منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   147- لا احد سواك - ليليان بيك - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t113175.html)

زونار 12-06-09 11:51 PM

147- لا احد سواك - ليليان بيك - عبير القديمة ( كاملة )
 
الملخص
" لن تكوني زهرة في حديقتي أبدا" كان يردد لها هذا بينما يجمع الأخريات الأشد جرأة منها في باقات زاهية سرعان ما تذبل وتأخذ طريقها الى زوايا النسيان. وعندما دخل حياتها المقفرة كسحابة واعدة بالمطر, أحبت لورين الصحافي الشاب جان داربي . بكل جوارحها وحين اعترفت له بحبها وجدت نفسها تقول " آسفة , دخلت حديقتك سهوا رغم أنك منعتني من دخولها . لقد كبرت وأينعت تحت اشرافك ولم يبق الا أن تقطفني وترميني كعشب ميت ... ولكنني سأوفر عليك الجهد والعناء وأعدك بعدم دخولها مرة ثانية".
والسؤال الشائك هو: كيف تحتفظ بوعدها هذا وليس في حياتها أحد سواه؟.
منتديات ليلاس

فوضى مشاعر 14-06-09 12:40 AM

فوضى مشااعر...
 
بعطيكـ مليونـ عافيهـ

على الاختيار الموفقـ

كنتـ متابعهـ لرواياتكـ الليـ تنزلها

و تكتبها


مجهودكـ فيـ كتابتها و بشكلـ سريعـ تشكر عليهـ

و ننتظر الروايهـ بفارغـ الصبر

تقبلـ مروريـ و أولـ مشاركهـ ليـ فيـ المنتدى

كانتـ على متصفحكـ

تحيتيــ

:55::55:

زونار 16-06-09 11:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فوضى مشاعر (المشاركة 1982111)
بعطيكـ مليونـ عافيهـ

على الاختيار الموفقـ

كنتـ متابعهـ لرواياتكـ الليـ تنزلها

و تكتبها


مجهودكـ فيـ كتابتها و بشكلـ سريعـ تشكر عليهـ

و ننتظر الروايهـ بفارغـ الصبر

تقبلـ مروريـ و أولـ مشاركهـ ليـ فيـ المنتدى

كانتـ على متصفحكـ

تحيتيــ

:55::55:


مشكورة اختى فوضى مشاعر ع مرورك الرائع وردك الجميل ويشرفنى ان تكون اول مشاركة لك رد على احدى موضوعاتى دمتى بود

زونار 22-06-09 05:46 PM

1- ضيف بلا مزايا
رتبت لورين سرير الضيوف وقالت لوالدتها:
" لا أفهم لماذا نؤجر غرفة في بيتنا , فنحن لسنا بحاجة للمال!
أجفلت السيدة بريل فارس من اعتراض ابنتها وأجابتها:
" هذا صحيح , فنحن لسنا مضطرين لتأجير غرفة بعد أن حصلت على وظيفة معقولة وأنت تعملين مدرسة , أننا بخير".
نظرت لورين الى والدتها التي صفت شعرها عند الحلاق وأخفت معالم الشيب منه, لقد بدت أصغر من عمرها بسنوات , بعد أن تجملت وكست وجهها بمساحيق التجميل باعتدال, كانت لورين تتمنى لو أن والدتها تقبل حقيقة عمرها ولا تحاول أن تخفي السنين, يجب أن تقبل بواقع الأمر وتعيش كأمرأة في متوسط عمرها بدلا من الهروب من الحقيقة, كانت تبدو وكأنها تقول :
" عليَ أن أحافظ على شكلي ومظهري , فربما حظيت بزوج يؤنس وحدتي ويخلصني من حياتي كأرملة..."
توفي والد لورين منذ خمس سنوات بالسكتة القلبية , حزنت والدتها كثيرا لوفاته واضطربت حياتها المستقرة , ومنذ فترة وجيزة بدأت تتقبل واقعها الجديد كأرملة , عادت تتابع حياتها بحزم وتصميم وتفاؤل .
نظرت الوالدة بريل الى أبنتها وهي ترتدي تنورة قديمة بنية اللون مع بلوزة بيضاء , وفوقها جاكيت رمادي عتيق وقالت:
" لورين! ألا توجد ثياب ترتدينها أفضل من هذه؟".
نظرت الى ساعتها وأكملت :
" سيحضر ضيفنا المستأجر بعد قليل, هيا رتبي نفسك قليلا وضعي بعض مساحيق التجميل...".
عبست لورين وأجابت:
" أنت تعرفين أنني لا أضع مساحيق التجميل على وجهي , ولن أغير ثيابي كذلك...".
" أنت جذابة وقدك مياس متناسق , لماذا لا تبرزين معالم جمالك بدلا من أن تخفيها تحت هذه الثياب الواسعة البالية ؟ أنت متزمتة , جدية وقاسية كوالدك , عليك أن تليني قليل".
رتبت زهرية الورود فوق الطاولة , لقد حولت غرفة النوم الى غرفة جلوس أيضا , وأكملت:
"يبدو أنك لا ترحبين بجان..".
" هذا صحيح فأنت تعرفين رأيي في الصحافيين".
" لكن هذا الصحافي يختلف عن غيره , انه ابن صديقتي نانسي داربي وعندما كتبت تخبرني بانتقاله الى هذه المدينة ليعمل في جريدة مسائية , عرضت عليها هذه الغرفة المغلقة في منزلنا دون استعمال منذ زمن طويل , سيستعملها لفترة قصيرة يا عزيزتي ".
كانت بريل مواربة في قولها لأنها في الحقيقة , ترحب بابن صديقتها للبقاء عندها قدر ما يرغب لحين ايجاد غرفة تناسبه , سرحت بريل بعيدا تتذكر.
كان جان صبيا صغيرا هادئا وقليل الكلام , لكن في المرة الأخيرة حين التقيت نانسي , منذ سنتين تقريبا , أخبرتني أنه تبدل كثيرا...""
" هل هو رجل متزوج؟".
" لا , مع أن الرجل في عمره , الخامسة والثلاثين , يفترض أن يكون قد تزوج, أن الفتيات يحمن حوله".
ضحكت ضحكة فتاة مراهقة .
فكرت لورين في نفسها ... لو أنها ليست والدتي لأعتقدت أنها مراهقة تنتظر وصول جان بلهفة.
قرع الجرس وللحال رفعت بريل يدها تسوي شعرها ثم نظرت الى أبنتها وقالت:
" لقد حضر يا لورين , افتحي له الباب وأدخليه".
نزلت لورين السلالم وهي تقول في نفسها أن الصحافي يشبه دود الأرض , والصحافيين حثالة المجتمع.
فتحت الباب ورحبت به ترحيبا باردا, نظر اليها نظرة متفحصة وهو ينتظر أن تدعوه للدخول , جال بناظريه محللا, ومتفحصا اياها من أخمص رجليها الى قمة رأسها حيث وقفت في الباب تسد عليه المنفذ الى داخل المنزل, فتَت أجزاءها ثم جمعها من جديد في دقائق معدودة بحكم وظيفته , تعجبت من تشريحه لها وتمنت لو تعرف رأيه فيها بعد الفحص الدقيق...
قالت بفتور وعدم اكتراث وهي تتحداه بعينيها وبصوت هازىء:
" أتبعني من فضلك يا أستاذ داربي . سأريك غرفتك".
صعدت السلالم أمامه وهو يتبعها مطيعا , كان شابا طويلا عريض المنكبين شعره أسود فاحم, وعند مدخل الغرفة استقبلته والدتها مرحبة به ترحيبا حارا وصافحته مبتسمة , شكرها جان بدوره.
لم تستطع لورين أن تشارك والدتها فرحتها بالضيف المستأجر , وسوف تغير رأيها في الصحافيين لأن جان هو ابن صديقة والدتها , أنها تكره هذا الصنف من البشر, معظمهم عديم الحيلة ولا يختلفون عن بعضهم , وهم لا يؤمنون بالقيم والمبادىء والأخلاق ولا يكترثون لشعور الآخرين وأحزانهم , وهذا الصحافي جان , بالرغم من وسامته ومظهره وكبريائه لن يكون مختلفا عنهم, هذا التفكير بجان يعطيها مبررا لكراهيته وعدم الثقة به, أنه صحافي عابث ... تذكرت نظراته الفاحصة لها قبل أن يدخل المنزل, نزلت غاضبة الى غرفة السفرة لترتب طاولة الطعام وهي تقول في نفسها... أنا لورين فارس مدرسة اللغة الأنكليزية في مدرسة ولكي للبنات , لن أكون حجرة صغيرة في طريق هذا الصحافي يزيلها من دربه.
فرشت شرشف الطاولة وسمعت والدتها تناديه:
" جان, عليك أن تتناول عشاءك معنا هذه الليلة , ويمكنك بعد اليوم أن تتناول وجبات طعامك في غرفتك لو رغبت".
قالت لورين في نفسها , الحمد لله , ثم رتبت ثلاثة مقاعد حول الطاولة وصنعت السلاطة وقطعت اللحمة الباردة , حضرت بريل لمساعدتها وقالت:
" أنه شاب لطيف يا عزيزتي".
عبست لورين لأن والدتها دائما تفترض أن جميع الناس طيبون , أكملت والدتها:
" أتمنى أن تتعايشي معه بسهولة , أعملي جهدك من أجلي يا لورين".
هزت لورين رأسها موافقة, كانت تحب والدتها كثيرا , ولكنها حتما لن تبذل جهدها لأرضائه , حتى ولا من أجل والدتها الحنونة.
" لورين اذهبي الى غرفتك وضعي بودة على وجهك تبدين شاحبة".
هزت لورين رأسها موافقة وارتقت السلآلم الى غرفتها وأغلقت الباب عليها.
رتبت شعرها وعقدته بشريطة الى الوراء كذيل حصان , ثم وضعت طبقة رقيقة من البودرة على وجهها ونزلت الى غرفة الطعام.
كان المستأجر يقف ويداه في جيوبه وقد بدا عليه الأنزعاج , رفع حاجبيه يحييها فردت التحية له بنظرة جافة وقالت:
" يمكنك أن ترتاح في غرفة الجلوس يا سيد داربي".
" أنني مرتاح هنا يا آنسة فارس, لقد أمضيت رحلة طويلة وأنا جالس في القطار".
" هل حضرت من لندن يا أستاذ داربي؟".
" نعم يا آنسة فتلاس".
هرعت بريل تحمل أبريق الحايب ووضعته على الطاولة وقالت:
" أرفعا الكلفة بينكما , هو جان وأنت لورين , لا لزوم لأستاذ داربي وآنسة فارس".
انحنى جان متهكما الى لورين بشكل مسرحي , ونظر اليها نظرة مرحة, أدارت لورين على الفور ظهرها له وقالت بعصبية:
" أنا لا أرفع الكلفة الا مع أصحابي".
اعتذرت والدتها بالنيابة عنها وقالت:
" لا تهتم لكلامها يا جان...".
صنعت لورين الشاي وحملته الى غرفة الطعام.
قالت بريل:
"اجلس يا جان مقابل لورين , لورين , صبي الشاي لجان".
تحاشت لورين النظر الى جان وهم يتناولون الطعام, ولكن بعد العشاء وهي تحتسي الشاي, التقت عيناها بعينيه , كان قاسي الوجه والتعابير وأخرج سيكارة وأشعلها ونفخ دخانها في وجه لورين دون اكتراث , بينما عيناه تتفحصانها وتحللانها , حاولت لورين أن تخفي تعابير وجهها خلف قناع من القسوة لتمنعه من أختراق دخيلتها.
بدأت بريل تتكلم معه عن وظيفته , نظرت اليها لورين وقالت بحدة:
" علينا أن نراقب كلامنا من الآن فصاعدا".
رفع جان حاجبيه متعجبا وأكملت:
" لدينا صحافي في المنزل , أننا تحت المراقبة , كأن هناك آلة تسجيل مخبأة في زهرية الورود أو تحت السجادة, هناك جاسوس يعيش معنا في البيت.
سارعت الدماء الغاضبة في جريانها , ولمعت عينا جان الرماديتان كأن انفجارا صغيرا أصابهما ولكنه حافظ على رباطة جأشه وأخفى أمتعاضه . رغم أن أنفعالاته بانت جلية في عينيه , وبعد أن عاد اليه الهدوء قال :
" الآنسة فارس تعرف العديد من الصحافيين كما يبدو".
قالت بريل:
" لا , لورين لا تعرف صحافيين , أليش كذلك؟".
" نعم , أنا لا أعرف أحدا منهم ولله الحمد ولكن لي أصدقاء يعرفونهم ويعرفون أخبارهم , أنهم يملأون صحفهم بالزبالة واللغة الركيكة, ( ونظرت اليه مباشرة) أنا أقضي معظم وقتي يا أستاذ داربي أحاول اصلاح الأخطاء التي تتركها الصحافة على اللغة الأنكليزية.
نظر اليها جان نظرة باردة مثلجة وأكملت بحماس:
" زبالة الصحافة هي ما يمتصه ويبتلعه الناس يوميا مع فطورهم , أنها تأكل في جذور اللغة كما يفعل السوس في الأسنان الصحيحة.
قالت بريل مصعوقة مما تسمع:
" لورين؟ كيف تقولين ذلك؟ ( ونظرت الى جان تطلب منه أن يسامحها) لا تأخذ بالك مما تقول , أنها مدرسة , تدرس اللغة الأنكليزية في مدرسة للبنات في المدينة , بيني وبينك ... أنها مدرسة رجعية تقليدية وتحتاج لدماء جديدة في الأدارة , حان الوقت لتتقاعد الرئيسة العجوز , أنها تؤثر كثيرا على المعلمين والمعلمات الذين يعملون تحت أدارتها".
قال جان:
" أعتقد أن الدم الجديد ضروري في الأدارة وفي جهاز السلك التعليمي أيضا, طريقتك في تعليم اللغة الأنكليزية متزمتة , وأنت شديدة الحساسية في عملك, يجب أن أذكر لك أن غالبية الناس يلذ لها قراءة الصحافة , أو كما تسمينها الزبالة".
ابتسم وهو ينفض سيكارته في المنفضة الموضوعة أمامه.
يطيب لجان أن يزعجها كلما التقى بها , وأكمل حديثه قائلا:
" لا تحكمي على الآخرين بترفع, فنحن الصحافيين نغذي العالم بأخبارنا ولا نكتب لطبقة معينة من الناس , طبقة المتعلمين والمترفعين أمثالك, اذا نظرت حولك يا آنسة فارس يتمعن , تجدين أن غالبية الناس يتمتعون بذكاء عادي ويحتاجون لقراءة الجرائد ليعرفوا ما يدور حولهم من أحداث بلغة بسيطة وعادية".
" من الواضح أننا لا نتكلم بلغة واحدة يا سيد داربي...".
احمر وجهها , وقال لها وهو يتجاهل انزعاجها وانفعالها:
" أنت تهتمين لما يحدث للغة , تخافين عليها من التغيير الذي تمر به, تعتقدين أنك مدرسة للغة وعلك المحافظة عليها , ولكنني لا أقرك على تصرفاتك ولست مطمئنا لردة فعلك , لا يمكننا أن نحافظ الى ما لا نهاية على اللغة كما كتب بها أجدادنا في الماضي , علينا أن نطورها لتلائم حاجتنا الحاضرة".
لم تفهم لورين ما قصد من كلامه , لقد لسعها انتقاده الجارح ولم تعد تحتمل المزيد , فبدأت تتلهى بتنظيف الصحون بعد أن وجدت أن المحادثة بينهما أصبحت شائكة, وقالت بعصبية:
" أنا أعتبر أن الصحافيين عمال لا مهارة لديهم ويتقاضون أعلى الأجور , وظيفتهم توازي وظيفة كنَاس الطرقات بل تقل عنها , أن كناس الطريق يجمع الأوساخ بينما الصحافي ينشرها".
عم صمت رهيب بينهما , هربت لورين الى المطبخ وهي تشعر بأن كلامها الجارح قد آلمها كما آلم جان , كانت تحس أن ثورتها زائفة وكذلك انتقادها.
يوم الأحد , عادة , تستفيق لورين ووالدتها متأخرتين , هذا الأحد ولوجود ضيف بينهما , كان عليهما أن تستيقظا باكرا , طهت لورين فطور الصباح وحملت لجان فطوره الى غرفته , قرعت الباب وانتظرت أن يدعوها للدخول , كان جان قد استيقظ وارتدى ثيابه وانتهى من ترتيب نفسه , ابتسم لها وهي تضع صينية الفطور على الطاولة وقبل أن تخرج قالت كمن حفظ درسا:
تقول والدتي أنك تستطيع الحصول على كل رغباتك فلا تتردد في طلب ما تحتاج اليه".
نظر اليها نظرة غريبة وقل:
" أفهم, شكرا, ( ثم أكمل ساخرا) هل أنت التي ستقومين على تأمين رغباتي وحاجياتي ... فأنا أحتاج الى سكرتيرة وباحثة , وشخص يرد على الهاتف ويسجل لي المكالمات عدا عن الأعمال المنزلية التي تقوم بها الزوجة عادة , كتركيب الأزرار المقطوعة وغسا ثيابي وكيها و... أشياء أخرى, ( وأضاف يستفزها) كأنني أطلب زوجة, ولا يمكن لشخص يتمتع بكامل قواه العقلية أن يتقدم بطلب زوجة هذه الأيام".
وجدت لورين نفسها تبتسم ابتسامة مفتعلة وتعتبر كلامه مزاحا. لكنه تجهم فجأة وقست تعابير وجهه وهو يقول:
" شكرا لأحضار الفطور".
خرجت من الغرفة بسرعة وكأنها تلميذة طردت من الصف.
بعد الفطور, جلست تحضر ملاحظاتها وأوراقها من أجل الفصل الدراسي الجديد, مرت بريل من قربها وسألتها:
"متى سيحضر هوغ؟".
في الثالثة كالعادة".
" وهل ستخرجان؟".
" لا أعتقد ذلك, أنني أشعر ببعض الكسل والتعب وأحتاج الى الراحة لأستقبال الفصل الدراسي الجديد , أنني أكره أول يوم في المدرسة في فصل الخريف لكثرة ما يدور من جدل حول التفاصيل والترتيبات والتقسيم ,.
صعدت لورين الى غرفتها ورتبت نفسها لأستقبال هوغ , رتبت شعرها وعقصته الى الخلف ثم ارتدت تنورة نظيفة مع بلوزة بيضاء ووضعت قليلا من أحمر الشفاه , ثم نظرت الى نفسها في المرآة , فلم ترق لها صورتها, كان ينقصها الحيوية والنشاط فوجهها لا حياة فيه وروحها كئيبة, أن التزمت باد في تعابير وجهها وكل مساحيق التجميل لا تفيد في اراحة بالها , ربما حضور هوغ لزيارتها سيغير من قساوة ملامحها ويجعل عينيها تشعان والبشر يطفو على وجنتيها , ومعنوياتها ترتفع...
صديقها هوغ أشقر الشعر بشوش الوجه ترتاح اليه, لا ينفعل لشيء , وهي لا تحس بأي أنفعال معه حتى وهو يعانقها , كان جان قد دخل المطبخ وأخذ يتحدث مع والدتها دون كلفة.
قالت لورين تخاطب والدتها:
" سنجلس أنا وهوغ في الحديقة".
قالت بريل تخاطب جان بمرح:
" هوغ صديق لورين ويدرس معها في نفس المدرسة".
" وهل يدرس اللغة الأنكليزية أيضا ويشاطرك كره الصحافيين أمثالي؟".
" لا, أنه يدرس مادة الكيمياء".
" ربما لا أكون تافها بنظره كما هي الحال بالنسبة اليك , مهنة التعليم مهنة محترمة ولكنها تسبب الضجر وهي غير مثيرة , ورتيبة وتقتل روح التوثب, وفي النهاية يصبح المعلم كالمهنة تماما .. مملا ومحترما .
ساء لورين أن يهاجمها جان بهذا الشكل . بدأ يستفزها بكلامه وتعليقاته ووجدت نفسها تدافع قائلة:
" من الأفضل يا سيد داربي أن أصبح على هذا الحال من دون أن أثير العواطف الكاذبة كما يفعل أمثالك الصحافيون, ثم ماذا تعرف أنت عن مهنة التعليم؟".
" أعرف الكثير, لقد قابلت أثناء عملي العديد من المعلمين وأنا أخاطب معلمة الآن...".
كان همه أن يثير غضبها ويزعجها , ولقد نجح, وحاولت لورين أن تخفي دموعها ولكن بعض القطرات نزلت رغما عنها.
قالت بريل:
" أهدئي يا لورين... أنه يثير غضبك لتفقدي رباطة جأشك...".
ابتسم جان ابتسامة عريضة مجنونة ثم تركهما وصعد الى غرفته.
قالت بريل توبخ لورين:
" أنه ضيفنا , لا يمكنك أن تكلميه بهذه الطريقة الخالية من اللياقة , أنه شاب لطيف".
" أنه ليس ضيفا , أنه مستأجر عندنا وهو كثير التدخل وله عينان نفاذتان ومتفحصتان ويسخر من كل شيء هنا".
" ربما يا عزيزتي , ولكن عليك أن تعتادي وجوده وطريقته في المزاح , عليك أن تتعايشي معه بسلام".
هزت لورين كتفيها دون أكتراث وخرجت لتضع الكراسي في الحديقة , وحين وصل هوغ كانت تستريح في كرسيها متكاسلة , أنحنى بلطف وقبلها على خدها قبلة خفيفة وقال:
" أهلا لورين, لقد التقيت المستأجر عندكم وأنا في طريقي ال البيت , كان في طريقه ليضع رسالة في البريد , أنه شاب لطيف ومهذب ولقد تحدثنا سوية".
" عما دار الحديث بينكما؟".
" عدة مواضيع . لقد تشعبت كثيرا في دقائق قليلة".
" أنا لا أحبه".
" لا أرى سببا لهذه الكراهية, أنه ذكي ويتمتع بمعرفة واسعة, صحافي...".
" أعرف أن الصحافيين كثيرو الأعتداد بالنفس يتمتعون بالحيلة, أنهم كالحيوانات التي تقتات على الزبالة ويبحثون دائما عن المشاكل , يحفرون القبور وينبشون الأخبار المدفونة ويفرطونها على الناس بشكل سافر".
حاول هوغ أن يوقفها عن استرسالها في الحديث بحركاته , التفتت خلفها لتجد جان بالقرب منها . شعرت بالذنب وبدأ قلبها يسرع في ضرباته , كان يحمل لها كيس الصوف الذي تحيكه وقد خلا وجهه من أي تعبير.
" أن وألدتك ترسل لك هذا الصوف".
ارتبكت كثيرا ولم تفهم سبب هذا الأرتباك كله , كلما التقته يهتز كيانها, وقف هوغ وطلب من جان أن يشاركهما جلستهما قائلا:
"سأجلب كرسيا آخر لي".
" شكرا يا هوغ , فأنا لا أريد أن أزعجكما في جلستكما الهادئة.
كان جان عابسا وسافرا في كلامه وهو ينظر الى لورين ويبتعد عنهما, وفي المساء صعدت لورين الى غرفتها لتنام , وجدت والدتها تتحدث مع جان في الممر المؤدي الى غرف النوم.
" كنت تعمل في فليت ستريت؟( أهم شارع للمال والأقتصاد في لندن)".
" نعم, كنت مساعد تحرير في الجريدة الرسمية".
" هنا وظيفتك تعتبر ترقية لك!".
" نعم, أنها أكثر راحة وأقل اجهادا من عملي في فليت ستريت , وأنا الآن مدير تحرير الأخبار في الجريدة المسائية في هذه المدينة الكبيرة".
قالت لورين تشاركهما الحديث" وكيف تتواضع لتعمل هنا وتترك فليت ستريت؟".
احمر وجه جان غضبا من تعليقها وقال:
"لا , ربما لا تصدقين يا آنسة فارس , ولكنني لم أحتمل الصراع اليومي ... والتقدم البطيء".
نظر اليها جان نظرة قاسية جعلت جسمها يهتز , تذكرت معطفها المنزلي الشفاف وتحته ثوب نومها الذي يظهر أكثر مما يخفي... ركضت مسرعة الى الحمام وقد اكتسى وجهها بحمرة الخجل , وحين خرجت من الحمام كانا لا يزالان يتحدثان , ألقت تحية المساء عليهما وأجابتها والدتها على تحيتها لكن جان لم يأبه بها...
هبي الى غرفتك وضعي بودة على وجهك تبدين شاحبة".
هزت لورين رأسها موافقة وارتقت السلآلم الى غرفتها وأغلقت الباب عليها.
رتبت شعرها وعقدته بشريطة الى الوراء كذيل حصان , ثم وضعت طبقة رقيقة من البودرة على وجهها ونزلت الى غرفة الطعام.
كان المستأجر يقف ويداه في جيوبه وقد بدا عليه الأنزعاج , رفع حاجبيه يحييها فردت التحية له بنظرة جافة وقالت:
" يمكنك أن ترتاح في غرفة الجلوس يا سيد داربي".
" أنني مرتاح هنا يا آنسة فارس, لقد أمضيت رحلة طويلة وأنا جالس في القطار".
" هل حضرت من لندن يا أستاذ داربي؟".
" نعم يا آنسة فتلاس".
هرعت بريل تحمل أبريق الحايب ووضعته على الطاولة وقالت:
" أرفعا الكلفة بينكما , هو جان وأنت لورين , لا لزوم لأستاذ داربي وآنسة فارس".
انحنى جان متهكما الى لورين بشكل مسرحي , ونظر اليها نظرة مرحة, أدارت لورين على الفور ظهرها له وقالت بعصبية:
" أنا لا أرفع الكلفة الا مع أصحابي".
اعتذرت والدتها بالنيابة عنها وقالت:
" لا تهتم لكلامها يا جان...".
صنعت لورين الشاي وحملته الى غرفة الطعام.
قالت بريل:
"اجلس يا جان مقابل لورين , لورين , صبي الشاي لجان".
تحاشت لورين النظر الى جان وهم يتناولون الطعام, ولكن بعد العشاء وهي تحتسي الشاي, التقت عيناها بعينيه , كان قاسي الوجه والتعابير وأخرج سيكارة وأشعلها ونفخ دخانها في وجه لورين دون اكتراث , بينما عيناه تتفحصانها وتحللانها , حاولت لورين أن تخفي تعابير وجهها خلف قناع من القسوة لتمنعه من أختراق دخيلتها.
منتديات ليلاس
بدأت بريل تتكلم معه عن وظيفته , نظرت اليها لورين وقالت بحدة:
" علينا أن نراقب كلامنا من الآن فصاعدا".
رفع جان حاجبيه متعجبا وأكملت:
" لدينا صحافي في المنزل , أننا تحت المراقبة , كأن هناك آلة تسجيل مخبأة في زهرية الورود أو تحت السجادة, هناك جاسوس يعيش معنا في البيت.
سارعت الدماء الغاضبة في جريانها , ولمعت عينا جان الرماديتان كأن انفجارا صغيرا أصابهما ولكنه حافظ على رباطة جأشه وأخفى أمتعاضه . رغم أن أنفعالاته بانت جلية في عينيه , وبعد أن عاد اليه الهدوء قال :
" الآنسة فارس تعرف العديد من الصحافيين كما يبدو".
قالت بريل:
" لا , لورين لا تعرف صحافيين , أليش كذلك؟".
" نعم , أنا لا أعرف أحدا منهم ولله الحمد ولكن لي أصدقاء يعرفونهم ويعرفون أخبارهم , أنهم يملأون صحفهم بالزبالة واللغة الركيكة, ( ونظرت اليه مباشرة) أنا أقضي معظم وقتي يا أستاذ داربي أحاول اصلاح الأخطاء التي تتركها الصحافة على اللغة الأنكليزية.
نظر اليها جان نظرة باردة مثلجة وأكملت بحماس:
" زبالة الصحافة هي ما يمتصه ويبتلعه الناس يوميا مع فطورهم , أنها تأكل في جذور اللغة كما يفعل السوس في الأسنان الصحيحة.
قالت بريل مصعوقة مما تسمع:
" لورين؟ كيف تقولين ذلك؟ ( ونظرت الى جان تطلب منه أن يسامحها) لا تأخذ بالك مما تقول , أنها مدرسة , تدرس اللغة الأنكليزية في مدرسة للبنات في المدينة , بيني وبينك ... أنها مدرسة رجعية تقليدية وتحتاج لدماء جديدة في الأدارة , حان الوقت لتتقاعد الرئيسة العجوز , أنها تؤثر كثيرا على المعلمين والمعلمات الذين يعملون تحت أدارتها".
قال جان:
" أعتقد أن الدم الجديد ضروري في الأدارة وفي جهاز السلك التعليمي أيضا, طريقتك في تعليم اللغة الأنكليزية متزمتة , وأنت شديدة الحساسية في عملك, يجب أن أذكر لك أن غالبية الناس يلذ لها قراءة الصحافة , أو كما تسمينها الزبالة".
ابتسم وهو ينفض سيكارته في المنفضة الموضوعة أمامه.
يطيب لجان أن يزعجها كلما التقى بها , وأكمل حديثه قائلا:
" لا تحكمي على الآخرين بترفع, فنحن الصحافيين نغذي العالم بأخبارنا ولا نكتب لطبقة معينة من الناس , طبقة المتعلمين والمترفعين أمثالك, اذا نظرت حولك يا آنسة فارس يتمعن , تجدين أن غالبية الناس يتمتعون بذكاء عادي ويحتاجون لقراءة الجرائد ليعرفوا ما يدور حولهم من أحداث بلغة بسيطة وعادية".
" من الواضح أننا لا نتكلم بلغة واحدة يا سيد داربي...".
احمر وجهها , وقال لها وهو يتجاهل انزعاجها وانفعالها:
" أنت تهتمين لما يحدث للغة , تخافين عليها من التغيير الذي تمر به, تعتقدين أنك مدرسة للغة وعلك المحافظة عليها , ولكنني لا أقرك على تصرفاتك ولست مطمئنا لردة فعلك , لا يمكننا أن نحافظ الى ما لا نهاية على اللغة كما كتب بها أجدادنا في الماضي , علينا أن نطورها لتلائم حاجتنا الحاضرة".
لم تفهم لورين ما قصد من كلامه , لقد لسعها انتقاده الجارح ولم تعد تحتمل المزيد , فبدأت تتلهى بتنظيف الصحون بعد أن وجدت أن المحادثة بينهما أصبحت شائكة, وقالت بعصبية:
" أنا أعتبر أن الصحافيين عمال لا مهارة لديهم ويتقاضون أعلى الأجور , وظيفتهم توازي وظيفة كنَاس الطرقات بل تقل عنها , أن كناس الطريق يجمع الأوساخ بينما الصحافي ينشرها".
عم صمت رهيب بينهما , هربت لورين الى المطبخ وهي تشعر بأن كلامها الجارح قد آلمها كما آلم جان , كانت تحس أن ثورتها زائفة وكذلك انتقادها.
يوم الأحد , عادة , تستفيق لورين ووالدتها متأخرتين , هذا الأحد ولوجود ضيف بينهما , كان عليهما أن تستيقظا باكرا , طهت لورين فطور الصباح وحملت لجان فطوره الى غرفته , قرعت الباب وانتظرت أن يدعوها للدخول , كان جان قد استيقظ وارتدى ثيابه وانتهى من ترتيب نفسه , ابتسم لها وهي تضع صينية الفطور على الطاولة وقبل أن تخرج قالت كمن حفظ درسا:
تقول والدتي أنك تستطيع الحصول على كل رغباتك فلا تتردد في طلب ما تحتاج اليه".
نظر اليها نظرة غريبة وقل:
" أفهم, شكرا, ( ثم أكمل ساخرا) هل أنت التي ستقومين على تأمين رغباتي وحاجياتي ... فأنا أحتاج الى سكرتيرة وباحثة , وشخص يرد على الهاتف ويسجل لي المكالمات عدا عن الأعمال المنزلية التي تقوم بها الزوجة عادة , كتركيب الأزرار المقطوعة وغسا ثيابي وكيها و... أشياء أخرى, ( وأضاف يستفزها) كأنني أطلب زوجة, ولا يمكن لشخص يتمتع بكامل قواه العقلية أن يتقدم بطلب زوجة هذه الأيام".
وجدت لورين نفسها تبتسم ابتسامة مفتعلة وتعتبر كلامه مزاحا. لكنه تجهم فجأة وقست تعابير وجهه وهو يقول:
" شكرا لأحضار الفطور".
خرجت من الغرفة بسرعة وكأنها تلميذة طردت من الصف.
بعد الفطور, جلست تحضر ملاحظاتها وأوراقها من أجل الفصل الدراسي الجديد, مرت بريل من قربها وسألتها:
"متى سيحضر هوغ؟".
في الثالثة كالعادة".
" وهل ستخرجان؟".
" لا أعتقد ذلك, أنني أشعر ببعض الكسل والتعب وأحتاج الى الراحة لأستقبال الفصل الدراسي الجديد , أنني أكره أول يوم في المدرسة في فصل الخريف لكثرة ما يدور من جدل حول التفاصيل والترتيبات والتقسيم ,.
صعدت لورين الى غرفتها ورتبت نفسها لأستقبال هوغ , رتبت شعرها وعقصته الى الخلف ثم ارتدت تنورة نظيفة مع بلوزة بيضاء ووضعت قليلا من أحمر الشفاه , ثم نظرت الى نفسها في المرآة , فلم ترق لها صورتها, كان ينقصها الحيوية والنشاط فوجهها لا حياة فيه وروحها كئيبة, أن التزمت باد في تعابير وجهها وكل مساحيق التجميل لا تفيد في اراحة بالها , ربما حضور هوغ لزيارتها سيغير من قساوة ملامحها ويجعل عينيها تشعان والبشر يطفو على وجنتيها , ومعنوياتها ترتفع...
صديقها هوغ أشقر الشعر بشوش الوجه ترتاح اليه, لا ينفعل لشيء , وهي لا تحس بأي أنفعال معه حتى وهو يعانقها , كان جان قد دخل المطبخ وأخذ يتحدث مع والدتها دون كلفة.
قالت لورين تخاطب والدتها:
" سنجلس أنا وهوغ في الحديقة".
قالت بريل تخاطب جان بمرح:
" هوغ صديق لورين ويدرس معها في نفس المدرسة".
" وهل يدرس اللغة الأنكليزية أيضا ويشاطرك كره الصحافيين أمثالي؟".
" لا, أنه يدرس مادة الكيمياء".
" ربما لا أكون تافها بنظره كما هي الحال بالنسبة اليك , مهنة التعليم مهنة محترمة ولكنها تسبب الضجر وهي غير مثيرة , ورتيبة وتقتل روح التوثب, وفي النهاية يصبح المعلم كالمهنة تماما .. مملا ومحترما .
ساء لورين أن يهاجمها جان بهذا الشكل . بدأ يستفزها بكلامه وتعليقاته ووجدت نفسها تدافع قائلة:
" من الأفضل يا سيد داربي أن أصبح على هذا الحال من دون أن أثير العواطف الكاذبة كما يفعل أمثالك الصحافيون, ثم ماذا تعرف أنت عن مهنة التعليم؟".
" أعرف الكثير, لقد قابلت أثناء عملي العديد من المعلمين وأنا أخاطب معلمة الآن...".
كان همه أن يثير غضبها ويزعجها , ولقد نجح, وحاولت لورين أن تخفي دموعها ولكن بعض القطرات نزلت رغما عنها.
قالت بريل:
" أهدئي يا لورين... أنه يثير غضبك لتفقدي رباطة جأشك...".
ابتسم جان ابتسامة عريضة مجنونة ثم تركهما وصعد الى غرفته.
قالت بريل توبخ لورين:
" أنه ضيفنا , لا يمكنك أن تكلميه بهذه الطريقة الخالية من اللياقة , أنه شاب لطيف".
" أنه ليس ضيفا , أنه مستأجر عندنا وهو كثير التدخل وله عينان نفاذتان ومتفحصتان ويسخر من كل شيء هنا".
" ربما يا عزيزتي , ولكن عليك أن تعتادي وجوده وطريقته في المزاح , عليك أن تتعايشي معه بسلام".
هزت لورين كتفيها دون أكتراث وخرجت لتضع الكراسي في الحديقة , وحين وصل هوغ كانت تستريح في كرسيها متكاسلة , أنحنى بلطف وقبلها على خدها قبلة خفيفة وقال:
" أهلا لورين, لقد التقيت المستأجر عندكم وأنا في طريقي ال البيت , كان في طريقه ليضع رسالة في البريد , أنه شاب لطيف ومهذب ولقد تحدثنا سوية".
" عما دار الحديث بينكما؟".
" عدة مواضيع . لقد تشعبت كثيرا في دقائق قليلة".
" أنا لا أحبه".
" لا أرى سببا لهذه الكراهية, أنه ذكي ويتمتع بمعرفة واسعة, صحافي...".
" أعرف أن الصحافيين كثيرو الأعتداد بالنفس يتمتعون بالحيلة, أنهم كالحيوانات التي تقتات على الزبالة ويبحثون دائما عن المشاكل , يحفرون القبور وينبشون الأخبار المدفونة ويفرطونها على الناس بشكل سافر".
حاول هوغ أن يوقفها عن استرسالها في الحديث بحركاته , التفتت خلفها لتجد جان بالقرب منها . شعرت بالذنب وبدأ قلبها يسرع في ضرباته , كان يحمل لها كيس الصوف الذي تحيكه وقد خلا وجهه من أي تعبير.
" أن وألدتك ترسل لك هذا الصوف".
ارتبكت كثيرا ولم تفهم سبب هذا الأرتباك كله , كلما التقته يهتز كيانها, وقف هوغ وطلب من جان أن يشاركهما جلستهما قائلا:
"سأجلب كرسيا آخر لي".
" شكرا يا هوغ , فأنا لا أريد أن أزعجكما في جلستكما الهادئة.
كان جان عابسا وسافرا في كلامه وهو ينظر الى لورين ويبتعد عنهما, وفي المساء صعدت لورين الى غرفتها لتنام , وجدت والدتها تتحدث مع جان في الممر المؤدي الى غرف النوم.
" كنت تعمل في فليت ستريت؟( أهم شارع للمال والأقتصاد في لندن)".
" نعم, كنت مساعد تحرير في الجريدة الرسمية".
" هنا وظيفتك تعتبر ترقية لك!".
" نعم, أنها أكثر راحة وأقل اجهادا من عملي في فليت ستريت , وأنا الآن مدير تحرير الأخبار في الجريدة المسائية في هذه المدينة الكبيرة".
قالت لورين تشاركهما الحديث:
" وكيف تتواضع لتعمل هنا وتترك فليت ستريت؟".
احمر وجه جان غضبا من تعليقها وقال:
"لا , ربما لا تصدقين يا آنسة فارس , ولكنني لم أحتمل الصراع اليومي ... والتقدم البطيء".
نظر اليها جان نظرة قاسية جعلت جسمها يهتز , تذكرت معطفها المنزلي الشفاف وتحته ثوب نومها الذي يظهر أكثر مما يخفي... ركضت مسرعة الى الحمام وقد اكتسى وجهها بحمرة الخجل , وحين خرجت من الحمام كانا لا يزالان يتحدثان , ألقت تحية المساء عليهما وأجابتها والدتها على تحيتها لكن جان لم يأبه بها...
لم يكن من السهل على لورين العودة الى العمل بعد عطلة الصيف , ثم أن وجود المستأجر الشاب الذي يعيش معها تحت سقف واحد شغل بالها أكثر مما توقعت , حاولت أن تطرده من تفكيرها عبثا , أول ما وصلت الى المدرسة التقت صديقتها آن التي بادرتها بالسؤال:
" سمت أن لديكم مستأجرا شابا".
قالت لورين ساخرة:
" أنه صنف ممتاز يا آن ".
قال هوغ معلقا:
"لا أعرف لماذا تسخر لورين منه , لقد التقيته وتحدثت اليه ولا أجد ما يعيبه".
قالت لورين:
" ولكنني واثقة من كراهيتي له, أنه لا يحتمل , وقح , ومعتد كثيرا بنفسه:
قالت آن :
" بدأت أتحرق شوقا لمقابلته , ربما أكون كبيرة في السن ولكن في هذه الأيام لم يعد فارق السن شيئا يعيق العلاقة بين اثنين, ومع قليل من الجراحة التجميلية فسوف أبدو أصغر منه ...".
ضحك الجميع ثم علق هوغ قائلا:
" أعتقد أن لورين هي التي تثيره وتزعجه".
قالت لورين:
" شكرا يا هوغ".
قالت آن:
" عندما التقي الشاب سأتذكر أن أتملقه وأداهنه, ولكنه لن يكون منافسا على قلب لورين يا هوغ".
قال هوغ:
" هذا صحيح , ولكن الشاب مرح وتسر عشرته وجلسته".
بدأت لورين تمتعض وتحاول الأعتراض , ولكن آن بادرتها قائلة:
" أهدئي يا لورين".
قال هوغ:
" أنه ليس من النوع الذي يستهوي لورين وهي أيضا لا تستهويه...".
انزعجت لورين لتصريح هوغ واعتبرته تجريحا , وقالت بعصبية :
" لماذا ؟ ما خطبي؟".
قال هوغ :
" لا شيء... بالنسبة الي ولكن... جان يحتاج الى فتاة أكثر ليونة ولباقة وأكثر...".
قالت لورين:
"مرونة".
هز هوغ رأسه موافقا وبدأت لورين تتأفف وهي تهرول الى صفها تحتمي بتلاميذها , وهكذا فعل كل من هوغ وآن.
بقيت لورين تعمل في صفوفها طوال النهار وكان وصف هوغ دائما في خاطرها ولم تنسه, ألم تقل عنها والدتها (أنت فتاة قاسية ومتزمتة) هذا واضح الآن, هوغ أيضا يوافق والدتها الرأي , جلست في المساء أمام مرآتها تتزين ولأول مرة في حياتها رغبت في تغيير شكلها تماما, لقد أصبحت في السادسة والعشرين من عمرها ولكن الذي يراها يضيف سنوات أخرى على عمرها ,ربطت شعرها الى الوراء وشرعت تضع مساحيق التجميل على وجهها , درست تعابير وجهها بالتفصيل , حاجباها مقوسان وأنفها وفمها مصقولان, وعيناها الزرقاوان حادتان ونظرتهما موحشة.
نظرت الى ثيابها بعد أن انتهت من التجميل فوجدت أنها أصبحت لا تلائم شكلها الجديد الذي بدأت تخطط له, قررت( غدا سأشتري ثيابا جديدة بعد الدوام في المدرسة ) وتساءلت في نفسها... هل وصف هوغ لها هو الذي جعلها تتخذ هذا القرار بالتحديد في شكلها ولباسها , أم وجود هذا الرجل الذي يعيش معها في البيت؟
عادت والدتها باكرا من موعدها , قالت مستغربة ما ترى:
" لورين يا عزيزتي . كم أنت جميلة؟ هل رآك جان؟ أين هو؟".
"في الخارج".
" مؤسف , كنت أريده أن يراك على هذه الحال, كان يقول لي البارحة..".
" سأمسح المساحيق بسرعة...".
" بل أتركيها لحين حضوره".
ولكن لورين لم تستمع الى قول والدتها بل أسرعت الى الحمام تغسل وجها من مساحيق التجميل قبل حضور جان.
حضر جان بعد أن آوت لورين الى فراشها , سمعت والدتها تسأله عن عمله الجديد في الجريدة المسائية.
" عملي ممتاز ومشوق, وأنا كلي حماس ونشاط".
وفي اليوم التالي وقبل حضور هوغ تجملت لورين ولبست بنطلونا أزرق جديدا مع بلوزة زهرية دون أكمام , كانت واثقة بأنها قد غيرت من شكلها كليا ... حين نظر هوغ اليها بسرعة كأنه يراها للمرة الأولى وقال:
" ماذا فعلت بنفسك يا لورين؟ أنت مختلفة كليا".
" لم أفعل شيئا".
ابتعدت هاربة من نظراته بعد أن شعرت بالخجل والأرتباك , لقد لفتت نظره اليها وتمنت لو لم تفعل ... هي حقا لا ترغب في لفت انتباه هوغ , بل غيره... حملت شغل الصوف بيديها وجلست تحيك بينما ال هوغ:
" هل أخبرتك أنني التقيت جان البارحة في المدينة بعد الدوام المدرسي , وتناولت الشاي برفقته وأخبرني أن لديه راديو ترانزيستور يود بيعه".
" جان في الخارج, انه يمضي أمسياته خارج البيت وأنا لم أعد أره منذ عدة أيام".
" لا بأس , اذا حضر قبل خروجي سأتفقد الراديو... انني راغب في شراء راديو منذ فترة وهو يطلب ثمنا معقولا".
صنعت لورين الشاي لهما , ثم بعد أن تناولاه أكملت شغل الصوف , أمسياتها مع هوغ تسير على وتيرة واحدة, كلها رتابة وملل ولا نفع فيها , لم تكن من قبل تشعر بفتور علاقتهما , نظر هوغ اليها وتمنت لورين لو لم يفعل.
سمع هوغ الباب الخارجي يفتح ويغلق , رفع رأسه ورحب بالقادم قائلا:
" أهلا يا جان, تسرني رؤيتك , تفضل شاركنا جلستنا".
ووقف هوغ احتراما , كان جان يقف في الباب بينما بقيت لورين تحيك الصوف دون أن ترفع رأسها.
كانت خائفة لأن هوغ دعاه دون أستئذانها .
قال جان:
" لا أريد أن أزعجكما".
كان صوته متهكما ساخرا".
قال هوغ:
" لورين ؟ هل هناك مزيد من الشاي؟".
وضعت لورين شغل الصوف جانبا وذهبت لتجلب فنجانا للشاي. وقالت ببرودة متعمدة:
" تفضل يا سيد داربي, اجلس".
" كم أنت لطيفة, كان لئيما وهو يبتسم ابتسامة ساخرة ويتفحصها بشكلها الجديد , وعندما عادت لورين تحمل له فنجان الشاي كان يجلس بالقرب من هوغ يتحدث معه.
" هل تريد بعض السكر يا سيد داربي؟".
حملت شغل الصوف من جديد وعادت للحياكة وهي تحاول أن تبدو مرتاحة , كان جان يجيل طرفه بينهما مستوضحا بعض الأمور, ثم نظر الى هوغ وقال:
" أنت متخصص في مادة الكيمياء؟ هل تحب مهنة التعليم؟".
هز هوغ كتفيه وقال:
" كنت أفضل لو أن المدرسة مختلطة . الفتيات مشاغبات ومثيرات في أكثر الأحيان".
ضحك جان:
" هذا شيء لا يقلقني أو يثير نقمتي".
تذكرت لورين والدتها حين قالت( أن الفتيات يحمن حوله كالفراشات حول النور) ارتبكت وعملت أخطاء في شغل الصوف مما اضطرها للتصليح, قال جان يخاطبها:
" وأنت يا آنسة فارس, لقد اعتدت مهنة التعليم كما تعتاد البطة العيش في الماء".
" لا, لقد أنتقيت مهنتي بنفسي يا سيد داربي , لم أجبر على هذا الأختيار , اعتدت على عملي وبدأت أحبه".
هز جان رأسه موافقا وقال:
" الأستقرار الممل , عملك صلب ومتحجر لا أثارة فيه, فأنت لا تحيدين عن دفتر ملاحظتك , تقدمين المادة دون خيال ولا تحاولين تغيير الأسلوب , صفوفك مليئة بالطالبات الذكيات وأنت تتوقعين منهن قبول ما تلقنينه لهن دون نقاش أو جدال على انه هو الحقيقة الوحيدة".
انزعجت لورين من هجومه المفاجىء , لقد ركز هجومه على عملها بثقة تأكيد وكانت ترغب لو تسد فمه بشغل الصوف الذي تحيكه وتجعله يكف عن الكلام.
" وماذا تفهم عن مهنة التعليم... نحن نلقن التلميذات حقائق المعرفة ودقائقها وهذه الحقائق ستفيدهن في حياتهن في المستقبل, نحن لا نفتش في الحياة عن دبابيس وأشواك مدفونة نظهرها للملأ ونجبر الناس أن يتقبلوها رغما عنهم عندما ننشرها على الرأي العام".
ابتسم ابتسامة صغيرة باردة وكانت نظراته الجامدة تقيمها , احمرت وجنتاها , قال:
" أنت دائما تنتقدين انتقادات هدَامة وعاطفية مثل غالبية الناس, لقد أتخذت قرارك مسبقا دون دراسة أو روية وبجهل سافر".
وأكمل حديثه دون أن يسمح لها بالأعتراض:
" نظرتك الى الصحافة والصحافيين لا تختلف عن بقية آرائك , أنت مدرَسة للغة الأنكليزية وتعتقدين أن التقرير الصحافي يجب أن يكون قطعة نثر أدبية يا آنسة فارس, كتابة تقرير صحافي هو اختصاص رفيع المستوى , الصحافة تعمل في التفتيش عن علامات أساسية وركائز للمستقبل من حوادث الحاضر, والصحافي الخبير يكتشف هذه الأسرار ويلفت النظر اليها".
قال هوغ:
" هل تقول أن الصحافي يستطيع أن يرى المستقبل من خلال الحاضر؟".
قال جان:
" هذا يختصر بكلمات قليلة ما أعنيه".
" لا يهمني أن تقنع هوغ بالأمر , فأنت لن تقنعني أبدا . المراسلون الصحافيون يفتشون في الزوايا والخبايا ويجسمون توافه الأمور, وهذا ما يضع الخبر في حجم دون حجمه الطبيعي , ويزيد من أهميته , بعبارة أخرى هي عملية خداع كبرى للرأي العام".
هز جان رأسه آسفا:
" كم أتأسف من أجل تلاميذك في المدرسة لسوء حظهم , لأنهم وقعوا على معلمة مثلك لا تلم بالحقيقة الكاملة".
ضحك هوغ:
"احذر يا جان قبل أن ترميك بشيء ما".
" لا , الآنسة فارس لا يمكنها أن تفقد صوابها وتتصرف كفتاة طائشة ".
" يا الهي, الود مفقود بينكما بالرغم من معرفتكما القصيرة ببعضكما , لنغير الموضوع قبل أن تعلن الحرب سافرة بينكما ... وماذا بشأن الترانسدزيستور يا جان؟".
" تعال الى غرفتي وعاينه".
خرج جان وتبعه هوغ مسرعا كأنه يريد الهروب من الجو المشحون الغاضب, بقيت لورين مع غضبها , رغبت في البكاء ولكنها أمسكت نفسها بجهد.
بقي هوغ في غرفة جان فترة غير قصيرة ثم نزل متأبطا الراديو ورفع يده مودعا , قبَل لورين على خدها قبلة سريعة وخرج.
قال جان بلطف:
" لورين؟".
كانت هذه أول مرة يناديها باسمها , التفتت اليه " أنني أحب السلام وأكره الحرب, خصوصا حرب الأهل , مد يده مصافحا :
" هل نعلن الهدنة".
يقول أنه فرد من أفراد ... العائلة؟ تجاهلت لورين يده الممدودو لمصافحتها.
"عمت مساء يا سيد داربي".

زونار 22-06-09 05:49 PM

2_ وحدها في الحديقة
تجاهل جان ولورين بعضهما فترة من الوقت, حتى لو ابتسمت لورين ابتسامة غير مقصودة, كان جان يتجاهلها , وبذلك اختفى الجدال والخصام العلني بينهما.
عادت لورين تهمل لباسها وترتيب شعرها وزينتها , وفي يوم الأحد بعد الظهر قررت أن تتمشى بصحبة صديقتها آن, لبست ثيابا عتيقة كانت لها أمجاد في الأيام الخوالي.
قالت لها آن بشوق:
" أين المستأجر الذي تتذمرين منه دائما؟".
" الحمد لله لم تسمعك والدتي لأنه تعتبره فردا من أفراد العائلة, هي تهتم بأمره وتعتني به كأفضل ما يكون. في بعض الأحيان يتناول الشاي هنا بصحبتها فأضطر أن أدخل غرفتي بانتظار خروجه".
" أنه يخيفك كالشبح المرعب, أظن أنه خارج المنزل لأنك تتكلمين عنه بحرية".
" حين لا يكون خارج المنزل يبقى في غرفته أو بالقرب من الهاتف...".
" وهل هناك نساء في حياته؟".
هزت لورين كتفيها دون اكتراث وقالت:
" بالعشرات... ما لنا وله , لنذهب الى نزهتنا".
كانت بريل مستلقية أمام المنزل تستمتع بدفء أيلول (سبتمبر) قدر المستطاع. لوحت لورين لها بيدها مودعة قبل خروجها مع آن.
ركبتا الباص ووصلتا الى الحديقة العامة في ضواحي المدينة, تسلقتا التلة المشرفة على المدينة وأخذتا تسيران على العشب الأخضر وسط المناظر الخلابة, كانت لورين تشعر ببهجة ومرح وهي تصعد التلة. كانت معنوياتها ترتفع مع كل خطوة.
وقفتا في أعلى التلة ونظرتا الى أسفل حيث لا يزال عدد كبير من الناس يتسلق, عبست لورين وحبست أنفاسها وهي ترى شخصا أسمر طويلا يتسلق التلة وقد وضع يديه في جيوبه, قالت بحدة تخاطب آن:
" هذا هو... أنه المستأجر الشاب".
" أين؟ أخبريني أين قبل أن يمر دون أن أراه".
" أنه يصعد التلة ( جمدت لورين من الخوف والأرتباك) . هل أستطيع أن أختبىء ؟".
نظرت آن اليها نظرة استغراب وقالت:
"ولماذا تريدين الأختبائ ؟ هل سيؤذيك؟".
لو رآهل هي وآن هل سيتجاهلها؟ نظر اليها مبتسما وقال:
" مساء الخير يا آنسة فارس".
هزت رأسها محيية , أنه لم يتكلم معها منذ عدة أيام . منذ أن رفضت اعلان الهدنة بينهما, حاولت الأبتعاد ن نظراته الفاحصة. عرَفته عل صديقتها آن بارتباك وقدمت صديقتها اليه قائلة:
" سيد داربي , أقدم لك صديقتي آن بالمر".
" أنت السيد داربي؟ قالت لورين أنك صحافي".
" نعم (نظر الى لورين ) هل يجب علي أن أحتمي من هجماتها؟".
"لماذا؟".
" لا تقولي أنك لا ترين حوافري وأظافري؟ أنا واثق أن الآنسة فارس قد شرحت لك عن عملي".
ابتسمت لورين :
" ولماذا تعتقد يا سيد داربي أنني أتحدث عنك مع صديقاتي أو حتى أفكر بك؟
".
تظاهر جان بأنه يرتجف وقال:
" أنا أستاهل ما جلبته لنفسي...".
سرت آن كثيرا لتعرَفها اليه, تمشوا سوية, كان جان يمشي بالوسط وقال:
" " وأنت أيضا معلمة يا آنسة أن بالمر؟".
" نعم أنني واحدة من التعساء في المهنة, لقد أمضيت فترة طويلة في هذه المهنة وأصبحت متحجرة, (نظرت الى لورين) , أحترسي يا لورين , لا تجعلي بقاءك في هذه المهنة يطول حتى لا تستقر في عروقك وعظامك, لقد قال أحدهم( لمسة الطبشور تترك آثارها على المصاب لآخر العمر...)".

" لقد أصابتني العدوى وانتهى الأمر , أسألي السيد داربي, لقد قال أنني مملة, وأردد الحقائق كالببغاء أو الطبل الأجوف, أنني محترمة أكثر مما ينبغي...".
قال جان:
" لك ذاكرة قوية كذاكرة الفيل يا آنسة فارس".
فقالت لورين:
"عندما يجرح الأنسان لا يستطيع أن يتغاضى أو ينسى".
كان جان يشعر بانتصاره بالرغم من كل ما دار بينهما من حديث , أحست لورين بازدياد كراهيتها له وتصاعد غضبها , وحين تمالكت نفسها واستعادت توازنها كان الحديث يدور بينه وبين آن حول الفن الحديث.
" لدي تذكرتان لأفتتاح معرض فني في المدينة , يسرني أن ترافقيني ".
نظرت آن الى لورين ثم قالت:
" أحب ذلك يا سيد داربي, ولكن هل أنت متأكد من أنك تريد أن تدعو أحدا غيري... لورين مثلا...".
نظر نظرة قاسية الى لورين مما جعلها تحمر خجلا وقال:
" يا الهي... بالتأكيد لا , أنا لا أرغب في قضاء أمسية كلها شجار وجدال".
اتفق جان مع آن على موعد اللقاء وقال:
" سنتناول وجبة طعام سوية بعد المعرض , ما رأيك؟".
" لا , لا لزوم".
لم يكن يسمح لأعتراضها بل كان يعدد الأماكن التي يمكن تناول طعامهما فيها, اقترح مكانا ووافقت آن على الفور ثم شكرته كثيرا.
" لا حاجة بك لشكري فأنا مسرور جدا بمعرفتك وسأسر أيضا بمرافقتك".
ثم تركهما دون أنثم تركهما دون أن ياتفت الى لورين
قالت آن:
"لماذا تخترعين الأكاذيب عنه يا لورين؟ أنه شاب لطيف وساحر, لقد جذبني اليه وأنا في هذا العمر المتقدم".
" أنت في الثالثة والثلاثين فقط يا آن, ربما أنت تصغرينه , فهو في السادسة والثلاثين".
" أنت تقولين أن النساء يحمن حوله بالعشرات , ولقد دعاني للخروج معه , هذا يفرحني كثيرا ويتطلب مني أن أشتري ثوبا جديدا للمناسبة".
شعرت لورين بغصَة في حلقها , هل من المعقول أن تشعر بالغيرة؟ شعورها بالغيرة يعني أنها تهتم لأمره.
طهت بريل طعام الأحد بينما لورين ترتب ملاحظاتها وأوراقها للصف الذي تعلمه في مساء كل أثنين في الكليةة التقنية , كانت تكسب من هذه الدروس بعض المال , ولكن الجو هناك يسرها, كان الطلاب في المدرسة يعملون بارادتهم ودون جهد أو توبيخ.
كان جان عادة يتناول طعامه في غرفته ولكن السيدة فارس دعته لمشاركتهما طعام الغداء , كانت بريل تتكلم بينما لورين تقدم الطعام:
" هل أخبرتك يا عزيزتي أن جيمس كارنيش سيصحبني لنركض سوية؟".
جيمس كارنيش هو مدير بريل الجديد, أنه أرمل في الخمسين من مره, وهو متفاهم معها, ما يزعد لورين الآن هو أن كل واحد حولها مشغول برفيق حميم , حتى صديقتها آن لديها جان.
قالت بريل:
" هل ستخرج بعد الظهر يا جان؟".
" ربما, أنني أرغب في رؤية شخص لا يحضر الى المدينة الا في عطلة الأسبوع".
قالت لورين:
" أنا سأبقى أرتاح في الحديقة".
قال جان:
" أمسية كسولة يا آنسة فارس".
" نعم(عبست ) مملة وعادية ودون أثارة... محترمة جدا(كانت حزينة).
كادت لورين تسمع ابتسامته , شدَت على أسنانها من الغيظ.
بعد الغداء سمعت جان يغادر المنزل بينما كانت والدتها تبدل ثيابها .
أخرجت لورين المايوه المؤلف من قطعتين وكانت قد اشترته في العطلة التي أمضتها مع آن في جزيرة
صقلية, لم تلبسه من قبل لأنه مثير وجذاب ولونه أحم قان, الطقس دافىء والشمس تدعو للأسترخاء , ولماذا لا تلبسه ؟ لا يوجد في المنزل أحد. وجيرانها لا يهتمون وجان في الخارج...
أرتدت لورين المايوه ونظرت الى نفسها في المرآة فلم تتعرف الى شخصها, التفتت والدتها وسألتها:
" هل في جلوسي بالمايوه في الحديقة ما يدعو للخجل يا أماه؟".
" كلا يا عزيزتي . لماذا الخجل؟ أنت جميلة والمايوه يليق بك كثيرا".
" وأنت جميلة يا أماه ... الى أين ستذهبين؟".
ارتبكت السيدة فارس وقالت:
" مسوار... لن أعود وقت تناول الشاي , يمكنك تناوله بمفردك".
أخبرتها لورين أنها لا تمانع في خروجها وطلبت منها أن تمتع نفسها ... ثم فرشت بساطا عند مدخل المنزل وتمددت , ربما نامت لورين بعض الوقت لأنها استفاقت منزعجة , فتحت عينيها ورفعت رأسها ونظرت حولها , ولكن المنزل فارغ, وربما يكون شخص قد أغلق الشباك وأزعجها.
وضعت نظارتها الشمسية وفتحت كتابا وانهمكت بالقراءة , حتى أنها لم تسمع وقع أقدام قربها , أنزلت الكتاب ونظرت الى وجه جان , كان قد وضع نظارته الشمسية أيضا فوق عينيه, خلغت لورين نظارتها ثم أعادتها بسرعة لأنها لا تريده أن يرى التعابير التي تطل من عينيها في تلك اللحظة, تمنَت لو يتركها وحدها أو أن يقول شيئا يكسر به طوق الصمت الرهيب.
" أعتقدت أنك في الخارج يا سيد داربي".
" كنت يا آنسة فارس ولكنني عدت منذ قليل".
تملكها ارتباك وأختفت الكلمات . ثم نظر اليها متفحصا وقال:
" هل أنت ضجرة يا آنسة فارس؟ هل أنت محتشمة في هذا الثوب؟".
مشى بعيدا عنها والتقط كرسيا , ثم فتح كتابا وبدأ يقرأ.
" هل لديك مانع في أن أجلس وأقرأهنا؟ لقد سمحت لي والدتك باستعمال الحديقة متى أردت...".
" وأنا لا أستطيع فخالفة والدتي يا سيد داربي ولو أردت ذلك, فأنت ضيفها ولست ضيفي...".
تمنى لو استطاع أن يجعلها تبتلع كلماتها ... خلع سترته وفك ربطة عنقه ثم فتح أزرار قميصه وجلس صامتا يتمتع بدفء بعد الظهر.
حاولت لورين التركيز على الكتاب الذي بين يديها عبثا, أعادت قراءة الجمل أكثر من مرة ولكن محاولاتها باءت بالفشل...
كانت لورين تسترق النظر الى جليسها من وقت لآخر وتتعجب أنه لا يتشدَق بالكلام كغيره من الصحافيين, ولا يبدو أنه يكثر من الشراب كما كانت تعتقد بل على العكس فأنه يتمتع ببعض الصفات المهنية الرفيعة من الذكاء والكفاءة والمعرفة, وفوق ذلك فهو بالفعل رجل رزين.
لقد عيَرت رأيها به, جميع آرائها السابقة مخالفة للحقيقة الراهنة أمامها, جزعت لما حل بتفكيرها , نهضت على الفور وحملت كتابها ولمَت بساطها وركضت هاربة من الحديقة ومنه ومن نفسها.
أمسيات أخرى تلت, كانت لورين تجلس في غرفة الجلوس تحضر بعض تقاريرها وملاحظاتها حين قرع الجرس, اعتقدت أن والدتها بالباب وأنها قد نسيت مفتاحها ... كان القادم هوغ.
" آسفة يا هوغ... ربما نسيت موعدنا...".
هز هوغ رأسه نفيا وهو يدخل وقال:
" لا , لم تنسي لأن ليس بيننا موعد, لقد حضرت لؤية جان , دعاني لتمضية السهرة برفقته. ألم يخبرك؟".
" لا, فحياته الخاصة ملك له وحده".
" حسنا , لا تفقدي أعصابك...".
" آسفة يا هوغ, يمكنك أن تصعد الى غرفته , ربما ينتظرك هناك".
وبعد فترة قصيرة قرع جرس الباب من جديد, فتحت لورين, هناك فتاة جميلة شابة في الباب , سألت بلطف وغنج:
" هل يعيش السيد داربي هنا؟".
"نعم".
" أنه ينتظرني , اسمي مارغو فرنش , أنت حتما الآنسة فارس , لقد حدثني عنك فنحن صديقان...".
" اصعدي الى غرفته يا آنسة فرنش. لديه زائر غيرك أيضا".
" نعم, أعرف , لقد طلب مني الحضور ليعرفني الى شاب...".
فتحت لورين فمها مستغربة ثم أغلقته دون أن تنبس ببنت شفة.
جحظت عيناها في مقلتيها , بينما صعدت الزائرة الفاتنة تتهادى الى غرفة جان.
اجتاح الغضب لورين ولم تستطع كبح جماحه كما فقدت رباطة جأشها وتوازنها فارتجف القلم بين يديها ... كل شيء دبر أحسن تدبير... صديقها هوغ وصديقة جان في حديث حميم, وهي ستبقى وحيدة مهملة ومنسية, كانت لورين تسمع الضحكات والكلمات وتشم رائحة السجائر من خلف الباب المغلق.
مارغو فتاة نحيلة أنيقة وتتمتع بأنوثة كاسحة من أخمص قدميها الى قمة رأسها, كانت ترتدي معطفا واسعا يلفها بغموض مثير فوق فستان أسود قصير وقد وضعت قبعة سوداء كبيرة فوق رأسها وكست وجهها بالمساحيق بشكل يضيف جمالا الى جمالها الطبيعي.
عادت بريل من مشوارها وسمعت حديثهم في غرفة جان وقررت أن تصنع لهم القهوة بنفسها, لكن لورين اعترضت قائلة:
" لن أحمل القهوة لهم لأن هوغ معهم فوق".
" لا تكوني هكذا ... أن جان يحاول بناء صداقات جديدة ولو كنت تعاملينه بطريقة أفضل...".
ولكن لورين قطَبت غاضبة مما اضطر السيدة فارس أن تحمل لهم القهوة بنفسها , وبقيت تسامرهم بقية السهرة. وأخيرا نزل الجميع وكانت بريل وجان في وداعهما , شاهدت لورين هوغ يلف ذراعه حول كتف مارغو وهو يضحك في وجهها , وحملها معه بسيارته ليوصلها الى بيتها وهو في منتهى الأبتهاج.
وقف جان يبتسم ابتسامة ساخرة وقال:
" مارغو فتاة جذابة أليس كذلك يا آنسة فارس؟ انتبهي قبل أن يقع صديقك في حبها وتخسرينه".
سحبت لورين نفسا عميقا لتهدىء من روعها وقالت بتحد:
" اذا كانت عواطفه نحوي على هذا الحال... فمع السلامة , لتأخذه مارغو".
دخلت الى غرفة السفرة ولدهشتها وجدت نفسها تجهش بالبكاء دون سبب , وحين هدأت قليلا حملت نفسها الى غرفتها. عندما مرت بغرفة جان كانت واثقة أن دموعها من أجل جان وليست من أجل هوغ.
اشترى جان سيارة جديدة وكانت آن أول من جربها, مر جان عليها ليصحبها الى المعرض الفني في المدينة, وهي بدورها أخبرت لورين بعد ذلك عن السيارة الجديدة التي اشتراها جان.
بعد المعرض عاد جان ومعه آن الى المنزل, وخرجت لورين لتقابل صديقتها ولاحظت على الفور تألقها وسعادتها, قالت آن بمرح:
" فستان جديد اشتريته على أحدث طراز بهذه المناسبة( دارت أمامها كما تفعل عارضة الأزياء) تناولنا طعامنا ودعاني الآن لتناول القهوة , هل ترافقينا الى غرفته؟".
" لا , لست مدعوة".

تركتهما وعادت الى غرفة الجلوس تتابع البرنامج التلفزيوني , كانت أفكارها قد تشتتت , بدأت ترى خطته جليا , لقد رفضت طلبه لأعلان هدنة بينهما وعليها أن تنال جزاءها من العقوبة , كان يجردها من أصدقائها واحدا واحدا...






أقفلت التلفزيون بعد أن عجزت عن متابعته وأستأذنت والدتها بالنوم باكرا, أغلقت باب غرفتها وغرقت في همومها حتى أنها لم تسمع آن ساعة خرجت.






وفي اليوم التالي أخبرتها آن تفاصيل موعدها مع جان, أكدت لها أنه جذاب وحديثه ساحر وطريف وأنها استمتعت كثيرا برفقته.






" أنه شاب مسل للغاية, يمكنك الأستفسار منه عن مهنته في يوم من الأيام ... (ثم سألتها) هل رأيت نسخة من جريدته؟".






" لا , أنا لا أقرأ هذه الحثالة الأدبية".






" ليست كذلك الآن , لقد حقق جان العجائب في تطويرها , على فكرة لقد أخبرني أن صورته ستظهر في الجريدة اليوم تحت عنوان: الشاب القادم من فليت ستريت".






تعمدت لورين أن تبتعد عن بائعي صحف المساء , وتذكرت أن آن قد أخبرتها أنها ستسهر مع جان هذه الليلة أيضا, وسألتها:






" آسفة يا لورين, هل يزعجك أن أسهر معه؟".






حاولت لورين الأبتسام بالرغم من الألم الذي حزَ في نفسها وأخترق جسمها كما تخترقه الرصاصة وقالت:






" بالطبع لا أزعاج من تصرفاتك يا آن , تمتعي بوقتك قدر ما يطيب لك ذلك. ( وسألتها وهي تحاول أن تبدو مهتمة) الى أين سيأخذك هذه الليلة؟".






" لديه أربع تذاكر لمعرض الأصوات والسمعيات في لندن, لقد دعى هوغ ومارغو لمرافقته , هوغ يهتم كثيرا بالراديوات...".



منتديات ليلاس


كبتت لورين جام غضبها قدر ما استطاعت , ولكنه أصاب في النهاية كل من تكلم معها من تلميذاتها , حالما بدر منهن أي ازعاج, كان تهكمها يلسع الفتيات بسياط غضبها , وحين انتهت الحصة خرجن مهللات.






اشترت لورين نسخة من الجريدة المسائية وهي في طريق العودة الى البيت, حملتها معها الى غرفتها وبيد مرتجفة فتشت الصفحات عن صورته حتى وجدتها, أخرجت المقص وقصت صورته وأمسكتها باهتمام بالغ , حدقت في الوجه الوسيم والعينين الحادتين والنظرة الجادة , كان الرجل الهادىء الرصين الذي لا يبتسم ... وتدريجيا هدأ غضبها وطوت الصورة بتأن وأخفتها في الجارور حيث لا يمكن لأحد أن يعثر عليها.






لورين تنظف البيت دوريا مع والدتها , كانت أكثر الأحيان تتهرب من تنظيف غرفة جان, أحيانا تتناساها أو ترفض حتى الدخول اليها , واليوم دورها في التنظيف ووالدتها في الخارج, لبست بنطلونا وكنزة قديمة وقرعت بابه , وانتظرت أن يكون في الخارج لكنه فتح الباب بنفسه وشاهد المكنسة الكهربائية.






" اذا كان الوقت غير ملائم...".






" ادخلي وانتهي من عملك".






" أنها مرتبة نوعا ما وليست كما توقعت".






" وماذا توقعت؟ زجاجات فارغة ومنافض مليئة بأعقاب السجائر وعشرات الفتيات حولي؟".






"نعم".






" آسف لأنني خيبت أملك ولكن في المرة المقبلة سأتدبر أمري لأرضائك (ولبس سترته) سأخرج الى الحديقة وأنتظر".






نظفت لورين الغرفة بتأن وبالغت في ترتيبها , وكانت في طريقها الى الخارج حين عاد جان وسألها:






" هل انتهيت؟ شكرا(جلس على كرسي وكان يبتسم ابتسامة محرضة) في المرة القادمة سأملأ الغرف بالفتيات قبل حضورك".






" لن يصعب عليك ذلك".






"لا , مذكرتي مليئة بالأسماء والعناوين , هل أخبرتك ماذا أفعل بهن؟ أنني أدخل كل واحدة الى حديقتي من الباب الصغير وأتركها تنضج وتزهر وتتفتح وعندئذ أقطفها وأرميها كالعشب اليابس".






ضرب كفيه ببعضهما البعض علامة الأنتهاء ثم رفع يديه ووضعهما خلف رأسه وهو يراقب ردة فعلها ساخرا:






" أوه و يا ألهي , عليَ أن أحذر آن".


" لا , لن تفعلي , أنا وآن متفاهمان".
" وماذا ...( قالت متلعثمة ) وماذا تفعل بفتاة مثلي؟".
" أنت؟ أنت لا أدعك تدخلين حديقتي! ".
اصفرت وشحبت وصعقت , ثم غادرت الغرفة كالمشدوهة لا تصدق ما تسمع.
وفي المساء التالي حضر هوغ لزيارتها بعد أن دعته بنفسها, كان قد بدأ يتحاشاها في المدرسة التقنية ودعته لزيارتها فوافق على الفور.
كان لقاؤهما كالعادة , لورين تحيك الصوف وهوغ يتصفح المجلات والحديث بينهما يتناول الأمور العادية , أحست لورين أن رتابة لقاءاتهما لا تشجع أبدا عل استمرار العلاقة بينهما, فالتجاوب العاطفي شبه معدوم. بينهما , وتذكرت نظراته الدافئة الى مارغو حين أوصلها الى بيتها بعد زيارتها لغرفة جان, وتذكرت أن مارغو كانت مسحورة به وهو يضع يده عل كتفها مع أنه كان قد التقاها منذ ساعات قليلة, بينما هو يعرفها منذ سنتين , حياتها خالية تماما من الأنفعالات والأحاسيس , وهي لا تتذكر آخر مرة عانقها....
أيقنت لورين أن علاقتهما قد أنتهت , وضعت شغل الصوف جانبا من يدها وأخبرته بالواقع الملموس , كانت تتعثر بالكلمات ... كأنها تعترف بفشلها كأمرأة , لقد شعرت بمهانة كبيرة بعد أن انتهت من كلامها.
بدا هوغ غاضبا في البداية, ثم أحست بأنه تقبل الأمر برحابة صدر وكأن عبئا ثقيلا قد أزيح عن كاهله , قامت لورين بعد ذلك وصنعت الشاي لهما وبعد أن انتهيا تصافحا وتودعا وخرج هوغ من حياتها, بقيت لورين في مكانها تفتش عن حقيقة أحاسيسها , سمعت قرعا على الباب ودون أن تدري قالت:
" أدخل".
" آسف , خيل الي أنني سمعت صوت هوغ".
" كان هنا وغادر منذ عشر دقائق".
كانت لا تزال واجمة وشاردة , عبس جان وهو ينظر اليها وسألها :
" ما الأمر؟ هل حدث بينكما خلاف؟".
" لم يكن بيننا ما يوجب ذلك, كنا صديقين فقط...".
" نعم , أعرف ما تقصدين, كلما حضر لزيارتك كنت تشتغلين بحياكة الصوف بينما يتصفح هو المجلات , وأنت الفتاة الدافئة الجذابة يعاملك كقطعة من الرخام ببرودة, كل ما كان يربطكما هو حب أفلاطوني أو حب عذري".
كلما استمعت لورين اليه مفصلا حياتها مع هوغ كلما ازداد غضبها , كانت الحقيقة المؤلمة تصفعها وتؤلمها.
" هذا هو واقع حالنا...".
" كان عليك أن تراقبي تجاوبه مع مارغو".
قال ذلك ساخرا ومستفزا اياها, أمسكت بالصوف وبدأت تفتَته من جديد".
" لا لزوم لذر الملح على الجرح أرجوك".
قالت وهي مخنوقة بدموعها.
تجاهل جان غضبها وتوترها وكأنه لم يسمع ما قالته وأكمل:
" أنت الآن وحيدة ... لا ترتبطين برجل...".
" نعم. وحدي (وصرخت) أليس هذا ما تريده؟".
كانت صرختها تحتوي على دموعها التي تعبر عن فشلها الأكيد كأنثى... لقد أخفقت في الأحتفاظ برجلها ... خرج جان وأغلق الباب خلفه.
منتديات ليلاس






زونار 22-06-09 05:54 PM

3- طعم لسمكة أخرى



توطدت أواصر الصداقة بين بريل ومديرها جيمس كارنيش. قالت بريل تحادث لورين بلطف وحنان:



" يريد جيمس مقابلتك يا لورين, هل لديك مانع لعلاقتي به؟".

منتديات ليلاس

" أماه , أنني سعيدة جدا( وقبلتها فوق خدها) يمكنك التمتع بوقتك معه قدر المستطاع ولكنني أرجو أن تعطيني مهلة كافية يوم تودين أن أخرج من البيت وأستأجر غرفة لي".



" لا تكوني غليظة التفكير . فأنت ستبقين دائما معي ومكانك الطبيعي هنا".



كانت لورين واثقة من أنها , يوما ما , ستخرج من حياة والدتها ويتوجب عليها مغادرة المنزل, شعورها بالوحدة بدأ يضايقها أكثر بعد قطع علاقتها بهوغ, كل شخص حولها له صديق... وهي تبقى كل مساء وحيدة. الساعات التعليمية في الكلية التقنية مساء كل أثنين تسليها, والعمل هو منفذها الوحيد لتشغل لياليها في التحضير أو التصليح.



في تشرين الأول( أكتوبر) تغير موعد صفها المسائي لأسبوع واحد, صعدت بالمصعد الى الطابق الثالث وحاولت أن تتذكر رقم غرفتها. حملت دفتر التسجيل لصفها من المكتب ومشت في الممر الطويل الى داخل الغرف علها تتعرف الى تلاميذها , نظرت الى داخل احدى الغرف ودهشت لرؤية جان داربي واقفا ويحاضر في تلاميذ أحد الصفوف, هل هو خيالها الذي أوحى لها بشكله؟ أنه يلاحقها في كل مكان كالشبح ... أعادت الكرة ونظرت من جديد وتأكدت انه هو بشحمه ولحمه, أنه حقيقة يعلم في هذه الكلية التقنية , لقد كتب على اللوح : اللغة الأنكليزية, ارتبكت , كيف يمكنه أن يعلم التلاميذ وهو صحافي؟ أنه يتعدى على المهنة. أرادت أن تقتحم عليه الغرفة وتعلن للجميع كذبه وعدم كفاءته...



ارتفع غضبها ولكنها أكملت مشوارها عبر الغرف حتى وجدت تلاميذها في غرفة في نهاية الممر, اعتذرت لهم عن تأخرها وبدأت في تعليمهم , كانت أفكارها مشتتة بين محاضرتها وبين التفكير في جان داربي الذي كان يعلم في غرفة مجاورة , ربما يكون المسؤولون في الكلية قد ارتبطوا معه ليعلم قسما من الوقت عن حسن نية, وهم يجهلون عدم كفاءته ومقدرته , فهو صحافي غير قدير على تمييز اللغة الجيدة من اللغة الرديئة التي يطبعها كل يوم في جريدته.
بعد الحصة, فوجئت لورين به في المكتب يضع دفتر التسجيل لصفه في أحد جوارير المكتب , لم يخطر ببالها أنها ستلتقيه بعد الحصة, أرادت أن تركض هاربة منه حتى لا تتعرف اليه ولكنه بكل برودة أعصاب نظر اليها نظرة العارف وكأنها لم تقبض عليه بالجرم المشهود, بل بدا طبيعيا وهادئا كعادته.



بدأت ضربات قلبها تسرع وشعرت بعد فترة كأنها توقفت لفترة رهيبة وهو يقول لها بلطف:



" أهلا يا آنسة فارس".



" مساء الخير يا سيد داربي "



تنحى لها قليلا وأفسح لها المجال لتضع دفتر التسجيل لصفها في الجارور ثم التقت نظراتهما لفترة دون أن يعرفا ماذا يفعلان, وأخيرا خرق جان جدار الصمت بينهما قائلا:



" هل ترغبين أن أوصلك بسيارتي الى البيت؟".



لم يشرح لها أسباب وجوده بالكليه أو يعتذر عن انتحاله شخصية المعلم المحترم... فقط دعاها لمرافقته, أرادت أن ترفض ولكنها في آخر لحظة غيرت رأيها.



" نعم , شكرا".



رفع حاجبيه مستغبربا قبولها ولكن السرور بدا عليه, غادرا المكتب ونزلا السلالم صامتين ثم مشيا الى مرآب السيارات حيث دخلت سيارته دون أن تبادله كلمة واحدة, بقيا صامتين طوال الطريق الى المنزل. أوقف سيارته أمام المدخل وللحال فتحت لورين الباب ونزلت منه في نفس الوقت الذي نزل جان أيضا, أخرجت لورين مفتاح المنزل وفتحت الباب الخارجي, تبعها جان الى غرفة الجلوس حيث قال:

" حسنا يا آنسة فارس, صمتك كان معبرا للغاية, تكلمي , ماذا يزعجك؟ أي جريمة أقترفت الآن؟".
" جريمة؟ نعم, هذا صحيح يا سيد داربي (بدأت عيناها تشعان والأنفعالات تجتاحها, رمقته بنظرة قاسية حادة وأكملت) أريد ان أعرف هل يعمل المسؤولين في الكلية أنك دخيل على مهنة التعليم ولا تملك المؤهلات لهذا العمل؟ ربما وافقوا على اعطائك هذه الوظيفة عن حسن نية وصدق... أنت صحافي يكسب قوته في كتابة توافه واشاعات وأقاويل حقيرة , ولا تملك المقدرة لتعليم اللغة الأنكليزية الصحيحة".
أمسك بها بقسوة وهزها, رفع حاجبيه مستنكرا ما سمع, والأبتهاج والسخرية أخذا يتصارعان في نظرات عينيه وهو يقول :
" عملي الأساسي في الحياة أن أعدي الغالبية من السكان بالقراءة السهلة, وبنظرك عملي يسيء الى اللغة الأنكليزية لأن المستوى الذي أكتب فيه لا يتعدى التافه من الكلمات...".
" حتما, هذا عملك".
حاولت أن تتحداه وتتجاهل الغضب الذي برز في عينيه كما يبرز النمر فجأة من وسط الغابة.
" وماذا ستفعلين ؟ هل ستخبرين المسؤولين عني وتعلنين عدم جدارتي بالوظيفة؟".
حاولت أن تتصدى لتحديه ولكن عينيها انخفضتا تحت سطوة عينيه , أنزل حاجبيه وتكلم بصوت بطيء وهادىء:
"أنت حمقاء درجة أولى ولا أستطيع أن أصفك بنعت أفضل من ذلك....".
نظرت اليه مستغربة تهجمه عليها ورأت سخريته في ابتسامة خبيثة, قال:
" حسنا يا آنسة فارس , اذهبي الى المسؤولين وأفعلي ما يحلو لك وأنا بانتظارك, يسرني أن أسمع رأي المسؤولين في الكلية حين يستمعون لقصتك المشينة".
بدأ جان يصعد السلالم باتجاه غرفته ولكنه توقف في منتصف الطريق وعاد:
" كلا, لقد غيرت رأيي , سأوفر عليك تلك المشقة".
" هل ستخبرهم أنت بنفسك وتستقيل من عملك؟".
" لا, لن أستقيل بل سأخبرك شيئا آخر, قفي أمامي يا آنسة فارس.( أمسك بها بقسوة وجذبها لتقف تحت الأضواء في غرفة الجلوس) هنا حيث أستطيع أن أرى ردة الفعل ترتسم في تعابير وجهك".
ارتبكت من تشدقه وهي ترى سروره الظاهر في وجهه .
" أنا يا عزيزتي آنسة فارس أملك مؤهلات تفوق مؤهلاتك..".
حاولت لورين أن تفتح فمها لتعترض ولكنه رفع يده وأكمل:
" اصمتي أرجوك فأنا لم أنته بعد من كلامي.( زاد عبوسها وهو يكمل حديثة بتأن واضح) لمعلوماتك الخاصة , أنا أحمل اجازة جامعية ولو رغبت لوضعت بالقرب من اسمي : ماجيستير في الأدب من جامعة أكسفورد , تخرجت بامتياز درجة أولى, ولدي قبول لمتابعة تحصيلي العالي لو رغبت ( ابتسم بخبث) نعم كنت واثقا أن الدماء ستصعد الى وجنتيك حين أخبرك , ولذلك أردت أن أشاهد ردة فعلك حين أخبرك وأراقب ارتباك الخجل يكسو وجهك كما تفعلين الآن".
مشى قريبا منها ويداه في جيوبه , حاولت أن تتمتم معتذرة ولكنه لم يسمح لها بذلك.
" عليك أن تسترجعي كل اتهام تفوهت به ضدي , وكل أهانة رميتني بها منذ وطأت قدماي عتبة الدار, الحقيقة, أريد أن أجعلك تجثين على قدمي وتطلبين السماح".
فتحت لورين من جديد فمها في محاولة للأعتذار ولكنها لم تتفوه بأكثر من :
" ولكن .... لكن... لماذا؟".
"لماذا؟ لماذا في رأيك أخبر العالم بأسره عن شهادتي العالية؟ ما دمت في مهنة الصحافة حيث الخبر أهم من أي شيء آخر... تحصيلي العلمي لا يهم قدر ما تهم خبرتي , لا أريد أن أتباهى وأزدهي بتحصيلي الجامعي أمام زملائي في العمل, سيعتقدون أنني عنيد ورأسي ناشف اذ أترك المناصب العلمية الرفيعة وأكتفي بالعمل بالصحافة(ضحك ساخرا) هذا من سخرية القدر وغير معقول , وكما قلتأنت بنفسك, أن أحمل مؤهلات علمية رفيعة وأعمل في مهنة الصحافة...".
أصبحت لورين في موقف لا تحسد عليه , لقد نجح جان في السيطرة على نوع العلاقة التي باتت تربطهما, كانت ذليلة خجلة وتتمنى لو تنشق الأرض لتبتلعها.
" ولكن... ولكن لماذا عملت في الصحافة؟".
" لماذا اخترت الصحافة؟ ولماذا لم أتابع حياتي العملية في وظيفة تتطلب مؤهلات علمية كمؤهلاتي؟ سأخبرك بالتفصيل".
أخرج سيكارة وأشعلها بيد متوترة, وببطء أكيد سحب نفسا عميقا منها قبل أن يتابع حديثه, كانت لورين تابع حركاته وسكناته وهي لا تصدق ماتسمع.
" بعد تخرجي مباشرة التحقت بسلك التعليم يا آنستي , اعتقدت أن ذلك سيكون مفاجأة لك , بقيت أعلم سنتين أصارع الصبية الأشرار غير المطيعين وسييئي الخلق ولم أحتمل أكثر, لم أحتمل الجو الصارم في المدرسة التقليدية والنظام المحافظ , ومن المفارقات التاريخية أنني لم أحتمل نظرة الزملاء الضيقة أمثالك يا آنسة فارس, وهي تضيق في مواد التعليم المقررة أكثر مما ينبغي , المعلمون أمثالك يرفضون الهواء النظيف والآراء الجديدة أن تتناول مواد التعليم أو وسائل وطرق التعليم , يوما ما يا آنسة فارس (نفخ دخان سيكارته في الهواء) سأعطيك درسا في كيفية تدريس اللغة الأنكليزية الحديثة... أي طرق ووسائل التعليم في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين. يمكنك الحضور الى الكلية التقنية في الأسبوع المقبل والأستماع الى محاضرتي التي سألقيها على تلاميذ المدرسة الليلية

وربما تستفيدين من بعض المعلومات أو الأرشادات الهامة, ليس فقط لتحسين معلوماتك في اللغة , بل أيضا لتحسين وسائل وطرق تدريسك".
انهى جملته الأخيرة وقفز بسرعة ذاهبا الى غرفته, تاركا خلفه فتاة مشدوهة متحجرة تسمرت في مكانها لا تعي ما حصل لها.
في غرفة الطعام في المدرسة التقت لورين صديقتها آن وسألتها"
|" كيف حال قلبك؟".
" قلبي؟ أنه في مكانه ويضرب ضربات منتظمة ... لقد أخفتني...".
" ربما كان علي أن أسأل عن مغامراتك... كيف تسير؟".
" لقد أثرت فضولي وهذا سيء جدا للقلب ... أخبريني أي مغامرة تقصدين ومع من؟".
" غرامك مع جان داربي بالطبع!".
ضحكت آن كثيرا وقالت:
" لا يمكنك أن تكوني جادة , لا يجمعنا حب ما بالرغم من الشائعات التي تدور حولنا".
" ولكنه أخبرني أنكما متفاهمان".
عبست آن بعد أن سمعت تعليق لورين وقالت:
"أنني أعرف ماذا يقصد ولكنني لست متأكدة أننا متفاهمان كما يقول".
" اذن أنتما صديقان؟".
" لا , لسنا صديقين!".
" ولماذا يصر على أن ترافقيه في مواعيده؟".
" الحقيقة بدأت أشك في هذا الأمر , ربما يستغلني كطعم ليصطاد سمكة أخرى".
" تقصدين مارغو فرنش..".
" ربما... ربما...".
" هل يريد من وجودك معه أن يحمل مارغو على الغيرة منك؟".
" ربما... ربما...".
نظرت آن اليها نظرة تنم عن أنها غبية حتما , ثم تابعت:
" أنت تعرفين يا لورين أنني سأرافقه غدا الى معرض السمعيات في لندن , سأكون في موضع حرج للغاية, لا أعرف أذا كنت صديقة هوغ أو رفيقة جان, الرجلان سيقتتلان للفوز بالفتاة اللعوب مارغو وفي النهاية سيكون الرجل المغلوب من نصيبي...".
" وهل لديك مانع؟".
" مانع؟ لا يا صديقتي فأنا أستمتع بوقتي كما أنني محصنة ضد الغيرة وأنا في عمري ... أنا لم أكن راغبة أبدا في الزواج ولذلك أفضل العلاقة السهلة والشاب الوسيم لأمضي برفقته ساعات مسلية ليس الا... لم تكن لدي أهداف للزواج في يوم من الأيام , لا تهتمي لأمري, لقد اشتريت للمناسبة بدلة جديدة لأنافس بها مارغو في الأناقة ... بالمناسبة , لماذا لا تحذين حذوي وتشترين لنفسك ثيابا جديدة؟ خذي نصيحتي ولا تجعلي من نفسك الفتاة الرثة الثياب والمحافظة المتزمتة... ستندمين بقية عمرك... علينا أن نقلد مارغو ونعتني بأناقتنا ... وأنا صادقة في نصيحتي لك".
" ربما من الأفضل أن أعمل بنصيحتك".
" هذا أفضل , أسرعي, سأتأكد من تنفيذك هذا الوعد".
وفي المساء التقت لورين بجيمس كارنيش في المطبخ, رجل نحيل شعره رمادي وجهه بشوش ومرح, شخصيته مرنة وسهل التعامل مع الآخرين ,وربما يكبر والدتها بسنوات قليلة, أمسك بيدي لورين بحنان وطلب منها أن تقبله على وجنتيه كما قبلها هو على وجنتيها , أبعدها عنه قليلا ومدح جمالها وأنوثتها وأثنى على أخلاقها وعقلها ثم وضع ذراعه حول كتفي بريل وقال:
" فتاة رائعة, كم أنت فخورة بها!".
عندما غادرا البيت كانت السعادة بادية جليا في وجهيهما مما جعل لورين تحزن على نفسها, خوفا من أن تذبل وتذوي في أوج شبابها .
وصلت آن أولا الى البيت , اليوم هو السبت موعد العرض , دخلت غرفة الطعام لترى لورين بدلتها الجديدة الزرقاء.
" أنظري يا لورين الى بدلتي الجديدة , لقد اشتريت أيضا قفازات وحذاء وحقيبة يد . لن أرتاح قبل أن أراك اشتريت لنفسك أثوابا جديدة, (ونظرت الى شعر لورين) لماذا لا تسدلينه بدلا من عقصه في هذا الشريط الى الوراء؟ اتركيه ينساب كالشلال على كتفيك".
" لماذا يا آن؟ لا أحتاج أن أبدو جميلة لأي رجل!".
وصلت بعد ذلك مارغو وتبعها هوغ , صعدوا جميعهم الى غرفة جان وسمعت لورين ضحكاتهم ومناقشاتهم وأصوات كؤوسهم وتسامرهم . بقيوا حوالي نصف ساعة ثم نزلوا ووجهتهم المعرض في لندن , كانت لورين تراقبهم مغمومة , نزلت مارغو وهي ترتدي قبعة بيضاء كبيرة فوق طقم أبيض وأخضر, كانت تمسك بهوغ يدا بيد, ثم نزلت آن وتبعها جان, كان يحمل كتابا بيده, تقدم من لورين وقال:
" هذا كتاب يتناول وسائل تعليم اللغة الأنكليزية الحديثة, أقرأيه يا آنسة فارس ومتى انتهيت منه أعيديه الي".
أمسكته لورين بتأن , كأنها تستلم ماسة ثمينة وشكرته, ابتسم لها ابتسامة وغادر المنزل.
وفي طريقهم الى السيارة كانت مارغو متأبطة ذراع هوغ من جهة وجان من جهة أخرى , بينما آن تتبعهم واجمة.
شعرت لورين بغصة, تزمتها يجعلها بعيدة عن الصداقة , تصرفات مارغو معيبة ولك، آن بالرغم من عدم موافقتها على تصرفات مارغو, تبدو سعيدة في رفقة جان.

نزلت لورين بعد الظهر الى السوق, سحبت معظم مدخراتها وهرعت تجوب المخازن بحثا عن الأثواب الجديدة.
يوم الأحد رغبت لورين أن تنفرد بنفسها بعد الغداء لتقوم بنزهة في الحديقة العامة, أخبرت والدتها بذلك , قالت بريل:
" كم أنت أنيقة يا حبيبتي في ثيابك الجديدة , هذا البطلون الأحمر يليق بك وكذلك الجاكيت الصوفي, من أين أشتريتها وبكم؟".|" لقد صرفت الكثير من حساب التوفير , أقنعتني صديقتي آن بضرورة تجديد ثيابي".
" لا بأس , عما قريب يزداد حساب توفيرك من جديد".
فتح جان باب غرفته ويبدو أنه سمع ما دار بينهما من حديث.
" وداعا يا ماما , تمتعي بوقتك مع جيمس!".
خرجت وأغلقت الباب.
كانت الحديقة العامة شبه فارغة , صعدت لورين التلة وهي تتنفس ملء رئتيها من الهواء النظيف وتقول في نفسها ... ما أجمل الحرية, عبت من الهواء النظيف ما طاب لها وحتى الثمالة , كما قلبت ناظريها في المناظر الخلابة حولها والعشب الذي غطى الأرض ببساطه الأخضر.
مرت طائرة فوقها تهدر وتصرخ كأنها تقول لها: أنت وحيدة... وحيدة, وضعت لورين يديها في جيوبها وضربت الأرض برجليها , كان عليها أن تواجه الحقيقة وتعيش معها, وهي تحب رجلا ولا أمل من حبه, لن تفوز به أبدا لأن منافساتها الجميلات لن يتركن لها المجال, ستعتاد أن تكون الخاسرة في معركتها مع الرجل فهي لا تملك من المؤهلات الأنثوية ما يؤملها بالفوز.
نهاية شهر تشرين الأول ( أكتوبر) والطقس دافىء نسبيا , والشمس بعد الظهر خفيفة الحرارة, تمددت لورين تحت شجرة كبيرة خالية من الأورا بعد أن تساقطت في فصل الخريف, ولكن أغصانها تطاولت عاليا الى السماء, تمددت على بطنها وأرجحت رجليها في الهواء كما يفعل الصغار, ثم وضعت ذراعيها تحت رأسها كوسادة ونامت فترة طويلة في هدوء وسكينة.
سمعت وقع أقدام تقترب منها بقوة وعزم. كانت الأقدام تقترب تدريجيا من موضعها , كادت تصرخ عندما توقفت الأقدام عن متابعة السير قربها لأنها لا تريد أزعاجا من أحد.
" آنسة فارس؟".
حركت رأسها نحو الصوت وأت الرجلين الكبيرتين والبنطلون العادي والكنزة ذات الياقة العالية يطل عنها رأس حاد دون أن يبتسم.
" أليس هذا يوما جميلا يا آنسة؟".
هزت رأسها موافقة.
" ودافئا؟".
ارتجفت ثم هزت رأسها من جديد.
هل تستطيع أن تطرده لتبقى في وحدتها الهانئة ؟ هل من الممكن أن يترك لها صفاء ذهنها ويكف عن تعذيبها ؟ أن يتركها وشأنها؟".
جلس قربها على العشب , ابتعدت عنه بعصبية والتقطت بعض أوراق الشجر من على الأرض وسحقتها بشدة واضطراب , عقد لسانها ولم تقو على الحركة داخل فمها, أحست بضعفها واستكانتها أكثر من أي وقت مضى, هي لا تجرؤ على التعامل مع الجنس الآخر وخاصة مع هذا الرجل, ليس عندها ما يسحره أو يجذبه... لا تستطيع أن تحدثه حديثا مرحا لتجعله يضحك معها , هي لا تعرف الثرثرة ولا يمكنها أن تغازله بنظرة وتجعله يتمنى ان يلمسها أو يعانقها .. أنها فاشلة كأمرأة ... فاشلة في اجتذاب الرجل اليها ... لا يمكنها أن تعطيه أي شيء , وهو حتما يعرف كل ذلك فلماذا لا يتركها ويرحل عنها؟ سمعت حركة قربها , جزعت وجمدت في مكانها , التفتت اليه , كان قد تمدد كليا فوق الآرض بالقرب منها, بقيا على هذه الحال فترة طويلة.
" ماذا تقصد؟".
استدارت لتواجهه وقد فتحت عينيها الواسعتين :
" هل نحن متخاصمان؟".
" لا , لا يوجد لدي ما أقوله".
" حسنا , دعيني أفتش عن موضوع للحديث, عادة لا ينقصني الكلام, ( حك رأسه عمدا) آه , هل ألقيت نظرة على الكتاب الذي أعرتك أياه البارحة؟".
" نعم, لقد قرأته".
رفع رأسه مستغربا:
" هل أنتهيت من قراءته ؟".
" نعم, لم يكن لدي ما أفعله!".
" بقيت لوحدك كل النهار؟".
" نزلت الى السوق لبعض الوقت".
بقيا صامتين فترة طويلة.
" ما رأيك في الكتاب؟".
" أحببته كثيرا".
" حسنا , يجب أن نناقشه سويا من يوم من الأيام
كانت لورين متأكدة من أنه لا يقصد ما يقول ولا يمكنه أن يفي بوهده, كيف تناقشه رأيه في هذا الكتاب اذا كان لا يسمح لها حتى بدخول حديقته كما أخبرها بنفسه؟ هل من الممكن أن تكون حديقته بعيدة جدا عن متناولها ؟ هل هي جنة عدن الموعودة؟.
ران الصمت بينهما من جديد وبقيت لورين بالقرب منه , قال :
" جاء دورك في الكلام".
أدارت رأسها وقالت:
" أوه( ضحكت) حسنا , كيف أمضيت وقتك في المعرض السمعي؟".
" شكرا, لقد تمتعنا كثيرا ولكن آن تعبت من كثرة المشي وأحست أن رجليها قد انعدم الأحساس بهما من شدة التعب".
ضحكت لورين:
" نعم _ هذه هي آن (صمتت قليلا ثم سألت من جديد) ومارغو؟".
" مارغو تستمتع بكل شيء , لديها مقدرة فائقة على العطاء وفي هذه الحياة ينال الأنسان بقدر ما يعطي...".
قالت لورين في نفسها...." هذا صحيح ... أنا لا أعطي شيئا ولذلك لا أحصل على أي شيء بالمقابل".
قال جان:
"في منتصف الطريق تبادلنا الصديقات...".
ضحكت لورين كثيرا . سألها جان عن السبب...
" كما يتبادلون الزوجات؟".
"آه , نعم ( استدار ليواجهها بقربه أكثر من ذي قبل) هل تروق لك هذه الفكرة؟
" تعني تبادل الزوجات؟( هزت رأسها .نفيا) بالطبع لا ".
وعندما تتزوجين ستخافين على زوجك لنهاية العمر؟".
بالطبع اذا كان رجلا طيبا . ولكن بالنسبة الي لن تكون لدي مشكلة من هذا النوع, لأنني واثقة من عدم الزواج, فأنا لا أملك المؤهلات الضرورية المرغوبة في الزوجة".
وقف جان للحال وقال بنزق:
" حان وقت العودة".
أمسك بيدها وساعدها على النهوض وتمشيا نزولا الى أسفل التلة, أوقفها جان ووضع يديه على كتفيها برفق وحنان وخافت لورين وأحتارت بانتظار ما سيفعل ... نظر الى وجهها الخالي من المساحيق ثم مر بيده الى خلف عنقها وبسرعة حل الشريط الذي يربط شعرها , وللحال انسدل على كتفيها وخديها , حاولت أن تبعده الى الخلف بيد مرتجفة ولكنه منعها من ذلك قائلا :
" لا , أتركيه مسترسلا هكذا الى الأبد".
وضع الشريط في جيبه.
" أرجوك أعطني الشريط".
" لا . من غير المعقول أن تفسدي شكلك على هذا النحو...".
أكملا نزولهما بهدوء قال:
" أنت لست ثرثارة".
" اذا كنت لا تسر برفقتي يمكنك أن ترحل, أنا لم أدعك لمرافقتي, أنني آسفة , فأنا لا أستطيع أن أسحرك بحديثي مثل مارغو".
لم يجب بكلمة واحدة بل أحست لورين طيف ابتسامة خفيفة تعلو شفتيه.
" هل نسيت أنني مملة ومعلمة مدرسة محترمة ومتزمتة؟".
أغلق جان فمها بيده, كادت أن تعضه ولكنها أفلتت منه وركضت هاربة.
وعندما وصلت الى البيت فتشت عن شريط جديد عقصت به شعرها الى الخلف واستراحت قليلا فوق سريرها تحاول أن تستعيد رباطة جأشها وتوازنها , ماذا حصل لها؟ لماذا هي مرتبكة تشعر بتوتر لم تعرفه من قبل؟ اين هدوء أعصابها وراحة بالها؟
مشت في الممر تريد السلالم لتنزل الى غرفة الجلوس, كان جان قد وصل أيضا الى الممر , مرت أمامه باتجاه السلالم فما كان منه الا أن سحب الشريط من شعرها بسرعة فائقة وعاد شعرها مسترسلا فوق كتفيها , التفتت اليه والشرر يتطاير من عينيها وقالت:
" أعطني الشريط".
" لا. أنها جائزة لي(قال ساخرا) لن أدعك تعقدي شرائط في شعرك من جديد".
" سأجمعه الى الخلف بواسطة الدبابيس".
" سأسحبها واحدا واحدا من شعرك".
" وهل سأقف أمامك وأتركك تفعل ذلك؟".
" لا تستطيعين منعي... لدي وسائلي الخاصة( وأكمل بلطف وخبث) ومن قال أننا سنقف؟".
ضحك ضحكة خبيثة أشعلت نار الغضب في كيانها , وخرج الأمر من يدها فجمعت قبضة يدها وشرعت تضربه على صدره بقسوة. أمسك بيديها وأبعدها عن صدره وهو يقهقه , أرادت أن تستعمل أسنانها أو رجليها أو حتى أظافرها ... حاولت الأفلات من قبضته الفولاذية , وكلما زادت من صراعها ضده كلما أحكم قبضته حولها أكثر من السابق وبدأت دموعها تتسلقط...
توقفت عن الصراع , وتركها على الفور, تمتمت معتذرة ثم أكملت سيرها الى الطابق السفلي, لقد تخطت العتبة ودخلت الى بحر من الأمواج العاتية, خافت من لهيب عواطفها وأحاسيسها الجديدة, لقد حرك جان كوامنها بشكل لم تعهده من قبل, وتركها ودخل غرفته وهو يحمل شريط شعرها في يده.

زونار 22-06-09 05:59 PM

4- حبي لك يشبه وردة حمراء
كانت لورين تجلس في غرفة الطعام تصلح دفاتر الأنشاء لتلاميذها دخل جان دون أستأذان وسألها:
" هل أنت مشغولة؟".
" هذا واضح , أليس كذلك؟".
وقف خلفها يطل من فوق كتفيها وبدأ يقرأ في دفتر تلميذة صححت لها لورين وأعطتها علامة كاملة, كان جان يقرأ ويده تمر فوق شعرها المنسدل حول كتفيها ... لقد تركته مسترسلا بعد أن أعياها عقده بشرائط لكثرة ما عاكسها جان... وأخيرا استسلمت للفكرة.
أبعدت لورين يده بنزق من فوق شعرها , نظر اليها جان نظرة ساخرة وهو يبتسم ابتسامة غامضة, كان واثقا مما يفعل ... وقد لاحظت لورين تغيرا في الأستراتيجية المتبعة, لقد انتهى من فترة ابعاد أصدقائها عنها, وبدأ خططا جديدة.
كلما اقترب منها أحست شعورا جديدا يخيفها , هي لا تستطيع أن تتحمل قربه منها لما يثيره فيها من أحاسيس غريبة عليها, قربه منها يجعلها مرتبكة وعصبية وبالتالي يختل توازنها وهدوء بالها , وهي لا تستطيع أن تفعل أي شيء حيال هذه الأحاسيس التي يثيرها في داخلها.
" لقد أعطيت هذه الأنشاء علامة كاملة!".
" نعم, أعتقد أنها جيدة".
" هل تعرفين كيف أصححها ؟ (أخذ القلم من يدها وبدا) هكذا...(شطب بعض الكلمات) وهكذا( حذف جملة هناك) وأسلمها للفتاة لأعادة كتابتها(ترك القلم) عليها أعادة صياغتها من جديد, لغتها بغيضة ووحشية".
أخذت لورين ممحاة لأعادة الأنشاء كما كان وقالت معترضة:
" أنظر الى هذه الفوضى, لو تهتم بشؤونك فقط وتتركني أهتم بعملي!".
وبدلا من أن يدافع عن نفسه سحب كرسيا الى الطاولة وجلس عليه:
" أعطيني انشاء آخر:
وضعت لورين يديها فوق الكراسات تحميها وقالت بعصبية:
" لا يحق لك أن تلمسها , هذا عملي وأنا أصلحها وليس أنت".
" حسنا . أعدك بأن لا أكتب عليها بالقلم ولا أحذف منها ولا كلمة... مع أنني أرغب كثيرا في ذلك . ولكن أرجوك أسمحي لي بقراءتها . أنا لم أقرأ ما تكتبه المراهقات منذ سنوات, وهذا يفيد روحي وينعش ذاكرتي ( مد يده راجيا أن تسمح له) أرجوك. لقد وعدتك...".
وبعد تردد سمحت له لورين بقراءة المواضيع الأنشائية التي كتبتها الطالبات في صفها , اقترب بكرسيه من لورين , ولكنها حاولت أن تبتعد عنه , ترك ذراعه تلامس ذراعها وحين لم تعد تحتمل قربه بدأت تبتعد من جديد , ولكنه ربط رجليه برجل كرسيها ومنعها من التحرك بعد أن أمرها:
" ابقي سامنة أرجوك, أريد أن أركز تفكيري في القراءة , آه و هذا مجهود جبار.( قلب الصفحة وقرأ العلامة المتدنية التي وضعتها لورين) ماذا؟ أنت حتما بدون تفكير يا امرأة ... هذا الموضوع الأنشائي ممتاز .
" وكيف ذلك؟ التراكيب خاطئة والقواعد رديئة واللغة عادية ومستعملة في حياتنا اليومية , لغة الشارع , لقد تجاهلت جميع القوانين المرعية في كتابة موضوع أنشاء..",
" انظري اليها من جديد. أنها تستعمل لغة حديثة لاذعة وتعابيرها مستجدة, أنها اللغة التي نسمعها حولنا كل يوم, لقد صممت أذنيك عن سماعها بأرادتك".
" ولكن اللغة المحكية لا يمكن أن نستعملها في كتابة الأنشاء , تراكيبها مفككة ومزرية".
" ولكني أعتقد أنها جيدة بل مبتكرة وغير عادية, هذه الفتاة تكره الطرق التقليدية في التعليم ولا تريد اتباع
الوسائل القديمة التي تشربينها لهن كدواء فاسد مر عليه الزمن. أنني مستعد أن أمنح هذه الفتاة وظيفة مراسل مبتدىء في جريدتي اذا تقدمت تطلب عملا...".
بدأ جان يقرأ موضوعا آخر. قال:
" هذا القول غير صحيح , ألا تصرين على كتابة الحقائق؟ أول قواعد الكتابة الصحيحة هي كتابة الحقائق".
" ولكنني معلمة لغة وأنا لا أهتم بالحقائق كلها قدر اهتمامي بالخيال وصحة التعبير عن الرأي".
" أي رأي ؟ عليك تلقينهن الحقائق كلها ومن ثم يتكون لديهن الرأي الصحيح".
هزت رأسها متعجبة:
" لقد أعطيتهن الحقائق المتعلقة بكتابةالموضوعات الأنشائية والمقالة, واذا أثرت موضوعا يحرك عقولهن وتفكيرهن فأن الأهالي يتساءلون عن السبب وربما يعتقدون أن مستوى المدرسة قد بدأ ينحدر , وربما يعتقد البعض أن هذا الموضوع يعود لأنحدار في أخلاق المعلمة بالذات , وربما يرمي حولها ظلالا من الشك".
" أذن عليك تثقيف الأهالي أولا , اليس كذلك؟ (نظر اليها مشككا) طريقتك في تصحيح المواضيع الأنشائية تشير الى مقدار ما ينقصك من شجاعة كمعلمة للغة الأنكليزية , لقد قرأت الكتاب الذي أعرتك أياه ولكن شجاعتك الأدبية ليست كافية بما يسمح لك بتطبيق نظرية واحدة جديدة".
احمر وجهها خجلا وهو يراقبها عن كثب:
" أنت تشبهين المعلمين الذين جعلوني أهرب من مهنة التعليم . لم أحتمل شدة تعصبم وعدم استعمال عقولهم وتزمتهم".
ضربت لورين يدها على الطاولة بحركة عصبية غاضبة , لم تعد تحتمل استفزازه وتهجمه عليها.
" يمكنك أن تخرج وتتركني وحدي".
بدأت لورين تفقد ثقتها بنفسها , وسائل التعليم التي تتبعها لا تفي بالقبول وأهتزت مبادئها جملة وتفصيلا , أحست أن كل شيء قد أختلط في عقلها.
" عندما أنتهي من عملي معك سأخرج(ابتسم وهو يرى كراهيتها واضحة في عينيها) ما هذا؟ ( مد يده وأمسك بمقالة كتبتها لورين) مقالة(قرأ اسم الكاتبة وابتسم بخبث ظاهر) موضوع من تأليف معلمة اللغة الأنكليزية نفسها(فرك يديه) سيكون مسليا للغاية".
" هذا المقال مطلوب من مجلة المدرسة (حاولت أن تهرب المقال من بين يديه عبثا , ضحك كثيرا وهو يقرأ) وأنت مديرة التحرير, حتما أنها قصة العام".
" لا أسمح لك بقراءته!".
" لا بأس فأنا لم أسألك السماح".
بدأ يقرأ وهي تتقوقع قربه خجلا , قرأ المقال حتى النهاية وهي صامتة تنتظر ردة فعله أو تقييمه".
سألته بلهفة:
"هل هو جيد؟".
" ماذا أستطيع أن أقول؟".
"اذن المقالة رديئة!".
ضحك كثيرا لتلهفها , كانت كطفلة صغيرة تنتظر بعض التشجيع .
" نعم (مد يده ليمسك القلم: أنها رديئة . هذا ما كنت أنتظر , ولكن الآراء جيدة ومبتكرة(بدأ يشطب بالقلم جملة هنا وأخرى هناك, يحذف ويبدل... وأخيرا رفع حاجبيه وسألها) : هل أستطيع تصحيحها؟".
هزت لورين رأسها موافقة, كانت تعلم ما الذي سيحصل للمقالة .
" عندما أنتهي لن تتعرفي الى مقالتك...".
كان جان يعمل بموضوعية فائقة , يحرك القلم ويغير في ترتيب الكلمات في كل جملة, كانت كالمريض يشاهد عملية جراحية تجرى له... راقبته وقرأت ملاحظاته القاسية في الحواشي, كانت واثقة أنه تعمد جرحها قدر المستطاع ولكنها لم تحس ألم الجراح, وأخيرا ناولها المقالة بعد أن أنتهى من عملية التصحيح وعادت لكامل أحاسيسها من جديد.
لقد تحسنت المقالة أكثر مما انتظرت , نظرت اليه محدقة لا تصدق نظراته الساخرة وهو يقول:
" هل ستسامحينني على فعلتي؟ (مشى نحو الباب) بعد تفكير , أريد الخروج من هنا قبل أن أنال نصيبي من الأهانات الضارية, لقد قررت أن أقاضيك أمام المحاكم لكثرة أستعمالك الشتائم والأعتداءات على شخصي".
ابتسم جان ابتسامة عريضة ثم غادر الغرفة.
كانت لورين تستعد لزيارة صديقتها آن لمساعدتها في تقصير ذيل فستانها, ارتدت تنورة جديدة واسعة وفوقها كنزة بيضاء ذات ياقة عالية .
دخلت والدتها الى غرفتها وسرت من شكلها الجديد , وقالت:
" أنت جميلةوجسمك متناسق وهذه الكنزة الجديدة تبرز معالم جمالك, لماذا لا تضعين بعض مساحيق التجميل على وجهك؟".
وللحال باشرت لورين بوضع بعض مساحيق التجميل على وجهها من ظل للعينين وبعض الكحل حول العينين ثم رشة بودرة خفيفة على الوجه , ثم خططت بقل الحواجب فوق حاجبيها وبدأت تمشط شعرها وترتبه.
فتح جان باب غرفته ونادته بريل على الفور طالبة منه الحضور:
" تعال يا جان الى غرفة لورين وانظر لجمال ابنتي!".
" لماذا يا ماما؟".
ولكنه حضر على الفور ولم ينفع اعتراض لورين.
مد جان رأسه الى داخل الغرفة وابتسم بمكر وهو يراقبها ترتب شعرها الأملس المنسدل بأغراء حول كتفيها.
" استديري يا لورين ليراك جيدا".
بدت تعابير وجه جان شبيهة بما شاهدته أول مرة عندما خطا على عتبة البيت , تفحصها مليا ... حللها وجزأها ثم أعاد تركيب أجزائها خلال ثوان قليلة. وجدت لورين صعوبة في تفسير نظراته , خجلت واحمرت وجنتاها واستدارت من جديد تواجه مرآتها وتكمل ترتيب نفسها.
" هناك أنقلاب كلي وتحول سحري وتغير ظاهر".
نظر جان الى داخل الغرفة يتفحص محتوياتها , نظر الى سريرها وخزانتها وطاولة الزينة وما تحويه من أدوات تجميل وسأل:
" هل ستخرجين؟".
قالت بريل تجيب بالنيابة عنها:
" ستخرج لزيارة صديقتها آن".
" بلغيها حبي".
ثم خرج على أعقابه.
وصلت لورين لعند آن واستقبلتها صديقتها مهللة ومرحبة بانحناءة تمثيلية وهي تطري أناقتها وجمالها وقالت:
" أنت فتاة مختلفة عما تعودت , بدأت تنافسين مارغو في أناقتها وترتيبها , هل هناك تغير في منزلكم؟".
فهمت لورين قصدها , احمرت وجنتاها خجلا قبل أن تجيب قائلة:
" لقد قال أنني تحولت وتبدلت...".
" هل قال ذلك... لقد لحظ شكلك الجديد , نصحتك ونفعت معك النصيحة وأدت الى نتائج ملموسة".
" ولكنه حتما لا يعني بكلامه أي شيء يا آن ... هيا دعينا ننتهي من خياطة ذيل الفستان فهذا هو المهم الآن".
صعدت آن فوق طاولة صغيرة واستدارت ببطء , بدأت لورين تشبك الذيل بدبابيس صغيرة للطول المطلوب, وبعد أن أنتهيتا من عملهما صنعت آن بعض الشاي وشربتاه سوية ثم عادت لورين الى بيتها وتركت آن لتكمل خياطة فستانها.
دخلت لورين البيت وسمعت موسيقى تنساب برفق من غرفة جان , كانت المقطوعة الموسيقية التي تحبها كثيرا, وقفت بالممر أمام غرفته تستمع صامتة دون حراك, انخفضت الموسيقى بشكل ملحوظ وتحركت لورين فوق الأرضية الخشبية فصدرت بعض الأصوات والأهتزازات في الأرضية , حبست أنفاسها وهي تتمنى أن لا يكون جان قد سمعها , ولكن باب غرفته فتح بسرعة وظهر جان بادي الأنزعاج وهو يسأل بعصبية:
" ماذ تفعلين عندك؟".
" آسفة, كنت أسمع القطعة الموسيقية".
بدأت السير باتجاه غرفتها ولكنه تبعها وأمسك بها وجذبها الى داخل غرفته دون أن تدري ماذا يحصل, ثم أغلق الباب وراءها وأجلسها على كرسي مريح وقال:
" اصمتي الآن ودعيني أسمع الموسيقى...".
أغلق جان عيتيه وسرح مع الموسيقى بينما لورين تراقبه قلقة مرتبكة, بدا صامتا رزينا وطيبا للغاية , عاد الصبي الهادىء بل الرجل المثير في حياتها, الرجل الذي يثير ويحرك عواطفها أكثر من أي رجل في العالم ... فتح جان عينيه ونظر اليها نظرة مطولة كأنه يقرأ أفكارها.
أدارت لورين رأسها الى الناحية الأخرى للتحاشى نظراته النفاذة, تمنت لو ترتمي بين ذراعيه وتطلب منه أن لا يبتعد عنها أبدا, ولا يسمح لها أن تخرج من حياته, تمسكت بكرسيها وتحركت بقلق ظاهر... وصلت المقطوعة الموسيقية الى نهايتها ولكنها لم تستطع أن تسترخي في جلستها أو تطرد ارتباكها وتهدىء من تشويش أفكارها, انتهت الموسيقى وأقفل جان الراديو, نهضت لورين تريد مغامرة الغرفة هاربة, قال جان برقة واضحة :
" لا , لا تذهبي, أريد أن أسمعك هذه الأسطوانة . أنها أغنية شائعة جميلة الموسيقى تدعى, حبي يشبه وردة حمراء... هل تعرفين الأغنية؟".
هزت لورين رأسها موافقة.
" أريدك أن تأخذي بالك من كلماتها الجميلة".
أدار الأسطوانة وأنساب اللحن المغني يقول:
أنت يا فتاتي حسناء جميلة
وأنا غارق في حبك
سأحبك أكثر يا حبيبتي

سأحبك حتى تجف مياه البحار
سأحبك حتى تذوب الصخور تحت أشعة الشمس
سأحبك أكثر يا حبيبتي
سأحبك ما دامت الحياة تنبض في عروقي
أغمضت لورين عينيها وهي تستمع بكل جوارحها الى الأغنية العاطفية الجميلة , وحين انتهت الأغنية فتحت عينيها وألتقت نظرات جان وهو يبحث في تعابير عينيها ليقرأ أحاسيسها الداخلية, ارتبكت حين التقت عيناها عينيه واختل توازنها , حاولت جاهدة أن تستعيد رباطة جأشها وهدوء روحها ... توقف قلبها عن الحركة بعد أن ضرب ضربات عنيفة , ران صمت ثقيل يشبه السحر , واذا به يقطع الصمت قائلا بلهجة تهكمية:
" كلمات الأغنية تشيد بالأخلاص ... كما تؤمنين أنت حين قلت أنك ستخلصين للرجل الذي ستتزوجين(مال نحوها وقال) اسمعيني مرة ثانية رأيك في الموضوع".
رددت لورين طائعة وكررت كلماتها على مسمعه قائلة:
" لو تزوجت سأخلص لرجلي طوال حياتي معه... اذا كان رجلا طيبا ".
هز جان رأسه موافقا وغرق في كرسيه مرتاح البال.
" ولماذا تريدني أن أكرر رأيي عليك؟".
" لماذا؟ لأن ذلك أصبح عملة نادرة, فتيات هذا العصر لا يؤمن بهذه المبادىء , وفي السنوات المقبلة, واذا كنت لا أزال على معرفة بك, ربما سأذكرك برأيك هذا وأجبرك على الأخلاص والوفاء للرجل الذي ستختارينه زوجا لك".
" وانت... الا تزال تدخل الفتيات الحسناوات الى حديقتك وتعتني بتربيتهن , ثم تقطفهن عندما يزهرن وينضجن وبعد ذلك ترميهن...".
"تماما, أقطفهن حين يزهرن".
" كم أنا مسرورو لأنني لست زهرة في حديقتك...".
" لا, لن تكوني زهرة في حديقتي أبدا, مبادئنا في العشق لا تتشابه".
وابتسم ابتسامة ساخرة:
" ولكنني كما تعرفين صحافي, وأنا لا أختلف عن زملائي الصحافيين , نحن شياطين دون أخلاق أو مبادىء...".
حاولت النهوض لتخرج وتحتمي في غرفتها ولكنه منعها قائلا:
" هل تشاركينني شرابي؟".
" لا بأس, سأشرب كأسا من شراب الكرز".
فتح زجاجةالشراب وصب لها كأسا وناولها اياها قائلا:
" لا تجزعي فأنا لا أخطط للنيل منك( ونظر اليها نظرة حالمة) مع أن الفكرة تراودني ... تخيلي لو حصل ذلك, ستصدر صحف المساء بعناوين عريضة تتصدر الصفحة الأولى, ستكون قصة الموسم( عاد لجديته وسألها) أخبريني عن المدرسة".
سردت له لورين ما طرأ على خاطرها حول أحوال المدرسة والتعليم, كانت مسرورة جدا لأنها دخلت غرفته واستمعت الى الموسيقى معه ودعاها لمشاركته الشراب وتجاذب واياها أطراف الحديث... تماما كما فعل مع أصدقائها من قبل, لقد استمتع برفقتها وتقبل صداقتها ... ولكن ربما يكون قد اختار بينها وبين أن يمضي أمسيته وحيدا ضجرا, وجودها يبدد من ضجره وحسب".
قالت:
" المدرسة قديمة البناء وتتميز بالمحافظة على التقاليد في طرق التعليم , مديرة المدرسة أمرأة مسنة تحاكي عمر البناء المدرسي في قدمه(ضحك كثيرا) وتلميذاتها فتيات يانعات جميلات , لقد دربن أفضل تدريب".
هل تدربن في العقل والجسم, العقل السليم في الجسم السليم؟".
" هذا صحيح".
" تدربن في التقليد دون الأبتكار ".
هزت رأسها موافقة وأخفضت رأسها وهي تفكر بجملته الصحيحة.
" النظام المدرسي الصارم لم يتبدل منذ نصف قرن".
" وربما سيبقى على حاله للنصف المقبل".
" صحيح , أن المعلمين والمعلمات يتمتعن بنظرة ضيقة للحياة, لا خيال أو بعد نظر...".
" نعم, جميعهم من طينة واحدة, عقول صغيرة وخيال مفقود".
" كما كنت قبل أن أعرفك".
أحست لورين بما يرمي اليه في كلامه, الأراء التي تفوهت بها هي أراؤه وأفكاره وتعاليمه , لقد تمكن من تغييرها بمهارة فائقة ودون أن تدري أصبحت تتشدق بكلماته وأفكاره...".
أحست لورين بما يرمي اليه في كلامه, لآراء التي تفهوت بها هي آراؤه وأفكاره وتاليمه, لقد تمكن من تغييرها بمهارة فائقة ودون أن تدري أصبحت تتشدق بكلماته وأفكاره...
قال:
" قبل أن أعمل على تغييرك , لقد أيقظتك من سباتك وجعلتك تؤمنين لأن الزمن يمشي الى الأمام ويغير كل شيء... ألست على حق؟".
لم ترد عله , تريد الخروج من قبضته, نظرت اليه وقد بدا الأنزعاج جليا في تعابيره, أستدارت بسرعة مودعة:
" مساء الخير يا سيد داربي , أشكرك على الشراب".
انحنى لها أنحناءة تمثيلية ساخرة وقال:
" مساء الخير يا آنسة فارس, سررت برفقتك , جلوسي معك كان ممتعا, أنت ولا شك مسرورة لخلاصك من براثني سالمة دون ـية خدوش. ولكن في المرة المقبلة لن يكون الحال كهذه المرة... لا تنسي أنك بصحبة صحافي رديء . أليس كذلك؟".
تركته ودخلت غرفتها وأغلقت بابها وهي تحاول أن تبعده عن أفكارها .
وفي المدرسة, سألتها صديقتها آن:
" هل ذكر لك جان اللأحتفال المئوي لجريدته؟ (نظرت اليها لورين نظرة تعبر عن رأيها بالموضوع) ستقيم الجريدة سهرة بمناسبة الأحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسها في فندق كبير في المدينة ولقد دعاني لرفقته اليها".
أخفت لورين غيرتها وسألتها:
" وهل ستذهبين معه؟".
" لا يا عزيزتي. أنا لا أحب ذلك, ولقد طلبت منه أن يدعوك بدلا مني".
" وماذا كان رده؟".
" آه, لا أعتقد أنه سيفعل , لقد ذكر أن الشجار بينكما سجال ولا يريد أن يفسد سهرته تلك بالجدال المكرب... لقد قدَم لوالدتك تذكرتين وأخبرني أن هوغ سيصحب مارغو الى السهرة وعليه أن يجد زميلة لترافقه...".
شحب وجه لورين وحاولت جاهدة أن تتحكم بأعصابها وتحفظ أتزانها , قالت آن:
" لا أعتقد يا لورين أنك ستفلحين معه... أنه ليس من النوع الذي يريد الأستقرار أو الزواج".
" أعرف ذلك(تنهدت بعمق) وأنا أتفهم الموضوع جيدا".
" من المؤسف أن هذه هي الحقيقة , وكنت آمل أن تتفاهما ... عندما زرته في غرفته كنا نمضي معظم الوقت نتحدث عنك , وأعتقدت أنه...".
" ربما لأنني أثير أعصابه وأفضل طريقة ليخرجني من تفكيره هي في الكلام علي ولو من وراء ظهري...".
عبست آن وقالت بهدوء:
"لم يكن الأمر كما تقولين يا لورين... ( ونظرت الى ساعتها) حان الوقت لندخل الى صفوفنا...".
حاولت لورين جاهدة أن تحسن طرق تعليمها , وهي في عملها ذلك تريد أن ترضي جان قبل كل شيء, ربما يسر بعملها ويعرف أنها ليست معلمة متحجرة متزمتة , بل بدأت تتقبل نصائحه وتقدم لطالباتها أساليب جديدة في التعليم مما يشجعهن على الخيال والأبتكار , وهن بدورهن تقبلن طرقها الجديدة برغبة واهتمام , وبدا التفكير الصحيح ينضج في بعض تقاريرهن أو مواضيع الأنشاء...
منتديات ليلاس
وفي ليلة تالية بينما كانت لورين تصحح أوراق تلميذاتها قالت لها والدتها:
" لورين , خذي تذاكر الحفلة الراقصة بمناسبة الأحتفال المئوي للجريدة, فأنا لا أريدها , لقد سألت جيمس أن يرافقني اليها ولكنه أعتذر عن حضور مثل هذه الحفلات الراقصة... الذهاب الى الحفلة يفيدك فأنت شابة صغيرة ونادرا ما تخرجين من البيت في الليل, يمكنك دعوة أحد المعلمين معك في المدرسة لمرافقتك".
أرادت لورين أن ترفض عرض والدتها ولكنها غيرت رأيها بسرعة وقالت:
"حسنا يا أماه , سأذهب الى الحفلة الراقصة سأشتري ثوبا جديدا للمناسبة".
فرحت بريل كثيرا بقرار ابنتها وقالت مبتهجة:
" كم أنا مسرورة لقرارك يا عزيزتي , ستكون فرصة سانحة لك لتتمتعي بوقت طيب وتلتقي الشباب من جيلك".
قررت لورين أن تأوي باكرا الى فراشها في المساء, استعدت للنوم ودخلت سريرها وبدأت تقرأ حين سمعت نقرا خفيفا على باب غرفتها.
" أدخل".
كان جان بالباب, بادرها قائلا:
" ما الأمر؟ لقد أويت باكرا الى فراشك؟".
ارتبكت لورين لوضعها وحاولت أن تلف كتفيها بروب المنزل.
" ماذا تريد؟ لماذا حضرت الى غرفتي؟".
بدأ جان يتفحصها في وضعها المغر ي حتى أضحى لون وجهها بلون ثوب نومها الأحمر الرقيق.
" قبل أن تنامي , أريد أن أتحدث قليلا معك أيتها الفتاة تاحفيصة الرزينة الطاهرة...".
جلست لورين في سريرها وجلس جان على حافة السرير , وأحاطها بذراعيه بحركة عفوية يريد أثارة أعصابها ونرفزتها قال:
" لا لزوم للخوف, ليس في نيتي الصدام معك رغم أن المكان والزمان مناسبان لذلك(نظر اليها متمتما) الا اذا رغبت في ذلك...".
ضحكت لورين على طريقته في المزاح وشاركها ضحكها وقال :
" أنت ضاحكة أجمل بكثير مما أنت عابسة , والآن اليك هذا الكتاب ( دفع اليها بكتاب كان قد جلبه معه) ربما يروقك أيضا... أنه يبحث في أمور الصحافة والطباعة والتحرير وهو مؤلف خصيصا ليفيد طلاب المدارس...".
فتحت لورين الكتاب باهتمام وتصفحت فصوله:
" أنه ممتاز وسيساعدني كثيرا في مهنتي , أشكرك , لقد غيَرت كثيرا من طرق تعليمي في صفوفي بعد أن تعلمت بعض أقتراحات كتابك السابق".
" أنظري الى هذا الفصل ... أنه يتناول مصادر المعلومات والأخبار التي يحصل عليها الصحافي ويشرح بالتفصيل تبويب الجريدة, سيتعرف التلاميذ الى أبواب الجريدة الدائمة وسيكتشفون طرقا مختلفة لكتابة القصة الواحدة وما هية سياسة التحرير , سيتمكنون بعد ذلك من تقييم الجريدة وأهدافها...".
" سيكون موضوعا شيقا للبحث في غرفة الصف وسيشارك الجميع في الرأي".
شاهد جان حماسها وأندفاعها واهتمامها وهو يقول:
" الصحافة قسم من حياتهن اليومية وسيهمهن التعرف اليها, سيتعلمن كيفية كتابة تقرير عن الحوادث اليومية بكلمات مختصرة وسهلة , كل مراسل صحافي يتعلم الكتابة المختصرة (قال ساخرا) مما يجعل عمل المحرر عملا شاقا مميزا. (صمت قليلا ثم أكمل) سأحاو أن ألخص لك بعض الملاحظات الهامة التي يجب مراعاتها في غرفة الصف ... ما رأيك؟".
فتح الباب الخارجي وحضرت السيدة فارس من الخارج , صعدت على الفور الى غرفة ابنتها تريد الأطمئنان عليها كعادتها.
قالت لورين:
" ملاحظاتك تلك ستساعدني ولا شك , شكرا جزيلا".
هز جان رأسه موافقا وقال:
" طبعا".
صرخت السيدة فارس وقد فوجئت بوجوده جالسا على حافة سرير ابنتها , قال جان مبررا وجوده:
"لا شيء مهم يا سيدة فارس, فأنا لم أتحرش بأبنتك مع أنني فعلا سألتها(قال مازحا) ولكنها رفضت بالطبع".
ابتسمت بريل وقالت:
" أنا لا أفكر بك على هذا النحو يا جان , فأنا أعرفك جيدا".
" صحيح , أنا مسرور لثقتك الغالية".
" بالمناسبة أن لورين تريد أن تذهب الى الحفلة الراقصة التي ستقام بمناسبة مرور مئة سنة على تأسيس الجريدة التي تعمل بها عوضا عني, جيمس لا يحب الحفلات الراقصة ولورين ستستمتع بحضورها , أليس كذلك يا صغيرتي؟".
هزت لورين رأسها موافقة , قام جان من جلسته في طريقه الى الخارج وقال:
" هذا سيوفر علي عناء التفتيش عن رفيقة, عمتما مساء".
وبعد أن خرج جان , خرجت بريل أيضا وأغلقت باب الغرفة دونها وتركت لورين لتستري , ولكن النوم جفاها ... وكيف تنام وقد غمرتها الفرحة... سترافق جان الى الحفلة الراقصة كصديقته...".
وجدت لورين صعوبات جمة في تبويب مجلة المدرسة وترتيب عناوينها, حاولت بمساعدة آن خلال فترة الظهيرة ولكنهما لم تفلحا, تنهدت آن تعبة وقالت:
" أنها ليست كما يجب, عليك طلب مساعدة جان في هذا العمل, اطلبي نصيحته وأطلعيه على محاولتنا الفاشلة... لن يتأخر في مد يد المعونة...".
لم توافق لورين على طلب أية خدمة من جان, ولكن آن أقنعتها بالضرورة الملحة لهذه الخدمة وقالت:
" في أسوأ الحالات سيرفض مساعدتك... لن يأكلك".
وفي المساء بقيت لورين تعمل في غرفة الطعام وتصحح بعض المواضيع الأنشائية في انتظار جان لتعرض عليه ما أنجزته في ترتيب مجلة المدرسة , وحين وصل حملت اليه مشروع الجريدة ودخلت غرفة الجلوس... دخل جان بصحبة مارغو فرنش... ابتسمت مارغو ابتسامة ساخرة وهي تسلم على لورين وتتفحصها بنظرة خبيثة من أخمص قدميها الى قمة رأسها , ثم خطت خطوات كلها غنج ودلال نحو السلالم في طريقها الى غرفة جان...
حاولت لورين أن تخفي خيبة أملها وهي نعود أدراجها الى غرفة الطعام, شاهدها جان على هذا الحال وسألها عما تريد...
كانت مارغو لا تزال في غرفة جان حين صعدت لورين لتأوي الى فراشها , بقيت تسمع ضحكاتها وثرثرتها مختلطة بالموسيقى... وفي النهاية غلبها النعاس ونامت قبل أن تغادر مارغو المنزل.
وفي الصباح التالي عاود جان سؤاله لها:

" ماذا كنت تريدين؟".
ولكن لورين أصرت على أن لا شيء مهم... بدا عليها الأنزعاج والغضب , قالت في نفسها... هو حر في استقبال من يشاء من الضيوف في غرفته, ثم أن والدتها لم تحدد له أوقات الزيارات ومواعيد انتهائها...
وفي المساء حضر باكرا وأمسك بها وجها لوجه وأعاد سؤاله:
" يجب أن أعرف ماذا كنت تريدين؟".
حاولت أن تفلت من قبضته وقالت:
" لا شيء مهم...".
هربت الى غرفة الطعام , تبعها وشاهدها تفرغ حقيبة العمل وتخرج منها ملف مشروع الجريدة , ثم تدفعه من جديد الى داخل الحقيبة , ولكنه لاحظ حركتها وأخرج الملف بالقوة ورأى أجزاء الجريدة...
" الآن عرفت ...( بدأ يتصفح المقالات المبوبة ويتعرف الى عملها وابتسم ساخرا) أنت لست ****ة عن ترتيب الجريدة , أليس كذلك!".
" نحن لسنا صحافيين , نحن معلمات لا نفهم الكثير في عمل الصحافة,( رفع حاجبيه) بذلنا جهدا جبارا دون فائدة".
" وماذا تريدين؟".
" أرجوك, هل تستطبع مد يد المساعدة لنقوم بعمل أفضل؟".
أخرج كرسيا وجلس الى الطاولة , أصبح هو الأستاذ وهي الطالبة , بدأ يشرح لها أسس توضيب المجلة وتبويبها وعمل رئيس التحرير , يشطب ما يلزم, ويختصر متى وجب الأختصار , ويشير الى القصص التي يمكن تفصيلها أكثر.
وحين أنتهى من عمله, أخبرته أن ثمار جهوده ستظهر قريبا في اخراج مجلة المدرسة كأفضل مجلة ظهرت حتى الآن.
ابتسم وقال:
" وأنت مديرة التحرير ستنالين كل المديح والأطراء , بينما أنا الذي قمث بالعمل المضني".
" وهل تريد أن أشكرك على جهودك ونشير الى كونك ساعدت في التحرير؟".
"كمساعد لمديرة التحرير؟".
كاد جان أن ينفجر غيظا وهو يردد:
"أنا مساعد مديرة التحرير ؟ وتقولينها بملء فمك...".
خرج من الغرفة مقهقها وقال:
" أنت فتاة لعوب وشيطانة ووقحة".
اشترت لورين حقيبة يد جديدة وأخرجت محتويات حقيبة يدها القديمة فوضعتها في الحقيبة البنية الجديدة, وصلت الى المدرسة تحمل الحقيبة الجديدة التي نالت اعجاب المعلمات وحسدن.
اهتمام لورين بهندامها أصبح ملموسا من الجميع حتى أن هوغ بدأ يطري ذوقها في اختيار ثيابها , ويحاول التودد اليها من جديد , أعتقدت لورين أنه على خلاف مع مارغو التي عادت لمصاحبة جان وتركته يلهث خلفها وحيدا, ولكن ذلك غير معقول لأنه سيرافقها الى الحفلة الراقصة... من الواضح الآن أن مارغو تستطيع أن تحتفظ برجلين تحت سيطرتها , تشدهما متى ترغب, وتبعدهما متى تريد, أنها تتمتع بأنوثة تحسد عليها.
عادت لورين من المدرسة وقد رتبت أمرها على تمضية أمسيتها منفردة, لقد ذهبت والدتها برفقة جيمس الى فرع للشركة التي تعمل بها يبعد أميالا قليلة عن المدينة, وكذلك جان كان عليه أن يعمل متأخرا في الليل.
وصلت الى البيت وفتشت عن مفتاحها في الحقيبة الجديدة ولم تجده, لا بد وأنها تركته يقع في جيبة صغيرة في الحقيبة القديمة, وأغفلت أن تنقله الى الحقيبة الجديدة , جلست على عتبى الباب الخارجي تفكر بوسيلة تمكنها من دخول بيتها , الشبابيك محكمة الأغلاق من الداخل ولا منفذ لها الا بواسطة المفتاح الخارجي.
حاولت أن تجد وسيلة ممكنة للخلاص من ورطتها , لا بد لها من الذهاب الى جان في مكتبه بالجريدة لتستعير مفتاحه..
هذا هو الحل الوحيد لمشكلتها السخيفة والمربكة... قامت على الفور ودخلت منزل الجيران وتكلمت مع جان بالهاتف , وبعد أن تعرف الى صوتها انفجر ضاحكا.
" اذا كنت تعتقد أن ذلك مضحك لهذا الحد فلن أزعجك".
كادت أن تقفل السماعة.
" لا تكوني غبية , بالطبع يمكنك الحضور الى المكتب , تعالي بالباص , سأنتظرك".
وضعت لورين سماعة الهاتف وذهبت الى مكاتب الجريدة , وحين وصلت قالت لها موظفة الأستقبال:
" خذي المصعد الى الطابق الثالث , المكتب هو أول باب الى اليمين".
دخلت لورين المكتب واستقبلها ستة شبان بعيونهم النهمة, والتفوا حولها محدقين كأنهم يرون فتاة جميلة لأول مرة , الغرفة واسعة ودافئة ومنيرة, جالت ببصرها في الحاضرين تفتش عن جان حتى وجدته, ركضت اليه تحتمي من نظرات الشباب الجائعة , قدم لها كرسيا لتجلس ولكنها بقيت واقفة تريد أن تأخذ المفتاح وتركض هاربة من الغرفة بأقصى سرعة... ولكن جان يريد أن يتسلى بوجودها وبدأ يقول:
" ما سبب زيارتك؟".
" أنت تعرف جيدا أنني حضرت في طلب المفتاح".
" آه , تذكرت.( ابتسم وفتش في جيوله) ولكنك لم تطلبيه بعد, اجلسي واستريحي".
بدا عليها الأنزعاج والأرتباك وهذا ما ضاعف سروره , اقترب أحدهم منها , جلست على الفور من خوفها, أحاط بها آخران وجلس رابع فوق مكتب جان يحدق بها.
قال جان مبتسما:
"ما هذا ؟ هل نحن في مؤتمر صحافي أم أنكم تجرون مقابلة مع الآنسة؟".
أحاط بها الشباب وقالوا تباعا:
" هيا يا جان , عرفنا".
قال أحدهم:
" هل هي صديقتك؟".
سأل آخر:
" هل هي آخر صديقة لك؟".
رد آخر:
" أشك في ذلك".
تمتم آخر:
" أنها ليست من النوع الذي يستهويه".
قال الأول:
" هيا يا جان, تكلم, اعترف, كل ما ستقوله سيبقى سرا ولن نذيعه أو ننشره في الجريدة".
قال أحدهم :
" العصافير يحمن حوله باستمرار وكل يوم عصفورة جديدة . نحن لا نرى العصفورة برفقته مرتين...".
قطب جان حاجبيه ووجد أن لا مفر أمامه سوى أن يعرفها اليهم قائلا:
" الآنسة فارس. معلمة اللغة الأنكليزية في مدرسة للبنات في المدينة".
قال أحدهم:
" معلمة مدرسة؟".
قال جان:
"أنني أستأجر غرفة في منزل والدتها".
قال أحدهم :
" تعيشان تحت سقف واحد".
قال آخر:
" صديقان حميمان".
قال جان:
" أنتم مخطئون , نحن لسنا صديقين ... أليس كذلك يا آنسة فارس؟".
ضحك الجميع.
"سأقول لكم يا شباب أن هذه الفتاة تعض ...( حاول الشباب الأقتراب منها) وأنا أعني ذلك بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى المجازي فقط. رأيها في الصحفيين لن يعجبكم...".
صرخ الشباب:
" أوه".
قال جان:
" هل تعرفون ما قالته لي يوم وطئت قدماي عتبة بيتهم لأول مرة؟".
قالت لورين:
" أرجوك , لا تتكلم...".
ولكنه صمم أن يكمل حديثه بالرغم من رجائها فقال:
"سأقول لكم, ولكن عندما أنتهي لا تعتدوا عليها لأنني لن أسمح لكم بذلك . ( وبدأ يعد على أصابعه) قالت : أن وجود صحافي في البيت كوجود جاسوس , وأنه قد وضع مسجلا في المنزل يحصي الأقوال والأفعال , وقالت: باعتقادي أن الصحافيين يتقاضون أجورا مرتفعة مقابل عمل لا يحتاج الى مهارة.( حبست لورين أنفاسها بانتظار العقاب الذي ستناله من الجميع. وأكمل جان) وأن المراسلين الصحافيين ينقبون في الحياة عن الدبابيس الصدئة العفنة وينشرونها على العالم كحقيقة يجب تقبلها ".
ضحك الجميع... لم يغضب أحد منها , بل على العكس شاهدت نظرات الأعجاب تلفها مما زاد من أستغرابها .
قال أحدهم:
" أنها ليست مخطئة".
قال آخر:
" لديك فتاة ملتهبة تعيش معك في منزل واحد وتقول أنكما لستما ...".
قال جان:
" أقسم لكم , أننا لم نمسك بأيدي بعض ... أليس كذلك يا آنسة فارس؟".
قال أحدهم:
"كن صادقا.. لا بد وأنكما تتفاهمان ولو لبعض...".
قال جان مقاطعا:
"يا شباب , حضرت الآنسة لمقابلتي وليس لمقابلتكم ".
نظر اليهم نظرة آمرة صارمة وعلى الفور تفرق كل الى عمله.
طلب جان فنجان شاي من الموظفة المسؤولة وللفور لبي طلبه.
قال جان :
" استريحي وتناولي فنجان الشاي فسيساعدك في طريق العودة".
أخرج بعض الأوراق من درج المكتب وقال:
" أقتربي بكرسيك وأقرأي هذا التقرير".
فعلت لورين كما أمرها وهي تتناول فنجان الشاي.
" سأعلمك أول درس في قواعد التحرير, أقرأي وقولي اذا كانت المقالة تحتاج لبعض الأختصار".
وبعد أن قرأتها وضعت كفها وغطت بها آخر ثلاثة أسطر...
" تفعلين ذلك؟ المعلومات الأساسية موجودة في الثلاثة أسطر الأخيرة...".
قرأت المقالة من جديد وقالت:
" آسفة , لم أنتبه".
" عملية الأختصار تتناول الكلمات , عليك أن تستبدلي بعض الكلمات الكبيرة بأخرى صغيرة سهلة تستعمل كل يوم, مثلا , أرتدى ثيابه تصبح لبس ثيابه , راقب البرج تصبح نظر ... وهكذا ...( كان يشطب أمامها ويغير وهي تراقبه باهتمام) وأذا لزم الأمر تعاد كتابة المقالة من البداية...".
كانت لورين تستمع الى شرحه باهتمام وتفهم , تمنت لو تبقى وقتا أطول تتعلم منه دروسا في التحرير, نظرت الى ساعتها تستطلع الوقت.
قال:
" أفهم أنك تأخرت وتريدين المفتاح".
أخرجه من مجموعة مفاتيحه ووضعه في كفها , وضغط بكفه فوقها فترة أطول مما يجب... بدأ قلبها يسرع في ضرباته وهو ينظر اليها نظرات تعبر عن الرقة والحنان, وقال مازحا:
" طالما أنك تطلبين مفتاح قلبي...".
وصلت الى باب المكتب حين ناداها قائلا:
" ألن تقولي وداعا يا آنسة فارس؟ ربما نكون من أكلة اللحوم , ولكننا لا نأكل لحوم البشر...".
نظرت اليه تودعه ورأت خيبة الأمل بادية على محياه ولم يبتسم مودعا ... ولكنها ضحكت ضحكة بريئة وهي تراه على هذا النحو , التفت الشباب على رنة ضحكتها , وبدت السعادة على وجوههم كأن الشمس قد أشرقت دون أنتظار...

زونار 22-06-09 06:08 PM

5- الحفلة الراقصة
أواخر تشرين الثاني(نوفمبر) والحفلة الراقصة التي ستقام بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الجريدة التي يعمل بها جان مدير تحرير الأخبار فيها وقد أقترب موعدها , لورين متحمسة جدا لرفقة جان الى هذه الحفلة, وحماسها يزداد يوما بعد يوم وتعتبر موعدها نعمة كبرى.
نزلت لورين الى السوق برفقة والدتها وأنتقت ثوبا جديدا يليق بالمناسبة المرتقبة, اشترت فستانا من المخمل الأحمر , يظهر جمال وتناسق تقاطيع جسمها , دون أكمام , وقبة مفتوحة مستديرة تكشف عن قسم كبير من الرقبة والصدي , وستعيرها والدتها عقدها اللؤلؤ المكون من دورين لتجمل به صدرها.
منتديات ليلاس
في طريقهما الى المنزل أخبرت بريل أبنتها لورين أن أبن جيمس سيعود الى أنكلترا خلال الأيام القليلة المقبلة.
قالت لورين مندهشة:
" لم أكن أعرف أن عنده أبنا شابا".
" أنا متأكدة أنني أخبرتك ذلك, وقلت أيضا أن اسمه ماتيو".
" ما شكله؟ هل هو كتزوج؟".
" رأيت صورته عند جيمس , شاب وسيم شعره كثيف ويشبه والده بوجهه المستدير البشوش .... أنه غير متزوج ولكن جيمس يتوق أن يراه مستقرا وهو في هذا العمر , أخبرني والده أن لديه صديقة حميمة في الخارج وهو يعرفها منذ سنتين أو أكثر, ماتيو مهندس مدني يقوم ببناء الجسوء في خارج أنكلترا".
وعندما وصلتا الى المنزل دخلت لورين الى غرفتها وأعادت تجربة فستانها الجديد وهي مسرورة فرحة, وقفت في غرفة والدتها تعيد النظر اليه في المرآة عندما سمعتا صوت سيارة جان تقف في المدخل , دفعت بريل لورين الى غرفتها وقالت:
" أسرعي يا عزيزتي وبدلي ثيابك... لا تدعيه يراك في الفستان الجديد قبل الحفلة , نريد أن نفاجئه".
بدلت لورين بسرعة فائقة وعادت الى ثيابها التي كانت ترتديها في السوق, ونزلت من غرفتها باتجاه غرفة الجلوس , التقت جان في طريقها , بصحبة فتاة أخرى غير مارغو ولكنها تفوقها أناقة وأنوثة وأكثر شموخا وتكبرا , لم يدع جان الفتاة تتكلم بل دفعها بسرعة الى داخل غرفته وأغلق الباب دونهما.
قالت لورين في نفسها: أنه وردة جديدة في حديقته... وأحست وجعا أليما في قلبها وحزنا في كيانها , بقيت الزائرة الجديدة مدة طويلة معه في الغرفة , لم تسمع لورين الضحك المعتاد أو الثرثرة وحتى الموسيقى... الهدوء يخيم كليا على جو الغرفة , وكانت تفضل لو تسمع الضجيج والقهقهات ورائحة السكائر تنساب عبر الباب المغلق أكثر بكثير من هذا الصمت المخيف... الذي غالبا ما يلف المحبين والعاشقين.
وبعد مدة طويلة خرج جان بصحبة الفتاة وأوصلها الى الباب الخارجي مودعا , وعاد الى غرفة الجلوس حيث التقى لورين وبادرها قائلا:
" أهلا لورين".
لم تجب, نظرت اليه نظرة حادة غاضبة وكأنها لا تصدق ما الذي يجري حولها, حدق اليها وقال متسائلا:
" لماذا؟ هل تغارين؟".
قالت بنزق:
"ولم أغار؟ أنت لا تعني لي شيئا البتة , لا تخدع نفسك وتعتقد أن سحرك لا يقاوم ... فأنا لست وردة في حديقتك...".
كانت لورين تريد أن تسخر منه ولكن الألم كان يعصر فؤادها , دخلت الحمام تحنمي فيه وأطلقت لدموعها العنان , وبقيت تغسل وجهها من الدموع المتساقطة

رغما عنها حتى هدأت نفسها وارتاحت , دخلت سريرها تحاول النوم ولكن النوم جفاها...
وفي صباح اليوم التالي التقاها جان وهو في طريقه الى عمله, قال يخاطبها كأن الحديث بينهما لم ينقطع منذ البارحة:
" اذا كنت تصرين على معرفة ما كنا نفعل البارحة... كنا ننجز بعض الأعمال الصحافية...( وسعت لورين عينيها غير مصدقة) واذا نظرت ال] يا آنسة فارس هذه النظرة كأنك لا تصدقين ما أقول, فحماقتك لا حدود لها...".
احمرت لورين خجلا بل غضبا, وصعقت من وقاحته في مخاطبتها وركضت تلملم أذيال الخيبة والمهانة.
وبعد بضع ليال قالت بريل تحادث أبنتها:
" لقد قابلت ماتيو...".
" ماتيو؟".
" أنه ابن جيمس , هل تذكرين؟ أنه شاب مهذب وقد دعوته للعشاء مع جيمس في الأسبوع القادم, في الليلة التالية للحفلة الراقصة لأهل الصحافة".
" صحيح, حسنا. سأكون جاهزة للقائه".
وصل موعد الحفلة الراقصة, كانت لورين تترقب بلهفة كبرى حلول الموعد كطفلة صغيرة, أرتدت ثيابها بمساعد ة والدتها وبحماس ولضح, كانت تلبس تنورتها عندما سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتها , وعلى الفور فتح الباب وأطل جان برأسه دون أن ينتظر السماح له بالدخول , فتشت لورين عن روب المنزل لتستر به نفسها ولكنها كانت قد علقته خلف الباب.
ضحك جان ببراءة وقال:
" هل ستذهبين هكذا الى الحفلة؟ ستكونين أجمل الفتيات وأكثرهن أغراء".
صرخت لورين بصوت غاضب:
" وماذا تريد الآن؟".
" جئت لأعلمك أن هوغ سيمر عليك ليصحبك الى الحفلة".
غطت وجنتيها بيديها من الخجل وبانت جيبة الأمل في عينيها:
"ولكن... ولكن كنت أعتقد أنني سأذهب برفقتك...".
هز كتفيه وقال:
" أسف, لقد غيرت مارغو رأيها في آخر لحظة... تريدني أن أرافقها ... وما تريده مارغو تحصل عليه...".
ثارت ثائرتها وشدت على قبضة يدها بانفعال ظاهر, لم يعد يهمها أن تخفي غضبها أو أنفعالها.
بصقت في الهواء وقالت:
" أنت شهم وشجاع, أنك تحافظ على مواعيدك وأرتباطاتك وتفي بوعودك".
" من يسمعك( كان يحدق بها بنهم وخبث ويتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها) يعتقد أن أملك قد خاب...".
بقيت برل صامتة تراقب ما يجري حولها دون أن تتكلم , ولكنها أخيرا قالت بحماس:
" نعم ,لقد خاب أملها فعلا , كانت تريد أن تذهب الى الحفلة برفقتك أنت".
استدارت لورين تخاطب والدتها وقد ازداد غضبها أضعافا لتعليق والدتها:
" هذا ليس صحيحا , لا يهمني أن أرافقه".
فتحت بريل فمها مستغربة كليا ما يجري, ولكنها لم تتكلم.
قال جان:
" أهكذا؟ يراودني خاطر أكيد أن أتصل بمارغو وأعتذر منها وأصحبك أنت فقط لأثير غضبك وأزعجك".
ضحكت بريل ضحكة متكلفة في محاولة لتهدئة الجو وقالت:
" لا , لا تفعل , لا يهم الآن أن نزيد الأمور سوءا , سيصحبها هوغ".
استدار جان وخرج:
" مساء الخير يا سيدة فارس( والتفت الى لورين) سأراك في الحفلة فيما بعد".
" لا أريد أن أذهب, آسفة يا أماه ولكن حماسي قد تبخر ولم أعد راغبة في الذهاب".
قالت بريل:
" من الواضح أن أملك قد خاب يا صغيرتي , ولكن لا بأس , سترينه هناك وربما سترقصين معه أيضا...".
أنهت لورين أرتداء ثيابها وتحضير نفسها , ألقت نظرة أخيرة على نفسها في المرآة وشاهدت تعابير وجهها الحزينة , قالت في نفسها :أنا لا أريد رفقة هوغ وهو أيضا لا يريد صحبتي , كلانا يتطلع الى رفيق آخر... تجمعنا المصيبة الواحدة.
بدأت والدتها تطري محاسنها في محاولة لرفع معنوياته , استعارت لورين منديله الأحمر وربطته في شعرها متحدية.
قالت بريل:
" لماذا؟ اتركيه منسدلا أكثر ويضفي عليك جمالا فوق جملك ".
" لا أريد, أنه يضايقني وينساب على وجهي ويثير عصبيتي".
استقبلت لورين هوغ بفتور ظاهر وابتسامة متكلفة , كانت جامدة النظرات حائرة... ترد على مجاملته بكلمات تافهة لا معنى لها , قاد سيارته الى الفندق حيث ستقام الحفلة , أوقفها في المرآب , وجدت سيارة جان تقف بالقرب من سيارة وغ , نزلت من السيارة بعد أن لفت نفسها بمعطفها الواسع , وأنتظرت هوغ حتى أقفل السيارة ومشى صوبها ووضع ذراعه وقادها الى داخل
الفندق . دخلت لورين الى غرفة السيدات لترتب زينتها وتخلع معطفها وقالت تخاطب هوغ:


" سألقاك هنا بعد دقائق قليلة".


ألقت لورين نظرة أخيرة على المرآة تطمئن الى جمالها وأناقتها , كانت تظن ثوبها جميلا ولكنها بعد أن شاهدت أثواب الأخريات حولها وجدت أن فستانها يبدو بالمقارنة عاديا جدا.


قالت مارغو حين شاهدت لورين في غرفة السيدات:


" أهلا يا آنسة فارس".


كانت موردة الخدين وسحرها طاغيا بفستان أبيض واسع محلى بالكشاكش , ترتدي معه جزمة بيضاء , وتضع كذلك وردة بيضاء في شعرها.


"مساء الخير يا آنسة فرنش".


" هل هوغ معك؟".


" أنه ينتظرني في الخارج".


"حسنا علي أن أجد جان, أنه شاب لطيف , خفيف الظل ... قال أنه لا يمانع في تبديل المرافقين لنا في آخر لحظة, جان راقص ماهر بينما هوغ لا يجيد الرقص... كان لا بد من مرافقة جان بدلا من هوغ كي أتمتع بالرقص في هذه الحفلة ... وأنت لا ما مانع عندك يا آنسة فارس!".


تصرفات مارغو سخيفة وطفولية للغاية مما جعل لورين تشعر بأنها تكبرها بمئة سنة أو أكثر, ابتسمت لورين وهزت رأسها موافقة دون أن تجيب بكلمة واحدة , ثم تبعت مارغو الى خارج غرفة السيدات وشاهدتها وهي تحيي هوغ وترفع له يدها ثم تدخل الى قاعة الفندق حيث ستقام الحفلة الراقصة , وغابت وسط الجموع.








حاول هوغ اللحاق بمارغو ولكنه توقف حين لمح لورين تقترب منه, كانت خيبة أمله كبيرة أكبر من خيبة أملها... لأو هكذا أعتقدت لورين .


أمسك هوغ بذراعها ومشى واياها في القاعة الكبرى حيث دخلت مارغو, كان يأمل أن يلتقي جان ومارغو لينضم اليهما, ولكنهما كانا في وسط القاعة ضمن مجموعة من الزملاء الصحافيين, جلس الجميع حول طاولة مستديرة يضجون بالضحك ويثرثرون.


قالت لورين في نفسها: لا أحد يستطيع منافسة مارغو ... رغباتها تنفذ على الفور, جلست مع هوغ الى طاولة صغيرة ونظرت باتجاه طاولة جان فوجدته يحدق في وجه مارغو التي كانت تردد نكتة للمجموعة , ضحك الجميع من جديد , كان الرجال يحيطون بها أحاطة السوار بالمعصم.


شعرت لورين بالغيرة القاتلة أكثر من أي وقت مضى, كادت تختنق من شدة أنفعالها وغضبها, حاولت أن تبتسم لمرافقها رغما عنها , ولكنها وجدته يحدق بمارغو من أقصى الغرفة.


قالت بعصبية واضحة:


" أريد بعض الشراب يا هوغ".


اعتذر عن اغفاله هذا الأمر وقام على الفور لتلبية طلبها , بقيت لورين تجلس منفردة وسط المدعوين, نظر اليها جان من بعيد نظرة باردة قاسية وشعرت كأنها دمية لا تروق لأحد.


نظرت حولها وهي تفكر في طريقة للهرب من الحفلة قبل عودة هوغ , كانت واثقة بأنها لو فعلت هذا فلن يفتقدها رفيقها أبدا, كل ما سيفعله هو أن يمشي باتجاه مارغو وينضم الى مجموعة المعجبين.


حضر هوغ وبيده كأس شراب الكرز, تناولته منه وشكرته بابتسامة خفيفة ولكنه لم يلحظها , أخذ سيكارة من علبته بتأن وجلس قربها يدخن, انسابت الموسيقى الراقصة وشاهدت لورين جان يسير برفقة مارغو الى حلبة الرقص ويبدو عليه المرح.


أحست لورين تشنج هوغ وهو يراقب جان يراقص مارغو ويتثنى بها مع تناغم الموسيقى برشاقة وانسجام تام, أما هي فكانت تراقبهما بشعور المغلوب على أمره , لا تستطيع أن تفعل أي شيء حيال نجاح مارغو باقتناص جان والأستيلاء عليه.


قال هوغ كأنه يقوم بواجب وهو مجبر عليه:


"هل ترقصين يا لورين؟".


قامت تسايره ودخلت واياه الحلبة , كانت تتعثر في حركتها وتجاوبها مع الموسيقى مما جعلها تطأ رجلي هوغ مع كل خطوة, وأقتصر الكلام بينهما على الأعتذار عن تعثرهما... ضحك هوغ أخيرا من ارتباكها وانتهت المعضلة مع نهاية الرقصة, عادا الى طاولتهما وكأنه ارتاح من عملية أنهكت قواه.


" هل تريدين كأسا ثانية؟".


كان هوغ يريد الهروب ولو لدقائق.


" لا شكرا, يمكنك أن تشرب أنت".


قام هوغ على الفور وتركها من جديد, غاب طويلا , تعجبت لورين من تأخره, نظرت الى طاولة مارغو فوجدته يقف قربها يضحك ويثرثر وهو بادي الأنشراح.


والآن حان الوقت لتهرب من الحفلة, وماذا ستنتظر ؟ لقد هجرها رفيقها ونسي وجودها , جملت حقيبتها وحاولت النهوض...


"ماذا تفعل فتاة شابة جميلة مثلك في حفلة راقصة دون رفيق؟ هل تحتاجين لشراب؟".


حضر رجل آخر وقال:


"هل تراقصينني؟".


حضر جان من ورائها ووضع يده على كتفها وصرخ بالشباب الذين تحلقوا حولها:


" أبعدوا أيديكم عنها. أتركوا هذه الفتاة وشأنها".


" وهل هي رفيقتك؟".


قال آخر:


" ربما هي آخر صديقة له".


" لا مانع لدي يا حبيبي,هوغ هو رفيقي أليس كذلك؟ أنت لست الحصاة الوحيدة على الشاطىء( وتمتمت في أذن لورين) أنا أستطيع أن أسترده متى أرغب, والى ذلك الحين فأنا أعيره لك يا آنسة فارس(رق صوتها كأنها قطة تموء) سيكون بأمان معك ولا خوف عليه برفقتك يا آنسة فارس...".
رفع جان حاجبيه ساخرا, وابتسم وهو ينظر الى خطوط كغه كمن يقرأ خطوط المستقبل وقال:
" لا تكوني واثقة جدا مما تقولين, فأنا لست شيئا للأعارة والتأجير , أنني أنسان أملك نفسي ولست ملك أحد".
أعجبت لورين بجرأته في محاولة التملص من براثن مارغو لأستعادة حريته... ولكنها كانت تعتقد أن معركته خاسرة في النهاية ... وكما قال جان في بداية السهرية ( ما تريده مارغو تحصل عليه...".
نهضت مارغو غاضبة وجرت هوغ خلفها الى حلبة الرقص بينما وقف جان يراقبهما مبتسما.
" هل تشربين شيئا يا لورين؟".
هزت رأسها موافقة وتمتم في أذنها وهو يمشي ليجلب لها كأس الشراب:
"أسمي جان...".
" شكرا ... يا ... جا...ن... يا جان".
شرب جان كأسه وأنتظر أن تنتهي من شرابها , ثم قال كمن نفذصبره:
" أريد أن أرقص".
مشت معه فضمها ورقصا صامتين رقصة حالمة هادئة ... تمتم جان في أذنها:
" وتقولين أنك لا تجيدين الرقص؟".
" من الغريب أنني أرقص معك بليونة لم أعهدها في نفسي من قبل ...".
ابتسم ابتسامة عريضة , ولما انتهت الرقصة قالت لورين:
" أعتقد أن علي أن أعود الى البيت".
" هل تمتعت بالحفلة؟".
" نعم, تمتعت بها كثيرا ولكن أرجوك أن توصلني الى البيت".
حملت معطفها وركبت قربه في سيارته وقادها في صمت ثقيل, حين وصلا أقفل محرك السيارة وبقيا على صمتهما, أحست بتشنج وتوتر في كل عصب من أعصابها لوجوده قربها , أمسك بذقنها بين أصابعه وأدار رأسها اليه, جنت ضربات قلبها وازداد خفقانه, وصلت يده الى عنقها من الخلف وأفلت المنديل الذي عقصت به شعرها , وللحال انسدل على كتفيها ووقع المنديل الى أرض السيارة.
مد يده بحنان وضمها اليه, غاصت في بحر العاطفة الهوجاء وغرقت في لججه , حاول أن يتراجع قليلا ولكنها تشبثت به كما يتعلق الغريق بدفة النجاة, وهي مسحورة مسرورة وقد أفلتت لأحاسيسها العنان فطارت بها الى السماء السابعة... ولم تعد تريد أن تفكر بشيء... تراجع كل منهما الى مقعده وبقيا صامتين مبهورين.
تمتم جان:
" يا الهي...".
وكررها عدة مرات.
أسندت لورين رأسها الى مقعدها وأغمضت عينيها وبقيت صامتة, وبعد وقت قليل تمالكت توازنها واستعادت طبيعتها المحافظة وارتبكت كثيرا وهي تستعيد في ذهنها ما حل بها وما شعرت به...لقد استسلمت لعواطفها كليا وتركت نفسها على سجيتها دون رادع , ارتبكت أكثر لأنه أحس تجاوبها مع عاطفته دون الحاجة بها الى الأفصاح ... لقد لمس تعلقها به وحبها الذي لا يعرف حدودا.
أدركت أخيرا أنها دخلت حديقته بارادتها ... دخلتها دون أذنه, دخلتها رغم معارضته السماح لها بالدخول.
قالت وهي شاردة الذهن:
" آسفة, لقد دخلت حديقتك سهوا, لقد كبرت وأينعت تحت رعايتك الخبيرة في الورود , أليس كذلك؟ بقي أن تقطفني وترميني كالأعشاب اليابسة( حاولت أن تفتح باب السيارة لتخرج) سأوفر عليك التعب, سأخرج من الباب الصغير الخلفي وسأغلقه ورائي , كن مطمئنا فلن أدخلها مرة ثانية( خرجت من السيارة وأكملت ) شكرا لأيصالي الى المنزل وعمت مساء".
" عمت مساء يا لورين".
صوته دافىء هادىء ومتوازن وهو يودعها ... أدار محرك سيارته من جديد وغاب وسط العتمة..





زونار 22-06-09 06:17 PM


وقف ابنه ماتيو بالقرب منه, كان أطول منه قليلا , ممشوق القوام , كثيف الشعر وعيناه ضاحكتان كعيني والده.


أغلقت بريل الباب الخارجي وتم التعارف بين الجميع وتصافح ماتيو ولورين.


قال ماتيو:


" لم أكن أتصور أنني بعد ثلاثين سنة من عمري ستكون لدي شقيقة (عبس بشكل تمثيلي) لن تتشاجري معي ولن تعضينني يا لورين, أليس كذلك؟".


ضحك الجميع وعلق جيمس قائلا:


"لا تكن أحمق يا ماتيو فهي ليست شقيقتك...".


" صحيح , وربما هذا لحسن حظي أيضا...".


" لا تتسرع يا ولدي ودع الأمور تأخذ مجراها".


دخلوا غرفة الجلوس وطلبت بريل من جيمس أن يجلس قربها على الأريكة ففعل , وجلس ماتيو أمامها.


قالت لورين:


" نتناول الشاي؟".


نظرت الى الجميع تستطلعهم الرأي.


فقالت بريل:


" هل يمكنك يا عزيزتي أن تسألي جان ان كان يريد تناول الشاي معنا؟ وذكريه بوعده للقاء جيمس وابنه ماتيو في وقت لاحق قبل مغادرته".


شرحت بريل لماتيو أن لديها مستأجرا شابا, وهو صحافي ... قررت لورين أن تقدم الشاي للجميع دون أن تسأل جان, ستحمل له فنجان الشاي وبذلك ستراه مرة واحدة فقط.


قرعت بابه قرعا خفيفا وبدأ قلبها يضرب ضرباته القوية , فتح لها الباب وتناول فنجاي الشاي من يدها وشكرها , بدا التعب واضحا على قسمات وجهه, سألها:


" هل حضر الزوار؟".


" نعم, وتذكرك والدتي بوعدك في ملاقاتهما قبل رحيلك".


هز جان رأسه موافقا وقال:


" حاضر, وشكرا على الشاي".


أغلق الباب في وجهها وشعرت كأنه صفعها صفعة شديدة دون أن يدري, نزلت غاضبة الى غرفة الجلوس وقد خاب أملها وازدادت كآبتها, الجميع في غرفة الجلوس يمرحون ويضحكون ويثرثرون وهم يشربون الشاي, تركتهم لورين ودخلت المطبخ تحاول أن تتلهى بتحضير الطعام ووضع آخر لمساتها هنا وهناك, ولما حان موعد العشاء دعتهم الى غرفة الطعام وقامت على خدمتهم بلباقة واحترام. وبعد أن فرغوا من تناول العشاء صنعت القهوة وطلبت اليهم تناولها في غرفة الجلوس.


قالت بريل:


" نادي جان ليتناول قهوته معنا".


نزل جان وقد رتب نفسه وحلق ذقنه وشد ربطة عنقه , سلم على الجميع وحمل فنجان قهوته بعد أن أضاف اليه قطعة سكر, وشكر لورين بطريقة مهذبة.


حاولت أن تقرأ تعابير وجهه ولكنها لم تفلح , حدقت في عينيه والتقت نظراتهما, وأحست سرعة هائلة في نبضها , استدارت لتخفي ارتباكها...


تناول جان قهوته بتأن وهو يتجاذب أطراف الحديث مع ماثيو , بينما كان جيمس يتحدث مع عروسه وهو ممسك بيديها بحنان ومودة ظاهرين.






عرف جان بأمر الخطوبة , قال أنه كان يتوقعها , ضحك ماتيو وقال معلقا:


" أن حاسة الصحافي القوية أنبأتك بأمر الخطوبة المرتقبة قبل حدوثها...( ضحك جان وشاركه ماتيو والآخرون الضحك) الصحافيون يجمعون اثنين مع اثنين خمسة بدلا من أربعة, ولكنك توصلت الى العدد الصحيح هذه المرة.


ضحك جان أكثر من الآخرين رغما عنه, قام وقبل بريل مهنئا وصافح جيمس وتمنى لهما السعادة في حياتهما الجديدة.


قال ماتيو:


" للنضم جميعا الى العروسين ونقبل العروس".


ثم قبل لورين أيضا.


" هل تمانعين يا شقيقتي الصغيرة أن أقبلك قبلة أخوية للمناسبة السعيدة؟".


" تعال يا جان وقبل الآنسة ما دامت لا تمانع".

تراجعت لورين مصعوقة وقالت:
" لا , لا لزوم".
ضحك ماتيو وقال:
" الشابة تخجل , ولا يهمك يا جان , لا تقبل عذرها , الفتاة الخجولة هي أفضل الفتيات ".
قال جان:
" ولماذا لا أفعل؟ الجميع يقبلون ولماذا أبقى خارج اللعبة؟".
حاولت لورين المقاومة, ابتسم جان وقال ساخرا:
"هل أنت خجولة مني يا لورين؟ بالطبع لا!".
كان على لورين أن ترضخ للأمر الواقع , تركته يقبلها أمام الجميع , كانت قبلة عذبة حنونة وسريعة, ابتعد جان بعد ذلك مبتسما وقال:
" من يراك يعتقد أنها أول قبلة لك ".
كان ساخرا وخبيثا.
ضحك الجميع وارتبكت لورين وقالت تحاول أن تبعد نظرات المجتمعين عنها:
" متى موعد الزواج يا أماه؟".
قال جيمس:
" أوه. بعد شهرين أو ثلاثة, نحتاج أن نرتب بعض الأمور".
هزت بريل رأسها موافقة.
قال جان:
"على فكرة( أخرج ن جيبه المنديل الأحمر) وجدت هذا المنديل في سيارتي وأعتقد أنه لك(قالها مخاطبا لورين وهو يرفع حاجبيه متسائلا)".
حدقت لورين به وقالت في نفسها: أنه يعرف ذلك حق المعرفة.... أخذت المنديل منه ووضعته خلف الوسائد ولم تشكره.
قالت بريل:
" أوه , أنه منديلي وقد أعرته لك البارحة ولكن كيف وصل الى سيارة جان؟".
بان الغضب في عيني لورين وهي تجيب والدتها قائلة:
" ربما وقع مني حين أوصلني البارحة بسيارته الى البيت بعد الحفلة الراقصة".
كان جان يبتسم ابتسامة ساخرة بينما بدا التساؤل على وجه ماتيو , نظر الجميع باتجاهها واحمرت وجنتاها من الخجل والغضب والأرتباك.
ماذا يمكن أن يستنتج ماتيو من ذلك؟ كان ماتيو يبتسم ابتسامة خبيثة , مشى الى جانبها وجلس على ذراع الكرسي الذي تجلس عليه بينما بقي جان في وقفته الهازئة.
قالت بريل:
"مشكلة لورين أنها لا تخرج دائما للسهرات , وعملها في هذه المدرسة المحافظة في النهار وبعض الوقت في الكلية التقنية في المساء يستغرق معظم وقتها ويمنعها من الأستمتاع بشبابها كما يجب".
نظر اليها ماتيو وسألها:
" ماذا أسمع يا لورين؟ أليس لديك صديق تخرجين برفقته؟".
تمنت لورين لو يمسح جان ابتسامته الساخرة عن وجهه ... أو أن يخرج ... قالت:
" كان لدي صديق ولكننا لم نتفق , أفترقنا".
قال ماتيو:
" الساحة نظيفة وأستطيع أن أجرب حظي معك . أنا أيضا أفترقت عن صديقتي قبل وصولي الى أنكلترا".
قال جيمس مستغربا:
" أعتقدت أن لديك صديقة!".
قال ماتيو:
" كانت لدي صديقة , ولكنها فضلت أن نفترق حين علمت أنني عائد الى أنكلترا , وطلبت مني أن أختفي من حياتها الى الأبد( التفت الى لورين يخاطبها) أقدم لك نفسي وقلبي المجروح , ولكنه ليس مكسورا ... سأكون في خدمتك وأرافقك الى كل مكان تريدين بدلا من الصديق , يسرني أن أجوب البلاد معك".
نظر جان الى ساعته بانزعاج وقال:
" أعتذر, علي الذهاب الآن , لدي موعد .(نظر الى بريل مستأذنا) هل تأذنين لي؟".
ضحك جيمس وغمز له:
" ما شكلها ياجان؟ سمراء شقراء, أم حمراء الشعر؟".
قال جان ضاحكا:
" أنها آية في الجمال وشعرها كستنائي على احمرار وتملك كل ما يشتهي الرجل في فتاته( نظر الى لورين وغمز, شعرت كأن سوطا حادا يلسعها) وأسمها مارغو".
رفع يده مودعا الجميع وغادرهم بسرعة.
وجود ماتيو في حياة لورين أدخل تبدلا جذريا في برنامج حياتها, كانت ترافقه الى الأماكن المختلفة التي لم تحلم بزيارتها مطلقا وذهبت بفقته الى عدة معرض وحفلات راقصة ونزهات بالسيارة في أيام الآحاد المشمسة... وتناولا الطعام سوية في فنادق الدرجة الأولى والأماكن المنعزلة والمرابع الليلية الخافتة الأضواء ... وبقيا أحيانا سوية في البيت يشاهدان برامج التلفزيون , أو يغرقان في القراءة أو التسلية البريئة.
كانا يجلسان في قاعة الجلوس بعد أن شاهدا فيلما مثيرا على شاشة التلفزيون , أغلقا جهاز التلفزيون ونظرت اليه بامتنان وشكرته على أهتمامه بها , قال:
" شابة جميلة ومثيرة مثلك لا يجوز أن تشكر شابا لرفقته لها , أنا الذي أشكرك على بهجة وجودك معي ( أمسك بيدها بين كفيه) ألم يخطر ببالك أي سبب لما أقوم به اتجاهك؟".
تسمرت في مكانها وهزت رأسها نفيا.
قال:
" ألم يخطر ببالك أنني وقعت في غرامك؟".
هزت رأسها نفيا وبشدة ظاهرة وقالت:

"لا يمكن أن أعجب شابا مثلك؟".
" وهل تبحثين عن مديح وأطراء؟".
" لا , أنني أقول الحقيقة ... أنا أعرف طبيعتي وحدودي...".
ضحك مقهقها كأن ما يسمعه هو نكتة الموسم وقال:
" أنت لا تعرفين نفسك أبدا يا شقيقتي الصغيرة .( ابتعدت لورين عنه ) آسف , كلمة شقيقتي لا معنى لها وسأبدلها بكلمة حبيبتي , هل هذا أفضل؟".
" بل أسوأ".
" يا آلهي( نظر اليها وهو يتساءل ) لورين؟".
وقبل أن تجيبه عانقها بشكل لم يعجبها أبدا , تيبست وتشنجت وابتعدت عنه ما استطاعت , وبدت خيبة الأمل على محياه... أرادت أن تعتذر منه وتقول : أنا أحب رجلا ولا أختمل أن أكون مع غيره....
سمع قرع خفيف على الباب, قال ماتيو:
" ادخل.
كان جان هو القادم , حدق بهما وتراجع على الفور يريد الخروج, استدار ماتيو اليه بينما حاولت لورين أن تنهض من مجلسها , ولكن ماتيو أمسك بها وأعادها قربه كما كانت...
قال ماتيو:
" أوه , جان , أدخل".
" يمكنني الأنتظار وآسف للأزعاج".
" أنك لم تزعجنا يا رجل , تعال واجلس معنا".
بقي جان واقفا.
" حاولت معها ولكنني لم أفلح, هذه الفتاة قطعة من الجليد".
ابتسم جان ابتسامة رضا ولكنه ظل يشك بصحة ما يسمع .
" هل تعتقد يا ماتيو أن لورين فتاة باردة؟ أعجب لهذا الأمر , ولكنني دائما كنت أؤمن أن معلمة المدرسة فتاة...".
قطعت لورين كلامه قائلة:
" مملة ومضجرة ومحترمة أكثر من اللزوم...".
قال جان متمما كلامها:
" وليست مثيرة...".
ال ماتيو:
" وها أنت تعرف... آه ... ماذا لو جربت بنفسك يا جان! تفضل , ربما تتجاوب معك أكثر مما تجاوبت معي".
قالت لورين والشرر يتطاير من عينيها :
" ماذا تريد يا جان؟".
" يمكنني الأنتظار".
" ولماذا حضرت أذن؟".
" أريد والدتك , ظننت أنها موجودة في غرفة الجلوس".
" وهل يمكنني مساعدتك؟".
" لا يا آنسة فارس".
كان يتكلن ببطء شديد وتهكم ظاهر.
" آسفة ( أستدارت لتخفي خجلها) كنت أريد المساعدة فقط".
غادر جان القاعة وتركهما على حالهما , وبعد قليل نهض ماتيو مودعا.
عادت بريل من الخارج ودخلت المطبخ تتكلم مع أبنتها , سمعها جان ونزل من غرفته اليهما وهو يحمل بيده رسالة وقال:
" رسالة من والدتي".
فقالت بريل:
" كيف صحتها؟".
" بخير على ما يبدو وهي تسألني عن عطلة الميلاد واذا كنت سأذهب لزيارتهم في البيت ... قررت أن آخذ عطلة ثلاثة أيام لأزورهم. هل لديك مانع؟".
" ولماذا أمانع يا جان؟ (ضحكت) غرفتك ستظل بانتظار عودتك".
" على فكرة , متى تريدين أن أغادر المنزل؟ أرجو أن تعطيني مهلة كافية لأفتش عن غرفة غيرها...".
نظرت لورين وجان اليها نفس النظرة.
" ولماذا تترك المنزل؟ هل تقصد عندما أتزوج من جيمس؟".
هز رأسه موافقا فأكملت حديثها:
" لا تهتم الآن بهذا الأمر . الوقت مبكر على هذا الموضوع. حتى لورين سألتني السؤال نفسه منزعجة وهي تريد أن تعرف الموعد... حين ستغادر
نظرت لورين وجان اليها نفس النظرة.
" ولماذا تترك المنزل؟ هل تقصد عندما أتزوج من جيمس؟".
هز رأسه موافقا فأكملت حديثها:
" لا تهتم الآن بهذا الأمر. الأمر مبكر على هذا الموضوع , حتى لورين سألتني السؤال نفسه منزعجة وهي تريد أن تعرف الموعد... حين ستغادر المنزل".
نظرت لورين نظرة تساؤل الى عيني جان ولكنها لم تجبه, قالت بريل:
" أريد رؤية والدتك من جديد , يمكننا أن نتحدث في ذكرياتنا الماضية وأريد كذلك أن أخبرها عن جيمس. هل تعتقد أنها تقبل ددعوتي؟".
سر جان لدعوتها والدته وقال:
"أسأليها وأنا واثق بأن الفكرة ستروق لها كثيرا , وهي تحب الثرثرة مع الصديقات شأن كل النساء".
" وما رأيك بالرجال؟ ألا يحبون الثرثرة أيضا؟".
" بالطبع لا, عقولهم في مستوى فكري أرفع بكثير(التفت الى لورين) لقد وعدتك سابقا بأن أسجل لك بعض الملاحظات عن نظام مؤسسة الصحافة وسأنتهي
منها قريبا جدا, سأتحدث معك بشأنها قريبا وأشرح لك بعض النقاط".


" أشكرك جزيل الشكر , هذا لطف منك. وأنا واثقة أنني سأستفيد منها".


" وأنا أيضا واثق من ذلك".


ذات أمسية ذهبت لورين برفقة ماتيو للعشاء . ارتدت بدلة جديدة ذات لون فستقي محلاة بأزرار برونزية لامعة , اعتادت أن تتجمل بسخاء ربما لتخفي خيبة أملها وحزنها , وربما لترفع قليلا من معنوياتها الكئيبة ونفسيتها المحطمة.


بعد أن انتهيا من تناول العشاء وهما يشربان القهوة سألها ماتيو فجأة:


" هل هناك رجل في حياتك؟".


فوجئت بسؤاله , أختنقت وسعلت واحمرت وارتبكت , اعتذرت ورفت رموشها دون أرادتها...


" أعتقد أنني أعرف جوابك".


نظر اليها ليتأكد من قوله ولكنها طأطأت رأسها وقالت حزينة:


" آسفة يا ماتيو , أنه حب لا نهاية له, حب ميؤوس منه".


" وهل أستطيع المساعدة؟".


هزت رأسها نفيا وقالت:


" لا أحد يستطيع , نحن لا نستطيع أن نغير من طبيعة هذا الرجل , لقد قال لي بنفسه أنه يفضل تشكيلة منوعة من النساء في حياته بدلا من واحدة".


" وهل أخبرك ذلك بنفسه(هزت رأسها ايجابا) قال لك أن النساء في حياته كالورود في حديقته(ضحك وهو لا يصدق) الصحافة تساعده في تحقيق تجاربه الرابحة...".


" أننا نختلف في معتقداتنا ومبادئنا...".


" وكيف ذلك؟".


" أنني مخلصة في حبي وهو غير مخلص".


" كم أتمنى أن أعرف مراده".


" أرجوك أن لا تسأله يا ماتيو".


وفي المدرسة سألتها آن عن علاقتها بشقيقها...


" علاقة ممتازة ونحن متفاهمان".


" هل تحبينه؟".


"بالطبع لا, حبي له يختلف , أنني أرتاح لوجوده قربي , هل ترغبين في لقائه يا آن؟".


" اذا كان وسيما... وقويا... وممشوق القوام".


" تعالي في المساء , عنتد الثامنة وسأعرفك اليه".


"سأحضر , بالمناسبة , شكلك الجديد أفضل بكثير من ذي قبل , اهتمامك بمظهرك باهر ولائق ويبرز جمالك".


"شكرا يا آن, كل ذلك بفضل تشجيعك لي وحسب نصائحك الثمينة, ألم تطلبي مني أن أترك التزمت وأشتري الأثواب الجديدة على الموضة؟".


" ما رأي صديقك اياه؟".


احمرت لورين خجلا وفهمت على الفور قصدها, لن تخبر آن بما حصل معها ليلة الحفلة الراقصة, ولن تخبر أحدا, ذكرياتها الجميلة ستبقيها لنفسها ولن تفرط بها لكائن من كان.


" لا شيء جديد... لو كان هناك ما يقال لأخبرتك قبل أي شخص آخر يا آن , فأنت صديقتي المفضلة, على كل حال أنتظرك هذا المساء كما وعدت".


أخبرت لورين ماتيو بزيارة آن المرتقبة في المساء, أنتظرا قدومها في قاعة الجلوس, وحين حضرت رحبا بها ترحيبا صادقا , كانت آن ترتدي معطفا جديدا وفستانا أحمر يليق بها.


قالت آن:


" أنظري يا لورين الى فستاني الجديد, أنه جميل أليس كذلك؟ ولونه أحمر دافىء فأنا أحتاج الدفء في هذا الطقس البارد".


صافحت آن ماتيو وقالت:


" يدك دافئة ... هل أنت كذلك؟".


" أنت على حق ( ضحك وهو يغمز بعينيه) هل تريدين أن أبرهن لك؟".


ظهر جان ورفعت آن يدها تحييه قائلة:


" تسرني رؤيتك يا جان من جديد.... لماذا طردتني من حياتك؟".


" عزيزتي آن , لن أقبل أن يقول أحدهم أنني أعاملك كما أعامل بقية فتياتي , فأنت تختلفين عنهن كثيرا".


" أليس هذا ما تقوله لكل واحدة منهن؟".


هز جان رأسه ساخرا:


"أنها سيرتي المميزة يا آن, والنساء يغَرنهن الثناء (التفت الى ماتيو) هل أنتم في اجتماع خاص؟".


ابتسم له ماتيو وقال:


" أنه يدعو نفسه للسهرة... هل لديكما مانع في أن ينضم الينا؟".


قال جان على الفور:


" كنت سأقترح أن نصعد الى غرفتي لنشرب شيئا هناك ونسمع الموسيقى...".


قال ماتيو:


" لا مانع لدي".


نظر الى لورين وآن يستطلعهما الرأي.


قالت آن:


" حسنا".


وقالت لورين ممتعضة:


" من الواضح أن الجميع موافقون...".


قال جان:


"هيا بنا , ولكن أعذروني على الفوضى في الغرفة...".


توقف قليلا وأكمل:


" الأوراق في كل مكان قرب الآلة الكاتبة , كما أنني أكدس الجرائد قرب الشباك وعلى الأرض وفوق السرير...".


قال ماتيو:


" تريد أن تبرهن لنا أنك تعمل بجد واجتهاد".


ضحك جان وقال:


" صدق أو لا تصدق, أنني أعمل بجد وتعب مع أنني صحافي ( نظر الى لورين ساخرا) وأتسلى بالعمل بين فتاة وأخرى".


قالت آن:


" لا أفهم لماذا تريد أن تبدو ماجنا وأنت لست كذلك".


" صحيح ؟ يمكنك سؤال زملائي".


قالت لورين في نفسها وهي حزينة: لا لزوم لذلك , فلقد سمعت رأيهمفيك سابقا.


وأكمل جان قوله:


" أذا كنت ماجنا أو خلاف ذلك فهذا ليس مهما , الصفات التي تلازم شخصيتي هي المهمة , أليس كذلك؟".


قالت لورين:


" نعم , كذلك الصفات التي تلازم شخصيتي, فأنا مملة ومحترمة...".


ضحكت آن مقهقهة وقالت:


" انتبهي يا لورين , لقد صمم ماتيو على أنتزاع صفة الأحترام عنك".


كان ماتيو يحاول التقرب منها بشكل واضح.


قال جان:


"ماذا تشرب يا ماتيو؟".


"شراب الكرز ولا أريده حلوا".


" وأنت يا لورين؟ هل تشربين شراب الكرز حلوا؟".


قال ماتيو:


" نعم هي تشربه محلى, لقد أصبحت أعرف ذوق لورين في الشراب لكثرة ما خرجت برفقتها".


قالت آن:


" ولكن جان لا يخرج مع فتاة واحدة كافية ليتعرف الى ذوقها...".


" لنغير الموضوع , موضوع النساء يضجرني".


" نتكلم في موضوع الرجال. لقد لاحظت يا لورين أن هوغ بدأ يهتم بك مؤخرا , أنه يبدي الأهتمام الأكيد بك أمام الجميع".


قالت لورين:


" أنت على حق , لقد سألني أن أخرج معه للسهرة منذ أيام ولكنني أعتذرت منه ".


" ربما هيامه بمارغو قد أنتهى, أو ربما تكون هي التي قاطعته ورفضت حبه, على كل( نظرت الى جان) بات الطريق أمامك خاليا يا جان".


قال جان:


"تصرفات مارغو العابثة مع بقية الرجال لا تثيرني أو تقلقني , دائما تعود الى حظيرتها بأمان".


قالت لورين بهدوء:


" أنت تقول أنها مخلصة في حبها, بالرغم من المظاهر الكاذبة؟ هي من النوع الذي يبقى مخلصا الى الأبد".


قال جان بحدة:


" نعم, هي مخلصة مثلك...".


وجدت نفسها في متاهات أقاويل مزعجة وقد توتر الجو , آن وماتيو يراقبانهما دون أن يعرفا طبيعة النقاش أو مراميه, صمتت لورين رغما عنها .


نهضت آن وأخرجت أسطوانة وهي تحاول أن تهدىء من توتر الجو وقالت:


" نحتاج للموسيقى الهادئة يا جان, هل نستطيع أن نستمع الى هذه الأسطوانة؟".


قال جان مرحا:


" طبعا".


أخرج أسطوانة أخرى من بين الأسطوانات وأدارها على الفور.


عرفت لورين الأسطوانة التي وضعها جان مسبقا حتى قبل أن تسمعها.


كانت الأسطوانة التي استمعت اليها معه من قبل, انسابت الموسيقى ومعها الكلمات الجميلة للأغنية التي تقول:


" سأحبك , سأحبك حتى تجف مياه البحار...".


أغمضت لورين عينيها حتى تتفادى نظرات جان المعبرة , تذكرت حين سمعتها لأول مرة وهي في غرفته... فتحت عينيها بعد أن أنتهت الأسطوانة ونظرت الى جان.


كان يحدق بها ساخرا ويرميها بنظراته الحادة المحرقة.


غير جان الأسطوانة ووضع غيرها.


قال ماتيو:


" هل أعجبتك الأغنية يا لورين؟".


هزت لورين رأسها موافقة , ضمها ماتيو اليه بحنان , كانت أفكارها تدور بسرعة وكانت تتساءا : لماذا وضع جان هذه الأسطوانة الآن؟ لماذا؟ لماذا...؟


تمتم ماتيو في أذنها:


" ربما هي رسالة مني اليك".


ابتعدت عنه فزعة , أنها ترفض هذا الرأي تماما , كانت الأسطوانة التالية خفيفة وحالمة, صمت الجميع وهم يستمعون اليها.


أخرج جان علبة الشوكولا وقدم السكائر لماتيو ولكنه رفض شاكرا, أخذ هو سيكارة وأشعلها بنزق ظاهر وسحي نفسا عميقا منها.


دار الحديث بعد ذلك في أمور عادية , نزلت لورين برفقة آن لصنع القهوة وبعض السندويشات والبسكويت والكعك الصغير, وحين عادتا بالطعام والقهوة شكرهما جان وقام الى درج صغير قرب سريره و أخرج أربع تذاكر وقال:


" لدي أربع تذاكر لحفلة موسيقية في البلد, دعوة للصحافة, هل تذهبون؟".


سأل ماتيو:


"ما هو برنامج الحفلة؟".


" لا أذكر البرنامج بكامله ولكنهم سيعزفون سيمفونية (العالم الجديد) ".


ناول ماتيو أثنين وقال:


"هل تأخذهما؟".


" بالطبع. ومع الشكر(نظر الى لورين) لدينا موعد لنسمع الموسيقى".


هزت لورين رأسها موافقة وقالت:


" وأنا أحب الأستماع الى سيمفونية( العالم الجديد) ".


قال جان لآن:


" هل أبقي لنا تذكرتين؟".


قالت آن مبتسمة:


" وأنا أحب أن أرافقك بكل سرور, ولكن أليس من الأفضل أن تدعو مارغو عوضا عني؟".


(ثم سألت)


" الأماكل الأربعة متجاورة؟".


" نعم".


" كيف سنذهب؟ ربما يكون مزعجا أن تمر لتأخذني مع أنك تعيش مع لورين في منزل واحد...".


قال جان مازحا:


" سأمر عليك يا آن في الوقت المحدد".


قال ماتيو:


" وأنا سأمر على فتاتي الجميلة أيضا لأصحبها".


قالت آن:


" أتفقنا أذن , شكرا يا جان على الدعوة".


هز جان كتفيه دون أكتراث وسحب نفسا عميقا من سيكارته, فتحت آن مفكرتها وقالت:


" أقترب عيد الميلاد( نظرت الى لورين) هل أشتريت جميع الهدايا؟".


" ليس بعد (نظرت الى ماتيو) علي أن أزيد في لائحة الأهل لهذه السنة, لدي عمي , زوج أمي , وكذلك شقيقي...".


أمسك ماتيو لورين بشعرها قائلا:


" اذا تفوهت مرة ثانية بكلمة(شقيقي) سأضربك يا آنستي , أنا صديقك ولست شقيقك".


وترك شعرها ينسدل مرة أخرى.


بدأت لورين تفرك فروة رأسها من الألم الذي سببه لها ماتيو , قالت:


" حسنا يا صديقي... ولكنني لا أعرف ذوقك وما تحب أن أشتري لك من هدية...".


" وأنا أيضا لا أعرف ذوقك ومع ذلك سأشتري لك شيئا ... أخبريني , هل يعجبك خاتم ماسي في أطار من البلاتين؟".


دار رأس لورين, صعقت ولم تدر ما تقول.


أكمل ماتيو قوله:


" أهدئي , من يسمعني يعتقد أنني أتقدم لخطبتك ... وهل يعقل أن أفعل مثل هذا أمام الجميع؟".


نظرت آن اليه مبتسمة بينما بقي جان صامتا جامدا وأشعل سيكارته الثالثة وسحب منها نفسا عميقا.


تنهدت آن وقالت مازحة:


" أين أجد صديقا يقدم الماس مع البلاتين؟".


ضحكوا جميعا , نظرت آن الى ساعتها تستطلع الوقت وقالت:


" آسفة جدا ولكن وقت عودتي قد حان".


شكرت جان على السهرة اللطيفة في غرفته, وعرض عليها ماتيو أن يوصلها بسيارته فشكرته ممتنة.


نزلت لورين لوداعهما ثم عادت الى غرفة جان لتساعده في التنظيف , ساعدها جان في جمع الصحون والكؤوس ووضعها في الصينية المخصصة لها وقال لها:


" سأساعدك في غسلها".


" لا , شكرا , لا يضايقني تنظيفها وحدي".


" كما تريدين".


وتلامست ؟أيديهما عفوا وهما يتناولان بعض الكؤوس , التهبت يدها من حرارة يده, نظرت اليه ونظر اليها , وتشابكت النظرات. كانت تعابير عينيه تخيفها وتثير أشجانها وعواطفها الكامنة, شعرت بانجذابها اليه رغما عنها.


رفع حاجبيه متسائلا:


" ماذا حصل؟".


احمرت وجنتاها وحملت الصينية وركضت خارجة من الغرفة وهي واثقة من أنه يقف مبتسما ابتسامة النصر.





زونار 22-06-09 06:21 PM

7- وحيدة , ولكن...


اشترت لورين ثوبا جديدا لحضور الحفلة الموسيقية, انتقته من اللون الأسود , مفتوح الصدر يظهر جمال جيدها بشكل مغر , قالت بريل عندما ألقت عليها نظرة:
"الفستان أنيق يبرز جمال عنقك يا صغيرتي ويزيد من بياض بشرتك ".
مشت لورين الى والدتها بغنج ودلال وقبلتها شاكرة.
" هنيئا لي فأنني أحظى بكل مديحك يا أماه , رشي لي بعض الملح خوفا من أن أصاب بالعين الحاسدة , مديحك يرفع من معنوياتي ويطيب لي سماعه في كل وقت".
" ولكنني أقول الحقيقة , لقد تغيرت كثيرا وأصبحت شابة فاتنة بعدما خرجت من قوقعتك".
" لا زالت القوقعة قريبة مني وسأدخلها متى أحتجت الى الأنزواء , لا أحد يعرف مكان وجودها أو يراها سواي".
" صحيح(. ضحكت بريل ) اليك عقدي الؤلؤ , ألبسيه في جيدك فأنه يضغي على الثوب جمالا ويزيدك فتنة, هل ستذهبين برفقة جان الى الحفلة الموسيقية؟".
" لا , سيمر علي ماتيو لأن جان سيذهب برفقة آن".
" ولكن هذا التدبير سخيف... أنت وجان تعيشان في منزل واحد".
" ومع ذلك يريد الذهاب برفقة آن".
حضر ماتيو بعد قليل , وعانق بريل ولورين مرحبا. ألقى نظرة الى ثوب لورين الجديد وصفر اعجابا بعد أن أطرى جمالها.
كان جان وآن ينتظرانهما في مدخل قاعة الحفلة الموسيقية, دخلت لورين برفقة ماتيو وتنفست الرائحة العطرية التي كانت تعبق في مدخل القاعة من وجود مزهريات كبيرة مليئة بالزهور في المدخل, كأن الربيع قد أقبل برياحينه العطرة, أرض المدخل مفروشة بالسجاد الطري مما زاد في راحة الحاضرين, أحست لورين ببهجة لم تعرف أسبابها , وفي محاولة لتبرير شعورها المرح قالت في نفسها: سأمضي ساعتين ساحرتين برفقة جان, وسنشارك في سماع الموسيقى التي نحب....
بدأت حشود الوافدين تتدافع للدخول الى القاعة , كان جان يرفع يده محييا معارفه وأصدقاءه وهو في طريقه الى القاعة مما يدل على كثرة أصدقائه وعلاقاته الأجتماعية الطيبة في محيط عمله, أكثر أصدقائه من رجال الصحافة أو العاملين فيها , كان بعض أصحابه يقف ليعرفه على فتاته وهو بالتالي يعرفهم الى ضيوفه, كان يقف في بعض الأحيان يتكلم معهم في شؤون العمل ولو لدقائق قليلة....
وأخيرا وصلوا الى المقاعد المخصصة لهم , دخلت لورين وتبعها ماتيو ثم جلست آن وأخيرا دخل جان ليجلس قربها , مقعدها بعيد كثيرا عن مقعده... ربما تعمد ذلك ليبتعد قدر الأمكان عن الأرتباط بها , وللحال تعكر مزاجها وبانت خيبة أملها في عينيها.
نظرت من مكانها تراقبه, كان يقترب برأسه من رأس آن وهما يقرآن معا برنامج الحفلة المقرر, شعرت لورين بالغيرة تملأ كيانها ولكنها ضبطت أعصابها على الفور اذ ليس من المعقول أن تغار من أقرب صديقة

لها, غيرتها الآن لا مبرر لها , ولكنها حسدتها لقربها منه ولمشاركتها اياه في قراءة البرنامج بشكل ودي.
سحب ماتيو يدها واحتواها بين يديه وقال متوددا:
"ما بالك يا حبيبتي سارحة في بحر أحلام اليقظة ... تعابير وجهك تنم عن بعض الأنزعاج وقد غابت الفرحة التي كانت تطل من عينيك منذ فترة قصيرة, ما الأمر؟".
تمتمت معتذرة:
" آسفة يا ماتيو".
دخل أفراد الأوركسترا وجلس كل في مكانه , ناولها ماتيو برنامج الحفلة
وقرأه معها ورأساهما متقاربان بود ظاهر, قبلها ماتيو قبلة أخوية على خدها وتمنت لو شاهد جان ذلك.
قالت آن تخاطب جان: " أنظر الى عصفوري الغرام هذين".
ضحك ماتيو من قولها وأعاد الكرة.
الفصل الأول من الحفلة الموسيقية ضم موسيقى لبيتهوفن , وموسيقى لمؤلفين معاصرين , صفق الحاضرون تصفيقا حادا بعد انتهاء القسم الأول وخرج قسم منهم في فترة الأستراحة في طلب الشراب والتدخين.
قالت آن تخاطب ماتيو ولورين:
" جان يريد بعض الشراب , ما رأيكما؟".
هزت لورين رأسها موافقة وخرجوا جميعهم ببطء وتكاسل, ذهب جان وماتيو وعادا بالشراب المطلوب, سلم جان وهو في طريقه اليهم على المزيد من الأصدقاء والصديقات, ثم أنتحى جانبا يتكلم مع فتاتين جميلتين.
قالت لورين في نفسها: لا بد وأنهما ينتظران دورهما للدخول الى حديقته...
كان جان يتكلم مع كل فتاة منهما باسهاب.
قالت آن تعلق:
" ما هذا يا جان".
ضحك جان بانزعاج واضح بينما علق ماتيو قائلا:
" لا تسألي أسئلة محرجة حتى لا تتلقي أجوبة محرجة...".
قال جان:
" أنهما صديقتان قديمتان".
ولم يرد أن يزيد في الكلام.
قالت لورين بخبث:
" هل هما وردتان قطفتهما من حديقتك؟".
استغربت آن جرأة لورين على غير انتظار , بينما ضحك ماتيو كأنه يسمع نكتة فاضحة وبدا على جان أن لديه رغبة أكيدة في خنق لورين بيديه...
قرع جرس ايذانا ببدء الفصل الثاني من الحفلة الموسيقية, دخلوا من جديد ألى أماكنهم المخصصة , ذهبت لورين برفقة آن الى غرفة السيدات ولكن آن تركتها وعادت الى القاعة ولم تنتظرها , وحين عادت لورين وجدت أن آن قد تعمدت استبدال مكانها معها, دخلت آن وجلست في بداية الصف بالقرب من ماتيو وتركت لورين تجلس بين ماتيو وجان.
حين جلست لورين في المكان الذي ترك لها شعرت أن جان قد تضايق من الترتيب الجديد , نظر اليها في الضوء الخافت نظرة مقرفة كأنها قازورات تركت على عتبة بيته.
قالت لورين ببراءة:
" هذه الفكرة ليست من تدبيري".
قال جان:
" أنها ليست أيضا من تدبيري".
ورمى بالبرنامج في حضنها.
أدركت من تصرفاته أنه لن يتقاسم واياها البرنامج كما فعل مع آن , لن يلمس رأسها برأسه أو يده بيدها... دمعت عيناها دون أرادتها .
أخذت البرنامج ورمته في حضنه من جديد , تناوله كارها ولم ينبس ببنت شفة , أما ماتيو وآن فكانا يتحادثان حديثا طبيعيا كأن شيئا لم يحدث...
بدأت الموسيقى الساحرة تنساب , تشنجت لورين بعصبية من وجود جان قربها , اختل توازنها واهتاجت عواطفها ولم تدر كيف تهدىء من روعها , تفكيرها تركز في كونه قريبا منها , بدأت تتململ في مقعدها وتعبث بأصابعها في حقيبة يدها, خلعت قفازاتها , طوت رجليها ثم فردتهما وغيرت جلستها.
تنهد جان في أذنها وفهمت أنه انزعج من تحركها الدائم , حاولت أن تخفف من حركته ولكن يدها عادت تعبث في حقيبة يدها بحركة عصبية.
قال يخاطبها بلهجة آمرة:
" أجلسي هادئة يا أمرأة, هيا أعطيني يدك".
أطبق بأصابعه فوق يدها وتمتم:
" بحق السماء اهدئي ودعيني أستمع الى الموسيقى , وأن لم تهدئي سأمسك بيدك الأخرى أيضا".
ارتبكت لورين من تصرفاته ونظرت حولها تستطلع , هل شاهد ماتيو ما حصل بينهما؟ ولكنه كان يجلس مأخوذا بسحر الموسيقى التي كانت تملأ القاعة بأنغامها الخلابة.
حاولت لورين أن تتملص من قبضته , ولكنه كان قد صمم على أن يبقي يدها بالقوة بين يديه, وببطء زال توترها تدريجيا واسترخت أعصابها وشعرت أن تشنجها قد هدأ , استراحت وتركت للموسيقى أن تملأ كيانها.
الموسيقى أعذب وأعمق تأثيرا وهو قربها , شعرت بلمسته ترق وتزداد ودا وحنانا , كان بأمكانها أن تسحب يدها من بين يديه الآن, ولكنها فضلت أن تتركها ترتاح معه , استرقت النظر الى عينيه وكذلك نظر هو اليها نظرة حانية , تبادلا الأبتسام تلقائيا, تفاهما على الفور , وللحظات غمرها سلام وسكينة ... واعتقدت أن ذلك تم بفعل الموسيقى الساحرة التي غمرتها ليس الا
مع أنتهاء الحفلة خرجوا مسحورين مع بقية الحاضرين الى خارج القاعة... الهواء البارد استقبلهم على مدخل القاعة , وارتجفت لورين من شدة البرد.
منتديات ليلاس
نظرت آن الى ماتيو وقالت تخاطب لورين:
" أليس من السخافة أن يوصلني جان الى بيتي بينما أنتما تعيشان في منزل واحد؟".
قال ماتيو:
" هذا صحيح , سأوصل آن في طريقي وأنتما اذهبا معا, مساء الخير وشكرا على الأمسية الحالمة, تعالي يا آن لنخرج بسرعة الى السيارة".
أصبحا في الخارج قبل أن تتمكن لورين من فتح فمها في محاولة للأعتراض.
قال جان مخاطبا لورين:
" الظاهر أننا علقنا سوية من جديد, من المؤسف أن ذلك يزعجك".
وضع يده على ذراعها وسار بها الى سيارته.
" كفى تصرفات طفولية , أنها ليست غلطتي اذا كان صديقك يفضل فتاة أخرى عليك".
دهشت لورين من تفسيره لما حدث, ووجدت نفسها تمشي بصحبته مطيعة صامتة , لم يتكلما في السيارة , وحين وصلا فتحت لورين الباب الخارجي بمفتاحها بينما أدخل جان سيارته الى المرآب, كان المنزل فارغا لأن بريل تمضي سهرتها في الخارج مع جيمس , دخلت لورين الى المطبخ لتصنع شوكولا ساخنة , ووقف جان في الباب ينظر اليها .
سألته:
" سأصنع بعض الشوكولا , هل ترغب في ذلك؟".
كان صوتها باردا كالطقس في الخارج.
" أحتاج لشيء يدفئني( رفع ياقة الجاكيت) توجد رطوبة في هذا الجو .
بقي صامتا بينما انتهت من صنع الشوكولا , ساعدها بحمل الصينية الى غرفة الجلوس ومشت هي باألأبريق , كانا لا يزالان يسمعان صدى الموسيقى الساحرة.
قالت لورين في نفسها:
" أنه الرجل الهادىء ... الرجل الذي أحاول جاهدة أن أصل اليه دون جدوى, أريد الرجل الذي في داخله, والذي يختبىء داخل غلاف سميك من السخرية والخبث.
قال جان ببرودة:
" هل أعجبتك الحفلة؟ هل تمتعت بوقتك؟".
" شكرا, نعم".
نظر الى ساعته ثم وقف وقال :
" حان وقت النوم ( نظر اليها نظرة خبيثة وارتجفت بانتظار ما يمكن أن يحصل) ألن تشكريني؟".
" من أجل التذاكر؟".
" ومن أجل توصيلك الى البيت".
" شكرا للتذاكر ولأنك أوصلتني الى البيت".
هز رأسه غير موافق:
" ليس كما يجب! أريد شكرا يوازي ثمن ما تكبدت من مصاريف ( استغربت وبدأت تشك) ألا تعرفين ما أقصد؟ وماذا ينتظر الشاب عادة من الفتاة التي يعود بها لبيتها؟".
" لا تكن غبيا, الأمر معنا مختلف".
" لماذا ؟ أنا لا أوافقك الرأي".
حاولت أن تتكلم في أي شيء اتبعد أفكاره عنها:
" لقد سررت بالحفلة ".
" لقد قلت ذلك من قبل".
أقترب منها ببطء.
" الأوركسترا عزفت... بمها...رة".
" أجل".
اقترب منها أكثر.
خافت من النظرة التي ارتسمت على وجهه وبدأ قلبها يسرع في ضرباته, ابتعدت الى الوراء ولكنه تبعها ببطء وتصميم حتى وصلت الى النافذة , أمسك بها , حبست أنفاسها , ليس هناك مهرب , ولم يعد بمقدورها المقاومة أو الأبتعاد , نظر الى وجهها وهو يبتسم وقال:
" هيا أنني أنتظر أن تشكريني".
لم تستطع أن تفعل , ارتبكت.
" أغلقي عينيك وتخيلي أنني دواء مر عليك شربه والأنتهاء منه".
ضحكت بعصبية وترددت , لم تستطع.
" ربما من الأفضل أن تتصوري أنني ماتيو أمامك... ربما يساعدك ذلك...".
مال نحوها ينتظر وأدركت أن لا مفر من تلبية رغبته.
" مسكين ماتيو, هل تعاملينه هكذا؟".
أحاطها بذراعيه وقال:
" سأعانقك كما أعانق مارغو...".
حاولت الأفلات , قال :
" لا , لا تفعلي ذلك (ابتسم يستفزها ) أن مارغو لا تقاوم , هي دائما مستعدة".
مال عليها فأطبقت عينيها وغابت كليا عن الوجود ... غرقت في عواطفها وعاد وأنتشلها كما ينتشل السباح الماهر الغريق , بقيت جامدة لا تتحرك... لدقائق بقيت مصعوقة.
ابتعدت أخيرا بعد أن تركها , كانت مخدرة , جلست على كرسي قربها , وهما على هذا الحال سمعا مفتاحا يدور في قفل الباب الخارجي , دخل جيمس بصحبة بريل , التقاهما جان عند مدخل غرفة الطعام , وبصعوبة فائقة لملمت لورين توازنها ورحبت بمقدمهما .
نظرت بريل اليهما وقالت:
" هل عدتما؟ كيف كانت الحفلة الموسيقية؟ هل استمتعتما بوقتكما؟".
قال جان:
" تماما , شكرا".
سأل جيمس:
" هل ماتيو هنا؟ أعتقدت أنه سيكون هنا؟".
فقالت لورين:
" لقد أخذ آن ليوصلها الى بيتها بينما عدت بصحبة جان".
قالت بريل:
" أعتقد أن ذلك أكثر ملائمة من التدبير الأول , اجلس يا جان , الوقت مبكر جدا لتذهب للنوم".
جلس جان على ذراع كرسي لورين ونظر اليها نظرة خبيثة ساخرة وقال:
" هل تمانعين في أن أشاركك كرسيك؟".
" وهل تهتم كثيرا لرأيي؟".
كانت لهجتها مؤنبة بينما نظرتها تشع حبا.
نظر جيمس اليها وقال:
" تبدين فاتنة يا صغيرتي".
قال جان:
"هي فاتنة دائما وخصوصا عندما تغضب , وهي دائمة الغضب معي".
"هل هذا صحيح ؟ ألا تتفاهمان؟".
" نحن نتشاجر دائما , أنها تصارع بمهارة فائقة وتصارع كل شيء يقف في وجهها حتى القدر".
نظرت اليه لورين مستغربة ما يقول, ولكنه كان يضحك ضحكة خبيثة لم تفهمها , رمته بنظرة مؤنبة قاسية ولكنه لم يحفل بها بل ضحك مقهقها وقال:
" أنظر اليها , أنها تصارعني الآن بنظراتها الحادة".
قدمت بريل فنجانا ساخنا من الشوكولا الى جيمس وجلس يشربه ببطء.
قالت بريل :
" ألا تعتقد أن لورين قد خرجت من قوقعتها؟".
فقالت لورين:
" لماذا تتخيلين يا أماه أنني بزاقة أعيش في صدفة؟".
أمسك جان بوجهها وتفحصها بنظراته الخبيرة وأجاب:
" لا أعرف بالضبط , ولكنني لا زلت أعتقد أن لديها مخبأ سريا صغيرا تهرع اليه متى تريد( أضاف موضحا) لا زلت أحاول أن أغيرها ما استطعت , وأنا دائما مستعد لمساعدتها...".
وقفت لورين بنزق واضح:
" لقد تعبت...".
وقف جان أيضا:
" أفهم ما ترمين اليه ( ضحك جيمس وبريل) مساء الخير جميعا ( نظر الى لورين يستفزها من جديد) مساء الخير يا بزاقة".
رفع يديه ليحمي وجهه وهو خارج من القاعة.
اقترب عيد الميلاد واشترت لورين جميع الهدايا التي تلزمها , صنعت بريل كعكة العيد وزينتها باللوز المفروم , وقررت لورين أن تزينها بطبقة من الكريمة بينما والدتها خارج المنزل , تشنجت وهي تسمع جان ينزل السلالم باتجاهها , وقف في باب المطبخ يراقب عملها وهو يبتسم.
" أنها تسيل اللعاب, كم أتمنى أن أمضي العيد هنا لأشاركك في أكلها ".
نظرت لورين اليه نظرة باردة وسألته دون أكتراث:
"وهل يجب أن تذهب؟".
" نعم , أنها والدتي , لن أتركها تمضي العيد منفردة".
سألها:
" هل لديكم زوار في العيد؟".
هزت لورين رأسها موافقة:
" جيمس وماتيو. سيحضرون كل يوم لعندنا ( نظرت اليه حانقة) هل تريدني في أمر ما؟".
" نعم,تذكرت وعدي لك بكتابة بعض الملاحظات عن عمل الصحافة...".
" أذكر , ولكنني لم أعتقد أنك ستفي بوعدك".
قال ساخرا:
" أنا لا أفي بوعدي؟ هذه صفة من صفاتي الحميدة التي تعتقدين أنني أحملها , ومع ذلك كتبت الملاحظات وهي جاهزة , اذا كنت غير مشغولة الآن يمكننا مراجعتها سويا في غرفتي حيث أشرحها لك( كان يستنزفها من جديد) هذا أذا كنت تثقين بشخص مثلي لا أخلاق له, وقح وصحافي...
" أنا أثق بك".
" هل أنت متأكدة ؟ لو صرخت طلبا للنجدة فلا يوجد أحد في المنزل لنجدتك".
دخلت غرفته متحدية , تبعها وأغلق الباب دونهما ورفع يديه الى أعلى وقال:
" يا ألهي , الفتاة تثق بي...".
ضحكا كثيرا.
جلست على كرسي قرب الطاولة ونظرت الى الأوراق التي أمامها باهتمام وبدأت تقرأ ... توقفت ونظرت اليه مستفسرة:
" لا أفهم كيف يمكن لشاب في مثل ذكائك وعلمك أن يتواضع ويقبل أن يعمل في الصحافة...".
نظر اليها نظرة قاسية وقال:
" قبل أن نكمل عملنا يجب أن أتوقف قليلا لألقي محاضرة ضرورية عليك والا سيكون عملي كله مضيعة لوقتي ووقتك (جلس على كرسي أمامها وطوى رجليه وقال) كرهك واضح للصحافة وخاصة الصحافيين ومع ذلك هل تؤمنين أن القانون يجب أن يغلق مكاتب الصحافة بالقوة ويطرد الصحافيين من عملهم؟".
" طبعا لا!".
" أوه, ولماذا؟".
ترددت كثيرا قبل أن تجيب:
"أعتقد أن لهم دورا في ايصال الأخبار الى عامة الشعب ليعرفوا ماذا يدور حولهم في العالم من الأحداث".
" حسنا , نحن نتفق على دور الصحافي وسنبدأ في الأنطلاق من هذا المبدأ ... هناك أحداث تجري خلف الكواليس ولا يراها الناس , ولكن الصحافي يبرزها في أخباره من أجل المصلحة العامة وينشرها في جريدته. هل توافقين؟( هزت لورين رأسها موافقة) يجب عليك الآن الأعتراف بأن ربط الأحداث يتم بواسطة الصحافة اليومية , ويقوم بها المخبر الصحافي المدرب والمتخصص في كشف المعاني الخفية التي تدور خلف الأحداث".
وقف جان ينتظر جوابها. كانت لورين تفكر بما يقول ثم هزت رأسهاموافقة مرة ثانية , سره تفهمها لشرحه وعاد يكمل محاضرته:
" يستطيع المخبر أو المراسل الصحافي أن يكشف ما خفي من الأمور للناس العاديين , عمله ضرورة قصوى تعود بالمنفعة العامة على الرأي العام, الا يحق للناس معرفة ما يجري حولهم ؟".
" نعم".
" حسنا , والآن أخبريني : هل جميع الناس في مستوى علمي رفيع كمستواك؟".
" طبعا لا".
" أهم وظيفة للصحافي هي الأتصال بالرأي العام وعليه بالتالي أن يستعمل لغة سهلة ليفهم غالبية الناس ما يقول لهم في جريدته".
هزت رأسها موافقة.
وأكمل يقول:
" لا يمكن للصحافي أن يكتب بلغة أدبية رفيعة ويستعمل كلمات لا يعرفها الا المتعلمون والمتخصصون في الأدب واللغة , والا لما اشترى الجريدة من لا يفهم ما كتب فيها , الصحافي في رأيك يضر بالأدب واللغة ويقلل من شأنها لأستعماله الكلمات البسيطة والسهلة ذات الحروف القليلة والمقاطع الواحدة , لكن المراسل الصحافي يستعمل هذه الكلمات فقط ليتسنى لتسعة من عشرة فهمها".
صمتت لورين وهزت رأسها موافقة من جديد على كل ما قاله , أنه على حق, نظر اليها في صمتها يراقبها , ثم مد يده اليها قائلا:
" أتفقنا , سلام".
وضعت يدها في يده وقالت ببراءة:
" هل تقصد الصلح بيننا؟".
" بالطبع( أمسك يدها برقة ولطف) لقد تفاهمنا حقا على الخطوط العريضة.( ابتسم أبتسامة عريضة) . وكما يقول عامة الناس : سلام دائم ".
تابعا عملهما بكل تفاهم وأخيرا توقف قائلا:
" أحتاج لبعض القهوة, هل يمكنك صنعها؟".
قامت لورين مسرعة ونزلت الى المطبخ وتبعها جان ليساعدها , حمل الصينية الى غرفته بعد أن أنتهت من صنع القهوة وشرباها في الغرفة وأكملا عملهما:
قال:
"هذا أحسن".
" ماذا؟".
" أن نتفاهم معا بسلام , الحرب بين الأمم مضنية وكذلك بين الأفراد , هي أكثر ايلاما خاصة عندما يكون الخصم فتاة ذكية جذابة ومثيرة ومولعة بالقتال.( تشنجت لورين على الفور ولكنه طمئنها قائلا) أهدئي , عليك الأمان".
رن جرس الهاتف... ركضا سوية ولكن جان قال:
" أبقي مكانك واذا كنت مطلوبة على الهاتف سأناديك...".
نزل مسرعا وسمعته لورين يقول:
" مارغو؟ ماذا تريدين؟ لا أفهمك؟ ماذا؟ وصلت الآن من حفلة؟ أنا؟ أنني مشغول الآن . نعم أعمل مع الآنسة فارس , أعرف أنها معلمة (ضحك) وأعرف أنني لن أتوصل معها الى نتيجة . سأجرب دائما .( بدأت لورين تجمع أوراقها لتغادر غرفته) لا أعتقد أنك تغارين من الآنسة فارس , لا , كما تقولين هي لا تناسب ذوقي... يمكنك الحضور اذا كنت ترغبين".
وضع السماعة وقفز السلالم وأمسك بلورين وأدخلها الى غرفته من جديد.
" ألى أين تذهبين؟ لم ننه عملنا بعد!".
" أعتقد أننا أنتهينا وعلي أن أفسح المجال للزائرة الجديدة".
" بل ستمكثين".
" لا يمكنني , ( أغلق الباب بالمفتاح).
" ستبقين هنا , لدي أسبابي...".
أجلسها عنوة على كرسي وقال:
" والآن أين وصلنا في بحثنا؟".
" أرجوك, أريد أن أخرج".
" لا, حتى لو تهجمت علي كما فعلت من قبل..".
رن جرس الباب الخارجي, تبعته لورين تريد الخروج في أثره , دفعها الى الداخل وتركها داخل الغرفة , وجدت لورين أن عليها أن تقبل بالأمر الواقع وتهييء نفسها لمقابلة مارغو ... منافستها تحتاج لتوازنها وتفكيرها السليم.
ابتسم جان بخبث وهو يواجههما ببعض , استدارت مارغو معترضة بوقاحة:
" يا عزيزي , أعتقدت أنك وحدك في الغرفة".
ابتسم ابتسامته الخبيثة وقال:
" لا أستطيع أن أخرج أمرأة من حياتي لو رغبت هي التشبث بي... أليس كذلك؟".
ابتلعت لورين غضبها وشحب وجهها , اقترب جان منها وجذبها لتبقى في جلستها , حاولت التملص ولكن أظافره اشتبكت في ذراعها بقوة وخشونة.
قالت مارغو:
" ماذا تنوي يا عزيزي؟ هل تريد أن نتنافس من أجلك؟".
" ربما أجعلكما تغاران".
" لن أغار لأنني واثقة من أنك لي وحدي".
جذبته ليجلس على كرسي قربها ثم وضعت ذراعيها حوله.
" لماذا لا تغازلني؟".
سايرها جان حسب رغبتها ثم أبعدها عنه بقسوة.
قال:
" أنت تحلمين... عليك أن تستفيقي يا صغيرتي".
هزت مارغو رأسها ببطء وقالت:
" ولكنني أفضل أن أبقى هكذا حتى أتصرف بحرية أكثر وأنسى خجلي".
ضحك جان ساخرا وقال:
"أنت تخجلين؟( التفت الى لورين وخاطبها) هل لديك مزيد من القهوة الساخنة؟".
قالت لورين:
" أما سمعت الآنسة فرنش؟أنها تفضل أن تبقى على حالها...".
خرجت لورين من الغرفة وتبعها جان قائلا:
" لا تكوني لئيمة...".
التفتت لورين اليه بنزق وقالت:
" وماذا تنتظر مني؟ أنت تريدني أن أبقى في الغرفة لتجعل فتاتك تغار... ولتعرض علي تفوقك مع الجنس الآخر, ثم تنتظر مني أن أساعدك".
أفلتت زمام الأمور من يدها ولم تعد حذرة في كلامها أو تصرفاتها , ارتفع صوتها غاضبا وهي تحاول أن تمسح دموعها المتساقطة , التفتت اليه قائلة:
" لماذا لا تعود الى فتاتك وتعطيها ما تطلب منك بحرية؟ أم أنك لا تستطيع أرضاءها... من الواضح أنها سترضخ ****ة , أنها صيد سهل وأنا لست كذلك, عليك أن تبذل جهدا أكبر في أصطيادي , أليس كذلك؟ لا تهتم بأمري أرجوك".
انسابت دموعها سريعة على خديها وسمعته يقول:
"سأعمل بنصيحتك يا عزيزتي".
دخل غرفته وأغلق الباب.
ذهبت لورين الى غرفتها حيث جلست على سريرها وغطت وجهها بيديها وبكت بحرقة, كانت تبكي وحدتها , الآن كما في السابق هي فتاة وحيدة وستبقى وحيدة. ليس بمقدورها أن تجذب رجلا ولن تستطيع أن تنافس أية أمرأة , وخاصة اذا كانت المرأة مثل منافستها , مارغو...
خرجت مارغو بعد قليل من غرفة جان وغادرت المنزل, كانت لورين لا تزال تنتحب في غرفتها , قامت من جلستها تريد أن تحضر نفسها للنوم الباكر, لبست روب البيت وخرجت قاصدة الحمام.
فتح جان باب غرفته يريد دخول الحمام أيضا, بدت ربطة عنقه محلولة وقميصه مفتوح الصدر الى الخصر ... نظرت اليه لورين نظرة قاسية, جمد في مكانه بعد أن شاهد احمرار عينيها وتورمهما من كثرة البكاء, أراد أن يقترب منها يلطف من حالها ولكنه أمسك نفسه وعاد الى غرفته وأغلق بابه ينتظر أن تنتهي...
في المساء التالي حمل جان صحونه الوسخة من غرفته ليضعها في المطبخ, ناولها الى بريل التي كانت تقف على المغسلة تغسل الصحون , كانت لورين قد حضرت نفسها للخروج بصحبة ماتيو.
تجاهلها جان وتكلم مع بريل , استدارت لورين وقالت له بطريقة تبدو عفوية:
"نسيت أن أشكرك لمساعدتك لي البارحة , أنني ممتنة من ملاحظاتك القيمة ونصائحك المفيدة".
هز جان رأسه ولم يتكلم.
أكملت لورين قائلة:
" سأجرب ملاحظاتك مع تلميذاتي في المدرسة".
هز جان رأسه أيضا ولكنه لم يتكلم ظل وجهه قاسيا باردا خاليا من التعبير, رن جرس الباب وركضت لورين تفتح , حضر ماتيو وفتح ذراعيه ليحتويها, هرعت لورين اليه وللحال عاد جان الى غرفته صامتا.
ذهب ماتيو برفقة لورين لمشاهدة مسرحية يقوم فريق من الهواة بتمثيلها من تأليف الكاتب الساخر برنارد شو. قام الممثلون بأدوارهم خير قيام مما أدهش المشاهدين , واستقبلوهم بالتصفيق الحاد والحماس...
وبعد المسرحية تناولا طعام العشاء في مطعم قريب من المسرح سألها ماتيو دون مقدمات:
" هل لا زالت عواطفك متعلقة بجان؟".
هزت لورين رأسها موافقة وقالت:
"" أنا آسفة يا ماتيو...".
ضحك ماتيو بخبث وقال:
" أعتقدت ذلك لأنك لا تشعين سعادة الا في وجوده".
قالت بانزعاج:
" هل حبي له بهذا الوضوح؟".
" أنا خبير في هذه الأمور ... ومع ذلك فلن أفقد الأمل".
أوصلها الى البيت وعانقها مودعا, نزلت لورين من السيارة ورفعت يدها تودعه بينما أكمل ماتيو طريقه وأختفى في الظلام.

زونار 22-06-09 06:27 PM

8- وأنت بعيد
آخر يوم من الفصل الدراسي والجميع تعبون مرهقون ينتظرون العطلة بفارغ الصبر, لقد انتهت أمتحانات الفصل, والتلميذات ينتظرن موسم الأعياد والميلاد لينلن بعض الراحة من هموم الدراسة , أرادت لورين أن تطرح موضوع الصحافة عليهن للمحادثة وفي اعتقادها أنه سيطرد الملل من رتابة الدراسة , ويجلب بعض البهجة والمرح لنفوسهن , دخلت الصف وقد ملأت حقيبتها بالجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية.
منتديات ليلاس
من الصف الأول التكميلي اللا صف المتخرجات , تجاوبت التلميذات معها بحماس ورغبة , فرشن الجرائد على الأرض ودرسن أسلوبها وتبويبها وحاولن تصنيفها وتحديد أهدافها ونوع قرائها.
لاحظن كيف تكتب القصة الواحدة بطرق مختلفة بين جريدة وأخرى , قانَ أسلوب السرد وتراكيب الجمل وقصرها , وعدَدن مقاطع الكلمات وحروفها بين المجلات الأسبوعية والجرائد اليومية.
قصصن تقارير الحوادث التي مرت بهن ووضعنها على ورق مقوَى وعلقنها على خشبة الأعلانات في الصف, استطاعت لورين أن تقودهن في آداء هذه التمارين باتباع الملاحظات التي قدمها جان , وكذلك ناقشت واياهن بعض الآراء , مثلا: كيف تساعد الجرائد اليومية في تكوين الرأي العام؟ كيف يمكن لبعض الجرائد المأجورة أن تدس معلومات مغرضة على أنها حقائق مسلم بها؟
" في الفصل المقبل سيكون عليكن تقديم تقرير عن صناعة الصحافة ( ثم أقترحت) في الوقت الحاضر عليكن دراسة ما أمكن من الجرائد اليومية ومطالعتها بما تسمح به ميزانية كل تلميذة لشراء الجرائد".
في فرصة الساعة العاشرة أخبرت لورين صديقتها آن عن تجربتها المثيرة , تجمع حولهما بعض المعلمين والمعلمات ينظرون اليها باشمئزاز وعدم رضى, فهمت لورين أن الموضوع لا يروق لهم.
قالت أحداهن:
" لا أحد يجرؤ على تقديم ما قدمت في صفوفها".
أيقنت الآنسة فارس أن القصة ستصل الى مسامع المديرة قبل المساء, لأن أحدى المعلمات سألتها:
" هل أستأذنت المديرة لتقديم هذه التجربة في صفوفك؟ لا يمكنك أن تعتبري هذا الموضوع من ضمن المنهاج المقرر..".
اعترضت الآنسة غريمسون وهي معلمة متقدمة في السن وصديقة للرئيسة قالت:
"عملك لن يفيد التلميذات للنجاح في الأمتحانات الرسمية , وهذا في رأيي ما ينتظر الأهالي مقابل الأقساط الباهظة التي يتكبدونها في تعليم بناتهم".
قالت لورين تدافع عن نظريتها:
" ربما أنت على حق, فالموضوع لا يدخل في صلب المنهاج ولكنه يساعد الفتيات على استعمال عقولهن وتفكيرهن ويتيح لهن فرصة للتعرف على ما يجري حولهن في العالم الخارجي... خارج أسوار هذه المدرسة القديمة والمحافظة".
قالت آن:
" يا ألهي كم تغيرت أفكارك , لديك جرأة كبيرة لم أعرفها فيك من قبل, ربما هو من تأثير صديقك الصحافي عليك...".
" لقد ساعدني جان كثيرا في تغيير بعض آرائي ( هزت رأسها بمرارة) وعندما يجد الوقت لذلك, فالحسناء اللعوب مارغو تأخذ معظم أوقات فراغه".
نظرت آن اليها آسفة:
" لا بد أنك تجابهين منافسة عنيدة , أنها حسناء فاتنة, أنيقة الملبس وتملك جاذبية لا تقاوم ولا ينقصها سوى الذكاء.... وعندما تتحلى الفتاة بجميع تلك الصفات فلن تحتاج للعقل".
أخبرتها لورين ما حصل معها حين كانت تعمل على هذه الملاحظات في غرفة جان, وكيف حضرت مارغو واستولت على أنتباهه عنوة....
عبست آن:


" ولماذا رغب في أبقائك معه؟".


" فقط ليزيد من لهيب غيرتها... أليس كذلك؟".


" ولكنه لا يحتاج لذلك. فهي دائما تشده اليها متى رغبت , وحتى حين تنبهر برجال آخرين لا تتخلى عنه , لقد اعترف هو بذلك , هناك لغز محير , على كل يا عزيزتي , تخلصي منه وأطرديه من كيانك وتفكيرك ... هذه نصيحة من صديقتك آن , أبعديه عن حياتك وركزي أهتمامك على ماتيو, هو متيم بحبك , وينتظر أشارة منك ليتقدم لطلب يدك , أنه شاب طيب وتتمناه كل فتاة".


انتهى الفصل , وبقي أسبوع واحد قبل حلول عيد الميلاد, نزلت لورين الى السوق واشترت ما يلزمها من الهدايا , وقفت في الصف في موقف الباص تنتظر دورها لتصعد عائدة بمشترياتها الى البيت , اقتربت سيارة جان من الموقف وفتح لها الباب قائلا:


" أدخلي يا لورين".


دخلت بسرعة وشكرته , وضعت مشترياتها قربها في السيارة وتابع سيره وسط الظلام والأزدحام.


" هل تنتظرين العيد بفارغ الصبر؟".


" تقريبا , وأنت؟".


" تقريبا (ردد نفس كلماتها , ضحكا سوية ثم أكمل يقول) أنا ذاهب غدا".


كانت تعرف ذلك جيدا, ذهابه يقلقها ويزعجها ويطرد النوم من عينيها , وكيف ستفرح أو تمرح وهي تشتاق لرؤية وجهه وسماع صوته البعيد عنها؟


" وهل تشفقين على صحافي وحيد يا لورين وتقبلين دعوته للعشاء؟".


فوجئت بدعوته وطريقته في الكلام, وبقيت دقائق تفكر بما تجيب,


| أذا كنت مشغولة فلا تهتمي , لن أحزن كثيرا وأنت تعرفين جيدا أن عواطفي بليدة".


أجابته بتردد:


" ليس لدي ما أفعله, شكرا, يسرني أن أرافقك خاصة وأن ماتيو لن يحضر هذا المساء".


" ومارغو مشغولة في تجربة ثوب العيد الجديد".


ضحكا سوية من جديد ثم قال:


" نحن وحيدان , كلانا بعيد عن رفيقه المختار".


هزت رأسها موافقة واستدارت بوجهها تتلهى بالنظر عبر النافذة , وتشاهد المارة محملين بالهدايا والأكياس والمشتريات ينتظرون في صفوف طويلة دورهم للصعود الى الباص والذهاب الى بيوتهم.


" هل تمانع والدتك؟".


" لا , سيحضر جيمس للعشاء وبالطبع سيفضلان الأنفراد , بعد العشاء, لديهما موعد للسهرة عند صديق".


" سأمر عليك في السابعة والنصف".


قال وهو يدخل سيارته الى المرآب.


" سأنتظر سماع جرس الباب بفارغ صبر".


" بل سأقرع على باب غرفتك قرعا عنيفا خاصة اذا تأخرت دقيقة واحدة, ثم سأفتح الباب وأخطفك".


كانت السعادة تغمرها وهي تخبر والدتها بموعدها للعشاء مع جان, نظرت اليها بريل متعجبة وسألتها:


" وهل يعلم ماتيو؟".


" ماتيو؟ وما شأنه؟ على كل لن يحضر هذا المساء , وكذلك فهو لن يمانع".


" فقط كنت أتساءل يا صغيرتي... أنا ووالده...".


ركضت لورين هاربة من المطبخ حتى لا تسمع تكملة الحديث. لورين وماتيو... وماتيو ولورين... من الواضح أنهما ربطا الأسمين سوية...


أرتدت لورين ثوبها الذي أحضرته لحضور الحفلة الراقصة , كان ثوبا رقيقا وقد أعجب جان به, خرجت من غرفتها والتقته في الممر ينتظرها. نظر الى ساعته وقال:


" خمس دقائق قبل الموعد المحدد, هذا مدهش لفتاة في مثل جمالك...".


" أنا لا أحب سماع المديح".


نزلت السلالم ركضا لترتدي معطفها وتخرج معه.


" هذه مشكلتي الكبرى معك".


تمتم وهو يتبعها:


" وأنت تبدو وسيما".


" وأنا لا أحب سماع المديح".


ثم ضحكا سوية, نظر اليها وسألها:


" لا أعرف سببا لمرحك وأنشراحك ( كان ينظر اليها بخبث) ستخرجين معي وليس مع ماتيو...".


" وهل أبدو بديلة مناسبة لمارغو؟".


" لا يوجد بديل لها".


ردد الكلمات كأنه يردد دعابة في التلفزيون.


كلماته أزعجتها وخففت من فرحتها, قالت:


" الى أين سنذهب؟".


" الى مطعم الصنوبرة, مطعم حديث ذهبت اليه في دعوة صحافية أنهم يقدمون طعاما شهيا وجوَه ودي".


المطعم حديث البناء , أنواره خافتة وجوه مريح, كانت الفرحة تغمر لورين وهي تجلس بجوار جان في أريكة لأثنين وفي زاوية منعزلة, لائحة الطعام مطبوعة على شكل كتاب أنيق , ألقت لورين نظرة سريعة على الأسعار وقالت:


" من الواضح أن الطعام باهظ الثمن يا جان".


" أنا سأدفع يا لورين, هيا أختاري ما تريدين, أنها فرصة سانحة , نادرا ما يخرج الشاب مع فتاته الثانية( ابتسم أبتسامة عريضة واقترب بوجهه منها) عليك أن تقتنصي هذه الفرصة وربما لن تسنح لك مرة ثانية".


ولماذا؟ هل ستطلق العزوبية وتتزوج؟".


راقب جان لائحة الطعام التي بين يديه بامعان ثم قال:


"ربما".


" هكذا أذن( غمرها الأسى والحزن) توصلت مارغو معك الى المستحيل... لو أوقعت بك وأحكمت الطوق حول عنقك وقامت بتدريبك لأصبحت الزوج المطيع المكافح, ابتسم ابتسامته المرحة ونظر الى لائحة الطعام من جديد كأنه يقرأ نكتة وقال:


" أنت على حق, كل أمكانياتي ستنفجر بعد أن أضع خاتم الزواج في بنصر فتاتي".


حضر الخادم وطلب جان الطعام بينما حدقت لورين حولها في الحاضرين , معظمهم من العشاق الشباب , نظرات الحب والوئام تلفهم, حسدتهم على تفاهمهم بينما قررت أنها وجان يجلسان متباعدين أكثر من أي أثنين في المطعم.


قال جان:


" والآن بعد أن راقبت المحيط حولك بتمعن أدهش الصحافي الخبير , أخبريني يا آنسة فارس عن ملاحظاتك...".


هزت رأسها نفيا وسرت لأن الأنوار الخافتة ستخفي أحمرار وجهها , ولكن ارتباكها فضحها وأصر جان على معرفة رأيها قائلا:


" هيا أخبريني... لقد أثرت فضولي , ما رأيك؟".


" جو مشحون بالعواطف , وهذا يؤثر كثيرا على الآخرين".


" ماذا أيضا ؟( نظر الى العشاق المتهامسين وابتسم أبتسامته المرحة ) فهمت سبب أرتباكك وهذا شيء يسهل تداركه".


اقترب منها حتى ألتصقت ذراعه بذراعها , تراجعت لورين قليلا .


أنزعج جان وقال:


" ولماذا فعلت ذلك؟".


" وكيف نستطيع أن نأكل ويدانا متلاصقتان؟".


ضحك جان لتعليقها وقال:


" هذا كل ما في الأمر, أذن سنعود ونتقارب وقت تناول القهوة( نظر اليها يستفزها) أنا دائما مستعد للأقتراب ما أمكن من فتاة فاتنة".


كلمات قاسية وجارحة , هي بالنسبة اليه فتاة, أي فتاة, فتاة دعاها للعشاء حين تعذر عليه العشاء برفقة مارغو.


أنتهيا من تناول الطعام وشرب القهوة, أحست بيده تلامس شعرها المنسدل وتداعبه بحنان, ثم زحف بذراعه وأحاط خصرها , تشنجت ولم تدر ما ينتظرها , تمتم باسمها بحنان: لورين... لورين.


استدارت اليه ولاحظت أنهما ليسا وحدهما , لقد انتصب رجل طويل أمامهما.





قال الرجل:


" هذا أنت يا جان!".


سحب جان ذراعه وتبدل مزاجه على الفور, قست نظاته وجمدت تعابير وجهه.


" أهلا يا جيم, ماذا تفعل هنا؟ كنت أعتقد أنك لا ترغب في زيارة المطاعم الباهظة الأسعار...".


" هذا صحيح. ولكنني هذه الليلة أريد أن أبهر فتاة جميلة قابلتها( نظر الى لورين وقال) أنا واثق أننا التقينا في مكان ما!".


قال جان:


: نعم, التقيتها في مكتبي يوم حضرت لتستعير مفتاح البيت...".


قال جيم:


" نعم,تذكرت, ولماذا تخجلين كثيرا يا معلمة المدرسة الصغيرة؟".


قال جان:


" لأول مرة في حياتك أصبت في تفكيرك".


بدا عليه الأنزعاج لوجوده.


صفر جيم وقال:


" يا آلهي, لو كانت معي آلة التصوير ... أنتظر حتى أخبر الشباب في الغد".


أمره جيم قائلا:


" أتركنا وشأننا وأذهب الى فتاتك الجميلة".


قال جيم:


" وهذا يعني أنك تريد أن تنفرد بفتاتك الجميلة أيضا, فهمت".


وبعد أن تركهما جيم بدا الأنزعاج جليا على محيا جان ورغب في الخروج , قال:


"هل أنتهيت من شرب القهوة؟ لنذهب".


دفع فاتورة الطعام وهرع خاجا الى سيارته وهي تلهث خلفه, قالت بعد أن استقرا في السيارة:


" ما الأمر؟ هل تخاف أن يخبر مارغو؟".

" اذا كان تفكيرك يقودك لهذا الأستنتاج ... لا بأس".


هدأت لورين وصممت وهي تحاول أخفاء دموع الخيبة , كانت لا تريد أن تفسد هذه الليلة وذكرياتها الجميلة...".



سألته:



" هل سنذهب الى البيت؟".



" لا , أريد أن أتمشى قليلا, سنذهب الى التلة فوق الحديقة العامة".



ولكن الوقت لا يناسب , الظلام دامس ونحن في ديسمبر (كانون الأول)".



"قلت لك أريد أن أتمشى ... واذا كنت غير راغبة سأوصلك الى البيت وأذهب وحدي".



" لا , أحب أن أتمشى أيضا".



أوقف سيارته وشرعا يصعدان التلة, الظلام دامس ولا قمر ينير طريقهما , أمسك بيدها وقادها صعودا.



الهواء قارس للغاية مما جعل لورين ترفع ياقة معطفها أتقاء البرد الشديد, ارتجفت وودت لو كانت ترتدي كنزة صوفية فوق ثوبها, ومع أن معطفها سميك ومن الصوف الا أنه لا يرد البرد القارس , كانت السماء صافية مليئة بالنجوم , أحاطها جان بذراعه ولف يده على خصرها وشدها اليه وصعدا سوية بسلام, عاد الر جل الهادىء الذي يختفي وراء المظاهر القاسية ... وعاد الرجل الذي تحبه دون جميع الرجال.



قالت مبتسمة:



" من يرانا يعتقد أننا عاشقان".



" أليس هذا صحيحا؟".



استدارت بسرعة تستوضحه الأمر , قال:



"لماذا تتعجبين؟ أنا أحب وكذلك أنت...".



صمتت من جديد وأتهمت نفسها بالغباء لأنها سمحت لآمالها أن تخدعها , قال:



"لماذا الصمت والهدوء؟".



" ألست أنت أيضا صامتا هادئا؟",



" أنا أحب الهدوء".



" وأنا أيضا".



أطبق بشدة على خصرها وضغط ضغطا خفيفا وقال:



" أنت أمرأة غير عادية... أمرأة تحب الصمت والهدوء , أمرأة تختلف كثيرا عن مارغو ".



" بالتأكيد , ولكنك تملك طرقا ووسائل لتبقي مارغو صامتة...".



" طبعا, أنت شديدة الذكاء, على كل لا أستطيع أن أفعل معك ما أفعله معها...".



" ولماذا؟ (قالت ساخرة) لديكما أشياء أخرى, يمكنك أن تفعل معها ما يحلو لك".



وافقها مسرورا وقد عاد اليه مرحه وأبتهاجه.



" أنت على حق".



ابتعدت عنه قليلا , ولكنه أجبرها على التوقف والنظر اليه وجها لوجه, ثم جذبها اليه , ولكن رجليها لم تعودا تقويان على حملها.... " سلام بيننا".



"سلام".



ثم تابعا الصعود من جديد حتى وصلا الى القمة , نظرا الى أسفل, العتمة تغلف المكان والسكون مريع والبرد شديد.



قالت:



" أحب هذا المنظر في النهار , كنت ألتجىء الى هذه التلة مرارا, أحيانا أترك مشاكلي خلفي وأعود, وأحيانا أصحبها معي وأحلها هنا... دائما كنت أنجح".



نظرت اليه خجلة لأنها أفصحت له عن مكنونات صدرها ومشاكلها...



" لا بأس , أعرف أن لديك بعض المشاكل , أنت من الأشخاص الذين يتركون مشكلة ليعلقوا بمشكلة جديدة".



وضحكا, شبك أصابعه بأصابعها وقال بحماس:



"هذه أول مرة تصعدين التلة في الليل , وهي أيضا أول مرة لي,(شد على أصابعها بود وحنان) شيء فعلناه سوية لأول مرة وسنذكره دائما... حين يفترق كل منا في طريقه, أنت ستخلصين لزوجك, كائنا من كان , وأنا, كما قلت في بداية السهرة , سأتبع المرأة التي سأتزوج...".



كان صوته مبتسما مع أنها لم ترى ابتسامته.



" هيا , عليك أن تضحكي (لم تتجاوب معه) ما الأمر ؟".



أمسك بذقنها بلطف وأدار وجهها اليه , وفي الظلام رأى تساقط دموعها ولكنه لم يعلق...



ارتجفت من جديد من شدة البرد.



قال:



" علينا أن نعود".



أمسك بيدها وركضا نزولا حتى وصلا السيارة.



وفي البيت أجلسها على كرسي وصنع لها فنجانا ساخنا من الشوكولا, وقال:



" سهرة عيد الميلاد قريبة جدا , هل أنت متحمسة للعيد؟".



قالت في نفسها: لماذا أتحمس وأنت بعيد؟.



" كنت أشعر بالحماس وأنا طفلة والآن كبرت ولم أعد أتحمس للأعياد".



" ولكن ماتيو سيكون قريبا منك".



" وما يهم؟ ماتيو مرح وكذلك والده...".



" ستكون هناك حفلة عائلية صغيرة..."



ظهر الحزن في صوته... ظنت لورين أنه سيفتقد مارغو لأنه سيكون بعيدا عنها في تلك الليلة.



قالت مواسية:



" ولكنك سترى مارغو بعد عودتك".



بدأت لورين ترتجف من جديد, قال:



" عليك أن تدخلي سريرك ولا حاجة لأنتظار عودة والدتك".



وضع ذراعه حول كتفها بعد أن أوصلها الى باب غرفتها, قالت:



"مساء الخير يا جان".



وفتحت الباب لتدخل.



" على مهلك سأغادر باكرا في الصباح وقبل أن تستيقظي من نومك".



شدها اليه, كانت واهنة القوى لا تستطيع أن تقامم, نظر الى وجهها فوجدت نظرته غريبة ووقحة , تراجعت الى الوراء, كان كأنه يقول لها:



" أنت تنادينني وعلي أن ألبي نداءك...".



قالت معاتبة:



" هل أنا مثل مارغو؟".



هز رأسه غير موافق وقال:



" لا , أبدا, مارغو تناديني بوقاحة وجرأة...".



" هذا يعني أنني أدعوك أيضا ولكن بطريقة مختلفة وأكثر دبلوماسية ".



" هذا صحيح , شأن النساء جميعا, وأنت أمرأة مثلهن".



" ألست مملة ومضجرة ومحترمة؟".



" نعم , كل النساء يرغبن في ربط حياتهن برجل الى آخر العمر(حاولت أن تتهرب غاضبة ولكنه أمسك بها بشدة قائلا) لا يمكنك النكران. أنت قلت ذلك بنفسك".



هزت رأسها غير موافقة.



" هذا صحيح, لقد بدلت أقوالي , ولكنك صحافي وهذه من طبيعة عملك , تحوير الكلمات وتبديل المعاني( ظنت أنها ستغضبه بهجومها ولكنه ضحك... وضحكه أزعجها أكثر من غضبه) ما قلته هو... سأبقى مخلصة لرجل واحد مدى الحياة, حياتي أنا , وأن كنت لا أعجبه فهذا لسوء حظي أنا".

" سيان عندي أن ألبي رغبة أمرأة وقحة أو أمرأةمحترمة , كلاهما يشبع غروري ويزيد من ثقتي بنفسي".
كان يضحك ببساطة ومكر , لا زال يمزح ويعتبر الأمور بينهما مزحة كبرى, مما زاد في رغبتها بالتهرب منه, حاول أن يعانقها من جديد ولكنها أبعدته بقوة وهي تصرخ في وجهه:
" لماذا لا تتركني وشأني؟ أنا لست مارغو, أم هل أنت بحاجة ماسة لبديل عنها ولو كنت أنا البديل؟".
تكهرب الجو بينهما , وقفا متباعدين يتنفسان بصعوبة, لمعت عيناه كالشرر من شدة غضبه , وبسرعة تمالك نفسه وعاد لسخريته المعهودة وقال:
" من يقول أن معلمة المدرسة الشابة تملك لسانا لاذعا مريرا كلسانك؟ أنتبهي يا صغيرتي آنسة فارس ... يوما ما سيؤذيك لسانك أكثر مما تريدين ايذاء الآخرين".
فتح الباب الخارجي ودخلت بريل.
" هل عدتما من السهرة؟ وأنت يا جان ستسافر صباحا الى مانشيسر , المسافة بعيدة وتحتاج للراحة".
نزل جان السلالم ليتحدث مع السيدة فارس ودخلت لورين الى غرفتها تستعد للنوم , هدأت ببطء وتمالكت غضبها وعاد اليها توازنها وهي تفكر بما سمعته... وبعد أن اتضحت الصورة في مخيلتها , تذكرت أنها لم تشكره على السهرة... انتظرت صعوده الى غرفته وفتحت باب غرفتها بعد أن صممت على شكره, تركت كرامتها وراءها وخرجت الى الممر.
" جان؟( وقف في باب غرفته ونظر اليها دون أن يبتسم ) شكرا على السهرة والعشاء".
كان صوتها يرتجف ويبدو عليها الأستسلام , ولم يجبها أو يحرك ساكنا , بقي جامدا في مكانه .
نظر اليها يتفحصها من جديد كأنه يراها لأول مرة, ثم دخل الى غرفته وأغلق بابه...
وحين استيقظت في الصباح كان قد ذهب...

زونار 22-06-09 06:35 PM

9 -هزيمة جديدة





بقي يوم واحد على العيد ,مرت لورين من أمام غرفة جان المغلقة بعد سفره وشعرت بحنين كبير وشوق اليه. لم يكن قد مر على سفره أكثر من ساعات قليلة ومع ذلك أفتقدته بشكل مريع.


قالت بريل تخاطب ابنتها:


" يبدو عليك الأرهاق والشحوب, هل أنت بخير؟".


" نعم يا أماه".


لم تخبر والدتها بأن رجليها ضعيفتان لا تقويان على حملها , وشعور بالكسل والتراخي يجتاحها , فتحس بحاجة ماسة للراحة , أقنعت لورين نفسها بأن سبب شعورها غياب جان ليس الا.


قالت بريل:


" علينا صنع كعكة التوابل ولف بقية الهدايا , نعم, لقد نسيت يا لورين شراء هدية لجان وسينزعج أن لم تفكري به.


" ولماذا أشتري له هدية؟ أنه ليس من أفراد العائلة وهو مسافر ولن يكون بيننا يوم العيد( أرادت أن تقنع نفسها بأنها على صواب بينما والدتها هي المخطئة) ثم أنه لم يشتري لي هدية فلماذا أربكه بهديتي؟".


" يا عزيزتي لقد اشترى لك جان هدية وتركها بغرفته , لم أرغب في أخبارك قبل العيد... لقد ترك لك رسالة يتحدث فيها عن وردة في حديقة".


فرحت لورين كثيرا وانحدرت دموع الفرح على وجنتيها رغما عنها, قالت في نفسها:


"لم ينسى هديته".


وقالت تخاطب والدتها:


" أنت على حق اذن, يجب أن أسرع الى السوق لأشتري له هدية قبل أن تغلق المحلات أبوابها بمناسبة الأعياد".


بعد أن تناولت غداءها نزلت لورين تجوب محلات بيع الألبسة الرجالية بحثا عن هدية مناسبة, قررت أن تشتري له ربطة عنق على ذوقها, أمضت وقتا تفتش وتنتقي وأخيرا قر قرارها على واحدة ثمينة وألوانها مشرقة , دفعت ثمنها وخرجت راكضة الى البيت , وقامت على لفها وترتيبها وانتظرت مرور الأيام حتى يعود وتقدمها له بنفسها.


ساعدت والدتها في أعمال المنزل وتنظيفه استعدادا للعيد , سيحضر جيمس وماتيو بعد الفطور لتمضية أيام العيد , وبعد أن أنتهت من أعمالها شعرت بالوهن يغلبها ولم تستطع أن تخفي الأمر عن والدتها...


قالت لورين:


"علي أن أستريح في الفراش لأنني منهكة ومتوعك الصحة".


نظرت اليها والدتها بخوف :


" أعتقد أن عليك ملازمة الفراش بعد أن تتناولي هذه الحبوب المقوية لتتغلبي على المرض, وأن شاء الله ستتحسنين في الغد".


" لا بد من التحسن , ولن أترك كل الحمل على ظهرك وحدك".


مرت وهي في طريقها الى غرفتها بغرفة جان... هل غيابه هو السبب في مرضها؟ لا يمكن , ولكنه أثر تأثيرا كبيرا على حالتها السيئة اجمالا.


شربت الحليب الساخن وابتلعت الأدوية التي أحضرتها بريل , ونامت وهي تأمل أن تستيقظ بصحتها الكاملة.


ولكن المرض تمكن منها أكث ر من السابق , وشعرت باجهاد وضعف أسوأ, حاولت النهوض من فراشها ولكن رجليها لم تقويا على حملها, وعادت ترتاح مجبرة, وتقبلت والدتها الأمر الواقع صابرة وجزعة خوفا على ابنتها الوحيدة.


قالت بريل:


" أنها الأنفلوانزا قد هدت عافيتك, عليك بملازمة سريرك".


" ومن سيساعدك في أعباء المنزل وخدمة الضيوف؟".


شمر جيمس عن ساعديه ووضع مريلة حول وسطه فوق ثيابه, وقدم ما استطاع من مساعدة لبريل.


نشف الصحون ورتب مائدة الطعام وما الى ذلك.


قالت لورين تحادث ماتيو:


" والدك خدوم وقدم يد المساعدة لوالدتي في أعمال المنزل وخفف عنها العبء".


قال ماتيو:


" وابنه كذلك".


" سيكون زوجا مثاليا لوالدتي بعد الزواج".


" وكذلك ابنه مستعد للزواج, فقط لو تقبلين به".


ضحكت للورين كثيرا وشاركها ماتيو وهو يقول في نفسه: ربما وهي على ما هي عليه من الضعف, أستطيع أن أقنعها لترضى بي زوجا للمستقبل...


وبعد قليل أدارت لورين وجهها الى الحائط مبتعدة عنه , وفهم ماتيو قصدها فتركها ترتاح.


" سأراك فيما بعد يا حبيبتي".

لم تستطع لورين أن تأكل طعام العيد من الديك الرومي المحشي والسلطة, كان النوم يغلبها من شدة الأعياء , وفي المساء شعرت ببعض التحسن النسبي, فتجمعوا حول سريرها ومعهم لفائف الهدايا وقد صمموا على
عدم فتحها الا بعد أن تستعيد لورين عافيتها ونشاطها وتشاركهم في تبادل الهدايا.
فتح ماتيو هدايا لورين أمامها واحدة واحدة , قدم لها جيمس كنزة جميلة تناسب التنورة الجديدة التي قدمتها لها والدتها, وقدم لها ماتيو عقدا من اللؤلؤ مكونا من دورين , وقال مازحا:
" لقد تضايقت والدتك من كثرة ما استعرت عقدها وأقنعتني بشراء عقد لك".
قالت بريل ضاحكة:
" هذا ليس صحيحا , لقد اشتراه بارادته".
حمل ماتيو القفازات التي أهدتها له لورين ووضعها قرب قلبه بحركة ودية.
خرجت بريل الى غرفة جان وعادت تحمل هديته الى لورين , فتحتها لورين فرحة وقرأت:
" الى الوردة التي رفضت أن تنمو في حديقتي".
(بائع الورد)
قالت بريل :
" لم أفهم ما يريد أن يقوله لك".
ضحك ماتيو كثيرا بينما تعجب جيمس مما سمع ولكنه بدا مرتاح البال.
أخبرتهم لورين باقتضاب ما قصد جان بكلماته...
كانت هديته أسطوانة في غلاف زاهي الألوان لسمفونية العالم الجديد... ولم تستطع لورين أن تخفي دموع الفرح.
فهم ماتيو أسباب دموعها ولكن والدتها علقت قائلة:
" لا تحزني يا حبيبتي , ستناولينه هديته حين يحضر بعد العيد".
" لقد نسي أنني لا أملك آلة الفونوغراف ليتسنى لي سماع الأسطوانة...".
قال ماتيو مازحا:
" ربما سيهديك الفونوغراف في عيد الميلاد المقبل".
ضحك الجميع وتبادلوا التهاني والتمنيات.
ومع نهاية اليوم بدت لورين منزعجة تكاد تنهار , الضعف يغمرها والنعاس يغلبها حتى أنها لم تقوى على قراءة المجلات التي أحضرها لها ماتيو لتتسلى بها , أغمضت عينيها واستسلمت للرقاد حين رن جرس الهاتف فجأة , استفاقت فزعة وسمعت والدتها تخاطب جان ... أحست برعشة لذيذة في كيانها .
قالت بريل:
" أهلا جان, هل أمضيت عيدا سعيدا؟ نعم, شكرا, لورين مريضة وترتاح في سريرها , أنها الأنفلوانزا , جان, لقد أعجبتها هديتك وربما ستحب أنت أيضا هديتها , هي مريضة حقيقة, منذ البارحة, ستحضر بنفسك لتستلم هديتك منها!(ضحكت) سأخبرها بذلك . أهلا, سأخبرها بذلك وربما يفرح قلبها , هل والدتك قربك؟ أهلا نانسي , كيف حالك؟".
لم تهتم لورين بمتابعة الحديث على الهاتف بعد أن ترك جان السماعة, لقد فعلت هذه المخابرة فعل السحر وأثرت فيها تأثيرا ملموسا , جرت الدماء سريعة في عروقها وزادت دقات قلبها , الفرحة غمرتها والسعادة أطلت من عينيها وحولها الهدايا التي استلمتها...
صعدت والدتها لتقول:
" سيحضر جان ووالدته مساء الغد".
" ولكن جان سيغيب ثلاثة أيام...".
" لديه أسباب خاصة ويريد العودة وستحضر والدته معه, ستبقى في ضيافتنا أياما قليلة , ستنام في غرفة جان وسينام هو في قاعة الجلوس فوق الأريكة , تأسف لمرضك كثيرا وهو يعتقد أنه السبب في مرضك لأنك مشيت معه في الليل البارد... وهو يلوم نفسه".
هزت لورين رأسها موافقة وسألت:
" وماذا قال أيضا؟".
" فقط أضاف ,أنه يرسل اليك حبه".
نامت لورين نوما عميقا وحلمت أحلاما هادئة جميلة , وفي الصباح أستيقظت متوردة الخدين مشعة العينين مما جعل ماتيو يعلق قائلا:
" بت أعتقد أن مرضك حيلة وأنت محتالة كبيرة , أو ربما هو مرض نفساني والدواء الشافي هو في المخابرة الهاتفية التي تلقيتها ليلة البارحة".
وصل جان ووالدته وكانت لورين لا تزال طريحة الفراش , ولكنها جالدت وجلست في فراشها.
قالت بريل:
" من المؤسف أن تراك نانسي على هذه الحال من الضعف والشحوب , وكنت أتمنى لو تراك على طبيعتك الجميلة الفاتنة".
حين وصل جان أحست لورين بضربات قلبها تدوي في أذنيها كقرع الطبول , كانت والدة جان , نانسي, متوسطة الطول مليئة الجسم, في متوسط العمر, تقارب عمر بريل ولكنها تبدو أصغر منها رغم شعرها الرمادي, حادة العينين كجان , وابتسامتها دافئة حنونة خالية من السخرية التي لا تفارق ابتسامة ابنها.
قالت نانسي:
"يا آلهي , لقد كبرت. لم أرك منذ عشر سنوات , أليس كذلك يا بريل؟ منذ حضرت مع زوجك هنري ولورين لزيارتنا".
سألت لورين:
" وأين كان جان؟".
قالت نانسي:
" في الخارج , أنت لم تقابليه أبدا الا عندما كنت طفلة في الثانية من عمرك, وهو كان في الثانية عشرة".
قالت بريل:
" صحيح, يومها أرادت لورين أن تجلس على ركبتيه وهو يرفض".
ضحك جان كثيرا وقهقه بصوت مرتفع بينما أكملت والدته تقول:
" شاهدنا لورين تزحف الى قرب مقعده , كان جان جالسا يقرأ في كتاب , بقيت تزعجه وقتا طويلا مما اضطره أخيرا الى وضع كتابه جانبا , ضربها وأجلسها بعيدا عنه ثم عاد ليكمل قراءته".


" لا أذكر ذلك.(فرك بيديه مازحا) كنت أعرف كيف أتعامل مع الجنس الآخر حتى وأنا في تلك السن المبكرة".


نظرت والدته اليه تسأله:


" وماذا تفعل الآن لو حاولت أن تجلس لورين على ركبتيك؟".


" يا آلهي , هذا غير معقول , لا أعرف ماذا أفعل!".


وضحك , احمرت لورين خجلا من نظراته الخبيثة ثم سألته لتغير الموضوع:


" لماذا حضرت قبل الموعد المحدد لعودتك ياجان؟".


أجابت نانسي:


" كنت أريد أن نبقى للغد ولكنه رغب العودة ليرى فتاة اشتاق اليها كثيرا, لم يخبرني عن اسمها , وأنا لا أستطيع مواكبة مغامراته العاطفية التي لا تحصى...".


قالت بريل:


" أوه, ربما يريد أن يرى مارغو , هي تتصل به دائما وتأتي أيضا لزيارته .( نظرت بريل الى نانسي) عليك رؤيتها... أنها شابة فاتنة وأنيقة( التفتت الى جان وسألته) هل هي الحب الحقيقي في حياتك يا جان؟ أم تفضل أن لا أسألك؟".


قال جان متفلسفا:


" هذا يتوقف ... ماذا تقصدين بالحب الحقيقي؟( ابتسم وهو ينظر الى لورين ويكمل حديثه) أنت معلمة للغة الأنكليزية وخبيرة في المعاني يا آنسة فارس, كيف تعرفين كلمة... حب , وكلمة حقيقي؟".


أبعدت لورين نظرها عن نظراته الخبيثة وتجاهلت سؤاله.


قالت بريل:


" يحاول جان أن يتهرب من الأجابة يا نانسي ... معه حق , الأنسان حر في تصرفاته ولا يريد أن يتدخل أحد في خصوصياته ... أليس كذلك يا جان؟".


" نعم , نعم".


خرج الجميع من غرفة لورين ليستريحوا في غرفة الجلوس وعاد جان وحده , قال:


"أهلا لورين".


كأنه يراها للمرة الأولى منذ عاد من مانشيستر.


" أشكرك على هديتك يا جان. ( مدت يدها لتصافحه شاكرة , أمسك بها وشد عليها) المشكلة أنني لا أملك آلة فونوغراف لأستمع الى الأسطوانة التي أهديتني اياها".


" هذا هو السر , أنني أدعوك لزيارتي في غرفتي لتستمعي الى الأسطوانة عندي, وعندما تدخلين... هل تعرفين ماذا سيحصل؟ ربما سأخبرك كما فعلت حين كنت في الثانية من عمرك...".


ضحكا كثيرا وجلس قربها فوق السرير.


" أبتعد عني حتى لا تصاب بالعدوى".


عبس قليلا قبل أن يقول:


" آسف يا لورين , لقد تسببت لك بالأنفلونزا يوم مشينا في الليل وصعدنا التلة, لقد أفسدت عليك بهجة العيد, على فكرة , حضرت بنفسي لأستلم هديتي منك".


وبسرعة مدت يدها تحت مخدتها وأخرجت لفافة جميلة وأعطته أياها , أستلمها منها وأنحنى ليقبلها , أدارت وجهها خجلا.


فتح هديته وبدا عليه الأبتهاج وقربها من قميصه قائلا:


" شكرا, سأرتديها حتى تبلى خيوطها , يبدو أنها غالية الثمن, وسأحتاج الى سنين عديدة قبل أن تفنى , جاء دوري لشكرك( عانقها فلم تقاوم أو تتهرب . أنساقت اليه كليا ونسيت مرضها وضعفها) هل أشتقت الي؟".


هزت رأسها موافقة وبذلك تم أعترافها الكامل بحبها له.


" ماذا ؟ اشتقت الي بالرغم من وجود ماتيو قربك...".


لم تجبه , بقيت صامتة , لف ذراعيه حولها من جديد بحرارة وعاطفة مشبوبة ثم نظر الى عينيها وقرأ حبها الواضح.


" لقد ربحت المعركة أليس كذلك؟".


شعرت لورين بحزن عميق في داخلها وتساءلت:


" وأية معركة!".


" لقد أدخلتك الى حديقتي رغما عنك . لا يمكنك النكران , أنت وردة يانعة تنمو في حديقتي...".


تغير لونه واشتد صوته حدة وظهرت النظرة الخبيثة في عينيه وهو يقول:


" أنت تعرفين مصيرك, سأفعل بك كما أفعل بورودي المزهرة ... سأقطفك( مر بيده على عنقها بحركة مميتة) وأرميك كالعشب اليابس...( ابتسم ابتسامة غريبة ربما هي ابتسامة النصر ) لن تستطيعي أن تفعلي أي شيء يا عزيزتي الصغيرة ويا حبيبتي".


كان جان يتشدق ويفاخر , شعرت لورين أنها وقعت في فخ مميت , وقعت في فخ رجل حاذق , حاولت أن تخلص نفسها من الفخ باستماتة وقالت:


" وماذا بشأن ماتيو؟ أنه رجل طيب ومخلص وصادق ولا أعرف بعد أن كنت أحبه".


" وأنا لست صادقا أو مخلصا أليس كذلك؟".


" أنت لست مخلصا وأنت بنفسك أخبرتني بذلك".


" وهل أنت واثقة أن ماتيو صادق ومخلص في حبه لك؟".


تمتمت بصوت غير مسموع:


" أعرف أنه يحبني...".


" وهل تحبينه؟".


رفعت جفنيها ايجابا ولكن صوتها اختفى.


" أنا أعرف من تحبين يا صغيرتي...( سخر منها) أنك لا تحبين ماتيو بالتأكيد".


" يريد أن يتزوج مني( تمتمت) أليس هذا برهاناعلى أنه يحبني؟".


ران الصمت بينهما , بدا الأستياء جليا على محياه.


" أنت تتهربين من حبي وتستخدمين ماتيو للهروب من حبي , ألا تخجلين من نفسك؟".


تركها وخرج غاضبا لا يلوي على شيء.


دفنت لورين رأسها في مخدتها وبكت , لقد تعمد أن يذلها بعد أن أوقعها في غرامه وحرك عواطفها نحوه وجعلها تعتمد بأحاسيسها عليه وحده, أستطاع أن يسيطر على عواطفها بمقدرته الفائقة في هذا المضمار بالرغم من أمكانياتها العقلانية المميزة, وثقت به وأحبته وستندم على حبها وثقتها الى آخر يوم في حياتها.
قال ماتيو:
" ما الأمر يا حبيبتي؟".
التفتت اليه ورأى دموعها, أخذها بين ذراعيه وبكت بحرقة على صدره , ضمها اليه بحنان وربت على شعرها بلطف.
فتح جان الباب وقال:
" لورين , لقد أحضرت لك الجرائد لتتسلي...".
تمسكت بماتيو أكثر وتظاهرت بعناقه , بقيا لا يلتفتان اليه, وقف برهة ثم خرج غاضبا وصفق الباب وراءه.
سألها ماتيو عن سبب بكائها وحين أخبرته بما تشعر به هز رأسه مستغربا وقال:
" عليك أن لا تصدقي كل ما يقول , أنه يمزح وهو لا يعني نصف ما يقوله, عمله يحتاج للكلام وهذه بضاعته".
" أنه يقصد كل كلمة قالها لي".
هز ماتيو كتفيه منزعجا وقال:
" اذا كنت مصممة على روايتك فعليك أن تبعديه عن تفكيرك كليا".
ابتسمت لورين بوهن وقالت:
"سأحاول , هذا هو الحل الوحيد لمشكلتي".
أجَلت نانسي سفرها وبقيت في ضيافة بريل لعيد رأس السنة, نانسي رقيقة ولطيفة ومسلية, وكانت تتكلم عن طفولة جان وتذكر بعضا من طرائفه العديدة, وجدت لورين بعض السرور في حديثها , وكانت بريل تنضم اليها وتتحدث عن قصص طفولة لورين , كان جان يتناول طعامه في غرفة الطعام أثناء وجود والدته , وحين يستمع الى تلك القصص يبدو عليه الضجر وعدم الأكتراث.
منتديات ليلاس
ليلة رأس السنة ترك جان المنزل في العاشرة مساء, قال أن لديه موعدا مع رجال الصحافة ولم يحدد موعد عودته.
قال ماتيو مازحا:
" وهل ستبقى لساعات الصباح الأولى؟".
" وربما أبقى كل الليل خارج البيت( نظر الى لورين بخبث وأكمل) وهذا يتوقف على الجو".
جمدت لورين وحاولت أن تخفي غيرتها الحقيقية وأقتربت أكثر من ماتيو, ودعهم جان وألقى نظرة ساخرة على لورين وصفق الباب وراءه بعصبية.
أنضم جيمس الى العائلة في االسهرة, تابع الجميع برامج التلفزيون المسلية وعند منتصف الليل تبادلوا التهاني مع بعض وغنوا فرحين مرحين بالسنة الجديدة.
لم تشعر لورين بعودة جان من سهرته, وفي صباح اليوم التالي التقته على السلالم , كان يرتدي روب المنزل وهو في طريقه الى الحمام, منظره كسول ولا يزال النعاس يداعب أجفانه , نظرت اليه لوؤين نظرة استغراب وتساؤل , قال على الفور:
" لقد عدت متأخرا الى البيت, لم أمض الليل بطوله في الخارج, هل تعتبرين تصرفي غير لائق؟".
" ولماذا أهتم بأمرك؟ أنا لا أهتم الا بماتيو وما يفعله وأنا مسرورة بعلاقتي به, ولكن خيبة الأمل تبدو جلية عليك, ربما لم توفق بصيد لسهرة رأس السنة كما توقعت. أم هل فقدت جاذبيتك مع الجنس الآخر؟".
تركته ومشت وقد بدا منزعجا للغاية وبوده لو يعضها بأسنانه ليشفي غليله.
تركتهم نانسي في اليوم التالي عائدة الى بيتها, ودعت لورين بحرارة قائلة:
" أرجو أن تقبلي دعوتي قريبا يا عزيزتي, أرجو أن أراك في منزلي , أحضري بصحبة جان في عطلة مدرسية".
وعدتها لورين أن تزورها في عطلة الصيف وقالت:
" أفضل الأنتقال بالقطار ولا أريد أن أزعج جان".
عبست نانسي:
" لن يكون طلبك أزعاجا , أليس كذلك يا جان؟".
" أزعاجا؟( نظر الى لورين ساخرا) لا لن أنزعج أبدا... ولكنني لا أنصحك بذلك, ربما ينفذ الوقود من السيارة ولا أحد يعرف ماذا سيحصل عندئذ , أنا صحافي دون مبادىء أو أخلاق , أليس هذا رأي لورين بالصحافيين؟".
ضحكت نانسي وقالت:
"لا تهتمي يا لورين, أنه يمزح كعادته , حتما يسره أن يحضر معك لزيارتي".
قال جان:
" أنا لست متأكدا( نظر في وجه لورين متفحصا) وربما في الصيف تكون الأمور قد تغيرت جذريا في حياتنا".
نظرت والدته اليه متعجبة مما تسمع:
" هل صممت على الزواج يا بني؟ أرجو أن أرى فتاتك ولو مرة قبل أن تصبح كنتي...".
" أعدك بذلك يا أماه قبل أن يتم ذلك".
دفعها دفعا للخروج.
قالت لورين في نفسها وهي مجروحة الخاطر:
" سيتزوج مارغو قريبا جدا على ما يبدو".
مع الفصل الدراسي الجديد تابعت لورين مشروع الصحافة مع تلميذاتها , كانت تتكلم مع آن في غرفة الأساتذة وتشرح الخطوات التي تتبعها بصوت مسموع , سمعتها الآنسة غريسمون , معلمة اللغة الأنكليزية المسنة.
قالت الآنسة غريموسن:
" أنت يا آنسة فارس مخطئة في عملك. لقد نصحتك من قبل ولم تسمعي نصحي, عليك أن لا تحيدي عن المنهاج المقرر , في رأيي أنت تضيعين وقت التلميذات في موضوع تافه".

قالت آن متمتمة:
" أنتبهي يا لورين لنفسك والا أصبحت عجوزا شمطاء مثلها في المستقبل".
كانت الآنسة غريمسون تحتسي فنجان الشاي لبثالث , شعرها رمادي معقوص مستدير فوق رقبتها , عيناها جامدتان لا حياة فيهما وتجاعيد وجهها واضحة ومخيفة , تحيط بعينيها هالة سوداء , وهي كثيرة الأنتقاد لكل ما تراه حولها, تقليدية في ثيابها وطريقة تعليمها حتى الجذور.
قالت لورين بعصبية:
"لا , لن أصبح مثلها أبدا...".
" ولماذا هذه المرارة في عينيك ونظرتك اذن؟ خيبة الأمل في الحب بادية بوضوح على محياك , أنصحك أن تنسيه قبل أن يحطمك ...".
وبعد أيام قليلة طلبت رئيسة المدرسة الأجتماع بلورين في مكتبها .
قالت آن تواسيها:
" لا بد أن الآنسة غريمسون قد أخبرت الرئيسة عن مشروع الصحافة... استعدي للأجابة ولا تدعي الحية الرقطاء تنال منك".
جلست لورين في مكتب الرئيسة وألقت نظرة فاحصة الى أدراجها المنتفخة وعينيها القاسيتين الباردتين , قصيرة وممتلئة في الأماكن التي لا تحتاج للأمتلاء , مسنة... وستحال الى التقاعد بعد سنتين فقط.
نظرت الآنسة مالادي نظرة حادة مؤنبة الى لورين وقالت:
" سمعت أنك يا آنسة فارس تتجاهلين المنهاج المقرر في مادة اللغة الأنكليزية ولديك مشروع يبحث في الصحافة...".
نهضت لورين لتنفي التهمة الموجهة اليها وقالت:
" هذا ليس صحيحا يا آنسة مالادي , أنا لا أحيد عن البرنامج المقرر ولكنني أقدم بعض مواده بطرق حديثة ووسائل جديدة تساعدني في تعليم اللغة الأنكليزية".
" هل لي أن أسألك .... كيف؟".
" ضمن مادة تعليم التعابير المستحدثة في اللغة , هناك حاجة ماسة لتطوير اللغة حسب الحاجة اليومية , أخترت حقل الصحافة لأنه يشرح تطوير اللغة السهلة ويسهل على الفتيات فهم الهدف من تطوير استعمال بعض الكلمات, كما وأنه يساعدهن على معرفة ما يدور حولهن في العالم خارج نطاق محيط المدرسة".
" لقد جعلت نفسك مسؤولة عن موضوع شائك... من أين أستيقت معلوماتك في هذا الموضوع؟".
" قرأت كتبا .... ولديَ صديق صحافي".
" صحافي؟ أليس من واجبك أن تتقدمي بطلب رسمي يخولك تدريس الصحافة يا آنسة فارس قبل الشروع في هذا العمل؟ آراؤك جريئة وتزعج معلمي الدائرة كلها , وكذلك ستتعلم الفتيات في الوقت المناسب ما يدور حولهن من أخبار عالمية, والى ذلك الحين علينا حمايتهن بكل وسيلة ممكنة, نحن في هذه المؤسسة التربوية العريقة في التقاليد نحارب التيارات الجديدة في التربية لأنها تشجع على اللهو وأهدافنا السامية تضيع في مثل هذه التجربة الخاطئة".
رفعت لورين نظرها الى صورة الملة فكتوريا التي تتصدر مكتب الرئيسة وقالت في نفسها: (بقي سنتان فقط وتتقاعد هذه الحيزبون...).
عادت لورين من عملها في الكلية التقنية تعبة محطمة وقد خبا حماسها بعد حديثها مع رئيسة المدرسة , وتمنت لو تتكلم مع جان وتطلب نصحه ولكن الأتصال بينهما مقطوع منذ عدة أيام , لقد تعمدت لورين الأبتعاد عن طريقه وعاملها هو بنفس الأسلوب, فكرت بأن تتحدث مع ماتيو... قالت في نفسها: يستطيع أن يستمع ويتعاطف , ولكنه لن يستطيع أن يقدم النصح.
خلعت معطفها وسمعت أصواتا من غرفة جان , قالت في نفسها: لا بد وأنه يتسلى مع وردة جديدة من وروده.
وحين تناهت الى سمعها ضحكات ماتيو تسمرت في مقعدها , لقد اختلط صوت ماتيو بصوت مارغو... كانت تتسلى بصيد جديد, ماتيو.
تذكرت كلمات جان الساخرة وهو يقول لها: هل أنت متأكدة من أخلاص ماتيو ومحبته؟ لقد دبر له مقلبا ليبعده عن حياتها كليا.
لقد نصب جان فخا لماتيو وأوقعه في شراك مارغو.... وفتنتها الطاغية , الحلقة المفرغة أياها ... مارغو وهوغ والآن ماتيو ومارغو... التاريخ يعيد نفسه.
ثارت لورين ثورة عارمة أجتاحت أعصابها وعرفت للحال أنها لا يمكن أن تتفادى المقدر ... النهاية واضحة منذ الآن.
جلس جيمس يقرأ جريدته في غرفة الجلوس بينما والدتها تقوم ببعض الآعمال في المطبخ , حدقت لورين في نار الموقد تستلهمها بعض الأفكار.
قال جيمس:
" لا تدعي حزنك يرتسم على وجهك, أنه يفسد شكلك وجمالك ويضيع الفرص من حياتك".
تفاجأت من دقة تعابيره ... كأنه يقرأ أفكارها على وجهها.
سألها:
" هل تحطم قلبك.... هل هو ماتيو؟".
" لا , أنه رجل آخر . ولدي مشاكلي في عملي".
اعترفت له ببساطة بما يثقل كاهلها.
" هذا من تأثير جان عليك , لقد غير شكلك وآرائك".
" وما الخطأ في ذلك؟".
" لا شيء يا عزيزتي , غير أنك تقفين وحدك الآن دون مساعداته المعنوية, عليك أن تكوني واثقة مئة في المئة من معتقداتك وآرائك , لتستطيعي أن تقنعي الآخرين بقوة أهدافك الجديدة".
" لقد بدأت".
" حسنا , تابعي نشاطك وأتمنى لك حظا موفقا".
" أنت تتكلم الآن كوالدتي , أصبحت متفائلا مثلها, لقد أنتقلت اليك العدوى ".
" ولهذا السبب أحبها".
قال مبتسما بحنان.
حدقت لورين به مستغربة , لم تكن تعتقد أن أحدا يستطيع أن يحب والدتها كما أحبها والدها من قبل.... وخلال فترة قصيرة ستفترق عن والدتها لتذهب كل منهما في طريقها, عليها أن تصارع الحياة بمفردها .
وأخيرا نزل ماتيو من غرفة جان يضحك بمرح , ورفع يده محييا والده ثم مشى نحو لورين وقبلها قبلة خاطفة على وجنتها , قبلة أخوية.
قالت لورين تخاطب ماتيو:
" هل تمتعت بوقتك؟".
" نعم, كم أنا مسرور لتعرفي الى مارغو. أنها فتاة فاتنة... هل تعرفينها؟".
" نعم, بالتأكيد".
" تعالي الى فوق وأنضمي الينا, أنا واثق بأن جان لن يماتع".
" لا , شكرا".
قالت في نفسها ليس في نيتي أن أشاهد مارغو تخطف مني رجلي للمرة الثانية(.
ربت ماتيو على كتفها وقفز عائدا الى غرفة جان.
قالت لورين في نفسها من جديد لقد هزمت من جديد , علي أن أعترف بصراحة أنني لا أملك جاذبية ولا يمكنني أن أحظى باهتمام رجل لوقت طويل....).
قال جيمس:
" لقد خسرت ماتيو يا لورين .... وليس الذنب ذنبه".
" أنا لا ألومه, أنا الملامة, لقد أبعدته عني بطريقة ما....".
تبادلت بريل وجيمس نظرات تحمل معان عديدة , أحست لورين أنها أصبحت خارج نطاق حياتهما الفعلية , أصبحت وحيدة متى قبل أن يتم الزواج بينهما .... وستبقى دائما وحيدة.

زونار 22-06-09 06:40 PM

10- عدت الى قلبك
وضعت لورين حائطا عازلا بينها وبين جان وقررت أن لا تدعه يخترق خط دفاعها الجديد أبدا.
هو أيضا لم يحاول أن يتخطى العازل بل تنازل كليا عن التفكير بها أو بوجودها, أصبحا اذا التقيا لا يتبادلان حتى الأبتسام , لقد مات كل ما بينهما تماما.
في المدرسة الجميع يعملون بجد ونشاطا لأستقبال المفتوح للأهل والأصدقاء , وكل من يرغب في التعرف على المدرسة وهيئتها التعليمية. وبالرغم من تحذير الرئيسة للورين عن مشروع الصحافة , الا أنها لم ترضخ لطلبها بل تابعت عرض المشروع على ورق مقوَى وعرضته على الحائط ليتفرج عليه زوار المدرسة في يوم الأستقبال العام.
دخلت الآنسة غريمسون الى غرفة صف لورين وشاهدت المشروع منشورا بتفاصيله بشكل واضح.
قالت معترضة:
" أظن أن الرئيسة نهتك عن متابعة مشروعك التافه والذي تسبب في تضييع وقت تلميذاتك الثمين...".
" أؤكد لك يا آنسة غريمسون أنني سأتخلى عنه مباشرة بعد يوم الأستقبال وسأبقى بعد ذلك محافظة على التقيَد بالمنهاج المقرر.
لم تستطع لورين أن تخبرها أن الأمر خرج من يديها ولم تعد تستطع متابعة أساليبها الجديدة دون مؤازرة جان لها... لقد تخلت عن أعتقادها بفائدة التغيير كليا.
وفي منتصف شباط(فبراير) التقى جان لورين في الممر قرب غرف النوم, نظرت اليه لأول مرة منذ أسابيع وشاهدت آثار التعب والأجهاد بادية على محياه , لا تزال تحبه كما كانت وأكثر , وانزعجت من رؤيته على هذه الحال.
قال:
" هدية الميلاد التي أعطيتك اياها( كان يسخر غاضبا) لا تزال على حالتها الجديدة دون استعمال ... أليس كذلك؟( نظر اليها مستفسرا ) أعني الأسطوانة ... سسمفونية العالم الجديد, هل لديك مانع أن أستعيرها ؟ أريد أن أستمع اليها من جديد".
" يمكنك استعارتها بالتأكيد".
دخلت غرفتها وجلبتها وناولته اياها.
" تعالي يا لورين لنسمعها سوية, فأنت تحبين سماعها ولهذا السبب أشتريتها لك".
قرأت لورين بعض الترجي في نظراته مما شجعها على القبول , دخلت غرفته وجلست على كرسي مريح وتركت نفسها تنقاد مع سحر الموسيقى , وعندما انتهت الأسطوانة فتحت عينيها ونظرت اليه , رأت على وجهه نظرة حنان وشفقة عليها فكادت تصرخ من الألم.
قالت في نفسها:" أنه يرثي لحالي ويشفق عليَ , هذا شعور مؤلم للغاية ولا أحتمله".
نهضت لورين تريد مغادرة الغرفة, أمسك بها بشدة:
" أرجوك أبقي قليلا".
جلس على كرسيه وأخرج موسى صغيرة من جيبه وبدأ يلعب بها, يفتحها ويغلقها.
قال:
" لورين( كان يتردد في أختيار كلماته بهدوء) أنا آسف لما حدث.( رأى نظرة استغراب في عينيها كأنها لم تعرف سبب أسفه, أكمل) بشأن ما حصل مع ماتيو ومارغو ... اذا كان الأنسان يحب شخصا فهذا لا يعني أن الحب متبادل بينهما".
طنت أنه يتكلم عن نفسه, قالت في نفسها: هل كلامه يعني أنه يحب مارغو وهي لا تبادله حبه؟ ثم أردف مفسرا:
" أعني( مر بيده فوق شفرة الموسى القاطعة ) حبك لماتيو لا يؤكد لك تلقائيا حبه لك, لقد رأيتك في العيد بين ذراعيه وتحققت أنك تحبينه كثيرا".
هزت لورين رأسها دون أرادتها وهي تقول في نفسها:" أنا أحبك أنت وحدك ولا أحب سواك , ولقد تقبلت الحقيقة بأنك لا تبادلني حبي".
" هل هناك ما أستطيع أن أفعله لأجلك...".
جرحت الموسى يده وسال الدم من أصبعه وأغلق الموسى لاعنا شاتما , ركضت اليه ملهوفة لترى عمق الجرح . فتشت عن منديل وربطت له جرحه لتمنع جريان الدم من عروقه , قالت:
" هيا الى الحمام لنغسل الجرح. ربما تكون الشفرة ملوثة".
نظر الى عينيها وشاهد ألمها وأهتمامها بأن لا يتألم , ضحك مقهقها وقال مازحا:
" كم يهمك أمري , لقد عدت الى قلبك وأعدت الحياة الى وجهك وكنت أعتقدت بأن لا أمل في عودة علاقتنا من جديد".
قالت بعصبية واضحة:
" هل جرحت يدك عمدا... هل قمت بحيلة جديدة؟".
" لا تكوني حمقاء يا فتاة , وهل يوجد رجل بكامل قواه العقلية يقطع يده عمدا؟".
وتابع:
" ولكن العملية نجحت في تقريبنا ( كان يتشدق فخورا. مال الى الأمام وأمسك بيدها , حاولت أن تفلت من قبضته ولكنه شدها اليه بحنان قائلا) اجلسي قربي وهدئي من روعي وقومي على تدليلي , اغمريني بعطفك وحنانك, يا آلهي أنا رجل وأنت أمرأة وأنا
أحتاجك , انظري , لقد قطعت يدي وخسرت حب مارغو كما خسرت أنت حب ماتيو... دعينا نحن لبعض".


بقيت في مكانها مسرورة بملامسته وقربه منها , لم يزعجها أنه رغب في وجودها بديلة عن مارغو , لقد اعتادت دور البديلة ما دام يستجيب لحبها له.


مدت يدها ولامست ربطة عنقه وقالت:


" أنت ترتدي هديتي".


" هل لاحظت؟ (ابتسم) لقد ارتديتها كثيرا ومرارا".


مال برأسه اليها, احمت خجلا وسألته:


" لماذا يا جان؟".


" لأنها أفضل وأثمن ربطة عنق لدي".


سألها عن أحوالها في المدرسة, أخبرته عن مشاكلها مع الرئيسة وأنها ستتخلى عن مشروع الصحافة نهائيا بعد يوم الأستقبال في المدرسة, قالت له أن حماسها قد خبا , أشفق عليها وحاول أقناعها بالعدول عن رأيها... ضحك كثيرا وهي تسرد عليه طريقة الرئيسة في ادارة المدرسة وكيف تشب ما كان متبعا في زمن الملكة فكتوريا...


" أذن الأسبوع المقبل هو يوم الأستقبال ( فتش في جيوبه وأخرج مفكرته وناولها اياها قائلا) أرجوك, اكتبي لي ملاحظة في مفكرتي فأنا لا أستطيع الكتابة بعد أن جرحت يدي".


كتبت:" يوم الأستقبال في مدرسة لورين". سرها أن يسمح لها بالنظر في داخل مفكرته, قالت:


" هل تقرأخطي؟".


هز رأسه موافقا:


" خطك واضح مثلك تماما ( أخذ المفكرة من يدها وقال) سأرسل مراسلا صحافيا ليكتب عن المشروع".


" لا حاجة لذلك يا جان , فالرئيسة تنزعج كثيرا من الصحافيين".


" لا تهتمي فالرجل الذي سأنتدبه لهذه المهمة يستطيع أن يتدبر أمره مع الرئيسة".


قام الى الحمام بمساعدتها وغسل جرحه وضمدته له ببعض الشاش والأدوية , قال:


" سأظل الى الأبد شاكرا لهذه الموسى التي أعادت ( الأميرة النائمة) الى الحياة .( ابتسمت بخجل ودلال) . ابتسمي , سأحضر آلة التصوير لألتقط لك صورة وأنت مبتسمة , فربما لن أحصل على بسمتك من جديد".








بدأ الأهل والأصدقاء يتوافدون الى المدرسة في يوم الأستقبال منذ الثانية بعد الظهر , وبقيت لورين في غرفة الصف حيث تعرض مشروع الصحافة.


مقالات مختلفة عن قصة واحدة كما ذكرت في صحف مختلفة, عناوين مختلفة وجمل صغيرة تبيَن سياسة الصحيفة, أخبار منشورة في الصفحة الأولى وبخطوط عريضة, بينما الخبر نفسه قد نشر بخط عادي في الصفحة الثالثة في جريدة أخرى...


وهناك بعض الصور تبين كيفية تجميع وتبويب الجريدة.


دخل شاب واثق من نفسه الى غرفة الصف وقال:


"آنسة فارس؟ أنا ميلز مراسل جريدة والكلي المسائية".


" هل حضرت بناء لطلب السيد داربي؟".


" نعم, موضوع الصحافة يهمنا وسأكتب تقريرا عن العرض.( نظر حوله) أعتقد أن طلبي موجود في هذه الغرفة أيضا , هل أستطيع أن أقوم ببعض التحريات قبل أن أكتب تقريري؟".


" تفضل, أرجوك أن تقول الحقيقة فقط ولا تسرف وتضخم جهودي أكثر مما ينبغي...".


" هل طلبت أذنا من الرئيسة؟".


" مررت بطريقي الى مكتبها ( توقف عن الكتابة) هل تمانعين بأخذ بعض الصور عن المعروضات ( ابتسم يقنعها) لقد أحضرت معي مصورا صحافيا... الهدف من التقرير توطيد العلاقات الطيبة بين الصحافة والرأي العام".


" يمكنك أخذ الصور التي تشاء ما دام الأمر قد سوي مع الرئيسة".


دخل المصور وعرفته لورين للحال, أنه جيم الشاب الذي شاهدته يوم العشاء مع جان في مطعم الصنوبرة ... لقد أزعج وجوده جان كثيرا في تلك الأمسية , صافحها جيم وقال أنه تذكرها , أخذ عدة صور للعرض ثم قال:


" نريد صورة لك يا آنسة فارس وأنت تحملين الطبشور أمام اللوح الأسود, سنضع هذه الصورة بجانب المقال, هل لديك مانع؟".


أزعجت لورين الفكرة ولكنها رضخت للأمر الواقع , كانت واثقة بأن جان يعرف ماذا يفعل حين أرسلهما لكتابة التقرير ,وبعد أن أنتهيا شكراها لتعاونها وغادرا المدرسة على عجل.


بقي العرض حتى الخامسة والناس تدور في أرجاء المدرسة بحرية تامة, وبعد الخامسة حضرت آن لتغادر برفقة لورين وسألتها:


" كيف كان العرض؟".


أخبرتها لورين عن الرجلين مندوبي الصحافة , وتعجبت آن في أن يكون جان مهتما فعلا بعمل لورين , أو أن عملها يستحق مراسلا يكتب عنه في الجريدة , أخبرتها لورين أن جان دبر الخطة معها من قبل.


سألت آن:


"وهل أرسل مصورا صحافيا أيضا ؟ الموضوع فيه بعض الغرابة... وهل استأذن الرئيسة؟ وسمحت له؟".


حين عاد جان من عمله في المساء سألها:


" كيف جرت الأمور في يوم الأستقبال في المدرسة؟".


"شكرا".


وأخبرته باختصار عما جرى من أمر المراسل ...ولكنه كان على عجلة من أمره فلم يعلق على أقوالها .


نزعت لورين بمساعدة تلميذاتها ما عرضته في يوم الأستقبال عن مشروع الصحافة , وخزنته لوقت الحاجة.


تناولت الشاي وأسرعت الى عملها في المدرسة الليلية , وهي ترجو أن تلتقي بجان بعد عودتها لتسأله عن المقال قبل أن يطبع وينشر , ولكنه تأخر كثيرا وتعبت من أنتظاره وأوت الى فراشها على أمل أن تبحث الأمر معه وقت الفطور في الصباح.


ولكن جان غادر في الصباح الباكر دون فطور ولم تجتمع به ... وحين وصلت الى المدرسة داهمتها العاصفة.


كانت الآنسة غريمسون زميلتها في دائرة اللغة الأنكليزية تقف في قاعة الأساتذة ويداها مطويتان على صدرها والشرر يتطاير من عينيها تنتظر وصولها. قالت دون أن تبتسم أو تصَبح عليها:


" آنسة فارس, أنت مطلوبة في مكتب الرئيسة فورا".


" سأضع كتبي فوق مكتبي وأذهب".


وقفت الآنسة غريمسون تنتظرها كأنها سجان يخاف هروب المحكوم عليه,حدق بها المعلمون والمعلمات بكراهية واشمئزاز ومشت


آن باتجاهها وهي تهز رأسها أسفا , وتمتمت في أذنها:


" لقد قمت بأعمال مريعة وستنالين العقاب".


" ماذا فعلت؟".


" أستغرب ما قام به جان ولا أفهم كيف سمح بنشره".


" أنا لا أفهم , بحق السماء اشرحي لي الأمر".


قالت الآنسة غريمسون بنزق:


" يا آنسة فارس .... لا يمكننا أن نترك الرئيسة تنتظر".


مشت لورين الى مكتب الرئيسة تتبعها الآنسة غريمسون لتتأكد من وصولها الى أيدي الأعداء , قرعت لورين ودخلت الى جو المكتب الكئيب. كانت واثقة بأن الآنسة غريمسون لا تزال تقف خلف الباب ليتسنى لها أن تسمع ما يدور بينهما من حديث.


ولكن لم يكن ما دار بين الرئيسة ولورين حوارا أو حديثا , بل كان شجارا , أنقضت عليها الرئيسة مالادي كالصاعقة , وانهالت عليها بالأتهامات , قبل أن تعرف لورين حقيقة ما يجري حولها.


" عملك مقرف, ولقد جلبت الخزي للمدرسة والتقاليد العريقة التي تمثلها في حقل التربية والتعليم , وتستحقين الطرد الفوري من عملك, ألا تخجلين مما قمت به من عمل سافل منحط ؟ لا يحق لك أن تمتهني التعليم بعد اليوم".


استمعت لورين الى الرئيسة تمطرها بوابل من مفرداتها البديئة , وراقبت حركاتها وانفعالاتها وثورة غضبها ... كانت شاردة وضائعة لأنها فعلا لم تكن تعرف أسباب هذه الثورة العارمة التي انصبت فوق رأسها , ومع ذلك استمعت مشدوهة وهي تستمتع بهذه التمثيلية الهزلية التي تدور حولها .


توقفت الرئيسة قليلا لتسترد أنفاسها واغتنمت لورين الفرصة لتسألها:


" هل من الممكن أن أعرف عما تتكلمين؟".


سحبت الرئيسة نفسا عميقا وقالت:


" أنت لا تعرفين عما أتكلم؟".


" لا أعرف".


هزت رأسها نفيا مؤكدة جهلها.


فتحت الرئيسة درجا من مكتبها وأخرجت منه جريدة المساء وفرشتها على المكتب لتتمكن لورين من قراءتها , المقالة تتوسط الصفحة الأولى من الجريدة.


حدقت لورين لا تصدق ما ترى, قرأت بسرعة ما أمكنها وفهمت أسباب ثورة الرئيسة , هناك قرب المقال صورتان بالحجم الكبير لها بجانب المقال؟.. واحدة تمسك بيدها الطبشور قرب اللوح الأسود بالصف , والأخرى في حديقة المنزل وهي ممددة فوق بساط ترتدي لباس السباحة المؤلف من قطعتين باللون الأحمر القرمزي , كتب تحت الصورة : الآنسة فارس شابة جميلة, معلمة مدرسة تهتم بتلميذاتها وتجذب انتباه الشبان في بيتها.


شحب وجه لورين وخارت قواها وسحبت كرسيا جلست عليه, من غير المعقول أن يحصل لها ما حصل , ولكن كيف؟


تذكرت حين استلقت في حديقة المنزل تستمتع بشمس ايلول(سبتمبر) أنها كانت وحدها في البيت , خرج جان ثم عاد دون أن تشعر به, وقبل أن ينضم اليها في الحديقة دخل غرفته وتمكن من أخذ صورة لها من نافذته بواسطة عدسة مكبرة استعملها مع آلة التصوير , تذكرت أنها سمع صوتا غريبا وقررت في حينه أنها ربما سمعت صوت نافذة تغلق في الجوار ...


المقال المكتوب يفصَل أهداف المشروع ويطري بسخاء عملها ويطنب في مدحها ... مهمةالمعلمة في رأب الصدع بين المدرسة وعالم الصحافة المبهم , قال الكاتب : جهود الآنسة فارس كالنور الساطع الذي ينير ممرا مظلما , خاصة وهي تعمل في مدرسة تقليدية رجعية...


احمرت وجنتاها خجلا وفهمت أسباب العاصفة التي وقعت على رأسها,بقيت الرئيسة تنظر اليها باشمئزاز , ثم حملت الجريدة بيد ترتجف ورمتها في سلة المهملات.


قالت الرئيسة:


"لقد أرتكبت خطأ فادحا وبالتالي لا يمكنك الأحتفاظ بمركزك ضمن هيئة التعليم في هذه المدرسة المحترمة بعد أن جلبت العار علينا جميعا ".


" ربما لا تصدقين يا آنسة مالادي, ولكنني لست مسؤولة عما حدث (أختنق صوتها وانهارت رغبتها في الدفاع , كانت لا تفكر الا في خيانة جان لها) سألت المراسل أن كان قد أستأذن منك قبل الدخول الى المدرسة , وفهمت منه أنه طلب السماح وأذنت له".

" لم يفعل , كل ما فعله أنه دخل مكتبي في غيابي وتكلم مع السكرتيرة التي أعلمته بوجوب التفتيش عني ليحصل على الأذن, من الواضح الآن أنه لم يجدني ولكنه بالرغم من ذلك أكمل ما حضر من أجله , على كل


يا آنسة فارس( كانت ساخرة) لا يمكنك أقناعي ببراءتك , لقد وقفت أمام اللوح ليأخذ لك صورتك وكذلك في منزلك . هزت لورين رأسها نفيا ولكن الرئيسة رفضت أن تستمع الى دفاعها.



كان تفكير لورين في تلك اللخظة منصبا على جان وعلى خيانيته , لقد بقي مخلصا لمهنته وبرهن أنه قادر على أن يرمي أيا كان للذئاب , سواء كان صديقا أم عدوا ما دام في عملع بعض الفائدة لمهنته.



قالت الرئيسة:



" أنصحك أن تتقدمي بطلب عمل في مدرسة أخرى , مع أنني أشك بأن مدرسة محترمة ستقبل بك بعد هذه الفضيحة ... لقد حذرتك أن تتخلي عن مشروع الصحافة لأنه ليس ضمن المنهاج المقرر, ولكنك ضربت بنصيحتي عرض الحائط وتابعت نشاطك... أنا لا أرى أسبابا تخفيفية تلطف من موقفك أو تبرىء ساحتك".



ثم صرفت لورين باشارة من يدها .



وبمرور الوقت وجدت لورين أن كلمات الرئيسة لا تعذبها ولا أبتعاد زملائها عنها, كأنها مرض معد... خيانة جان وحدها هي التي تؤلمها أشد الألم , حاولت آن أن تتعاطف معها.



ابتسم هوغ وقال:



" لقد شهرت بنفسك يا لورين . هل هي نكتة جديدة لجان؟".



عادت الى البيت واستقبلتها والدتها وهي تمسك جريدة المساء بيدها مسرورة .






قالت بريل



" صورتك في الجريدة جميلة للغاية".



" هذا أهم ما في الأمر ؟ كفاك فخرا بجمالي . هل أخبرك رأي الرئيسة بي؟".



أخبرتها باختصار ما ورد على لسان الآنسة مالادي...



" يا آلهي , لو كان جيمس هنا لأستطاع أن يهدىء من روعك ويخفف من غضبك".



" لا أحد يستطيع أن يهدىء من روعي ... لا أحد".



بكت والدتها حزينة : التفتت لورين اليها بغضب وسألتها ساخرة:



" هل المستأجر الكريم في الخارج... كعادته؟ ربما يخجل من مجابهتي بعد الذي فعله ؟ لقد تجنبني في اليومين السابقين مع أنه كان يعرف حق المعرفة ما سيحصل لي".



" لا تلوميه قبل أن تستمعي الى دفاعه".



" ألومه؟ ماذا تريدينني أن أفعل ؟ هل أقبله وأشكره لأنني خسرت عملي بسببه؟".



" لا أعتقد أن جان تعمد ذلك... هو ليس على هذه الشاكلة".



" لا تدافعي عنه يا أماه , هو المسؤول , همه أن يخرج قصة جديدة في جريدته ... لا يوجد صحافي يستطيع أن يقاوم قصة جديدة , لا يفرق بين صديق أو عدو, الصحافي لا أخلاق له أو مبادىء".



" لا تتكلمي عنه بهذا الشكل ... أنه ابن صديقتي نانسي ( بدأت بريل تبكي من جديد) , على كل حال, سيفيدك تغيير مدرستك والخلاص من هذه الرئيسة المتحجرة , كدت أن تصبحي مثلها , لقد أثرت عليك كثيرا... تحتاجين لرئيسة شابة ومدرسة حديثة وبالتالي تتابعين آرائك الجديدة بحرية أكثر".



" سأخرج قليلا".



" ربما ستمطر , والطقس بارد".



" لتمطر".



ركضت الى غرفتها وارتدت بنطلونا أزرق ومعطفا واقيا وخرجت قائلة :



" عندما يحضر جان أخبريه بصراحة رأيي الصريح فيه...".



أغلقت الباب وخرجت تريد الحديقة العامة والتلة , ركبت الباص وبعد ذلك بدأت طريقها صعودا , كانت ثورة غضبها عارمة وهي تصعد مسرعة , وحين وصلت الى القمة كان نفسها قد أنقطع.



جلست تحت شجرة كبيرة ولم تبال بالرطوبة تحتها , بدأ المطر ينهمر فرفعت غطاء رأسها وحاولت ترتيب أفكارها.



هنا في وحدتها ستجد نفسها من جديد , ستحاول أن تحل مشاكلها ... جان ... ستهرب منه, ستبتعد عن طريقه... عملها... ستغير عملها وتفتش عن مدرسة أخرى, البيت... ستترك البيت , لن تعيش فيه تحت سقف واحد مع الخائن ... وعلى كل حال, والدتها ستتزوج قريبا, ستجد غرفة صغيرة لتسكن فيها قريبا...



جان ومارغو... حتما مارغو ستعود الى جان لأنه حبها الحقيقي, ستهجر ماتيو من جديد.



وما أن وصلت بتفكيرها الى هنا, حتى سمعت وقع أقدام تقترب منها, الالمطر ينهمر والظلام يخيم حولها وهي جالسة فوق الأرض الرطبة , أصاخت السمع من جديد وتحققت أن الأقدام تقترب منها باصرار.

زونار 22-06-09 06:47 PM

11-الأول والأخير
وصل جان الى حيث جلست لورين , نظر اليها نظرة قاسية خالية من الشفقة وقال بلهجة واثقة:
"كنت واثقا أنني سأجدك هنا".
ابتسمت له ابتسامة خبيثة كأنها نمرة تتوثب للأنقضاض على فريستها , قالت:
" أنت! (تنهدت تنهيدة عميقة) لماذا لا تتركني وشأني؟ أريد الأنفراد بنفسي والأبتعاد عن جميع الناس وخاصة عنك".
وقف جان صامتا جامدا كأنه لم يسمع قولها.
" أرجوك أذهب لسبيلك( رغبت أن تجرحه بكلامها) وبذلك تكف عن ايلامي وتعذيبي , ألا يكفيك ما فعلته معي؟ لديك سلسلة كاملة من القصص المسلية تكفيك لتبلغ سن الشيخوخة , وتستطيع أن تتسلى بسردها على أصحابك ... لقد انتهت التمثيلية الهزلية وكنت بطلها .( ارتفع صوتها حادا وصرخت بغضب) أذهب, أذهب عني".
" أرجوك يا لورين أن تنصتي الى ما سأقوله".
" أنا أنصت اليك؟ وأستمع لأكاذيبك من جديد؟ لماذا؟ كيف تستفزني بالكلام وتسجل عليَ أقوالي على هواك ؟ ومن يدري ربما تنشر أقوالي في الصفحة الأولى من جريدتك لتؤمن مزيدا من البيع...".
" هل أنتهيت؟".
"لا!".
جلس قربها على الأرض بالرغم من أن المطر يهطل والرطوبة في كل مكان وقال:
"حسنا , أستطيع أن أنتظر حتى تنتهي من هجومك".
" نعم سأكمل وسأطلعك على سري , لقد انتصرت في الوصول الى أهدافك , سأخبرك بما فعلته بي منذ دخلت حياتي, لقد ... عزلتني كليا عن جميع أصحابي... جعلتني وحيدة, بتً لا أحتمل وحدتي , جعلتني أحس بها , صحيح أنني كنت وحيدة قبل أن تدخل حياتي ولكنني كنت بوحدتي ... أما الآن فأنني غير لكوني وحيدة , لقد حرمتني أصدقائي واحدا واحدا: هوغ وآن وأخيرا ماتيو".
" أخبريني الحقيقة! ما هو شعورك بالنسبة لماتيو(صمت) هل أحببته؟".
لم تجبه على سؤاله , رفع رأسها بيده وأجبرها على النظر اليه وكرر سؤاله:
" هل أحببته؟".
لم تجبه , هزت رأسها نفيا وقالت:
"لم أنته من كلامي(تجاهلت سؤاله) لقد سرقت مني ثقتي بنفسي , سلبت مني مبادئي وآرائي وأستبدلتها بآراء جديدة حتى أصبحت ضائعة بين المبادىء القديمة والحديثة".
اختفى صوتها من شدة الغضب والصراخ وتمتمت:
" لقد ضعت كليا( بلعت ريقها بصعوبة وانسابت دموعها على خديها) لقد حطمت سمعتي في المدرسة وطردت من عملي , عليَ أن أفتش عن عمل جديد في مدرسة أخرى.( التفتت اليه والشرر يتطاير من عينيها) وكنت أنت السبب المباشر".
" أنت مخطئة يا لورين... مخطئة في كل ما تقولين (حدق في العتمة وأكمل) لن يعجبك دفاعي ... ولكن صدقيني أنني اكتشفت ما حصل مؤخرا بعد أن خرجت الأمور من يدي ولم يعد بالأمكان التراجع ... لم أستطع أن أفعل أي شيء حيال ما حدث في الجريدة , لو كان بأمكاني أن أوقف المطبعة عن عملها لفعلت دون تردد".
" وهل تنتظر مني أن أصدقك ؟ أنا أعرفك حق المعرفة وأعرف أن أخلاصك لعملك يأتي قبل كل أعتبار ... وماذا بشأن الصور التي نشرت؟ والصورة التي أخذت في حديقة المنزل... من صوَرني غيرك".
" أعترف أنني أخذت تلك الصورة بنفسي...".
" يمكنك أن تعترف أيضا أنك عرضتها على زملائك في العمل واقترحت عليهم نشرها مكبرة في الصفحة الأولى ... ما تفسيرك ؟ كيف ستحل هذا اللغز؟".
" حسنا . سأقول الحقيقة, كنت أحمل صورتك في محفظتي...".
التفتت اليه مذعورة وصرخت:
" ولماذا؟".
" لماذا ؟ ألا تعرفين السبب الذي يجعل شابا يحمل صورة فتاة جميلة في محفظته؟".
" لتتباهي بها أمام زملائك ... مع صور صديقاتك اللواتي يبلغ عددهن العشرات. كنت تغير صديقاتك باستمرار ... أو زهورك كما تسميهن... أنا لست واحدة منهن... لقد قلت لي ذلك بنفسك في عيد الميلاد".
مد يده الى جيوبه وأخرج محفظته ورماها الى الأرض بعصبية وقال:
" اليك محفظتي , أنظري بداخلها لتري بنفسك عدد صديقاتي ".
حملتها لورين بيدها وفتحتها وحدقت بداخلها وقالت:
" وهل تسمح لي بالنظر الى محفظتك؟".
" نعم, فأنا أثق بك أكثر مما تثقين بي".
لامست لورين نعومة الجلد الثمين وتنسمت رائحة سكائره المفضلة, وبعد أن تفحصتها ومتها أرضا من جديد وقالت بخبث:

" لقد سحبت من داخلها صور فتياتك وخبأتها في درج مكتبك قبل أن تحضر الى هنا... والا لم تكن لتسمح لي بالنظر اليها".


مد جان يده الى الأرض والتقط محفظته وأعادها الى جيبه, كان في قمة غضبه بحيث أنها لم تره على هذا الحال أبدا , نظر اليها قائلا:


" لسانك يقطر سما , لقد ابتلعت كمية كبيرة مما سمَم جهازك بكامله(قال ساخرا) يا عزيزتي الآنسة فارس , لقد أصبحت بأسلوبك وأفكارك وعنادك نسخة مصغرة عن رئيستك في المدرسة , لقد صممت أذنيك عن سماع الحقيقة...".


هزتها هذه الحقيقة المرة وزاد سيل دموعها في العتمة.


قال:


" لقد استمعت اليك صابرا , سمعت جميع أتهاماتك ولكنك لا تريدين أن تستمعي لدفاعي ووجهة نظري في الموضوع , أنت حقا تريدين أن تبقي وحيدة... حسنا... سأتركك وحيدة وستبقين كذلك الى نهاية العمر".


تركها في مجلسها ومشى مبتعدا وسط العتمة والصمت.





رددت لورين كلمات الأغنية في نفسها" وداعا يا حبيبي الوحيد, ودائما الى حين...".


الصمت ياف المكان الا من صوت المطر يتساقط برتابة فوق أوراق الشجر, رتابة صوت المطر تتناغم مع ضربات قلبها السريعة.


حدقت لورين في العتمة ... لقد دفعته بعيدا عنها ... وهو الرجل المحيد الذي أحبته بصدق . لا تحب سواه ولا يمكنها أن تحب غيره في المستقبل , هو حبها الأول والأخير.


وقفت مسرعة , ركضت خلفه , تزحلقت وتعثرت وهي تنزل التلة لاهثة , لا ترى طريقها وسط دموعها المتساقطة مع المطر.


سمعت من جديد كلمات الأغنية التي تقول: سأعود اليك يا حبيبي لو ابتعدت عني مئات الأميال...


وصلت لورين اليه قبل أن يختفي ببطء من حياتها , كان جان يمشي متمهلا ويداه في جيوبه وقد رفع ياقة معطفه ليتقي الأمطار المتساقطة, نادته باسمة, توقف ثم استدار ولكنه لم يتحرك باتجاهها , انتظر وصولها اليه, وحين اقتربت منه وأصبحت على بعد أقدام توقفت ونظرت اليه بارتباك وخجل, وبدا واضحا أنها ستتراجع...


"حسنا ما الأمر؟".


فتشت عن وسيلة لتجعل الصلح ممكنا, كان عليها أن تخطو الخطوة الأولى بعد أن رفضت منذ قليل عرضه للتقارب....


قال مكررا وبعصبية:


" ما الأمر؟".


تلعثمت وهي تحاول أن تنطق بكلمات ولكن صوتها اختنق كليا, استدار وفي نيته أن يكمل نزوله بعيدا عن طريقها ... مدت يدها وأمسكت بذراعه , كانت لمستها حانية.


"جان ... جان لا تتركني أرجوك".


" ولماذا ؟ أعطني سببا واحدا".


ارتفع الجدار بينهما من جديد.


نظرت اليه في العتمة وقد اختلطت دموعها بالأمطار الهاطلة... قالت:


" جان!(بقي في مكانه ويداه في جيوبه ينتظر أن تكمل جملتها) جان, أنا ...".


أمسك بكتفيها بلطف وقال:


" هيا أنطقي الكلمة...".


نظرت اليه وتمتمت :


" أنا أحبك".


" يا ألهي, ظننت أنني لم أسمع هذه الكلمة منك أبدا".


ضمها بين ذراعيه وغابا عن الوجود... واختلطت الدموع بالمطر, قال:


" حبيبتي لورين , آه يا حبيبتي( تمتم اسمها من جديد بمحبة) وقال :" عليك أن تتزوجيني وبسرعة( وأحاط خصرها بذراعه) أريدك زوجة لي (تمتم في أذنها) رددي قولك : اذا تزوجت رجلا طيبا سأخلص له مدى الحياة".


" سأخلص لك مدى الحياة ولن أهجرك أبدا أبدا...".


همست بها مرارا وتكرارا وتوقف الزمن.


وبعد حوالي الساعة قال جان:


" علينا أن نعود الى المنزل, أريد أن أضمك...".


" وماذا كنا نفعل أذن؟".


ضحكا طويلا , أمسك بيدها وركضا التلة نزوى الى السيارة, وحين وصلا الى المنزل قال:


"بدلي ثيابك المبللة بسرعة, وأرتدي غيرها , سأصنع بعض القهوة الساخنة والساندويشات , أشعر بجوع قاتل".


خلعت ثيابها وجففت شعرها المبلل ووضعت قليلا من مساحيق التجميل على وجهها ونزلت مسرعة الى المطبخ.


وقفت قربه وقالت:


" رائحة القهوة لذيذة".


" طبعا انها من صنع يدي , هيا ساعديني في حمل الطعام الى غرفتي...( حملت الفناجين) كالزوجة المطيعة.


دخلت غرفته وأغلق الباب دونهما وقال:


" تعالي , لقد أفترقنا طويلا".


فتح لها ذراعيه بطيبة خاطر.


الضوء خافت في الغرفة والمدفأة الكهربائية تملأ المكان حرارة ونورا , والمطر يضرب زجاج النافذة دون أنقطاع.


قال متمتما:


"حبيبتي, هل أنت مستعدة لتسمعي ما سأقوله لك؟ لدي الكثير من الكلام.... ويجب أن تكون الثقة متبادلة بيننا".

" أخبرني يا جان عن الصورة".


نظر اليها بلطف وحنان وقال:
" أنها صورتك يا حبيبتي! لم أستطع أن أقاوم أغراءك وجمالك... هذا صحيح يا لورين, لقد أحببتك منذ تلك اللحظة وحملت صورتك في محفظتي كي تتسنى لي رؤيتك متى أردت كأي شخص يحب.( حبست نفسها وهي تسمعه يعترف لها بحبه) في يوم من الأيام وأنا في مكتبي, فتحت محفظتي أبحث بداخلها عن طوابع... وقعت صورتك سهوا, التقطها الشباب وتبادلوها وسألوا عمن تكون صاحبتها الفاتنة...أخبرتهم أنك الفتاة التي حضرت الى مكتبي لتستعير مفتاح البيت, تذكروا زيارتك وأثنوا على جمالك , وحدق فيها كل واحد منهم بنهم وحين غضبت أعادوها ألي...".
مر بيده على شعرها بحنان:
" وفي يوم آخر سرقوها مني من محفظتي وعملوا منها نسخا دون معرفتي , كان ذلك أمرا سهلا حيث كنت أحيانا أترك سترتي معلقة في مكتبي وأنتقل بين غرف المكتب لأبحث في بعض الأمور مع رئيس التحرير أو المراسلين أو المصورين , ويوم طلبت من مراسل الجريدة أن يوافيني بمقالة عن يوم الأستقبال في المدرسة ... ألَفوا قصة بينهم , أنا لم أطلب من مصور الجريدة أن يذهب في تلك المهمة , ولكنهم كصحافيين متمرسين أشتموا رائحة الغرام الذي يجمعنا ... هل تتذكرين العشاء في مطعم الصنوبرة؟ ورأوا أن ينشروا الخبر, كانوا يعرفون مدى أنزعاجي لو عرفت حقيقة ما يجري ولذلك أبقوا الأمر سرا عني, ولم أرى نسخة من الجريدة الا بعد أن خرجت من المطبعة وبعد فوات الأوان".
أضاف قائلا:
" شخصيا, أنا لم أضع عنوان المقال أو الشرح تحت الصور , الزملاء هم الذين تولوا ذلك بأنفسهم ... كانت المقالة موفقة, أليس كذلك؟( جذبها اليه من جديد وأكمل) يا حبيبتي كان الصراع على أشده بين الحب والواجب, عرفت مسبقا أنك ستتورطين في مأزق لا مخرج منه ولكن لم يكن بيدي حيلة( أخذ نفسا عميقا وقد أستراح من عبء ثقيل وقال) وحين لم تنصتي الى دفاعي عن نفسي أيقنت أن الأمر أنتهى بيننا الى الأبد"
" وماذا بشأن حبك لمارغو؟".
" آه , صدقيني , أنني أحاول التخلص من مارغو منذ عدة أشهر ".
" وقد استخدمت أخيرا ماتيو".
" نعم ولا... وهل تلومينني ؟ لقد ضربت عصفورين بحجر واحد... يوم حضرت مارغو وطلبت منك البقاء في غرفتي كنت أريدها أن ترى بنفسها أنني أحبك أنت, وكنت آمل أن تتفهم الأمر وتتركني وشأني... ولكنك رفضت أن تلعبي لعبتي , وأنا بدوري أعتقدت أنك تحبين ماتيو".
" أنا لا أحب ماتيو, كان صديقا ليس الا".
" أعترفي أذن أنك كنت تحبينني أنا... ماتيو يحب مارغو بجنون".
رفعت لورين حاجبيها متسائلة لا تصدق ماتسمع .
قال مؤكدا:
" أنها الحقيقة, مارغو فتاة لعوب وتحب بسهولة , خطأها الوحيد أنها لم تتخلَى عني بسهولة...".
ضحكا كثيرا قبل أن يقول:
" ستفتشين يا لورين عن عمل جديد, أنا لا أستطيع أن أجعل زوجتي تعيسة وحزينة.( قهقه بصوت مرتفع وقال) أخبروني أن هناك وظيفة لتعليم الأنكليزية في الكلية التقنية( نظر اليها يستفزَها ) هل أتقدم أنا بطلب لهذه الوظيفة أم أنت؟ ولكنها وظيفة للمبتدئين ولا تناسب مقامي الرفيع!".
فتحت لورين فمها لتعترض ولكنه وبسرعة أطبق عليها وأسكتها , وقال:
" عندما تتزوج والدتك جيمس سنستأجر هذه الشقة لتكون لنا".
تنهدت بارتياح ورفعت يدها تسوي له ربطة عنقه التي أهدتها له في العيد وقالت:
" جان, أن كنت لا تحب مارغو كما تقول , فمن تكون تلك الفتاة التي عدت من أجلها الى لندن في عطلة الميلاد؟".
" أنها أنت يا طفلتي الغبية, أنت الفتاة التي تبعث الملل في نفسي والتي تتصرف بتزمت واحترام يفوق الوصف .... أنت المعلمة.( نظر اليها مازحا) ولكن أين ذهبت تلك الفتاة المتزمتة الرجعية التي التقيتها على عتبة هذا البيت يوم حضرت؟".
" ذهبت مع الريح يا جان , لقد غيَرتها بحيث أنك لم تعد تعرفها, ما هو انطباعك عني يوم حضرت ؟ أخبرني!".
" سأقول لك , أنا صحافي مميز , ومتدرب في سبر أغوار النفوس واستطلاع الحقائق الباطنية في داخلك . كانت عيناك تفيضان بالنداء لكل خلجة فيَ ... كنت مليئة بالأمكانات الخفية التي تجذب الرجل".
ضحكت كثيرا وهي تستمع الى شرحه وسألته تستزيده ايضاحا :
" ولكنك نظرت اليَ مستغربا...".
" هل تصرين على أن تعرفي ؟( هزت رأسها موافقة وأكمل) سمعت نداء يدعو الى الحب".
بدأت تشاكسه وتحاول أن تتملص ولكنه قال:
" أهدئي ودعيني أكمل حديثي فأنا لم أنته بعد( كان يبتسم وهو يشير الى نفسه باعتزاز) تدعو هذا الرجل بالذات , ولقد حظيت به الى نهاية العمر , أليس كذلك؟".
وبسرور متبادل برهنت له عن رغبتها الصادقة والأكيدة .
فتح الباب ودخلت بريل , تحركت لورين من سباتها وقالت:
" جان , يا حبيبي . هيا لنخبر والدتي بالأمر".
ابتسم متكاسلا وسمح لها أن تجذبه ليقف معها في الممر.

" أهلا يا أماه ( عانقها أمام وألدتها) أنا صحافي وأحب أن أختصر الأقوال وأدع الأفعال تنوب عنها".


فهمت بريل وأسرعت تقفز السلالم لتقبلهما مهنئة. وسألته بلهفة:


" جان, هل أخبرت والدتك بالأنباء السعيدة؟".


" لا, ليس بعد, (نظر الى لورين مبتسما وقال) كنا صامتين خلال الساعتين الماضيتين".


قالت بريل:


" سأتصل بها الآن".


قالت لورين:


" ولكن يا أماه , الوقت يقارب منتصف الليل".


" سأتصل بها لو كانت الثالثة صباحا".


اتصلت بريل برقم نانسي وانتظرت أن ترد , قالت تخاطب العاشقين:


" أنني مستغربة أمركما , أعتقدت أنكما لا تتفاهمان ... أخبراني الآن , متى جمع الحب بينكما ؟".


قال جان:


" أحبها منذ أربع وعشرين سنة , عندما كانت لورين في الثانية من عمرها وأنا في الثانية عشرة".


قالت بريل:


"ألو نانسي! لديَ أخبار سعيدة, جان ولورين سيتزوجان!".

منتديات ليلاس




تــــــــــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــ ت.

زهرة الماس 08-12-09 12:22 AM

يسلموووووووووووووووووووو000000000زو000000000تحياتي لك

قماري طيبة 01-01-10 08:25 AM

جزاك الله الف خير بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

سفيرة الاحزان 07-05-10 05:27 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الجبل الاخضر 08-05-10 05:43 PM

:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::flowers2::flowe rs2:
لله يعطيك العافية زونارتسلم وننتظر جديدك

بحيرة الدموع 01-10-10 07:40 PM

شكرا عاشت الايادي

بنوتهـ عسل 02-10-10 03:20 PM

يسلمووووووووو حبيبتي ،،

الله يعطيك العافية ،،

فجر الكون 21-10-10 08:36 PM

شكـراً لكـــ ,,,,

زهرة منسية 09-03-11 02:52 PM

الاخ الفاضل زونار شكرآ كتير على الروايه الجميله

سومه كاتمة الاسرار 23-07-11 07:59 PM

يسلمووووووووووا الروايه تحفففففففففففففة
:8_4_134:

ندى ندى 14-11-11 10:57 PM

جميله جدا جدا جدا

نجلاء عبد الوهاب 15-11-23 10:39 PM

رد: 147- لا احد سواك - ليليان بيك - عبير القديمة ( كاملة )
 
:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041: :0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041:


الساعة الآن 01:48 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية