ملف كامل عن سلطنة عُمان ... من الألف إلى الياء !
سلطنة عُمان عبرَ التاريخ ( 1 ) جغرافية عُمان السياسية http://www.nsaom.org.om/arabic/images/regionalmap.gif تبرز الأهمية الإستراتيجية لموقع عمان منذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على خارطة العالم فهي تحتل قلب العالم الإسلامي وعند شواطئها تنتهي الحدود الشرقية للوطن العربي . ومن هذا الموقع الذي يمثل قلب الدائرة عند مدخل الخليج العربي تشترك عمان وإيران في التحكم في مدخل أغنى مناطق إنتاج البترول في العالم وذلك عن طريق مضيق هرمز , الذي يمر به أكثر من 60% من إمدادات العالم النفظية كما يمر به نحو 90% من واردات اليابان النفطية و 70% من واردات السوق الأوروبية المشتركة و50% من إحتياجات الولايات المتحدة الإمريكية . ويمكن تلمس الجوانب السياسية للمكان الجغرافي ضمن ثلاث مراحل في تاريخ عمان : المرحلة الأولى منذ أوائل التاريخ القديم كانت المناطق المجاورة للأطراف الشرقية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية مكاناً لنشاط عدة سلطات سياسية , سيطرت على الطرق البرية والبحرية والتجارية التي تنصب إليها أجزاء العالم القديم المعروف في أسيا وإفريقيا وأوروبا . وحينما أصبحت الدولة الإسلامية أكبر دول العالم في العصور الوسطى أخذت أطراف الجزيرة العربية على الخليج العربي وعلى خليج عمان تسترجع مكانتها على طرق التجارة العالمية القديمة . المرحلة الثانية وهي مرحلة الركود التي تبدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حيث تسببت أحداث كثيرة في تدهور أوضاع المنطقة ومن أهم هذه الأحداث تسلل البرتغاليين وسيطرتهم على البحار الشرقية وهذا أسقطت كل المنطقة بما فيها عمان في ركود طويل نتيجة لفقدان أهميتها المركزية في طرق التجارة العالمية . المرحلة الثالثة : وهي التي تبدأ منذ منتصف القرن السابع عشر حيث طهرت دولة اليعاربة في عمان ونجحت إلى حد كبير في كسر شوكة العدو الذي لا يقهر بينما راحت قوى أوربية جديدة – الإنجليز والهولنديون والفرنسيون – تتفاعل مصالحهم وتتصادم بهدف التحكم في منطقة الخليج وبلغت هذه التفاعلات درجة كبيرة من التعقد والتشابك . لقد أدركت عمان أهمية موقعها وسط طوفان العلاقات الدولية المتصادمة لذلك سعت من أجل جعل الخليج منطقة سلام وهذه السياسة لم تكن مجرد إستجابة سلبية لأهمية الموقع الجغرافي بل كانت إستجابة لدواعي التنمية والتقدم لذا فقد حرصت عمان على تنمية علاقاتها الدولية من خلال علاقات متوازنة مع جميع دول العالم دون النظر لطبيعة نظمها السياسية والإقتصادية . يصعب فهم مكونات الجغرافية السياسية لعمان دون التعريف بالخطوط العريضة للأرض العمانية التي تشكل المسرح البيئي الذي تجري فوقه الأحداث السياسية وتستأثر البيئة الساحلية بقسط كبير من نشاطات الإنسان العماني فعند سواحل عمان تنتهي كتلة شبه جزيرة العرب التي يسميها البعض كتلة الدرع العربي وعلى مسافة قريبة من الساحل تمتد الشعاب المرجانية الصالحة لوجود محار اللؤلؤ الذي لعب دوراً في التخفيف من حدة المشاكل الإقتصادية لفترة طويلة من الزمن . فإذا ما إنتقلنا إلى بيئة اليابس فهناك بيئات طبيعية تماثل الوجه الأخر من قصة صراع الإنسان العماني مع البيئة وهو يكافح في صنع حياته ومستقبلها . وتتكون المناطق الداخلية من عمان من هضبة قديمة يصل إرتفاعها إلى أكثر من 1300م ينتصب وسطها الجبل الأخضر الذي يصل إرتفاع بعض جهاته إلى أكثر من 3000م , وتحدد الأودية التي تتجه من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي سفوح هذه المناطق المرتفعه المنحدرة بإتجاه السهول الساحلية . وتشكل هذه السهول الساحلية مع المناطق الجبلية المرتفعه المجال الواسع الذي يمارس فيه العمانيون نشاطهم الزراعي حيث تسبب الرياح الموسمية الصيفية كمية من الأمطار لا تقل عن 250مم , ولأسباب جغرافية بيئية فقد تركز معظم العمانيون في محافظة مسقط ومنطقة الباطنة إذ يسكنهما ما يزيد قليلاً عن نصف عدد سكان عمان وإذا أضفنا محافظة ظفار كدنا نحصل ما يقل قليلاً عن ثلثي عدد سكان عمان . أما التوزيع الفعلي للسكان في الوقت الحاضر فقط إختلف كثيراً عما كان عليه في الماضي بسبب برامج التنمية التي إستوعبت كل مناطق عمان . ويتميز العمانيون بأنهم من أكثر الشعوب إرتباطاً ببيئتهم وخصوصاً أهل الريف والبادية لذا كانت نسبة سكان الريف حتى مطلع الثمانينات تصل إلى 75% من مجموع عدد السكان ويبدو هذه النسبة قد إنخفضت مع نهاية الثمانينات بسبب الهجرة الداخلية إلى أن دراسات الاسقاط المستقبلي في ضوء إرتباط العماني ببيئته وفي ضوء مشاريع التنمية للمجتمعات الريفية والبدوية تبين أن هذه النسبة لا تزال 50% في أوائل هذا القرن . |
( 2 ) جغرافية عُمان الإستراتيجية http://www.omanss.com/book/data/data1/images/Oman.gif ليس من قبيل المصادفة أن دولاً بذاتها لعبت دوراً حضاريا فاعلاً في عمر البشرية ، بينما دولاً أخرى لعبت دوراَ متواضعاَ , فالموقع الجغرافي لبلد ما يعد محطة لشبكة من العلاقات والقيم الحضارية , وقد إعتبر بعض المؤرخين الموقع بمثابة محظة الموارد الطبيعية للثروة القومية وعدها رأسمالاً طبيعياً وسياسياً أصيلاً . بل أن الموقع الجغرافي يعد في حالات كثيرة الرأسمال الحقيقي لعدد من الدول التي إستثمرت موقعها بجدارة فائقة . وعمان تعد واحدة من الدول التي يصعب فهم تاريخها خارج إطار جغرافيتها , لأن إمكانات الموقع لا تحقق نفسها بنفسها بل من خلال الإنسان , ولأن هذه الإمكانات لا تظهر كاملة كطفرة واحدة وإنما تنمو وتبرز وتتطور في عملية حركية حيث تتفاعل العناصر الجغرافية والتاريخية بحركة منتظمة أحياناً وعشوائية في بعض الأحيان . وهكذا إكتسب موقع عمان أهميته عبر قرون وحقب تاريخية من خلال مراحل محددة ومتميزة كل مرحلة تنكشف فيها طاقات جديدة محصلتها في النهاية رصيد ضخم من التراث الحضاري . وإذا كانت عمان تتميز بموقع جغرافي فريد بحكم تميز حدودها الجغرافية الطبيعية فإن هذا الموقع قد حفظ لها شخصيتها المستقلة وأصبح إتصالها بالبحر من سماتها الواضحه وكان تنوع أقاليمها الجغرافية في مقدمة العوامل التي جعلت من جغرافية عمان رصيداً قومياً ضخماً , فإمتداد السواحل لأكثر من 1700 كيلومتر وتميزها بكثرة الخلجان الطويلة العميقة , وفي الداخل جبال بها سفوح سكنها الإنسان العماني منذ أقدم العصور إلى أودية إنحدرت من هذه الجبال وشكلت منظومة طبيعية إضافة إلى الصحاري التي كانت دائماً متنافساً للقبائل الضاربة في الصحراء . لقد ضمن كل هذا التنوع مساحة من الأرض تقدر بـ 312 ألف كيلومتر مربع , بيد أن عمان الحالية لا تمثل بلاد عمان في السابق , فقد كانت تشمل بعض الأقاليم المجاورة حيث كانت تمتد جنوباً حتى الشحر وغرباً حتى الربع الخالي وتتصل بالبحر من الجهات الشرقية والجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية وتحد من الشمال بالبحرين . لقد كان كل هذا التفرد في الموقع نتيجة هامة حيث سلك العمانيون طريق البحر ونبغوا في ركوبه والاستفادة منه حتى اصبحت بلادهم قاعدة الخليج الأولى التي تتحكم في مداخلة من الجنوب وحلقة الوصل الرئيسية بين عالمين عالم الشرق الأقصى ممثلاً في الهند والصين وجنوب شرق أسيا من جهة وشرق إفريقيا ومصر ومنها إلى غرب أوروبا من جهة أخرى . واللافت للنظر في جغرافية عمان أن إرتباط اليابس بالبحر يعد قاعدة إستراتيجية حيث وجد العمانيون أنفسهم أمام وضع جغرافي جعلهم في حالة من الإستنفار الدائم . لذا فإننا نستطيع ان نقول أن التوازن بين البحر واليابس شكل حلقة من حلقات النضال المتواصل ومن أجل ذلك فقط إرتبط الماء باليابس في منظومة متناغمة شكلت في مجملها كل هذا التراث التاريخي الضخم . وإذا كانت ثمة خاصية واحدة تميز بها موقع عمان الإستراتيجي إستمرت وأصبحت من الثوابت فتلك الخاصية هي إنها كانت دائماً إقليماً فاعلاً , قطب قوة وقلب إقليم , حتى وهي محتلة أو مجزأة فلقد كانت مركز دائرة وليس هامش دائرة أخرى . لا شك إن هذه الخصوصية الجوهرية التي تكاد تنطوي على متناقضات مثيرة لا يمكن إرجاع اسبابها إلا إلى جذور جغرافية أصيلة . والحقيقة المؤكدة في شخصية عمان الإستراتيجية هي إجتماع موقع جغرافي أمثل مع موضع طبيعي مثالي وذلك في توازن وتناغم عجيبين , فإذا كانت الصحراء دائماً من ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي منذرة بالخطر وإستنفار الهمم فإن البحر بغموضه وتحدياته كان يدق من الجانب الآخر , وهكذا عاشت عمان دائماً في حالة من الخطر الذي يتناسب طردياً مع أهمية الموقع إلا إنه خطر من النوع الذي يثير الهمم ويفتق الذهن ويبعد الإنغلاق . وإذا كانت الجغرافية وراء السياسة فلعلها تنفق بشكل لافت مع عمان التي تعكس شخصيتها الإستراتيجية ملامح سياستها الخارجية والداخلية بدقة متناهية بما يؤكد مقولة ديجول الشهيرة ((الجغرافية هي قدر الأمم (( بل هي العامل الثابت في صناعة التاريخ , لذا فقد قدر لعمان أن تكون قوة برمائية تضع قدماً على اليابس وأخرى على الماء وتجمع بذلك بين ضفتي قوة البر والبحر بدرجات متفاوتة , لكن في الغالب كان نداء البحر أقوى من جاذبية القاعدة وفي جميع الحالات التي إنطلق فيها العمانيون عبر المحيطات والبحار كأن البحر واليابس يتفاعلان بطريقة متناغمة فاليابس عمقاً إستراتيجياً لتربية الرجال وزراعة الأرض وصنع الحضارة , والبحر مجالاً حيوياً لتصدير تلك الحضارة والقيم الإنسانية .. وهكذا تحققت كل الأعمال الكبيرة حينما إرتبط البحر باليابس وتفاعلا معاً في منظومة جغرافية مثالية لا تتكرر كثيراً . |
( 3 ) عُمان في التاريخ القديم http://www.sfari.com/photo/data/34/Khanjar.gif لقد كان تاريخ عمان القديم يكتنفه الغموض إلا بقدر ما تسمح به المصادر العربية القديمة وبعض المصادر الأجنبية من معلومات مشوهة أحياناً وغير حقيقية في كثير من الأحيان . ومنذ عصر النهضة العمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها إكتشاف مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العماني الشرقي والغربي ترجع إلى الالف السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات إخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى الآلف الخامس قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمه وأمتعة شخصية تشير إلى ان سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما احترف بعضهم مهنة قنص الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري . وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي اجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى , ففي دراسة نشرها كل من ب كوستا , ت. ج ولكنسن حلو منطقة صحار قدم المؤلفان معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التتي ترجع أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية . كما قدم الباحثان (كوستا وولكنسن) تقريراً علمياً دقيقاً يؤكد وجود مناطق تعدينية لإستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلومتراً على سفح جبال الحجر الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في مطلع الآلف الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة إستمرار إستغلال هذه المناجم إلى العصور الإسلامية . كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن إستخدام النحاس منذ القرن الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عمان عن طريق الرحلات البحرية في الخليج . ومنذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد أخذ إستخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول , لذا فقد أخذت التجارة العمانية تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية الواسعة فيما عرف بطريق البخور . لقد تضاعفت أهمية تجارة عمان منذ الألف الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العمانيين على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العمانيون من الهند ويقومود بنقلها إلى بقية الأسواق العربية , ومما يستلفت النظر إن إسم (مجان) قد أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألف الأولى قبل الميلاد , حيث شمل جميع الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية إبتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز . وعموما فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العمانيون بديلاً في اللبان والبخور والخيول والمنتجات الهندية والصينية , ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى الحرف التقليدية التي إمتهنها العمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة وبرعوا في توفير المياه من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما يؤكد مقدرة الإنسان العماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في إستغلال المياه من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عمان ثم يقول (لقد أجرى الملك إليها نهراً مسافة أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب . وعموماً فإن هذه الرواية تقدم دليلاً على تفنن العمانيين في شق الأفلاج بما يؤكد تفاعلهم مع الطبيعة وتفننهم في إستخدامها تحقيقاً لخلق مجتمعات مستقرة لديها من الأنماط الحضارية ما يقيم دليلاً على إنها مجتمعات غاية في القدم . |
( 4 ) عُمان في النصوص المسمارية من الحقائق التاريخية أن عمان كانت لها علاقات تجارية ببقية مدن الخليج العربي قبل أن يتكون القسم الجنوبي من العراق في حدود 5000 سنة قبل الميلاد وأن سفناً عمانية كانت تأتي إلى المدن العراقية القديمة وعندما بدأ يتكون هذا القسم وبدأت قراه الزراعية تتحول تدريجياً إلى مدن برزت حاجته إلى الأحجار والنحاس والاحجار الكريمة لذلك بدأت سفن (مجان) تأتي بتجارتها إلى المدن العراقية لبيعها هناك ولهذا السبب فقد سمح حكام جنوب العراق لسفن (ملوخا) و (مجان) و (دلمون) بأن ترسو في موانئهم وتشير النصوص المسمارية إلى أن مدناً عمانية كان لها الباع الطويل في العلاقات التجارية بين العراق وبقية مدن الخليج قبل ظهور النشاط البحري للسومريين ومن أهم هذه المدن : 1. ملوخا : إن إسم ملوخا في النصوص المسمارية يعني المواد كثيرة النقاوة وهذه التسمية تنسجم إلى حد كبير مع نوعية المواد التجارية التي إستوردها سكان بلاد وادي الرافدين من مدينة ملوخا وهي الأسم القديم لمنطقة رأس الحد حيث ذكر الملك سرجون الأكادي بأنه قد إستورد من ملوخا خشب الساج وحجر المرمر كما ذكر الأمير كوديا (2144/2124 قبل الميلاد) بأنه قد إستورد من ملوخا الأحجار الكريمة والملابس وحجر الأزورد ومعدن النحاس والزنك والذهب وهذه المواد تتميز بالصفاء والنقاء والجودة لذلك سميت هذه المدينة ملوخا أي المواد كثيرة النقاوة . وتؤكد الدراسات المسمارية القديمة أن حجر الأزورد كان ولا يزال موجوداً في أفغانستان وأن العراقيين لم يستوردوا هذا الحجر بأنفسهم وإنما من خلال ملوخا والتي كان يعمل تجارها كوسطاء لتزويد العراق بهذا النوع من الحجر . 2. مجان : أجمع المتخصصون في الدراسات المسمارية القديمة أن الإسم الحديث لمجان القديمة هو عمان وأن تجار بلاد وادي الرافدين قد إستوردوا من مجان حجر الدايوريت وأن السفن العمانية كانت تجلب هذا الحجر بطلب من التجار العراقيين منذ عام 2340/2284 ق.م وقد فضله العراقيون على الذهب حيث صنعوا منه الاختام الأسطوانية والأوزان بسبب صلابته الشديدة وندرته في العراق لكي يسدوا الطريق أمام المتلاعبين بالأوزان والأختام , إضافة إلى ذلك فقط قام تجار ملوخا بتوريد الأخشاب إلى العراق حيث يتخارون الأنواع الجيدة وينقلونها من الهند إلى العراق وإن العلامات المسمارية التي كتبت بها مدينة مجان قد أكدت شهرة المدينة بصناعة السفن التجارية لأن إسمها كان يكتب بالعلامتين (ما) التي تعني سفينة و (جان) وتعني هيكل وبذلك يكون معنى الإسم كاملاً هو (هيكل السفينة) ومما يضاعف من هذا الإعتقاد هو إن عمان خلال الفترة العباسية وحتى أوائل القرن التاسع عشر كانت مشهورة بصناعة السفن , وبناء على هذه الحقائق يمكننا القون بأن (مجان) هي التي كانت تزود دلمون (البحرين) بالسفن وتزود غيرها من المراكز التجارية في الخليج العربي خلال العصور القديمة . 3. جوبن لقد ورد في كتابات الحاكم كوديا 2144/2123 ق.م إسم مدينة جوبن مباشرة بعد مدينة ملوخا ومجان وذكر بأنها موطن شجر الخالوب (البلوط) وهذا النوع من الأخشاب كان يستورد من مجان لذلك فقد حدد علماء الدراسات المسارية موقع مدينة جوبن في منطقة الجبل الأخضر لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في جنوب شرق الجزيرة العربية التي تمتلك أشجار يحتاج العراق إلى أخشابها علماً بأن إسم هذه المدينة لم يذكر في المصادر المسمارية التي سبقت فترة حكم الأمير كوديا لذلك فمن المرجح أن هذه المدينة قد بدأت تلعب دورها التجاري في الربع الأخير من الألف التالثة قبل الميلاد وقبل هذا التاريخ كانت مجان تقوم بمهمة تصدير أخشابها . وتؤكد الدراسات المسمارية أن تجارة الخليج العربي في العصور القديمة كانت قاصرة على عمان والعراق أما بقية المدن الأخرى فقد كانت بمثابة محطات لرسو السفن فقط . |
( 5 ) ظفار وتجارة اللبان في العصور القديمة لعبت ظفار دوراً حضارياً فاعلاً في التاريخ القديم بحكم كونها مصدراً أساسياً للبان والصمغ اللذين كانا في مقدمة السلع التي تحظى بإهتمام كبير في العالم القديم مما أثار أهتمام المؤرخين القدامى منذ عام 400 قبل الميلاد بداية من هيرودوت وبيليني وبطليموس وإنتهاء بأسترابو وديودورس وجميعهم قد خلقوا لنا إنطباعاً عن أهمية اللبان والصمغ في نجارة العالم القديم وقد أجمعوا على ان الطلب على اللبان كان لا يضاهية طلب على أية سلعة تجارية أخرى . وقد كان ميناء رأس قرتاك (جبل القمر) هو الميناء الذي يصدر منه اللبان والصمغ إلى أنحاء متفرقة من العالم القديم أما الطريق البري فقط كان يبدأ من غرب ظفار إلى جنوب الجزيرة العربية ثم شمالاً إلى نجران حتى غزوة ومنها إلى مصر ومن أهم الطرق التي ذكرها الجغرافيون القدامى الطريق الذي يربط ظفار بشرق الجزيرة العربية حتى بلاد سومر في العراق . لقد أشار المؤرخون المسلمون إلى أوبار وحدوداً موقعها شمال ظفار بينما أشار إليها نشوان بن سعيد الحميري وحدد موقعها في المنطقة التي تقطنها قبيلة عاد (المنطقة الشرقية من اليمن) ويبدوا أن (أوبار) أو (وبار) لم تكن إسماً لمدينة وإنما كانت أرضاً واسعة وتحديد موقعها في ظفار سيظل موضع جدل لم يحسم بعد . لم يكتف العمانيون بتصدير اللبان وإنما أضافوا إليه الشحوم وصنعوا منه البخور الذي كان يستخدم في الطقوس الدينية والعلاج والتطيب وشكل هذا المنتج أهمية كبيرة في حركة التجارة خلال العصر الحجري الحديث وتشير الدراسات المسمارية القديمة إلى أن العراق قد أعتمد على اللبان والصمغ الذي يأتي من ظفار ومنذ حوالي 500 عام ق.م كانت طلبات العراق تتزايد على البخور والعطور والصمغ القادم من بلاد ظفار ومنذ عام 2000 قبل الميلاد شهدت المنطقة إنقلاباً هائلا في مناخها حيث أخذت البيئة تتجه نحو التصحر والجفاف مما ألحق ضرراً كبيراً بأشجار اللبان مما دفع سكان ظفار إلى العناية بالجمال وإستئناسها لأستخدامها في تجارة القوافل البرية وقد أثبتت الكشوف الأثرية أن تجارة القوافل البرية صارت حقيقية ثابتة بحلول عام 1500 قبل الميلاد . وبحلول العصر البرونزي والعصر الحديدي أزدهرت منطقة شصر التي شهدت مجتمعات عمرانية هائلة وخلال العصور الوسطى أشارت الكثير من المصادر إلى أهمية شصر ونشاط سكانها في تجارة البخور والخيول ويبدو أن شصر لم تفقد أهميتها التجارية إلا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي حيث هجرها أهلها إلى مناطق أخرى مجاورة . |
( 6 ) إسلام أهل عُمان لقد إختلفت الروايات التاريخية حول التحديد الزمني لدخول الإسلام في عمان , فبينما تشير الكثير من المصادر إلى أن الرسول عليه وآلهِ الصلاة والسلام هو الذي بادر بدعوة حاكمي عمان إلى الإسلام وهما جيفر وعبد أبناء الجلندي , بيد أن الذي أختلف عليه المؤرخون هو تحديد الفترة التي بعث فيها الرسول صلى الله عليه وآلهِ وسلم إلى حكام عمان حيث تذكر بعض الروايات ان ذلك قد حدث عام 6 هـ بعد صلح الحديبية إلا أن رواية أخرى تحدد تاريخ المراسلة بعد فتح مكة عام 8هـ وتذهب رواية ثالثة إلى أن ذلك قد حدث عقب حجة الوداع . ويمكن القول أن النبي صلى الله عليه وآلهِ وسلم قد إهتم بتوسيع رقعة الإسلام عقب فتح مكة وزوال المقاومة القرشية , حيث أصبح الإسلام هو القوة الكبرى في بلاد العرب عنذ ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وآلهِ وسلم رسالة إلى ملوك الدول المجاورة ومن هؤلاء ملكا عمان : جيفر وعبد أبناء الجلندي. وتشير المصادر التاريخية إلى أن الرسول صلى الله عليه وآلهِ وسلم قد أرسل كتاباً مع أبي زيد الأنصاري إلى الجلندي أو إلى جيفر عام 6 هـ ثم بعض بكتاب آخر مع عمرو بن العاص عام 8هـ وكتاباً ثالثاً إلى أهل عمان رواه أبو شداد الدمائي من أهل دما قال : جاءنا كتاب النبي صلى الله عليه وآلهِ وسلم في قطعة أدم : ( من محمد رسول الله إلى أهل عمان , أما بعد , فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله , أدوا الزكاة وخطوا المساجد وإلا غزوتكم) . وهناك كتاب أخرى رابع تسلمه عبدالله بن علي الثمالي ومسلية بن هزان , حينما قدما في رهط من قومهما على الرسول صلى الله عليه وآلهِ وسلم فأسلموا وبايعوا على قومهم وكتب الرسول لهم كتابما بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم . ونتيجة لهذه الكتب ونتيجة لأتصال بعض أهل عمان المباشر بالرسول صلى الله عليه وآلهٍِ وسلم أفرادا وجماعات إنتشر الإسلام في عمان إنتشاراً واسعاً ساعد على ذلك إن محمد عليه وآلهِ الصلاة والسلام قد جعل حكم عمان بيد أبناء الجلندي في حالة إعتناقهم الإسلام وفوض إبن العاص في جمع الزكاة من أغنياء البلاد وتوزيعها على من يحتاجها من الفقراء والمساكين . وقيل أن وفداً من الأزد قدم على رسول الله صلى الله عليه وآلهِ وسلم فقد روى أبو نعيم عن سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال : ما أنتم ؟ قلنا: مؤمنون , فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال : إن لكل قوم حقيقة , فما حقيقة قولكم وإيمانكم , قلنا: خمس عشرة خصلة , خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها , وخمس أمرتنا أن نعمل بها , وخمس تخلفنا بها في الجاهلية , فنحن عليها إلا أن تكره شيئاً منها فنتركه , فقال عليه الصلاة والسلام: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت, قال : والخمس التي أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قلنا: الشكر عند الرخاء والصبر على البلاء ولرضاء بمر القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماته بالأعداء , فقال: حكماء وعلماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء , ثم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصله , إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا مالا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شئ أنتم عنه غداً زائلون وأتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون , وأرعبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون.. فأنصرفوا وقد حفظوا وصيته صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم . لذا فلا عجب أن نجد الرسول الكريم يدعوا لأهل عمان قائلاً: (رحم الله أهل الغبيراء (أهل عمان) أمنوا بي ولم يروني) . وما كانت دعوة الرسول لأهل عمان بالخير إلا لأنه صلى الله عليه وآلهِ وسلم كان قد إستوثق من إسلامهم إسلاماً خالصاً مخلصاً من كل شائبة , وتجمع الروايات التاريخية على ان العمانيين قد إستجابوا لدعوة الرسول دون تردد أو خوف وحينما توفي الرسول عليه وعلى آلهِ الصلاة والسلام غادر عمرو بن العاص عمان مطمئنا إلى حسن إسلام العمانيين فعاد إلى المدينة وصحبه وفد من العمانيين كان على رأسهم عبد بن الجلندي أحد ملكي عمان وجعفر بن جشم العتكي وأبو صفرة سارق بن ظالم وعندما قدموا على مجلس أبي بكر قام سارق بن ظالم وقال: ياخليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة لرسول الله صلى الله عليه وآلهِ وسلم , فقد برئنا إليكم منها , وخاطبهم أبو بكر قائلاً: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب , ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل , فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم , جزاكم الله خيراً . والحق أن خطبة أبي بكر في الوفد العماني هي بمثابة وثيقة خطيرة الشأن في حسن أخلاق العمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق . ولما توفي الخليفة الأول أبوبكر أقر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عبد وجيفر على عمان ومنحهما الحرية الكاملة ف تصريف شؤون بلادهما الداخلية على أن تبقى في إطار النظام العام للدولة الإسلامية , وبعث عثمان بن أبي العاص الثقفي عاملاً من قبله ليتولى جمع الصدقات والزكاة على أن يترك شؤون عمان الداخلية للأخوين عبد وجيفر أكراماً لهما على حسن إسلامهما . |
(7) العمانيون والفتوحات الإسلامية لقد قام العمانيون بدور رئيسي في حركة الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب , وكان لهم الفضل في حماية الحدود الجنوبية الشرقية من الدول الإسلامية عندما تصدوا ببسالة لمحاولات الفرس للإستيلاء على بعض مناطق الخليج . وتذكر المصادر أن الخليفة عمر بن الخطاب عقب معركة جلولاء 16هـ/637م أرسل عثمان بن أبي العاص الثقفي لمحاربة الفرس الذي حاولوا عبر الخليج إلى الشاطئ العربي , ولبى العمانيون دعوة الجهاد وأجتمع لعثمان نحو ثلاثة الآلف مقاتل وعبر بهم عثمان من جلفار إلى جزيرة أبن كاوان حيث أجبر قائد حاميتها الفارسي على الإستسلام وأرسل كسرى الفرس إلى واليه في كرما يأمره بالسير لمقاتلة العمانيين وطردهم من الجزيرة ولكنه هزم هزيمة منكرة وقتل قائد الحملة الفارسي وكان هذا الإنتصار حاسماً لدرجة أن الفرس لم يعاودوا المحاولة مره أخرى , ولم تقتصر جهود العمانيين على حماية حدود الدولة العربية الإسلامية من جهة الخليج بل شاركوا في الفتوحات الإسلامية على الجبهة العرافية وبلغ من كثرة الأزد العمانيين أن خصص لهم حي خاص بهم في البصرة بعد إنشاء المدينة في زمن عمر بن الخطاب . ومن عمان إنطلق عثمان بن أبي العاص ليغزو الهند وتشير المصادر التاريخية إلى أن دولة الخلافة وخاصة في العصر الراشدي والأموي قد أعتمدت على عرب عمان في غزو الهند فنجد أسماء كثيرة من العمانيين في قيادة الحملات العسكرية في مكران والسند , بل إن الحملات التي غزت الهند في زمن معاوية بن أبي سفيان قد ضمت كثيراً من العمانيين قاطني البصرة , بل والمثير أيضاً أنه حينما اسند معاوية قيادة تغرة الهند إلى راشد من عمرو الحديدي 48هـ/667م وبوصول راشد إلى هذا الثغر لقي سنان بن سلمة في إشراف من عرب عمان واعجب راشد كثيراً بشخص سنان وأثنى على أخلاقه وتوطدت بينهما صداقة نجم عتها تعاون كامل بين القوات الأموية والقوات العمانية التي كانت تحت قيادة سنان وكانت تقوم بنفس المهمة التي كانت تقوب بها قوات راشد وتمكنت القوات العربية من إجبار سكان جبال الباية من دفع الجزية وحققت نصراً آخر داخل أرض القيقان أسفرت عن كثير من الفيء والغنائم ثم دخلت القوات العربية ولاية سجستان ووقعت معركة غير متكافئة حشد فيها الهنود أكثر من خمسين ألف مقاتل وإستشهد راشد بن عمرو وتولى بعده سنان بن سلمة . وفي الفترة ما بين 65هـ إلى 78هـ ظهرت في منطقة ثغر الهند قوة عربية لا تدين لنفوذ الأمويين وهي قوة معاوية ومحمد أبنى الحارث اللافيين وهما كما ذكر البلاذري من أزد عمان وقد نجحت هذه القوة في السيطرة على مكران والسند على مدى ثلاثة عشرة سنة . وقد شهد ثغر الهند كذلك مأساة أبناء المهلب بن أبي صفرة وأسرته , فتذكر المصادر أنه أثر الصدام بين يزيد بن المهلب بن أبي صفرة والذي كان والياً على العراق وسليمان بن عبدالملك منذ 96هـ/715م وبين جيوش يزيد الثاني بن عبدالملك بن مروان 102/720م فر الناجون من القتل من أبناء المهلب وهم مدرك والمفضل وعبدالملك وزياد ومعاوية ومن بقي من آل مهلب وركبوا البحر إلى قندابيل حالياً جافادا في باكستان ولكن خيانة وداع بن حميد الأزدي عامل الأمويين في قندابين قد أودت بآل المهلب من خلال ملحمة دموية رهيبة . وإذا كان عرب عمان لهم دورهم الكبير في ثغر الهند كمحاربين وبحارة إلا أن دورهم الحضاري كدعاة ومبشرين بالأسلام كان هو الدور الفاعل والهام نظراً لكونهم أكثر التجار المسلمين معرفة بالهند وثقافاتها وأكثر العرب وروداً على هذه البلاد , لذا فقط أقاموا مؤسساتهم التجارية والثقافية ليس في الهند فقط بل في الجزر المحيطة بها مثل سرنديب (سيلان) التي نجح العمانيون في نشر الإسلام فيها منذ وقت مبكر ولولا التدخل البرتغالي مع بداية القرن السادس عشر لكانت هذه الجزيرة قد تحولت جميعها إلى الإسلام كما حدث في جزر المالديف التي عرفها العمانيون منذ فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي . لم يتوقف العمانيون عند الهند وسرنديب والمالديف وإنما إمتد نشاطهم التجاري والحضاري عبر خليج البنغال إلى أرخبيل الملايو التي أسماها العمانيون (كله) أو (كله بار) وكانت السفن العمانية تأتي إلى أرخبيل الملايو بقصد التجارة والمرور منها إلى بلاد الصين وأن ميناء كله كان مجمع الأمتعة من أعواد الكافور والصندل والعاج والرصاص والقصدير والأبنوس وورد إشارات كثيرة إلى وصول السفن العمانية إلى سنغفورة أو كما كانت تسمى (صندابور) . لقد نجم عن هذا النشاط العماني أن تكونت جاليات ومدناً عمانية في بلاد الملايو وفي غيرها من جزر الأرخبيل وأمتد النشاط العماني إلى بلاد الصين , حيث وصلت رحلاتهم إلى خانفو (كانتون) وتعاظم دورهم بشكل ملحوظ في القرن الثالث الهجري ووصلوا إلى أقصى شمال الصين إلى مدينة قانصو وبلاد الشيلا التي يعتقد انها كوريا أو اليابان ومن أوائل التجار العمانيين الذي وصلوا إلى بلاد الصين أبوعبيدة عبدالله بن القاسم الذي وصل إلى كانتون حوالي 133هـ/750م والذي يعتبره البعض أول إنسان عماني يصل إلى الصين بينما يعتبره المؤرخون الصينيون أول عربي مسلم يصل إلى هذه البلاد . وكان من مظاهر إرتفاع شأن الإسلام والمسلمين في بلاد الصين ما يرويه لنا إبن بطوطة وكذلك الشريف تاج الدين السمرقندي الذي زار الصين في القرن الرابع عشر الميلادي من إنه رأى المسلمين يحظون بقدر كبير من الإحترام والتقدير لدرجة أنه إذا قتل وثنى صيني مسلماً كان الوثنى يقتل هو وأهل بيته وتصادر أمواله , وإن قتل مسلم وثنياً لا يقتل به بل يطالب بدفع ديته التي كانت لا تزيد عن تقديم حماراً لورثته . وإذا كان العمانيون قد ساهموا بشكل فعال في التمكين للإسلامن في بلاد آسيا فإن العمانيين أيضاً شاركوا في الفتوحات الإسلامية في الجناح الغربي من العالم الإسلامي إذ تذكر المصادر التاريخية إنهم شاركوا في فتوح المغرب والأندلس وقد أفاد معاوية بن أبي سفيان من خبرتهم عند شروعة في إنشاء أسطول بحري وكان لنواخذتهم براعة في قيادة السفن المعروفة بالتيرماهية إلى الهند ومياه بحر الزنج وهذا يفسر إعتماد معاوية بن أبي سفيان على الأزد في قيادة اسطول المسلمين في عهده فظهرت شخصية جنادة بن أبي أمية الأزدي الذي غزا قبرص ورودس وسفيان بن مجيب الأزدي الذي حاصر طرابلس الشام من البحر وتمكن من إفتتاحها سنة ست وعشرين للهجرة . |
(8) العمانيون ربابنة البحار لقد كان الموقع الجغرافي العام الذي تشغله عمان أعظم الأثر فيما أحرزه الملاحون العمانيون منذ أقدم العصور التاريخية من شهرة بحرية , ذلك أن هذا الموقع ما بين مخرج الخليج العربي ومدخل بحر الهند الأعظم على الطريق التجاري الرئيسي المؤدي غرباً إلى السواحل الشرقية لأفريقيا وشرقاً إلى الهند وماليزيا والصين ونظراً لصعوبة الإتصال بالبر بالمناطق المجاورة كالبحرين وحضرموت لذا فقد تطلع العمانيون نحو البحر . وقد سعى العمانيون للحصول على الرزق لذا فقد إرتادوا البحار سعيا وراء التبادل التجاري مع الشعوب المجاورة ويعتبر البحارة العمانيون في طليعة رواد البحار والمحيطات منذ العصور التاريخية القديمة وكانوا من أوائل الشعوب القديمة التي إستخدمت الصاري والشراع لذا فلا غرابة أن تصف المصادر السومرية القديمة أهل عمان برواد الملاحة البحرية , وكان السومريون يطلقون على بلاد عمان قبل أربعة الآف سنة إسم مجان كما ورد ذكرهم كبنائين للسفن في عهد شلجى حوالي 2050 قبل الميلاد . وتشير المصادر التاريخية القديمة إلى أن العمانيين مع نهاية القرن الثالث قبل الميلاد قد تملكوا أعظم أسطول بعد قرطبة وكان وسيلة فاعلة في نقل حضارة ميناء بابل وسومة إلى الهند وفارس وعن تلك الحضارات أخذ الهنود علوم الفلك والفلسفة والرياضيات والتنجيم وكل معالم الحضارة والتقدم , وكان ذلك قبل العصور اليلينستية بعدة قرون . لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا أن قوة عمان تاريخياً من قوة بحريتها والعكس وقد ورد في كتابات بطليموس عن عمان أن مجدها وشهرتها التي كانت مصدر فخرها إنما جاءت عن طريق ما كانت تقوم به من نشاط بحري وملاحي وليس عن طريق النشاط البري . لقد سعى الفرس لمنافسة العمانيين في عهد دارا الكبير 521-485 قبل الميلاد , إلا أن العمانيين بما إتصفوا به من عزيمة وتصميم قد تصدوا لهذه المحاولات وأفشلوا خطط الفرس كما لم يؤثر على نشاطهم البحري إكتشاف ملك مصر اليليني للطريق البحري المباشر بين مصر والهند إعتماداً على الرياح الموسمية . وعندما ظهر الرومان كقوة عالمية ما بين عام 50 إلى 200م لم يؤثر ذلك كثيراً على نشاط البحرية العمانية وبظهور الدولة الساسانية في فارس عام 225م دخلت في منافسة مع البحرية العمانية فأسسوا إسطولاً قوياً إحتلوا به أجزاء من شرق وجنوب الجزيرة العربية ومنها عمان إلا أن العمانيين تصدوا لهم بعد أن أستعادوا قوتهم ثم تعقبوهم على الشواطئ الفارسية وإحتلوا السواحل والمناطق الجنوبية عنها . ومع نهاية القرن السادس الميلادي ظهرت قوة بحرية مؤلفة من الفرس والأحباش واليونان والصومال بهدف تنحية العمانيين عن السيادة البحرية مما دفع بالعمانيين للتصدي لهذه القوة وخاصة الأحباش الذين كانوا يحتلون اليمن وتمكن العمانيون من إنزال هزائم متكررة بهذه القوى نجم عنها عودة السيادة العمانية على البحار الشرقية . كذلك يرجع إلى العمانيين الفضل في إنشاء أول قوة بحرية إسلامية في الأندلس تعمل لحسابها الخاص بالجهاد البحري أو بالتجارة ما بين المغرب والأندلس في وقت لم يكن الأمويون في الأندلس قد إصطنعوا سياسة بحرية فقد كان معظم طوائف البحريين الذين يرابطون على السواحل الشرقية للأندلس ما بين طرطوشة في الشمال والمرية في الجنوب ويغزون في البحر التيراني ينتسبون إلى الأزد ومنهم بني الأسود . وتشير المصادر التاريخية إلى أن ربابنة البحار من العمانيين كانت لديهم معرفة وافية بالبحار والمحيطات سواء في البحار الشرقية التي خاض العمانيون بسفنهم مياهها على الرغم من خطورة أمواجها ومضايقها الجبلية أو المياه الغربية , فقد كان الخليج العربي يتصل بماأسماه العمانيون بالبحر البربري أو بحر الزنج الذي ينتهي جنوباً بجزيرة قنبلو وبلاد سفالة والواق واق من أقاصي أرض الزنج وقد وصل العمانيون بسفنهم التجارية إلى الساحل الشرقي لإفريقيا وإعتادوا الإبحار في البحر البربري وفي ذلك يقول المسعودي ((أهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر الزنج وفي هذه المدينة مسلمون بين الكفار من الزنج والعمانيون الذين ذكرنا من أرباب المراكب يزعمون أن هذا الخليج المعروف بالبربري وهم يعرفونه ببحر بربري وبلاد جفوني )). وفي موضع أخر من مروج الذهب يقول المسعودي ((هؤلاء القوم الذي يركبون هذا البحر أي بحر الزنج من أهل عمان من الأزد )). ويؤكد المسعودي في أكثر من موضع في كتابه على مهارة نواخذى عمان ومقدار سيادتهم على بحر الصين والهند والسند والزنج واليمن والقلزم والحبشة , لقد كان يربط بين قنبلو وصحار مباشرة طريق ملاحي هو نفس الطريق الذي سلكه المسعودي في رحلته وكانت الرياح تدفع السفن أحياناً بعيداً عن قنبلو فتتجه رأساً إلى الساحل الإفريقي . |
( 9 ) العمانيون دعاة الإسلام في آسيا وإفريقيا يقال أن أول بعثة إسلامية وفدت على الصين كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وآلهِ وسلم وكانت تتألف من ثالثة أشخاص توفي منهم إثنان أما الثالث فقد أرسى أول مسجد في الصين عرف بمسجد الذكرى كما أقيم في خانقو أول مسجد سنة 6هـ 627م كان يسمى مسجد المنارة المنورة وبذلك يكون قد إنشئ بعد مسجد قباء بالمدينة المنورة بخمس سنوات . ويذكر الصينيون أنفسهم بأن بداية إنتشار الإسلام بينهم كان في عهد الملك الصيني تاتي نسونغ 6-30هـ فقد دخل الصين في عهده رجل من ال البيت كان أبناً لحمزة عم الرسول صلى الله عليه وآلهِ وسلم يصحب معه ثلاثة الآف مهاجر . ويقال أن الخليفة عثمان بن عفان قد وصلت إلى الصين في عهد الرسول أو في عهد الخليفة عثمان إلا أن من الثابت أن التجار العمانيين قد لعبوا دوراً هاماً في نشر الإسلام بين الصينيين حيث إرتبط الإسلام بالتجارة وإرتبطت التجارة بالدين وكان التاجر العماني يخرج في سفينته ويغيب سنوات عديدة إلى أن يعود إلى بلاده ثانية . وقد وصلتنا أسماء بعض التجار العمانيين الذين إرتحلوا إلى هؤلاء أبو عبيدة عبدالله بن القاسم الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة وقد عاش في الصين سنوات طويلة إلى أن عاد إلى عمان وبعده بقليل وصل إلى الصين سرجل عماني آخر هو النضر بن ميمون كان يعيش قبل ذلك في البصرة وهؤلاء وأمثالهم قد أقاموا في الصين فترات طويلة بسبب نشاطهم التجاري مما إضطرهم في أحيان كثيرة إلى التزوج من صينيات مما ساعد كثيراً في نشر الإسلام . أما الهند فقط ساهم العمانيون في فتحها بحراً منذ منتصف العقد الثاني للهجرة حيث قادهم عثمان بن أبي العاص الثقفي والي عمان والبحرين وأغار على سواحل الهند عند تانه كما وجه أخاه المغيرة إلى خور الديبل عند مصب السند عام 15هـ كذلك قام العمانيون بالتصدي للقراصنة الهنود على السواحل الإسلامية وفي جنوب شرق آسيا كان التجار العمانيون يقيمون في المدن الكبرى ويؤسسون المراكز التجارية الهامة مما أتاح لهم فرصة الإحتكاك المباشر بأهل البلاد ولم ينشر التجار العمانيون الإسلام في أرخبيل الملايو فحسب وإنما وصلوا بتجارتهم وإسلامهم إلى جزر الهند الشرقية وتذكر المصادر إن شيخاً عمانياً عاش في بلاد الزنج (سومطرة) وتمكن بحكمته وبعد نظره من أن يجبر ملكها على أن يعامل المسلمين معاملة خاصة . وقد عثر في شبه جزيرة الملايو على مابر قديمة للمسلمين تحمل نقوشاً عربية وخصوصاَ في جاوه يرجع تاريخ هذه النقوش إلى عام 475هـ أما المليبار فقد عرفت الإسلام عن طريق جماعة من التجار المسلمين في عام 200هـ , يقال أنهم من عمان وحضرموت وقد أسلم ملكها وتوفي أثناء عودته لبلاده من رحلة إلى الحجاز ودفن بظفار ويذكر أبن بطوطة إنه شاهد أثناء زيارته لمدينة فندرينا بالمليبار سنة 742هـ ثلاثة مساجد مقامة بها وكان قاضيها وصاحب الصلاة فيها رجل من أهل عمان , وكما إنتشر الإسلام في هذه البلدان على يد تجار كان أغلبهم من التجار العمانيين فإنه إنتشر أيضاً في شرق إفريقيا بنفس الإسلوب . لقد إرتبطت عمان بشرق إفريقيا تجارياً منذ عصر ما قبل الإسلام وأقام العمانيون العديد من المراكز التجارية ويؤكد مؤلف الدليل الملاحي للبحر الإريتري كثرة السفن العربية القادمة من شبة الجزيرة العربية وخصوصاً من عمان على الساحل الشرقي لإفريقيا كما يتحدث عن إختلاط العرب وتزاوجهم من القبائل الإفريقية لم يتوغل العمانيون كثيراً قبل الإسلام داخل اليابس الإفريقي فقد إكتفوا بالإستقرار على سواحلها الشرقية وإقامة المراكز التجارية وعملوا على مقايضة الأفارقة فكانوا يحملون إليهم منتجات الهند والصين في مقابل العاج والذهب وبقيام الدولة الإسلامية تغير الوضع فقد مر أهل عمان في العصرين الأموي والعباسي بظروف سياسية قاسية دفعتهم إلى الهجرة إلى شرق إفريقيا والإستقرار هناك وبناء إمارات عمانية إسلامية . ويسجل مطلع القرن السابع الهجري هجرات عمانية جماعية إلى شرق إفريقيا قاد هذه الهجرات التي تعد من أكبر الهجرات العمانية سليمان بن سليمان من مظفر النبهاني وأستقبله العرب في بات إستقبالا رائعاً وتزوج سليمان بن أميرة سواحيلية هي إبنة الملك إسحاق من سلالة الشيرازيين من مملكة كلوه , وتنازل إسحاق عن الحكم لسليمان الذي أصبح أول حكام أسرة بني نبهان في الساحل الشرقي لإفريقيا وضمت مملكته قسمايو وبراوه ومقديشيو وظلت هذه الأسرة تتعاقب الحكم حتى عام 1157هـ/1745م . ويسجل التاريخ للعمانيين الفضل الأعظم في صهر الأجناس المتعددة التي كان يتكون منها المجتمع في ساحل شرق إفريقيا في بوتقة الحضارة الإسلامية فبتزاوج العمانيين المهاجرين بأهل البلاد من الإفريقيات إمتزجت الدماء والنظم والأذواق إمتزاجاً ظهرت آثاره في أجيال يتسم أفرادها بسمات عقلية وجسمانية قريبة الشبه بالملامح العمانية وعرف هذا العنصر الجديد بالعنصر السواحيلي الذي كان يتكلم باللغة السواحيلية ويدين بالإسلام عقيدة وإسلوب حياة . وإذا كان العمانيون لم يتوغلوا كثيراً داخل القارة الإفريقية في عصر ما قبل الإسلام كما سبق القول إلا إنه من الملاحظ إنه منذ العصر الإسلامي والعمانيون يمتدون في عمق القارة الإفريقية ونتيجة لذلك إنتشر الإسلام بين قبال الجلا الذين إستوطنوا الحبشة ولم يتوقف المد الإسلامي الذي راح ينتشر حتى منطقة البحيرات الإستوائية من خلال توافد العمانيون والحضارمة حتى شاع المثل السواحيلي القائل (إذا دقت الطبول في زنجبار تراقص الناس طرباً في البحيرات الإستوائية ) . ويسجل البرتغاليون تلك المظاهر الحضارية الرائعة التي وجدوها على ساحل إفريقيا أثناء مقدمهم مع بداية القرن السادس عشر حيث يعترف الرحالة البرتغالي دوراراث باربوسا قائلاً : ما إن وصلت سفن فاسكودي جاما إلى سفالة حتى فوجئت بما لم أكن أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومدناً ساحلية عامرة بالناس وعالما تجارياً أوسع من عالمنا كما وجدنا من البحارة العرب رجالاً عبروا المحيط الهندي ويعرفون دقائق مرافئه وسجلوا هذه الدقائق في خرائط متقنه لا تقل فائدة عما كانت تعلمه أوروبا . وإذا كان إنتشار الإسلام هو أهم النتاج التي حققها الوجود العماني في شرق إفريقيا إلا أن نتائج رائعة تحققت في المجالين الإقتصادي والإجتماعي وشاعت الطرز الفنية الإسلامية في المنشآت المعمارية والزخارف والنقوش . ومن الملاحظ أن حركة إنتشار الإسلام في المناطق الداخلية إزدادت قوة مع نهاية العصور الوسطى عندما بدأ الغزو البرتغالي للمنطقة فقد ترك المسلمون السواحل أمام العمليات الوحشية التي مارسها البرتغاليون ولجأوا إلى الداخل مما ضاعف من نشر الإسلام بين القبائل الإفريقية . ومع منتصف القرن الثامن عشر وخصوصاً في عصر الدولة البوسعيدية راح الإسلام ينتشر لأول مرة في مناطق جديدة في أوغندا وأعالي نهر الكونغوا ورواندا وبوروندي فضلاً عن المناطق الداخلية في تنجانيقا وخصوصا منذ أن أصبحت زنجبار مركز إشعاع إسلامي وحضاري منذ أن إتخذها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي حاضرة الحكم العماني في شرق إفريقيا عام 1238هـ/1832م . وعن هذه النقلة الحضارية الهائلة في شرق إفريقيا يحدثنا أحد العاملين في حقل الدعوة الإسلامية عن إنطباعاته حينما زار شرق إفريقيا في عام 1392هـ/1973م فيقول : ما يزال الإسلام هو الدين السائد في زنجبار كلها التي تتميز عن سائر مقاطعات شرق إفريقيا بظاهرتين أولها بروز المظاهر الإسلامية في شتى أنحاء الجزيرة وثانيهما الطابع العربي في مظاهر المدينة الخارجية كالمباني والطرقات ويعود ذلك إلى أصالة الإسلام في سكانها بصورة تكاد تشمل جميع السكان على إختلاف أجناسهم ومما يعني عن الإسهاب أن زنجبار وشقيقتها بيمبا تضمان على صغرهما 375 مسجداً أي أن لكل مائة شخص مسجد واحداً بإستثناء النساء وقد كانت زنجبار وفي زمن ليس ببعيد منتدى إفريقيا الشرقية فقد كانت تلقى الدروس في أورقة المساجد على يد نخبة من الرجال الافذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات العلمية . لقد إنتشر الإسلام في عهد البوسعيدين عن طريق قوافل التجار العمانيين القادمين من زنجبار والمدن الساحلية الأخرى ومن أهم الدعاة العمانيين الذين أوصلوا الإسلام إلى أوغندا الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك سنا في مملكة بوغندا ويعتبر وصول هذا الداعية العماني بداية لدخول الإسلام إلى أوغندا . وتشير المصادر المحلية والأجنبية إلى موقف الشيخ أحمد العامري من الممارسات الهمجية والوحشية التي كانت تتمثل في قتل وسفك دماء الأبرياء من رعايا ملك بوغندا تمشيا مع الطقوس الوثنية الأفريقية التي كان يعتنقها أهل بوغندا وعلى رأسهم الكباكا وهو الملك . وتصادف أثناء وجود الشيخ أحمد العامري أن أصدر الملك أوامره بالقيام بهذه المذبحة فما كان من الشيخ أحمد إلا أن وقف متحدياً وسط دهشة الحضور مخاطباً الملك قائلاً (إن هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة ). وكانت دهشة الحاضرين أقوى عندما تميز الملك بضبط النفس وأجاب الشيخ أحمد بأن آلهته هي التي منحته هذه المملكة ودار حوار طويل قلب تفكير الملك لدرجة إنه طلب من الشيخ أحمد أن يعلمه شيئاً من الإسلام وتشير المصادر بأن الشيخ أحمد إستطاع أن يعلمه أربعة أجزاء من القرآن الكريم بعد أن أعلن الرجل إسلامه وهكذا إنفتح الباب على مصراعيه ليمهد الطريق أمام إنتشار الإسلام في أوغندا والمناطق المجاورة . |
( 10 ) الإسطول العماني خلال العصور الإسلامية لقد كان العمانيون من أوائل الذين إعتنقوا الإسلام في الجزيرة العربية وأخلصوا له كل الإخلاص لذلك فإنهم لم يبلخوا بجهودهم في سبيل نصرته والعمل على توسيع نطاق دولته ومن اجل ذلك فقد وضعوا أسطولهم البحري تحت تصرف المسلمين من أجل الفتوحات الإسلامية ونشر راية الإسلام . ومع بداية العصر الأموي حدثت تحولات خطيرة في سياسة الأمويين الأمر الذي دفع بأهل عمان لكي يكونوا في مقدمة القوى التي رفضت تجاوزات البيت الأموي لذا فقد كلفهم هذا الموقف الشئ الكثير من الرجال مما إضطر عدد كبير منهم إلى الهجرة سواء إلى شرق إفريقيا أو إلى أماكن متفرقة من آسيا . وفي عهد عبدالملك بن مروان أراد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق أن يخضع عمان وجرت معركة بحرية في وادي الحطاط وما لبث العمانيون أن إستعادوا زمام الموقف وقتلوا قائد الجيش الأموي ولاذ من بقي حيا بالفرار عن طريق الخليج وحاول الأمويون عزو عمان مرات عديدة إلى أن تمكنوا من هزيمة سعيد بن عباد الجلندي الذي لجأ إلى الجبل الأخضر وإستطاع أن يحسم الصراع في البحر حيث إستطاع العمانيون تدمير الأسطول الأموي في مياه عمان . وعندما نقل العباسيون عاصمة الخلافة الإسلامية آثر ذلك على البحرية العمانية التي كانت قد وصلت إلى ذروة قوتها في عهد هارون الرشيد وإمتنع العمانيون من دفع الضريبة مما دفع بهارون الرشيد إلى أن يبعث بإسطول بحري ضخم لإخضاع عمان عام 187هـ/802م إلا أن البحرية العمانية إستطاعت التغلب على الإسطول العباسي وتقتل قائده فاستشاط هارون الرشيد غضباً وراح يعد العدة لجولة أخرى إلا أن المنية قد عاجلته وإستشرى الخلاف بين ولديه الأمين والمأمون مما شغل العباسيين عن شؤون عمان ونهض الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي بشؤون عمان وخصوصاً الأسطول الذي أخذ يتصدى للقراصنة الهنود الذين نشطوا ضد سفن عمان وغيرها من السفن التجارية , ولما كان العمانيون أقدر من الهنود في الشؤون الملاحية , لذا فقد نجحوا وتعقبوا القراصنة إلى الشواطئ الهندية والفارسية . وفي عهد الإمام المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي 225هـ/821م إجتمعت لعمان القوتان البحرية والبرية وإزدهرت التجارة لدرجة إن الإسطول العماني في عهد هذا الإمام قد وصل إلى ثلاثمائة مركب للعمليات الحربية وفي عهد الإمام الصلت بن مالك الخروصي 237هـ/857م هاجم الأحباش جزيرة سقطرى التي كانت تابعة لعمان وقتلوا الوالي العماني عليها فجهز الإمام الصلت إسطولاً بلغ تعداده أكثر من مائة سفينة ونازل الأحباش وتعقبهم في المياه الآسيوية ويقال أن الإسطول العماني في عهد الإمام الصلت قد بلغ ألف وثلاثمائة باخرة حربية إضافة إلى القوات البرية التي كانت ترابط في الثغور العمانية . وعندما سيطر القرامطة على أجزاء من الخليج وكادت الحركة التجارية أن تتعطل في مياهه تصدى لهم العمانيون عام 331هـ/942م ودمروا إسطولهم تدميراً كاملاً . وعندما حاول البويهيون إحتلال عمان عام 355هـ/965م نجحت البحرية العمانية في طرد البويهيين وتعقبهم وإنزال الهزائم بهم . وفي عام 650هـ/1252م حيث كان الإسطول العماني يمر بفترة من الضعف إستغلها أمير هرمز محمود بن أحمد الكوستي فوصل بإسطوله إلى قلهات وطلب من العمانيين دفع الخراج وعندما رفض العمانيون غضب أمير هرمز وهاجم ظفار ونهب أموال أهلها إلا إنه لم يستطع القضاء على الإسطول العماني الذي ظل يسعى في المياه العربية والدولية ولم يواجه منافسة ذات شأن إلى أن ظهر البرتغاليون في بداية القرن السادس عشر الميلادي . لقد حاول المماليك والعثمانيون وغيرهم من القوى التي أضيرت من الوجود البرتغالي التصدي لهذه القوة الأوروبية إلا أن الإسطول البرتغالي تغلب عليهم جميعاً مما أدى إلى تغير مسار حركة التجارة الدولية من الخليج العربي والبحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح ولم يكتف البرتغاليون بذلك بل قاموا بضرب السفن والموانئ العمانية وإحراق المدن الساحلية وفي قلهات وقريات وحدهما أباد البرتغاليون 83 سفينة كل ذلك أضعف العمانيين وأنهك أسطولهم وإقتصادهم وأصبح العمانيون بين خيارين إما مجابهة المعتدي أو الإستسلام الذي يعني الموت بالنسبة إليهم . لقد حسم العمانيون الأمر وقرروا التصدي للمعتدي وحمل راية القيادة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي 1034هـ/1624م الذي أدرك أهمية الإسطول كوسيلة فاعلة لمواجهة العدوان البرتغالي الغاشم , هكذا أدرك اليعاربة أن قوة عمان ومنعتها تكمن في قوة بحريتها وتماسك جبهتها الداخلية , وقد أتيح للإمام سيف بن سلطان أن يطور من أسطوله ومنذ 1060هـ/1650م وبعد أن حررت مسقط من البرتغاليين إستطاعت عمان أن تبرز كقوة بحرية عالمية وإمتد نفوذ عمان السياسي والإقتصادي إلى ما وراء البحار وإنتقل الصراع مع البرتغاليين إلى المحيط الهندي . وإبتداء من القرن الثامن عشر وصل الإسطول العماني إلى درجة من القوة من حيث عدد السفن وكفاءتها والمدافع المتطورة التي حصل عليها العمانيون مما دفع مؤرخي تلك الفترة إلى أن يصفوا الإسطول العماني بأنه أقوى الأساطيل في البحار الآسيوية . ولعل عهد السيد سلطان بن أحمد 1792م يمثل نقله جديدة في الإسطول العماني , وقد وصف الإسطول التجاري في عهده بأنه كان يضم خمس عشرة سفينة كبيرة تتراوح حمولة الواحدة منها ما بين أربعمائة وسبعمائة طن إلى جانب المئات من السفن الصغيرة , أما الإسطول الحربي فكان على جانب كبير من القوة والكفاءة لدرجة أن سفينة القيادة وهو المسماة (جنجابا) كانت ذات حمولة 1000 طن وكانت تحمل إثنين وثلاثين مدفعاً كما كان الإسطول يضم أيضاً سفن أصغر نسبيا من جنجانا تحمل الواحدة منها عشرين مدفعاً وكل هذه السفن بنيت على الطريقة الأوروبية إضافة إلى مئات السفن الصغيرة المسلحة تسليحاً جيداً . وفي عهد السيد سعيد بن سلطان 1804-1856م كان الإسطول العماني يأتي في المرتبة الثانية بعد الإسطول البريطاني وكانت له قواعد رئيسية على الساحل الشرقي للخليج العربي في موانئ بندر عباس وحاسك وشامل ولنجه وقشم ولاراك إضافة إلى موانئ على الساحل العماني , أما الساحل الإفريقي فكان لعمان قواعد بحرية في ممباسا ولاسو وكلوه ومقديشو وزنجبار . يذكر أحد التجار الإمريكيين الذين زاروا زنجبار في بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر أن السيد سعيد بن سلطان وصل إلى زنجبار على رأس قوة تتألف من سفينة كبيرة جداً مزودة بأربعة وستين مدفعاً وثلاث فرقاطات مزود كل منها بستة وثلاثين مدفعاً إضافة إلى سفينتين مزودة كل منهما بأربعة وعشرين مدفعاً وحوالي مائة مركب نقل عليها ستة الآف مقاتل , ويتعجب التاجر الإمريكي متسائلاً كيف إستطاع العمانيون أن يحرسوا هذه الممتلكات الشاسعة الممتدة من بندر عباس وحتى زنجبار ؟ . لقد توفي السيد سعيد بن سلطان في المحيط الهندي على ظهر السفينة فيكتوريا أثناء عودته من مسقط عام 1856م وهي دلالة تحمل معاني كثيرة يصعب تجاهلها كقيمة حضارية في التاريخ العماني . |
( 11 ) عُمان والدولة الأموية حين أطلت الفتنة بين المسلمين في زمن عثمان وحين قبل على بن أبي طالب عليه السلام التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان , بدأت عمان تكون رأياً سياسياً مخالفاً لما قامت عليه خلافة بني أمية ثم إستقلت تماماً على الدولة الأموية وذلك منذ سنة 37هـ/657م بعد إجتماع الحكمين – عمرو بن العاص وعبدالله بن قيس أبي موسى الأشعري – وخلعهما عليا بن أبي طالب سلام الله عليه من خلافة المسلمين . وتجمع المصادر التاريخية على إنه عقب وقوع الفتنة وإفتراق الأمة وبعد أن صار الملك والسلطان لمعاوية بن أبي سفيان لم يكن للأمويين شئ من الشأن والسلطان في عمان . لقد إنتقل مركز السلطة المركزية للدولة العربية الإسلامية من الكوفة إلى دمشق بعد تنازل الحسن بن علي سلام الله عليه عن الخلافة سنة 41هـ لصالح معاوية وكانت إهتمامات الخليفة الأموي بالدرجة الأساسية إستتباب الأمن وإستقرار أقاليم الدولة العربية الإسلامية الرئيسية ومن جملتها العراق حيث عهد بإدارة الكوفة للمغيرة بن شعبة الثقفي وجعل لولاية البصرة عبدالله بن عامر ثم عين زياد بن أبيه الثقفي عام 45هـ بدلاً منه . ورغم هذه التطورات السياسية التي طرأت على سلطة الدولة العربية الإسلامية إلا أن إدارة عمان ظلت تحت نفوذ آل الجلندي , حيث بقوا محافظين على إستقلالهم الإداري وخاصة في بداية العصر الأموي ولعل إنتقال مقر الحكم الأموي إلى دمشق قد جعل عمان أكثر إستقلالاً نظراً لبعدها الجغرافي وخصوصاَ وأن أبناء الجلندي لم يعلنوا صراحة عن نزعة إنفصالية في خلافة معاوية بن أبي سفيان الذي حكم من عام 41هـ إلى 60هـ . وقد بقيت عمان مستقله إستقلالاً شبه كامل في بداية العصر الأموي ولا تحدثنا المصادر عن أي تدخل من قبل الأمويين في شؤون عمان طيلة الفترة السفيانية وحتى عهد عبدالملك بن مروان . لقد بدأ الوضع السياسي يضطرب في الأقاليم خلال حكم يزيد بن معاوية 60-64هـ ونشطت المعارضةة في الحجاز والعراق وتعرضت عمان في هذه الفترة لخطر نجده بن عامر الحنفي زعيم الخوارج النجدات الذي تمكن من السيطرة على البحرين وتطلع إلى مد نفوذه إلى عمان التي أرسل إليها حملة عسكرية بقيادة عطية بن الأسود الحنفي عام 67هـ وكانت عمان وقتئذ تحت حكم عباد بن عبد الجلندي يعاونه أبناه سليمان وسعيد في تدبير أمور عمان وتمكن عطية الحنفي من مفاجئة آل الجلندي بقواته حيث تمكن من هزيمة آل الجلندي وأستولى على عمان بالقوة . كما أزعجت هذه الإنتصارات عبدالله بن الزبير الذي كان يسيطر على الحجاز وقسم كبير من العراق فأرسل جيشاً إلى الخوارج النجدات ولكن نجده وأتباعه هزموه وأضطروا للفرار . لقد راح العمانيون يتحينون الفرصة للتخلص من سلطة نجده بن عامر وقد حانت تلك الفرصة عندما قتل القائد الخارجي عطية الحنفي أثناء عودته إلى البحرين تاركاً واءه كنائب عنه أبا القاسم في إدارة شؤون عمان وأنقض العمانيون بقيادة آل الجلندي على أبي القائم وقتلوه وشتتوا أتباعه وعادت عمان مستقلة مره أخرى . لقد كان تعيين الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق والمشرق الإسلامي سنة 75هـ من قبل الخليفة عبدالملك بن مروان نقطة تحول هامة في تاريخ العلاقات بين سلطنة الدولة المركزية وعمان لذا فقد وضع الحجاج عمان ضمن أولويات خططه بهدف إعادتها إلى الدولة الأموية . وقد حاول الحجاج أن يخضع عمان للسيطرة الأموية مستعملاً القوة والعنف وتشير المصادر التاريخية إلى أن أول حملة عسكرية بعث بها الحجاج إلى عمان كانت بقيادة القاسم بن شعوة المزني وقد رست الحملة في ساحل حطاط إلا أن العمانيين قاوموا مقاومة باسلة مما أدى إلى إندحار الحملة وقتل قائدها لذا فقد أخذ الحجاج يعد العدة لإرسال حملة كبيرة تحت قيادة مجاعة بن شعوة المزني وهو شقيق القائد الذي لقي حتفه في الحملة الأولى وبلغ عدد المقاتلين أربعين ألفاً وقسمت القوات إلى قسمين قوة سلكت طريق البر وأخرى أخذت طريق البحر وأختار الحجاج بن يوسف كل المقاتلين من النزاريين الذين لا يمتون للأزد بصلة . وقد وصلت القوات البرية قبل القوات البحرية وكان سليمان بن عباد الجلندي على علم بخروج الحملة ووقعت المجابهة بالقرب من وادي بوشر ونزلت الهزيمة بجيش الحجاج في القوت الذي كانت فيه القوات البحرية قد وصلت إلى جلفار (رأس الخيمة) ولجأ العمانيون إلى إستخدام أساليبهم البحرية من بينها إحراق أكثر من خمسين سفينة من أسطول الحجاج مما دفع بقية السفن إلى الفرار نحو البحر . وكتب القائد الأموي مجاعة المزني إلى الحجاج ينبئه بظروفه العسكرية الصعبة فأمده الحجاج بقوات بلغت خمسين ألف مقاتل كان معظمهم من أهل الشام الذين لجأوا إلى السيطرة على المناطق الساحلية من عمان وتؤكد الروايات التاريخية أن سعيد وسليمان ولدي الجلندي قد حوصرا في الجبل الأخضر وبذلك ضعفت روح المقاومة لدى العمانيين وزاد الموقف سوءاً حروب سعيد وسليمان إلى شرق إفريقيا وهكذا أصبحت قوات الحجاج تسيطر على عمان . وظلت عمان تابعة للأمويين إلى أن توفي عبدالملك بن مروان وولى الخلافة إبنه الوليد بن عبدالملك 86-96هـ وبوفاة الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 95هـ تولى أمر العراق بدلاً منه سيف بن الهاني الهمداني . وفي عهد سليمان بن عبدالملك 96-99هـ بدأت قبضة الأمويين تخف عن عمان وأخذ العمانيون يستعيدون إستقلالهم تدريجياً وخصوصاً بعد أن عين يزيد بن المهلب الأزدي والياً على العراق وخراسان حيث ولى يزيد أخاه زيادا على عمان حيث أحسن إلى أهلها . وفي عهد عمر بن عبدالعزيز 99-101هـ كتب العمانيون إلى الخليفة العادل يشكون من ظلم عماله فأختار الخليفة بنفسه عمر بن عبدالله الأنصاري الذي أحسن السيرة فيهم ولم يزل والياً على عمان مكرماً بين أهلها يستوفي الصدقات بن أغنيائهم ويردها إلى فقرائهم حتى وفاة عمر بن عبدالعزيز , حيث خرج من عمان قاصداً زياد بن المهلب قائلاً له: هذه بلاد قومك فشأنك بها . وفعلاً قام زياد بن المهلب بشؤون عمان حتى ظهر أبو العباس السفاح وصار ملك بني أميه إليه وقامت على يديه الخلافة العباسية في الوقت الذي قامت فيه في عمان أول إمامة أباضية على يد الجلندي بن مسعود وتحقق إستقلال عمان عن الدولة العباسية الوليدة . |
شكرا نديم على التقرير
|
اقتباس:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكراً جزيلاً لكِ اختي الكريمة على تشريفكِ الموضوع لا عدمنا الله منكِ |
( 12 ) عُمان والدولة العباسية بقيام الدولة العباسية فوض الخليفة أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر المنصور على أقاليم عمان واليمامة والبحرين وقد إختار أبو جعفر جناح بن عبادة بن قيس الهنائي عاملاً على عمان فظل في منصبه مدة قصيرة حتى حل محله إبه محمد بن جناح الذي حسنت سيرته في أهل عمان فأحبوه وقد تأثر كثيراً بالأفكار الأباضية مما دعاه إلى الإعتراف بنفوذهم فبادر أهل عمان وعقدوا الإمامة للجلندي بن مسعود الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للإمامة الأباضية وبذلك خرجت عمان من يد العباسيين زمن أبي العباس السفاح . على أن الخلافة العباسية كان لا يمكن أن يطول سكوتها عما كان يحدث في عمان مما يشكل سابقة خطيرة تؤدي إلى تمزق الدولة العباسية وإنفصال أطرافها لذا فقد أرسل الخليفة أبو العباس السفاح سنة 134هـ حملة بحرية بقيادة خازم بن خزيمة لاخماد الثورة التي تأججت في جزيرة أبن كاوان القريبة من عمان وأخضاع عمان لنفوذ الخلافة العباسية , وفي الحروب التي دارت بين الجيش العباسي وبين الجلندي بن مسعود قتل الأخير وبضع آلاف من رجاله في موقعة جلفار ومع ذلك فإن أوضاع عمان لم تستقر طويلاً ولم يستطع الولاة العباسيون أن يسيطروا على البلاد بسبب معارضة العمانيين لهم . لقد تركت وفاة الجلندي فراغاً سياسياً كبيراً وصدمة بين أتباعة وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع العباسيون إخضاع عمان , فالعمانيون لم يستكينوا للوالي العباسي وظلوا يناوئون العباسيين ويعارضون حكمهم . لم يلبث العمانيون أن ثاروا سنة 177هـ وخلعوا الطاعة للخلافة العباسية وإختاروا محمد بن عبدالله بن عفان اليحمدي إماماً إلا أنه كان شديداًَ تنقصه المرونة فأجمع العلماء على عزله وإختاروا الوارث بن كعب الخروصي وفي عهده إستقرت الأمور وساد النظام والأمن بفضل حزمه وعزمه . لم يرض هارون الرشيد عن الوضع فأرسل حملة كبيرة بقيادة عيسى بن جعفر بن سليمان لإخضاع عمان سنة 189هـ ولكن هذه الحملة باءت بالفشل الأمر الذي أغضب الخليفة هارون الرشيد الذي لم يلبث أن توفي قبل أن يثأر من عمان وأهلها . إجتمعت كلمة أهل عمان على مبايعة غسان بن عبدالله اليحمدي بالإمامة بعد وفاة الوارث بن كعب سنة 192هـ وقد بقي إماماً خمس عشرة سنة وسبعة أشهر وفي عهده إمتد نفوذ عمن إلى أقاليم أخرى من شبه الجزيرة العربية مثل اليمامة وحضرموت فضلاً عن بعض الجزر القريبة مثل سقطرى . وبوفاة الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي إنتقلت الإمامة إلى عبدالملك بن حمير بن ماء السماء الأزدي وخلال إمامته حدثت العديد من المشكلات والفتن الداخلية إلى أن أختير الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي الذي بويع عام 226هـ وقد تنبه إلى المخاطر التي كانت تتعرض لها عمان وكان أكثرها يأتي من ناحية البحر لذا فقد أخذ في تقوية الأسطول الذي وصل في عهده إلى ثلاثمائة سفينة كاملة التسليح , مهيأة لخوض غمار الحرب أما جيشه البري فقد وصل إلى درجة أن حامية نزوى وحدها كانت تضم عشرة آلاف مقاتل وسبعمائة ناقة وستمائة فرس . ثمة إمام آخر عظيم الهمة هو الصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي , الذي بويع بالإمامة في نفس اليوم الذي مات فيه الإمام مهنا في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 237هـ وقد بويع الصلت على ما بويع عليه آئمة العدل من قبله , أصلاح في الداخل وجهاد في الخارج وكانت أرض عمان في عهده مترامية الأطراف إذ كانت سقطرى والمكلا وحضرموت والمهرة كلها تحت الحكم العماني وفي عهده أعتدى النصارى الأحباش بإسطولهم على سقطرى واطلقوا الأجراس وجعلوها نصرانية وإستغاثت به إمرأه من أهل سقطرى وكانت بمثابة (وامعتصاه) التي إطلقتها إمراة مسلمة في عمورية , وإذا كان المعتصم في قاد جيشاً من الفرسان حتى ظفر وإنتصر فإن الإمام الصلت بعض إسطولاً من مائة سفينة حربية تحمل جنوداً أشاوس وفرساناً يحتسبون أرواحهم في سبيل الله وتمكنوا من إستعادة الجزيرة من مغتصبيها وقد أمضى الإمام الصلت في الحكم خمساً وثلاثين سنة من 237- إلى 272هـ الموافق 851 إلى 885م . وفي عهد الإمام الصلت إستقلت عمان عن الدولة العباسية إستقلالاً كاملاً وقد عاصر هذا الإمام العادل ستة من خلفاء بني العباس هم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد . وفي أواخر القرن الثالث الهجري دخلت إمامة عمان مرحلة من مراحل الضعف حيث إشتدت الصراعات بين القبائل ولجأ بعضهم إلى الإستعانة بالوالي العباسي في البحرين ضد خصومه ومنافسيه مما أغرى محمد بن نور الوالي العباسي في البحرين بغزو عمان سنة 281هـ/893م فأستولى على سواحل عمان وأقام الخطبة للخليفة العباسي المعتضد وفرض على العمانيين خراجاً سنوياً ومع ذلك فقد ظل العمانيون يختارون آئمتهم بعيداً عن سطوة العباسيين . لقد بقيت عمان متماسكة قوية في ظل آئمتها العظام من أمثال الصلت بن مالك إلى أن تولى أمر عمان عدد من الأئمة لم يكن الواحد منهم يبقى في منصبه إلا بقدر ما يكيد له الأخرون وفي عهد الإمام عزان بن تميم وقعت حرب أهلية طال أمدها وأتسع مداها إلى أن أكلت الأخضر واليابس . وفي أوائل القرن الرابع الهجري أي العاشر الميلادي تعرضت عمان لهجمات القرامطة الذين إتخذوا البحرين مقراً لهم , ولم تحل سنة 317هـ/929م إلا وكان القرامطة قد سيطروا على بعض أجزاء عمان في الوقت الذي أخذت فيه الخلافة العباسية طريقها نحو الإنحلال والضعف وإزداد نفوذ بني بويه في الدولة وإنعكس ذلك بشكل واضح على عمان التي تغلب عليها يوسف بن وجيه وهو رجل مغامر سبق له أن حاول إحتلال البصرة مرتين إلا إنه فشل في محاولاته سنة 331هـ وسنة 341هـ , فقد تمكن يوسف من الإستقلال بعمان بعيداً عن الخلافة العباسية . وتشير المصادر التاريخية إلى أن العمانيين لم يرضخوا لسلطة يوسف بن وجيه وإختاروا سعيد بن عبدالله بن محمد الرحيل إماماً عليهم سنة 320هـ/930م . وإستطاع هذا الإمام إنتزاع عمان الداخل من قبضة يوسف بن وجيه الذي بقى محصوراً في المناطق الساحلية وبعد إستشهاد الإمام سعيد بن عبدالله بالقرب من الرستاق سنة 320هـ/939م إختار العمانيون راشد بن الوليد إماماً لهم وواصل الحرب ضد مغتصبي بلاده وحقق إنتصارات متوالية على يوسف بن وجيه الذي إعتاله مولاه نافع سنة 342هـ وتولى الأمر مكانه وأعلن ولاءه للعباسسن ووجدها الخليفة معز الدولة فرصة لغزو عمان إلا أن محاولاته جميعها باءت بالفشل , وبلغ من سوء الأحوال عندئذ أن بعض المتنافسين على السلطة في عمان إستعانوا بالقرامطة في البحرين سنة 355هـ مما عرض عمان لخطر القرامطة من جديد . لقد أفزع هذا الوضع المخلصين من العمانيين فنظموا صفوفهم وتمكنوا من طرد القرامطة نهائياً من عمان سنة 375م وإتبعوا ذلك بالعمل على إستئصال نفوذ الخلافة العباسية من عمان . لقد ظلت عمان خاضعة للولاة مدة خمسة وستين عاماً منذ وفاة الإمام راشد بن الوليد سنة 342هـ حتى إختير الخليل بن شاذان إماماً في العقد الأول من القرن الخامس الهجري . وقد إنتعشت الإمامة الأباضية بسبب هذه الإنتصارات المتلاحقة وأحسن بنو مكرم وهم من أعيان اهل عمان بمنافسة الإئمة لهم فأشتد الصراع بين الطرفين ووقعت الإضطرابات والحروب الأهلية مرة ثانية ولم يجد العمانيون مخرجاً من هذا الوضع المتردي إلا بالإتفاق حول الإمامة الأباضية . وكان إن سقطت الخلافة العباسية في بغداد على أيدي التتار في أواسط القرن السابع الهجري ولم يكن التتار قوة بحرية ليفرضوا سيطرتهم على الخليج لذا فقد بقيت عمان بمنأى عن سيطرتهم ومضت في طريقها بعيداً عن نفوذ التتار ولم تلبث إن دخلت منتصف القرن السادس للهجرة في عصر بني نبهان . |
( 13 ) النباهنة حكاماً على عمان يتفق المؤرخون على أن حكم بني نبهان , إستمر خمسة قرون تقريباً 1154-1624م عرفت الأربعة القرون الأولى بفترة النباهنة الأوائل والتي إنتهت بحكم سليمان بن سليمنا بن مظفر النبهاني . وعرفت الفترة الثانية بفترة النباهنة المتأخرين والتي إمتدت من عام 1500 إلى 1624م حيث إنتهت مع قيام دولة اليعاربة وظهور الإمام ناصر بن مرشد سنة 1624م . والنباهنة من أصول عربية حيث سنتسبون إلى قبيلة العتيك الأزدية العمانية العريقة وقد وصفهم إبن زريق بأنهم ملوك عظام وكان من أشهر ملوكهم جوداً وكرماً الفلاح بن المحسن . لقد أشاد إبن بطوطة آثناء زيارته لعمان بتواضع الحكام النباهنة حيث إتيح له أن يلتقي بالملك النبهاني أبي محمد الذي قال عنه : (ومن عاداته أن يجلس خارج باب داره ولا حاجب له ولا وزير ولا يمنع أحداً من الدخول إليه من غريب أو غيره ويكرم الضيف على عادة العرب ويعين له الضيافة ويعطيه على قدره وله أخلاق حسنة). يعتبر عصر النباهنة بأنه من أكثر فترات التاريخ العماني غموضاً بسبب قلة المصادر التي تناولت هذه الفترة لكن ما وصل إلينا من معلومات يعطي إنطباعاً بأن عصرهم كان عصر تنافس وصراعات داخلية ويصعب تتبع أحداث هذه الصراعات لكن من الثابت أن تدهور الأوضاع الداخلية قد أغرى الفرس لمحاولة إحتلال عمان وأن هجوماً قام به الفرس في عهد الملك النبهاني معمر بن عمر بن نبهان لكن العمانيين تصدوا لهذا الهجوم وقضوا عليه إلا أن هجوماً آخر قد وقع سنة 660هـ/1261م في عهد الملك أبي المعالي كهلان بن نبهان بقيادة ملك هرمز محمود بن أحمد الكوستي الذي تمكن من الإستيلاء على قلهات مستغلاً الصراعات القبلية ثم مضى نحو ظفار حيث قامت قواته بنهب الأسواق ومنازل الأهالي وسبي رقيقهم وبلغ عدد السبي إثنى عشر ألفاً وحملت الأمتعة والأموال المسلوبة والرقيق إلى قلهات ثم إتجه معظم الجيش متوغلاً في داخل عمان عن طريق البر يقوده ملك هرمز بنفسه ولما وصل جيشه إلى منطقة القرى حيث جبال ظفار الشاهقة تم الإستعانة بعشرة رجال من أهل ظفار كأدلاء للطريق فلما وصلوا بهم إلى داخل عمان هربوا عنهم ليلاً وعلى حد تعبير أبن رزيق : (أصبحوا حائرين يترددون في رمال عالية وفيافي خالية) فتاهو في تلك الصحاري الواسعة ونفذ ما معهم من ماء وطعام ونفقت دوابهم من الجوع والعطش وهام ملك هرمز على وجهه في الصحراء فهلك ومعظم جيشه ومن بقي منهم قتل على يد عرب البادية إلا نفر قليل واصلوا سيرهم حتى وصلوا إلى جلفار ومنها أبحروا إلى هرمز . أما بقية الجيش في قلهات فقد أغار عليهم رجال قبيلة بني جابر وقضوا عليهم ودفنوهم في مقابر جماعية تعرف إلى اليوم بقبور الترك . وفي عام 647هـ/1276م وخلال حكم عمر بن نبهان أغار الفرس على عمان بقيادة فخر الدين بن الداية وأخيه شهاب الدين نجلي حاكم شيراز وعندما نزل الجيش الفارسي مدينة صحار التقى بهم عمر بن نبهان في حي عاصم بمنطقة الباطنة وظل يقاتل حتى إستشهد وثلاثمائة من جيشه وزحف الغزاة إلى نزوى التي إستولى عليها الغزاة ونهبوا منازلها وسوقها واحرقوا المكتبات وأخرجوا أهل عقر نزوى من منازلهم وحلوا محلهم ثم توجهوا إلى بهلا العاصمة الثانية للنباهنة وحاصروها إلا إنها إستعصت عليهم وخلال فترة الحصار قتل فخر الدين أحمد بن الداية وكان لقتله أكبر الأثر على معنويات جنده الذين قرروا الإنسحاب من عمان نهائياً بعد أم مكثوا فيها أربعة أشهر عاشوا خلالها فساداً وقتلاً . وفي عام 866هـ/1462م أغار الفرس على عمان وإتخذوا من بهلا مقر لهم بعد أن طروا الملك النبهاني سليمان بن مظفر الذي فر إلى الأحساء التي إتخذها مكانا لإعادة ترتيب جنده ثم عاود هجومه على الفرس وتكن من تحرير عمان وإعادة ملكه لكن يبدوا أن إنقساماً قد وقع بين النباهنة أنفسهم لذا فقد رحل سليمان بن مظفر إلى شرق إفريقيا حيث أسس مملكة بته (بات) بعد أن ترك ولداه سليمان وسحام في عمان وإشتد بينهما الصراع على السلطة وإنتهى الأمر بإنتصار سليمان على أخيه لكن الصراع بينه وبين زعماء القبائل لم يتوقف إلى أن إختارت القبائل محمد بن إسماعيل إماماً . ثم تجددت الصراعات مره أخرى حينما تمكن سلطان بن محسن بن سليمان النبهاني من إستعادة ملك أجداده وإنتزاع مدينة نزوى عام 924هـ/1556م إلا إنه لم يتمكن من السيطرة على داخلية عمان . وقد بقيت البلاد تتنازعها الإنقسامات والحروب الأهلية إلى أن تمكن سليمان بن مظفر بن سلطان من السيطرة على داخلية عمان وإتخذ من مدينة بهلاً مقراً لحكمه ونجح العمانيون في صد هجوم قارس على مدينة صحار لكن ما لبثت الفتن أن أطلت برأسها من جديد ولما كانت مدينة بهلا مقراً لحكم النباهنة فقد حرص كل زعيم منهم على أن ينفرد بحكمها لذا فقد إنقسمت البلاد بين أشخاص نصبوا من أنفسهم ملوكاً على مدن وقطاعات إتسمت أوضاعها بالضعف وإمتد الصراع إلى منطقة الظاهرة التي كان مسيطراً عليها أبناء الملك النبهاني فلاح بن محسن . لقد تناولت المصادر العمانية الفترة الأخيرة من حكم النباهنة حيث سادت الفوضى وإنقسمت عمن إلى ممالك صغيرة وتدهور الحياة الإقتصادية والسياسية إلى أن قيض الله لعمان رجلاً من بين رجالاتها تميز بكفاءة عالية ألا وهو ناصر بن مشرد اليعربي الذي إختاره أهل الحل والعقد في عمان وعقدوا له الإمامة سنة 1034هـ/1624م وبذلك بدأت عمان مرحلة جديدة من التلاحم حيث إستوعب الإمام الجديد كل تجارب وطنه وعزم النية على أن يبدأ بتوحيد البلاد على إعتبار أن ذلك هو صمام الأمان لمواجهة الخطر الخارجي المتمثل في الإحتلال البرتغالي وإستهلت عمان عصراً جديداً تميز بالشموخ والقوة . |
( 14 ) قيام دولة اليعاربة 1624م لعل من أهم التجارب الناجمة عن حركة التاريخ أن التآلف والتجانس بن عناصر المجتمع تعد المقوم الأول لبناء قوته وبقدر ما يتحقق هذا التآلف فإنه ينعكس على قوة المجتمع , كان ذلك قديماً وقبل أن تتكون الدول القومية بمعناها الحديث وظل ذلك باقياً في كل عصر وفي كل مجتمع . والمتتبع تاريخ عمان يلاحظ هذه الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً وخصوصاً مع إقتراب القرن الخامس عشر الميلادي من نهايته حيث عانت عمان من الفوضى السياسية مع إقتراب نهاية عصر النباهنة وبدات عوامل الضعف تنال من كيان هذه الدولة كنتائج طبيعية لإنقسامها إلى دويلات وممالك صغيرة مما عجل بنهايتها . والحقيقة أن تاريخ النباهنة لم يكن كله ضعفاً وإنما كانت هناك فترات قوة حيث حكم عمان عدد من الحكام العظام لعل أشهرهم فلاح بن محسن وفي فترات قوة الدولة وهيبتها تبدو الوحدة الوطنية أكثر وضوحاً وفي ظل حكام يتميز بقدر كبير من الحسم والإقدام تتبدد الأنانية ويقوى الوطن في ظل أهداف كبيرة ويبدو أن دولة النباهنة أخذت تنهار حينما بدأت تنهار هيبة حكامها حينما أسندت مناصب ولاة الأقاليم إلى من إشتد فسادهم حيث أهدرت حقوق الناس وراحوا يتطلعون إلى نماذج من الأئمة العظام . وإذا كانت الحروب الأهلية مع نهاية عصر النباهنة قد صرفت الناس عن الأهتمام بأمور معيشتهم مما أسفتر عن تدهور ملحوظ في الحياة الإقتصادية والإجتماعية إلا ان الغزو البرتغالي قد أجهز على البقية ولما كانت السواحل العمانية في مقدمة المناطق وقوعاً تحت السيطرة البرتغالية لذا فقد عمد البوكيرك إلى حرق المدن وتدمير السفن الراسية في الموانئ العمانية . وهكذا توافق غزو البرتغال مع أشد الفترات ضعفاً في تاريخ عمان مما سهل على الغزاة مهمتهم وعلى الرغمن من كل ذلك فقد سجل التاريخ صوراً من المقاومة العمانية الباسلة . واللافت للنظر أن كل القوى العربية والإسلامية كانت مستهدفة وعلى الرقم من ذلك فلم يحدث أي قدر من التنسيق بل إتسمت العلاقات بين كل القوى العربية والإسلامية بقدر كبير من التصارع فها هم العثمانيون يستبيحون عاصمة الفرس بينما المماليك ينسقون مع البنادقة بهدف التصدي للبرتغاليين أما بقية القوى العربية في الخليج كالنباهنة الجبور وهرمز فقد إتسمت علاقاتهم بصراع مرير مما بدد من قوتهم جميعاً . وبينما البرتغاليون يجهزون على كل القوى كانت عمان تشهد ميلاد عهد جديد أرسى دعائمه الإمام ناصر بن مرشد اليعربي المؤسس الحقيقي لدولة اليعاربة من 1624 إلى 1744م لقد إستوعب ناصر بن مرشد التجربة التاريخية بذكاء شديد فأية محاولة لتحرير عمان من البرتغاليين مشكوك في نتائجها بينما الوطن ممزق إلى دويلات صغيرة لذا فقد كان لزاما عليه أن يحارب في جبهتين الحرب من اجل الوحدة والحرب من أجل التحرير. ولا شك أن أجماع العلماء على إختيار ناصر بن مرشد إماماً عام 1624م يعد بداية عهد جديد في تاريخ عمان حيث وضع أسس دولة اليعاربة التي حكمت ما يقرب من مائة وعشرين عاماً تميز عهدها بملامح رئيسية لعل من أهمها تحقيق الأمن والإستقرار والرخاء كما تميز عهدها بتطور هائل في البحرية العمانية حيث أدرك الإمام ناصر أن الحرب بينه وبين البرتغاليين حرم بحرية في المقام الأول لذا أخذ على عاتقه بناء أسطول عربي يعتبر أول إسطول منظم أصبح في نهاية القرن السابع عشر القوة البحرية الأولى في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي . وينتمى الإمام ناصر بن مرشد إلى قبيلة يعرب التي تعتبر بطناً من بطون بني نبهان وكانوا يتمتعون بإستقلال في إدارة شؤونهم الذاتية حيث إتخذوا من الرستاق مقراً لإقامتهم ونظراً لما إشتهر به الإمام ناصر بن مرشد من الإستقامة والنزاهة والإقدام والتدين لذا فقد أجمع أهل الرستاق على مبايعته إماماً , وتؤكد المصادر العمانية أنه بعد وصول الإمام ناصر إلى الحكم راحت تتهاوى حصون أنصار التجزئة الذين قاوموا بشراسة فكرة جمع شتات الوطن الكبير في دولة واحدة . وبما أن منطقة الرستاق في التي شهدت ميلاد إمامة ناصر بن مرشد لذا فقد كان عليه أن يبدأ بها , لهذا مضى ومعه جمع من أنصاره نحو قلعة الرستاق وكان المالك للرستاق مالك بن أبي العرب اليعربي وبعد حصار لم يدم طويلاً فتحها الإمام ناصر متخذاً منها نقطة إنطلاق لتوحيد الوطن كله . لقد إجمعت مصادر التاريخ العمانية على اهمية الدور الذي لعبة الشيخ خميس بن سعيد الشقصي الذي كان موضع ثقة اهل الرستاق حيث ساند الإمام ناصر في كل خطواته بدءاً من إختياره إماماً وإنتهاء بالجيوش التي قادها في سبيل تحقيق الوحدة ومن الصعب إغفال زعامات قبلية ودينية بذلت جهداً كبيراً من أجل الوحدة . |
( 15 ) جهود الإمام ناصر بن مرشد في إعادة الوحدة الوطنية ـ 1 ـ لعل في مقدمة الدروس التي إستخلصها الإمام ناصر بن مرشد من تاريخ عمان أن كل الأعمال الكبيرة التي أنجزها العمانيون تمت من خلال وطن موحد , تستثمر إمكاناته البشرية والإقتصادية بما يعود بالمصلحة على الجمييع ومن أجل ذلك كان العمانيون لهم السبق عبر الحضارات المتعاقبة وحينما تطل الفتنة برأسها وينقسم الوطن إلى ممالك ودويلات صغيرة يحدث الإنحسار والتدهور , لذا فقد إستوعب الرجل تاريخ وطنه بوعي وإدراك شديدين . لقد وضع الإمام ناصر بن مرشد أولويات العمل الوطني فلم يكن من المعقول أن يبادر بتحرير بلاده من القوات البرتغالية بينما الوطن مقسم , لهذا كان من الضروري أن يبدأ بجمع الشمل وتوحيد الكلمة وتجمع مصادر التاريخ على أن الإمام لم يبادر بإعلان الحرب إلا بعد أن إستنفذ كل الجهود الدبلوماسية , من أجل ذلك فقد كتب إلى أهل نزوى يدعوهم إلى جمع الشمل إلا أن هذه الدعوة لم تصادف رغبة بعض أهلها لذلك عجل بالسير إليها بنفسه وعندما ادرك أن الحرب واقعة لا محالة فضل العودة إلى الرستاق حيث جاءه وفد من سمائل برئاسة ملكها مانع بن سنان العميري معلنا مبايعته وبما أن نزوى كانت موضع إهتمام الإمام ناصر بن مرشد لأهميتها التاريخية والدينية فقد توجه إليها من سمائل حيث كان لعامل المباغته أكبر الأثر في إجماع أهلها على مبايعته . واللافت للنظر أن الإمام ناصر بن مرشد كان حريصاً على عدم إراقة دماء المسلمين لذا فقد إستخدم كل وسائل الإقنا والحجة وما كان يلجأ إلا إذا حتمتها الظروف وفرضتها المصلحة العامة . ونظراً لثقل المهمة التي كان يقوم بها الإمام وما كانت تحتمه من مواجهات عسكرية ضد أنصار التجزئة فقد كان يقيم في كل المناطق التي يدخلها عنوة بعضاً من الوقت ثم يغادرها إلى مناطق أخرى تاركاً بعض أنصاره لمواصلة مهمته في ترسيخ مبادئه ومواصلة دعوته التي اخذت تنساب في كل أرجاء عمان ومما يؤكد صعوبة المهمة التي مضى الإمام ناصر في سبيل تحقيقها كثرة الممالك التي أقيمت على مقومات قبلية بحيث يصعب التمييز بين القبيلة والحكومة . ومن الظواهر اللافتة في سياسة الإمام إنه كلما حقق قدراً من الإنتصارات في سبيل تحقيق الوحدة راح يتريث ترقباً لرد فعل قد يحول دون إراقة الدماء إضافة إلى التقاط الأنفاس وترتيب الجند والعودة لتفقد أحوال المناطق التي دخلت في حوزته وهي سياسة حكيمة تعددت فوائدها على كل المستويات . وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن تمرد منطقة الظاهرة كان من أصعب العمليات التي واجهها الإمام , حيث إستشهد أعداد كبيرة من بينهم شقيق الإمام جاعد بن مرشد مما دفع الإمام ناصر إلى أن يتولى بنفسه قيادة العمليات العسكرية مما كان سبباً في إعادة السيطرة على الموقف بعد أن إرتفعت معنويات الجند الذين قاتلوا بشجاعة منقطعة النظير في مناطق عبري وحسن الغبي وكافة مناطق الظاهرة وتأكد الإمام أن تمرد أهل الظاهرة مرده إلى مؤامؤات ناصر بن قطن الذي حوصر في قلعته إلى أن إستنجد بالإمام متوسلاً العفو منه . كما أدرك الجبور أن وحدة البلاد تتعارض مع مصالحهم المباشرة لذا فقد تمكنوا من إثارة القبائل التي تحت سيطرتهم ووصلت مخططاتهم إلى درجة التأمر على إغتيال الإمام ناصر , لذا فقد واجههم الإمام ودارت معركة كانت من أشد المعارك ضراوة وإنهزم الجبور وأتباعهم وقتل منهم أعداد كبيرة ويعلق الأزكوي على هذه المعركة قائلاً : لقد كثر القتل في البغاة حتى قيل إنهم عجزوا عن دفن موتاهم فكانوا يجعلون السبعة والثمانية في خبة . وقد إعتمد الإمام على سياسة النفس الطويل ولا بأس من مهادنة خصومه أحياناً ومباغتتهم في بعض الأحيان فها هو يبعث بسراياه إلى المناطق التي إستعصت عليه لمناقشة خصومة وبعد أن يستوثق من موقفهم يكون قرار الحرب . لقد ظهرت بطولات نادرة خلال الحروب التي لم تتوقف فها هو محمد بن غسان النزوي يقود العمليات ضد الجبور في منطقة الجو ناحية البريمي ثم يحقق إنتصاراً عظيماً يتوجه بعده على لوى التي إستعصى فتحها على قوات الإمام بسبب تحصيناتها وكثرة المدافعين عنها مما إضطر محمد بن غسان النزوى إلى طلب العون من القبائل القريبة من صحار التي كانت تتطلع إلى قوات الإمام وتترقب إنتصاراتها بهدف التعجيل بمواجهة البرتغاليين الذين أنزلوا بصحار وأهلها أبشع أنواع الممارسات مما دفع بأهل صحار إلى ترك مدينتهم واللجوء إلى المناطق البعيدة ترقباً لجولات أخرى , وهكذا كان الإمام ناصر بالنسبة إليهم بمثابة المنقذ من نير الإحتلال . وقد تمكن محمد بن غسان بمساعدة القبائل من السيطرة على لوى حيث بدأ التفكير عملياً في صحار وهكذا إستطاع الإمام ناصر خلال سنوات حكمه 1624-1649م من أن يعيد لعمان وحدتها وتماسكها ويؤمنها إلى حد كبير من الأخطار الخارجية وكانت محاولاته نحو الوحدة مبعث أمل كبير وينفرد هذا الإمام العظيم من بين أئمة اليعاربة بأنه حارب على جبهتين الساحل والداخل في وقت واحد فلكما هدأت الأوضاع في الداخل راح يواجه القوات البرتغالية على الساحل وكلما حقق إنتصاراً على الساحل عاد إلى الداخل لمواصلة حروبه من أجل أن تكون عمان وطناً موحداً وعند وقاة الإمام ناصر بن مرشد في إبريل 1649م كانت كل القبائل العمانية تحت لواء واحد وإنتهت إلى غير رجعة مرحلة التمزق والتشتت وبدأت مرحلة جديدة من الوحدة في ظل حكومة مركزية . أدرك الإمام ناصر بن مرشد أن مواجهة البرتغاليين على السواحل العمانية في حاجة إلى إمكانات أخرى تفوق تلك الإمكانات التقليدية التي إعتمد عليها اليعاربة في حروبهم ضد القبائل الرافضة لسلطة الدولة المركزية , لقد وقعت كل المعارك التي خاضها اليعاربة ضد القبائل على اليابسة أما البرتغاليون فقد كانوا أهل بحار ووسيلتهم في الحرب هي السفن , التي شهدت ظفرة كبيرة منذ الكشوف الجغرافية لذا فإن سياستهم الإستعمارية إعتمدت على إحتلالهم لكثير من المدن والقلاع والحصون التي تقع في طريق البحار والمحيطات دون اللجوء إلى التعمق في اليابسة . |
( 15 ) جهود الإمام ناصر بن مرشد في إعادة الوحدة الوطنية ـ 2 ـ وهكذا أدرك اليعاربة إمكانات عدوهم القادمن من أقصى الظرف الأوروبي كدولة بحرية خاضت معارك شرسة في سبيل الحفاظ على مصالحها الإستعمارية لذلك كانت العناية بالإسطول وتنمية الموارد الإقتصادية وتلاحم الشعب العماني في مقدمة الركائز الأساسية التي إعتمد عليها اليعاربة الذين طوروا إسطولهم التجاري والعسكري مستفيدين من الخبرة الإنجليزية في هذا المجال . وكان إنتزاع صور وقريات من أيدي البرتغاليين في مقدمة العوامل التي ضاعفت من تماسك العمانيين وكانت بمثابة إختبار عملي لنجاح الوحدة التي خاض اليعاربة من أجلها حروباً ضارية . لم يكن إنتزاع صور وقريات عملية سهلة فقد كان التباين واضحاً بين حجم وكفاءة القوتين المتنافستين إضافة إلى سياسة الوفاق التي إستجدت بين البرتغاليين وشركة الهند الشرقية البريطانية إبتداً من عام 1634م , لقد كانت المتغيرات السياسية سواء المحلية او الدولية في مقدمة عوامل كثيرة جعلت اليعاربة يناضلون في ظروف أشد قسوة إلا أن نجاحاتهم في تحقيق الوحدة الوطنية إضافة إلى المشاعر الدينية الجياشة التي فاقت أية مشاعر وطنية كل ذلك جعل عرب عمان يقبلون على التضحية بنفس راضية وبحماس ورغبة في الإستشهاد وهي عوامل كان يفتقدها البرتغاليون المتحضون في الثغور العمانية . ومن الملاحظ أن اليعاربة قد إستثمروا إمكاناتهم بكفاءة عالية ولعل صحار كانت إقليماً إستراتيجياً هاماً في سياسة اليعاربة لذا فقط ضربوا عليها حصاراً شديداًَ بينما تحصن البرتغاليون داخل القلاع والحصون وراحوا يمطرون قوات الإمام بوابل من نيران مدفعيتهم مما دفع الإمام إلى بناء قلعة لكي يتحصن فيها العمانيون في مواجهة القلعة البرتغالية . وبمجرد أن علمت القبائل العمانية بحصار صحار راحوا يتدفقون من كل صوب وخصوصاَ من مناطق لوى وبات وكافة المناطق المتاخمة لصحار وبينهما العمانيون قد ضربوا حصاراً على صحار , إذا بالإمام ناصر وقد بعث بسرايا أخرى إلى مسقط بقيادة خميس بن سعيد الشقصي وعلى الرغم من أن تلك السرايا لم تحقق نتائج حاسمة إلا إنها أربكت البرتغاليين في كل من صحار ومسقط مما مهد لسلسلة من الهجمات العمانية على كافة المعاقل البرتغالية . وقد كان إستيلاء الإمام ناصر بن مرشد على مدينة صحار عام 1643م نقطة تحول جديدة في المواجهة العمانية البرتغالية . لقد كانت قوات ناصر بن مرشد في أشد الحاجة إلى التقاط الأنفاس وعلى الرغمن من ذلك فقد تمكنت من تحرير كل المدن الساحلية العمانية ولم يبق إلا مسقط ومطرح التي تمكن المسعود بن رمضان من محاصرتها في وقت تفشي فيه مرض الطاعون بين البرتغاليين ولعلها كانت فرصة مناسبة لكي يجهز العمانيون على عدوهم خصوصاً وإن القصف المستمر لقوات مسعود بن رمضان كان عنيفاً لدرجة أربكت الحاميات البرتغالية بينما كان الطاعون يحصد ما يقرب من خمسين شخصاً في اليوم الواحد , ولم ينته هذا الحصار إلى تحرير مسقط ومطرح وإنما نجم عنه إبرام هدنه جاء معظم بنودها في صالح العمانيين . وقد إمتد صراع اليعاربة ضد منافسيهم لفترات زمنية طويلة , تباينت فيها المواقف السياسية , إلا أن أصعب الفترات واخطرها هي فترة الإمام ناصر بن مرشد حيث كان يقاتل في سبيل التحرير والوجحدة معاً وقد كبده ذلك قدراً هائلاً من الجهد والوقت حيث إستخدم كل الإمكانات المتاحة بمهارة شديدة بما في ذلك المفاوضات السياسية التي لجأ إليها عام 1648م وعند وفاته سنة 1649م لم يبق تحت السيطرة البرتغالية إلا مسقط ومطرح . كما واصل سلطان بن سيف الذي بويع بالإمامة في إبريل 1649م جهاد الإمام ناصر بن مرشد حيث إزدادت طموحات العمانيين وأدركوا بأنهم قاب قوسين أو أدنى من تحرير بلادهم من إحتلال دام أكثر من مائة وأربعين عاماً وادرك الإمام الجديد أهمية الوقت كعامل هام في الأجهاز على البرتغالين في الوقت الذي أخذ فيه البرتغاليون يضاعفون من تحصيناتهم في مسقط ومطرح وثبتوا مدافعهم الثقيلة في كل إتجاه وزيادة في الحيطة حفروا خندقاً عميقاً حول الأسوار وعلى رؤوس الجبال بنوا مجموعة أبراج أقاموا فيه داخلها جنوداً أشداء أخذوا يمطرون القوات العمانية بوابل من نيران مدافعهم . وقد إستطاع سلطان بن سيف أن يضرب حصاراً على القوات البرتغالية وبينما الحصار قائماً تمكن بعض الهنود من تقديم معلومات للإمام على درجة كبيرة من الخطورة دفعت بقواته إلى الدخول بينما الحامية البرتغالية قد أخذت على غرة مما أفقدها القدرة على المواجهة ومن ثم كان الإنهيار والإستسلام في ديسمبر سنة 1649م . لقد أصيب البرتغاليون بخسائر جسيمة حيث قتل معظم جنودهم وكل المحاولات التي قاموا بها في الهند لإمداد مسقط باءت بالفشل وبنهاية 1652م لم يبق للبرتغاليين في الخليج إلا وكالتهم في كينج . لم يتوقف العمانيون عن مطاردة خصومهم حتى بعد أن إعتصموا في وكالتهم في كينج على الساحل الشرقي من الخليج وراح العمانيون يتعقبون عدوهم في الهند وشرق إفريقيا مما جعل الملاحة بين الوكالة التجارية للبرتغاليين في كينج وبين شرق إفريقيا والهند تبدو مستحيلة في ظل أحكام العمانيين سيطرتهم على الخليج العربي والمحيط الهندي . لاشك أن اليعاربة قد إعتمدوا على قوتهم الذاتية مع قدر من المرونة الدبلوماسية في إطار العلاقات الدولية مستفيدين من تضارب المصالح بين القوى الأوروبية المتنافسة وهو جهاد لا يقل أهمية عن الحرب مما عاد على الدولة بقدر كبير من القوة والمنعة وخصوصاً فيما يتعلق بتطور البحرية العمانية إعتماداً على أحدث الخبرات الأوروبية في هذا المجال . لقد إنطلقت السفن العمانية لتصفية الجيوب البرتغالية على السواحل الفارسية مما إضطر الحامية البرتغالية في كينج إلى الإنسحاب نهائياً مما أوجد نوعاً من المواجهة المباشرة بين العمانيين والفرس الذين راحوا يتضامنون مع الإنجليز والهولنديين ضد النشاط البحري العماني بحجة محاربة القرصنة , التي لم تكن من وجهة النظر القانونية إلا نوعاً من مشروعات الكفاح المسلح ضد قوى أجنبية إستباحت لنفسها حق الغزو والإحتكار والنهب . وتشير المصادر التاريخية إلى الإزدهار الإقتصادي الذي حققه اليعاربة وخصوصاً مع نهاية عصر سلطان بن سيف فقد وصل درجة كادت تفيض البيضاء والصفراء من أيدي الناس على حد قول السالمي . لقد تجسدت ملامح الوحدة الوطنية في أبهى صورها حيث كان العدل هدفاً للراعي ونهجاً للرعية ولذا أقبل العمانيون على تشييد الحصون والقلاع وشق الأفلاج وغرس الأشجار مما عاد على عمان بالخير والمنفعة . |
( 16 ) الإسطول العماني في عصر اليعاربة لقد كان إتجاه اليعاربة ناحية البحر ضرورة إستراتيجية فرضتها الثوابت التاريخية والحقائق الجغرافية وبحكم موقع عمان التي يحدها الخليج العربي شمالاً وبحر العرب جنوباًَ وخليج عمان شرقاً وصحراء الربع الخالي غرباً لذا كانت الصحراء دائماً في ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي من أجل ذلك كانت قصة عمان مع الصحراء بمثابة فصل عادي في التاريخ العماني بينما كان البحر دائماً هو الركيزة الأساسية وبإتحاد البحر واليابسة معا شكلت كل فصول التاريخ العماني . وقد إستطاع آئمة اليعاربة سواء في فترة قودة الدولة أو حتى في فترات ضفعها أن يضعوا أيديهم على العنصر الفاعل في التاريخ العماني وهو إرتباط البحر باليابس بشكل متناغم إدراكاً منهم لخطورة الموقع وأهميته واللافت للنظر أن اليعاربة قد أدركوا أهمية الخطر الذي يواجههم والذي يعد في كثير من الحالات ظاهرة صحية حيث شحذ الوعي القومي وعمق الإحساس بالوعي الديني والوطني وفي جميع الحالات أبعد إحتمالات الإنغلاق على الذات واللامبالاة بالعالم الخارجي . لقد أدرك اليعاربة أن عدواً بعينه متربص بعمان يدفعها بقسوة ناحية الصحراء لأنه يرى فيها موطن الخطر ومكمن القوة ومفتاح المنطقة , وخلال هذا الصراع تشكلت الثوابت الإستراتيجية التي حددت ملامح دولة اليعاربة التي أجادت لعبة التوازنات بين كافة القوى الأوروبية المتنافسة على الخليج . وكنتيجة طبيعية لكل هذه التحديات فقد إقتحم اليعاربة حياة البحر ونجحوا إلى حد هائل في إعداد قوة بحرية إستطاعت تعقب البرتغاليين في الخليج العربي والمحيط الهندي ولم يكتف اليعاربة بخبرتهم المحلية بل طوروا سفنهم مستفيدين من التقدم الكبير الذي طرأ على صناعة السفن الأوروبية . ويبدو أن الإسطول العماني لم يتملك ناصية الموقف تماماً إلا عقب تحرير مسقط عام 1649م حيث راح الإسطول العماني يتعقب الإسطول البرتغالي على السواحل الهندية والإفريقية وشهدت الفترة من عام 1650 وحتى 1652 نشاطاً بحرياً عمانياً أقلق الإنجليز والهولنديين حيث تمكن الإمام سلطان بن سيف من الإعتماد بالكامل على السفن الحديثة بني بعضها في الهند والبعض الآخر تم شراؤها من الهولنديين , وإستخدم المدافع المتطورة بنفس كفاءة المدافع الأوروبية وكانت بومباي في مقدمة المناطق التي شهدت هجوماً عمانياً مكثفاً وفرض العمانيون رسوماً جمركية على مناطق عديدة مثل جوا وبرسالور ومتفالو وباتيكالا مما وفر لهم قدراً معقولاً من الأموال التي إستخدمت في تطوير السفن وإقتناء أفضل الأسلحة المتطورة . لقد كان تطور البحرية العمانية بشكل لافت خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر مؤشراً عملياً للتطور الإقتصادي الذي حققه العمانيون خلال هذه الفترة والذي شغلت التجارة فيه حيزاً هاماً خصوصا وأن نهاية الوجود البرتغالي في عمان يعد نهاية عملية لسياسة الإحتكار التي ألمت بالخليج العربي والمحيط الهندي منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي . أن تطور السفن العمانية بهذا الشكل الكبير لا يمكن أن يكون بسبب الإعتماد على السفن المشتراة من الإنجليز أو الهولنديون فقط وإنما إتخذ العمانيون من المراكز الصناعية في سورات ونهر السند وغيرهما من المناطق التي لم يعرف الإنجليز أو الهولنديون عنها شيئاً مراكز لصناعة سفنهم بعيداً عن أعين الأوروبيين وهو ما تشير إليه بعض المصادر الأجنبية . ويبدو أن الوصول بالإسطول العماني إلى الحد الذي تهابة أساطيل الدول الأوروبية لم يكن أمراً سهلاً فقد إستغرق ذلك جهداً ووقتاً وكانت عمليات التمويل في مقدمة الصعوبات إضافة إلى القلاقل والمشكلات الداخلية التي كانت تطل برأسها ما بين وقت وآخر . ووفقاً لتقرير كبته ويلمسون كمندوب عن الشركة الهولندية حينما إسندت إليه مهمة زيارة عمان عام 1774م حيث يبدي إندهاشه بسبب إفتقاد العمانيين إلى بحارة منقطعين للعمل على السفن العسكرية بل يتوافدون على السفن حينما يتطلب الموقف القيام بمهام عسكرية . والحقيقة أن هذه الملاحظة لها دلالتها على إعتبار أن النشاط الإقتصادي والعسكري كانا متلازمين ولم تعرف السفن العمانية الإحتراف بمعناه الدقيق ففي وقت السلم ينصرف البحارة لممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري وإذا ما تأزمت الأوضاع إنصرف البحارة إلى مهامهم العسكرية بعكس ما كان يحدث على السفن الأوروبية التي كان لها بحارة منقطعون للعمل في هذه المهام فقط . لعل ذلك كان يضاعف من صعوبة المهمة التي يقوم بها اليعاربة الذين كانوا يبنون بيد ويحملون السلاح باليد الأخرى وهي ظاهرة لم تعرفها أوروبا . يمكن فهم طبيعة الموقف على ضوء الدوافع التي كان يقاتل من أجلها العمانيون حيث كان الجهاد من اجل الدين والوطن طريقاً إلى النصر أو الإستشهاد وهي دوافع كان يفتقدها البرتغاليون . وبوفاة سلطان بن سيف عام 1679م خلفه إبنه بلعرب بن سلطان الذي نقل مقر إقامته من نزوى إلى جبرين ومازال حصنة قائماً هناك بخطوطه ورسومات جدرانه فريداً في بنائه وشاهداً على ذوقه الرفيع , وتذكر بعض الروايات أن شقيقه سيف قد خرج عليه سنة 1689م وأرجعت هذه الروايات الخلاف بين الشقيقين إلى عزوف بلعرب عن الحرب وإبرامه إتفاقاً مع البرتغاليين أعتقد سيف بإنه يحمل شروطاً مجحفة بحقوق العمانيين لذا فقد قاد سيف بن سلطان جبهة المعارضة رافضاً الإعتراف بحقوق البرتغاليين وأحتل حصون مسقط وجبرين وتمكن من السيطرة على زمام الموقف وحسم الموقف لصالحه حينما توفي شقيقة بلعرب . لقد تعددت شهادات المعاصرين والمؤرخين في وصف البحرية العمانية في عهد سيف بن سلطان فقد كتب بروس قائلاً : كان الإسطول العماني هائلاً لدرجة أثارت الرعب في نفوس الأوروبيين وكل الدلائل تؤكد إنهم كانوا يسيطرون على الخليج كله . ويذكر دكتور فراير الذي زار الخليج في عهد سيف بن سلطان أن العمانيين قد إكتسبوا مكانات بحرية هائلة وأن نشاطهم يهدد بندر عباس لدرجة أن الفرس طلبوا من الإنجليز حمايتهم من العمانيين .. وقد أضاف لوكير الذي زار مسقط في عهد سيف بن سلطان وشاهد واحدة من السفن العمانية وهي مجهزة بسبعين مدفعاً وأضاف أن الإسطول العماني تمكن من أسر واحدة من أغنى سفن كلكتا وكانت تحت قيادة الكابتن ميرفيل وعلى الرغم من أعمال الإسطول العمانيي ضد السفن الإنجليزية إلا أن الشركات الإنجليزية التي تملك هذه السفن لم تقم بعمل مضاد ضد عرب عمان . لقد إدعا البرتغاليون إنتصارات اليعاربة عليهم إلى إنها بسبب إمدادات واسحلة تلقوها من الإنجليز وأن السفن العمانية كان يقود معظمها ضباط إنجليز وكانت ترفع العلم الإنجليزي . والحقيقة أن هذا الإدعاء حاولت أن تروج له الإدارة البرتغالية لكن لم يثبت صحته سواء من جانب الإنجليز أو الهولنديين ولم تشر إليه كتابات الرحالة الأجانب إضافة إلى أن الإسطول الانجليزي نفسه كان مستهدفاً من قبل البحرية العمانية وحدثت مصادمات كثيرة سواء في عصر سلطان بن سيف أو سيف بن سلطان . والحقيقة أن المؤرخين والرحالة الأوروبيين قد أبدوا أهتماماً ملحوظا بالتفوق الذي وصلت إليه البحرية العمانية ويذكر البعض أن أئمة اليعاربة قد إستطاعوا بفضل صداقتهم لأمراء الهند أن يضمنوا جلب الأخشاب اللازمة لبناء السفن , وهناك عدة إتفاقيات عقدها اليعاربة مع حاكم مقاطعة بجو في الهند ولعل ذلك ما دفع جون مالكولم إلى الإعتقاد بأن أحسن الوسائل للقضاء على البحرية العمانية هو قطع الصلة بين عمان وأمراء الهند . ويمكن التعرف على المدى الذي وصلت إليه البحرية العمانية في عهد اليعاربة من خلال كتابات هاميلتون الذي ذكر أن البحرية العمانية كانت تتكون من مئات السفن الكبيرة ذات الحمولات المختلفة من المدافع الكبيرة والصغيرة . ويضيف الرحالة فريرز إنه من الضروري عدم إستفزاز العمانيين إذ إننا لن نجني من وراء ذلك سوى ضربات تنهال علينا , ويعترف المؤرخ الإنجليزي كوبلاند بأن البحرية العمانية في بداية القرن الثامن عشر قد أصبحت تفوق أية قوة بحرية أخرى لدرجة إن الأساطيل الإنجليزية والهولندية كانت تخشى مواجهة العمانيين , ويضيف مايلز أن اليعاربة قد صارت لهم السيادة الفعلية على المحيط الهندي وأصبحت سفنهم تنشر الرعب في قلوب الأوروبيين لمدة قرن ونصف . وحينما شعر العمانيون بأن فارس تنسق مع البرتغال بهدف إعادة إحتلال مسقط راح العمانيون يشنون هجوماً على نطاق واسع ضد بندر كنج وبندر عباس ودمروا المدينتين وأستولوا على السفن الفارسية والبرتغالية وفي عام 1717م عاود العمانيون هجومهم بهدف تحرير البحرين من الإحتلال الفارسي ونجحوا في ضرب حصار بحري على السفن الفارسية وأخضعت قواتهم حصون جزيرة قشم ولارك وسيطروا على موانئ جنوب فارس ومنعوا السفن الفارسية من الملاحة في الخليج مما أحدث قلقاً شديداً لدى الدوائر الأوروبية وخصوصا بعد أن إتخذ العمانيون من هرمز قاعدة لنشاطاتهم البحرية , وتشير التقارير الهولندية إلى أن عدد الحامية العمانية في هرمز تقدر بألف رجل يتناوبون على حراسة المضيق . لقد إستنفذت فارس كل الوسائل الداعية لإقامة تحالف مع أي من الدول الأوروبية بهدف القضاء على البحرية العمانية والإجهاز عليها , إلا أن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل وتؤكد كتابات المعاصرين لهذه الأحداث على سوء تقدير الفرس وتناقض مواقفهم بعكس العمانيين الذين أتسموا بصدق وإحترام شديدين وخصوصاً في معاملتهم لأهل الأديان الأخرى وحرية إقامة شعائرهم الدينية , ويذكر هاميلتون : لقد كان عرب عمان يشنون غارات ضد البرتغاليين على الساحل الهندي ويدمرون المدن والقرى ولكنهم لم يهاجموا الكنائس ولم يقتلوا أعزلاً أو طفلاً وكانوا يعاملون أسراهم معاملة كريمة بخلاف البرتغاليين الذين كانوا يعاملون أسراهم معاملة وحشية ويضيف هاميلتون : لقد كان العمانيون يمنحون أسراهم بدل أرزاق مثلما يعطون لجنودهم تماماً . |
( 17 ) اليعاربة والعلاقات الدولية تبدو إمكانات اليعاربة في مقدرتهم على الإستفادة من المنافسات الدولية في بحار الشرق وتقديرهم لأهمية العلافات المتوازنة مع القوى الأوروبية المتنافسة على الخليج العربي إبتداء من النصف الثاني من القرن السابع عشر وتتميز دولة اليعاربة بأنها قد تمكنت ومنذ عصر ناصر بن مرشد من أن تستثمر إمكاناتها الذاتية , حيث إمتزجت إمكانات البحر باليابس بطريقة متناغمة شكلت منظومة رائعة أعطت عمقاً إستراتيجياً دفع بعمان إلى أن تكون القوة العربية الوحيدة في منطقة الخليج القادرة على مواجهة كافة الأطماع الأجنبية والأقليمية . وتشير المصادر الأجنبية إلى أن الإمام ناصر بن مرشد تمكن من تحييد الإنجليز خلال صراعه مع البرتغاليين وبينما القوات العمانية تحكم الخناق على البرتغاليين إقتصادياً كانت شركة الهند الشرقية البريطانية تتفاوض مع العمانيين عام 1645م لإقامة علاقات إقتصادية وسياسية من خلال بعثة إنجليزية ترأسها فيليب وايلد الذي وصل إلى صحار وأبرم إتفاقاً مع الإمام ناصر بن مرشد يعطي للإنجليز حق حرية التجارة في مسقط وحرية ممارشة شعائرهم الدينية . وخلال عصر الإمام سلطان بن سيف 1649-1679م نجح العمانيون في إقامة علاقات متوازنة مع كل القوى الإوروبية ولم يجد سلطان بن سيف غضاضة في تنمية علاقاته مع الإنجليز وأستقبل الكولونيل رينسفورد بصفته مندوباً عن شركة الهند الشرقية عام 1659م وأثمرت المفاوضات عن منح الإنجليز أحدى القلاع في مسقط على أن لا يزيد عدد الجند بها عن مائة وأن يتقاسم العمانيون والإنجليز الإيرادات الجمركية مقابل العمل على تنمية موارد مسقط بما يحقق المصلحة للطرفين , إلا أن العمانيين لم يتحمسوا لتنفيذ بنود هذه الإتفاقية بسبب تنامي المصالح الهولندية في المنطقة وتراجع دور الإنجليز ولعلها كانت فرصة مناسبة لسلطان بن سيف الذي أدرك خطورة التنازل عن إحدى قلاع مسقط لواحدة من أكبر القوى الأجنبية ولعل ما يفسر تراجع سلطان بن سيف عن تنفيذ إتفاقية 1659م مع الإنجليز ذلك التفوق الهائل الذي حققه الهولنديون على الإنجليز خلال الفترة من 1654م وحتى 1684م حيث إنتزع الهولنديون معظم النشاطات الإقتصادية في الخليج . وعموماً فإن عدم تنفيذ إتفاقية 1659م لم يتسبب في توتر العلاقات العمانية الإنجليزية خصوصاً وقد إستخدم الإنجليز إسلوب الدبلوماسية المرنة حرصاً على مصالحهم المهددة في المنطقة والأكثر من هذا أن العلاقات العمانية الإنجليزية تنامت في عهد سلطان بن سيف 1649-1679م ونجح العمانيون في إقامة علاقات متوازنة بين الإنجليز والهولنديين مما ضاعف من نجاح المواجهة العمانية البرتغالية وراح الإسطول العماني يتعقب السفن البرتغالية في المحيط الهندي وسواحل شرق إفريقيا وسواحل الهند حيث هاجموا قاعدتهم في ياسين كما نجحت مجموعات عمانية أخرى في شن حملات مماثلة على سواحل كجرات وميناء بومباي وكانت معركة جزيرة سالت من أنجح هذه العمليات . ومما يجدر ذكره أن حجم الإنتصارات العمانية قد أذهلت القوى الأوروبية في الخليج العربي والمحيط الهندي لدرجة دفعت البرتغاليين إلى الإعتقاد بأن سبب الإنتصارات المتلاحقة للعمانيين يرجع إلى المساعدات الإنجليزية والهولندية ولعل إدعاء البرتغاليين يمكن تفسيره على ضوء مقدرة العمانيين على التعامل مع الإنجليز والهولنديين سواء من حيث إستثمار المنافسات القائمة بينهما والقدرة على تحييدها أحياناً والإستفادة من أسلحتها المتطورة في أحيان أخرى , أو من حيث أبرز حجم التناقضات القائمة بينهما من جانب وبينهما وبين البرتغاليين من جانت آخر ومقدرة الدبلوماسية العمانية على إستثمار عناصر التناقض وهو جهود لا تقل أهميتها عن الإنتصارات العسكرية العمانية . ويعتقد أحد الباحثيين بأن الإنجليز كانوا متعاطفين مع العمانيين بسبب الصراع المذهبي بين الإنجليز وبين البرتغاليين المتعصبين لمذهبهم الكاثوليكي مع الوضع في الإعتبار ما خلفه البرتغاليون من سمعة سئية بسبب سياسة الإحتكار التي بالغوا في تطبيقها مما ألحق ضررا بليغا بالمصالح الإقتصادية البريطانية . ويضيف بوكسر أن الإنجليز لم يقدموا مساعدات كبيرة للعمانيين وإن كان بعض الإنجليز قد عملوا كبحارة لدى العمانيين دون تكليف من شركة الهند الشرقية البريطانية ودون علم الحكومة البريطانية . ومع تقديرنا لوجهة النظر هذه إلا إنه إذا كان ثمة تعاطف إنجليزي مع العمانيين فإنه كان تعاطفاً تكتيكياً حكمته مصالح سياسية وإقتصادية يمكن فهمها في إطار سياقها التاريخي القائم وقتئذ بحكم القلق الذي إنتاب الدوائر البريطانية بسبب تصاعد القوة العمانية وتأتي إتفاقية 1661م بين الإنجليز والبرتغاليين تأكيداً لهذا المعنى حيث توجت بزواج الملك شارل الثامن من كاترين أوف برجنزا والتي نص في إحدى موادها على ان يقدم الإنجليز مسقط إلى البرتغاليين إذا ما قدر لهم في أي وقت السيطرة عليها , إضافة إلى أن العمانيين قد إعتادوا على مهاجمة السفن الانجليزية وأجبار بحارتها على مشاركتهم في الهجوم على القواعد البرتغالية لدرجة أن تقرير لشركة الهند الشرقية البريطانية في بندر عباس قد أقر بأن الإسطول العماني يعوق تجارة الشركة ويسبب لها خسائر كبيرة . وعلى الرغم من كل ذلك فقد حرص العمانيون على قيام علاقات متوازنة مع الإنجليز والهولنديين وتقديراً لأهمية هولندا ودورها في بحار الشرق فقد قدم الإمام سلطان بن سيف الأول مشروعاً يسهل للهولنديين نقل بضائعهم عبر الأراضي العمانية إلى البصرة بدلاً من جمبرون بعد أن بالغ الشاه عباس الثاني في فرض ضرائب باهضة على التجارة الهولندية . وعلى الرغم من تحسن العلاقات الهولندية مع فارس وعودة جمبرون كمركز تجاري للهولنديين إلا أن ذلك لم يكن على حساب المصالح العمانية الهولندية التي راحت تتحسن يوماً بعد يوم . وإذا كان العمانيون قد تمكنوا من تحييد الهولنديين بهدف الإجهاز على البرتغاليين إلا أن العلاقات العمانية الهولندية لم تصل إلى درجة التحالف بل العكس هو الصحيح فقد شعر العمانيون بأن الهولنديين يعتزمون الإنفراد بتجارة الخليج بدلاً من البرتغاليين ولم يكن اليعاربة على إستعداد لإستبدال النفوذ الهولندي بالنفوذ البرتغالي . لقد إنتاب الدوائر الفارسية قدراً كبيراً من القلق بسبب تنامي الإسطول العماني وأخذوا يستنجدون بالهولنديين أحياناً وبالإنجليز في أحيان أخرى . والملاحظ أن فارس لم تيأس من محاولة الإعتماد على القوى الأوروبية بهدف إحتلال مسقط وعلى أثر فشل محاولاتها مع الإنجليز والهولنديين قررت الإتجاه إلى فرنسا التي رحبت بهذا التعاون في البداية , وتمخض عنه إبرام معاهدة 1708م والتي تضمنت الكثير من البنود التي تنص في مجاملها على إحتلال مسقط إلا أن الدبلوماسية الفرنسية ما لبثت أن إكتشفت خطأ سياستها وكلما ضغط الفرس على الفرنسيين لبدء العمليات العسكرية راح الفرنسيون يتدرعون بكثير من الحجج في الوقت الذي كانت فيه الدبلوماسية العمانية تطور من تعاملها مع السياسة الفرنسية بينما كانت الأوضاع في فارس تتدهور بشكل ملحوظ . وفي عهد نادر شاه كانت أوضاع عمان قد أخذت في التدهور في ظل إمامة سيف بن سلطان الثاني , وأطلت الفتن برأسها من جديد ولم يهمل نادر شاه طلب إمام عمان العون منه , وإبحرت الحملة الفرنسية من بندر عباس سنة 1737م بقيادة لطيف خان وإجتاح الفرس عمان وإحتلوا مسقط ومعظم المدن الساحلية وهكذا أخذت تنهار دعائم الدولة بشكل لافت . والحقيقة أن عصر اليعاربة يمثل حالة إستثنائية في التاريخ العماني من حيث سرعة إنفراد اليعاربة بالحكم وتمكنهم من إستثمار كل مقومات النجاح وإعادة الوحدة الوطنية ومقدرتهم الفائقة على مقاومة خصومهم في الداخل والخارج , كل ذلك حدث في وقت قياسي لم يستغرق أكثر من عقد ونصف من الزمان , وبنفس السرعة أيضاً أخذت مقومات الدولة تتهاوى حيث أطلت الفتنة برأسها وأنقسم الناس بين مؤيد لهذا أو مناصر لذاك , وشاء القدر أن يخرج من نسيج المجتمع العماني رجل آل على نفسه أن يتصدى لكل عوامل الضعف ولأنه كان شخصية شديدة الإنضباط شديدة الجرأة , لذا فقد إتخذ من صحار رمزاً للوطن الكبير ومن هذه المدينة التاريخية إنطلقت المقاومة التي قادها الإمام أحمد بن سعيد مؤسس دولة البوسعيد عن إقتدار لكي ينهي عصر الضعف من أجل أن تبقى عمان وطنا أبدياً وفاعلاً وحياً . |
( 18 ) الإمام أحمد بن سعيد محرر عُمان لقد نجم عن المواجهة العمانية الفارسية أن توفي سلطان إبن مرشد قائد المقاومة العمانية داخل الحصن الرئيسي في صحار , وبعدها بأيام قلائل توفي سيف بن سلطان في قلعة الحزم بالرستاق وبوفاة الإمامين أعد المسرح لظهور رجل قوي شديد الإنضباط إستطاع أن يلعب دوراً فاعلاً في تحرير وطنه من الإحتلال الفارسي وهو الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الأزدي الذي يعد المؤسس الأول لدولة البوسعيد , وقد كان يشغل منصب والي صحار تلك المدينة التاريخية التي شاء قدرها أن تلعب دوراً هاماً في بعض المقاومة الوطنية . لقد لقي أحمد بن سيعد تأييداً كبيراً من المقاومة العمانية لدرجة أثارت الشك لدى الإمام سيف الذي ساورته الظنون في أن مؤامرة تدبر لخلعه عن الإمامة , لذلك أصدر أوامره وكان لا يزال مسيطراً على مسقط بالقبض على أحمد بن سعيد الذي أدرك ما يدبره له الإمام سيف فآثر العودة وهو في طريقه إلى مسقط . لم يلبث سيف أن أفصح عن عدائه لأحمد بن سعيد , لذا فقد بعث بأسطول إلى صحار التي إستعصت على المهاجمين إلا أن أحمد بن سعيد آثر السلامة وأعلن ولاءه للإمام سيف , وقبل أن يبعث بواحد من أبنائه إلى مسقط ليكون رهينة لدى الإمام كضمان لحسن نية أحمد بن سعيد , تسارعت الأحداث وتطورت بشكل سريع حيث أعلن الإمام سيف إنسحابه من مسرح الأحداث نادماً على ما سببه لبلاده من ويلات وظل في الرستاق إلى أن وافاه الأجل في الوقت الذي إستمر في حصار الفرس على صحار , وأصيب سلطان بن مرشد بجروح كثيرة عجلت بوفاته هو الآخر . لقد أدرك أحمد بن سعيد أن إختيار المهادنة هو أفضل السبل لإعادة ترتيب البست العماني , وتضيف المصادر العمانية أن الفرس طلبوا الصلح مع أحمد بن سعيد بهدف تأمين خروجهم من صحار بعد أن إستحال عليهم إحتلالها , بينما تؤكد المصادر الفارسية أن أحمد بن سعيد قد أبدى مرونة مع الفرس مما أكسبه ثقتهم لذا فقد قلبوا الإنسحاب من صحار لمواجهة المشاكل الداخلية التي بدأ يتعرض لها نادر شاه , الذي كان يخوض حرباً ضارية ضد العثمانيين , وسواء أكان الفرس هم الذين طلبوا رفع الحصار أو أن أحمد بن سعيد قد هادنهم فالمحصلة واحدة ,حيث إنحسر الوجود الفارسي عن صحار ومسقط ومطرح ولم يبق لهم إلا قوات قليلة إعتصمت بقلعتي الميراني والجلالي مما أتاح لأحمد بن سعيد فرصة التقاط الأنفاس . ويجمع المؤرخون على أن أحمد بن سعيد قد تميز بقدر كبير من الحنكة والدهاء لذا فقد هادن الفرس حتى يعطي لنفسه فسحة من الوقت لحل المشكلات الداخلية وأجمع العمانيون على مبايعته إماماً في الرستاق عام 1744م وبعد أن إستوثق من إمكانات عدوه تعمد إهمال دفع الجزية للفرس ثم أبقى على الحامية الفارسية في الجلالي والميراني دون رواتب أو إمدادات , وإمعاناً في أطباق الحصار قرر إعفاء التجارة القادمة إلى بركا من الضرائب الجمركية مما أغرى السفن التجارية على التوقف في ميناء بركا بدلاً من مسقط مما ضاعف من تدهور اوضاع الحامية الفارسية سواء لنفاذ ذخيرتهم أو إنقطاع المؤن عنها . لقد أدرك قائد الحامية الفارسية خطورة موقفه وإستنجد بالشاه الذي خوله إتخاذه ما يراه مناسباً , وتذكر بعض الروايات أن نادر شاه قد إتفق مع رجل يدعى ماجد بن سلطان أحد أقرباء سيف بن سلطان وأتفقا على أن يجمع الأخير أنصاره وأن تسانده الحامية الفارسية في حكم عمان تحت السيادة الفارسية , وتضيف نفس الروايات أن الرياح قد قذفت بسفينة ماجد أثناء عودته من تبريز حيث قبض عليه وإنتزع منه قرمان الشاه القاضي بتسليمه مسقط ومطرح وأرسله الإمام أحمد بن سعيد مع أحد أعوائه إلى قائد الحامية الفارسية في مسقط الذي سلم إليه قلعتي الجلالي والميراني وتحدد المصادر العمانية تلك الحادثة على إعتبار إنها بداية عملية لعهد البوسعيد ونهاية عصر اليعاربة . لقد أدرك الإمام أحمد بن سعيد منذ الوهلة الأولى أهمية إعادة الوحدة الوطنية , ومن اجل ذلك فقد بذل جهداً فائقاً مكنه من أن يعيد لعمان وحدتها وهيأ لها أن تلعب دوراً كبيراً خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر . وإذا كان الإمام أحمد بن سعيد قد برز في تاريخ عمان الحديث كمؤسس لدولة البوسعيد , إلا أن المعلومات الخاصة بحياته قبل سطوع نجمه تؤكد أنه كان تاجراً أميناً صادقاً مهاباً ذا مروءه ينحدر من أسرة عربية أصيلة , وقد تميز بجرأة نادرة وشجاعة فائقة لفتت إليه الأنظار , والحقيقة أن الإمام أحمد بن سعيد قد صادف في بداية توليه الإمامه العديد من المشاكل , التي تشبه إلى حد كبير نفس المشاكل التي واجهها ناصر بن مرشد في بداية حكمه , قالبلاد تحت قبضة إحتلال أجنبي والقبائل منقسمةة تتنازعها الأهواء والأخطار تحيط بعمان من كل جانب . ولا شك ان الدور الذي قام به الإمام أحمد بن سعيد في تثبيت دعائم الحكم قد إستغرق جهداً مضنياً ولعل أبرز ما واجهه من مشكلات داخلية في مستهل عهده ثورات اليعاربة بسبب فقدانهم الحكم إلا أن الإمام أحمد بن سعيد قد إستخدم إسلوب الحسم والقوة حينا واللين في كثير من الاحيان , كما عمد إلى إسلوب المصاهرة بهدف تهدئة القبائل المناوئه له ومن ذلك زواجه من أرملة سيف بن سلطان ومصاهرته لشيوخ بني الهلالي الذين توثقت علاقاتهم به منذ أن كان واليا بصحار كما عني بتوثيق علاقاتهم به منذ أن كان والياً على صحار , كما عني بتوثيق علاقات الجوار مع القبائل العربية القاطنة في جنوب فارس ومنطقة عربستان , وتحالفه مع قبائل بني كعبعند شط العرب ونهر الفاروق كما توطدت علاقاته مع قبائل بني معن القاطنة غرب بندر عباس , وكل هذه العلاقات كانت بهدف الحيلولة دون تمكن فارس من أن تنال أهدافها التوسعية في عمان ومن أجل ذلك فقد فشلت جهود كريم خان في السيطرة على القبائل العربية في بلاد فارس . وإمتدت علاقات الإمام أحمد بن سعيد إلى الهند , حيث ساعد شاه علم إمبراطور المغول وعاونه في حروبه ضد القراصنة الذين كانوا يعوقون التجارة بين بانجالور في ساحل الهند الغربية وبين مسقط , وتوجت هذه العلاقات بينهما بأبرام معاهدة 1766م التي وضعت الأسس لعلاقات إقتصادية وسياسية كانت على درجة كبيرة من الأهمية حيث إقتضت إنشاء دار في مسقط لمبعوث الحاكم المغولي الذي أصبح يعرف ببيت نواب . وتبدو عبقرية الإمام أحمد بن سعيد في أن البلاد شهدت ولأول مرة بعد أكثر من عشرين عاماً من التفكك نوعاً من السلطة المركزية بعد أن توحدثت القبائل المتناحرة وإتخذت الإجراءات الكفيلة بترسيخ أسس الدولة الحديثة , حيث أعيد بناء القوات المسلحة بما يتناسب وحجم التحديات التي كانت تواجه عمان وقتئذ , ثم وضعت قواعد جديدة لتحديث الأنشطة الإقتصادية والتعليمية , وقام بإعادة بناء الإسطول الحربي والتجاري , وفي عهده أصبحت مسقط من اهم المدن التجارية في الخليج وغدا ميناؤها من أهم الموانئ التجارية في بحار الشرق وفقا لشهادات المؤرخين الأوروبيين . والملاحظ أن عمان وفي أقل من عشر سنوات قد إستعادت كل مقوماتها ووصلت البلاد إلى درجة من الإستقرار والرقي لدرجة أن التقارير الإنجليزية والهولندية وقتئذ قد إعترفت بالسيادة العمانية على كثير من شواطئ الخليج العربي والمحيد الهندي وأشادت بفطنة وذكاء الإمام أحمد بن سعيد , الذي إستمال إليه أبناء وطنه وإتسم بالتسامح في تعامله مع الأجانب وإمتد نفوذه إلى شواطئ الهند وشرق إفريقيا . ويعترف ريسو بأن عمان في عهد الإمام أحمد بن سعيد قد إستعادت قدرتها بشكل مذهل وإنها قد إستفادت من تدهور الأوضاع في فارس وكذا تدهور القوى الأوروبية في الخليج خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر , ويشير تقرير هولندي صدر عام 1749م إلى أن الإمام أحمد بن سعيد قد إستطاع بمهارة شديدة من أن يستميل إليه كل العرب القاطنين على السواحل الفارسية وقد إستخدم إمكاناتهم العسكرية في صراعه مع فارس , لذا فقد إستطاع أن ينقل الحرب العمانية الفارسية إلى الأراضي الفارسية مما أجهز على الأهمية التجارية لبندر عباس . ويمكن القول بأنه إذا كانت دولة اليعاربة قد وصفت بأنها دولة بحرية حربية فمن المناسب وصف دولة البوسعيد بأنها دولة بحرية حربية تجارية . وتجمع المصادر العربية والاوروبية على أن الإمام أحمد بن سعيد قد نقل البلاد نقله هائله من خلال سلطة مركزية عنيت بكل مجالات التمنية إعتماداً على رصيد ضخم من التجربة البحرية والتجارية , وفي الوقت الذي عمت منطقة الخليج حالة من الفوضى السياسية والإقتصادية كان العمانيون يمضون قدماً نحو ترسيخ قواعد الدولة الحديثة التي حظيت وفي أقل من عشر سنوات بتقدير وإحترام كل القوى الأوروبية المتنافسة , لذا فقد حرصت كل الدول الأوروبية على إقامة وكالات تجارية في المدن العمانية وخصوصاَ مسقط التي أصبحت منذ 1790م واحدة من أهم المدن الآسيوية وفقاً لتقرير أعدته شركة الهند الإنجليزية , ويؤكد التقرير على أن مسقط تمارس نشاطاً تجارياً يفوق حجم التجارة في كل المدن الخليجية الآخرى . |
( 19 ) الإمام أحمد بن سعيد ينقذ البصرة من الحصار الفارسي مع مطلع عام 1189هـ/1775م أعد كريم خان جيشاً فارسياً قدر بثلاثين ألف مقاتل تحت قيادة أخيه صادق خان بهدف إحتلال البصرة بحجة سوء المعاملة التي يلقاها الفرس والضرائب التي تفرض عليهم وهم في طريقهم إلى الأماكن المقدسة في النجف وكربلاء , لذا فقد بعث كريم خان للباب العالي طالباً رأس عمر باشا (والي بغداد) وهدد بغزو العراق إذا ما رفض طلبه , وكان من الصعب على الباب العالي أن يستجيب لشروط كريم خان , التي كانت بمثابة مقدمات طبيعية لتبرير العزو . ومع مطلع عام 1775م وصلت القوات الفارسية إلى البصرة التي حمل لواء الدفاع عنها سليمان آغا بمساندة أهلها وضرب حصاراً حول البصرة لأكثر من عام , وظل الأسطول الفارسي يقذف المدينة بنيران مدافعه وأدرك قائد حاميتها أنه لن يستطيع الإستمرار خصوصاَ وأن والي بغداد الجديد (مصطفى باشا) قد إعترف بعجزه عن إمداد المدينة المحاصرة بإحتياجاتها من المؤن والاسلحة . ولم تجد القبائل العربية في البصرة حرجاً من الإستنجاد بالإمام احمد بن سعيد الذي وضع إمكانات بلاده تلبية لنداء أخوانه في البصرة وأعد أسطولاً من ثمانين قطعة بحرية تتقدمهم سفينة الإمام المسماه بـ (الرحماني) وقاد الإسطول هلال بن الإمام أحمد بن سعيد . وعندما وصل الإسطول العماني إلى مصب شط العرب وجد سلسلة حديدية منصوبة على النهر كان الفرس قد وضعوها على جانبي النهر ليحولوا دون وصول العون إلى المدينة المحاصرة ووضعوا حامية كبيرة مزودة بالمدافع , لذا فقد إضطر الإسطول العماني إلى الإنتظار في ملاذ أمين لعدة أيام , وبعد دراسة الموقف إستطاع الإسطول العماني أن يشق طريقة تتقدمه سفينة القيادة الرحماني التي تمكنت من قطع السلسلة الحديدية والدخول إلى شط العرب . وعلى الرغم من نيران المدفعية الفارسية التي صوبت نحو العمانيين إلا أنهم قد تمكنوا من دخول شط العرب في منتصف عام 1775م . لعل أصدق ما قيل في هذه المناسبة ما قاله شيخ قبيلة المنتفق حينما ألتقى بهلال إبن الإمام أحمد حيث قال : (ياخوي نحن سقماء وأنتم حكماء , داوونا والمعافي هو الله) , لعل هذه العبارة تلخص بوضوح دلالة هذه النجدة العمانية وإهميتها وهي تجربة عربية رائدة نحن في أشد الحاجة إلى إستنطاق معانيها وإعادة تذكرها . لم يكن في إستطاعة قوات صادق خان أن تحول دون إنزال المؤن والرجال إستعداداً لشن هجوم كبير على القوات الفارسية في اليوم التالي , وفي المعركة الضارية التي دارت بين الطرفين شعر القائد الفارسي بتصميم العرب على الإنتصار , لذا فقد أعلن عن منح جنودة مكافاة مقدارها ثلاثة تومانات لكل شخص يقتل وخمسة لكل أسير , لكن كل هذه المحاولات لم تحقق نتائج إيجابية حيث التحمت القوات العربية والفارسية ودار بعضها بالسلاح الأبيض وإذا كان الحصار الفارسي قد فشل إلا أن مخاطره كانت ما تزال متوقعة بسبب المساعدات الكبيرة التي راح يبعث بها كريم خان بينما أخذت تتدفق المساعدات العمانية وإستمرت الإشتباكات لعدة شهور أخرى . لقد حقق الإسطول العماني الحماية الكاملة لمنطقة شط العرب وأمن المساعدات القادمة من عمان وفي أوائل عام 1776م إنسحب الإسطول العماني عائداً إلى بلاده خوفاً من أن تكون فارس تعد العدة للهجوم على عمان . لقد كان إنقاذ البصرة وأهلها من الهجوم الفارسي سبباً كافياً لتقدير العثمانيين الدور العماني لذا فقد تقرر أن تمنح عمان مكافأة سنوية من خزانة البصرة وقد إستمرت هذه المكافأة منذ عهد الإمام أحمد بن سعيد وحتى عهد السيد سعيد بن سلطان . |
( 20 ) السيد سلطان بن أحمد بن سعيد إتجهت أنظار السيد سلطان بن أحمد إلى خارج عمان بعد أن وطد حكمه في الداخل وراح يسترد الاملاك التي ضاعت في غفلة من الزمن فأستعاد جزر قشم وهرمز والبحرين وبهذا تمكن من إتقاء الخطر الفارسي والاوروبي وكذلك قضى على خطر الوهابيين الذين غزو عمان وتحالفوا مع اهل البحرين وإسترد نفوذه على البحرين , كما بسط نفوذه على الموانئ الهامة في ساحل مكران وإستولى على ميناء شهبار وجوادر كما إستولى على ميناء بندر عباس بفضل البحرية العمانية القوية حيث وصل عدد سفن الإسطول العماني في عهده إلى أكثر من 500 سفينة . وقد رأى السيد سلطان بن أحمد أن يستفيد من الصراع القائم بين الفرنسيين والإنجليز في مياه المحيط الهندي لمصلحه بلده , خاصة وأن كلا الطرفين حاول أن يوطد علاقته بعمان ضد الطرف الآخر , فأبرم إتفاقية بينه وبين الإنجليز عام 1798م نتج عنها قبول ممثل سياسي بريطاني في عاصمة عمان للمرة الأولى عام 1800م ورغم هذه الإتفاقية فإن السيد سلطان لم يقطع علاقته التجارية بالفرنسيين في جزيرة موريشيوس ولم يمنع أصحاب السفن العمانية من ذلك . وهكذا وازن السيد سلطان بن أحمد في سياسته الخارجية بين التطلعات البريطانية والفرنسية في منطقة الخليج ودعم نفوذه في هذه المنطقة حرصاً منه على أمن وسلامة الخليج . وفي الداخل قام السيد سلطان بن أحمد بتحصين مدينة مسقط وذلك ببناء قلعة ضخمة على أرض الرواية لتكون حصناً للمدينة كما بنى البرج المقابل لها والبرج الشرقي الجنوبي ثم شيد بداخل مسقط قصراً ضخماً وهو بيت العلم الذي بني على أرضه قصر العلم الحالي وجعله مقره الخاص . |
( 21 ) السيد سعيد بن سلطان وتأثيرة في شرق إفريقيا لقد شاركت عدة عوامل في جعل الوجود العماني في شرق إفريقيا وجوداً حضارياً فاعلاً وخصوصاً في عصر البوسعيديين . والحقيقة أن العصر الذهبي للتأثير الحضاري العماني في شرق إفريقيا هو عهد السيد سعيد بن سلطان الذي تولى الحكم بعد وفاة والده السيد سلطان بن أحمد عام 1804م حيث كان لقوة شخصية الرجل ودبلوماسيته ورؤيته الشاملة وبعد نظره أكبر الأثر في ترسيخ ملامح الحضارة العمانية في شرق إفريقيا والتي شكلت في مجملها ركائز حضارية كانت بمثابة أشعاع ثقافي وحضاري . لقد كان للسيد سعيد بن سلطان أكبر الأثر في نشر الحضارة العربية والإسلامية في شرق إفريقيا وقد وصفته المصادر العربية والأجنبية بأنه من أكفأ الحكام وأكثرهم حنكة ومقدرة على الإدارة مما يؤهله لكي يكون من أبرز الرواد السياسيين في تاريخ آسيا وأفريقيا خلال القرن التاسع عشر . وتبدو عبقرية السيد سعيد حينما إختار زنجبار عام 1833م لكي تكون عاصمة لشرق إفريقيا بعد أن نجح في الإنتقال بها من مجرد جزيرة صغيره إلى مركز إشعاع سياسي وإقتصادي وثقافي لشرق وأواسط إفريقيا قاطبة , وتمكن العمانيون في عهده من التواجد بداية من مقديشو شمالاً وحتى رأس دلجادو في جنوب الساحل الشرقي كما إمتد النفوذ العماني في الإتجاه الشمالي الغربي حتى ممكلة بوغندا وغرباً حتى اعالي الكنغو (زائير حالياً ) . لقد إستعان البوسعيديون في شرق إفريقيا بعدد كبير من المستشارين والعلماء في كافة الميادين وأوكل إليهم مهمة تسيير العمل الحكومي وتشير المصادر العربية والإجنبية إلى المكانة العالية التي تبوأها العلماء والفقهاء من كافة المذاهب حيث ساد التسامح بين المذاهب والديانات المختلفة وقد خص السيد سعيد بن سلطان أهل البلاد بمعاملة كريمة وكانت المساواة بين كافة السكان بصرف النظر عن أصولهم العرقية من أهم ما يتميز به السيد سعيد بن سلطان . كما إستعان البوسعيديون بالشخصيات النابهة وأختير من بينهم الوزراء والمستشارون والقضاة الذين كانوا عوناً للحكام في تصريف شؤون الدولة , وقد عمل بهذا التقليد منذ عند الإمام أحمد بن سعيد ومما يميز سياسة البوسعيديين توخيهم العدالة في إدارة البلاد وإختيارهم أكفأ العناصر في الجهاز الإداري بصر النظر عن هويتهم العرقية او الدينية , ونتيجة لهذه السياسة فقد ساد جو من الألفة والتجانس وتوثقت العلاقات الإجتماعية بين كافة الأوساط وإنعكس ذلك بشكل لافت على فقهاء المذاهب المختلفة لدرجة أن القضاة في عهد السيد سعيد بن سلطان كان بعضهم من الأباضية وبعضهم من السنة على الرغم من أن المذهب الأباضي هو المذهب الرسمي للدولة وكان لقضاة السنة مطلق الحرية في عقد محاكمهم في منازلهم أو في المساجد العامة وفي أي وقت شاءوا , إلا ان القضايا الكبيرة ذات الطابع العام كان يتم الفصل فيها في بيت الساحل وهو المقر الرسمي للحكومة . كذلك فقد نجح البوسعيديون في جمع كلمة القبائل العربية في شرق إفريقيا وذلك بمشاركة زعماء القبائل وإستشارتهم في مهام الدولة ومشاكلها سواء في عمان أو في زنجبار وملحقاتها وكان من بين القوى العربية في زنجبار وشرق إفريقيا عرب حضرموت الذين إنخرطوا في خدمة الدولة البوسعيدية وكان منهم القضاة والمستشارون . لعلم مما يسترعي النظر أن الحكام البوسعيديين قد تقربوا إلى الناس بالعدل وكانت الشورى من أهم الوسائل التي إعتمدوا عليها في إرساء دعائم دولتهم ونادراً ما كانوا ينفردون بأمر دون إستشارة رؤساء القبائل والعلماء والفقهاء وكانوا جميعاً يمثلون جماعة أهل الحل والعقد . لقد عرف المجتمع الإفريقي المجالس السلطانية التي كان يعقدها الحكام البوسعيديون للتعرف على مشاكل الرعية من قرب ولسماع الرأي فيما يتعلق بمصالح الجميع , وكان لكل فرد حق حضور هذه المجالس التي كانت تعقد في يومي الجمعة والإثنين من كل إسبوع , على فترتين الأولى في الساعة التاسعة صباحاً , والجلسة الثانية عقب صلاة العصر , ومن حق كل مواطن أن يطلب لقاء منفرد مع السلطان إذا كان لديه مطلباً خاصاً يجد حرجاً في عرضه أمام الجميع . |
( 22 ) الإسطول العماني في عهد السيد سعيد بن سلطان لقد شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر إهتماماً كبيراً ببناء الإسطول التجاري والحربي في عهد السيد سعيد بن سلطان وكانت الموانئ العمانية مثل مطرح ومسقط وصور تعد من اهم أحواض بناء السفن إضافة إلى السفن التي تعاقد السيد سعيد على بنائها في الهند وخصوصاً في بومباي . ومن أشهر السفن في تاريخ الإسطول العماني (تاج بكس) و(كارولين) و (شاه علم) و (ليفربول) و (سلطانة) و (تاجه) وقد أهدى السيد سعيد البارجة ليفربول إلى وليم الرابع ملك بريطانيا عام 1824م وقد أطلق عليها الأخير إسم (الإمام) تكريماً لمهديها السيد سعيد بن سلطان . أما السفينة الحربية سلطانة فقد كانت من أهم قطع الإسطول العماني وقد أرسلت إلى ميناء نيويورك عام 1840م تحمل هدايا للرئيس الإمريكي فان بورين . لقد كان إسطول عمان الحربي والتجاري في الخليج العربي والمحيط الهندي خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر يعد ثاني أكبر إسطول بعد الإسطول البريطاني وكان لذلك الإسطول الضخم قواعد رئيسية على الساحل الشرقي للخليج العربي في موانئ بندر عباس وحاسك وشامل وسياب ولنجة وجزر قشم وهرمز ولارك , أما على الساحل الإفريقي فكان لعمان قواعد بحرية في ممباسا ولامو وكلوه ومقديشو وزنجبار . وعلى الرغمن من القوة البحرية التي كان يمتلكها السيد سعيد بن سلطان إلا إنه إتصف بالحذر الشديد وعد الدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبه , لذا فقد إقتصر نفوذه على السواحل ولم يغامر بالتوسع في الداخل سواء كان ذلك على الساحل الشرقي للخليج العربي أو على الساحل الإفريقي . ولكن التجار العمانيين توغلوا في داخل إفريقيا ووصلوا إلى ما يعرف حالياً بأواسط كينيا والبحيرات الإفريقية , وتاجروا مع الأهالي ونشروا الإسلام والثقافة العربية وكانوا بمثابة أو جسر ثقافي بين العرب وإفريقيا . لقد سجل أحمد التجار الإمريكيين الذين زاروا زنجبار في بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر مشاهدات وإنطباعاته عن تجربة السيد سعيد الذي وصل شرق إفريقيا على رأس قوة تتألف من سفينة مزودة بأربعة وستين مدفعاً وثلاث فرقاطات مزود كل منها بستة وثلاثين مدفعاً وسفينتين مزود كل منهما بأربعة عشر مدفعاً وحوالي مائمة مركب نقل عليها ستة آلاف مقاتل وعلى الرغم من بعد الممتلكات العمانية في إفريقيا عن عمان بأكثر من خمسة الآف ميل إلا أن الإسطول العماني من من القوة بحيث يحرس هذه الممتلكات الشاسعة الممتدة بين بندر عباس إلى زنجبار , كما كان يحرس عشرات الموانئ الواقعة على السواحل العربية والإفريقية وعشرات الجزر المتناثرة في الخليج العربي والمحيط الهندي . لقد أرسل السيد سعيد بن سلطان سفينته سلطانه إلى نيويورك تقل سفيره أحمد بن نعمان الكعبي أول مبعوث عربي إلى الولايات المتحدة الإمريكية وقد زارت السفينة ذاتها لندن عام 1824م تحمل السفير علي بن ناصر إلى الملكة فكتوريا . وتشير الوثائق التاريخية إلى أن السفينة العمانية كارولين قد زارت مرسيليا عام 1849م زيارة مجاملة حاملة الكثير من بضائع الشرق , وفي منتصف القرن التاسع عشر كان الإسطول العماني التجاري المسلح يتكون من مائة سفينة متعددة الحمولة مزود كل منها ما بين عشرة مدافع إلى أربعة وسبعين مدفعاً إضافة إلى مئات المراكب التجارية الصغيرة . ومن عجائب القدر أن السيد سعيد بن سلطان قضى أيامه الأخيرة يجوب المحيط الهندي على ظهر السفينة فكتوريا عائداً من مسقط وقد توفي على ظهرها عام 1856م وهي بالقرب من جزيرة سيشل . وتشير المصادر الأجنبية إلى أن السيد سعيد بن سلطان قد بلغت عنايته بالإسطول لدرجة إستقدام خبراء من بريطانيا وهولندا والبرتغال وفرنسا لتفقد السفن المصنعة له في ترسانات السفن في بومباي . لقد كانت الموانئ العمانية مهيأة لإستقبال أكبر السفن من الدول الصديقة التي ترتبط معها عمان بعلاقات تجارية وتشير تقارير قناصل وقادة الأساطيل الاوروبية إلى التسهيلات التي كانت تقدمها سلطات الموانئ العمانية إلى تلك الأساطيل وقد أثنوا جميعاً على ما لاقوه من مساعدات وضيافة من قبل السيد سعيد وأولاده وممثليه . ومن أجل إعطاء مثال عن حجم الأساطيل الأجنبية التي كانت تزور الموانئ العمانية خلال فترة السيد سعيد بن سلطان , نذكر أن عدد السفن الإمريكية التي زارت ميناء زنجبار عام 1834م فقد كان ثلاثين سفينة تجارية وقد أسست الولايات المتحدة قنصلية في زنجبار قبل أربع سنوات من تأسيس أول قنصلية بريطانية فيها . وعند وفاة السيد سعيد بن سلطان عام 1856م على ظهر السفينة فكتوريا قبالة شاطئ سيشل كانت الإمبراطورية العمانية تمتلك أكبر إسطول تجاري وبحري في المنطقة الممتدة ما بين الخليج العربي وجزيرة مدغشقر . |
( 23 ) عُمان والولايات المتحدة في عهد السيد سعيد بن سلطان لقد إجتذبت عمان إهتمام الإمريكيين منذ بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر , ليس لأهمية موقعها فقط وإنما لشهرة صادراتها الإفريقية من العاج والذهب والجلود والقرنفل , وكان تطوير الشرق الإفريقي في عهد السيد سعيد بن سلطان عامل جذب لكثير من القوى الأجنبية وكانت الولايات المتحدة الإمريكية في مقدمة القوى الأجنبية التي تطلعت إلى فتح أسواق لها في زنجبار وخصوصاَ حينما زارها التاجر الإمريكي (أدموند روبرتس) الذي وجد نشاطاً تجارياً رائجاً وتسهيلات كبيرة تمنح للأجانب , لذا فقد عاد إلى بلاده حاملاً فكرة عقد معاهدات تجارية بين عمان والولايات المتحدة بهدف تحقيق تبادل تجاري بين البلدين , وكتب إلى الرئيس الإمريكي أندرو جاكسون موضحاً له النتائج المرجوة من التعامل مع أسواق جديدة تزخر بنفائس البضائع الإفريقية , ووافق الرئيس الإمريكي على الفور وعهد إلى أدموند روبرتس بأجراء المفاوضات اللازمة وكان وصول السفينة الإمريكية بيكويك حاملة بعثة روبرتس إلى مسقط دليلاً على ان الإمبراطورية العمانية دولة ذات أهمية خاصة . وفي سبتمبر 1833م أبرمت اول إتفاقية بني السيد سعيد بن سلطان والولايات المتحدة الإمريكية , وظلت هذه الإتفاقية سارية المفعول حتى عام 1958 حين إستبدلت بمعاهدة جديدة نظمت العلاقاتت الإقتصادية والدبلوماسية بين البلدين. لقد إمتنع الإمريكيون بموجب هذه المعاهدة بإمتيازات إقتصادية وقضائية حيث أصبح التجار الإمريكيون يتاجرون في أراضي الإمبراطورية مقابل 5% فقط كرسوم على البضائع التي يصدرونها كما صار من حق القنصل الإمريكي فض كافة المنازعات التي تنشأ بين رعايا دولته مقابل حق قنصل عمان في الفصل في القضايا بين الرعايا العمانيين في الولايات المتحدة الإمريكية . لقد حمل المبعوث الإمريكي من السيد سعيد بن سلطان إلى الرئيس الإمريكي أندرو جاكسون مع نص الإتفاقية . ومما جاء في رسالة السيد سعيد للرئيس جاكسون : (لقد إستجبت لرغبات معالي سفيركم روبرتس وذلك بإبرام معاهدة صداقة وتجارة بين بلدينا العزيزين .. هذه المعاهدة التي سنتقيد بها بكل إخلاص أنا ومن يخلفني في الحكم وتستطيع سيادتكم أن تطمئن بأن كل السفن الإمريكية التي ترسو في الموانئ التابعة لي ستلقى نفس المعاملة الكريمة التي نلقاها في موانئ بلادكم السعيدة ) . لقد إحتجت بريطانيا وحذرت السيد سعيد من ان الولايات المتحدة لها أطماع في شرق إفريقيا وبالسياسة الهادئة التي تميز بها لسيد سعيد طلب من الأنجليز عقد معاهدة معهم مشابهة للمعاهدة الإمريكية وتم إبرام هذه المعاهدة عام 1839م. لقد أدت الإتفاقية العمانية الإمريكية إلى إزدهار التجارة بين البلدين إذ إستقبل ميناء زنجبار سفناً إمريكية تحمل قماشاً قطنياً سرعان ما وجد قبولاً رائجاً في شرق إفريقيا إلى جانب الأدوات المنزلية والبنادق والبارود والساعات والأحذية , وفي المقابل حملت السفن الإمريكية من زنجبار القرنفل والعاج وجوز الهند والتوابل لدرجة أن عدد السفن الإمريكية التي رست في زنجبار عام 1835م قد وصلت إلى ثلاثين سفينة , لذا فقد إختارت الحكومة الإمريكية المستر ريتشارد ووترز في عام 1836م ليكون أول قنصل إمريكي مقيم في مسقط , إلا أن العلاقات العمانية الإمريكية قد تعرضت لعدة مشاكل من اهمها : 1. رغبة السيد سعيد في تعديل المادة الثانية من المعاهدة المعقودة بين الطرفين عام 1833م والتي تنص على حق التجار الأمريكيين دخول كل الموانئ الخاضعة للسيد سعيد , على إعتبار أنه كان يقصد زنجبار فقط ولم ترغب الحكومة الإمريكية في الإستجابة لطلب السيد سعيد فتحرم تجارها من التجارة في بقية موانئ الإمبراطورية . 2. لقد إرتكب بحار إمريكي جريمة قتل في حق مواطن عربي مما فتح المجال لإعادة النظر في إختصاصات القضاء القنصلي خصوصا وقد تكرر إعتداء الإمريكيين على التجار الهنود المشمولين بالرعاية البريطانية . 3. لقد لعب القنصل الإمريكي في زنجبار شارل وارد دوراً في سوء العلاقة بين البلدين لذا تدهورت العلافات بشكل ملحوظ . فقد حرصت الإدارة الإمريكية على معالجة المشكلات المعلقة بين البلدين , لذا فقد أرسل الرئيس الإمريكي ميلارد فيلمور مبعوثاً خاصاً إلى السيد سعيد بن سلطان (الكومودور أوليك) وصل زنجبار في اول ديسمبر 1851م وأجتمع مع التجار الإمريكيين قبل أن يلتقى بالسيد سعيد , وعرف منهم إحترام السيد سعيد للجالية الإمريكية وحسن معاملته لهم والإمتيازات التي يتمتعون بها , لذا فقد حرصت الولايات المتحدة على إختيار قناصلها في مسقط وزنجبار بعناية خاصة بهدف تطوير العلاقات بين البلدين والتي أخذت تتنامى منذ عام 1852م , لذا فقد أشاد القناصل في تقارير بروح المودة التي يبديها السيد سعيد نحو الإمريكيين . |
( 24 ) أزمة الإمبراطورية العمانية بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان الإمبراطورية العمانية الممتدة من بحيرات إفريقيا الوسطى غرباً حتى مشارف شبه القارة الهندية شرقاً كانت محصلة لجهد فائق قام به رجل موهوب هو السيد سعيد بن سلطان , لذلك كانت وفاته عام 1856م نقطة تحول خطيرة في تاريخ هذه الإمبراطورية العملاقة , حيث إنقسمت إلى دولتين القسم الإفريقي أي زنجبار فقد أصبح تحت سلطة السيد ماجد بن سعيد أما القسم الآسيوي فتولى حكمه السيد ثويني بن سعيد الذي كان ينوب عن والده في حكم عمان منذ عام 1833م . لقد أضحى لكل من الأخوين نفوذه الكامل على أقليمه , وبمبادرة من ماجد عين محمد بن سالم مبعوثاً للسلطان ثويني لدى أخيه في زنجبار , وقد قام بمحادثات أدت إلى تعهد ماجد بدفع أربعين ألف ريال نمساوي لأخيه ثويني في عمان كتعويض عادل لحاجة ثويني الماسة إلى المال , إلا أن هذا المبلغ لم يستمر بسبب إنخفاض موارد زنجبار لذا سارع ثويني بإصدار إعلان 1856م أكد فيه إنه الحاكم الفعلي والشرعي لجميع ممتلكات عمان بما فيها إقليم زنجبار وتفاقم الصراع بين الأخوين حتى جرد ثويني حملة عسكرية لمواجهة أخيه في زنجبار إلا أن الإدارة البريطانية في الهند أوقفت الحملة ودعت الأخوين إلى عرض المشكلة للتحكيم وإستدعى الأمر تشكيل لجنة تحقيق سنة 1861م ووافق الأخوان على أن تكون توصيات اللجنة ملزمة للطرفين وإنتهت اللجنة إلى قرار بتقسيم الإمبراطورية العمانية إلى جزأين منفصلين آسيوي وإفريقي كما أقرت اللجنة بأن يدفع ماجد المبلغ المتفق عليه لأخيه إضافة إلى الأقساط المتأخرة التي بلغت ثمانين ألف ريال نمساوي . لقد أضعف هذا القرار من إمكانات عمان التي أصبحت إقليمين منفصلين , وخاصة بعض أن إستولى ماجد على جميع السفن التجارية والحربية التي كانت راسية في زنجبار عشية وفاة والده السيد سعيد والتي تمثل الجزء الأكبر من إمكانات الإمبراطورية العمانية مما أدى إلى تدهور ملحوظ في إمكانات عمان الإقتصادية وخصوصاً أن كثير من التجار إنتقلوا برؤوس أموالهم إلى زنجبار بعد عام 1861م. |
( 25 ) حكم السيد تركي بن سعيد منذ عام 1870م أخذت الأوضاع الداخلية في عمان تتفاقم وكادت البلاد أن تدخل في أتون حرب أهلية لولا ظهور السيد تركي نجل السيد سعيد والذي يعد واحداً من الشخصيات المرموقة لدى القبائل العمانية . لقد قرر السيد تركي إحداث تغيير هام بهدف إحتواء الأوضاع المتدهورة وقد شجعه على ذلك عدة عوامل أهمها إستناد السيد تركي على المساعدات المالية المتفق عليها مع أخيه ماجد حاكم زنجبار وكذلك إمكانات السيد تركي الخاصة حيث تميز بعلاقات قوية مع القبائل العمانية إضافة إلى مواهبة الدبلوماسية ومقدرته السياسية على معالجة الأمور بما لديه من خبرة أهلته للقيام بهذه المهام . وقد بدأت رحلته الشهيرة من الهند متجهاً صوب الساحل العماني بهدف لم الشمل وجمع الكلمة ولم يتبع السيد تركي إسلوب إثارة سكان الساحل ضد النظام القائم في الوقت الذي تلقى فيه مساعدات سخية من أخيه ماجد في زنجبار , مما ساعده على التفاهم مع شيوخ القبائل المقيمين في المناطق الإستراتيجية بهدف تأمين تحركاته , لذلك فقد حظى بتأييد شيوخ دبي ورأس الخيمة وعجمان وشيوخ النعيم وبني قيس كما لقى تأييداً من الغافرية . وفي الوقت الذي ينظم فيه السيد تركي أوضاعه ويجري محادثاته مع القبائل إعتماداً على معونات مالية سخية من زنجبار إذا بخبر وفاة السيد ماجد في زنجبار , الذي أنفق على هذه الحركة ما يقرب من ثمانين إلف ريال نمساوي ذهب معظمها في شراء الأسلحة وتحالفات القبائل إلا أن السيد تركي مضى في تنفيذ خطته بعد أن قدم تعهداً شفوياً لممثلي بريطانيا بالحفاظ على المصالح البريطانية في المنطقة . لقد إتخذ السيد تركي من مدينة صور نقطة إرتكاز لحركته ثم إستوثق من سكان سمد الشأن ثم أرسل بقوات عبر المنطقة الساحلية بقيادة سيف بن سليمان البوسعيدي والي مطرح والذي أصبح فيما بعد الساعد الأيمن للسيد تركي , وفي عام 1871م تمكنت قوات السيد تركي من دخول مطرح بعد أن وقعت معركة عنيفة وإستسلمت مسقط ومطرح ودخلهما السيد تركي في حراسة خمسمائة رجل من راكبي الجمال . لقد أخذ السيد تركي يعيد ترتيب قواته ويستكمل محادثاته مع زعماء القبائل ويبذل الجهد في سبيل الحصول على المواد المالية اللازمة واشاع خصومه سنة 1874م إنه قتل أملاً في تدهور معنويات أنصاره , ومما ساعد على إنتشار هذه الإشاعة ما ألم به من وعكة صحية لدرجة إن راح يفكر في إختيار شخص ليواصل مسيرته وبالفعل إستدعى شقيقه السيد عبدالعزيز بن سعيد من منفاه بجواذر ليتحمل أعباء الحكم وتسلم السيد عبدالعزيز كل صلاحيات شقيقه كنائب عنه له بعد أن توجه السيد تركي إلى جواذر للعلاج , ومن هناك حاكمها الجديد السيد برغش على إستمرار دفع المبالغ التي سبق وإتفق على دفعها السيد ماجد الأمر الذي دعم مسيرة السيد تركي . لقد كانت الأوضاع قد تطورت لصالحه وفي ديسمبر 1875م عاد إلى وطنه ليبدأ مرحلة جديدة تعد من أخصب فترات حكمه . لقد إستمرت مرحلة ما بعد علاج السيد تركي حوالي إثنى عشر عاماً , تميزت بتنفيذ برنامج طموح بهدف الإرتقاء بمستوى الإدارة وتحديث أساليبها خصوصاً وأن جهود السيد تركي فقد كللت بالنجاح في عدة عوامل . تشير المصادر البريطانية المعاصرة لحكم السيد تركي بان تركيبة نظام الحكم بألياته هو إنعكاس لشخص السلطان نفسه , حيث تحددت سلطة السيد تركي وفقاً لطبيعة عمان الجغرافية والسياسية والإجتماعية والدينية وطروفها الإقتصادية , لذا فقد حافظ السيد تركي على معظم تلك المعطيات كما عهد بكثير من مهامه إلى مستشاريه الخصوصيين منهم بدر بن سيف الذي تولى قيادة الجيش إضافة إلى ولايته على صحار ثم مطرح , ومن بين الذين إستعان بهم السيد تركي سليمان بن سويلم الذي شغل منصب السكرتير الخاص للسلطان كما شغل منصب والي صور وظفار , أما الوزراء والمستشارون الخصوصيون فقد إختارهم السيد تركي من الكفاءات العالية . لقد عنى السيد تركي بالإدارات الإقليمية حيث إعتبرها أكثر تعقيداً من الإدارة المركزية يحكم العوامل الجغرافية والأهمية الإستراتيجية والتنمية الزراعية والدفاعية , لذا فقد إتخذ السيد تركي من مبدأ التوازن هاديا له حين يعين ولاة الإدارات الإقليمية . لقد أختار السيد تركي ولاة للمدن الساحلية أثبتوا براعتهم ومهارتهم في تنفيذ أوامره بهدف تحقيق خططه وتوجهاته السياسية والدبلوماسية كما كان هناك ولاة من أقاربه نظروا إلى مناصبهم من منظور أكثر إستقلالية ونفوذاً حيث يجمع الوالي بين يديه سلطان القائد العسكري والأمني والقضائي والمالي . وكان والي مسقط يعتبر من أهم مناصب الولاة ثم يأتي والي مطرح أما والي صحار فيأتي في المرتبة الثالثة أما ظفار وسمائل فكانت لهما أهمية خاصة في فكر السيد تركي لذا فقد كان يختار لهما أكفأ العناصر القيادية . وهكذا , فقد شهدت الفترة الأخيرة من حكم السيد تركي هدوءاً حتى وفاته عام 1888م بعد أن ترك وراءه مملكة تتميز بقدر من التنظيم والإستقرار هيأ لأبنه وولي عهده السيد فيصل أن يتولى مقاليد الحكم في جو سلمي . |
( 26 ) حكم السلطان السيد فيصل بن تركي تولى السلطان السيد فيصل بن تركي حكم عمان في فترة شهد فيها العالم العربي موجه من إزدياد النفوذ الإستعماري الأوروبي وخاصة البريطاني والفرنسي , حيث إحتلت بريطانيا وفرنسا العديد من أجزاء الوطن العربي أو أصبح تحت نفوذهما , والقليل من الدول افلتت من هذا الغزو الإستعماري ومن بينها عمان , حيث تمكن السيد فيصل بن تركي من أن يسوس دفة الحكم وسط هذه الأنواء كما أولى إهتمامه للوضع الداخلي بهدف تقوية الجبهة الداخلية , ومن أجل ذلك كون جيشاً قوياً جعل قيادته لأخيه فهد الذي قام بأكثر من حملة لتوطيد الأمن في ربوع عمان . وقد إتسمت سياسية السلطان السيد فيصل بن تركي بالتوازن في علاقة عمان بكل من بريطانيا وفرنسا ففي عام 1894م وافق على إنشاء قنصلية فرنسية في مسقط كما أعطى للفرنسيين إمتيازاً بإنشاء مستودع للفحم في منطقة الجصة في عام 1898م , وعندما علمت بريطانيا بذلك أرسلت اللورد لانس دوان نائب الملك في الهند واللورد سالسبوري وزير الخارجية البريطانية إلى عام 1890م وبعد مقابلتهما للسيد فيصل إنتهى النقاش إلى أن عمان لها الحق في الإرتباط بعلاقات خارجية مع أي دولة من الدول , وأن عمان على إستعداد لعقد معاهدات تجارية وود وصداقة مع بريطانيا , وإستمر حكم السيد فيصل حتى وافته المنية في شهر إكتوبر عام 1913م . |
( 27 ) حكم السلطان السيد تيمور بن فيصل تولى السلطان السيد تيمور دفة الحكم في ظروف صعبة على المستويين الداخلي والخارجي حيث شهدت عمان صراعات داخلية كما أن شبح الحرب العالمية الأولى أخذ يلوح في الأفق والأزمة الإقتصادية العالمية تكاد تخنق معظم الدول . وقد حاول السلطان السيد تيمور أن يتجنب كل ما يمكن تجنبه من هذه المصاعب والأزمات , فحاول أن يخلق نوعاً من الإستقرار السياسي الذي يترتب عليه تحسين الوضع الإقتصادي ولهذا بادر بعقد إتفاقية السيب في عام 1920م. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى أخذت التجارة العمانية تنتعش من جديد إلا إنها تعرضت لأزمة بسبب الكساد الإقتصادي الذي ساد العالم في مطلع الثلاثينات , كما قام السيد تيمور بإصلاح الوضع الإقتصادي بأن إستقدم ثلاثة من الخبراء المصريين لتطوير نظام الجمارك في مسقط كما شكل أول مجلس للوزراء في تاريخ عمان برئاسة نادر بن فيصل , ولم يلبث أن عين ولده السيد سعيد رئيسا لمجلس الوزراء وذلك منذ عام 1929م . ومن الأحداث الهامة في عهد السيد تيمور , توقيع أول إتفاق بين عمان وشركة داركي للتنقيب عن النفط في السلطنة في عام 1925م إلا إنه لم يتم اكتشاف أي من آبار البترول في عهده الذي إمتد حتى عام 1932م حيث تنازل في ذلك العام عن الحكم لولده السيد سعيد وذلك لأسباب صحية ألمت به . |
( 28 ) حكم السلطان السيد سعيد بن تيمور بعد تولي السلطان السيد سعيد بن تيمور الحكم وجد أن العالم يعاني معاناة شديدة في وطأة الأزمة الإقتصادية التي تجتاحه , لذلك إختط لنفسه سياسة مالية إتسمت بعدم تحميل البلاد بما لا تطيق من الديون , لأن الديون هي مكمن الداء حيث تخلق وضعاً يسمح بالتدخل في شؤون البلاد من قبل الدول الدائنة , لذلك قرر بأن ينفق في حدود إمكانات دولته وإلتزم بتسديد ما على الدولة من ديون. كما إتخذ خطوات لتدعيم علاقاته الخارجية فقام بجولة في عام 1937م زار فيها اليابان والولايات المتحدة الإمريكية وإجتمع مع رئيسها روزفلت الذي إستقلبه وتبادل معه الهدايا , فكان أول حاكم عربي يزور الولايات المتحدة الإمريكية ومنها سافر إلى بريطانيا حيث إستقبله ملكها جورج الخامس ثم إنتقل إلى فرنسا فايطاليا وأخيراً الهند التي عاد منها إلى مسقط . وفي عام 1944م قام برحلة إلى مصر وإستقبله ملكها فاروق ثم زار القدس عاصمة فلسطين . وفي عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور ثم حدثان كبيران أولهما هو حل الخلافات التي كانت قائمة مع المملكة العربية السعودية حول واحة البريمي إيمانا منه بوحدة التراب العماني , أما الحدث الثاني فهو منح شركة تنمية نفط عمان إمتيازاً للتنقيب عن النفط في السلطنة , وفعلا تم إكتشاف النفط وبدأ تصديره منذ أغسطس عام 1968م . وقد وفر الحدث الأول الهدوء بالنسبة للجبهة الداخلية , كما وفر الحدث الثاني الدعم المالي لبدء نهضة إقتصادية شاملة لم تلبث أن بدأت في عهد إبنه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي تولى مقاليد الحكم في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م ومرحلة جديدة ومتميزة في تاريخ عمان . |
( 29 ) "السلطان قابوس ين سعيد" http://www.gmrup.com/uploads/gmrup12625127591.jpg ولد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه في السابع عشر من شهر شوال عام 1359 هـ الموافق 18 من نوفمبر 1940م في مدينة صلالة بمحافظة ظفار من سلطنة عمان ، وجلالته هو السلطان الثامن لعمان في التسلسل المباشر لأسرة آل بوسعيد التي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد في عام 1744م . حيث تلقى تعليم اللغة العربية والمبادئ الدينية على أيدي أساتذة متخصصين اختارهم والده رحمه الله كما درس المرحلة الابتدائية في المدرسة السعيدية بصلالة , وفي سبتمبر عام 1958 أرسله والده إلى بريطانيا حيث واصل تعليمه في إحدى المدارس الخــاصة ســافوك وفي عــام 1960م التحق جلالته بالأكاديمية العسكرية الملكية في سانت هيرست حيث أمضى فيها عامين وهي المدة المقررة للتدريب درس خلالها العلوم العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان ثم انظم إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية آنذاك لمدة ستة أشهر ،مارس خلالها العمل العسكري بعدها عاد جلالته إلى بريطانيا حيث تلقى تدريبا في أسلوب الإدارة في الحكومة المحلية هناك ثم قام بجولة استطلاعية في عدد من الدول استغرقت ثلاث أشهر عاد بعدها إلي البلاد عام 1964 وعلى امتداد السنوات الست التالية تعمق جلالته في دراسة الدين الإسلامي ، وكل ما يتصل بتاريخ عمان دولة وشعبا على مر العصـور وعندما أعلن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 انبلاج فجر النهضة العمانية الحديثة كانت عمان والشعب والوطن على موعد مع القدر لكي تبدأ مسيرة نهضتها المعاصرة ولتنطلق على درب التقدم والبناء بقيادة جلالته تنفض غبار العزلة وتختصر الزمن وتعبر مراحل التطور بفكر علمي ورؤية استراتيجية متكاملة لتعيد بناء قواها وتبني جسور علاقاتها لتستعيد مكانتها المتميزة كدولة مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي إن جلالة السلطان المعظم له إهتمامات واسعة بالدين واللغة والأدب والتاريخ والفلك وشئون البيئة ، ويتضح ذلك جلياً في ما يقدمه من دعم كبير ومستمر للعديد من المشروعات الثقافية ، وبشكل شخصي ، محلياً وعربياً ودولياً سواء من خلال منظمة اليونسكو أم غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية ، ومن أبرز هذه المشروعات على سبيل المثال لا للحصر (موسوعة السلطان قابوس للاسماء العربية ) ، ودعم مشروعات تحفيظ القرآن الكريم سواء في السلطنة أو في عدد من الدول العربية ، وكذلك بعض مشروعات جامعة الأزهر وعدد من المراكز العلمية العربية والدولية ، بالإضافة إلى (جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة ) التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونسكو ودعم مشروع دراسة طرق الحرير وغيرها . وعن هواياته يتحدث جلالة السلطان المعظم فيقول : ((منذ طفولتي كانت لدي هواية ركوب الخيل ، فقد وضعت على ظهر حصان وأنا في الرابعة من عمري ، ومنذ ذلك الحين وأنا أحب ركوب الخيل ، ولكن في الآونة الأخيرة ولكثرة الأعمال أصبحت الممارسة قليلة جداً ، إلا إن هذه الهواية قريبة إلى نفسى . كذلك الرماية من الهوايات المحببة كوني تدربت عسكرياً ، هذه الهواية جزء مهم لكل من يهتم بالنشاط العسكري وعاش في مجتمع كالمجتمع العماني الذي يعتز بكونه يستطيع حمل السلاح عند الضرورة ، كذلك عندي حب التجربة لكل ما هو جديد في القوات المسلحة ، سواء بندقية أو مدفع رشاش أو مدفع دبابة ، إلا أن الرماية بالمسدس والبندقية تبقى هي الأفضل وكذلك كنوع من الترفيه ، أستخدم القوس والنشآب ، هناك هوايات أخرى كالمشي .. أحب المشي منذ الصغر ، فأجد الراحة قبل الذهاب إلى النوم أن أقضي وقتاً بالمشي على البحر فهو رياضة جيدة للجسم وفرصة للتفكير ، كذلك أحب التصوير وكانت لدي هواية الرسم للمناظر الطبيعية في وقت من الأوقات ، إلا أن الظروف والوقت أصبحا لا يسمحان بممارسة هذه الهوايات .. والقراءة أيضاً كونها هواية ، إلا أنها أصبحت جزء من العمل ، وأصبح من الصعب مطالعة الكتب حسب الهواية إلا ما هو في مجال العمل والحياة اليومية . وأيضاً فإن الهوايات المحببة لدي علم الفلك ومراقبة الكواكب حيث أملك مرصداً صغيراً أمل تحسينه مستقبلاً ، وعندما تكون الفرصة سانحه في الليالي المناسبة حسب النشرات الفلكية فإنني أقضى بعض الوقت في مراقبة هذه الكواكب السماوية . وكالرياضة كنت ولازلت – إذا ما وجدت الوقت أمارس لعبة التنس ، كما أحب متابعتها إذا علمت إنها على جهاز التلفاز وكذلك أيضاً بالنسبة لألعاب القوى ، فإنني أحب متابعتها )) . |
( 30 ) من إنجازات السلطان والقائد ـ مساجد السلطان قابوس ـ تحضى بيون الله عزوجل بالإهتمام اللامحدود من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ــ حفظه الله . فبالإضافة إلى إنشاء وزارة الأوقاف والشئون الدينية التي تقوم ببنائها وترعى شؤونهت ، فقد أمر جلالته ببناء العديد من الجوامع والمساجد على نفقته الخاصة ، حيث يصل عددها إلى أكثر من 100 جامع منتشرة في ولايات السلطنة . وتتسم هذه المساجد بطابع مميز في السعة والشكل المعماري والهندسي بالإضافة إلى الزخارف والنقوش الإسلامية الرائعة في الداخل والخارج التي تتفاوت في التصميم جامع لآخر ، حيث تصل المآذن في بعضها إلى خمس مآذن والقباب إلى 22 قبة . وقد ألحقت بهذه المساجد مدارس قرآنية ، كما تم تزويدها بالمكتبات اللازمة بالإضافة إلى إنشاء وقف خاص لهذه الجوامع والمساجد للصرف على صيانتها ورعاية شؤونها وإمدادها بكل اللوازم والمتطلبات . وفي إطار إهتمام جلالته بإعمار بيوت الله ورعاية شؤونها والقيام بواجباتها كمراكز إشعاع للثقافة الإسلامية ، فقد صدر في 4 يوليو 2000م المرسوم السلطاني رقم 53/2000 بإنشاء مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية آلت إليه إختصاصات كل من معاهد السلطان قابوس للثقافة الإسلامية والمديرية العامة للمساجد والمدارس لديوان البلاط السلطاني ، وهو يتمتع بالشخصية الإعتبارية ويتبع وزير ديوان البلاط السلطاني ، ويشرف على العديد من الجوامع والمساجد في محافظة مسقط ومحافظة ظفار . بالإضافة إلى العديد من الجوامع الكبيرة المنتشرة في الحواضر العُمانية ، والتي بنيت على طراز معماري فريد ومنها جوامع السلطان قابوس في كل من نزوى وصحار والبريمي وعبري وإبراء والرستاق وبهلاء وغيرها . وجميع هذه الجوامع والمساجد تجد الإهتمام الكامل من لدن جلالة السلطان المعظم ، الأمر الذي يعكس حرص جلالته على الإرتقاء بالثقافة الإسلامية ودعم مراكز الإشعاع الديني ممثلة ف الجوامع والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ومعاهد الثقافة الإسلامية وطباعة القرآن الكريم ومسابقة القرآن الكريم . |
( 31 ) جامع السلطان قابوس الأكبر http://www.mlfnt.com/live/12625132621.jpg "جامع السلطان قابوس الأكبر في منطقة الخوض" في عام 1412هـ (1992م) أصد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم تعليماته السامية بإنشاء أكبر جامع في السلطنة ، والهدف من إقامة هذا الجامع لا يقتصر على توفير مكان للصلاة والتعبد فحسب بل ليكون مركزا للتفاعل مع روح الإسلام دينا وعلما وحضارة وثقافة . وتم الشروع في بناء عمارة الجامع في عام 1415هـ (1995م) وانجزت عمارته عام 1422هـ (2001م) . وقد اختير موقع الجامع في ولاية بوشر على مقربة من الطريق الرابط من السيب إلى قلب العاصمة مسقط بحيث يسهل الوصول إليه من ضواحي المدينة الممتدة ومركزها . ويحتل الموقع مساحة إجمالية قدرها 416000 متر مربع وتغطي مساحة أرضية الجامع ما يقرب من 40000 متر مربع . تم تشيد الجامع على أرضية متسعة ومرتفعة عن سطح الموقع بمقدار 1.8 متر ، وفي هذا التخطيط إبقاء على النهج العماني السائد في رفع عمارة المساجد التقليدية القائمة في أحياء وقرى المدن القديمة عن مستوى العمارة السكنية أو العامة وأيضا عن مستوى أرض الوديان . وتؤدي ثلاثة معابر من منطقة الوصول إلى أرضية الجامع عبر ثلاثة مداخل يلي كل منها صحنه الخاص والمرتبط بدوره بسلسة من العقود . ويقع المدخل الرئيسي على المحور الأفقي للمخطط منتهيا بالمئذنة التي تقف شامخة على ارتفاع 91.3 متر أو 300 قدم والى الشرق والغرب من المدخل الرئيسي يقع المدخلان الثانويان وجميعها يؤدي إلى الصحن الخارجي المحيط بقاعات الصلاة ويمتد الصحن على مساحة 24400 متر مربع . ويأخذ المصلى الرئيسي شكلا مربعا أبعاده الخارجية (74.4 في 74.4 متر) بقبته المركزية التي ترفع عن سطح البلاط بخمسين مترا وتشكل مع المئذنة الرئيسية المنظور المميز للجامع . ويقع إلى الشرق من المصلى الرئيسي مصلى النساء مشكلا امتداد للمصلى الرئيسي عبر الصحن الداخلي وتحيط بالصحن الداخلي ومصلى النساء مجموعة من الأروقة المعقودة وست قباب تبرز على مدخل مداخل الواجهات . وقد تم تصميم المصلى الرئيسي ليضم أكثر من 6500 مصل وتبلغ سعه مصلى النساء 750 مصلية ومع إمكانية احتواء الصحن الخارجي لثمانية آلاف مصلى بالإضافة إلى الصحن الداخلي والأروقة فان السعة الإجمالية للجامع تصل إلى إمكانية احتواء 20000 مصل ومصلية . وتشكل الأروقة الشمالية والجنوبية الفضاء الانتقالي الفاصل بين أماكن العبادة ومرافق الجامع الأخرى ويمتد كل منها على مساحة داخلية طولها 221 مترا . وتسقف فضاءات الأروقة سلسة من القباب الهندسية المستلهمة من قباب مسجد بلاد بني بو علي الفريدة معماريا الواقع في المنطقة الشرقية من السلطنة . وتكوّن جدران الرواق الجنوبي ساترا مرئيا مزدوجا يضم مجموعة من مرافق المجمع الوظيفية ومنها المكتبة التي تضم 20 ألف مجلد مرجعي في شتى العلوم والثقافة الإسلامية والإنسانية وتقع قاعة الاجتماعات والندوات (سعتها 300 شخص) إلى الغرب من الرواق بينما تم تصميم أماكن الوضوء في الوسط على طول خلفية الرواق المحاذية للصحن الخارجي . وتبدو الأروقة بمثابة سور أمين حول عمارة الجامع حيث تختتم بالمآذن الأربع التي ترسم حدود الموقع بارتفاعها إلى 45 مترا وتجتمع المآذن الخمس في الجامع لترمز إلى أركان الإسلام الخمسة . وتتخلل الجدران البيضاء المهيبة مجموعة من الأقواس والكوّات المفتوحة والصماء مع دعامات تستهل واجهة المصلى الرئيسي وهذه الدعامات لها وظيفة إنشائية فضلا عن أنها ملاقف للهواء على غرار عناصر الأبراج المناخية التقليدية والسائدة في العمارة المحلية (البراجيل) . وتتوج جدران المصلى الرئيسي شرفات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العمانية خاصة ومسننات الشرفات في العمارة الإسلامية عموما . أما جدار القبلة فيتميز بكوّة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد في وضوح التعبير عن حائط القبلة في تصميم المساجد العُمانية . وقد استخدمت مجموعة غنية من الزخارف الإسلامية في تصميم النقوش المحفورة في أبواب المصلى الخشبية التي تعلو كلا منها آيات قرآنية بخط الثلث . أما الأبواب الخشبية المحفورة التي تربط الصحن الداخلي بمصلى النساء فانها تحتوي على مشربيات مبطنة بألواح الزجاج الملون لتؤكد على تواصل ووحدة المكان المخصص للصلاة . وتقتصر تفاصيل عناصر الجدران الخارجية على تقاسيم الزخارف المحفورة بأنماطها الهندسية والنباتية والآيات القرآنية الكريمة المكتوبة بخط الثلث . وتزداد كثافة الزخارف ودقة إيقاعها تدريجيا مع الانتقال من قضاء عمارة الخارج إلى داخل الجامع وحرمه . وفي جدران المصلى تعتلي شبابيك الزجاج الملون بتقاسيم هندسية ونباتية رائعة التصميم والدقة . ويحزم قمة جدران المصلى والصحن الداخلي شريط غني بالآيات القرآنية الكريمة بخط الثلث الممشوق . وتملأ الزخارف الهندسية الإسلامية أطر أقواس الأروقة والمتوجة بحزام من السور القرآنية عند العقود . وطبيعة التشكيل الفني هذه تنتشر إلى جميع أقواس المداخل الرئيسية . أسماء الله الحسنى تحتل موقعها بين أقواس واجهات الأروقة وغيرها وهي محفورة بالخط الديواني . أما قاعدة المئذنة الرئيسية فتحتوي الواجهة الجنوبية منها على نص الأذان , فيما حفر اسم الجامع على واجهتها الشمالية . ورصفت أرضية الجامع بكاملها ببلاط الرخام بترتيب ونمط هندسي متناسق وصممت قطع بلاط الصحن الخارجي والداخلي الرخامي بمقياس وحدة سجادة الصلاة . ووضعت هندسة الجنائن في حديقة صممت شرق الجامع بما يقترن بمدأ تصميم الحديقة الإسلامية حيث بنيت مقصورة بصحن وأروقة وإيوان في وسطها بركة رخامية بمجرى مائي (فلج) يربط المقصورة وسط الحديقة . وقد صمم على الصحن الداخلي مظلة متحركة لتمد حين تدعو الضرورة لتوفير الظل داخل الفضاء المكشوف . وجدران قاعة المصلى الرئيسية مكسوة بكاملها من الداخل بالرخام الأبيض والرمادي الغامق وبها جداريات مشغولة بزخارف مورقة بنمط هندسي يغلب على تصميمها أسلوب الفن الصفوي والقاعة مصممة بمخطط مفتوح ذي أربعة أعمدة رئيسية حاملة لهيكل القبة الداخلي ويمتد بمحاذاة كل من الجدار الشمالي والجنوبي رواق ينفتح على قاعة المصلى بأقواس مزودة بزخرفة كما في العمارة المملوكية . وقد تم تصميم المحراب بإطار مرتفع يضم كوّتين بتقاسيم متراجعة في عمق الجدار بمقرنصات وعقود ويحيط بإطار المحراب حاشية من الآيات القرآنية الكريمة وثنية خرفية تاتئة على شكل حبل مفتول مصنوع من الخرف المطلي بالذهب وتعتلي فتحات الجدران الجانبية شبابيك الزجاج الملون بزخارف مكملة في تصميمها لطبيعة ونمط زخارف الجدران . إن منظومة كل عنصر معماري في الداخل تجمع أنماطا من الفنون والحرف الإسلامية الأصيلة ولكن في بنية حديثة ومعاصرة لسياق عمارة الجامع وأفضل دليل متكامل على هذا يكمن في تصميم وصناعة القبة الداخلية للمصلى والسجادة حيث كان كل منهما مشروعا فنيا ضخما ومستقلا بحد ذاته مشكلا تحديا على صعيد التصميم والابتكار والتنفيذ الإنشائي . القبة مجمعة بمقرنصات تشكل مثلثات كروية هندسية ضمن هيكل من الأضلاع والأعمدة الرخامية الخالصة المتقاطعة بأقواس مدببة مرصعة في جميع عناصرها بألواح من القيشاني وتمتد الألواح الخشبية من السقف بطراز ينبثق عن تطوير السقوف العُمانية الأصيلة . وتم استيحاء أشكال العمارة العمانية في العناصر الزخرفية والهندسية المستخدمة في تصميم الجدران والسقوف والشمسيات المغشاة بالزجاج الملون . والسجاد إحدى مقومات التصميم الداخلي والتي تفرش بلاط المصلى بقطة واحدة تغطي مساحة 4263 مترا مربعا وهي مؤلفة من 1700 مليون عقدة وتزن 21 طنا استغرق صناعتها وانتاجها أربع سنوات ولقد جمعت هذه السجادة في تأليفها ونوعية تصميمها سجادة تبريز وكاشان واصفهان الأصلية . واستخدم في نسج السجاد 28 لونا بدرجات متنوعة تم صناعة غالبيتها من الأصباغ النباتية والطبيعية . وتم تصميم السجاد في وحدات من خانات الصلاة تفصل بينها حواشي زرقاء وبيضاء بزخارف مستمدة من النسيج العماني . وصممت مجموعة من الثريات وعددها 35 خصيصا للمصلى الرئيسي مصنوعة من (كريستال سوروفسكي) ومعادن مطلية بالذهب وتتدلى حول قاعة المصلى . أما الثريا المركزية فتتدلى من قمة القبة بقوام يبلغ طوله 14 مترا وقطر 8 أمتار وهي تشمل 1122 مصباحا وتزن 8 أطنان وصممت ثريات مصلى النساء التسع بطراز عثماني وهي مصنوعة من (الكريستال) التركي . وتضم الأروقة الشمالية والجنوبية مجموعة من القاعات إجمالي عددها 12 قاعة صممت كل قاعة بكوّات تحمل طرازا معماريا فنيا خاصا يعود إلى حقبة تراثية مميزة . وانتقاء الأعمال الفنية في القاعات جاء ليمثل نماذج تطور وتعدد أشكال الزخارف المعمارية وثقافتها التي انتشرت بأنماط غنية من الأندلس إلى الصين فيحتوي الرواق الشمالي على قاعة لفنون سلطنة عمان والجزيرة العربية يتبعها قاعة الفن العثماني ثم فن عمارة المماليك يليها قاعة من الزليج المغربي ثم فنون بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة وأخيراً الفن البيرنطي . أما قاعات الرواق الجنوبي فتبدأ بفن بلاد الحجاز ثم الفن الإسلامي الهندي يتبعه قاعة الفن التيموري في آسيا الوسطى ثم الفن الإيراني الصفوي والفن الإسلامي المعاصر وأخيرا نموذج من أعمال إسلامية فنية حديثة . وبذلك يكون الجامع تحفة معمارية إسلامية بديعة ومركزا دينيا ثقافيا ينهل منه المتلقون العلم ويؤدون في جنباته العبادة . لقد كان يوم حفل افتتاح الجامع حدثا إسلاميا مشهودا باركه حضور صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ــ حفظه الله ــ وبمعيته عدد من علماء المسلمين . إن إنشاء هذا الصرح الديني الشامخ على تراب هذه الأرض الغالية من بلاد المسلمين والتي دخلت الإسلام طوعا ودعا لها الرسول (ص) في حديثه الشريف حين قال ( ديني دين الإسلام ، وسيزيد الله أهل عُمان خصباً وصيدا ، فطوبى لمن آمن بي ورآني ، وطوبى لمن آمن بي ولم يراني ، ولم ير من رآني ، وسيزيد الله أهل عُمان إسلاما ) لهو هدية جليلة تضاف إلى مكارم عهد المسيرة المباركة بقيادة الباني الحكيم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ــ أعزه وأبقاه الله . |
يسلمووووووووووووو
|
بسم الله الرحمن الرحيم آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد السلام عليكم ورمة الله وبركاته شكراً جزيلاً لكَ أخي الكريم لتشريفكَ الموضوع تقبل خالص تحياتي آللهمَ صل على حمد وآلِ محمد |
الساعة الآن 01:05 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية