حميميتين .
فى الغرفه قليل من الاثاث . ضمت فيفيان صديقتها بين ذراعيها و سألتها :
- ماذا جرى ؟ هل يتعلق الامر بعائلتك ؟
فيفيان فتاة وحيدة لا اهل لديها , سبق لها ان ذهبت مرة مع لوسى لزيارة اهل صديقتها الذين يسكنون فى مزرعة قديمة مهدمة تقع على بعد بضع كيلو مترات من المدينة و تعرفت على والد لوسى الذى فقد يده اليمنى بحادث شاحنة فاضطرت زوجته و اولاده ان يعملوا بلا انقطاع لاستثمار قطعة الارض الوحيدة التى يملكونها . و بالرغم من شغف لوسى للعيش فى الهواء الطلق , فقد وجدت نفسها مرغمة ان تجد لنفسها عملاً فى بيتشفيلد لكى تؤمن حاجيات اهلها .
اجبت لسى متثائبة مضطربة :
- لا الجميع على ما يرام وصلتنى رساله هذا الصباح .... رساله اخرى ..و الرسائل التى ارسلتها ........ آه , لم اخبرك بشئ اما الآن ........ لا اعرف ماذا سافعل ........
قاطعتها فيفيان بهدوء و سألتها بصوت دافئ و ناعم :
- لم افهم شيئاً مما تقولين . عما تتكلمين بالضبط؟ ما هى هذه الرسائل؟
لم ترد صديقتها فى الحال . و بعد جهد كبير , مسحت الدموع عن عينيها و بدأت تقول:
- هل تتذكرين ذلك الاجتماع الحاسم فى النادى الاجتماعي , و تعرفنا هناك على سيدة تدعى ايفا درموث , و شددت علينا بالحاح ان نقدم العون و قليلاً من السعادة للبؤساء و المساكين كان ذلك مباشرة قبيل رأس السنة . فقبل مغادرتى الاجتماع طلبت منها ان تزودنى بعنوان كى اراسل مريضاً يعيش في الخارج.
-آه فهت , و ماذا بعد؟
- يدعى روبرت كوليى و يعانى من انحلال عضلى مزمن ولا يمكنه التنقل الا بواسطة الكرسى النقال . عمره 24 سنه كان فى الماضى من ابرز لاعبى الروكبى و ..........
قاطعتها فيفيان قائلة :
- لوسى , هل كنت تراسلين هذا الرجل منذ رأس السنه ... منذ ثلاثة اشهر ؟
- نعم . اكتب اليه مرتين فى الاسبوع . اننا نحب بعضنا .
وقعت فيفيان فى حيرة و اطلقت ضحكة انزعاج و قالت :
- اذن ما دمت تشعرين بهذه العاطفة الكبيرة , لماذا ...؟
صرخت لوسى و الدمع ينهمر من عينيها قائلة :
- آه يا فيفيان انت لا تفهمين ! روبرت على وشك ان يلاقى حتفه .... عما قريب !
منتديات ليلاس
سحبت من جيبها رساله مدتها نحو فيفيان و قالت:
- خذى اقرأي ! لقد استلمتها صباح اليوم.
بدأت فيفيان بليث تقرأ بشغف من دون ان تعى ان الرسالة موجهة فى الواقع اليها و ذلك لورود اسمها . ..

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:31 PM

- العزيزة الآنسه بليث ....انا متأسف لأعلمك بأن صحة روبرت تتدهور بشكل ملموس . لم يعد هناك من امل فالأطباء قالوا فى تقريرهم الاخير انه بقى لديه ليعيش عدة اسابيع فقط . و هو يطلب حضورك . سأكون شاكراً اليك اذا امكنك المجئ بأسرع ما يمكن , على نفقتى الخاصه طبعاً : ترانت كولبى .
منتديات ليلاس
رفعت فيفيان عينيها عن الرسالة و قالت لصديقتها :
- يجب ان تلبى هذه الدعوة، يا لوسى .
- هذا مستحيل !
اطلقت لوسى تنهيدة طويلة . ثم نهضت و فتحت درجاً و اضافت :
- هذه صورة روبرت كولبى .
كانت الصوره تمثل شابا اشقر , مبتسم الوجه , واضح الملامح . فقالت فيفيان على الفور :
- انه شاب وسيم و جذاب !
هزت لوسى رأسها و قالت عابسة :
- لم يسبق ان أحببت احداً من قبل , و هذا امر لا يدهش من يرى شكلى و مظهرى ! كتب الي روبرت رسالة جميلة جداً و اردت ان افرحه .... آه يا فيفيان اعرف ماذا جرى لى حينذاك ارسلت اليه صورتك !
- صورتى!
- نعم . الصوره التى كانت هديه منك بمناسبة عيد ميلادى ... تلك الصورة فى الاطار الجلدى ...
تذكرت فيفيان ان المصور نجح فى اظهار الابتسامة على شفتيها مكان الحزن فى نظرتها . و كتبت فيفيان خلف الصورة بعض التعليقات المرحة و المضحكة ووقعت امضائها عليها.
- لكن ليس ذلك مصيبة كبرى !
- بلى ! لا يجب على روبرت ان يأخذ علماً بذلك ابداً ! لقد وقع فى غرام الفتاة المرسومة فى الصورة ... وليس فى غرامى انا !
سألتها فيفيان التى بدأت تفهم الأمر :
- هل كتبت اليه كل هذا الوقت معتبره نفسك انك انا ؟
- نعم ، نادراً ما كانت تصلك رسائل. و فى كل حال , انا من يستلم الرسائل الموجه لك و لى . و كنت اعرف جيداً ايها الرسائل الاتية من روبرت .
لاحظت فيفيان تغيراً ملموساً لدى صديقتها منذ فترة , ذلك لأنها كانت تحمر خجلاً و تقهقه من لا شئ سألتها بصوت ناعم:
- لماذا فعلت ذلك ؟ انت تعرفين ان الامر سينكشف عاجلاً او آجلاً.
اجابتها بحزن و كآبة :
- لم يكن امامى خيار . كان امضاؤك موقعاً خلف الصورة . كما ان روبرت وجد هذه الصورة جميلة جداً خطر ببالي مراراً ان ابوح له بهذه الخدعة , لكننى كنت اخشى ان افسد كل شئ و الآن .... لا يمكننى ابداً ان اقول له الحقيقة !
- آه , يا لوسى ! انت الطف انسانة و اكرم مخلوق على هذه الارض ! روبرت انا متأكدة , لن يلومك اذا صرحت له بكل شئ .
اجابتها لوسى بذعر :
- من الظلم ان احطم اوهامه و هو على وشك مغادرة الحياة ! لا , يا فيفيان . انه مقتنع انك انت من كتبت هذه الرسائل و الحل الوحيد هو ان تذهبى انت لزيارته .

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:32 PM

صرخت الفتاة مصعوقة :
- هذا جنون يا لوسى !انا غير قادرة ان انجح فى تمثيل هذا الدور !
اجابتها لوسى بنبرة جازمة:
- بلى , انت قادرة على ذلك , و لن يطول الامر . ستظهرين طيبة و محبة لروبرت و لى انا ايضاً .
امسكت فيفيات يد صديقتها و قالت :
- لوسى , انا اقر بانك الآن تعانين وضعاً معقداً للغاية . طبعا لايجوز اعلام روبرت بهذه الفترة الحاسمة من حياته . لكن من ناحيه اخرى , انا اجهل كل شئ عن علاقتكما . عن ماذا سأحدثه ؟
- لا احتفظ فقط برسائل روبرت , بل لدى نسخاً مصورة عن كل الرسائل التى ارسلتها اليه. بامكانك قرائتها و بالتالى يكون باستطاعتك اختيار التصرف المناسب . لدى شهر اجازة تأخذينه عنى و انا اعمل مكانك .منتديات ليلاس
انتصبت لوسى و القرار مرسوم على وجهها و اضافت تقول :
- روبرت سيموت , يا فيفيان و لن نخيب امله . غدا عليك الذهاب بأى ثمن الى طنجة .
- الى طنجة !
تهيأ لها فجأة ان هوة مرعبة تنفتح تحت قدميها .
- نعم. هناك يسكن روبرت و اخوه . انه ثرى كبير اخوه صاحب كازينو و يملك فيللا رائعة...
لم تعد فيفيان تسمع شيئاً. نهضت و توجهت نحو النافذة ، المعمل يظهر جانبياً فى الليل تحت اضواء المصابيح . لكنها لم تكن تراه لانها كانت تتذكر الطرقات المكتظة , و الشواطئ المشمسة و النساء السمراوات و الرجال فى الجلابيات , منذ اربع سنوات و هى تبذل جهداً كبيراً لتنسى هذه المدينة .... لتمحو من ذاكرتها ذكرى غارى ثورتن , و السعاده التى قضتها برفقته لكن , بقدر ما كان حبها جنونياً لم تستكع فيفيان ان تشفى كلياً من هذا الحب .
شحب وجهها و التفتت نحو صديقتها و قالت:
- مستحيل ان اذهب الى طنجة يا لوسى .انا آسفة !
راحت لوسى تنوح و تقول:
- آه , يا فيفيان! لقد اتكلت على مساعدتك ! اعترف انى ارتكبت حماقة لا تغتفر , لكن كيف بامكانى ان اتنبأ بنهاية غير منتظرة؟
كانت فيفيان تتمزق بين رغبتها فى نجدة صديقتها و بين الخوف المروع للخضوع لهذا المخطط . يا لسخرية القدر ! بينما كانت فيفيان تبذل جهددها فى رفض مجرد علاقة عابرة بالرجال و محو اي غرابة تطرأ على حياتها , كانت لوسى تحلم بذلك مثل زهرة تذوى فى الشمس.
- تطلبين الكثير منى يا لوسى .
- اعرف . لكن لو هناك حل آخر لما كنت اتوسل اليك ان تساعدينى .

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:34 PM

حل صمت طويل بينهما وراحت فيفيان تتخيل هذا الرجل المسكين ينتظر بأمل كبير لقاء امرأة احلامه . و بما ان لوسى كانت اعز صديقاتها قالت بصوت ملؤه الثقة :
- اين الرسائل ؟
امضت فيفيان جزءاً كبير من الليل فى القراءة . و كانت تشعر بأنها تمتهن سراً رائعاً عندما بدأ روبرت فى رسائله يفتح قلبه لحبيبته و تتجاوب معه لوسى . و يزداد شعورها عندما اصبحت اسرارهما حميمة و حنونة . نعم روبرت و لوسى واقعان فى الغرام , مما جعل فيفيان تشعر بأزدياد القلق فى داخلها . كيف بأمكانها ان تحل مكان صديقتها , الطيبة و الناعمة؟
و في صباح اليوم التالى ارسلت فيفيان برقية الى طنجة , و بعد ساعات معدودة توجهت الى المطار . ساعدتها لوسى على تحضير حقائبها و توسلت اليها ان تكتب اليها باستمرار و تعلمها عن حالة مراسلها الصحية و تطوراته .
الرحله تمت من دون شائبه . لكن, عندما هبطت الطائره فى مطار طنجة , شعرت فيفيان فجأة بالذعر يحتلها , فتحلت بالشجاعة و هى تطأ الارض المغربية .
دخلت الى محطة الطيران و راحت تسلك طريقاً بين الحمالين و الجمع الصاخب المؤلف من خليط كبير . السماء الزرقاء و شمس الغسق و المنارات الوردية كلها تصفع قلبها كأنها ضربات خنجر حاد . لا.لا تريد ان تتذكر ! ترفض ان تتذكر!
كانت فيفيان ممشوقة القوام , نحيفة , ترتدى بزة خضراء فاتحة , و قميصاً ابيض . لحق بها الباعة المتجولون . وجالبو الزبائن للفنادق و راحوا يعرضون عليهم خدماتهم بألحاح , رافضين الاكتراث لرفضها و تشكرها . فجأه دوى صوت حاد , فأبتعد الرجال ليفسحوا المجال ان يتقدم رجل غريب , قاسى الملامح , يرتدى بزة فاتحة و انيقة .
حدق الرجل بالفتاة مفصلاً و بنظرة ساخرة و قال بصوت خفيض :
- آنسة بليث ؟ آنسة فيفيان بليث؟
اجابت بلهجة باردة:
- نعم .
- انا ترانت كولبى , شقيق روبرت .
ثم اشار الى خادمه و قال :
- سيهتم عبدول بالحقائب، السياره بأنتظارك فى الخارج .
كان الغسق معطراً بالميموزا و زهرة الليمون الحامض و تنشقت فيفيان اريجها بألم حاد . امام سيارة الليموزين السوداء يقف عبدول بجلابيته الرمادية و طربوشه الاحمر فاتحاً لهما الباب .
منتديات ليلاس
بعد لحظات قليلة كانت السياره تجتاز الطريق . و الفتاة تبذل جهدها لئلا تشاهد المنظر الاخضر الغريب لكن رؤية اشجار النخيل و الطرفاء و البيوت المبنية على الرمال الحمراء , كلها ايقظت فى قلبها الماً طالما كبتته طويلاً . هذه السنوات الاربع لم تكن كافية لنخفف آلامها . و بعد قليل لاحظت فيفيان ان رفيقها يراقبها و تذكرت فى الحال ان عليها ان تلعب دوراً كبيراً و بمهارة و اتقان , فانتصبت بسرعة فى مقعدها .
قال ترانت كولبى و هو يحدق بها بنظرة باردة :
- يتحدث روبرت دائماً عنك . الظاهر انكما تتراسلان باستمرار . الا تعتقدين ان المراسلة طريقة غريبة للوقوع فى الحب ؟
- النفوس الشقيقة ليست بحاجة لأتصال جدي , يا سيدى .روبرت و انا نناسب بعضنا و فهمنا ذلك منذ البداية . و انت الظاهر انك لا تصدق ذلك.

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:35 PM

رمقها بنظرة ثاقبة و قال :
- بالفعل ! انت هنا فقط لآن روبرت طلب حضورك , و انا أتّكل عليك كى تجعليه سعيداً . و اذا تبين لك انك اخطأت تجاه عاطفتك , فلا انصحك بمحاولة التقاعس عن واجباتك . لا اريد ان ارى يتعذب , هل فهمت ما اقصده ؟منتديات ليلاس
كان ترانت كولبى يتمتع بشخصية قوية و نافذة . ينبع منها نضج كبير و قوة غير اعتيادية . و الدليل على ذلك يظهر فى نبرة صوته الحاسمة و كتفيه العريضين و ملامح وجهه البارزة و عينيه المحدقتين اللتين يغشاهما ظل من الحزن .
اعلنت فيفيان ببرود :
- وجودى فى طنجه لا يفرحك , اليس كذلك ؟
رفع كتفيه و قال :
- عندما كنت فى سن روبرت , لم يكن الرجل ينظر الى الحب هكذا كان بحاجة كى يضم حبيبته بين ذراعيه لا ان يحبها بالمراسلة .
- و مع ذلك لم تصبح ليناً و ناعماً بما فيه الكفاية! .
ابتسم و اضاف :
- و هذا ينطبق عليك ايضا قولى .... لماذا هذا التعلق بروبرت ؟ لا يدل منظرك على انك امرأة قادرة على الاكتفاء بحب افلاطونى . تبدين لي عكس ذلك , كأنك عشت تجربة ما فى حياتك ! .
- قبل مرضه , لم يكن روبرت يعيش حياة النساك على ما اظن !
- لا يبلغ اخى من العمر سوى 24 عاماً . مازال صغيراً بالنسبة الى فهم غرائب المزاجات الانثوية ولو سمع كلامى , لما كنت هنا اليوم . لكن بما ان الأمر اقتضى وجودك , فمن صالحك الا تتهربى من واجباتك .
تذكرت فيفيان بكاء لوسى مساء امس و قالت :
- ربما انت مخطئ تجاهي , الم تفكر بذلك ؟ يحصل احياناً ان تقع النساء – و احياناً الرجال – بحب مراسلهم !
اجاب بسخرية:
- اذن , آمل , يا آنسة بليث , او بالأحرى يا فيفيان ما دمت ستصبحين من الآن فصاعداً جزء من العائلة انك لم تخطئى .
ادارت فيفيان وجهها نحو النافذه مستاءة من شكوك ترانت كولبى تجاهها و من وقاحته فى اظهار نفوره و كرهه ثم راح نظرها يجول داخل السيارة الفاخرة , من خلال الزجاج الازرق الفاصل , كانت ترى عبدول يقود السياره بمهارة فى السير الكثيف . و قربها فى المقعد الخلفى , كان ترانت كولبى ببزته الثمينة و ازرار اكمامه الذهبية و ساعة يده الذهبية الضخمة . لاحظت فيفيان كل هذه التفاصيل بعبسة استياء و اشمئزاز . فهى تعرف ماذا يفعل ترانت كى يعتاش . فالرجال الذين يربحون ثروة ضخمة على حساب الغير يزعجونها ولا تبالى بهم , بل تتحاشى رفقتهم . غادرت السياره الطرقات الواسعة وراحت تتسلق التلال الخضراء . فلمحت فيفيان جدران الكاسبا , و الجامع الكبير و القبب و المنارات . كل هذا الجمال الذى كانت تحاول ان تنساه بات هنا , امام عينيها , ليتحاداها و لما كانت تخفض نظرها رمقها ترانت كولبى بنظرة ساخرة و قال :
- استفيدى من التأمل جيداً فى هذه المناظر لأنه ليس عندك الوقت للقيام برحلات و نزهات سياحية . فروبرت عاجز عن مغادرة المنزل و يأمل فى رؤيتك بقربه بأستمرار

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:36 PM

اريد ان اعبر لك عن تعاطفى و مودتى تجاه روبرت ...... هذا الضعف المفاجئ .... عندما علمت بالنبأ , كنت ....
قاطعها قائلاً :
- يعرف روبرت انه لديه من هذه الحياة اياماً معدودة , لكنه ليس كئيباً كما تتصورين . بالعكس , انه مرح بالرغم من مرضه و ارغب ان يظل هكذا . و دورك ان تظلى بجانبه من دون ان تذكريه بعاهته , لأننا لا نتداول هذا الموضوع ابداً .
دخلت السياره الباب الحديدى لمنزل يسيطر على المدينه . و برزت الفيللا ذات الجدران البيضاء و السقف الاحمر و القبب و السلالم الحلزونية .
و شرح لها ترانت كولبى :
- تدعى هذه الفيللا "كوريا" و هذا يعنى "التلة ".
اجتازت السيارة بستان خوخ ثم بستان برتقال , لتستقر نهائياً تحت اشجار الارز . صعدوا السلالم الرخامية ولما وصلوا الى البهو , قال ترانت كولبى بابتسامة كريهة :
- مريضنا يدخل الى فراشه فى السادسه مساءاً كل يوم . لذلك عليك ان تنتظرى حتى صباح الغد كى تتعرفى اليه. العشاء سيكون جاهزاً بعد ساعة من الآن .
و بينما كانت فيفيان تستدير كى تتبع عبدول , اضاف ترانت قائلاً :
- لا يوجد فى هذا المنزل سوى الرجال . اذا كنت تفضلين ان اوظف لك خادمة , فلا مانع لدي .
- بامكانى الاهتمام بنفسى على احسن وجه .
اجابها بسخريه واضحه :
- كما تشائين .
ثم اشار برأسه و ابتعد . اما فيفيان تمكنت من رؤية بعض السجاد العجمى و الاثاث القديم , و لم تشعر تجاه صاحب المكان الا بالنفور و الاشمئزاز .
ادخلها الخادم الى غرفة واسعة , لا يقل ديكورها ترفا عن الطابق الارضى . السرير واسع و مصنوع من القماش المشجر و المقصب . البساط احمر سميك اشعل عبدول نور الحمام , و ازاح الستائر و قال باللغه الانجليزيه و بلهجة حادة :
- هل ترغب الآنسة بشئ آخر ؟
-كلا, يا عبدول , اشكرك.
بالرغم من منظره المتجهم , كانت نظرة الخادم دافئة و على شفتيه ارتسمت ابتسامة لطيفة . ابتسمت له فيفيان بدورها بينما كان يغادر الغرفة . ثم انصرفت الى افراغ محتوى حقائبها . اغتسلت بسرعة و تزينت ببساطة ثم ارتدت فستاناً من الكتان الوردي و نظرت الى نفسها فى المرآة فشعرت بتوتر غريب . عيناها الجوزيتان لا تظهران قلقها . اطمأنت و خرجت من غرفتها .
على طاولة غرفة الطعام تلمع الآنيه المصنوعهدة من الكريستال و الفضة . و ترانت كولبى ببزته السموكينغ كان فى انتظارها . فقال بلهجة ودودة متصنعة :
- مساء الخير , يا فيفيان . هل اعجبتك شقتك؟
اجابت بهدوء :
- نعم , شكراً .
وبينما كان يساعدها للجلوس على الكرسي المحوت، احست بعطره الثاقب ، ثم دخل خادم آخر يدعى معين، يرتدي سترة مقلمة وسروالاً ، وكانت مهمته القيام بخدمة المائدة.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:38 PM

فراح كولبى يحدثها خلال العشاء عن امور لم تكن تهمها و يفتح معها تحقيقاً فضولياً .منتديات ليلاس
- كان روبرت يكتب لك باستمرار و يرسلها الى ايلسهورست , قرب اوكسفورد اليس كذلك ؟ لقد سبق و زرت هذا المكان . هل تسكنين هناك منذ صغرك ؟
- كلا , لقد انتقلت الى هناك منذ سنوات .
- مع عائلتك ؟
- وحدي، كنت احب هذه المدينة و بحثت عن عمل لي هناك . و الآن اعمل سكرتيرة فى شركة كبيرة للمبيعات .
- لكنك تبدين لي امرأة لا تكتفى بالحصول على وظيفة ثانوية .
- لست سوى موظفة صغيرة و آسفة ان اكون قد خيبت آمالك .
- فى كل حال كنت انتظر منك ذلك .
و بعد انتهاء العشاء اعلن قائلاً :
- يمضى اخى معظم اوقاته فى بركة السباحة , فما زال قادراً على التحرك بسهولة فى الماء عليك ان ترافقيه فى السباحة لئلا تخيبى ظنه .
- اسبح جيدا لكن ....تصورت .........
- روبرت ليس معاقاً يتألم ،اخلعي هذه الفكرة من رأسك . مرضه لا يسمح له فقط بأن يقوم بالنشاطات التى يتمتع بها اي شاب بصحة جيدة .
شعرت فيفيان بالدم يعلو وجهها , ولاحظ ترانت كولبى هذا الامر فى الحال و سألها بسخرية :
- ماذا جرى ؟ هل انت خائفة من العلاقات مع رجل لم يسبق ان التقيت به من قبل ؟
استعادت وعيها فى الحال و اجابت بلهجة حازمة :
- لا شك ان روبرت رجل جذاب و لطيف , فى الواقع , كما كان عليه فى رسائله.
زم ترانت عينيه الزرقاوين و قال :
- انا شديد الفضول حيال معرفة ردة فعل اخى عندما سيراك .
بدأ الحديث يدخل نمطاً خطيراً . وقفت فيفيان من دون استعجال و توجهت نحو النافذة . صحيح ان اسئلة ترانت ارهقتها لكن اصعب الأمور هي المواجهة مع روبرت . ماذا سيكون رأى روبرت بها ؟هل سيلاحظ لعبتها ارتعشت بصمت من دون ان تظهر ذلك .
و بحزن راحت تنظر الى سقوف الكاسبا , و المنارات الممتده نحو السماء المنجمة . اقترب منها ترانت و قدم لها سيكارة و قال :
- هل تعجبك الاقامة فى طنجة ؟
اجابت بأبتسامة حزينة :
- لست هنا لأزور البلاد , بل لأن روبرت بحاجة الي، و اي سبب يجعلنى اقوم بهذه الرحلة لولا حبى له ؟
قال و هو يسحب عميقاً من سيكارته :
- للتعرف الى بلد جديد , مثلاً . او لقضاء عطلة فى فيللا مغربية فاخرة .
هذا اذن سبب سخريته المبطنة و تلميحاته الغامضة ! يعتقد انها جاءت الى هنا للكيف ... و انها انتهزت الفرصة الاولى لترك عمل ممل بحجة مرض روبرت ..... يا لوسي المسكينة ! اجابت الفتاه بغضب و احتقار :
- لا تتصور ان كل هذا الترف يثيرنى !

*****

يتبع..

Rehana 10-04-10 02:39 PM

اشارت بحركة من يدها الى الاثاث الفاخر و الشرفات المضاءة ,ثم اضافت :
- لا اصر على الاشتراك بهذه الثروات الملطخة بالعار !
- تعرفين اذن اننى املك كازينو ؟ و مهنتى هذه لا تعجبك ؟
رفعت ذقنها بفخر و اعتزاز و قالت :
- فى الحقيقة انا استخف ذلك . و انت فى وضع لا يسمح ان تعظنى بأمر اخيك !
- انت لست من عصرك , يا فيفيان . فى ايامنا هذه الكازينو يعتبر مهنة محترمة يتعاطاه كبار رجال العالم.
سألته مندهشة من شجاعتها امام هذا الرجل المخيف :
- هل هذا سبب اختيارك؟
- ربما .
تظاهر بجهل ملاحظة ضيفته الاذعة و نظر الى ساعة يده و قال :
- حان الوقت اذهب لعملي . تجدين فى غرفة المكتبة اختياراً واسعاً من الكتب و الاسطوانات الكلاسيكية و الحديثة .
- اشكرك ,لكنى متعبة و افضل ان اصعد الى غرفتي .
قال باصرار كأنه يريد ان تكون له الكلمة الاخيرة :
- انت على حق . لأن الغد يوم كبير . روبرت متحمس ان يتعرف اليك ولا يجب ان نخيب امله . تصبحين على خير يا فيفيان .
خرج من الغرفه و بعد لحظات , اقلعت السيارة . فاحتل فيفيان خوف كبير .
هى الآن فى طنجة , فى منزل اشخاص مجهولين , تحل محل صديقتها العزيزة . هل كانت على حق فى الانصياع لتوسلات لوسي ؟ قبلت ان تلعب هذا الدور فقط من اجل حماية روبرت , لكنها لم تفكر بوجود ترانت كولبى الذى يسهر على شقيقه مثل فهد يعتنى بصغيره الجريح .
راح قلبها ينبض بسرعة و هى تصغى الى هدير المحرك يبتعد فى الليل . عليها الحذر , لأن ترانت سيتصرف من دون شفقة تجاه اى انسان يحاول ايذاء اخيه.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:35 PM

2 – حوض السباحة

و منذ ان افاقت فيفيان من نومها استنشقت رائحة هذه المدينة و عطرها الذى كان عزيزاً على قلبها فى الماضى : البهارات , خشب الصندل , الياسمين ... كم كان سهلا عليها كبت حزنها فى انكلترا البعيدة الباردة !منتديات ليلاس
تنهدت و نهضت من سريرها .
ازاحت الستائر و دهشت لرؤية البحر الذى ايقظ فى ذاكرتها ذكريات الماضى الحلوة و المرة . و رأت الكاسبا محاطة بهالة وردية و ليلكية بتأثير شمس الصباح الباكر , و بارزة بوضوح من بين اشجار السرو و الشربين و الأوكاليبتوس . الى يمينها , على طول الشاطئ الرملي ووراء اشجار النخيل العالية تظهر البنايات و قصور طنجة البيضاء . و هنا فى , باستور , يقع فندق الرياض هل ستتمكن يوماً من نسيان هذا الفندق و اسمه . ..من نسيان تلك السهرة حيث تعرفت فيها الى غاري ؟
اغمضت عينيها لتحاول محو هذه الذكريات الناعمة من مخيلتها لماذا آه , لماذا عليها ان تعانى مثل هذا العذاب ؟
لكن ألمها لن يمكث طويلا . فمنذ اربع سنوات و فيفيان تفرض على نفسها مخططاً
نظامياً قاسياً غايته منعها من الاستسلام و الخضوع لهواجس مخيلتها . تمالكت نفسها و توجهت الى الحمام .
و بعد ان اخذت حماماً بارداً , ارتدت فستاناً مقلماً , و سرحت شعرها و تناولت حقيبة مصنوعة من القش و خرجت من غرفتها . كانت الشرفة محاطة بسلسلة متوازية من القبب المتشابهة . و فى طرفيها , برجان ابيضان حيث تقع غرفتا الاستقبال القت الفتاة نظرة سريعة الى داخلهما و شاهدت الاثاث , من طراز لويز الخامس عشر , حيث اضيفت المصابيح المغربية و الصناديق الثقيلة المحفورة و الارائك الجلدية .... ابتسمت بسخريه امام هذا الترف ثم هبطت السلم الخارجى متجهة الى حوض السباحة و من خلال اشجار النخيل و الشجيرات المزهرة , سمعت اصواتاً عالية، لا شك اذن ان حوض السباحة يقع من هذه الجهة . راح قلبها ينبض بسرعة روبرت ينتظرها هناك بفارغ الصبر . من اين لها الشجاعة لعبور هذا الممر المشجر ؟ فجأة شعرت بخوف و خجل . لا يمكنها ابداً النجاح فى تمثيل دور صاحبة الرسائل ! و خطر ببالها ان تتوجه فوراً لرؤية ترانت كولبى و التصريح له عن خداعها و تعود الى انكلترا على الفور ...لكنها تخيلت وجه لوسى المتوسل .... ووجه الشاب المشلول , الذى يبحث عن قليل من السعادة يتمتع بها فى اخر ايام حياته .

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:37 PM

ليس امامها الاختيار . تحلت بالشجاعة و هبطت السلالم الباقية المؤدية الى الشرفة الثانية حيث حوض السباحة وراء المزروعات الكثيفة . شاهدت من بعيد وجود شخصين , بينهما خادم . نعم , و هذا الكرسى النقال !
فانعقدت حنجرتها و اقتربت من الرصيف . كانت تسير بأناقة , و من دون اى انزعاج مستمتعة بحرارة الشمس تلمس ذراعيها . و لما وصلت قرب روبرت , و بابتسامة ناعمة بدأت لعب الدور الذى وافقت على اتخاذه فصرخ المعاق ماسكاً يديها :
- فيفيان اخيراً .
- روبرت ! من زمان اريد مقابلتك ! .
و بخجل ابتعدا . و راحت فيفيان تراقب الرجل محاولة ان تعطى لنظراتها بريقاً حنوناً و محباً . كانت بشرته سمراء من شدة تعرضها لاشعة الشمس . و عيناه زرقاوان قاتمتان . لكن ساقيه و ذراعيه و كتفيه تبدو كأنها منخوره من الداخل . انعقدت حنجرتها لكنها ظلت مبتسمة لا تبعد نظرها عنه بالرغم من رغبتها فى الصراخ لقساوة القدر .
كان شعره كثيفاً و اشقر . يشبه اخاه الكبير لكن ملامحه كانت اشد رقة و نعومة . و باختصار كان كثير الجاذبية .
قال ماداً يده يلمس رأس الفتاة المالس :
- شعرك تماماً كما فى الصورة . و انت تماماً كما تخيلتك ..... كم انت جميلة !
رمقته فيفيان بنظرة اعجاب و اجابت ضاحكة :
- لو تعرف اى اثر تفعل بى , لكنت تعاظمت من الكبرياء ! .
وجه اليها ابتسامة فاتنة و ازاح كرسيه قليلاً ليقدم لها خادمه الذى كان واقفاً وراءه :
- هذا هارون . ينقلنى الى الحوض عندما اشعر برغبه فى السباحة , و فى المساء يحملنى الى فراشى .
كان هارون ممشوق القامة , اطول من عبدول , يرتدى سروالاً ابيض و ستره فاتحة و عمامه فوق رأسه .
اضاف روبرت قائلاً :
- يتكلم اللغة الانجليزية بقدر ما اتكلم انا اللغة العربية , لكننا نتفاهم قدر المستطاع ! اليس كذلك يا هارون ؟
الضاهر ان خادمه لم يفهم شيئاً لكنه اجاب قائلاً :
- نعم يا سيدى .
- هارون من قبيلة الاورزات جاء به ترانت من مراكش فانا لست بوزن الريشة ولا احد هنا فى طنجة كان على استعداد لقبول هذه الوظيفة . يعلمنى هارون اللغة العربية . و عندما احاول اثير الضحك لكننى مصر على تعلم هذه اللغة لكى اتمكن من الاتصال به بطريقة افضل .
و هو الذى لا يبقى له الا القليل ليعيش ! ادركت فيفيان ان عليها الا تظهر له اي ردة فعل مهما كانت شجاعة روبرت تثيرها . و كانت تتحدث معه عندما وصل ترانت من الجهه الثانية للحوض . لا شك انه اراد ان يحضر هذا اللقاء الاول من دون ان يراه احد . و امام هذه الفكرة , احمرت وجنتا فيفيان بعنف ..... لسببين : اولاً من القلق : هل لعبت دورها كما يجب ؟ . . . . . ثم من النقمه ! فى كل حال , لم يكن ترانت يثق بها ابداً .منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:38 PM

كان يرتدى سروالاً اصفر و قميصاً حريرياً معرقاً . و يبدو مسترخياً , واثقاً من نفسه لا شك انه يكبر اخاه بعشر سنوات او اكثر و تعترف فيفيان ان هذا الرجل جميل الطلعة بشعره الاسود ووجهه الوسيم .
لم تظهر فيفيان اى شئ مما يدور فى ذهنها و اجتهدت فى اتخاذ تعبير مرح بينما كان صاحب الدار يتقدم منهما .
قال ترانت قبل ان يرمق اخاه بنظرة حنونة :
- صباح الخير يا فيفيان . و الآن يا خى الصغير , لقد صدقت بوعدى , اليس كذلك , هل انت سعيد ؟
امسك روبرت بيد الزائرة و قال :
- فيفيان اروع مما كنت اتصوره !
ثم شرح لفيفيان قائلاً :
- اصريت على ترانت ان يوافق على استقبال امرأة فى هذا المنزل .انه عازب محنك و شديد الصعوبة فى اختيار مدعويه .
- سأحاول عدم ازعاجه .
قال ترانت بصوت ناعم و هو يقدم لها كرسياً لتجلس :
- ولا تنسى ان تمشى على رؤس اصابعك ! اعترف بأن عنصراً انثوياً فى هذا المنزل يشكل نوعاً من الزينة .
اراد روبرت ان يعرف كل شئ عن وصول صديقته ....... الاستقبال فى المطار , الطريق فى السيارة حتى الفيللا . اجاب ترانت و فيفيان على اسئلته من دون ان يذكرا طبعاً المشاحنة الباردة داخل السيارة , و الجو المتوتر خلال العشاء . و بينما كانا يتكلمان , كان روبرت يراقب كل واحد بدوره كأنه لاحظ سوء التفاهم من وراء ابتساماتهما .
و فى تلك الاثناء , كان عبدول و معين يحضران المائده فى زاوية الشرفة المطلة على المناظر الخلابة . و لما اصبح الفطور جاهزا نهض ترانت و تبعته فيفيان , و قام هارون بمساعدة روبرت على ارتداء مئزره القطنى ثم جر كرسيه حتى الطاولة .
المنظر كان رائعاً . و لدى رؤية هذه الاماكن الحميمة شعرت الفتاة بغصة و ادارت رأسها للمنظر . عبس ترانت بسخرية و قال :
- اى انسان لا ينبهر بمظر الكاسبا الرائع و منظر المرفأ ؟
اجابت الفتاة بهدوء :
- العظمة لا تهمنى .
صرخ روبرت ضاحكاً و هو يسكب اللبن فى فنجان الشاى :
- انت تمزحين يا فيفيان تذكرى يوم وجدت نفسك فوق كومة العلف فى مزرعة والدك ! لقد وصفت لى هذا الحادث بكل تفاصيله , انسيت ذلك ؟
نظر ترانت مفصلاً الى كتفى الفتاة الصغيرتين و معصميها النحيلتين و قال :
- انت ابنة مزارع ؟ اه فهمت !
قال روبرت بفخر :
- و فوق ذلك , فهي ذكية جداً ! تصور انها تسلقت مرة فوق كومة علف بغية الوصول الى مرفاع على علو 15 متراً , كى تحل بكرة معلقة .
- يا للوقاحة !
اسرعت فيفيان فى القول بعد ان امتلأ وجها بالاحمرار :
- منذ زمن طويل لم اعمل فى القرية .
شعرت فيفيان بارتياح لوصول الفطور اذ تغير الحديث و قدمت ثمار البحر , و لحم العجل و اكباد الدجاج و العسل و البلح و التين و الليمون الافندى . و فكرت فيفيان ان كل هذا التنوع فى المأكولات لابد ان تكون غايته اثارة قابلية روبرت .منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:39 PM

و كان روبرت يحب الحديث عن تاريخ طنجة . و بينما كان يتذوق هذه المأكولات الشهية , راح يقص على صديقته الحكايات الفكاهية حول هذه المدينة , محاولاً تسليتها . فشعرت بالارتياح يحتلها تدريجياً . و معين كان يهتم بخدمة المائدة وخاصة بالآنسة الضيفة . قدم لها صحن البلح الذيذ للمره الثانيه قائلاً :
- اذا سمحت الآنسه , احب ان اقدم لها من جديد هذا البلح الذى يشبه دموع الشمس .
- ان طعمه لذيذ , يا معين , لكننى لا استطيع ان آكل المزيد منه . منه . شكراً .
- العصفور يأكل اكثر من الآنسة !
اجابت ضاحكة :
- اى نوع من العصافير , يا معين ؟ الوز ام البط ؟
و من دون انتباه كانت فيفيان تتكلم باللغة الفرنسية و لم تنتبه الى ذلك الا بعد فترة قصيرة و ترانت كان يراقبها بشده ثم قال :
- تتكلمين الفرنسية بطلاقة يا فيفيان.
اجابت بلطف :
- اشكرك .
هذه المرة بذلت جهداً كبيراً لتمنع الدم من الصعود الى خديها . لا شك ان اعصابها متوترة , لأنه ليس غريباً ان تتقن لغة تستعمل بكثافة فى طنجة و يتقنها عدد كبير من الناس !
بعد الفطور لم يدخل ترانت الى المنزل , بل رافق روبرت و فيفيان الى الشرفة حيث حوض السباحة , و جلس امام طاولة وراح ينقب و يراجع فى السجلات و المستندات .
و جلست فيفيان قرب روبرت و شعرت فجأة برغبة فى الاستراحة بعد هذا اللقاء المتوتر او على الاقل , بعيدة عن انظار ترانت كولبى . و ترانت يرغب فى تكريس معظم وقته لأخيه , و هذا امر طبيعى جداً . لكن من جهة ثانية كانت الفتاة تشعر بالتعب من البقاء دائماً متحفظة و محترسة و عرضة للأنظار و الانتقادات . بعد قليل اعلن روبرت قائلاً :
- فيفيان و انا سنقوم ينزهة قصيرة , يا ترانت . سأريها الحديقة . رفع ترانت رأسه و هز حاجبيه بسخرية و قال بنبرة حادة :
- لا تقلقا عليّ .
اقترب هارون ليجر الكرسى , فاوقفه روبرت فى الحال و قال :
- ستساعدنى فيفيان على ذلك , يا هارون .
قال ترانت ملاحظاً :
- سيكون ذلك حملاً ثقيلاً عليها .
اجابت الفتاة :
- سأتدبر الامر ارجوك .
بامكانها ان تجر دبابات الاقحام من اجل ان تتخلص من هذا الرجل و لو لفترة قصيرة .منتديات ليلاس
اعطاها روبرت بعض التعليمات و استدارا حول حوض السباحة لاجتياز ممر صغير بين الاسيجة العالية . كانت الحدائق روعة حقيقية . ووسط حوض بشكل نجمة , مبلط بالفسيفساء الملونة , يهدر سبيل ماء . تحيط به اشجار النخيل و الموز .
و هناك ممر طويل يصل الى عرزال مصنوع من تشابك الياسمين و العريش , ثم يمتد الى العشب الاخضر المسقى و المعتنى به باتقان والمحاط بمساكب الازهار العطرة و بعض اشجار الارز و الفلفل التى كانت ترمى ظلالها هنا و هناك . مرت فيفيان تجر روبرت امام استراحة داخل البستان تعلوها قبة مبنية على اعمدة حجرية و اجتازا المقاعد الخشبية التى تظللها اشجار الزهر و الغار و من خلال اوراق الشجر لمحت فيفيان المروج الهادئة البعيدة عن الضجيج و الضوضاء .

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:40 PM

و شاهدت النساء البربريات يعملن من دون توقف فى بستان البرتقال , فابتسمت لا شك ان ترانت مسرور من هذه الامبراطورية الصغيرة التى يبنيها فى طنجة ......من اموال غيره , ولا يبدو انه منزعج من ذلك ابداً .منتديات ليلاس
لم يكن روبرت مهتما بالمنظر . فاشار اليها بالتوقف . فجأه لمحت فيفيان من وراء الخضار البحر الازرق الصافى .
قال روبرت ممسكاً يد الفتاة :
- فيفيان ! التقينا اخيراً لو تعرفين كم كنت انتظر هذه اللحظه بفارغ الصبر .
حينئذ لاحظت فى عينيه الزرقاوين ظل خوف و قلق و نداء نجدة اثرا بها حتى اعماق كيانها لذلك اجابت بحرارة :
- روبرت لا ارغب الا ان تكون سعيداً .
- عانقينى , يا فيفيان انا بحاجة الى حبك .... ان احسك بقربى !
جذبها نحوه بشغف ...... حاولت الفتاه عدم الرجوع الى الوراء من زمان لم تعانق احداً و تذكرت غارى ... عندما كان يضمها اليه . لكن الآن ليس غارى , انما رجل آخر , لم تعجبها الفكرة , اخيراً ابعدها روبرت عنه و نظر اليها بارتباك و قال :
- رسائلك كانت تعد بأكثر من ذلك , لكننى اكتفى بهذا فى الوقت الحاضر .
و لاخفاء ابتسامة مكبوتة , وضعت فيفيان يدها على شعره الاشقر و سألته :
- من الذى يقص لك شعرك؟
- هارون لكن بامكانك الاهتمام بذلك و اعدك ان اكون عاقلاً و الا اتحرك .
كان يتكلم بمزاح لكن فيفيان رات فى عينيه رزانة و جاذبية , فحزن قلبها . لا , لا يجب ان يتعذب ! مهما يكن .
قالت و هى تداعب شعره القمحى :
- احب شعرك هكذا . لا اريد ان اغير شيئاً .
قال روبرت بصوت ملئ بالانفعال , كم سنفرح معا ! انتظرى متى ترينى فى حوض السباحة ! فى الماء انتقل بسرعة كبيرة .... و انصحك بالحذر منى !
اجابت بفرح على مناكدته :
- اراهن انك لن تقدر ان تقبض على .
- تمزحين ! انت لا تجيدين السباحة , و هذا ما ورد فى رسائلك ! لماذا لم تتذكر محتوى رسائل لوسى ؟ لكنها تمكنت من انقاذ نفسها و القول بسرعة :
- اخذت دروساً فى السباحة فى المدة الاخيرة و قمت بتمارين عديدة و اصبحت الآن سباحة جيدة .
سحب يدها بلطف من شعره ليجعلها تجلس على كرسيه . و قال لها :
- قولى متى لاحظت انك بدأت تحبيننى ؟
تمنت الفتاه الا يسمع الرجل نبضات قلبها السريعة . متى ؟

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:46 PM

حاولت ان تتذكر و اجابت بلهجة خفيفة :
- اه ! باكراً جداً تقريباً منذ البداية .
و للمرة الثانية بدت خيبة الامل على وجهه و قال بابتسامة مسكينة :
- هل نسيت ذلك الاسبوع عندما ارسلت اليك بعض زهر الليمون فوضعتها فى ديوان شعر و ارسلته الى .....
و راح يلقى احد ابيات الشعر :
- غناء القبرة و هى تحلق فى الليل الكالح ......
لم تكن فيفيان تعرف هذا البيت , فاطلقت ضحكة مرتبكة و قالت :
- طبعاً ! لكن الآن , انا هنا و هذا ما يهم . اليس كذلك ؟
احاط روبرت خصر الفتاة بذراعيه و ضمها اليه و قال :
- انت جميلة جداً لكن ذاكرتك ضعيفة ! لا الومك بل احبك .
طبعت على صدغه قبلة و شعرت بارتياح كبير و بمحبة و حنان و نحو هذا الرجل المعاق . هذا الحديث عسير و معقد و حاولت تغيير الموضوع و قالت وهى تشير باصبعها نحو العاملات فى المروج و هن يسقين البستان .
- دائماً بهذه الطريقة ؟
- نعم , هكذا كل شجرة تأخذ حصتها فى الماء .
ثم راح يشرح لها الاعمال القائمة هنا و اخبرها ان اشجار الخوخ ستزهر عما قريب و ان اخاه يحاول صنع بعض العطورات و توزيعها على الاسواق . كانت فيفيان تصغى اليه بشغف و حماس . ما دام الحديث يدور عن امور عامة , فلا مجال لديها للقلق . و روبرت كان سعيداً بوجود الفتاة قربه و من وقت الى آخر كان يدير الحديث عنهما و عن مراسلتهما . و كى لا تقع فى اخطاء اخرى , كانت تسرع فى عرض مشاريع الايام التالية .
كانت الشمس فى اوجها عندما عادا الى المنزل عن طريق مختلف يطل على منظر خلاب و سرى . هنا تنتصب بين الجدران الحجرية المغلفة بالنباتات المتسلقة مقصورة مهدمة . هذا البناء الانيق المصنوع من القرميد الوردى يذكر بالهياكل الصينية المتعددة الادوار . و الطابق الثانى لا شك انه يطل على المدينة .
منتديات ليلاس
قال روبرت و هو ينظر الى وجه فيفيان المتألق فرحاً :
- هذا متنزه بنى فى الماضى لاستقبال الضيوف . اما فى الوقت الحاضر فتسكنه الطيور و الحمام !
بعد ذلك اجتازا رواقاً مقنطراً . داخل البركة تنعكس الطبيعة الغنية . الزهر بكثرة ينبت فى الاوانى الحجرية و الجرار الفخارية . و يعم فى هذا المكان صمت ثقيل . و بعد ان سلكا ممراً ضيقاً تحيطه اشجار الميموزا الكثيفة , وصلا الى الفيللا بعد لحظات . اوكلت فيفيان صديقها الى هارون و صعدت الى غرفتها . كانت منهكة القوى , ليس تعباً بل الضغط العصبى لتخوفها من ارتكاب خطأ احمق . لم يسمح لها الوقت للأسترخاء , فما ان غسلت وجهها و سرحت شعرها حتى سمعت الجرس يرن معلناً عن موعد الغداء .
كانت غرفة الطعام الصغيرة حيث يقام الغداء عادة مستديرة الشكل , اثاثها رائع و تطل على حديقة مقفلة حيث تتصاعد رائحة الورد و الغاردينيا . و لما دخلت الى غرفة الطعام توقف قلبها عن الخفقان , خلال لحظة , ذلك لان ترانت كولبى كان فى الداخل .
على الطاوله وضعت الانية الصينية و الكريستال الثمين . هذا الديكور المتغير باستمرار لا شك ان غايته افراح هذا الشاب المعاق كى ينسى واقعه المرير و الحزين و الرتيب . يصرف ترانت الاموال الطائلة من اجل اسعاد اخيه , اضافة الى الحنان و المحبة و التضحية .

*****

يتيع..

Rehana 11-04-10 02:48 PM

الطعام كان لذيذاً لكن الفتاة الانكليزية لم تتمكن من تذوقه كلياً لانها كانت متحفظة خلال فترة العشاء كلها . اما روبرت فكان فى مزاج رائع . و راح يشرح لضيفته قائلا :
-الكازينو الذى يديره ترانت مبنى على الطراز المغربى . عندما انتقلنا الى طنجة , ذهبت مرة الى هذا الكازينو . الزبائن خليط من العرب و الارستقراطيين الاوربيين . يمكنك ان تحتسى هناك اي مشروب , من الشاي حتى المشروبات القوية . و فى الصالة الخسارة يمكن ان تصل من مئة دولار الى خمسة آلاف .
قالت فيفيان بلهجة خفيفة و هى ترمق ترانت بنظرات وقحة :
- و كل هذا المال يصب فى الخزنة العائلية .
قال ترانت رافعاً كتفيه :
- الحظوظ متعادلة و الربح وارد كالخسارة .
- الثروات تتكدس و العائلات تفلس .... و الكازينو يسخر من كل هذا !
سكب ترانت كولبى قبل ان يجيب آلياً :
- انها لعبة قديمة كالعالم . ما افعله هو اعطاء امكانية للاعبين ان يمارسوا رياضتهم المفضلة .
قالت الفتاة بلهجة قاطعة و صوت لاهث :
- حسب رأيي , انها طريقة ماهرة لتشجيع نقائص الجنس البشري .
- للأسف ان النساء يعتبرون الكازينو مكاناً للخطيئة ... حيث الانسان مهدد ان يخسر نفسه . بالنسبه الى الرجل , بالعكس , هذه التسلية تستدعى كل حواسه .
- ما عدا حاسته الجيدة !
و لكي تحسم هذا الخلاف بينهما اضافت الفتاة ضاحكة :
- اصر ان تكون لي الكلمة الاخيرة . فى كل حال طنجة برايي مدينة جميلة جداً و لا يجب ان تفسد بهذا النوع من التسليات .
اجاب صاحب الدار بابتسامة بشوشة :
- لكل جنة حية! .
اعلن روبرت قائلاً :
- الساعة تقترب من الثانية ! ترانت . قل لمعين ان يستعجل فى جلب الفاكهة !
اريد ان اري فيفيان كيف اسبح جيداً .
و لكن اصر ترانت على اخوه المريض ان يذهب للراحة و الاستمتاع بقيلولته قبل التوجه الى حوض السباحة . و هكذا فيفيان للتمتع بقليل من الوحدة فى غرفتها .
وضعت لوسى فى حقيبة فيفيان بزة سباحة من الساتان و اخرى باللون الاخضر الفاتح . و ارتدت البزة ثم وضعت فوقها مئزراً خفيفياً و هبطت الى الشرفة . روبرت كان فى الماء و هارون لا يفارقه حول الحوض ، و على استعداد للتدخل فى اي لحظة يطلب فيها المريض مساعدته . شعرت فيفيان بانزعاج ان تخلع مئزرها لان ترانت كان جالساً قربها يراقب المستندات . لكن روبرت ناداها بالحاح , فما كان عليها الا ان تخلع مئزرها و تضعه على الكرسى و الالتحاق بروبرت .
و ما ان اصبحا فى الماء حتى نسيت توترها . امسك روبرت بها بذراعيه العضلتين و رماها بعيداً . كادت ان تختنق من الضحك و راحت تسبح بكل قواها . لكن الرجل كان يتمتع بنشاط غريب , فقبض عليها باسرع وقت . بعد قليل احست بالتعب لكنها كانت تشعر برتياح ما دامت فى الماء تخاف ان تتفوه بالتفاهات حيال ملاحظات روبرت . و لاول مرة منذ وصولها الى كوديا , بدأت تسترخى قليلاً .منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:49 PM

بعد قليل تمددا على الاسرّة المملوءة بالهواء المضغوط و راحا يحتسيان المشروبات المنعشة . غير ان الشاب المعاق كان تعباً . و لما بدأت لشمس تميل نهض ترانت و امسك بمئزر ضيفته و اقترح اليها قائلاً :
- تعالى جففى نفسك سيصبح الطقس بارداً فى غضون نصف ساعة .
لم تجد اي شيء لتقوله للرد عليه سوى اطاعته فى الحال . مد ترانت يده ليساعدها على الخروج من الماء , و لما تشابكت اصابعهما , احست بتيار حيوى يخترقها . وضع المئزر حول كتفيها و اشتبكت نظراتهما لحظة قصيرة . و لما التفتت إلى الوراء كان هارون قد اجلس روبرت في كرسيه النقال . قال روبرت :
- لقد أمضيت نهاراً رائعاً , يا فيفيان . أود أن ياتى الغد بسرعة .
جذبها نحوه و عانقها . و اضطرت فيفيان ان تتبعه الى داخل المنزل . كانت تنوي هي ايضاً ان تلجأ الى غرفتها للسهرة , لكنها سمعت ترانت يقول بلهجة متصنعة :
- العشاء سيكون جاهزاً كالعادة , يا فيفيان .
و ما ان وجدت فيفيان نفسها فى غرفتها ابتسمت ابتسامة حزينة . صاحب الدار لا يتركها مع روبرت وحدها الا عندما يتأكد من نواياها . و لما جاء الوقت للنزول الى العشاء , كانت مضطربة امام فكرة تناول الطعام برفقة ترانت الى درجة ان قلبها راح يخفق بقوة . كان ترانت يرتدى بزة السموكينغ , لانه بعد العشاء سيتوجه الى الكازينو , مركز عمله و ينتظر الفتاة فى الغرفة التى تناولا العشاء فيها بالامس . ما ان جلسا الى المائدة حتى عرفت الفتاه ان مخاوفها كانت فى محلها . اذ قال لها ترانت بابتسامة باردة :
- اقدم لك كل التهانى الصريحة , يا فيفيان ! لا شك ان روبرت خاضع لسلطتك !
شعرت بالغضب يحتلها . كانت ترغب فى ان ترد عليه بلهجة لاذعة , لكنها فكرت بلوسي و بذلت جهداً للقول بهدوء :
- انا سعيدة لاننى حصلت على رضاك .
بريق ساخر لمع فى عينى ترانت امام لباقة ضيفته . و اثر ذلك دخل معين ليخدم على الطاولة . كان يتكلم الفرنسية و هو يقدم حساء البصل و الكبيبات المطبوخة على الطريقة الفرنسية و نجحت فيفيان الا تظهر مدى معرفتها بهذه اللغة رغم اكتشاف امرها . هل لاحظ رفيقها ما يدور فى مخيلتها ؟ لكنه قال , من دون اي شفقة :
- تسبحين جيداً .... كأنك امضيت كل اوقات فراغك فى الماء .
قالت محاولة عدم اظهار الارتجاف فى صوتها :
- لقد اخذت دروساً فى السباحة فى مدرسة كبيرة .
- و هناك تعلمت ايضاً ان تتكلمي الفرنسية بصورة جيدة ؟
قالت مبتسمة :
- كلا , تعلمت الفرنسية بعد ذلك . و كذلك اتكلم اللغة الاسبانية.
- تدهشينى . الفرنسية و الاسبانية : لغتان ينطق بهما فى طنجة بشكل غريب .
احمرت بعنف و قالت :
- يوجد اناس موهوبين لتعلم اللغات . و انا احداهم .
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:50 PM

- لابنة مزارع , لا بأس بذلك !
- هناك انواع مختلفة من المزارعين .
راح ينظر اليها مفصلاً و لاحظ تسريحة شعرها البسيطة و قميصها الكريمية اللون و تنورتها البيضاء العادية و قال :
- صحيح .
و خلال العشاء كانت فيفيان تتكلم بالاسلوب نفسه . و تهيأ لها انها فأرة بين قدمى هر شيطان . فقط ذكرى لوسي ترغمها على الابتسام برصانة و برباطة جأش , لكن فى الواقع , كان رفيقها يزعجها كثيراً . بعد القهوة ارادت ان تسرع الى غرفتها للاختباء . لكن اللياقة اشارت اليها بضرورة البقاء . و كأنها لا تخشى ابداً وجود ترانت , توجهت نحو النافذة لتأمل السماء المنجمة . ضجيج المدينة بعيد لا يتغلب على حركة الامواج فى البحر . و ظلت فيفيان قادرة ان تسمع زقزقة العصافير فى الحديقة . اقترب ترانت منها , وضع يده فى جيب سترته الداخلية , تناول منها علبة ذهبية و قدم لها سيكارة .
- ما كانت ردة فعل والدك عندما علم برحيلك و مجيئك الى طنجة ؟
احنت رأسها لتقترب من من نار الولاعة . والد لوسي ؟ لا شك انه لم يكن على علم بمراسلته فتاته مع شاب يعيش فى الخارج . رفعت عينيها و سحبت من سيكارتها و اعلنت :
- انا كبيره لأفعل ما يروق لي .
- صحيح انت من عمر روبرت , على ما اظن .
- تقريبا , عمرى 23 سنة .
هذه المرة لم تكن تكذب . نظر اليها مطولاً قبل ان يعلن بصوت عابث :
- كنت اعتقد ان فى ايامنا هذه الفتيات يتزوجن باكرا .
- كل النساء يبحثن عن زوج بعد انتهاء دراستهن ! فى كل حال و انت ايضاً لم تتزوج بعد ! و مع ذلك عمرك 35 ... 36 سنة !
- 37 سنة . كنت مشغولاً حتى الآن . عملي ياخذ قسطاً كبيراً من وقتى , و لذلك تركت النساء بعيدات عنى .
- هل يعنى ان لا وجود للنساء فى حياتك ؟ لكل فردوس ثعبانه و نساؤه على ما اظن .
جاءت الى مخيلتها صورة ترانت فى الكازينو محاطاً بجمهور من النساء الجميلات . و ازعجتها هذه الصورة . و سمعته يضحك و يقول :
- هناك ما يكفى من النساء لتسليتى . ما دمنا فى هذا الحديث , لن تكون فكرة سيئة ان قدمت لاخى بعض الحنان و المحبة عندما تتمنين له ليلة سعيدة !
اشتد الاحمرار بوجهها و همست تقول :
- صحيح اننا كنا نتراسل منذ عدة شهور , و لكننى التقيت به اليوم للمرة الاولى .
- لكن روبرت لم يكن له ردة الفعل نفسها . انه شاب , مندفع و يحب ان تظهري له العاطفه نفسها .
- انا احتاج لبعض الوقت . احب روبرت لكنه يبدو متحمساً فوق ما توقعت .
- تتخلصين من المأزق كما يجب .
- لكن ليس مثلك , هذا اكيد , لاننى لم ادخل كازينو فى حياتى . على فكرة , الم يحن الوقت لكى تذهب الى عملك ؟
اجاب بحدة و جفاف:
- اشكرك لتذكيرى بالامر .
و بينما هو ذاهب التفت الى الوراء و اضاف :
- لا تعتبرى نفسك مضطرة ان تقضى سهرتك مسجونة فى غرفتك . تجدين كتباً رائعة فى غرفة المكتبة . انه الباب الاول الى اليسار و انتى خارجة .
همست بلطف و تهذيب :
- اشكرك .
بعد قليل سمعت فيفيان محرك الليموزين تبتعد . فتوجهت الى غرفة المكتبة لكنها لم تنجح فى طرد الضغط الذى يحتلها لكن اذا نغمست فى قصة جميلة , ستهدأ اعصابها . فبدأت فى القراءة , لكن الكلمات راحت ترقص امام عينيها من غير معنى .
لقد قضت نهار مرهقاً و هى تلعب دور لوسي . و روبرت مقتنع انها هي صاحبة الرسائل , الانكليزية الواقع فى غرامها . اما ترانت ؟ هل نجحت فى خداعه ؟
لو بامكانها فقط ان تعرف هذه الحقيقة !
منتديات ليلاس

*****

يتبع..

اعتمادات 12-04-10 01:27 AM

تسلم ايديكى قمر :flowers2:

متميزة كالعادة :55::55:

Rehana 12-04-10 02:34 PM

الله يسلمك يارب ..اعتمادات

منورة الرواية

Rehana 12-04-10 02:36 PM



3- البحث عن الماضي

فى البداية و فى بعض الاحيان كانت فيفيان تنوى الهرب لشدة ذعرها من الكذب . لكن مع مرور الايام بدأت تتعود شيئاً فشيئاً حياتها الجديدة فى كوديا . تمضي النهار كله برفقة روبرت . و فى المساء , كان عبدول يقود يقود ترانت الى المدينة فى الليموزين السوداء و تبقى الفتاة الانكليزية وحدها . مرة واحدة فى الاسبوع كان يذهب الشاب المعاق الى المستشفى حيث كانت تجرى له الفحوصات الطبية الروتينية . و تبقى فيفيان وحدها فى الفيلا , تسرح فى الحديقة حسب راحتها . هذه النزهات التى تقوم بها خلال غياب المريض كانت بمثابة بلسم لاعصابها المضطربة . و مرة اكتشفت المرائب وراء المنزل و رأت فى داخلها سيارات عديدة و من بينها سيارة سريعة صغيرة , حمراء اللون يعلوها غبار . و فكرت انها لا شك تخص روبرت . و احيانا كانت تستفيد من هذا النهار و تكتب للوسي الرسائل الطويلة و تقص عليها كل الحوادث المختلفه , ثم توكل معين فى ارسالها بالبريد .منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:37 PM

معظم فترات بعد الظهر كانت تقضيها مع روبرت فى حوض السباحة . و كانت هذه اجمل و امتع فترات النهار بالنسبة اليها . عندما كانت تسبح برفقة روبرت و تضحك على تهريجاته و هزله , لم تكن مضطرة ان تلعب دورها . لكنها لم تكن قادرة على نسيان وجود الاخ البكر , الذى كان يجلس كالعادة تحت مظلة و يعمل , من حين الى آخر كان يرفع رأسه لينظر اليهما و هما يلهوان فى الماء .
بدأت تشعر تجاه روبرت بالعطف و المحبة . كيف لا و هو رقيق القلب و رهيف الاحساس . مرضه جعله ناضجاً و حساساً الى درجة غير اعتيادية بالنسبة الى رجل من جيله . لم يذكر امامها ابداً القدر الرهيب الذى ينتظره غير انه ذات صباح و من دون انتباه تناولا هذا الحديث عندما كانا يجلسان فى المكان الذى يطل على المروج و امام عيونهما تتجلى ابنية طنجة البيضاء و تلمع تحت اشعة الشمس , و حيث يسمع من بعيد ضوضاء المدينه .
قالت له عفوياً :
- آسفة انه لا مجال لأن اصطحبك الى المدينة ! بامكانى ان اجر كرسيك اذا سمح لي باخذك !
- ترانت لن يسمح لك بذلك . و حسب الاطباء تطول حياتى اذا بقيت فى كوديا حيث الهواء منعش و نقى و الجو هادئ .
لامت فيفيان نفسها على هذا الحديث و غيرت الموضوع فى الحال.
والواقع العشاء هو الوقت الذي كانت فيفيان تخشاه أكثر من أي شيء آخر , ذلك لأن عليها تناول الطعام وجهاً لوجه مع ترانت.
حاولت مرات عديدة أن تتسلح بالشجاعة وتعلن له بأنها تفضل أن تتناول عشاءها وحدها في غرفتها , لكن صاحب المكان كان يستغنم هذه الفرصة ليسألها عن مجمل ما حدث خلال النهار, ولا تريد أن توقظ في نفسه الشكوك , كان يتكلم عن أخيه الأصغر بحنان ومحبة , ومن تفاصيل صغيرة ومن ملامح وجهه خاصة كانت تعرف الى أي درة يتعذب ترانت من مرض أخيه.
في وجود ترانت كانت تعيش في خوف أن يكتشف قناعها , غير أنه كان يعاملها بلياقة ويقدم لها سيكارة بعد القهوة وقبل الذهاب الى الكازينو , ولما كانت تسمع أخيراً صوت محرك الليموزين يبتعد في الطريق , كان بأمكانها بسهولة أن تتخلى عن شخصية لوسي من دون أن تعرض نفسها لأية مخاطرة.
السهرات كانت مملة , تقضيها على الشرفة الواقعة قرب غرفتها , هناك , تحت السماء المنثورة بالنجوم , كانت تتمتع بمشاهدة المدينة القديمة , كانت تعيش حياتين : واحدة تكرسها لروبرت وثانية تتخيل غاري وتذوب حباً له.
في بداية أقامتها آلمتها الذكريات الماضية الى حد لا يطاق, وشيئاً فشيئاً , وخلال أوقات الوحدة , كانت تتذكر الأوقات المميزة لذلك الصيف الرائع , منذ أربع سنوات , ولم تعد تكتفي بمشاهدة أضواء المدينة وسماع ضوضائها , أنما تريد الآن الأشتراك في حياة طنجة الممتدة حتى مروج كوديا... وأن تجد غاري في شوارع كاسبا الصغيرة المكتظة , في رائحة المواقد الحطبية , في عطر الياسمين...
أن ترى من جديد البغال المحملة بالسلال وطاولات المقاهي التابعة لساعة السوق الصغير.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:39 PM

لماذا لا تذهب لزيارة المدينة؟ فهي حرة أن تقضي المساء على ذوقها , هارون يسهر على روبرت الذي يأوي الى فراشه في السادسة , ولا أحد يراقب تحركات الفتاة ... ومعين يعشق الشاشة الصغيرة ولا يبارح مكانه ما دامت البرامج لا نهائية.
لقد أخذت القرار النهائي , فدخلت الى غرفتها وأنتعلت حذاء متيناً وأخذت حقيبة يدها وسترتها وهبطت الى البهو , ثم خرجت من الفيللا الى الجادة بخطوات سريعة أجتازت المروج , وبعد نصف ساعة وصلت الى المدينة.
وبعد قليل وصلت الى شارع الكاسبا , الزمن لم يعد له أهمية بنظرها , وجدت نفسها بين جمهور ضخم وقلبها ينبض بسرعة وهي تتذكر الأماكن الحميمة على قلبها ,ومثل سائحة متعطشة للأكتشافات ,توجهت فيفيان الى شارع الجامع الكبير , متصنعة أنها تجهل الكلام المنمق الصادر عن الرجال الذين يرتدون القفطان , وفي شارع المجوهرات كان البعاعة الجوالون يحملون على أذرعهم الساعات اليدوية , من المعصم حتى الكتف ,المحلات الفاخرة ومكاتب الصيرفة تقع جنبا الى جنب ومحلات الصاغة الطافحة بالعقود , هذا الطريق المكتظ يفعل فعل المخدر في الفتاة , فما زال قلبها ينبض بسرعة وهي تعبر بين المارة وتحدق فيهم مفصلاً , لعلها ترى غاري فجأة ! ماذا لو ألتقيا بعد هذه السنوات الأربع! لقد ردد غاري على مسمعها أنه لن يغادر طنجة أبداً ,فهي التي غادرتها آملة أن تنساه.
وصلت الى السوق الصغير , وهي الساحة المحاطة بالمقاهي , على الأرصفة والشرفات تمتد الطاولات ويجلس أمامها الرجال والنساء من جميع الجنسيات , يتكلمون الأسبانية أو العربية أو الفرنسية , وجدت مقعداً فارغاً , جلست عليه وطلبت شراباً مغربياً منعشاً , ثم راحت تتذكر الماضي بشدة الى درجة أن الدمع تصاعد على عينيها.
عندما ألتقت غاري للمرة الأولى , كانت فيفيان تمضي عطلة أسبوعين في طنجة , ضمن رحلة منظمة , وغاري كان يعزف على سكسفون في جوقة الفندق , وخلال أستراحة قصيرة ,دعاها الى الرقص, كان شاباً وسيماً , بشرته كامدة وشعره أسود وجبينه واسع عريض , وللحال أنجذبت فيفيان بشكله لكنها فهمت فيما بعد أن الجمال الخارجي خداع أحياناً , وغاري كان مرحاً ومغامراً , تعلم بنفسه العزف على السكسفون ويعمل في هذه الجوقة فقط من أجل أن يعتاش , قبل نهاية عطلتها كانت فيفيان قد وقعت في حبه حتى الجنون , فأسرعت الى مكتب السياحة , ووجدت لنفسها عملاً ثم أستأجرت غرفة صغيرة وقررت البقاء في طنجة لتكون قريبة من غاري , عاد رفاقها الى أنكلترا من دونها ولم تكن نادمة على هذا القرار , أذ كانت تعتبر غاري الرفيق المثالي لها , أمضيا الصيف على شاطىء البحر , وخلال أوقات فراغهما كانا يزوران الأماكن السياحية المغربية... مراكش, الرباط, ومدنها القديمة , فاس وأسواقها المشهورة , وفي المساء تعرفت فيفيان بواسطة غاري الى الحياة المغربية الليلية كأنها تعيش في جو( ألف ليلة وليلة).
ثم بدأت الأمور تفسد, فقد غاري عمله في الفندق وأصبح حزيناً كئيباً , وراح يطلب من الفتاة أن تسمح له بمشاركة شقتها لكنها لم تستسلم له أبداً , في كل حال كان رفضها للمشاركة في حياة واحدة عشوائية من أهم أسباب فراقهما, وذات يوم , وفي وسط الشارع , قال لها أنه لا يرى سبباً للأستمرار في رؤيتها , طلبت منه أن يفكر ملياً بالأمر , لكنه أدار ظهره الى الأبد.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:40 PM

رأته فيفيان يختفي بين الجموع وكادت تخور أرضاً , غاري كان عالمها كله , منذ اللقاء الأول ,تستيقظ كل صباح وتفكر فيه , وفي المساء تنام وهي تتذكر أبتسامته الساحرة.
وخلال أيام قليلة , وضبت حقائبها وركبت الطائرة عائدة الى أنكلترا ,كم جاهدت وتألمت كي تحاول أن تنساه! وهنا, في هذه الساحة المكتظة بالناس , بعد أربع سنوات , أغمضت فيفيان عينيها: لو شاهدت غاري في هذه اللحظة بالذات , لأرتمت بين ذراعيه.
منتديات ليلاس
وبالرغم من كثرة السواح .من النادر أن تتنزه أمرأة وحدها في طنجة , بدأ الناس يضايقونها , ورجال مشكوك بأمرهم يرمقونها بالنظرات المغازلة , فقررت أن الوقت قد حان لأكمال طريقها والعودة الى كوديا.
عندما دخلت الى البهو كانت الفيللا ما زالت مضاءة , فصعدت الى غرفتها بسرعة وخلعت ملابسها ودخلت الى فراشها.
ومنذ ذاك أصبحت النهارات أقل مشقة على أحتمالها ,لكنها كانت دائماً متوترة الأعصاب عندما تضطر أن تلعب شخصية لوسي أتجاه روبرت أو عندما تتحدث الى ترانت , وكانت تنتظر المساءات بفارغ الصبر , أذ من الممكن أن تلتقي بغاري , لم تنخدع , فالسنوات الأربع الطويلة لم تنجح في محو ذكرى هذا الرجل من خيالها.
ومن ثم كبر الأمل في قلبها وراحت تمشط المدينة بحثاً عنه , ولا أحد كان يراها عندما تخرج أو عندما تعود , خلال العشاء كان عليها أن تبذل جهداً لأخفاء تلهفها وقبول سيكارة ترانت مع الحفاظ على هدوئها , وما أن يخرج صاحب المكان , ويمر نصف ساعة على ذهابه , حتى تخرج من المنزل للبحث عن عازف السكسفون .
جالت في شوارع طنجة العريضة وفي مكاتب السياحة وفي غاليريهات الفنون وجميع المطاعم , مرة أو مرتين خاطرت في الذهاب الى جادة باستور وألقت نظرة على بهو فندق الرياض ,وعندما تشعر بالتعب , كانت تجلس على أحد مقاعد الرصيف حيث تجد صعوبة في تفحص المارة لأنها كانت بأستمرار تتلقى تحرشات الشبان الوقحين , أنها تشعر بقرب أكثر من غاري في الشوارع الصغيرة الضيقة في المدينة وخاصة في الكاسبا.
لم يسبق أن دخلت وحدها الى الكاسبا , كان صديقها غاري يعشق هذا الحي المعروف بجدرانه السميكة وقصوره القديمة وممراته المتعرجة , كان يأتي بها دائماً الى هناك للتنزه برفقته.
وذات مساء أرتدت قميصاً وردياً وتنورة من الكتان الخفيف وزينت وجهها ليكن منظرها جيداً وراح قلبها ينبض بقوة وأسرع من العادة: هل هذا حدس داخلي؟
وصلت الى الكاسبا بعد وقت طويل لأنها لم تكن تعرف الطريق جيداً وأخطأت مرات عديدة في أختيار الطريق المناسب , ولما أجتازت جدران الكاسبا القديمة خففت خطواتها ,ففي الشوارع الضيقة بعض البغال المحملة بأكياس النعناع الطازجة المعدة لدخول السوق في الغد ,ر ائحة القرفة وأكباس القرنفل والبابريكا والصعتر تصدر من الدكاكين الصغيرة , الصبيان ذوو العيون السوداء الواسعة والأجسام النحيلة يتعلقون بأبتهاج في ثياب الفتاة , في الممرات تمر النساء المحجبات , والرجال يجلسون على سلالم الفنادق , بجلاليبهم العريضة , وعماماتهم يحللون بأبتسامتهم العريضة مشاكل الكون.

*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:41 PM

الوقت متأخر والطرقات بدأت تفرغ شيئاً فشيئاً , وفيفيان ما زالت تسير في طريقها , وقبل أن تعود الى الفيللا أرادت أن تتسكع في ساحة المقاهي , مركز ألتفاف المثقفين والفنانين والمقيمين الأجانب , هناك أكثر من أي مكان آخر , لديها حظ كبير أن تلتقي بغاري... أسرعت الخطى في توتر كبير الى درجة أنها لم تعد قادرة على التفكير بوضوح , ساحة المقاهي! ... هناك يجب أن تتوجه دون تردد , وعلى زاوية شارع صغير شاهدت أخيراً ما كانت تبحث عنه طوال السهرة , نعم أنها الآن في شارع الرياض , أنه الشارع الصغير الذي كانت تجتازه في الماضي برفقة غاري للتوجه نحو الساحة , بدأ نبضها يسرع بشدة , صبي مغربي في السادسة عشرة تقريباً ظهر فجأة أمامها حاملاً طبلاً صغيراً وسألها باللغة الفرنسية:
- هل الآنسة الجميلة تبحث عن هدية؟.
أجابت وهي تكمل طريقها:
- كلا ,الوقت متأخر جداً.
كان مكتب السياحة ينصح السياح أن يصطحبوا معهم دليلاً رسمياً عندما يقومون بزيارة الكاسبا لأن الشباب هناك مزعجون ولجوجون أحياناً.
عاد الصبي يقول بلغة أنكليزية سيئة:
- أنت أميركية , هل تشترين هذا الطبل؟ سعره رخيص جداً .
قالت له لتفهمه أن محفظة نقودها ليست محشوة بالدولارات :
- لست أميركية , بل بريطانية , أرجوك أنا مستعجلة .
- خمس أسترلينات فقط! ثلاث....
فيفيان تكمل طريقها والصبي يلحق بها ويقول:
-15 درهماً .... عشرة....
ولما وصلت فيفيان الى الساحة , خاب أملها , أذ لم تجد ألا بضعة زبائن أمام الطاولات كانوا يشبهون المتسولين المشردين أكثر من الفنانين المثقفين.منتديات ليلاس
يا لهذه المفاجأة ! تقدم منها أربعة صبيان يركبون الدرجات القديمة وراحوا يحومون حولها .
ألقت نظرة الى ساعة يدها وأصيبت بذعر أنها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل , يجب العودة في الحال الى كوديا , لكن في هذه المتاهة ستضل طريقها , عفوياً ألتفتت نحو الصبي الذي كان يلحق بها وسألته:
- هل تعرف طريقا للخروج من هنا بأسرع ما يمكن ؟ أصدقائي بأنتظاري.
قالت هذا الكلام لتحمي نفسها حتى لا يعتقد أنها وحدها :
- أنا أسكن في الكاسبا وأعرفها جيداً.
رمى طلبه الى أحد ركاب الدراجة وقال له بضع كلمات بالعربية ثم أشار الى فيفيان لتتبعه , أجتازا الساحة وشعرت الفتاة بالنظرات الفضولية تحدق بها , في ثيابها الغريبة كانت شواذاً بين هؤلاء الرجال الذين يرتدون الجلابيات، أرتاحت تقريباً لدى وصولها الى شارع مضيء , لكنها لاحظت فجأة من بعد بعض الأشخاص الغريبين يقتربون منها , كانوا راكبي الدراجات الذين ألتقت بهم في الساحة , وراحوا يلحون عليها قائلين في ضحكات شيطانية :
- دولار , دولار.... أميركية!.

*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:43 PM

ضمت حقيبة يدها بشدة نحوها , لكنها ندمت في الحال لما فعلته , لماذا الظهور بأمتلاك كمية كبيرة من المال وهي لا تحمل بالفعل ألا القليل من الدراهم ! وفي هذه الأثناء شاهدت الباب الذي يفتح على شارع المدينة , فأطلقت زفرة أرتياح.
خارج الكاسبا الشوارع مكتظة بالناس وعلى ضفاف البحر واجهات الفنادق مضاءة , توجهت فيفيان نحو هذا الشارع فرحة للتخلص من اللحقين بها , أرادت أن تقترح على دليلها مكافأة مالية صغيرة لتشكره على مساعدته , لكنه , بعد أن تأكد من أن لا أحد ينتظر الفتاة , هجم بسرعة عليها وأنتشل منها حقيبة يدها وأسرع نحو صديقه الذي فتح المحفظة بطريقة درامية , كانت فيفيان تجن غضباً , المال لا يهمها , أنما داخل الحقيبة أشياء صغيرة كانت ذكريات من غاري ذات أهمية كبيرة لديها .
راحت تصرخ قائلة:
- أعطني حقيبتي.
أكتشف الصبي المبلغ المتواضع داخل محفظة النقود , فغضب وقرر أزعاجها بالفعل ليفهم هذه السائحة عدم التظاهر مرة أخرى أنها ثرية!
رددت تقول فاقدة صبرها:
- أعطني حقيبتي!.
كانت على وشك الأنفجار بالدموع عندما سمعت صوتاً يلفظ كلمات عربية قليلة , شعرت فيفيان بالذعر: لقد سبق أن سمعت هذه اللهجة... في المطار.
ألتفت الصبي الى الوراء , ثم ولى مسرعاً بعد أن رمى الحقيبة أرضاً , وكادت فيفيان أن تغيب عن الوعي عندما رأت ترانت يظهر في العتمة , أنحنى يلم الحقيبة وقال بلهجة هادئة:
- هذه الحقيبة تخصك , على ما أظن.
تثاءبت وهي تحدق بنظراته المتقدة وقالت بتلعثم:
- أنا ..... أشكرك.
أمسك يدها وشد عليها حتى وصلا الى سيارة ليموزين , وتساءلت الفتاة بأن الكازينو ربما يقع قريباً من هنا ولامت نفسها لأنها لم تعد الى كوديا باكراً.
عادا الى المنزل في صمت عميق ,عبدول يقود السيارة برصانة , أما ترانت الجالس قرب الفتاة في المقعد الخلفي فكان يبدو متوترا للغاية , ولما وصلوا الى الفيللا , نزل صاحبها من السيارة برشاقة وتمنى للسائق ليلة سعيدة , ثم أمسك بمعصم فيفيان المذعورة وشدها الى الداخل ,ولما وصلا الى البهو صرخت الفتاة نائحة:
- الوقت متأخر ... وأنا متعبة.
شعرت بألم قوي في ذراعها وغصت , فقال لها:
- لكنك لم تكوني متعبة وأنت تتنزهين في المدينة , علينا أن نتحدث في الحال.
دفعها الى غرفة المكتبة , فغضبت لهذه المعاملة السيئة وألتفتت اليه بسرعة لتواجهه عندما أغلق الباب وراءه , أشعل ترانت سيكارة ثم قال بهدوء:
- أنت تتدبرين أمرك بسهولة , يا فيفيان, أعتقد أنها ليست المرة الأولى تخرجين فيها في المساء من دون علم أحد , أليس كذلك؟".
رفعت ذقنها بفخر وأجابت:
- بالفعل, لكنني كنت أجهل أن علي مراقبة!.
- هل تحاولين التلميح بأنني عقبة أمام حريتك؟ وماذا تفعلين بروبرت؟ ألا يستحق بعض المراعاة؟.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:44 PM

كانت الفتاة الأنكليزية تعرف مشاعر ترانت أتجاه أخيه , حالة روبرت الصحية تؤلمها هي أيضاً وكثيراً جداً لكن ماذا يمكنها أن تفعل بهذا الخصوص؟
- أنت ظالم وغير عادل! أضحي بكل وقتي من أجل روبرت ولا يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك.
- لا شك أنك لم تقصدي المجيء الى المغرب , فقط للأهتمام بشاب معاق!.
حاولت كل جهدها للمحافظة على هدوئها , كيف تتصرف لوسي في مثل هذه الظروف؟ لوسي العزيزة ... لكانت كرست سهراتها في تركيب أزرار قمصان روبرت أو تحاول قدر المستطاع أن تدخل الى غرفته في المساء جالبة الكتب والمشروبات المنعشة , لكن فيفيان ليست لوسي , فهي ليست واقعة في غرام روبرت , تحترمه , لكن قلبها لا يلهف ألا لغاري.
- روبرت وأنا معا طوال النهار , وفي المساء يحتاج الى الراحة , أنسيت ذلك؟.
- يكون سعيداً أذا كان يعرف أنك هنا , قريبة , فهو لا يشك أبداً بأن شوارع طنجة تفتنك الى هذه الدرجة .
أجابت فيفيان ببرود:
- هل تعتقد أن هذه المدينة تؤثر بي تأثيراً معيناً؟ أخرج لأن ليس لدي ما أفعله.
وافق وهو يحدق بها بأمعان:
- طبعا , أنت شابة وبصحة جيدة وبحاجة الى التسليات , ليس مفرحاً أن تقضي سهراتك وحيدة في غرفتك بينما ينام شاب مريض في جناح آخر من المنزل".
شحب وجه الفتاة الأنكليزية أمام هذه الشتيمة , ولمعت عيناها غضبا فأقتربت منه , كان ترانت بأنتظار هذه الحركة , فأمسك بكتفيها في الوقت الذي كانت فيه ترفع يدها لتصفعه وتقول مختنقة:
- أنت لا تنظر اليّ بأحترام وتعتبرني فتاة فاسقة!.
أجابها بأبتسامة واضحة:
- أننا راشدان ونعرف الحياة , أنت وأنا.
وبينما كان يتكلم , كان يغمس أصابعه في جلد كتفيها تحت القميص الخفيف , ولم تكن فيفيان قادرة أن تزيح نظرها عنه لشدة ما كانت تنبع منه قوة غريبة , ظلت فاقدة الصوت لوقت طويل محاولة التخلص من قبضته , ثم قالت:
- أنت, أنت صاحب الكازينو ! لست مرغماً على البقاء في المنزل وعد الدقائق ليحين وقت الذهاب الى الفراش!.
وافق في هدوء وقلق وقال:
- صحيح , لكن أنا شقيق روبرت وليس بالفتاة التي وقع في غرامها حتى الجنون ! لو تعرضت لحادث مثلاً , ماذا تكون ردة فعله, بنظرك؟.
- لماذا تريدني أن أتعرض لحادث ما؟ هذا المساء أرتكبت خطأ وأضعت طريقي , فطلبت من صبي أن يدلني على الطريق الصحيح , لكن ذلك لم يكن سوى حادث لا أهمية له!.
- معك حق! لا شك أنك قادرة أن تتخلصي من المأزق أتجاه مراهق صغير أراد أن يسلبك أموالك!.
أرتعشت فيفيان , لم يسبق أن رأت ترانت غاضباً على هذا النحو , فجأة , رفع يده عنها وسحب من سيكارته قبل أن يعلن في سخرية:
- أتفقنا, صحيح أنه من الصعب أن أطلب منك قضاء الأمسيات داخل المنزل ... لكن أذا شعرت بحاجة الى القيام بنزهة ما , فأنا لا مانع لدي , لكنك لن تخرجي وحدك , يقودك عبدول الى المدينة ويرافقك الى حيث تشائين".
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:46 PM

كيف تجد غاري أذا كانت برفقة الخادم؟
- أنا ناضجة وقادرة أن أتنزه وحدي من دون حراسة".
أجاب بجفاف:
- توافقين على ذلك أو تبقين في البيت , في حالة روبرت الصحية الحاضرة , أشعر بالمسؤولية أتجاهك , ومراعاة له , سأفعل كل ما أراه صائباً , كي أتحاشى أن يحدث لك مكروه.
لم يعد هناك جدوى الأستمرار في النقاش , لكنها لم تكن تنوي الأستسلام لعرضه بسهولة , فقالت بأستهزاء:
- لقد أعتدت أن تحكم بتسلط على أخيك ,لكن أرجوك لا تحاول أن تفعل معي الشيء نفسه , يا ترانت , أحب أن آخذ قراراتي بنفسي!.
قال بلهجة متملقة:
- خلال أقامتك في كوديا , عليك أن تتخلي عن هذه الأستقلالية المترفة , أعني في المستقبل , بأمكانك أن تفعلي ما تريدينه وما يحلو لك , فروبرت لن يتمتع بهذه الحرية!.
راح ينظر مفصلاً الى شعر الفتاة المشعث وملامحها المشدودة ثم أضاف وهو يفتح الباب:
- أذا أردت أن تكوني في أحسن حالاتك صباح الغد , أنصحك باللجوء الى فراشك الآن.
ولما صعدت فيفيان الى غرفتها ,خرجت الى الشرفة تذرع أرضها ذهاباً وأياباً , حتى أستعادت تنفسها الطبيعي , كادت أن تفسد كل شيء , هذا المساء , من أجل لوسي , لكن , من ناحية أخرى , لماذا تصرف ترانت بغضب قوي؟ كانت تشعر دائماً أنه من الخطورة مقاومة هذا الرجل الجبار ,وقالت لنفسها أنها لم تخطىء هذا التقدير , وراحت تمسد كتفيها المتصلبتين.
وفي صباح اليوم التالي , أستيقظت فيفيان متأخرة وشعرت بأحساس بالذنب نحو لوسي وروبرت , أرتدت ملابس جميلة ونزلت الى الطابق الأرضي.
كان الطقس رائعاً والأزهار بدت زاهية تحت السماء الزرقاء : الجرانيوم الوردي والسوسن الأزرق والقرنفل المتعدد الألوان , جميع الأزهار تعطر الجو بأريجها اللذيذ , أجتازت الشرفة بخطى خفيفة وأقتربت من الشاب المعاق وطبعت قبلة ناعمة على خده وأعلنت بأنشراح قائلة:
- آسفة على تأخري , هذه الشمس الجميلة تجعلني كسولة وناعسة.
قال روبرت وهو يدير لها خده الثاني:
- عليك أن تنامي غالبا حتى الضحى!.
فكرت بلوسي وقبلته من دون عجلة وأذا بروبرت يضع يده تحت ذراعها ويقبل أنفها بلطف ونعومة.
جلست أمام الطاولة متحاشية نظرات ترانت وراحت تثرثر بمرح مادحة هذا النهار الرائع ورائحة زهر الليمون الطاغية.
سأل المريض ضيفته بينما كان يأكل برتقالة:
- هل علمت بالخبر الجديد ؟ ينوي ترانت أن يزرع العشب الأخضر كي يصار أمكانية اللعب بالكروكري( لعبة بالكرات الخشبية) , بنظره كوديا لا تؤمن لنا التسليات كفاية.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:48 PM

رمقت فيفيان ترانت بنظرة ثقيلة تحمل المعاني الخفية , ثم أجابت مازحة:
- أنها فكرة رائعة! هذا يسمح لك أن تغير عن هواية رمي الفتيات في الماء يا روبرت!.
قال ترانت ضاحكاً:
- هذا ما كنت أقصده , أنا أعرفك تلعب دور البطل في حوض السباحة ,لكنني أريد أن أراك تبذل جهدا في رفع الكرة تحت القناطر الصغيرة!.
قال روبرت بأبتسامة تهديد وهو يغمز أخاه بطرف عينيه:
- لست مبتدئاً , كما تظنين ! رآني ترانت ألعب الكروكي في المستشفى!.
قال ترانت وبريق فرح في عينيه:
- أنه ماهر , أحذرك.
وبقي الثلاثة يثرثرون على هذا المنوال وفيفيان تبذل جهدها لتحافظ على هذا الجو الجميل , صحيح أنها لا تتفق مع صاحب المكان وأن أبتسامته تخفي تناقضاً قوياً , لكن المهم في كل ذلك سعادة روبرت وحسب.
ومنذ ذلك اليوم بدأ العمال يزرعون العشب الأخضر بعد أن جرى بسط الأرض كما يجب , ومن شرفتها كانت فيفيان تراقب الأعمال وأبتسامة ساخرة على شفتيها , يكفي على صاحب المكان أن يفرقع بأصابعه حتى يسرع الجميع اليه ويطيعونه ... وذلك بفضل أموال الكازينو.
وبأقل من أسبوع أصبح العشب جاهزاً لممارسة رياضة الكروكي , كان المكان يقع على سفح مطل على الخليج ومناخه معتدل طوال السنة بسبب الرياح البحرية.
ومرت الأيام وترانت يستعمل سيارة روبرت الحمراء ليتوجه الى المدينة , وتبقى سيارة الليموزين السوداء مصفوفة كل مساء في المدخل وعبدول تحت تصرف الفتاة الأنكليزية , في البداية لم تجرؤ الفتاة على مغادرة غرفتها , ثم بدأت تفكر :
أذا لم تخرج , يظن ترانت في الحال أنها كانت تخفي عليه أمراً ما , كما كانت تريد البحث عن غاري حتى تجده , أحياناً كانت تنظر الى نفسها بسخف وتقول أنه بعد أربع سنوات ربما وجد غاري لنفسه أمرأة تزوجها وأنجب منها الأولاد , ثم تستعيد وعيها لتقول أن ذلك مستحيل , غاري ليس برجل يتزوج , ألم يردد ذلك على مسمعها في عدة مناسبات؟
وخلال أسبوع , تسلحت بالشجاعة ,وأنذرت عبدول أنها تنوي الخروج في المساء , بعد ذهاب ترانت.
سألها الخادم بعد أن جلست في المقعد الخلفي :
- أين بأمكاني أن أقود الآنسة؟.
ترددت قليلا ثم قالت:
- أحب أن أذهب الى ساحة( السوق الصغير) قرب الجامع الكبير , أعرف هناك مقهى تعزف في داخله الموسيقى العربية , ولا شك سأجد بعض المحلات فاتحة.
أنحنى قليلاً وجلس أمام مقود السيارة وأقلع , في المدينة أوقف سيارته وأنتظر على طرف الطريق حتى تقرر فيفيان أي طريق ستسلك , أعتادت الفتاة بسرعة على وجود عبدول , كان يرتدي جلابية من الكتان الرائع ويعتمر على رأسه طربوشاً أحمر وينتعل بابوجاً ناعماً من الجلد الأصفر , كان وجوده مفيداً وخاصة لأبعاد المتحرشين الوقحين العديدين بكلمات قليلة وقصيرة , كان الشحاذون والبائعون والوقحون يبتعدون بسرعة.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 12-04-10 02:49 PM

والفتاة الأنكليزية تبحث عن غاري , لكن برفقة عبدول , ولهذا لم تكن مهمتها سهلة , لقد تلقى عبدول أوامره من ترانت , وحتى لو ألتقت بصديق بالصدفة , لما سلمت عليه باليد خوفاً من أن يشهر عبدول سكينه المزين بالحجارة الجميلة...
وبعد أن أمضت سهرة أو سهرتين برفقة السائق قررت أن تقوم بجولة تفتيش جديدة , عبدول يجهل أنها تبحث عن شخص معين , أقترحت عليه أن أخذها بنزهة في جادة باستور, بحجة أنها تريد أحتساء شراب منعش فدخلت الى مقهى فندق رياض , وبينما كان عبدول يذرع أرض البهو ذهاباً وأياباً , راحت فيفيان تتحدث مع مدير الأستقبالات , نعم , فهو يتذكر غاري , عازف السكسفون في الفرقة , لكنه لم يره منذ مدة طويلة ويعتقد أنه وجد عملاً في ناد ليلي يقع ناحية المرفأ , أعطاها أسمه وعنوانه.
فرحت فيفيان أذ ألتقت أخيراً بأحد يعرف غاري , وفي مساء اليوم التالي , توجهت نحو النادي المذكور حيث الجو يعبق بالعفونة ورائحة الدخان , أصحاب النادي يذكرون غاري لكنهم لا يعرفون أين يوجد في الوقت الحاضر , فأعطوها عنواناً قديماً له لعله يفيدها بشيء.
أستمرت في بحثها , كانت متفائلة في البداية , لكنها بدأت تتشاءم عندما لم تنل أي نتيجة, وذات مساء بعد عودتها الى كوديا , بعد منتصف الليل , شكرت عبدول وصعدت الى غرفتها وأرتحت في مقعدها فاقدة الأمل والشجاعة.
هل هي قادرة على الأستسلام بقبول عدم رؤية غاري أبداً؟ نهضت الفتاة وخرجت الى الشرفة , ألقت نظرة سريعة الى الفيللا النائمة وأرهفت السمع لدى دخول سيارة ساحة المنزل , في الواقع أنها تشعر بالقلق , هل عرف ترانت نواياها في بحثها الجرىء ؟ وهل عبدول رجل مجرد وكتوم كما يبدو عليه ؟ وعندما يكون مع معلمه , هل يثرثر له مثل بقية الخدام؟
بدأ قلب فيفيان ينبض بسرعة , وأدركت أن تصرفها هذا غريب جداً ,وبدأت تقلق حيال فكرة واحدة :ماذا يعرف ترانت بالضبط؟
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 12:54 PM

4- النزهة والشجار

كل نهار خميس يذهب روبرت الى المستشفى , هل يدرك هذا الشاب المعاق الخلاف الواقع بين ترانت وفيفيان؟ لكن خلال فطور الصباح, أقترح روبرت شيئاً غير منتظر . أذ بدأ يقول وهو يرمق أخاه الكبير بنظرة قلقة:
- لقد فكرت ملياً وأدركت أن ضيفتنا تضيّع وقتها في كوديا بأنتظاري , لماذا لا تأخذها يا ترانت , في نزهة أو شيء كهذا ؟ بأمكانك أن تضعني في المستشفى صباح اليوم كالعادة وتأتي في السادسة مساء لتأخذني!.
سألها ترانت برصانة:
- ما رأيك بهذا , يا فيفيان؟.
كانت الفتاة تشعر بالخوف والرغبة في آن واحد , لفكرة قضاء نهار كامل برفقة ترانت , وعرفت أنها المناسبة الوحيدة لتظهر له أنها لا تخاف منه , فأجابته موجهة الحديث الى روبرت:
- كم أنت لطيف يا روبرت لهذا الأقتراح!.
أجابها روبرت ماسكاً يدها ومبتسماً بوفاء وشكر:
- ستشعرين بفرح لمغادرة هذا المنزل – ولمغادرتي أيضا- خلال بضع ساعات.
أخفضت فيفيان عينيها بخجل , ذلك أن روبرت يجهل كل شيء عن خروجها الليلي , تحاشت نظرات ترانت وبذلت جهداً كبيراً كي لا يعلو وجهها الأحمرار .
منتديات ليلاس
أختارت فيفيان فستاناً خفيفاً معرقاً بالزهور الزرقاء , وزينت وجهها بشكل خاص من دون أن تعرف سبب ذلك وتوجهت الى السيارة , قادهم عبدول الى المستشفى فبقيت فيفيان في السيارة بينما حمل ترانت والخادم روبرت في الكرسي النقال ودفعاه حتى المدخل الرئيسي حيث كان في أستقبالهم بعض الأطباء , راحت الفتاة تتأمل العشب الأخضر المعتنى به والزهور الفاتنة , سئمت الأنتظار داخل السيارة , ففتحت الباب وخرجت متوجهة بخطى بطيئة نحو تلة صغيرة تطل على بستان زيتون ونخيل , كانت تتأمل المنظر عندما أقترب منها ترانت وقال وهو يمد لها يده لمساعدتها على النزول :
-آسف لتأخري , لكن الأطباء أرادوا التحدث معي أكثر من العادة.
نظرت اليه فيفيان بقلق , هل حالة روبرت الصحية بتدهور سريع ؟عماذا حدثه الأطباء؟ لم يبال لنظراتها لذلك لم تكن عندها الجرأة لتسأله عن هذا الأمر..

*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 12:56 PM

ولما أقلعت سيارة الليموزين قال لها ترانت:
- اليوم يوجد سوق شعبي في السوق الكبير , وسيأخذها عبدول الى هناك, أما بالنسبة الى فترة بعد الظهر, ما رأيك بنزهة الى تطوان؟.
أجابت ببرود:
- كما تريد.
والغريب بالأمر , أنه عندما دخلا باب( باب القاس) المؤدي الى السوق الكبير بدأت فيفيان تراجع رأيها في ترانت , هذا الرجل المتحفظ والبسيط والواثق من نفسه.
أمسك ذراع الفتاة حتى وصلا الى ساحة السوق الشعبي, وهناك شاهدوا بهدوء الخزف الصافي , والسلال والمداري , والشراشف المحاكة باليد ومختلف أنواع الحرف اليدوية , وأنجذبت فيفيان بصورة خاصة بالفلاحات الريفيات اللواتي يرتدن العباءات المقلمة بالأبيض والأحمر , ويعتمرن قبعات ضخمة مصنوعة من القش المجدول والمزين بالشرابات , كن يجلسن تحت الأشجار ويبعن أزهار جبل المنشأ ... الورد , والدلبوث والسوسن والريفية...منتديات ليلاس
وترانت يرافقها حيثما تذهب, يريها جلود الحيوانات , وآلات الموسيقى والخزنات القديمة الجلدية المزينة بمسامير نحاسية , شعرت الفتاة الأنكليزية بأرتياح غريب وأحست برغبة في الضحك وفجأة رأت دكاناً صغيراً يعرض الطيور المحنطة والحيات والتماسيح المجففة , فصرخت مستغربة:
- آه! لا يمكن التخيل أنه في القرن العشرين ما زال بعض الناس يتعالجون صحياً بهذه الطريقة!.
قال ترانت ضاحكاً:
-المساحيق السحرية والعقاقير السرية ما زالت تجذب العديد من الناس.
وبينما كانا يتحدثان , خرج البائع من الدكان وقال بلغة أنكليزية جيدة:
- هل تريدان أدوية؟ لا شك أنكما تحتاجان الى شيء ما! لكن أسمحا لي في البداية أن أزودكما ببعض المعلومات , هذا النسر المجفف , مثلا يكفي أن يجرع قليلاً من جلده مع قليل من الماء حتى يزيل الآلام الناتجة عن الأحزان العاطفية , وهذه العظام هي عظام الثعلب , هل هناك رجل آخر يغازل حبيبتك؟ تأخذ أذن....
كانت فيفيان تصغي اليه وتشعر بالأنزعاج , لكن ترانت قاطعه قائلاً:
- أنت لا تبيع أذن ألا الشراب الذي يشفي مرض الحب ومشتقاته؟.
- عندما يدخل رجل الى دكاني برفقة امرأة , أستنتج أن الأمر يتعلق بمشاكل الحب , هل ترى جلد حية الكوبرا المعلق هناك؟ بأمكانك أستئجاره لنهار واحد أو أكثر , ضعها حول جبينك أذا كنت تشكو من الصداع , وحول عنقك أذا كنت تشكو من آلام في الحنجرة , له مفعول أيجابي مئة في المئة.
همس ترانت مازحاً:
- لا أشك لحظة واحدة بصحة كلامك!.
أحاط بذراعه كتفي فيفيان وأضاف يقول:
- أشكرك على هذه المعلومات , والآن علينا الذهاب .
صرخ البائع وهو يراهما يغادران الدكان قائلا :
- أنتظرا لحظة واحدة , كم ولد لديكما؟.

*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 12:58 PM

أجاب ترانت برأسه أن لا ولد لديهما , فأضاف البائع قائلاً:
- آه في هذه الحال , أنتما فعلا بحاجة الى خدماتي! عندي هنا جلد فهد ..".
قال ترانت:
- لنخرج يا فيفيان.
ولما أصبحا بعيدين عن الدكان , أطلق ترانت ضحكة مرحة , أما فيفيان شعرت بأرتياح لدخولها حدائق فندوبيا حيث الأشجار الدهرية وحدها عرفت مدى أضطرابها وشدة أنفعالها.
منتديات ليلاس
تناولا الغداء في مطعم رائع يطل على البحر , صحيح أن فيفيان كانت تعتبر أنها تعرف طنجة جيداً ,لكنها لم تتأثر فعلاً بسحر هذه المدينة وتألقها ألا برفقة ترانت , ربما هذا السحر في داخلها يعود الى الشمس المشرقة والسماء الزرقاء والبحر الهادىء...
بعد الغداء اللذيذ , عادا الى حيث أوصلهما عبدول في الصباح , وشعرت الفتاة بأندهاش وفرح لرؤية السيارة الحمراء السريعة , بدل الليموزين , فقالت ضاحكة:
- ألن نحتاج أذن لسائق بعد الآن؟.
قال لها ترانت وهو يساعدها الى الصعود:
- بلى ... أنا!.
غادرت السيارة طنجة متوجهة نحو الجبل وشعرت فيفيان بمزاج الثرثرة , خلال الغداء تحدثا عن الطعام والموسيقى والمناظر الخلابة.
سألته:
- هل عبدول رجل متزوج؟.
- نعم , وزوجته تعيش في الجنوب , في زاغورا.
- هل تبعد زاغورا كثيراً عن طنجة , أظن أنها تقع على الحدود الجنوبية , أليس كذلك؟.
- نعم , هناك ألتقينا , عبدول وأنا , كان في خدمة صديق قديم يدعى بيار , ولما عاد بيار الى فرنسا , جاء عبدول ليعمل لدي.
- وماذا كنت تفعل هناك".
- كنت ضابطاً في أحدى الشركات الصحراوية.
قالت فيفيان بفضول وأندهاش:
- هل يعني أنك كنت تعاشر قبائل البدو وتسكن في قصور من التراب الأحمر المبنية وسط الصحراء؟.
- بالضبط , هل من الصعوبة أن تتصوري أنني أفرغ حذائي المليء بالرمل ؟.
- في هذه الملابس , كلا , عندما أراك في المساء في بزة السموكينغ , لا يمكنني أن أقول حينذاك أنك تتمتع بروح المغامرة.
ضحك وقال:
- عشت حياة متقلبة .
أدارت فيفيان رأسها نحو النافذة , ترانت يتمتع أذن بأكثر من وجه لشخصيته , لقد سافر وأقام في أماكن نائية , وهذا يتناقض مع الحياة العصرية التي يعيشها الآن! أذن من هو ترانت كولبي الحقيقي؟
السيارة تسلك طريقاً غير معبدة ثم تدخل في شوارع تطوان الضيقة.

*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 12:59 PM

تنزها في الحي الأسباني القديم , وتناولا الشاي على شرفة أحد المقاهي ,ثم دخلا الى حي المدينة , وبعد أن أجتازا باب الرواح , وصلا الى ساحة السوق الشعبي , الملابس المطرزة والزنانير المحيكة وجواهر الماس كلها تتلألأ تحت الشمس , وما أن شاهدت فيفيان دكاناً على واجهته جلد حية مجففة حتى أمسكت ترانت بذراعه من دون تفكير وأخذته بعيداً , فسألها:
- ألا ترغبين في معرفة الترويج الحديث في تطوان فيما يتعلق بشراب الحب؟.
قهقها ضاحكين وأكملا الطريق يداً بيد , وعلى تلة صغيرة وجدت الفتاة الأنكليزية مكاناً منزوياً , فجلست على حافة الطريق وأغمضت عينيها وراحت تتنشق روائح الشارع من السمك الطازج المشوي على الفحم الى السمك الطاجن .... ثم شعرت بوجود رفيقها قربها , قدم لها سيكرة وأشعل لنفسه سيكارة أخرى وقال:
- أجدك وقد سئمت من هذا البلد وأنت فيه منذ مدة قصيرة.
لقد لاحظ أن لا شيء يدهش الفتاة , فأبتسمت وأجابت:
- يوجد لذلك سبب بسيط .... لقد سبق وزرت هذا البلد من قبل.
لم يبد عليه الأندهاش وقال:
- بالنسبة لأبنة مزارع , هذا أمر غريب!.
أدارت رأسها نحو البحر , فلا تريد أن تفكر بلوسي , ليس الآن على الأقل , قالت في تعبير حالم:
- أتذكر مدينة فاس الوردية تحت ضوء القمر .... والجديدة , والجامع والقصر الأبيض....
- متى جئت الى هنا؟.
- منذ أربع سنوات.
وتساءلت :
- أين كان ترانت يا ترى منذ أربع سنوات؟ هل كان يقطع الصحراء على ظهر الجمل ؟ أو كان يخطط في المجيء الى طنجة؟.
- ألم تشعري من ثم برغبة في العودة الى المغرب؟.
- كلا.
- هذا أمر غريب ! يقال أنه متى زار المرء هذه البلاد مرة يرغب في أن يكرر ذلك مرار....
- ربما أنت على حق ! أنا في المغرب من جديد , أليس كذلك؟.
أخفض عينيه يسحب من سيكارته وبعبوس حالم قال:
- أتذكر يوم وصولك الى المطار , من تعبير وجنك البارد , أرعبت كل من حاول التحرش بك وكنت قادرة على التخلص منهم بسهولة حتى بدون أن أتدخل في الأمر.
تأملها طويلاً ثم أضاف يقول:
- أنت فتاة غامضة , منذ أن رأيتك وأشعر أنك تخفين سراً كبيراً , ماذا جرى لك قبل أربع سنوات؟.
أنتفض قلب فيفيان , فتصنعت عدم الأنتباه وقالت ضاحكة:
- لماذا تعتبر أنني أخبىء شيئاً ؟ لماذا لا تعتبر أنني كنت أرغب في السفر ببساطة؟.
- يهيأ لي أنك قمت بمغامرات كثيرة .
قالت بمزاح لتخفي أرتجافها الداخلي:
- لا أجرؤ أن أسألك عن عدد مغامراتك الآن!.
- بالنسبة الى الرجل , الأمر مختلف كلياً , لا نحمل نحن الجروحات مثلكن , أنتن النساء.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 01:01 PM

- ذلك لأن الرجال يعطون القليل من أنفسهم.
- لست مستعداً لأبرهن عن ذلك.
كان قريباً جداً منها , شعرت بأنها ستقع في الفخ , لكنها وجدت القوة لتقول:
-لم يسبق أن غازلت امرأة بالمراسلة , أليس هذا ما سبق وقلت لي؟.
- نعم وأضفت قائلاً بأن الحب بالمراسلة لا يكفي , حتى لك.
- لكنني كنت محظوظة , أذ ألتقيت بمراسلي شخصياً.
- صحيح؟.
كان يحدق بها بعينيه الزرقاوين , لكن سحره أختفى , وبعد قليل , رمى سيكارته وراء الجدار ونهض واقفاً , واضعاً يديه في جيبيه وتابع يقول:
- منذ أربع سنوات , كان روبرت شاباً نشيطاً , أمنيته الوحيدة أن يصبح لاعب روكبي محترفاً , آه لو تعرفت اليه في ذلك الوقت! كان قادراً أن يتغلب على كل منافسيه , ظل يلعب حتى السنة الفائتة , أي منذ أصيب بهذا المرض".
- لا شك أنها صدمة قوية عليه!.
- في البداية أعتقد أن الأمر حمى قوية , ولما لم تتحسن حاله .. لا شك أن روبرت أخبرك كل التفاصيل في رسائله!.
أسرعت في القول:
- نعم , بالطبع , لكن أحب... أن أسمع ذلك من أخيه الكبير...
نهضت واقفة لتبدو كلماتها صادقة , أقترب ترانت منها وراح ينظر مطولاً الى وجهها الغريب وشعرها المشعث , ثم أبتسم وقال بصوت جاف:
- يمكن أحياناً للأخ الكبير أن يقدم تشجيعاً معيناً.
نظر ترانت الى ساعته وأمسك بذراع فيفيان وقال:
- حان الوقت كي نعود الى المستشفى.
وفي طريق العودة الى كوديا , لم ينطق ترانت بكلمة مع فيفيان , وبالرغم من شحوب وجه روبرت كان مزاجه بشوشاً فسأل:
- هل قضيتما نهاراً جميلاً؟.
أجاب ترانت قائلاً:
- كان نهاراً رائعاً!.
وقالت فيفيان:
- رائع جداً ! في الصباح زرنا السوق الشعبية , ثم تناولنا الغداء في مطعم فاخر وأخيراً ذهبنا الى تطوان.
- عظيم! أنا سعيد أن أخي وصديقتي متفقان , يجب أن تستمرا في الخروج معاً.
قال ترانت:
- لدي مؤسسة علي أن أديرها يا روبرت , لا تنسى ذلك ! لم أجد محاسباً يحاسب على طريقتي!.
قالت فيفيان لتغير الحديث :
- كان علي أن أستفيد من هذا النهار لأكتب الرسائل ... آه , أنظر الى هذا البساط من الزهر الوردي عند هذه الشجرة!.
ترانت وفيفيان اصبحا عدوين من جديد , وخلال بقية الأسبوع بالكاد تبادلا الحديث , كان ترانت يحاول أن يتحاشى الفتاة التي لم تكن غاضبة أبداً لأنه في الواقع , ليس بينهما أمور مشتركة , وفرحت فيفيان أنها عادت تشعر من جديد بعدم أستلطافها لترانت كلما فكرت فيه.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 01:02 PM

لم يتشاجرا وفي الظاهر لا شيء تغير , أمام المريض يتصرف ترانت بلطف وبمزاح من دون توق , وعندما يكون وحده مع الفتاة , يبدو لا مبالياً بها الى درجة متناهية.
منتديات ليلاس
أصبح روبرت متعلقا أكثر فأكثر بالفتاة , كانا يمضيان أوقاتاً طويلة معاً في حديقة الفيلا , وبسبب عدم قدرته على الحركة أكتشف روبرت شغفاً قوياً لدية أتجاه الطبيعة وبدأ ينجذب نحو الشعراء الذين عرفوا كيف يصفونها بقصائدهم , رسائله الى لوسي كانت مليئة بأبيات الشعر وكانت فيفيان تجد صعوبة كبرى عندما تحاول أن تجاريه , وفي أحد الأيام عندما كانا في الحديقة قال روبرت وهو ينظر الى الخليج البعيد:
- لم يسبق أن ذهبت الى جزيرة من قبل , رأيت البحر وسافرت فيه , لكنني أجهل أي أحساس يشعر به الأنسان عندما يكون محاطاً بالماء.
نظرت فيفيان الى شعره الأشقر كالقمح , وكتفيه العريضين وراحت تتحسر في داخلها على هذا الشاب الضائع , فجأة ,راح رفيقها يلقي قصيدته بصوت مرتفع:
- شجر الصفصاف تصفر أوراقه , والحور يرتعش , والنسيم العليل يرعش الموجة التي تسيل الى الأبد قرب الجزيرة ,في النهر....
لو كانت لوسي مكانها لعرفت ماذا ترد عليه , أذ كانت تحب الشعراء والطبيعة , لكن فيفيان كانت ضائعة وقالت:
- لمن هذه الأبيات؟ أصابتني الرعشة!.
أدار رأسه ببطء وشعر بخيبة الأمل لأنها لم تكن قادرة أن ترد عليه.
فقال شارحاً:
- جزيرة شالوت , حالمة شالوت امرأة شريرة , وجدت باخرة وغادرت الجزيرة , حلت السلسلة وتمددت , وجرفها النهر من بعيد... وراحت تبحث عن فارس أحلامها , حتى تجمد دمها ببطء وعتمت عيناها الى الأبد.
أمسك يد فيفيان وهمس قائلاً:
- لكن أنت يا فيفيا أنت حية , أنت جميلة , عانقيني يا فيفيان....
جذبها اليه بعنف وشغف , ووجدت الفتاة صعوبة في التغلب على الشعور بالنفور الذي أصابها وذلك لأن هذه الخدعة الكاذبة بدأت تشمئز منها ووجدت عند صاحبها حاجة وأضطراماً أرعباها.
ولما عادا الى حوض السباحة , رمقهما ترانت بنظرات غامضة وعاد يتابع عمله الحسابي , شعرت فيفيان بأرتياح لوجودها على الشرفة , بدأت تجد صعوبة كبيرة لمواجهة متطلبات روبرت الغرامية , وبدلاً من الأنزعاج من رفقة رب المنزل , كانت تجد الآن بحضوره نوعاً من الأرتياح والطمأنينة.
وتعويضاً لبرودها أتجاه روبرت أرتدت فيفيان بعد الظهر بزة السباحة التي وضعتها لوسي في حقيبتها , أنها بزة مؤلفة من قطعتين نحيفتين تدعو للأثارة لكنها نالت أعجاباً كبيراً لدى روبرت الذي أظهر أعجابه بالبزة بأطلاق صفير أبتهاج.
قالت ضاحكة:
- بشرتي بيضاء في بعض الأمكنة ! سأضطر أن أبدأ من جديد بأخذ حمامات شمس!

*****

يتبع..

Rehana 13-04-10 01:05 PM

أقترح عليها روبرت قائلاً:
- ناوليني المسحوق الواقي كي أضعه على جسمك وأدلكه بأعتناء خاص!.
لم يكن لديها الأختيار بالرفض أو بالقبول , أطاعته بفرح... وتمددت تاركة روبرت يدهن ظهرها من دون أن تلتفت الى ترانت . ثم راحا بعد ذلك يسبحان وأصبح بأستطاعتهما أن يتكلما مع هارون بالعربية... كانوا يشكلون ثلاثياً مرحاً , في ذلك اليوم , كان صراخهم وضحكاتهم ترن صداها في حدائق كوديا , وفي آخر بعد الظهر , ذهب روبرت كعادته الى جناحه الخاص بعد أن طبع قبلة على خد فيفيان وتمنى لها ليلة سعيدة , وبعد أن تأكدت من ذهابه وضعت مئزر الحمام فوق بزة السباحة وذهبت كعادتها الى الحديقة في نزهة صغيرة للتخلص مؤقتاً من أعباء المسؤولية الواقعة عليها , لكن في ذلك اليوم , لم تعرف فيفيان هذه الراحة أذ رأت بعد دقائق قليلة ترانت يدخل الحديقة بحثاً عنها , كان تعبير وجهه قاسياً...
الطقس كان شديد الحرارة وترانت أرتدى سروالاً من الكتان الخفيف وقميصاً بنياً تظهر هيئته الرجولية القوية , توقف تحت ظل شجرة النخيل حيث أطل على منظر رائع للمروج وقال لها:
- قلت لي في المرة الماضية أنك جئت الى طنجة من قبل , لا شك أنك زرت الشواطىء المغربية , أليس كذلك؟.
- أعشق الشمس! هل هناك مانع؟.
- لا أبداً! شرط أن ترتدي الملابس المحتشمة .
راحت فيفيان ترتجف وتقول:
- اذا أنزعجت من بزة السباحة , لماذا لا تقول ذلك بوضوح؟ ألم تكن تريدني أن أفرح أخاك؟.
- بلى , لكنك غير مضطرة أن تظهري بمظهر غير محتشم!.
أحمرت فيفيان بعنف وقالت:
- لماذا تحاول تقليل قيمة كل شيء يصدر عني؟ أرتديت بزة السباحة تلك من أجل روبرت , في كل حال , هذه البزة كانت محتشمة.
- أنها مسألة رأي.
نظر ترانت الى جسم الفتاة الذي لوحته الشمس , ثم أزاح نظره بسرعة وأضاف فجأة:
- لا يوجد هنا غير روبرت؟ هل نسيت هارون؟.
- هارون! يجب أن أكون سمينة كي يهتم بي!.
أجابها بأحتقار:
- جميع الرجال يهتمون بالأمر! أنا رجل وأعرف جيداً كيف يفكر الرجال.
- هل صحيح هذا الكلام ؟ تصورت أنك تعشق الأرقام فقط!.
أحمر وجه صاحب المكان ورمقها بنظرة باردة وخطرة وقال:
- أنت تسيئين فهمي يا فيفيان , أنصحك من أجل صالحك , أن تصعدي الى غرفتك وترتدي ملابسك.
- لا تخف , سأفعل ذلك , من الآن فصاعداً سأرتدي بزة السباحة القديمة حتى تصبح بالية وممزقة ... وهذا عما قريب!.
- سأوصي لك بدزينة منها.
- المال! لا تنطق الا بالمال!.
- هل تعرفين شيئاً أفضل من ذلك؟.
- دعني آخذ وقتي في التفكير وسأجد لك جواباً بالتأكيد !.
ركضت نحو المنزل ولما وصلت الى غرفتها كان قلبها يخفق بسرعة جنونية وعيناها تتلألأن دمعاً , أرتمت على سريرها وأطلقت زفرة عميقة , لماذا ترهقها المشاجرة مع ترانت الى هذه الدرجة؟
منتديات ليلاس

*****

يتبع..

lona-k 14-04-10 12:01 AM

يسلمو على الرواية الحلوة
بانتظارك

الجبل الاخضر 14-04-10 05:35 AM

تسلمين على المجهود الرائع والاختيار الاجمل وننتظر بي فارغ الصبر التكمله وشكار

Rehana 14-04-10 03:35 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lona-k (المشاركة 2263618)
يسلمو على الرواية الحلوة
بانتظارك

الله يسلمك ..الأحلى مرورك

Rehana 14-04-10 03:36 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2263855)
تسلمين على المجهود الرائع والاختيار الاجمل وننتظر بي فارغ الصبر التكمله وشكار

الله يسلمك خضراء

ماننحرم من مرورك وتواجدك

Rehana 14-04-10 03:41 PM

5-الطاولات الخضراء

وفي ذلك المساء , كان صعباً جداً عليها أن تتحمل فترة العشاء , كم تمنت فيفيان أن تتحلى بالجرأة لتبقى في غرفتها!
أنها تتساءل أحياناً أذا كان سبب توترها عائداً الى حالة روبرت الصحية , منذ فترة وجيزة وحالته تزداد سوءاً , فكان يشعر بالتعب والأرهاق باكراً كل مساء ,وبشرته أصبحت رمادية شاحب الخدين هزيلاً , هل لاحظ ترانت هذا التغير الواضح لدى أخيه؟
يوم الجمعة , أي بعد زيارة روبرت الأسبوعية الى المستشفى , حدث شيء كانت تخشاه فيفيان منذ وقت طويل , فما أن أنتهى من فطور الصباح حتى دفعت فيفيان الكرسي النقال نحو الزاوية المفضلة لروبرت وراحت تتحدث معه بشتى الأمور وتنظر الى البواخر الراسية في المرفأ , لكن المريض كان ساهياً.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:43 PM

وبعد قليل , أمسك بيد رفيقته وقال:
- فيفيان , لو كنا نشبه بقية الأزواج! لكنا أستأجرنا حجرة في أحدى السفن وذهبنا في جولة حول العالم.
- لا بأس بنا في الوقت الحاضر ! أننا نتمتع بمنظر رائع....
جذبها اليه وفي عينيه رغبة حارقة وقال:
- أنت تفهمينني جيدا , أريدك قربي , بين ذراعي ... آه لماذا أنا مسمر على هذا الكرسي؟.
أرتعبت عندما رأته يتقدم منها ويبذل جهداً قوياً ليجلس على المقعد قربها , تساءلت: ما العمل كي لا تدعه يشعر بالألم! فجأة أرتعد وأنهار على قدميها مثل كتلة جامدة.
أطلقت فيفيان صرخة مخنوقة وراحت تركض مسرعة وتنادي ترانت , وكل ما تتذكره أنها هبطت الممر مسرعة فأرتطمت بصاحب المكان , كان وجهها مليئاً بالدمع , فأرتمت بين ذراعيه وبصوت متقطع أخبرته ما حدث فشحب وجهه وأمر عبدول الذي كان يتبعه قائلاً:
- رافق الآنسة الى غرفتها وأهتم بها!.
ثم أسرع نحو أخيه.
أمضت فيفيان وقتها في الأنتظار, ومن نافذة غرفتها كانت ترى الأطباء يصلون ثم يرحلون مع قضاء فترة من الزمن بدت لها كأنها أبدية , كانت تذرع أرض الغرفة ذهاباً وأياباً , على وشك الأنهيار في أي لحظة , أذ كانت تعاني من قلق وضغط نفسي , أخيراً لم تعد قادرة على تحمل هذا الأنتظار اللامتناهي ففتحت باب غرفتها للخروج والبحث عن أخبار جديدة , وفي تلك اللحظة , ظهر ترانت , بحثت في وجهه عن جواب لقلقها , بدا متعباً وأبتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه .
أطلقت الفتاة زفرة أرتياح فأعلن ترانت قائلاً:
- أصيب بضعف , لكنه سيتحسن بعد بضعة أيام , سيكون بحاجة الى عناية كبيرة خلال بعض الوقت....
قاطعته قائلة:
- سأتكفل بالأمر , صحيح أن هارون رجل فعال , لكن روبرت يكون مسروراً أذا كنت قربه , فيما أذا أضطر للبقاء داخل غرفته.
- أذا أنت قادرة على القيام بذلك , لا مانع لدي , بالعكس , في كل حال , يريد أن يحدثك , وبعد الغداء سآخذك الى غرفته.
وبالفعل عبر ترانت وفيفيان المر بأتجاه الجناح الآخر للفليلا , ثم أخذا المصعد المجهز خصيصاً لأستيعاب الكرسي النقال وصعدا الى جناح روبرت حيث النوافذ تطل على الجبل وعلى المدينة وعلى البحر.
كان المريض ممدداً في سريره , مسنداً رأسه على الوسائد ,كان شديد الشحوب ,ولما رأى فيفيان قال في أبتسامة صغيرة:
- صباح الخير! هل أخفتك يا فيفيان؟.
- نعم , لكن المهم أن تكون الآن بصحة جيدة.
- كيف يغمى علي في الوقت الذي كنا سنصل فيه الى أمور جدية!.
قالت فيفيان وهي تعي وجود ترانت قربها:
- لننتهي من هذه الحماقات في الوقت الحاضر! أنا سأعطيك دواءك وطعامك , ولا جدوى أن تتصنع فقدان القابلية!.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:44 PM

لم تجد المهمة سهلة فمنذ أن فقد روبرت وعيه أصبح متعلقاً بها كثيراً وعليها أن تصرف طاقة كبرى لتفرحه , فكانت تمضي فترات الصباح قرب سريره , وتتركه وحده في فترات بعد الظهر كي يأخذ قسطاً من النوم ويرتاح , ثم تعود في المساء لتقرأ له وتلعب معه الورق , أحياناً يتناولان العشاء برفقة ترانت في غرفة روبرت , حينذاك كان معين يجلب الطاولة الكبيرة ويضعها تحت النافذة ويغلفها بالشراشف وأواني الكريستال والفضية , وكان الطاهي يحضر المازة المفضلة للمريض , وبينما كان الثلاثة يتناولون العشاء كانت فيفيان ترمق ترانت أحياناً بنظرة جانبية , هذا الرجل الذي يرتدي بزة السموكينغ على أستعداد للذهاب الى الكازينو ليجلب أموال اللاعبين , كيف يمكن لرجل كهذا أن يتمتع بصفات متغايرة الى هذه الدرجة؟ أنه حنون ولص! بالكاد يوجه اليها الحديث لكن أمام روبرت كانا يتصنعان التفاهم التام.
وذات مساء بعد العشاء , كان صاحب المكان يستعد للذهاب الى الكازينو كعادته وروبرت أوى الى فراشه , فقال ترانت:
- نم جيداً وقريباً بأمكانك العودة الى حوض السباحة.
- سألعب الورق مع فيفيان ثم أنام.
- تصبحين على خير يا فيفيان , ولا تدعي أخي يخسر الكثير من المال.
- نلعب من أجل التسلية وليس من أجل المال , وعكس زبائنك. ليس لدينا ما نخسره .
وبعد أن ذهب ترانت , سألها روبرت:
- أنت لا تحبين ترانت , أليس كذلك؟.
- عواطفي أتجاهه لا أهمية لها , أنه أخوك فحسب.
- أنت مخطئة تجاهه.
قالت بصوت مرتجف:
- لا تعجبني طريقته في كسب العيش.
- في كل حال ,تظهرين له ذلك تماماً! تعالي وأجلسي قربي.
جلست بقربه بعد أن وضعت ورق اللعب جانباً , فبدأ روبرت يقول بنظرة حالمة:
- كان عمري سنتين عندما قتل والداي في الكونغو , والمال الذي ورثناه بالكاد يكفي كي يكمل أخي ترانت دروسه , كان في السادسة عشرة من عمره , وكان يهتم بي ويعيلني , لا أتذكر من طفولتي سوى أنه كان دائماً موجوداً عندما كنت بحاجة اليه , ولما أصبحت في سن المراهقة , كنت أرغب في أن أصبح لاعب روكبي , لم يكن متحمساً لأختياري , لكنه فعل كل جهده لمساعدتي , وبالرغم من كثرة أعماله , كان يتنقل مسافات كبيرة ليراني ألعب في المبارات المهمة , ولما أصبت بهذا المرض , أرغمني على أستشارة كبار الأطباء الأخصائيين آملاً أن أشفى نهائياً , كانت مهمة خاسرة ولم يشأ أن يسمع من أحد بل ظل يلح على أستشارة العديد من الأطباء.
منتديات ليلاس
أنعقدت حنجرة الفتاة وشدت على يده ليكمل حديثه , فأضاف يقول:
- وذات يوم , أخبره أحد أصدقائه عن طبيبين فرنسيين يعيشان في طنجة ويقومان بأبحاث طبية حول مرضي , الذي يدعى بأسم لا أستطيع لفظه , فتوجه ترانت في الحال الى طنجة , وأشترى كوديا وأتى بالخدم , ثم أنه يصرف أموالاً كثيرة أجرة الأطباء , وأرسالي كل أسبوع الى المستشفى.
- أنت تستحق كل أهتمام وعناية , يا روبرت... كل هذا الترف في الأثاث يزعجني لأنه يأتي من المقامرة , لكن هذا لا يعني أنه.....

*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:46 PM

هز روبرت رأسه وقال:
- أسمعيني جيداً , عمل ترانت في مهن عديدة في حياته ... كان مستكشفاً ,ومترجماً ومفتشاً وجندياً , هذا يدهشك , أليس كذلك , والدي كان رجل أعمال له خبرة كبيرة ودراية أكبر وأخي ورث ذلك عنه , لقد أستثمر ترانت أمواله في النفط وفي النحاس والآن أصبح رجلاً ثرياً.
قالت فيفيان مندهشة:
- آه , لكن.... الكازينو....؟.
- دعيني أكمل حديثي , كنا في أنكلترا , وأصبت هناك بالمرض , وكي يكرس لي وقته كله , باع ترانت كل فوائده في المؤسسات المختلفة ,ولما وصلنا الى طنجة , بحث عن أنشاء مؤسسة تسمح له بأوقات فراغ كبيرة , لذلك أشترى الكازينو كي يعمل في المساء عندما أكون نائماً وليقضي نهاره برفقتي, آه , أنه يربح أموالاً طائلة طبعاً , لكن هذا تكوينه ... لن نكمل اللعب في الورق, يا فيفيان , أنا متعب ويجب أن أستريح حتى أتمكن من النزول الى حوض السباحة في أقرب وقت ممكن".
قبلته فيفيان وتوجهت بعد ذلك الى غرفتها , مضطربة لما سمعت عن ترانت , كان من المفروض أن تشك بالأمر! هذا المنزل , هذا الأثاث القديم , هذا الترف , لا يحمل بصمات ترانت ...
والآن عندما تناولت فيفيان العشاء برفقة ترانت ,كانت تشعر بالأنزعاج , ذلك لأنها لم تشعر أتجاهه بالنفور والبغض بعد الحديث مع روبرت , أصبحت سريعة التأثر والأنفعال بعد الحادث لذ تعرض اليه روبرت , وباتت ترفض الأقتناع بأنه رجل بعمر الشباب ,وسيم وذكي ويمكن أن يصاب بمرض لا شفاء له , لذلك فعلت كل ما في أستطاعتها كي يستعيد المريض شيئاً من نشاطه وعافيته , ونحفت الفتاة الأنكليزية وبدت عيناها مجورفتان ووجهها شاحباً وملامحها مشدودة.
عاد روبرت الى حياته الطبيعية , يمضي فترات النهار في حوض السباحة يصرف كل طاقته في الماء , وعادت فيفيان تتناول العشاء برفقة ترانت قبل أن يتوجه هذا الأخير الى الكازينو , وذات مساء وبينما كانت تأكل من دون شهية أعلن ترانت قائلاً:
- أنت بحاجة للتسلية يا فيفيان ... روبرت يقضي الآن ليلة هادئة ولم يعد بحاجة اليك طيلة الوقت....
وكالعادة توجه نحو النافذة المطلة على المدينة المضاءة وكانت فيفيان ترتدي قميصاً أبيض وتنورة سوداء , ومن أذنيها تتدلى لآلىء رائعة.
أضاف ترانت يقول:
- السيارة تحت تصرفك , لم تحتاجي الى خدمات عبدول في هذه الأيام الأخيرة , أليس كذلك؟.
أجابت بسرعة:
- لقد زرت جميع الأماكن ,حتى طنجة لها حدودها بالنسبة الى سائحة مثلي.
- لكنك لست سائحة.
- لكن كما تقول , أنا بحاجة للتسلية فأذا ذهبت الى مكان أنيق سيلاحظ الناس وجود عبدول ....
سحب من سيكارته في تعبير حالم وهو يتأمل المنظر أمامه , وأستفادت فيفيان من وقفته هذه لتتأمله وتراقب حركاته , أنها تعرف جيداً كيف يحني كتفيه عندما يريد أن يشرح لها شيئاً... وتعرف أيضا عادته الغريبة في أطفاء السيكارة ... وأبتسامته المتعالية , هذا الرجل يفرض الأحترام!
منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:47 PM

ألتفت فجأة الى الوراء مقاطعاً حبل أفكارها وقال:
- أعرف مكانا بأمكاننا الذهاب اليه دون أن يتدخل بك أحد.
رفعت حاجبيها غير مصدقة وقالت:
- في طنجة.
أبتسم بسخرية وقال:
- نعم , لماذا لا تأتيم الى ( المقهى الأنكليزي )؟ بأمكانك أن تحتسي ما تريدينه , وأن تتجولي في صالة اللعب....
قالت في صدمة واستغراب:
- في الكازينو!.
بالفعل, ليس أقتراحه فكرة سيئة ما دامت بحاجة الى الأبتعاد قليلاً الى كوديا .
- طيب ... سيكون ذلك تجربة....
- تقولين أذن لعبدول أن يأتي بك الى الكازينو في حوالي العاشرة والنصف.
وبينما كان يستعد للخروج , سألته فيفيان:
-كيف يجب أن يكون منظري ؟ أعني ماذا يجب أن أرتدي؟.
نظر اليها مفصلاً , من رأسها حتى قدميها ثم قال:
- أنت عال هكذا , لكن خذي معطفاً , ربما تعودين متأخرة ....
بعد ذهابه بدأ قلب الفتاة يخفق بقوة , لم يخطر ببالها أنه سيأتي يوم تلتقي فيه ترانت في مكان يوحي لها في الماضي بكراهية كبيرة!
بقي عليها أن تنتظر نصف ساعة قبل موعد الذهاب , في غرفتها راحت تزين وجهها وتسرح شعرها , ثم أنتعلت حذاء السهرة وحملت حقيبة صغيرة من المخمل الأسود وأرتدت شالاً واسعاً , أخيراً جاء موعد النزول , فسيارة الليموزين متوقفة أمام الباب.
منتديات ليلاس
ولما وصلا الى المدينة , أوقف عبدول السيارة ورافق الفتاة الى داخل ( المقهى الأنكليزي ( , راحت فيفيان تنظر حولها , الوصف الذي روبرت للمكان كان مطابقاً للواقع , على الجدران علقت أقفاص من الحديد وفي داخلها تثرثر طيور الببغاء , بعض الزبائن الأوروبيين يلعبون الشطرنج.
جاء ترانت لأستقبالهما وهمس قائلاً لها وهو يتأبط ذراعها :
- لا تكوني عصبية المزاج , أعدك أنني لن أسلمك لمخالب الشيطان! تعالي سآخذك في جولة حول المكان.
تركهما عبدول وأصطحب ترانت ضيفته نحو غرفة مزينة بأحواض زرعت بالنخيل , جدرانها مصنوعة من البلاط والفيسفساء , ثم أجتازا سلسلة من القناطر ودخلا الى غرفة اللعب , حول الطاولات الجمع مؤلف من خليط لجنسيات متعددة ... الرجال الأنيقون بملابس السهرة , الضباط التابعون للجيش وضعوا على رؤؤسهم عمامات ,الشباب يرتدين الموضة الهبية , النساء أنيقات , والسيدات المسنات من الطبقة الرفيعة يرتدين المخمل , والعرب باللباس الشرقي والطربوش الأحمر.
كانت فيفيان تنظر حولها بأمعان , فهمس ترانت في أذنها:
- بعد قليل , سأعطيك بضعة فيش لتلعبي بالورق أو بالروليت , أولاً سنأخذ كرسياً.

*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:48 PM

في آخر البهو يقع مكتب ترانت وهو كناية عن غرفة واسعة لا نوافذ فيها , جدرانها واسعة مبطنة وأثاثها مؤلف من طاولة مزينة بالمسامير الذهبية , ومقاعد سوداء وذهبية ومكتبة . الديكور هنا يختلف كلياً عن بقية الكازينو . تناول ترانت زجاجة عن الرف وملأ كأسين وقدم واحدة لضيفته ثم اسند ظهره على الطاولة وقال مازحاً :
- بماذا تشعرين فى ( قصر الخطيئة )؟
- بإمكانك دائماً ان تسخر مني , لكنني مصرة على القول بأن الميسر ما كان يجب أن يكون له وجود .
- ما زلت تفكرين وكأنك ابنة العصر الذى ولى , حيث كانت الثروات تربح وتخسر في ليلة واحدة ! الذهنية تغيرت كلياً . معظم الاشخاص المرتاحين مادياً لا يبذرون أموالهم بسهولة . صحيح أن هناك دائماً من يلعب بإستمرار , اي اولئك الذين يجدون متعة مرضية فى الخسارة . لكن هؤلاء اذا لم يأتوا الى هنا , فسيذهبون الى كازينو آخر لأن القمار اصبح بدمهم .
- الرجال يتمتعون بفن تحويل النقاش إلى صالحهم !
- هذا امر طبيعى , اننا نمارس ذلك منذ الولادة .
فجأة سمع طرق على الباب ودخل رجل فى سن متقدمة يرتدي بزة زرقاء فقدمه ترانت لفيفيان قائلاً :
- اندريه , مدير اللعب .
- سيدتي .
انحنى امام فيفيان , ثم التفت الى ترانت ليقول له بضع كلمات بصوت خافت . فتوجه هذا الاخير نحو المكتبة وشاهدت فيفيان وراء احدى الرفوف المليئة بالكتب , خزنة سميكة . فتحها وعد اوراقاً مالياً مغربية وقدمها الى اندريه الذى خرج من المكتب شاكراً . فقال ترانت شارحاً :
- بإمكان اللاعب ان يربح الى درجة ان الكازينو يصبح مضطراً الى اعلان افلاسه , فالكازينو لايربح دائماً . والآن سأذهب لأقوم بجولة حول زبائنى .
لكنه جلس امام مكتبه وكتب شيئاً على ورقة وقال لها :
- خذي هذه القسيمة الى الصندوق واسحبي المبلغ الذى تريدنه . وعندما تشعرين برغبة في العودة الى كوديا , اعلميني بالأمر , فسيوصلك عبدول كالمعتاد .
ورافقها الى صالة اللعب . لم تتوجه الى الصندوق لتصرف القسيمة , ذلك لأن المال لا يهمها . انما راحت تراقب حولها باهتمام وتتأمل وجوه اللاعبين . فلاحظت ان عبدول يمر سرياً بين الزبائن , لاشك ان مهمته المراقبة الشديدة لاكتشاف الغشاشين مثيري الفتنة . وكانت هذه المهنة تليق به دائماً .
منتديات ليلاس
قامت بجولة استطلاع مدة ساعة تقريباً وكانت على استعداد للبحث عن ترانت لتعلمه برغبتها فى العودة الى المنزل , عندما اصيبت فجأة باندهاش سمرها مكانها .
بين اللاعبين لاحظت رجلا يحدق بأوراقه بامعان . ارتفع الدم إلى رأسها وكأدت ان تصاب بألم .. غاري ! انها غاري ! وفرح قلبها وراحت تنظر بسرعة حولها خشية ان يكون قد اكتشف احد فرحها وابتهاجها . لكن لا شئ تغير داخل الصالة . انها وحدها متألقة مثل قوس القزح . لو يرفع رأسه وينظر اليها لتضحك لاندهاشه ! لكن غاري ما زال يحدق بأوراقه وسمع صوت مدير اللعب يقول :
- العبوا !

*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:50 PM

اقتربت فيفيان منه , لكنه لم يتحرك . انتظرت قليلاً ثم لم تعد تصبر , فشدته على كمه وقالت بخجل :
- مساء الخير يا غاري , من زمان بعيد....
نظر اليها فترة قصيرة محاولاً التعرف اليها , أخيراً قال وهو يتفحص أوراقه:
- فيفيان , أليس كذلك؟.
قالت محاولة التغلب على خيبة أملها:
- يا لشدة فرحي , فما زلت تتذكر أسمي.
لم يكن يصغي اليها , بل كان يركز أنتباهه على الطاولة , كيفية اللاعبين , لكن فيفيان أضافت تقول:
- لقد مشطت طنجة من أولها الى آخرها محاولة البحث عنك .
لكن غاري يستمر في الخسارة , رمق صديقته بنظرة سريعة وقال بصوت غاضب:
- ليس الوقت المناسب لهذا الكلام , ألا ترين أنني مشغول؟.
لم يتسنى لفيفيان الوقت أن تقوم بردة فعل حيال كلماته , أذ رأت ترانت يتقدم منها , فقالت وفي عينيها بريق أمل:
- على الذهاب , ربما....
غير أن غاري لم يفكر الا باللعب , لم تجرؤ على البقاء مطولاً , فذهبت بسرعة للقاء ترانت , فقال لها مبتسماً:
- كنت أبحث عنك , حصلت مشاكل مع بعض الزبائن وأكون مطمئناً لو تعودين الى كوديا الآن ,عبدول في أنتظارك.
تبعته فيفيان كالآلة , لم تتذكر شيئاً عن طريق العودة , كانت مأخوذة بالتفكير بغاري وحسب... غاري الذي ألتقته أخيراً بعد أسابيع من البحث غير المجدي , ولما دخلت الى غرفتها , كانت تطير فرحاً.
كم الحياة تدهش أحياناً! لقد بحثت عنه المدينة كلها ولم تكن تعرف أن عازف السكسفون يتردد الى ( المقهى الأنكليزي) , أي في متناول يدها!
وتلك الليلة , لم تنم جيداً , وفي اليوم التالي تهيأ لها أنها تعيش حلماً , وفي المساء بعد أن لعبت ( بالكروكيه) مع روبرت وسبحت برفقته بدأت تبحث عن وسيلة للعودة الى كازينو من جديد , ذلك لأقتناعها بأن غاري يقضي سهراته حول طاولات القمار , أي حجة ستقدمها لترانت كي لا توقظ عنده الشكوك؟.
ولما أنتهى العشاء , قالت فيفيان:
- هل تنتظر مجيء العديد من الزبائن , هذا المساء, الى الكازينو؟.
أبتسم لها ترانت وأجاب:
- خلال الصيف , نستقبل العديد من السياح , لكن في الأوقات العادية , لدينا زبائن بصورة منتظمة , وهذا ما أفضله.
أنحنى ليأخذ كأسه وبدأ يحدثها عن زيارة الأمس قائلاً:
- هل يعني أن زيارتك الى الكازينو كانت موفقة؟.
لم تهتم لتعبيره الساخر وأجابت بلهجة خفيفة:
- كان رائعاً مراقبة اللاعبين , لكنني لا أتمنى أن أكون مكانهم !.
- أعرف , فلم تصرفي القسيمة التي أعطيتك أياها , أذا أعجبتك سهرة الأمس , يجب أن تعودي مرة أخرى!.
- آه , هل يمكنني ذلك؟ أنا....
أخفضت نظرها وحاولت أيجاد عذر مقنع , وقالت:
- قلت لنفسي ما دام روبرت نائماً , لا داعي لأن أبقى في المنزل , أرهقت نفسي في الأيام الأخيرة و... ومن المفيد أن أغير قليلاً .
تأملها ترانت بأمعان وقال:
- أنا متفق معك كلياً, فضلاً عن حاجتي لعبدول في الكازينو.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:51 PM

نهض وأقترب من ضيفته ليساعدها على النهوض وقال:
- لا تتردي في المجيء الى ( المقهى الأنكليزي) متى شعرت برغبة في ذلك, سأفعل جهدي كي تمضي سهرات رائعة.
- آه , لا أرجوك! لا تتعب نفسك من أجلي!.
- صحيح أنك ستكونين وحدك عندما أكون مشغولاً في مكتبي , لكن ما دمت موجودة تحت سقفي , فسألبي كل رغباتك.
كانت فيفيان واقفة وترانت قربها , كان ينظر اليها مطولاً أكثر من العادة ثم أعلن قائلاً:
- أسعدت مساء يا فيفيان , سأراك بعد قليل , على ما أظن.
هزت رأسها موافقة , تبذل جهداً كي تكبت أنفعالها , وبعد ذهابه صعدت فيفيان الى غرفتها وبحثت عن فستان يذكر غاري بالصيف الذي قضياه معا , لكنها لم تعد تملك شيئاً من فساتين المراهقة , أنها ناضجة الآن وتصرفاتها تغيرت.
أختارت فستاناً أبيض وستة مذهبة وأنتعلت حذاء ذهبياً وحملت حقيبة مماثلة , تعطرت ونظرت الى نفسها في المرآة بأعجاب , ثم هبطت الى حيث عبدول ينتظرها في سيارة الليموزين , ماذا لو لم يأتي غاري الى الكازينو ؟ ماذا لو كانت مخطئة في أعتقادها أنه يقضي أمسياته في الكازينو؟ أذا خاب أملها, فلا مجال أن تتغلب على سوء حظها...
وما أن دخلت الى مبنى الكازينو حتى شرعت تبحث بنظراتها عن غاري بين الزبائن العديدين , ربما وصل غاري أولاً الى المقهى ليحتسي كأسا قبل التوجه الى صالة اللعب.
وبينما كانت منهمكة في التحديق في الجموع كادت أن ترتطم بترانت , أمسكها في الحال بكتفيها ليمنعها من السقوط وقال:
- فستانك رائع ! وعطرك لذيذ! كنت ذاهب الى مكتبي , بأمكاننا أن نحتسي كأساً هناك قبل أن يعج المكان بالناس.
- بكل أمتنان.
وما أن وصلا الى المكتب حتى أسرع ترانت في فتح زجاجة المشروب وسكب كأسين , بعد لحظة دخل أندريه , أعتذر وكلم ترانت للحظات قليلة ثم خرج من جديد , وبعد قليل أنفتح الباب ودخل موظف آخر يطلب رأي معلمه في مسألة أخرى.
تدخلت الفتاة قائلة:
- أنت منهمك يا ترانت , سأتركك , أكمل , أرجوك.
أوصلها الى الباب وقال بأبتسامة متعبة:
- أنت حرة للتنزه حيث تشائين داخل الكازينو , والموظفون على علم بذلك , أذا تعرضت لأي مشكلة , ما عليك ألا أعلام عبدول بالأمر , سنلتقي عما قريب.
خرجت فيفيان متأملة أن يتسنى لها الوقت الكافي للتحدث مع غاري قبل أن يخرج ترانت من مكتبه , توجهت في الحال الى غرفة اللعب ,لكن لا أثر لوجوده , قررت العودة الى المقهى , وبينما كانت تتأرجح بين الطاولات لاحظت أن الموظفين ينحنون أمامها , لقد سبق وشاهدوها برفقة ترانت الذي طلب منهم أن يعاملوها بلباقة.
عادت من جديد الى صالة اللعب , هذه المرة , أنتفضت لرؤية غاري واقفاً قرب الروليت , فقالت بصوت مرح:
- مساء الخير , أما زلت تراهن بمبلغ ضخم؟.
لا يبدو أن غاري أعجب بهذا المزاح , فألتفت اليها وقال:
- هذا أنت مساء أمس! تساءلت أذا لم أكن أحلم.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 14-04-10 03:52 PM

- هل كان حلماً جميلاً , لقد مر على لقاءنا الأخير أربع سنوات , يا غاري.
- كنت أحاول أن أتذكر أسمك , فجأة تذكرت! فيفيان بليث... منذ أن كنت أعمل في فندق رياض ... ماذا فعلت بعد ذلك؟.
- آه....
كانت سترد عليه بمزاح عندما أطلق بضعة شتائم وقال:
- أرجوك أن تعذريني لحظة واحدة.
وضع بضعة فيش على أرقام معينة , وبدأت الروليت في الدوران .
-ماذا كنت تقولين؟.
- آه , لا شيء , لماذا لم تضع كل الفيش على رقم حظك؟ يوم ميلادك مثلاً , هل تتصور الثروة التي ستربحها أذا جاء هذا الرقم!.
- لا يجب الأتكال على الحظ, بالعكس من المفروض القيام ببعض الحسابات , وبصورة جيدة.
توقفت الكرة الصغيرة وخسر غاري , وكي تنسيه خيبة أمله , سألته بمرح:
- وأنت؟ ماذا تفعل؟.
- ليس علي أن أشكو من شيء , أعمل في التصوير الآن , لقد تركت الموسيقى , فالمنافسة قوية جداً.
وسيطر صوت مدير العب على ثرثرة اللاعبين فقالت:
- ليس هذا هو المكان المفضل للمناقشة ... لماذا لا....
- لحظة! يجب متابعة اللعبة!.
أصرت فيفيان قائلة:
- لماذا لا نذهب الى المقهى ونحتسي كأساً هناك؟ فبأمكاننا أن نتكلم عن الأيام الماضية.
وافق وأجاب:
- نعم , أذا كان هذا ما تريدينه.
ألقت فيفيان نظرة سريعة حولها لعلها تلمح ترانت , رأته في آخر الصالة , فراح قلبها يخفق بسرعة جنونية , هل رآها تتحدث مع غاري؟.

*****

[COLOR="DarkRed"]يتبع..[/COLOR
]

Rehana 15-04-10 09:16 AM


6- ولادة الشك

أمسك ترانت ذراع الفتاة الأنكليزية وقال:
- تعالي, سأقدمك الى بعض الذين يحبون التردد على ( المقهى الأنكليزي) .
تكلم بلهجة مازحة , فأسترخت قليلاً وخبأت وراء أبتسامتها خيبة أملها حيال لقاء غاري اللامبالي.
- ترانت صديقي العزيز! كنت أقول لمايا ..... آه من تكون هذه الآنسة الرائعة؟.
نظر الرجل المجهول مطولاً الى فيفيان , من رأسها حتى أخمص قدميها بفرح وأعجاب فقدم ترانت الفتاة بأنها تكون صديقة أخيه, وفي هذه الأثناء تمكنت فيفيان من النظر الى بعض الزبائن داخل الصالة.
أكمل الرجل المجهول كلامه قائلاً:
- كنت أقول لمايا , أنه يجب عليك أن تفتح مطعماً فرنسياً كبيراً كالذي نملكه في مدينة كان الفرنسية.
- نحن في المغرب , يا ديريك ,(المقهى الأنكليزي) مشهور بمأكولاته المغربية التي تقدم في أطار مغربي.
- في هذه الحال, لماذا لم تسمه ( المقهى المغربي)؟.
أعلن رجل آخر:
- أنا من رأي ترانت , في مطعم برج ايفل في باريس , بأمكاننا أن نأكل المأكولات الفرنسية , هنا , نريد أن نأكل الكوسكوس والباستيللا.
تدخلت أمرأة مسنة في الحديث وقالت:
- لكن المغامرة قبل كل شيء , أعرف رجلاً ربح ثروة كبيرة , في ليلة واحدة , ضاعف ثروته الأصلية ثلاثين مرة و.......
- وفي مساء اليوم التالي , خسر كل شيء على ما أظن!.
قهقهت المجموعة عالياً ,وضع ترانت ذراعه وراء كتفي الفتاة ,مشركاً أياها في الحديث, وبعد قليل توجهت المجموعة الى صالة اللعب , فقال ترانت:
- لقد تأخرت, سيأخذك عبدول الى المنزل , سأناديه لك.
هزت فيفيان رأسها وبقيت مكانها بأنتظار عبدول , فجأة شعرت بيد تضغط على معصمها , فألتفتت ورأت غاري أمامها,فقال بأبتسامة عريضة:
- هل بأمكاني أن أقدم لك كأساً؟.
-كلا , أشكرك , لقد أحتسيت كأساً الآن , هل ربحت؟.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:17 AM

- كلا ,لكنني بدأت أتعلم أن أكون خاسراً , يتصرف بلياقة , شاهدتك برفقة ترانت كولبي, المدير العام للكازينو , هل هو أحد أصدقائك.
- نعم.
- كيف تعرفت اليه؟.
- أنها قصة طويلة.
- أعشق القصص, في كل حال , ألم نتفق أن نتكلم عن الماضي ,أنت وأنا؟.
الفتاة تراقب الفتاة , فجأة أعلنت بسرعة:
- آسفة , يا غاري , علي الذهاب الآن , ها هو ترانت.
- أذن , ما دمت غير قادرة على الكلام الآن , نلتقي غداً في الشهرزاد ..... في الثالثة بعد الظهر.
فكرت فيفيان بالأمر سريعاً , روبرت يمضي نهار الغد في المستشفى وترانت يبقى في المنزل , هل تقبل هذا الموعد؟.
قالت الفتاة قبل أن تبتعد:
- أتفقنا.
وما أن خطت بضع خطوات حتى ألتقت بترانت , فأخذ ذراعها وقال:
- سأرافقك الى المنزل بنفسي.
وفي اليوم التالي وفي حوالي الساعة الثانية والنصف , خرجت فيفيان من غرفتها , وقلبها يخفق بسرعة وهبطت السلالم , الصمت يعم الفيللا , توجهت الى الجناح الصيفي حيث تجلس أحياناً مع روبرت لرؤية البحر , ثم أجتازت المروج , وبعد أن قطعت مسافة طويلة على الطريق العام , أوقفت سيارة تاكسي ووصلت الى مقهى الشهرزاد في تمام الثالثة , كان المقهى يقع قرب الجامع الكبير ويؤمه السياح بكثرة , بحثت عن غاري بعينيها ورأته داخل المقهى , كان جالساً على حدة حتى لا يلفت النظر , فهي لم تطلب منه ذلك , لكنها توافق مبادرته الذكية.
منتديات ليلاس
أسرعت نحوه وأبتسامة كبيرة على شفتيها , ولخيبة أملها لم يهنئها على فستانها الجميل , وأكتفى بالأشارة الى المقعد فجلست فيفيان , فسألها:
- ماذا تشربين؟.
- عصير البرتقال.
- وأنا كذلك.
ولما جلب الخادم المشروب , رفع غاري كأسه وأفرغه بجرعة واحدة ثم طلب كأساً ثانية , لاحظت فيفيان بعض التجاعيد في وجهه لم تنتبه اليها عندما رأته في الكازينو , لكنه ما يزال الرجل نفسه ..... أي ذاك الرجل الذي دخل قلبها منذ أربع سنوات , قالت بصوت ناعم:
- حدثني عنك.
أعمل في التصوير الفوتوغرافي لدى صديق , ومركز عملنا يقع في شارع فاس أننا نصور المارة بصورة عامة , وأنا أظهر الصور في الغرفة السوداء , ليس عملاً يتطلب مهارة , لكنه طريقة لكسب العيش.
- والكازينو؟.
- أنه المكان الوحيد حيث أستطيع أن أربح بسرعة مبلغاً كبيراً , لا أنوي أن أقضي حياتي كلها في محل التصوير ! على فكرة , كنت البارحة , على وشك أن تخبريني كيف تعرفت الى ترانت كولبي, لا يلتقي الأنسان يومياً بشخص له علاقة حميمة مع أغنى شخصية في طنجة.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:19 AM

- أنها قصة طويلة.
- أمامنا كل فترة بعد الظهر.
- لن تصدق ما سأقوله!.
- دعيني أرى ذلك!.
أخذ مجة من سيكارته ورأت في وجهه تعبيراً فضولياً , لا يمكنها أن تبوح بسرها لأحد, بل لغاري فقط , فشرعت تخبره عن الصداقة التي نشأت بالمراسلة ثم أصبحت حباً... وعن مرض روبرت وأخيراً , عن الخدعة بأخذ دور صديقتها لوسي.
ولما أنتهت من حديثها قال غاري:
- والمريض لا يعلم شيئاً عن هذه الخدعة؟.
- لا شيء ,روبرت سعيد الآن وهذا أهم ما في الأمر, لن يعلم الحقيقة أبداً.
- هل محكوم عليه بالموت من جراء هذا المرض.
- نعم, أنه يضعف يوماً بعد يوم , لماذا الحياة قاسية الى هذه الدرجة؟ أذا كان هناك أنسان يحب أن يعيش فيكون روبرت! أنه شاب ناعم , كريم ورائع , أحبه كثيراً ولا أنوي أبداً أن أؤذيه... ولهذا السبب غادرت الكازينة أمس بهذه العجلة , أذا عرف ترانت.....
-يحب كولبي أخاه الصغير , أليس كذلك؟.
- أنه يعبده! أنه يحميه!.
- لا شك أنك مسرورة بالعيش في فيلته الفاخرة! يبدو أنها تعج بالأثاث الفاخر والقطع النادرة .
قالت فيفيان ببساطة:
- لم ألاحظ ذلك , لأنني أمضي نهاراتي خارجاً , روبرت يستطيع أن يسبح ويحب........
لكن صديقها لم يعد يصغي اليها ,كان منغمساً بأفكاره , فأطفأ سيكارته في المنفضة , ثم نظر الى ساعة يده وقال:
- يجب أن أذهب الآن.
خاب أملها وصرخت تقول:
- الآن؟ أعتقدت أنك متفرغ لي كل فترة بعد الظهر!.
- كنت أمزح معك, في الواقع, لدي عمل في المختبر , يجب أن أراك من جديد , من كل بد, هذا المساء , في الكازينو؟.
أحتلها فرح لا يوصف وقالت:
- ليس الأمر سهلاً يا غاري , يعتقد ترانت أنني واقعة في حب أخيه , لا تنسى ذلك ! لا يجب أن أظهر أنني أميل لرجل آخر يتردد الى ( المقهى الأنكليزي).
هز غاري كتفيه وقال:
- لا تبالي بالأمر كثيراً , فالنساء المتزوجات يتحدثن مع رجال غير أزواجهن عندما يسهرن في الكازينو !.
فكرت فيفيان بالأمر ووجدن أن غاري على حق في ما يقوله , في كل حال ,صديق ترانت ديريك , غازلها أمس بوقاحة ولم يعلق ترانت أهمية لذلك.
- أتفقنا , لننتظر الساعة الحادية عشرة أي عندما تخف الزحمة وهكذا لن يلاحظنا أحد.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:22 AM

نهض بسرعة وأختفى, لم يدفع للخادم , فأحمر وجه الفتاة وراحت تبحث في حقيبة يدها عن المال , دفعته وخرجت , وبينما كانت تلوح لسيارة التاكسي تذكرت أنهما لم يتكلما عن الأيام الماضية , لكن المهم بالنسبة اليها أن غاري يريد أن يراها من جديد.
أليس هذا سعادة لا توصف؟
وفي ذلك المساء , أهتمت فيفيان كثيراً بمريضها أذ عاد روبرت من المستشفى شاحب اللون وطلب الأيواء الى فراشه في الحال , صعدت معه الى غرفته وساعدته على أرتداء بيجامته ومئزره , ثم أختارت بضعة دواوين شعر وضعتها على الطاولة قربه ثم ملأت أبريقه بالماء المنعشة , كان ترانت يراقبها وشعرت الفتاة بنظراته تحدق بها بينما كانت تنتقل داخل الغرفة , لماذا هذا الأحساس بالذنب؟ ألا تقوم بجميع أمكانياتها لأسعاد روبرت؟ ألا يحق لها الأهتمام بحياتها الخاصة؟
خرج ترانت من جناح أخيه للأستعداد للعشاء , فبقيت فيفيان قرب المريض الذي كان مستنداً على وسائده , يتأمل زجاجات الأدوية العديدة الموضوعة على طاولته ثم قال بمزاح أسود:
- مع كل هذه الأدوية , لا يوجد ألا دواء واحد يساعدني على العيش!.
كانت فيفيان جالسة قربه تتأمل ملامح الخوف والتشاؤم في عيني روبرت , جذبها اليه وأخبأ وجهه في شعرها وقال:
- ضميني يا فيفيان , ضميني بشدة.
تناول صاحب المكان وفيفيان العشاء بصمت , حتى الخادم معين كان صامتاً ,وما أن ذهب ترانت الى الكازينو , أنسحبت الفتاة الى غرفتها , لا أحد يمنعها من الذهاب الى الكازينو للقاء غاري, لكنها لم تكن في مزاج للخروج.
منتديات ليلاس
عندما تشرق الشمس في سماء زرقاء خالية من الغيوم ,تتطاير كل الهموم الليلية , الأشجار المزهرة وأشجار النخيل تعكس صورها في ماء البركة الهادئة , هذه الطبيعة الجميلة ساعدت سكان كوديا على مواجهة النهار بفرح ونشاط , الفطور كان مرحاً , وكان روبرت مرتاحاً وأكل بشهية , أما ترانت فكان يرتدي قميصاً معرقة وسروالاً فاتح اللون يظهر لون بشرته الملوحة , لم يسبق أن رأت عينيه بهذا اللمعان الأزرق , أحست برغبة في الغناء من دون سبب واضح , بعد الفطور دفعت كرسي روبرت نحو الحديقة , في المرج , تسليا مع فرقة كلاب يملكها أحد العمال الزراعيين , بعد الظهر أمضيا معظم الوقت في حوض السباحة , يتشاجران ويضحكان في الماء مثل الأولاد , لو تستمر على هذا المنوال ! لو روبرت ....... كبتت في الحال الألم الذي أحتلها وأطلقت ضحكة مرحة وأسرعت لألتقاط الطابة .
ولم تتذكر موعدها مع غاري ألا عندما كانت تستعد للعشاء , أرتدت فستاناً وردياً وفضياً ووضعت في شعرها دبابيس بشكل نجمة وتحمرت وتزينت.
كان ترانت ينتظرها في غرفة الطعام ,ولما دخلت راح يفصلها كلياً , وخلال العشاء تحدثا عن مراحل النهار , ثم سألها ترانت:
- أنت متألقة الجمال , هذا المساء , هل تنوين المجيء الى الكازينو؟.
- هل لديك مانع؟.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:24 AM

أجابها مبتسماً:
- أبداً, لا مانع لدي , أنت بحاجة للتسلية وأفضل أن أعرف أنك موجودة في ( المقهى الأنكليزي).
وبعد العشاء توجها نحو النافذة , أصبح الليل حاراً, فخرجا الى الشرفة ودخنا السكائر بصمت وهما يتأملان أضواء المدينة البرقة ويصغيان الى أمواج الأطلسي ترتطم بالشاطيء , وعندما قرر ترانت الدخول , كان وقته الأعتيادي للذهاب الى العمل قد ولى منذ وقت طويل.
صعدت فيفيان الى غرفتها لتغتسل قليلاً ,ولما سمعت محرك السيارة تقلع , نظرت الى المرآة ووضعت عطراً ناعماً وأسترخت في مقعدها قليلاً, وفي العاشرة نزلت لتعلم عبدول بحضورها لكن, ظهر فجأة أمامها صاحب المكان الذي قال للحال:
- سبقني عبدول الى الكازينو وفضلت أن أرافقك ما دمنا نذهب الى المكان نفسه.
- أشكرك.
كان قلبها يخفق بسرعة جنونية وهما يتوجهان الى السيارة الحمراء السريعة.
أمام الكازينو وقف جميع الرعاع وشعرت الفتاة بيد ترانت تضغط على ذراعيها , فجأة صرخ أحد الرجال وأنفجر الضحك في الحال , وبينما كانا يستعدان للدخول الى الكازينو , تلقت فيفيان ضربة على ساقها وصرخت ألماً , أطلق ترانت شتيمة ودفع صديقته الى الداخل بسرعة.
ولما أصبحا بأمان داخل الكازينو , سأل ترانت ضيفته وهو يتفحص جرحها:
- كيف تشعرين؟.
قالت ضاحكة:
- أنه جرح بسيط.
أعطاها مفاتيحه وقال:
- أذهبي الى مكتبي وأسترخي من هذه الصدمة , سآتي بعد قليل بعد أن آمر بأبعاد الرعاع.
أجتازت فيفيان المقهى ولا أحد لاحظ دخولها المضطرب ,وفي البهو حياها موظف بأنحناءة ثم دخلت الى المكتب , نظفت ساقها في الحمام وسرحت شعرها , ولما وصل ترانت , كانت تتأمل بأعجاب خارطة طنجة المعلقة على الحائط.
فسألها مبتسماً:
- هل تشعرين بتحسن؟.
أجابت بمزاح وهي تنظر الى ساقها .
- لا يمكنني حتى أن أطلب تعويضاً منك لتشتري لي زوج جوارب.
فتح ترانت خزانة الأدوية المعلقة فوق المغسلة وتناول مرهما وقال:
- هذا يسكن الألم.
جلست على الأريكة , ركع أمامها ترانت وراح يدلك ساقها بنعومة فائقة , فلاحظت فيفيان شعره النحاسي وكتفيه العريضتين المفصلتين البارزتين تحت بزة السموكينغ , ولما نهض واقفا كانت ملامحه قاسية وقال:
- أتساءل أذا كنت سأسمح لك بالعودة الى الكازينو في المساء!.
- ولما لا؟ لم أصب الا بخدش بسيط!.
- لا أريد أن أراك من جديد عرضة لحادث من هذا النوع , في هذا الوقت من السنة ينزل الرجال من التلال الى المدينة للبحث عن عمل , وحين يربحون المال , يفقدون عقولهم.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:25 AM

دخل بعض الموظفين لأستشارة رئيسهم , فقالت فيفيان لترانت :
- سأتركك الى عملك لأقوم بجولة داخل الكازينو.
رافقها الى الباب وسألها:
- هل أنت متأكدة من أن ساقك لا تؤلمك؟.
- لم أعد أفكر بذلك.
ما زال الوقت باكراً, دخلت فيفيان المقهى وجلست على كرسي وتحدثت الى أحد الموظفين وهو أسباني الجنسية , وأبتعدت عنه لما بدأ الزبائن بالدخول ثم توجهت الى صالة القمار وجلست أمام أحدى الطاولات لمتابعة اللعب, لم تعد مهتمة بموعدها مع غاري , فجأة همس صوت مألوف في أذنيها:
-مساء الخير!كيف حالك؟.
- وعدتني أن تنتظر حتى تعج الصالة.
- لا تخافي , لنجد مكاناً منزوياً حيث يكون بأمكاننا أن نتحدث بحرية.
أخذها الى المقهى وطلب الشراب , وبعد أن أحضره الخادم , أمسك غاري بيد الفتاة وقال:
- كم أنا سعيد لرؤيتك يا حبيبتي , أول أمس , شعرت بالذنب لأنني تركتك بسرعة! هل سامحتني؟.
فوجئت الفتاة بهذا الأستقبال الحميم , الدافىء , وأجابت بأبتسامة مضطربة:
- طبعا! في كل حال كنت مضطراً للذهاب للعمل ! لا ألومك أبداً.
- هذا يعني أنك لم تفكري بي, لقد أنتظرت لقاءنا بفارغ , ونحن الآن مضطران أن نلتقي بالسر!.
- أنا آسفة , لكنني شرحت لك الوضع وأعتقدت أنك فهمت.
- لا تؤيدي على معاني كلماتي , أنا مستعد للتساهل كي لا أحزن كولبي الصغير , وبينما أرغب بشدة أن أضمك بين ذراعي , يحق لي فقط أن اقدم لك كأساً!.
شعرت فيفيان بأضطراب كبير , لقد أنتظرت هذه اللحظة سنوات طويلة , لكن لماذا لا تفرح لذلك؟ بالعكس , تشعر بتوتر وأضطراب , ربما لأن كلماته كان لها وقع مفاجىء عليها .... صورة قلقها لما يختص بروبرت يخفف عنها الفرح. في الواقع, صورة واحدة تأتي الى مخيلتها .. وهي صورة ترانت , الراكع أمامها , يدلك ساقها المجروحة , أطلقت ضحة لتبعد هذه الصورة عن مخيلتها وقالت لغاري:
- سيكون للقائنا طعم طريف!.
- هل أنت بحاجة الى ذلك؟.
غير الحديث بسرعة وأضاف يقول بمرح:
- أخبريني عن أبحاثك , كنت مقتنعة أذن أنني ما أزال في طنجة؟.
شرحت الفتاة انها بحثن عنه في كاسيا والمدينة الحديثة, لكنها كانت تشعر أنه لم يكن يصغي الى حديثها , وما أن أنتهت حتى ضغط على يدها من جديد وقال:
- ها نحن أخيراً معاص والباقي لا يهم.
ألقت الفتاة نظرة حولها وقالت:
- أليس من الأفضل أن نعود الى صالة اللعب؟.
- لدي فكرة أفضل من هذه.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:26 AM

نهضا وتوجه غاري نحو الباب فتحه وأخرج الفتاة الى الحديقة , الهواء يعبق برائحة الليمون الحامض وهدير البحر يسمع عن قرب.
جذب غاري فيفيان اليه وعانقها , كانت دائماً تحلم بهذا المشهد , لكنها بدلاً من أن تعانقه بدورها راحت تنظر بعصبية نحو نوافذ صالة اللعب وتقول بصوت منخفض:
- لنكن حذرين , ربما رآنا أحد.
أجابها قبل أن يعانقها من جديد:
- لا يوجد أحد في الخارج في مثل هذه الساعة.
وبعد قليل , كانا يمشيان جنبا الى جنب, كانت الفتاة تود الدخول والهرب منه , لكنها كانت تخشى أن تجرح شعوره.
- لن يسمح لي ترانت بالعودة الى الكازينو بعد الآن بسبب الشجار الذي حصل أمام الباب لدى وصولنا.
- هل يشك بأمرنا؟.
عضت على شفتيها وقالت:
- لا أعرف, هل عرف, يا ترى, أنني لست واقعة في حب روبرت.
- لا , كولبي لا يشك بشيء , والآن لنعد الى الداخل ونفترق أمام الباب , لا تقلقي ,الوضع لا يزعجني أبداً.
ضمها اليه فأضطرت الى أن تقول له:
- أنا أتشكر تفهمك للوضع.
ولدى وصولها الى صالة اللعب , شعرت بأرتياح كبير ,لكن السهرة فقدت سحرها لهذا الموعد السري مع غاري ولم تكن تتمنى سوى العودة الى كوديا , كان ترانت منغمساً بحديث محتدم مع بعض الأشخاص , هل رأها؟ راحت تراقب امرأة عجوزاً ترتدي المخمل الأسود وعلى رأسها تاج يلمع وأمامها فيش عديدة.
همس ترانت بأذنيها بعد أن حيا العجوز بأنحناءة من رأسه:
- هذه زبوتنا المفضلة , نادراً ما تخسر في اللعب.
- ألا تنزعج لرؤيتها تربح غالباً؟.
- أبداً, بالعكس , فبهذه دعاية جيدة لنا!.
راحا يتمشيان قليلاً في الصالة ,ثم أعلنت فيفيان بصورة غير منتظرة:
- أعرف أنك بحاجة الى عبدول في مثل هذا الوقت, لكن ربما بأمكانك مؤقتاً التخلي عن خدماته لتسمح له بأيصالي الى المنزل؟.
توقف ترانت مكانه وحدق بها وقال:
- هل ساقك تؤلمك؟.
- لا , لا , لكن المكان يعج بالناس وأنا أشعر بالتعب.
- كان عبدول هنا منذ لحظة , سأبحث عنه.
لم يتسنى لها الوقت لأستيعاب ما جرى حتى عاد ترانت برفقة السائق.
- لقد أفهمته بأنك تريدين العودة الى المنزل في الحال.
شكرته وتمنت له ليلة سعيدة , وبينما كانت تجتاز الصالة , شعرت بنظرات ترانت تحدق بها مفصلاً.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:27 AM

7- المتسلل الليلي

وفي اليوم التالي وقع روبرت مرة ثانية , كانت فيفيان معه في حوض السباحة عندما أغمض عينيه وغاب عن الوعي، غطس هارون في الحال وحمله وصعد معه, كادت الفتاة تجهش بالبكاء , لكنها قامت بجهد قوي للسيطرة على أنفعالها عندما لمحت وجه ترانت الشاحب , ساعدت الخادم على لف المعاق بمنشفة بينما ذهب صاحب المكان الى الأتصال بالمستشفى.
وعم الصمت أرجاء الفيللا , الخدم ينتقلون بخطى حذرة , وحتى موريس الطاهي لم يعد يرنم ألحان الأوبرا أمام أفرانه في المطبخ.
أخيرا ذهب الأطباء , فصعدت فيفيان الى جناح روبرت , ورأته جالساً في سريره , وبالرغم من الشحوب في وجهه كان يبتسم , وبدا ترانت هادئاً أكثر من العادة وأقترح أن يتناولوا جميعا طعام العشاء في غرفة المريض ,وفي تلك الليلة وجدت فيفيان صعوبة كبرى في الخلود الى النوم.
في اليوم التالي , خرج روبرت كالعادة لتناول فطور الصباح على الشرفة ,ثم أخذته الفتاة الى الحديقة , وخلال فترة بعد الظهر لعبا الكروكيه معا , وخلافاً لعادته تخلى ترانت عن مستنداته ليلعب معهما , فلم تلعب جيداً بسبب نظرات ترانت الحاكمة , لكنها لم تأبه للأمر , ما دام روبرت فرحاً لمقارنة نفسه بأخيه.
ثم جلس الثلاثة تحت ظل أشجار الزيتون ليحتسوا المشروبات المنعشة.
وقبل أن تتمدد فيفيان على كرسيها كالعادة , راحت تجفف جبين روبرت المتعرق , فأستغل المريض هذا الأعتناء الزائد وأحاط خاصرة الفتاة بذراعيه وجذبها نحوه وقال مبتسماً:
- أنت منعشة ورائحتك تعبق بزهور الغابات.
نظر الى السماء كأنه يبحث عن الألهام ثم نظر في عيني فيفيان وقال:
- لا أرى الزهور على قدميّ ولا الورد العطر على الأغصان.
كان يلقي بيتاً من الشعر مما جعل فيفيان تنزعج من هذا الوضع , وكم كانت تأمل لو أنها تملك هذه الموهبة لترد عليه! لكنها ليست لوسي ورفيقها كان خائب الأمل لأنها لم تعرف الرد , شعرت بالأنزعاج المضاعف, في ذلك النهار , خاصة أن ترانت كان موجوداً معهما.
ولكي تروح عن مريضها , طبعت على جبينه قبلة خفيفة , ثم نهضت وقالت:
-حان الوقت كي أقص لك شعرك!.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:28 AM

قال روبرت موجهاً حديثه لأخيه:
- حسب رأيك يا ترانت , هل النساء يتغيرن؟ من زمان كانت النساء يعشقن صوت القيثارة والقصائد التي يتغزلن بهن , لكن في يومنا هذا أهمس بقصائد رائعة لصديقتي الناعمة وتجيبني بأنها ترغب في قص شعري!.
نظرت فيفيان في قعر كأسها وسمعت ترانت يقول بلامبالاة:
- لا شك أنها لا تميل الى هذا الفن........
رفعت الفتاة عينيها نحو ترانت وتساءلت في نفسها:
- هل هو على علم بهذه الخدعة؟.
أجاب روبرت قائلاً:
- أنت مخطىء , فيفيان تتمتع بروح الشعراء ,عندما كنا نتراسل , جميع رسائلنا كانت تنتهي بأبيات من الشعر.
أسرعت فيفيان الى القول:
- النساء لا يردن العيش في الماضي , الأمور تختلف كلياً في الرسائل , لكن, حتى تجد المرأة نفسها الى جانب الشخص العزيز على قلبها, لا تعد بحاجة الى أي فنان مشهور لتعرف كيف تتصرف!.
أمسك روبرت بمعصمها وجذبها اليه , ثم ألتفت بأخيه وقال:
- هل يا ترى , طنجة التي جعلتها تلقي النثر بدلا من الشعر؟.
- ربما هكذا.
أشتبكت نظرات الفتاة بنظرات ترانت , لقد دافعت عن نفسها , لكنها تجهل ما يفكر به صاحب المكان .... في الواقع.
لم يسترجع روبرت نشاطه , ومرت الأيام من دون قلق , كانت فيفيان تمضي معظم أوقاتها برفقته وتتركه فقط في المساء عندما يتوق الى الراحة ,وفي خلوة غرفتها كانت الفتاة تكتب الرسائل الطويلة الى لوسي , وتشعر بأضطراب وتشويش كلما وصفت لها حالة المريض ,لكن ما دامت صديقتها تصر على معرفة الحقيقة كاملة , كانت فيفيان تذر لها جميع التفاصيل كاملة.
وفي الليل الدافىء كان عطر الأزهار يفوح في الحديقة , تفتح فيفيان باب شرفتها لتسمع همسات المدينة ,لم يمنعها ترانت من العودة الى الكا زينو , لكنها كانت في الواقع تعجب بالبقاء داخل المنزل , بعد العشاء كانت تصعد عند المريض لتتأكد من أن لا شيء ينقصه , ثم تعلم عبدول بأنها لن تكون بحاجة الى خدماته , سهراتها الوحيدة في هذه الفيللا الواسعة كانت كافية لها.
وذات مساء , كانت تقرأ في غرفتها عندما سمعت ضجة لفتت أنتباهها , أعتقدت أن الريح عصفت , لكن ما أن خرجت الى الشرفة حتى فوجئت بهدوء الطبيعة ,جلست في مقعدها من جديد وعادت تسمع الضجة نفسها , وضعت الفتاة كتابها جانباً وخرجت تنظر الى الى الحديقة الواقعة في الظلام الكثيف , فجأة راح قلبها يخفق بسرعة جنونية أذ لمحت شبحاً أنسانياً.
وهمس الصوت قائلاً:
- لا تخافي! هذا أنا . غاري!.
غاري..... في كوديا , أطلقت فيفيان صرخة تعجب وخوف وركضت الى السلالم الخارجية , هبطتها بسرعة , فقال غاري لدى لقائها:
- كنت أتساءل أذا سمعت صوت الحصى على الزجاج ,لقد عرفت غرفتك , لأنها الغرفة الوحيدة المضاءة .

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:29 AM

بخوف نظرت الفتاة حولها بسرعة وقالت:
-ما كان يجب أن تأتي الى هنا !.
- لا أحد هنا...... كل شيء هادىء.
- هل نسيت وجود الخدم!.
الفيللا تعج بالتحف الثمينة , لذلك وظف ترانت حراساً ليحرسوا المنزل , ماذا لو جاء الآن أحد الحراس فجأة ؟ توترت أصابها وحكت رأسها بحثاً عن حل , المنتزه! لا أحد يراهما هناك.
أمرته وهي تتمسك بمعصمه:
- تعال!.
تبع غاري فيفيان بأنزعاج , وما أن أجتازا باب المنتزه , حتى تطاير الحمام محدثاً بأجنحته ضجة قوية , وخافت الفتاة أن يلفت ذلك أنتباه الحراس, أصغت السمع عندما كان غاري يضمها اليه ويعانقها بقوة, حاولت دفعه عنها لشدة توترها , لكنه كان مصراً وأنتهت الى الأستسلام وحاولت كل جهدها لتركز أنتباهها على ما يحصل.
غير أنها كانت تعير أنتباها لأي صوت يمكنه أن يصدر من حين الى آخر وبدأ عنقها يؤلمها , لم يسبق أن فكرت بأن عناق غاري سيزعجها الى هذه الدرجة ! وتهيأ لها أنه يريد أن يركز سلطته عليها , وأمام هذه الفكرة غضبت فيفيان وأبتعدت عنه , لم ينتبه لتوتر رفيقته وهمس قائلاً:
- جئت عدة مرات اليوم بعد الظهر , ولما تأكدت من المكان جيداً , لم أجد صعوبة في العثور عليك.
- ما كان يجب عليك أن تتنزه هنا في وضح النهار!.
-لم يلاحظ أحد وجودي , لا تخافي ,على فكرة, لست حانقاً لأنك لا تأتين الى الكازينو أفضل أن ألتقي بك هناك.
- حسب رأيي يجب أن ننتظر بضعة أيام , سنجد حلا أفضل, أنا أكيدة من ذلك.
- سنفكر بالأمر بعد قليل.
بحث عن عناق جديد وشعرت بضرورة الأستجابة لمطالبه , لكن فجأة أبعدها عنه وراح يذرع الأرض ذهاباً وأياباً , ثم قال:
- من الأفضل أن أعود الى منزلي , ربما أكتشف أحد غيابك عن الفيللا , وأنا مصر أن أذهب الى الكازينو لأثبت وجودي.
لم تفهم فيفيان معنى هذه الكلمات الأخيرة , لكنها كانت قلقة جداً فخرجا من المنتزه وحملها غاري بين ذراعيه مودعاً وقال:
- تشجعي يا حبيبتي, كل شيء سيتم على ما يرام.
ثم أختفى وأسرعت فيفيان الى الفيللا , فجأة , شعرت بالم يجمد في عروقها لدى سماعها عواء يمزق الصمت , أنه كلب تسلق شجرة , حبست أنفاسها وخافت من الكلب أن يؤذيها , لكن الحيوان عرفها , فأطلق عواء حنوناً وسكت , فركضت المسافة كلها حتى وصلت الى المنزل , ولما كانت تنوي التوجه نحو السلالم الخارجية , أضيء المنزل كله وظهر معين أمامها وقال بقلق:
- آسف! سمعت ضجة! أين الحراس؟.
- وأنا كذلك سمعت شيئاً ما , لا شك أن الضجة آتية من أولاد المدينة الذين يلعبون قرب الأبواب المشبكة , كل شيء هادىء الآن , تصبح على خير يا معين. منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:30 AM

دخلت الى المنزل وصعدت الى غرفتها من الداخل , لم يغمض لها جفن طوال الليل , وفي اليوم التالي كانت خائفة من أن يبدأ معين في الحديث ويروي ما حدث مساء أمس , ولم تتمكن من الأسترخاء , لا في حوض السباحة , ولا خلال الكروكيه , لأنه في كل مرة تحاول رفع نظرها تخاف أن ترى غاري أمامها , كان ترانت يراقبها عن كثب , لا شك أنه يعتبر توترها عائداً الى صحة روبرت المتدهورة , ولما أظهر روبرت رغبته في النوم دون أن يتناولا العشاء , شعرت فيفيان بقرب الكارثة لأنها كانت تخاف أن تتناول العشاء برفقة ترانت وحده ,ما أن دخلت فيفيان الى غرفة الطعام حتى أسرع ترانت يقول لها:
- تبدين متوترة الأعصاب , هل أنت مريضة؟.
ضغط الغم على قلبها لكنها حاولت جهدها لترد عليه بأبتسامة وتقول:
-كلا , أنا في أحسن حال , لكنني ربما متعبة قليلاً.
- أذا كان روبرت يستهلك جميع قواك , فيجب أن تعلميني بالأمر , أنه مليء بالحماس عندما يكون في حوض السباحة وينسى أن المرأة ربما تكون أقل نشاطاً منه.
لم تعرف ماذا تجيب لكن , خوفاً من أن يطرح عليها المزيد من الأسئلة , أعلنت بسرعة قائلة:
- يتهيأ لي أن أخاك بحاجة الى ..... الى بعض التسلية , صحيح أن لديه حوض سباحة رائع وملعب كروكيه . لكن أليس هذا أمر شديد المحدودية لرجل مثل روبرت؟.
- حاولت أن أقنعه كي يدعو أصدقاءه الى كوديا......
- آه , لم أفكر بالناس ! بل . ربما .. بتغيير جّو , طبعا , أذا كان قوياً ليتحمل عناء السفر!.
كان ترانت حالما يفكر بكلمات الفتاة , ثم قال ملاحظاً:
- كل أسبوع يذهب روبرت الى المستشفى , وبضعة كيلومترات لا تتعبه, ومن جهة ثانية , لم يعبر عن رغبته في الذهاب الى مكان آخر ".
- لم يسبق لروبرت أن وطأت قدماه جزيرة ما! أنا أكيدة أن قضاء عطلة صغيرة في جزيرة ما ستفيده كثيراً.
نظر اليها صاحب المكان بفضول كبير وقال دون أن يرفع نظره عن خديها الملتهبتين :
- أفكر بجزيرة( تاهاد) الواقعة بعد خليج طنجة , أنه مكان خاص وأنا أعرف صاحبه , وأنا أكيد أنه بأمكاني أقناعه تأجيري منزله الصيفي.
- آه , هذا رائع , وروبرت سيفرح بالأمر كثيراً.
- نعم, أنت على حق ,لكن أنت من سيقترح عليه هذه الخطة .
- وصديقك هذا, صاحب الجزيرة........ هل ستراه عما قريب؟.
- هذا المساء ,على ما أظن , أنه زبون في الكازينو.
حبست فيفيان أنفاسها وقالت:
- هل هذا يعني أنه بأمكاننا أن نذهب الى الجزيرة في القريب العاجل؟.
ظل ترانت يحدق بضيفته ويقول:
- متى ترغبين في الذهاب؟.
أجابت في الحال غير مكترثة بردة فعل ترانت:
- غدا ! بأمكانننا أن نحدث روبرت بهذه الفكرة خلال فطور الصباح , وأذا وافق – آه- أنا أكيدة أن الفكرة ستعجبه! يمكننا أن نبدأ بالرحيل قبل الظهر , هل هذا ممكن؟.
- نعم ،هذا ممكن.
أبتسمت ثم قالت:
- سأصعد الى غرفتي بعد العشاء مباشرة وأحضر حقيبتي!.
فرح روبرت كثيراً عندما أعلمته فيفيان في صباح اليوم التالي , بمشروع الذهاب الى الجزيرة , وفي بداية فترة بعد الظهر كان الثلاثة على متن الباخرة الصغيرة التي تنقلهم الى جزيرة تاهاد,ولما وصلوا الى الجزيرة ظل بأمكانهم رؤية مباني طنجة العالية تبرز من بعيد. هذه الجزيرة الصغيرة المحاطةة بأشجار الصنوبر وبالماء الزرقاء.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:31 AM

المنزل لم يكن فاخراً مثل كوديا , لكن غرفه واسعة ونوافذه عالية وفي الأرض جلود حيوانات , أما الأثاث فكان مؤلفاً من خزائن مصنوعة من خشب الورد والمقاعد الجلدية والأرائك المبطنة , هناك عدد وافر من الغرف وقاعة أستقبال واسعة وشرفة زجاجية تستعمل أحياناً كغرفة طعام.
وبعد قليل لاحظ الجميع أن الكرسي النقال لا يمكنه أن يسير في الرمل لذلك كان من الضروري أختراع طريقة لنقل روبرت من المنزل حتى الشاطىء , ذهب هارون في الحال وجلب أوراق الخنشار القوي بينما راح ترانت يرسم ممراً يحيطه بالألواح الخشبية ,وساعدت فيفيان في أختيار الطريق الذي يطل على منظر خلاب ,حيث وضع هارون أوراق الخنشار على الأرض , كان مشروعاً طموحاً وما أن أنتهى حتى شعرت الفتاة بالأرهاق , أما المريض فكان متحمساً ونشيطاً منذ وصوله , يريد أن يجتاز الممر الذي صمم خصيصاً له , فطلب من هارون أن يأخذه بجولة صغيرة , وبعد ذهابهما جلس ترانت قرب الفتاة على الشاطىء.
كانت فيفيان تتأمل البحر وفي وجهها ملامح السعادة الكبرى.
قال ترانت:
- حصل روبرت على جزيرته ,هل أنت سعيدة؟.
تخيلت كوديا القاحلة حيث بقي الحراس ليحرسوا المكان.. أشارت بهزة رأسها , نعم أنها شديدة السعادة , بعد قليل أضاف ترانت قائلاً:
- ستجدين رزمة في غرفتك بما أننا في عطلة , تصورت أنك ستكونين بحاجة الى ملابس البحر.
ألتفتت فيفيان وأبتسمت له ثم قالت:
- هدية؟ لي أنا؟.
- ألم تهددي بأنك ستتنزهين بثياب رثة ما دمت لا تملكين الا بزة سباحة واحدة؟.
تذكرت فيفيان الحديث الذي جرى بينها وبين ترانت فيما يتعلق ببزة السباحة غير المحتشمة , أنها حادثة بعيدة! وأدركت أنهما لم يتشاجرا منذ وقت طويل , أخفضت عينيها وقالت :
- أشكرك.
عاد روبرت من نزهته وقال:
- تعالي يا فيفيان وشاهدي العصافير في الغابة الواقع خلف الصخور , تذكرين بيت الطيور في حديقة الحيوانات ! أتصور أنك نسيت المنظار , يا أيتها الطائشة !.
- لا أنه معي داخل المنزل.
ذهبت الفتاة لمشاهدة العصافير برفقة المريض ولم تعد الى غرفتها الا وقت الغسق , ولما فتحت الرزم وجدت داخلها بزتين للسباحة ومئزرين مطرزين وفستاناً خفيفاً , كانت كلها رائعة وتليق بها تماماً , لما وضعتها في الخزانة شعرت فجأة بالدموع تبلل عينيها ,كم هي حمقاء لتبكي هكذا!
تناول الثلاثة العشاء على الشرفة , الأبواب الزجاجية كانت مشرعة ,ورائحة الصنوبر والتمر الهندي تندمج ورائحة البحر ,كانت عينا المريض تلمعان فرحاً وهو يصف لأخيه العصافير التي شاهدها في الغابة ,وراحت فيفيان تتأمله وأقتنعت بأن هذه العطلة غير المنتظرة كانت منبع سعادة بالنسبة الى الشاب المعاق.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:32 AM

كانت الساعة التاسعة مساء عندما جاء هارون لأخذ روبرت الى غرفته , وراحت فيفيان تجلس على أريكة واسعة وتقرأ في مجلة فرنسية , أما ترانت فكان جالساً في مقعده منغمساً في قراءة كتاب بوليسي , لم يغير ثيابه أستعداداً للذهاب الى الكازينو , فالجزيرة تقع على بعد ربع ساعة من طنجة.
وفي العاشرة أغلق كتابه وقال:
- أتصور أن صديقي توم هاريس لا يملك ألا الكتب البوليسية في مكتبته , أشعر برغبة كبيرة في قراءة كتاب جيد.
- ألن تذهب الى (المقهى الأنكليزي)؟.
- أوكلت هذه المهام لزميلي ريمون , فهو سيهتم بطاولات اللعب وعبدول سيراقب المكان , كل مساء.
نظرت فيفيان الى الصور داخل المجلة من دون أن تراها , وعم الصمت أرجاء المنزل , ولم يسمع ألا صوت الهواء البحري , لماذا لا يقدم لها ترانت سيكارة بدلاً من أن يحدق فيها بصمت , شعرت فيفيان بالأنزعاج بينما كانت تقلب الصفحات بعصبية , أخيراً أقترح عليها قائلاً:
- ما رأيك بنزهة على الشاطىء؟.
- أنها فكرة رائعة!.
كانت السماء مضاءة بالنجوم الكثيرة , وراحا يمشيان على الشاطىء الرملي حيث ترتطم الأمواج بالرمال ,يتقدمان من دون كلمة والرمل يصر تحت الأقدام والريح تعصف بهدوء , ولما عادا من حيث أنطلقا تمنيا لبعضهما ليلة سعيدة وتوجه كل الى غرفته.
ومرت الأيام التالية في جو العطلة , أستأجروا مركباً صغيراً ليقوموا بجولة حول الجزيرة وحمل ترانت أخاه على ظهره ليضعه في المركب بينما أستحما في حوض السباحة الذي يحتوي ماء البحر بسبب وقوعه قرب الأمواج , أشجار النخيل والعشب الكثيف تحيط الحوض وتساعد على تخفيف حدة الشمس والحر الكبير.
وذات مساء كانت الطبيعة جميلة الى درجة أنها شعرت برغبة في التعبير بحرية عن فرحها وفتح قلبها , كانت واقفة قرب ترانت تنظر الى البحر المتلألىء تحت ضوء القمر.
- هل معقول أن تنتهي هذه السعادة يوما من الأيام؟.
لا شك أن الغم والكبت دفعاها الى الألتفات نحو صديقها والقول:
- آه يا ترانت , كم أتمنى أن أكون قادرة على فعل شيء ما!.
تأملها مطولاً ثم قال:
- أنت أمرأة غريبة ...... تمضين معظم وقتك في العناية بروبرت , مثل أخت محبة , ومن يراك يقول بأنك لا تعيشين الا من أجله .
أخفضت عينيها بسرعة وقالت لتغيير الحديث:
- روبرت أنسان رائع وحساس ..... لا يستحق أن يموت!.
- من حسن الحظ أنه ليس هنا ليسمع قولك.
- الرجال يخبئون عاطفتهم أما نحن النساء, فلسنا هكذا , يرتاح الأنسان أن صرخ أو بكى!.
- يمكنك البكاء أذا ترغبين ذلك , لكن أخي لن يشفى.....
كان كلامه حزيناً , أقتربت منه وقالت باكية:
- آه , يا ترانت , أريد أن يكون روبرت سعيداً جداً! منذ وصولنا الى الجزيرة يتهيأ لي أنني أحقق حلماً رائعاً , آه , كم أحب أن يدوم ذلك الى الأبد!.

*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:33 AM

أجاب بنعومة:
- من يدري.
داعب شعرها , ثم أبتسم وقال:
- تريدين الذهاب في الباخرة الى بحيرة الشربين , أليس كذلك؟ لقد أستعلمت عن الذهاب ولا خطر في ذلك, هناك أسماك على جميع أنواعها وخاصة( سلطان أبراهيم) , لكن يجب علينا أن نستيقظ في الفجر.
- سيكون روبرت فرحاً للغاية.
ومرت الأيام بأحسن حال , لكن فيفيان وترانت كانا يعرفان أن هذه السعادة لن تحيا طويلاً .
وذات يوم , في فترة بعد الظهر , بعدما تأملت فيفيان وروبرت العصافير داخل الغابة , ذهبا الى التلة التي تطل على الشاطىء حيث وقفا مراراً لمراقبة الأمواج وهي تلطم الصخور, عادة ,كانت فيفيان تجلس على صخرة صغيرة قرب المريض , أما في ذلك اليوم فأختارت الجلوس على صخرة تقع قرب قدمي المريض.
قال وهو يحدق بالأفق:
- لم أصدق أنني سأرى يوما البحر على أمتداد النظر , كم نبدو صغاراً أمام البحر! لقد وجدت لي جزيرة يا فيفيان, وسأكون شاكراً لك دائماً!.
دائماً , ماذا يعني روبرت بذلك؟ أسبوع؟ أسبوعان؟ بذلت جهداً قوياً كي تمنع الدموع أن تنهمر من عينيها وقالت بفرح:
- ترانت هو الذي طلب من صاحب المكان هذا المسكن لتتمكن من الحصول على الأجازة ! لا تنسى ذلك.
- تتفقان جيداً , هذه الأيام.
- دائماً كنا صديقين.
نظر المريض الى فيفيان بحنان وقال:
-آه, يا فيفيان , كيف يمكنني أن أعيش بدونك!.
وخوفاً من أن ينجرف في هذا الأنفعال , قالت فيفيان بسرعة:
- لكن , خلال النصف ساعة المقبلة , عليك أن تتخلى عن خدماتي , أذ وعدني الطاهي موريس أن يعلمني صنع مربى التفاح .
نظرت الى ساعتها وقالت:
- حان الوقت للعودة قبل حلول الظلام.
وما أن أستعدت الفتاة للنهوض , وقعت الكارثة , حذاؤها المالس أنزلق من قدميها وهي تطأ الصخرة الناعمة , هل مد روبرت لها يده ليساعدها ؟ أم هي تعلقت بذراع الكرسي النقال؟ مهما يكن سقطت فيفيان بقوة على الأرض ووقع الكرسي النقال على الصخور , كاد يغمى عليها من الخوف ,وبدأت تصرخ بحدة حتى جاء جميع سكان المنزل.
ولما وصل ترانت وهارون وبقية الخدم ,كان روبرت قد نجح في الجلوس , فقال بأبتسامة عريضة:
- لا تنظروا اليّ هكذا , أنني على أحسن ما يرام!.
لكن ذراعه كانت ملتوية ووجهه رمادي اللون .
أستدعى ترانت طبيباً من طنجة وخلال فترة طويلة عم في أرجاء المنزل غموض كبير , ولما هدأت الأمور كلياً كان الليل قد حل منذ زمن , أعاد ترانت الطبيب الى المركب وأنتظرته فيفيان في المكان الذي تعودا اللقاء فيه للتأمل في البحر المتلألىء تحت ضوء القمر.
قال ترانت للفتاة لدى عودته:
- كسر روبرت معصم يده اليمنى وأصيب ببعض الجروح , أعطي الحبوب المنومة وسينام حتى الصباح.
رفعت نحو ترانت عينين دامعتين وقالت:
-أنها غلطتي.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 15-04-10 09:34 AM

بدا على ترانت التعب , لكنه قال بصوت ناعم:
- أخبرني أخي كل شيء , لما أوشكت على الوقوع , حاول هو مساعدتك , لا يجب أن تشعري بالذنب وبمسؤولية الحادث.
- لكنني أنا المسؤولة عن هذا الحادث! أخترت مكاناً للجلوس لا يجب أن أختاره أذ كان خطراً ,ولم أنتبه أن الكرسي النقال قريب من الحافة! أكان يجب أن يتحطم روبرت على الصخور بسببي! لماذا لم يحصل الحادث لي أنا؟.
- لكنت أذيت حالك كثيراً , لا تنسي أن روبرت كان لاعب روكبي وقد تعلم كيف يقع الآن , هدئي من روعك.
- هل نحن مضطرون الى العودة؟.
- نعم , يجب أن يذهب روبرت الى المستشفى بسبب الكسر في معصمه , ليس محموداً أن نبقى هنا في هذه الحالة .
عادت الى المنزل لتوضب الحقائب , كان قلبها يخفق بسرعة , فلا يمكنها أن تخبر ترانت لماذا تخاف جداً أن تعود الى كوديا.

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 11:59 AM

8- السارقان

كان روبرت يتألم من أوجاعه كثيراً ,وخلال الأيام الأولى , بعد عودته الى كوديا , لم يغادر فراشه , لكن الأبتسامة ظلت مرتسمة على شفتيه , بالرغم من تعبه وأرهاقه , وفيفيان تجلس قربه, تحت ظل الأشجار العالية الواقعة قرب حوض السباحة , وتقرأ له القصائد المفضلة اليه , لكنها كانت آسفة لعدم مقدرتها على وضع نبرة شعرية في ألقائها , وبدوره ,كان المريض يلقي عليها أبياتاً مختلفة فتتأثر كثيراً بحساسيته ودفء صوته.
منتديات ليلاس
ولأنه كان يذهب باكراً الى غرفته , كانت فيفيان تتمتع بساعات طويلة من الفراغ , وما أن يذهب ترانت الى ( المقهى الأنكليزي) حتى تلجأ الى غرفة المكتبة لتقرأ أو تسمع بعض الأسطوانات , في الواقع تظل هناك حتى تشعر بالتعب فتصعد الى غرفتها وتنام وذات مساء , ينما كانت تتحضر لأخذ حمام فاتر قبل اللجوء الى النوم , لاحظت وجود أنسان على شرفتها ودخل غاري غرفتها من الباب الزجاجي وأبتسامة عريضة على شفتيه ألقى نظرة الى الأثاث الفاخر وقال:
- أنها عملية رابحة أن تقومي بدور خطيبة شقيق صاحب كازينو!.

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:00 PM

أسرعت فيفيان نحوه وصرخت بجنون:
- ما كان يجب عليك أن تأتي الى هنا.
- بالعكس, أنه المكان المثالي للثرثرة , سرير مريح و.......
قالت بلهجة مداعبة:
- لنذهب الى المنتزه, هناك نكون بأمان.
تبعها على السلالم بعناد , ولما دخلا المنتزه كانت أعصاب الفتاة متلفة , جذبها غاري نحوه وقال:
- لم تعلميني برحيلك ! لا شك أنك ضحكت كثيراً وأنت تتصورين أنني سأجيء الى كوديا لأجد النوافذ الخشبية مغلقة.
- لم أتمكن من أعلامك بالأمر لأن القرار كان مفاجئاً.
أبتسم بعنف ثم ضمها اليه بشدة أكثر وقال بصوت ناعم:
-لا يهم , ما دمت هنا الآن , هل أشتقت الي؟.
أجابت وهي تبتعد عنه:
- آه.. ام يتسنى لي الوقت في التفكير بك , لقد وقع لروبرت حادث.
- كيف؟ آمل أن يكون قد تحسن.
- كسر معصمه وأضافة الى مرضه يبدو مضطرباً حتى الأرهاق.
- هذا أمر طبيعي , دعينا من الحديث عن كولبي الصغير, ولنعوض عن الوقت الضائع.
عانقها بشراسة ثم رفع رأسه وقال:
- لماذا أصريت على مغادرة غرفتك ؟ لكنا أمضينا ليلة رائعة!.
أجابت فيفيان بصوت مرتجف:
- صحيح يا غاري! كيف تجرؤ على قول مثل هذه الكلمات والشاب المريض يعيش في المنزل!.
- كنت أمرأة فظة في الماضي , لكنك نضجت بعد ذلك!.
دفعته فيفيان عنها وقالت:
- لم أتغير , والآن أنصحك بالرحيل!.
بدا على وجهه تعبير شرير , وقال:
- ها , ها , فيفيان الشغوفة بدأت تبرد عزيمتها , أنت التي بحثت عني في جميع أنحاء طنجة ! وتريدين أن تنسي مواعيدنا السرية ....... حبنا القديم ؟ أريد أن أعرف السبب ,لماذا؟.
كانت تطرح على نفسهاالسؤال نفسه منذ بضعة أيام , فقالت:
-لنتكلم عنك , الآن , عندما ألتقيت بك في الكازينو , لم تبد مستعجلاً لمغادرة طاولة القمار!.
- هل تعتقدين أنني أغازلك فقط من أجل عينيك؟.
قالت بصوت هادىء والخوف يضغط على قلبها:
- أعتقد أنه من الأفضل أن تصرح عن أفكارك , كي أفهم ما تقصده.

****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:02 PM

أجابها بنظرة قاسية:
-تماماً , لست صاحب ثروة لأعيش كالملوك , وفي طنجة اليوم مئات الأشخاص مثلي , نتدبر أمورنا بالتي هي أحسن , نعثر على وظيفة صغيرة هنا وهناك بأنتظار الحظ الذي سيجلب لنا الثروة الكبيرة , وأنا وجدت هذا الحظ أخيراً!.
- لا أفهم ماذا تقصد , لكن لا أريد أن أسمع المزيد , أرجوك أن ترحل الآن.
رفع كتفيه وتوجه الى الباب وقال:
- أتفقنا , لكن أصر على تحذيرك بأن مريضنا الصغير , ربما تعرض لمداهمة ليلية , ذلك لأنني قمت بخطة ذكية , كولبي يملك المال الكثير وأنا مفلس , وأظن أنه لا يريد أن يعرف شقيقه الصغير كل الحقيقة , أليس كذلك؟ لذا رسمت خطة لسلبه جزءاً من ثروته.
جمد الدم في عروق الفتاة وقالت:
- أنا مستعد لمقابلة روبرت وسأشرح له أنك تلعبين دور صديقتك لوسي.
- لا , ستقتله.
- أعرف ذلك, يا حبي , لذلك أنا مقتنع أنك ستفعلين ما سأطلبه منك , أسمعيني جيداً , جميع العاملين في الكازينو يعرفونك , وأنت تعرفين عادات كولبي الكبير , وأنا أيضاً راقبته , يغادر مكتبه حوالي منتصف الليل ليقوم بجولة في صالة اللعب , أذن , مساء غد , سنجد حجة لزيارة مكتبه بعد منتصف الليل , هكذا لن يعرف بنا أحد ونختلس خزنة الكازينو.
- هذا جنون! المال في الخزنة , وترانت وحده يملك المفاتيح , أنه يقفل بابه قبل أن يخرج.
- أذن عليك أنت أن تلعبي الدور المناسب يا حبيبتي , تعرفين جيداً أين تقع غرفته!.
أجابته شاحبة اللون:
- هل تعتقد أنني قادرة أن أنتشل مفاتيح الخزنة؟.
- لا أعتقد , أنما أعرف ذلك , يا حبيبتي , أنت متعلقة جداً بروبرت ولا تريدين رؤيته يتعذب , أذن موعدنا مساء الغد, في الكازينو, في الساعة الحادية عشر والنصف , نصيحتي الأخيرة , لا تحاولي التهرب من المجيء وألا سيصاب المعاق بخيبة أمل كبرى , الى اللقاء العاجل , يا فتاتي الناعمة , لتكن أحلامك جميلة!.
وما أن عادت فيفيان الى غرفتها والأشمئزاز , أسندت ظهرها الى الباب لأنها كانت على وشك الأغماء , هل تعيش كابوساً؟ ألن تستيقظ من نومها بعد قليل وتطلق زفرة أرتياح ؟ أقتربت من الكرسي بخطوات مترنحة وأرتمت عليه , غاري , الرجل الذي أعتقدت أنها وقعت في حبه – آه أنها ترى الآن بوضوح- عندما ألتقت به في الكازينو , لمحت تغيراً واضحاً فيه ولو أنها رفضت الأعتراف بذلك , صحيح أنه كان يعيش في الماضي حياة غير منتظمة , لكن في الوقت الحاضر أصبح عديم الأخلاق كلياً.
جن جنونها ونهضت من مكانها وراحت تذرع أرض الغرفة ذهاباً وأياباً , كانت تثق بغاري الى درجة أنها أخبرته عن سبب وجودها في كوديا , وها هو الآن يهددها بأن يفشي بسرها للمريض , وضعت يديها على فمها وهي تتخيل المشهد , نعم, لديه الوقاحة أن يحقق هدفه الشنيع , أنسان عديم الشفقة.
منتديات ليلاس
راحت الفتاة تفكر بالمعاق , أنه يحبها ويعتقد أنها صاحبة الرسائل , ماذا ستكون ردة فعله عندما يعلم بأنها كذبت عليه؟ سيتدمر نهائياً.

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:03 PM

كانت الفتاة شاحبة ومندهشة , ولما أسترجعت وعيها , كانت قد أخذت قراراً : لا يجب أن يعرف روبرت الحقيقة.
أمضت فيفيان ليلة بيضاء , وفي الغد , أرتدت ملابسها ونزلت الى الشرفة , ومن حسن حظها أن كولبي المريض يذهب في هذا اليوم كعادته الى المستشفى.
ستبذل جهداً كبيراً كي تبدو هادئة الأعصاب وأبتسمت طوال فطور الصباح , ثم توجهت الى حوض السباحة وهناك فقط أدركت ماذا ينتظر غاري منها , ولو لم يمسك ترانت بذراعها لكانت سقطت أرضاً .
نظر الى وجهها متفحصاً وقال:
- ماذا يجري؟ لم تقولي شيئاً خلال الفطور.
- ربما بسبب الحر , سأتمدد الآن وسأكون على ما يرام.
وضع ترانت كرسياً طويى تحت المظلة , فتمددت فيفيان عليه , متعبة.
سألها:
- هل تشعرين بتحسن؟.
هزت رأسها وتمنت لو يمسك بيدها , تذكرت ذلك المساء عندما ركع أمامها ليضع المرهم المسكن على ساقها المجروحة .... والمساء الآخر في جزيرة تاهاد عندما أخذهابين ذراعيه ليداعب شعرها , نعم , لقد نظمت هذه العطلة في الجزيرة من أجل أن تراه أكثر....أنها تعي الآن , لكنها لم تكتشف الحقيقة ألا بعد التهديد الذي تعرضت له من قبل غاري , وعرفت الآن أن لا رجل غير ترانت يمكنه أن يحتل قلبها بعد الآن.
أدركت أخيراً أن نظرها محدق بترانت , وشعرت بحاجة ماسة أن تبوح له بسرها , فهو ينتظر منها أن تتكلم ... نعم, هذا ما تشعر به , وخلال لحظة خاطفة كادت أن تستسلم , لكنها أخفضت نظرها وقالت:
-لا أريد أن أؤخرك سأظل ممددة في الظل قليلاً.
وحتى لو أصبحت حزينة الى الأبد , عليها أن تفعل ما يريده غاري , كي لا يبوح بسر لوسي......
عاد صاحب المكان ليجلس قربها , ظلت ممددة , لكن أحتلها القلق فجأة عندما فكرت بكيفية أنتشال مفاتيح الخزنة.
ولما حان وقت الغداء أزداد فيها القلق ,لكن خوفاً من أن يعتقد ترانت أنها مريضة , جلست على المائدة معه , لكنها لم تكن قادرة أن تسيطر على الأرتجاف في يديها , وكادت أن تحطم كأسها غير مرة , قال رفيقها:
- أقترح عليك أن تستريحي في غرفتك خلال فترة بعد الظهر .
بذلت جهداً كي تبدو لطيفة ومطيعة , وقالت:
- معك حق , لأن رأسي كان يؤلمني في الصباح , أما أذا نمت ساعة أو ساعتين , فسأشعر بتحسن . قبل حلول المساء.
نهضت فأوصلها ترانت الى المنزل , وهناك برزت أمامها فرصة نادرة.
كان رئيس العمال الزراعيين التابعين للفيللا ينتظر ترانت بفارغ الصبر فهو يأتي مرة في الأسبوع الى الفيللا ليقدم تفصيلاً عن الأعمال لرب المنزل , والآن سيقضيان معاً فترة طويلة داخل غرفة المكتبة , وسيكون بأمكانها أن تبحث عن مفاتيح الخزنة بهدوء .

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:04 PM

أحتلها الخوف وهي تجتاز البهو وتصعد السلالم الى غرفتها ,لم تبق فيها ألا دقائق معدودة , ثم خرجت وأجتازت الممر متوجهة الى الجناح الشمالي ,وما أن لمحت شقة ترانت المواجهة للسلالم حتى فتحتها بسرعة ودخلت , ربما تكون مفاتيح الخزنة معه ؟ لا شك أن لديه مفاتيح أخرى .. كيف البحث عليها؟ بدأت تبحث بيد حارة في جيوب بزاته المعلقة في الخزانة , وداخل أدراج الطاولة والمنضدة , فجأة فكرت في البحث داخل مكتبه الواقع في الغرفة المجاورة , فتوجهت اليها مسرعة وبحثت في الدرج , دون جدوى ,لكن في الخزانة اليسارية أكتشفت بين قاموس عربي صعير ومفكرة جلدية سلسلة علقت فيها أربعة مفاتيح.
وبالرغم من حرارة الطقس , أصيبت الفتاة بقشعريرة باردة , حملت المفاتيح وعادت الى الباب بعدما ألقت نظرة أخيرة على الغرفة للتأكد من أن كل شيء في مكانه.
وما أن أغلقت الباب خلفها حتى كاد أن يغمى عليها , كان ترانت يتسلق السلالم ,هل رآها وهي تخرج من غرفته؟ تهيأ لها أنه يحدق بها بنظرات قاسية , لذلك أسرعت في القول:
- صعدت الى غرفة روبرت لأبحث عن كتاب معين , أذ رأيت على الشرفة عصفورا أخضر وأزرق وأردت أن أعرف اسمه.
-لا شك أنه وروار , تصورت أنك تنامين وقت القيلولة!.
تلعثمت وقالت:
- نعم. لكن هذا العصفور.....
- لكنني نصحتك أن تغلقي الستائر , كي تهدأ أعصابك من الأضطراب.
كانت ترتجف مثل ورق الشجر , وقالت:
- نعم.
أدارت ظهرها وتوجهت الى غرفتها , وما أن وصلتها حتى أرتمت على السرير , لقد ضغطت على المفاتيح بشدة في يدها الى درجة أن كفها بدأ يؤلمها , أبداً , أبداً , لا تريد أن تعيش مرة ثانية مثل هذه التجربة.
أضطرت للبقاء بقية النهار ممددة لأن قدميها لم تعودا تحملانها , ولم تغادر غرفتها ألا وقت العشاء , هل سيلاحظ رب المنزل شحوب وجهها؟ راحت تأكل دون قابلية , وفي نهاية العشاء قالت:
- سأذهب الى الكازينو في المساء , أريد أن أغير الجو.
- لا هذا غير وارد , لن تكوني قادرة أن تخطي خطوة واحدة خارج الفيللا.
أجابت بصوت متوسل , محاولة كبت دموعها:
- بلى , أنا قادرة على ذلك!.
سمعته يتنهد ثم يقول:
- ما دمت تصرين على المجيء , فليكن, سيأخذك عبدول متى تريدين.
وما أن أنتهيا من العشاء حتى أعتذرت فيفيان وتوجهت الى غرفتها , وخلال وقت بدا لها طويلاً , سمعت أخيراً صوت محرك السيارة فراحت تذرع أرض الغرفة بخطى سريعة وهي تعد الدقائق والثواني حتى أصبحت الساعة الحادية عشرة , ثم نزلت الى البهو وتوجهت الى سيارة الليموزين ويداها ترتجفان , وبالرغم من دفء الطقس , كانت الفتاة ترتعش برداً خلال الطريق لشدة ما كانت خائفة , وكادت أن تطلب من السائق أن يعيدها الى المنزل , غير أنها كانت تعرف أن لا شيء يوقف غاري عند حده , أذ سبق ودخل حديقة كوديا وصولاً الى غرفتها ,ولن يجد صعوبة في أيجاد شقة روبرت والبوح له عن سرها , أستسلمت فيفيان للأمر وأكملت طريقها الى الكازينو.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:05 PM

رافقها الخادم الى الداخل حيث أزدحم الجمع الغفير , ثم حياها قبل أن يبتعد , راحت تتجول بين الطاولات من دون أن تعي الضجة القوية التي تعم المكان.
فجأة أمسكت يد غاري بمعصمها وقال:
- مساء الخير , ما رأيك أن نجد مكاناً هادئاً لنتكلم على حدة؟.
تبعته الفتاة رغماً عنه , أختارا مكاناً منزوياً في المقهى , وطلب رفيقها من الخادم بعض الشراب , ثم قال لها:
- أهنئك لتعقلك... أنا سعيد جداً لمجيئك , جلبت المفاتيح أليس كذلك؟.
تناولت حقيبة يدها ,وفتحتها ثم أغلقتها في الحال وقالت:
- غاري! قل لي أن ما قلته لي ليس سوى مزاح وحسب ! لن ألومك! لكن طمئنني أنك كنت تنوي المزاح فقط لا غير!".
- طبعا , أن ذلك مزاح , يا حبيبتي! لكن على حساب آل كولبي ! سترين كم سنضحك عندما نفرغ خزانته! والآن , أعطني المفاتيح وأطيعي أوامري! بعد دقائق قليلة سنتجول في صالة اللعب , يجب أن يعرف الجميع أننا صديقان وبالتالي نكون صديقين لترانت كولبي , لذلك علينا أن نجتاز البهو معا عدة مرات , حيث يتجول الموظفون والمراقبون , وعندما يغادر ترانت مكتبه في منتصف الليل , نتوجه نحن نحو مكتبه كأننا في نية أن نلقاه ونأخذ معه الكأس الأخيرة.
وكانت النصف الساعة التالية بالنسبة الى فيفيان عذاباً كبيراً , الضحك والثرثرة والضجة تصفع رأسها الذي كاد أن ينفجر.
وبعد منتصف الليل شاهدت ترانت كولبي يتحدث مع أصدقاء له في الصالة , كان محاطاً بنساء رائعات , في ثياب فاخرة .........في الماضي , كانت تريد أن تنتقد طريقة حياته . ربما لأنها , في لاوعيها , كانت تحاول مقاومة سحره.
حان الوقت , فضغط غاري على معصمها وهمس بأذنها:
- الآن! الآن! المدير برفقة جيدة وعملنا سيكون سهلاً .......
عليهما أن يدخلا المكتب..... أليس غاري شديد التفاؤل؟
أجتازا البهو من دون صعوبة , حاول غاري المفتاح الأول ,ثم الثاني , كادت فيفيان أن تقع أرضاً لأنها متأكدة من أن أحداً يراقبهما , أخيراً أنفتح الباب ودفع غاري الفتاة بسرعة الى الداخل وأغلق الباب وراءه.
قال في ضحكة مخنوقة:
-ما كان يجب عليك أن تتشائمي كثيرا! لقد قلت لك أن الأمر شديد السهولة!.
وبرعب كانت فيفيان تنظر اليه وهو يذهب تواً الى الخزنة ويفتحها , كانت مليئة بالأوراق النقدية , أخرج غاري كيساً من جيبه وفتحه وبدأ يضع في داخله المال , لم تعد الفتاة قادرة على الكلام أو الصياح لأنها فقدت صوتها , فجأة أرتجف جسمها كله , أذ سمعت مفتاحاً يصر في الباب , تمسكت بالطاولة كي لا تقع , ظهر ترانت وقال من دون أندهاش:
- مساء الخير يا فيفيان, قدمي لي صديقك , من فضلك! أنه الشخص نفسه الذي تعرفت عليه منذ أربع سنوات , في طنجة , أليس كذلك؟.

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:07 PM

أقفل الباب بالمفتاح وتمنت فيفيان أن تموت في اللحظة بالذات , أما غاري , فلم يضطرب أبداً , أذ أجاب بلهجة هادئة :
- ما تقوله صحيح , ففيفيان وأنا صديقان حميمان , للأسف أنها لم تعلمك بالأمر!.
- هذا مؤسف حقاً , لكنني لست مندهشاً , ومهما يكن لندع هذا الموضوع جانباً , وسأستعيد مفاتيحي, أذا لا مانع لديك.
رمى غاري المفاتيح على الطاولة , فتناولها كولبي وأخذ بعض الأوراق النقدية ووضع على المكتب المبلغ الكافي ثمناً لبطاقة السفر , وقال:
- أمامك ساعة كي تغادر البلاد , هناك طائرة ستقلع في الواحدة بعد منتصف الليل , ولا تحاول أن تعود الى المغرب , لأن البوليس سيبحث عنك.
حاول غاري أن يتفوه بشيء لكنه غير رأيه وأخذ المال , وبهدوء سبقه ترانت ليفتح له الباب , وبعد أن خرج غاري , ران صمت ثقيل داخل المكتب وفيفيان ما تزال متمسكة بالطاولة , ترانت كان شاحب اللون , أقترب من الفتاة رمقها بنظرة مليئة بالأحتقار ثم قال:
- روبرت يثق بك , وهذا المهم , لقد قلت لك يوم وصولك وسأردد اليوم : ليس من مصلحتك الهرب.
أخذ سماعة الهاتف وقال بضعة كلمات مقتضبة , فجاء عبدول في الحال وقال لها بصوت بارد:
- سيأخذك الى المنزل.
توجهت فيفيان الى الخارج بخطوات مترنحة , لا شك أن أحداً رآها تنشل المفاتيح , ومنذ وصولهما الى الكازينو لم يتوقف ترانت عن مراقبتها عن كثب , ولما رآهما يدخلان الى مكتبه أنتظر قليلاً ودخل في الوقت المناسب ليفاجىء غاري والمال في يده , تبعت عبدول وأجتازت المقهى ثم صعدت الى السيارة.
ولدى وصولها الى كوديا , دخلت غرفتها وأرتمت في سريرها , مرهقة , لكنها لم تتمكن من أيجاد السلام في نومها , فلم تكف عن تذكر تعبير وجه ترانت المليء بالأحتقار وصوته الغاضب.

منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:09 PM


9- صدمة الفرح
الآن يقضي روبرت نهاراته كلها في السرير وفيفيان تجلس قربه في فترات بعد الظهر وتبذل جهداً كبيراً لتخفي ملامح القلق عن وجهها , بسبب تدهور صحة روبرت ونحول جسمه , مهما ضحك ومزح ولعب الورق ونام يظل التعب ظاهراً عليه , وكلما غط في نومه , كانت فيفيان تمسك بيده , وتتأمل وجهه الجميل المهدد بالمرض والموت.
ومنذ تلك الليلة الحاسمة عندما فاجأها ترانت في مكتبه برفقة غاري, لم تعد فيفيان تتبادل الحديث مع صاحب المكان , أمام المريض كان ترانت يبدو لطيفاً معها , وفي المساء , لم يغيرا عادتهما , ظلا يتناولان العشاء معاً في الغرفة التي تطل على الكاسبا ,ومن نظراته اليها عرفت الفتاة أنه يكرهها كثيراً , لم يعد يذهب الى الكازينو , ومنذ أن تدهورت صحة أخيه , أوكل عبدول وأندريه بأدارة الكازينو ,وفي الليل كان يذرع أرض المنزل بخطواته الثقيلة أو يخرج وحده للتنزه في الحديقة , وكذلك فيفيان ,كانت تمضي ساعات طويلة تذرع أرض غرفتها ذهاباً وأياباً ... لا تعرف أي مصير ينتظرها.
وهذه الكراهية من قبل صاحب المكان ,كانت تعذبها وتجرح شعورها بشكل عميق , لا شك أنه أعتقد أنها تحب غاري وأنها كانت تنوي الهرب معه بعد سرقة الخزنة , لذلك كانت تبكي بأستمرار ولا يغمض لها جفن طوال الليل , وجاء الوقت الذي لم تعد فيه قادرة على تحمل المزيد , أنها أنسانة من لحم ودم وليست بطلة قصة تلعب دورها حتى النهاية , فلم تعد تتحمل الكره الذي يصدر عن ترانت , أنها فيفيان بليث وتريد أن تفكر وتشعر وتحب مثل فيفيان بليث, بالرغم من صداقتها الكبيرة أتجاه لوسي.
وذات مساء تورمت عيناها من شدة البكاء , فخرجت الى شرفتها وهبطت السلالم الخارجية متوجهة نحو الحديقة ,كانت الأرض رطبة من المطر الخفيف الذي أنهمر خلال النهار , الأشجار المزهرة تعبق الجو بأريجها العطر , والقمر يرمي نوره الفضي على البحر , فتذكرت بألم السهرات الرائعة التي قضتها في جزيرة تاهاد وراح قلبها يرتجف حين شاهدت ترانت في الممر , فأقتربت منه فقال لها:
- ما كان يجب أن تخرجي في هذا الطقس البارد.
- أنا على ما يرام.
قررت أن تتحدث اليه بصراحة فتسلحت بالشجاعة وأضافت:
- أذا أكدت لك أن محبتي لروبرت توازي محبتك له هل تصدقني؟.

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:10 PM

أجابها بأبتسامة ساخرة:
- أنا مستعد أن أصدق كل ما تقولينه!.
قالت بصوت متأرجح:
- من الأفضل أن أبدأ من البداية , لم يسبق لك أن سمعت بفتاة تدعى لوسي مايلز أليس كذلك؟ أنها هي بنفسها صاحبة الرسائل التي كانت تصل لروبرت بأستمرار , ربما تسألني : لماذا؟ فلوسي فتاة طيبة وناعمة , لكنها تجد نفسها عادية جداً لروبرت , لذلك أرسلت له صورتي بدلاً من أن ترسل له صورتها.
قطب حاجبيه وهمس قائلاً:
- هذا أمر شديد التفاهة!.
- أنا أشاطرك الرأي , كانت تنوي أن تبوح له بكل شيء عندما تصبح علاقتهما متينة كي يتحمل روبرت الصدمة , لكنك أرسلت اليها رسالة تعلمها بصحة أخيك المتدهورة , فأنهارت أعصابها .
حدق بها ترانت بعينين براقتين وقال بصوت فظ:
- كيف جرى وأتيت مكانها؟.
- هي طلبت مني ذلك بعد ألحاح شديد , قالت أن روبرت سيشعر بصدمة كبيرة أذا رآها وهي ليست صاحبة الصورة التي أرسلتها له........ من دون علمي............
ران صمت طويل ثم قال ترانت مندهشاً:
- هذا أمر غريب! أمر لا يصدق!.
- لو كنت تعرف لوسي, لما قلت هذا الكلام ! كانت تفكر فقط بصالح مراسلها , لذلك أقنعتني أن أحل مكانها لئلا يصاب بصدمة وخيبة أمل , لوسي تحب روبرت حباً كبيراً , الأشخاص المغرمون يتظاهرون أحياناً بردات فعل غريبة!.
قال ساخراً:
- تتكلمين عن سابق خبرة!.
أجابته بهدوء:
- لا شك أنك تفكر بغاري ثورنتون , نعم تصورت في بادىء الأمر , أنني أحبه وحاولت كل جهدي أن أعثر عليه , منذ وصولي الى طنجة.
- كنت أشعر أن أمراً ما يجري من دون معرفتي , فتركت لك حرية التحرك آملاً أن أراك تقعين في الفخ ,لم أكن مخطئاً , أكملي.
- لكنني أكتشفت أن غاري يتردد على الكازينو , ألتقيت به هناك في أول سهرة لي , في الواقع كنت أتابع حلماً جميلاً , لكن غاري لم يكن يعني شيئاً بالنسبة الي!........... وأدركت ذلك بعد لقاءاتنا العديدة , لكن قبل ذلك كنت قد بحت له بسري وبهذه الخدعة.
- كنت خائفة .لاحظت..............
- نعم , أعترف بذلك, أردت الرحيل في الحال وذهبنا الى جزيرة تاهاد لكن عندما عدت الى طنجة ,كان غاري بأنتظاري , هددني أن يبوح بالخدعة لروبرت بالذات فلم يكن لدي الأختيار.
- كان عليك أن تعلميني بالأمر!.
- لقد فكرت بالأمر , لكن كنت أريد أن أفي بوعدي للوسي ,كنت خائفة لأنني كنت مقتنعة بأن غاري سيجد طريقة لأبلاغ روبرت بأمر الخدعة؟.
أمسكها بكتفيها وقال:
- يا أيتها الحمقاء الصغيرة ,كان بأمكان هذا الوقح....... أن يؤذيك !.
منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:13 PM

شعرت بأصابع ترانت تداعب ذراعيها , أنسحرت بنظرته وأقتربت منه, فعانقها وأحتلها أضطراب عذب , لكنه بعد قليل دفعها عنه بحدة وقال بصوت فظ:
- أذهبي من هنا!.
ركضت نحو المنزل وهي تنهمر في البكاء , أنها بنظر ترانت ملكاً لروبرت , ولا أحد يمكنه أن يغير هذا الوضع....
تساقط المطر في اليوم التالي من جديد ثم عادت الشمس الى الظهور وأستعاد البحر زرقته والزهر ألوانه الزهية الطبيعية كلها كانت براقة.
ورغم سوء حالته , كان روبرت في مزاج رائع , وذات مساء قرر أن يتناول العشاء في غرفة الطعام , ولهذه المناسبة , أعدت فيفيان الطاولة بمساعدة الخدم ووضعت الكريستال والفضية على الشرشف المطرز , لكن لا أحد أراد الأعتراف بأن مزاجه المتألق فرحاً كان أصطناعياً.
وفي الأمسيات العادية كان ترانت يتناول العشاء مع ضيفته في غرفة الطعام ,كالعادة , ثم يخرجان الى الشرفة الصغيرة في الليل المعطر برائحة الزهر والياسمين , يتناول ترانت علبة السكائر من جيبه , يقدم سيكارة الى فيفيان , ثم يشعل لها بقداحته , كادت فيفيان أن تجن , أنها تحبه , وهو يحبها ولا يوجد أي أتصال بينهما......حتى اللمس أصبح أمراً مستحيلاً.
وذات مساء لم تعد فيفيان تتحمل هذا الضغط القوي , فجأة سمعت ضجة في الداخل , كان هارون واقفاً على عتبة الباب ومعين يوضب الطاولة , تلعثم الخادم وقال:
- أنه سيدي الصغير! يطلب حلوى الميرينغ من السيد موريس.
كاد أن يغمى على فيفيان , هل هذا طلبه الأخير!
فسأل ترانت:
- هل بقي منها شيئاً؟.
ألقى معين نظرة الى الصحن وهو رأسه أيجاباً فقال ترانت:
- أذن خذ له بعضا منها.
أسرعت فيفيان الى غرفتها وحنجرتها تكاد تختنق.
وبعد ظهر الغد وصل طبيب مغربي برفقة ثلاثة ممرضين لأخذ صور على الأشعة لمعصم روبرت , وفي تلك الأثناء كانت فيفيان توضب الزهور في أحدى قاعات الطابق الأسفل , بعد قليل نزل الطبيب السلالم مسرعاً وتوجه الى الهاتف , كان يتكلم بسرعة ولم تتمكن الفتاة أن تفهم ما يقوله , في الوقت نفسه جاء ترانت وتوجه نحو الطبيب , تبادلا الكلام ودخلا معاً الى المكتبة وأغلقا الباب , أكملت فيفيان عملها ويداها ترتجفان, ماذا يجري؟ ماذا يحصل للمعاق؟ بعد قليل خرج الرجلان وتسلقا السلالم بسرعة , راحت الفتاة تذرع الأرض ذهاباً وأياباً , بعصبية وهي تتخيل الحوادث التي تدور في الطابق الأعلى للفيللا.
فجأة رأت سيارة سوداء تدخل الباب الحديدي , ونزل منها رجل شاب هو أحد الأطباء الأخصائيين الذين يعالجون روبرت , تقدم عبدول منه ورافقه الى جناح روبرت ,فوجدت فيفيان نفسها وحيدة من جديد في هذا الصمت الثقيل ,لم تعد قادرة أن تبقى مدة أطول في الداخل , خرجت الى الحديقة وراحت تقطف الأزهار الجديدة كي تمنع نفسها من أظهارأنفعاله ورغبتها في الألتحاق بالأخرين.

*****

يتبع..

Rehana 16-04-10 12:15 PM

بعد قليل سمعت أصواتاً , ثم أقلعت سيارة الطبيب الأخصائي , وبهدوء متصنع عادت بخطى بطيئة الى الفيللا , كان الممرضون يخرجون في هذه اللحظة وترانت يرافقهم حتى الباب , ولما رأى الفتاة أقترب منها وأبتسامة على شفتيه , فلاحظت للحال أن ذراعيها كانتا ممتلئتين زهوراً , فقال لها:
- ينقصك قبعة واسعة من قش لتشبهي النساء الفلاحات , لكن بشرتك فاتحة وأنفك المستقيم لا يشبه أنوف البربر!.
- ماذا يجري ؟ كنت قلقة جداً!.
لم يرد عليها في الحال وحاولت أن تلمح أشارة ما في وجهه المتعب .
أخيراً قال وهو يحيط كتفيها بذراعيه :
- لنجلس قليلاً وحافظي على الباقة بين يديك , هكذا تكونين صورة مريحة وجميلة لرجل عاش أوقاتاً صعبة الأيام الأخيرة.
قادها الى الحديقة الصغيرة المحاطة بأشجار الليمون الحامض وقال لها:
- صورة الأشعة أظهرت شيئاً .
- ماذا أذن؟.
- معصم روبرت في شفاء سريع.
- ألم تكن تتوقع ذلك؟.
- أنه يعاني من أصابة عضلية , لكن....
- لكن ماذا؟.
- بالنسبة الى الأطباء , هذا عنصر ذو دليل ومعنى واضح , طلب الأخصائي أن يذهب روبرت غداً الى المستشفى لأجراء بعض الفحوصات".
كان قلب فيفيان ينبض بسرعة جنونية ولمدة فترة طويلة لم ينطقا بكلمة واحدة , ثم ساعد ترانت الفتاة لتقطف الأزهار الى أن حان وقت العشاء.
وفي صباح اليوم التالي , نهضت فيفيان باكراً,وتوجهت صوب المروج , كانت الأشجار مليئة بالثمار , لاحظت من بعيد سيارة ليموزين تتجه نحو المدينة.
لا شك أن عبدول يقودها ,وترانت وروبرت يجلسان في المقعد الخلفي , هل سيشفى الشاب المريض ؟ لا, لا يجب أن تتأمل كثيراً!
وفي المرج النساء البربر يرتدين الفساتين الواسعة المعرقة ,فيفيان تتأملهن وهن يقطفن الثمار بمساعدة الأولاد , أحضرن معهن جبن الماعز والخبز الأسمر والبلح , وأقترحن على الغريبة أن تتقاسم معهن الطعام ,جلست فيفيان برفقتهن تحت ظل جوزة قديمة , محاولة ألا تنظر بأتجاه الطريق.
كانت الشمس تستعد للمغيب وراء الخليج والعمال يسقون الأشجار المثمرة , عندما رأت فيفيان فجأة سيارة الليموزين في المدخل , كانت النساء والأولاد يستعدون للذهاب , فحيوا الفتاة بلغتهم فردت عليهم بأبتسامة قبل أن تتوجه الى المنزل , بالكاد كانت قادرة أن تقف على قدميها.
سمعت فيفيان أصواتاً آتية من الطابق السفلي , فأجتازت القناطر بأضطراب , ترانت متكىء على المدفأة وروبرت جالس على الكرسي النقال قرب الصوفا , وما أن نظرت الى المريض حتى فهمت كل شيء , بشعره الأشقر القمحي وعينيه الزرقاوين , كان شديد الجاذبية , ولما لمحها ألقى نظرة الى ترانت وقال:
- قل لها , يا ترانت.
نهض ترانت وقال بصوت لا مبالي ليخفي أنفعاله:
-روبرت سيشفى...... حسب الأطباء , بعد بضعة أسابيع سيصبح قوياً وقادراً أن يتخلى عن الكرسي النقال , وبعد ستة أسابيع سيشفى كلياً.
أمتلأ قلب الفتاة بهجة لدى سماعها هذه الكلمات وأجتازت الغرفة راكضة , وقالت:
- آه , روبرت ! أنا مسرورة جداً لك!.
ضمته بين ذراعيها لتخفي دموع الفرح المتلألئة في عينيها , فسألها المريض:
- هل تعرفيت ماذا يعني ذلك , يا فيفيان؟ هذا يعني أنه سيصبح بأمكاننا أن نتزوج!.
كادت أن تقع أرضاً ...... في هوة سوداء ,وبدأت الغرفة تدور بها , أدارت وجهها نحو ترانت وقرأت في وجهه الهزة التي أحدثتها هذه الكلمات الأخيرة.
ثم سمعت حالها تقول بضحكة متقطعة:
- نعم , بأمكاننا أن نتزوج!.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

الجبل الاخضر 16-04-10 07:16 PM

:7_5_129::dancingmonkeyff8::mo2::55:
حماسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسس ننتظرررررررررررررر التكمله

Rehana 17-04-10 08:18 AM

شكرا لمرورك وتواجدك المستمر ..خضراء

وهذا الفصل الأخير

Rehana 17-04-10 08:22 AM

10- عودة الأبنة الضالة

الأشجار تلمع تحت أشعة الشمس , والحديقة الصغيرة , التي كانت منذ أربع وعشرين ساعة مضت تنبض حياة وأملاً, هي الآن حزينة ومتأسفة.
ذهب روبرت الى غرفته بمساعدة هارون وجلس ترانت على مقعد قرب الفتاة , أعلنت فيفيان:
- أنها أعجوبة حقيقية! كان روبرت يبدو شديد المرض وكنا نتوقع أسوأ الأمور!.
هز ترانت رأسه وقال:
- كنت على علم بالأمر, منذ بضعة أسابيع, طلب مني الأطباء السماح لهم بأجراء تجربة على علاج جديد , لكن الخطر من هذا العلاج كان صعوبة تحمله , أضافة الى أمكانية فشله.

*****

يتبع..

Rehana 17-04-10 08:24 AM

- عرفت ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه الى تطوان , أتذكر..... بقيت في المستشفى مدة طويلة.
- صحيح , لكنني لم أقل لأحد عن هذا العلاج خوفاً من تشجيع آمال مخطئة , سأكون متشكراً للطبيبين بول لازار وجورج مارن طيلة حياتي , أخذت روبرت الى العيادات الكبرى , لكنني وجدت أخيراً طبيبين مجهولين يعملان في مستشفى صغير , توصلا بعد عمل متواصل الى أيجاد علاج لمرضه , لا يمكن أبداً أن أكافئهما كما يجب.....
منتديات ليلاس
نهض وأخذ فيفيان وتوجها معاً الى المنزل , وتساءلت فيفيان وحنجرتها تكاد تختنق , هل بأمكان المرء أن يكون سعيداً وتعيساً في آن واحد؟
نصح الأطباء المريض أن يرتاح كثيرا أذا أراد أن يشفى بسرعة , وبدلا من أن يلعب روبرت في حوض السباحة أو في الكروكيه كان يجلس مع فيفيان وترانت تحت قنطرة قريبة من المنزل.
أستمرت الفتاة بالأبتسام والثرثرة , لكن عقلها كان بعيداً , أحياناً كانت تشاهد ترانت ممدداً قربها على الكرسي الطويل , بأمكانه أن يلمسها لدنوها منه لكن ذلك أصبح مستحيلاً الآن , لذلك كانت تشعر بألم قوي لم تعد قادرة على تحمله.
وذات يوم , وفي فترة بعد الظهر ,كانت تقرأ قصيدة بصوت مرتفع وتحاول أن تجد الأيقاع المطلوب مع كل بيت حين هز روبرت رأسه وقال:
- أبدا لن تتوصلي الى الأيقاع اللازم , أسمعيني جيدا: أحبك بأيمان طفولتي ........ والآن دورك أنت.
بدأت بلهجة متأرجحة:
-أحبك..........
فجأة وراءهما أكمل صوت يقول:
- أحبك مع النسيم , مع الأبتسامة , مع دموع كياني كله , وأذا شاء الله سأحبك أكثر حتى بعد موتي.
ران الصمت ,كانت الكلمات صادقة الى درجة أن الجميع تأثروا بها , ألتفتت فيفيان ببطء ثم أنتفضت في مقعدها وقالت بأستغراب:
- لوسي.
- صباح الخير يا فيفيان , سمعت صوتك , جئت الى هنا في عطلة قصيرة وأردت أن أسأل عنك , لا مانع لديك , على ما أظن؟.
كانت فيفيان مندهشة كلياً , لوسي في طنجة! , كان شعر صديقتها الأشقر ينسدل على كتفيها بتجعيد بسيط وكانت ترتدي فستاناً جميلاً ووجهها يتألق فرحاً , فهمت فيفيان أن الرسالة الأخيرة التي كتبتها للوسي هي أحد أسباب مجيئها الى طنجة , كانت لوسي متألقة سعيدة الى درجة أنها كانت تبدو جميلة.
قال المريض الذي بدا عليه الأنجذاب بالفتاة الجديدة:
- ماذا تنتظرين يا فيفيان لتقدمي كرسيا الى ضيفتنا الرائعة؟.
لم تجرؤ فيفيان أن تنظر الى ترانت فقالت:
- أقدم لكما لوسي مايلز , صديقتي من أنكلترا , لوسي , أقدم لك روبرت وترانت.
نهض هذا الأخير وقدم لها كرسياً وقال:
- أنا سعيد للتعرف أليك , يا لوسي.

*****

يتبع..

Rehana 17-04-10 08:28 AM

وما أن جلست لوسي في الكرسي حتى أسرع المريض يقول:
- أين تعلمت ألقاء الشعر هكذا ؟ لا شك أنك قرأت هذه الأبيات مئات المرات لتلقيها من دون أي خطأ!.
أجابت بأبتسامة قبل أن تخرج من حقيبة يدها كتاباً صغيراً مغلفاً بالجلد:
- آه , ليس الأمر صعباً ! معي هنا كل قصائد براونينغ وعندما أشعر برغبة في القراءة أخرجها من حقيبة يدي .
تناول الكتاب من يديها وقال:
-يا ألهي! أنه رائع! كنت أجهل وجود مثل هذه الجوهرة.
ثم أشار الى كتبه السميكة الموضوعة على الطاولة قربه:
- هذه كتبي!.
- بأمكان أي أنسان أن يشتريها من السوق , أذا أعجبك كتابي , أقدمه لك.
- آه , يا ألهي, لا! لا أجرؤ أبداً !.
ثم فكر ملياً وقال:
- توصلت الى نتيجة تعجبك , بأمكاننا أن نتبادل الكتب , لدي كتاب قديم لبراونينغ مع أمضائه على الصفحة الأولى.
- آه أود أن أراه.
- سأريك أياه ,لم نقدم المشروبات المنعشة لضيفتنا ؟ هل تشربين الشاي؟.
توجهت فيفيان الى المنزل , وفي المطبخ أخرجت الصينية والصحون والفناجين ووضعت الحلوى في صحن عميق , ولما بدأ الماء يغلي , سكبته في أبريق الشاي الفضي , وحملت كل شيء الى الخارج .
ولما وصلت الى القنطرة كانت لوسي وروبرت منغمسين في مناقشة حاسمة.
- أبداً, أليزابيت كانت أول أمرأة يكون لها أسم بارز في الأدب الأنكليزي , قصائد زوجها الأولى كانت منقولة ولا أحد كان معجباً بشعره".
- عظيم , لكن ذلك كان قبل زواجها ,أليزابيث بارت تكبر براونينغ بست سنوات , لا تنسي ذلك!.
- صحيح , لكن خلال الخمسة عشرة سنة التي قضتها أليزابيت مع زوجها في أيطاليا أنتجت لها فيها دواوين كثيرة.
تقدم ترانت من فيفيان وأخذ عنها الصينية , وراحت هي تقدم الشاي والحلوى , فأكل الجميع بشهية , وفي نهاية الحديث توصل روبرت ولوسي الى القول بأن أليزابيت باريت بروانينغ لم تعد تعتبر شاعرة من الدرجة الأولى , وبينما كانت فيفيان تضع الفناجين الفارغة على الصينية , نهضت لوسي متوردة الخدين وقالت:
- من الأفضل أن أذهب الآن , وصلت صباح اليوم ولم أفرغ حقيبتي بعد.
قال روبرت متلألىء الوجه:
وماذا عن الكتب؟ سأجلبها لك يوماً ,من دون أن أستعمل الكرسي الهزاز ,من حسن الحظ أن أستعمالها ليس الا مؤقتاً , بعد بضعة أسابيع لن أعود بحاجة اليها.
تدخلت فيفيان في الحديث وقالت:
- أعرف أين هي الكتب , ربما تحب لوسي أن تصعد الى غرفتي لتغتسل قليلاً قبل رحيلها.

*****

يتبع..

Rehana 17-04-10 08:30 AM

وافق المريض قائلاً:
- أنها لفكرة جيدة!.
ولما دخلت الفتاتان الى غرفة فيفيان , أرتمتا في ذراعي بعضهما.
- لوسي!.
- فيفيان!, أنت رائعة , لقد نحلت قليلاً وتخليت عن نظرتك القاسية.
- أما أنا , فلم أعد أعرف صديقتي العزيزة , لوسي مايلز!.
- والدي يقبض الآن مساعدات من الحكومة لتمويل المزرعة , فهو الآن مرتاح مادياً ,وصلتني رسالتك قبل أمس وأشتريت بطاقة السفر في الحال.
- لم تكن مهمتي سهلة ,يا لوسي.
- ليس روبرت على علم بالأمر , أليس كذلك؟.
- كلا.
- المهم أن يشفى.
صرخ روبرت من تحت النافذة :
- هيه, هوه! ماذا تفعلان معاً؟.
أبتسمت الفتاتان ودخلت لوسي الى الحمام لتغسل وجهها ويديها بينما صعدت فيفيان للبحث عن الكتب , ثم نزلتا معاً وخرجتا الى الشرفة , كان المريض برفقة ترانت وهارون.
أعلنت لوسي للمريض:
- أنه كتب رائع! أعدك بأن أعتني به جيداً.
ثم أستدارت نحو فيفيان وقالت:
- هل تتفضلين وتطلبين لي سيارة تاكسي؟.
صرخ المريض بأستغراب:
- سيارة تاكسي! لن ندعها تعود الى الفندق بسيارة التاكسي , أليس كذلك يا ترانت؟.
أجاب ترانت قائلاً:
- عبدول يغسل سيارة الليموزين , سأطلب منه أن يعجل .
بعد قليل تقدمت سيارة الليموزين أمام الباب , نزل منها السائق وفتح الباب .
, صعدت لوسي وقال المريض لفيفيان:
- قولي لصديقتك أن تأتي الى كوديا متى شعرت برغبة بذلك , أليس كذلك يا ترانت؟.
أجاب ترانت بأبتسامة:
- أصدقاء فيفيان أهلاً وسهلاً بهم الى كوديا.
ألتفت روبرت الى لوسي , وقال:
- أذا لم يكن لديك مشاريع أخرى.........طبعاً.
أجابت لوسي بخجل:
- جئت الى هنا لأقضي عطلة أسبوعين ولم أخطط لشيء حتى الآن.
أقلعت السيارة وأبتعدت في الجادة , وفي طريق العودة الى الفيللا , همس المريض بلهجة حالمة:
- لقد ألقت هذه الأبيات كأنها وضعت خصيصا لها.
عادت لوسي الى الفيللا في اليوم التالي بعد الغداء , وأرتدى روبرت ثياباً جميلة ليكون لائقاً لأستقبالها , وفي قميصه البيضاء وسرواله الأزرق القصير كان يبدو رائعاً , أراد أن يرى الحديقة للضيفة الجديدة.
منتديات ليلاس
*****

يتبع..

Rehana 17-04-10 08:32 AM

فأقترح عليها قائلاً:
- سآخذك لزيارة شجر الأرز.
نهضت فيفيان وأستعدت لجر الكرسي عندما سألتها لوسي بصوت متردد:
- هل بأمكاني أن أدفعها بنفسي؟.
- طبعاً!.
ثم أضافت فيفيان بعد تفكير سريع:
في كل حال , لدي أعمال كثيرة داخل غرفتي , ما دمت هنا , يا لوسي ,سأفيد لأنهياها قبل أن تتراكم علي.
أبتعدت عنهما ودخلت الى المنزل , وفي غرفتها بدأت في العمل , وفي الأيام التالية , راحت فيفيان تنهمك في تنظيف غرفتها وغسل ثيابها وتلميع الزجاج والأثاث , في هذا الوقت , يثرثر روبرت مع لوسي قرب حوض السباحة أو يجلسان تحت شجر الأرز القديمة أو يتنزهان قرب سبيل الماء ويراقبان البحر واليخوت وقوارب الصيد البعيدة.
ومضت الأيام وعشية سفر لوسي , كان روبرت وترانت وفيفيان جالسين في قاعة الأستقبال المطلة على الشرفة , كان المريض في كرسيه وفيفيان تطرز منديلاً وترانت يقرأ الصحف .
بدا على روبرت الأضطراب وهو يصغي الى الخارج لعله يسمع خطوات في الممر , ثم أعلن قائلاً:
- فيفيان.... أريد أن أحدث معك في موضوع طالما رغبت في البدء منذ مدة وجيزة , هل تتذكرين اليوم الذي وعدتك فيه بأشياء معينة......... لدى عودتي من المستشفى , لكن في الواقع كنت في حالة غبطة لا متناهية , ليس حسناً أن يستعجل المرء الأمور ...... هل تفهمين ما أريد قوله؟ لا يجوز أستعجال الزواج و.........
قاطعته قائلة:
- أفهمك , أمور كثيرة حصلت منذ ذلك الوقت , وصول لوسي , مثلاً.........".
تدخل ترانت في الحديث وقال:
- أنه فرح كبير أن نتعرف اليها ونستقبلها في منزلنا , أنا آسف أنها راحلة في الغد!.
أحمر وجه المريض وقال بصوت مرتاح :
- ربما تبقى مدة أطول , أذا سمح لها والدها بذلك! كما أنها دعتني للذهاب الى أنكلترا وزيارتها في المزرعة التي تعيش فيها!.
قال ترانت ضاحكاً:
- كم العالم صغير!.
- ها هي!.
تقدم قليل ,دوت الأصوات والضحك العالي في أنحاء الحديقة كلها , ثم أختفت بعد أبتعاد روبرت ولوسي .
وفي غرفة الأستقبال كان الصمت ثقيلاً , فيفيان تطرز وترانت يراقبها , رفعت نظرها اليه فأشتبكت بنظراته لكن لم ينطقا بكلمة واحدة مدة طويلة , أخيراً قال ترانت:
- تعالي.
وضعت نولها جانباً ونهضت, وبعد لحظات أصبحت بين ذراعي ترانت الذي راح يعانقها , أنه عناقهما الأول منذ أسابيع.
أخيرا قال لها :
- لنجلس الآن.
توجها معاً الى الكنبة فقال:
- ما رأيك أن تعيشي في هذا المنزل الجميل؟.

*****

يتبع..

Rehana 17-04-10 08:35 AM

- المنزل رائع لكنه ضخم جدا بأثاثه القديم.
وافق معها وقال:
- أشتريته من دلوماسي فرنسي , أضفت اليه بعض المنتجات المغربية , لكن حسب رأيي ينقص الديكور لمسة أنثوية".
- بأمكاننا البدء بالأستغناء عن بعض الأثاث.
- وأقامة الحفلات , أريد أن يتعرف جميع أصدقائي في طنجة الى زوجتي.
- يجب أعلام روبرت في الأمر.
- لا أعتقد أن هذا الخبر سيدهشه , فهو أنسان حذر ومتيقظ.
- لكنه لا يعلم بالخدعة!.
- سيعلم بها يوماً ما , هذا لا أهمية له ما دام يحب لوسي .
- أحبها دائماً وكان شعوراً متبادلاً , هل ما زلت مستعداً للتأكد أن الحب في المراسلة لا يدوم؟.
- عندما أضمك بين ذراعي , أعترف بكل شيء.
- هل تعترف بأنك كنت تضايقني من دون شفقة فيما يتعلق بموضوع الكازينو؟.
أجاب ضاحكاً:
- كنت أنتقم! لو تعرفين العذاب الذي عانيته وأنا أراك مع أخي في حوض السباحة , لقد عشت جحيماً , حاولت أن أبعدك عن أفكاري , من دون جدوى , لكنك كنت هنا ,قربي ........ ولم أكن أتحمل ذلك!.
- وأنا , في ذلك الوقت ,كنت أعتقد أنني واقعة في حب غاري , في كل حال كنت أجدك أنساناً عاتباً , ومستبداً.
- في تلك الليلة , في مكتبي , أنت وغاري كنت أعتقد أن حباً كبيراً يربطكما ! كنت على وشك أن أقتله! أخبريني عنه.
- ليس هناك ما يستحق القول ,كنت أعتقد أني واقعة في حبه , أنا سعيدة لأنني رأيته من جديد لأنني الآن مرتاحة لأبعاده عن مخيلتي.
-وأنا مسرور من أجلك.
- بأمكاننا أن ننظم عرساً مزدوجاً.....
- لا , على أخي أن ينتظر بضعة أسابيع قبل أن يشفى تماماً ,لكن بأمكانهما أن يكونا ضيوف الشرف في العرس , ما رأيك؟.
- رائع جداً!.
- ما رأيك برحلة شهر العسل نقضيها في جزيرة تاهاد؟.
- وحدنا؟ لا أعرف فن الطبخ مثل موريس!.
- هذا أمر ثانوي , لديك مواهب أخرى تعوض عن ذلك!.
- ترانت كولبي , ألا تخجل؟.
أخذها بين ذراعيه وقهقه ضاحكاً فقالت:
- وما سيحل بالكازينو؟.
- سأبيعه وأجد لنفسي عملاً آخر , لكن دعينا من هذا الموضوع الآن.
راح يداعب فم الفتاة فقالت بزم:
- أنت بحاجة للعمل لتعرف طاقتك.
- لا أريد أن أصرف طاقتي كلها!.
- حان الوقت لنذهب في نزهة!.
تأبط ذراعها وراحا يمشيان بخطى بطيئة في أرجاء الحديقة حتى جاء الغسق ولف المدينة بنوره الوردي الخافت , ومن أعالي المنارات بدأ المؤذن يدعو المؤمنين الى الصلاة , تهيأ للفتاة أن العالم كله يذيع حبها , حب ترانت وفيفيان.
منتديات ليلاس

Rehana 17-04-10 08:43 AM

تمــــــــــت

أتمنى لكم قراءة ممتعة..:flowers2:

زهرة الماس 20-04-10 12:33 AM

يسلمووووووووووووووووووووووووووو

الجبل الاخضر 20-04-10 09:01 PM

:55::55::55::flowers2::flowers2::flowers2::55::55:
تسلمين لكي من اجمل تحيه انتي الاروع قمر زي اختيارك شكرا لك

Rehana 21-04-10 10:45 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الماس (المشاركة 2271231)
يسلمووووووووووووووووووووووووووو

الله يسلمك ..زهرة

سعيدة بمرورك

Rehana 21-04-10 10:46 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2272016)
:55::55::55::flowers2::flowers2::flowers2::55::55:
تسلمين لكي من اجمل تحيه انتي الاروع قمر زي اختيارك شكرا لك

كلك ذووق ..خضراء

والله يسلمك ويحفظك

قماري طيبة 02-05-10 08:49 PM

رواية رائعة سلمت يداك عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

Rehana 02-05-10 11:18 PM

الله يسلمك حبيبتي ..قماري

ماننحرم مرورك العطر

moura_baby 16-10-10 12:47 AM

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه...

Rehana 16-10-10 09:33 PM

ووالديك شكرا لدعاءك

والله يعافيك

أحاااسيس مجنووونة 17-10-10 01:35 AM

يعطيك الف عافية رواية كتيرحلوة
وسلمت اناملك يا الغلا



http://files.fatakat.com/2010/1/1262984622.gif

Rehana 19-10-10 10:28 PM

الله يسلمك ام مريومة

سعدت بمرورك العطر:flowers2:

asmaa_amr 20-10-10 07:40 PM

شكرا على الرواية الروعة ويعطيك العافية

Rehana 22-10-10 10:33 AM

العفوووو والارووع مرورك والله يعافيك يارب

ساكنه 28-07-11 08:53 PM

الف شكر وتسلم الايادي الراااااااااااااااااااااااااااااااااااائعة ودمتى لي في قلبي سكنة

hoob 30-07-11 12:31 AM

تسلمىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى
روعه جدا

أموووله 30-07-11 12:44 PM

ريحانة حببتي يعطيك الف عافيه مجهودك مميز ^_^ شهرك مبارك

ندى ندى 15-11-11 01:57 AM

روووووووووووووووووووووووووعه

Rehana 08-01-12 08:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساكنه (المشاركة 2825120)
الف شكر وتسلم الايادي الراااااااااااااااااااااااااااااااااااائعة ودمتى لي في قلبي سكنة

سكنة ياقلبي .. الارووع تواجدك فيها
ودمتي لي

Rehana 08-01-12 08:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hoob (المشاركة 2826257)
تسلمىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى
روعه جدا

تسلمى لي
الارووع تواجدك فيها

Rehana 08-01-12 08:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أموووله (المشاركة 2826823)
ريحانة حببتي يعطيك الف عافيه مجهودك مميز ^_^ شهرك مبارك


امووووووووووووولتي ياقلبي
من زمااااااااان عنك .. فديتج
وشهر ومبارك عليكم
والله يعافيك

Rehana 08-01-12 08:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ندى (المشاركة 2928895)
روووووووووووووووووووووووووعه

الارووع مرورك.. ياندى

نجلاء عبد الوهاب 27-07-22 04:50 PM

رد: 129 - الفجر في الغسق - روميليا لاين - عبير القديمة ( كاملة )
 
:ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1: :ma1::ma1::ma1::ma1::ma1::ma1:


الساعة الآن 03:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية