منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   [قصة مكتملة] أنت ملكي وحدي .. (https://www.liilas.com/vb3/t151744.html)

الجُودْ ؛ 19-07-12 06:02 AM










27



كانت الساعة تناهز الحادية عشر حينما سمعت هذا الطرق الخفيف على باب غرفتي..،
توقعت أن يطالعني وجه معاذ فيما كنت أفتح الباب لكن خاب توقعي..؛ فالطارق لم يكن سوى سالي والتى بادرتنى قائلة :
" ننتظر قدومكِ منذ وقت طويل.. ألن تهبطي لتناول العشاء..؟ "

لدى ذكر سالي للطعام تحركت أمعائي وصدرت عنها صرخة جوع ، فتذكرت أننى لم أتناول طعام الغداء إلى الأن..!

سألتها :
" هل معاذ بالأسفل..؟ "

أومأت برأسها إيجاباً ثم قالت :
" طبعاً.. إنه ينتظرنا الأن.. "

قلتُ :
" أذن سأضع حجابي وألحق بكِ.. رجاء لا تنتظروني وتناولوا طعامكم لحين حضوري.."

ارتديت حجابي على عجل ووضعته على رأسي كيفما أتفق ثم سارعت إلى الأسفل..
كنت أخشى أن يذهب معاذ إلى أى مكان قبل أن ألتقى به.. وكان متوقعاً أن يختفي كما هو الحال منذ حديثنا الأخير..!

حينما دلفت إلى غرفة الطعام أرسل معاذ نظرة خاطفة تجاهي ثم حاد عنها بسرعة وأنشغل فى تناول الطعام..
ألقيتُ التحية فلم يأتِنى سوي صوت سالي تجيب تحيتي..!

اتجهت لأجلس بهدوء فى مكاني المعتاد بالمقعد المقابل لمعاذ والذى كان يتحاشى النظر إلىّ متعمداً..
نظرت إلى أطباق الطعام الخاصة بي والتى كانت تمتلئ بالأصناف التى أحبها غير أن إهمال معاذ صرفني عن الطعام.. ومعدتي التى كانت تصرخ منذ قليل انقبضت وأعلنت رفضها لأى طعام..!

وكمحاولة لاستدراج الحديث معه قلت :
" بحثت عنك طويلاً اليوم.. هل كنت بالخارج..؟ "

فقال بإقتضاب :
" أجل.. وعدت لتوى.."

قالت سالي حينئذ :
" بالمناسبة.. لقد اتصل محمود منذ ساعة تقريباً.. كان يسأل عنك.."

وجه معاذ نظراته إلى سالي وسألها بإهتمام :
" ولماذا لم يتصل على هاتفي..؟"

قلت بإندفاع :
" لقد كان هاتفك مُغلقاً.."

وحينما وجه كلاهما النظر إلىّ استطردت موجهة حديثى لمعاذ :
" اتصلت بكَ مراراً اليوم ولكن دون جدوى.."

أشاح بوجهه ونظراته عني ولم يكلف نفسه عناء السؤال عن سبب اتصالي ، أنما قال موجهاً حديثه لسالي :
" يبدو أن الإرسال ضعيف بمكتبي.."

قالت سالي بحيرة :
" لكنه كان يتصل من الشركة.. لقد أتى ليزورك فلم يجدكَ بالمكتب..! "

هز معاذ كتفيه قائلاً :
" أذن فقد وصل إلى الشركة بعد إنصرافي.."

قالت سالي بإهتمام :
" وما الذى جعلك تذهب إلى الشركة فى المساء..؟ أهناك مشكلة ما..؟"

قال معاذ وهو منهمكاً فى تقطيع الطعام :
" كلا.. كان لدى بعض الاعمال المتراكمة فذهبت لأنهيها.. "

وأضاف مغيراً مجرى الحديث :
" بالمناسبة.. كيف كانت المباراة اليوم..؟ "

ابتسمت سالي قائلة :
" عليك بسؤال محمود فهو من يستطيع أن يخبرك بأدق التفاصيل..؛ فأنا فكما تعلم لا أهتم كثيراً بكرة القدم ومتابعتي لها ليست سوى تحت ضغط شديد منه.."

تساءل معاذ فى دهشة :
" هل كان محمود هناك اليوم..؟"

تلاشت ابتسامة سالى وطغى عليها الارتباك فيما كانت تجيبه :
" طبعاً كالمعتاد.."

انشغلت سالى بعد ذلك فى تناول طعامها بينما راح معاذ يراقبها وفى عينيه نظرة حرتُ فى تفسيرها..
لوهلة قصيرة جال بخاطري أن معاذ قد يكون على علم بمشاعر سالي نحو محمود غير أننى لم ألبث أن أزحت هذا جانباً..؛ فلو كان يعرف بمشاعرها ما كان ليدعوه إلى بيته فى كل مناسبة لكى لا تتمادى أخته فى مشاعرها أكثر من هذا..

انتهت سالى من تناول طعامها وانصرفت إلى غرفة المعيشة فى حين بقيتُ وحدى مع معاذ الذى لم يلبث أن أزاح أطابقه جانباً وهم باللحاق بها غير أننى استوقفته قائلة :
" هل انتهيت من تناول طعامكَ هكذا سريعاً..؟ "

فقال :
" الحمد لله.."

قلت وأنا احدق بأطباقه الممتلئة :
" أنك لم تأكل شئ تقريباً.."

هز كتفيه قائلاً :
" لقد شبعت على أى حال.."

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" لو كان وجودي يزعجك لهذه الدرجة فسأنهض لكى يتسنى لك إكمال طعامك.."

رماني بنظرة غاضبة وقال :
" ولماذا يزعجني وجودكِ..؟ أكملى طعامك ولا تتفوهى بهذا الكلام السخيف ثانية.."

شعرت بالإهانة لجملته فنهضت من مكاني وانصرفت إلى غرفتي وعكفت على قراءة إحدى الروايات ، وأشك فى أننى استوعبت حرفاً واحداً منها فقد كان عقلي منشغلاً ب معاذ..
لست أدري إلى متى سيظل غاضباً مني..؟

انتظرت عودته إلى الجناح لا لشئ سوى لأطمن بأنه بالغرفة المجاورة لي.. كنت انتظر سماع باب الجناح يفتح غير أن الصوت الذى سمعته كان صوته مكابح السيارة بالأسفل فسارعت بالنظر من النافذة لأرى سيارة معاذ تنطلق بسرعة إلى حيث لا أدري..!
تُرى أين ذهب فى هذا الوقت..؟ لقد انتصف الليل وعم السكون وشمل كل شئ تحت كنفه وصارت الطرقات شبه خالية من المارة..!
رُبما كان يتجول فى الطرقات بلا هدف.. أو رُبما سيلجأ إلى البحر ليشكو له ضيق صدره..
أو رُبما كان هدفه فقط الابتعاد عني.. ليستنشق أكبر قدر من الهواء النقي ، الخالي من أنفاسي..!
شعرت بضيق شديد يجثم على صدري وقررت أن انتظر عودته ليكون أول من أفرغ عليه جام غضبي..
لقد أتى بى إلى منزله واحتجزني بين جدرانه رغماً عني والأن صار لا يطيق وجودى معه بنفس المكان..!
لكن لا.. لن أفوت هذا الأمر ، واليوم سأضع حداً رادعاً لهذا الوضع..
أرتديت ملابسي كاملة ووضعت حجابي فوق رأسي ثم حملت الرواية معي وجلست بردهة الجناح لأقرأها..
سانتظره ها هنا حتى لو تأخرت عودته إلى الصباح.. فلن يعرف النوم طريقه إلىّ قبل أن تخمد ألسنة النيران المستعرة بصدري..!


~ ~ ~ ~ ~ ~

كانت الساعة تناهز الرابعة فجراً عند عودتي إلى المنزل ..، وكان المنزل يغرق فى الصمت والظلام كما هو معهود ..؛ فالجميع هنا ينام ويستيقظ باكراً..
حينما دلفت إلي الجناح كان يغرق فى الظلام إلا من ضوء خفيف ينساب من إحدي القناديل بالردهة.. وبالمقعد الملاصق له كانت أروى تجلس وقد غلبها النعاس فنامت وهى فى وضع الجلوس..!
كانت ترتدي رداء الصلاة كالمعتاد وتغطى رأسها بالحجاب غير أن خصلات شعرها الطويل الأملس تمردت عليها وتسللت من أسفله بإصرار..!

اقتربت منها قليلاً ووقفت أتأملها وقد طفت ابتسامتي على شفتي رغماً عني..؛
كان وجهها الجميل يخلو تماماً من مستحضرات التجميل فبدت لي أصغر من عمرها..
كم هى جميلة وبريئة..!
ترى ما الذى جعلها تنام فى هذا الوضع الغير مريح..؟!
هل كانت تنتظرني فغلبها النوم دن أن تشعر..؟
كنت أعرف استحالة ما أفكر به غير أننى لم استطع أن أمنع شعوري من تصديقه..!

أفقت من تأملاتي حينما رأيتها تحرك رأسها ومن تعبيرات وجهها استطعت أن أشعر بألمها بسبب نومها فى هذا الوضع الغير مريح..
ناديتها لأوقظها حتى تذهب إلى غرفتها فلم تفيق.. كانت تنام بعمق وهدوء..!
أقتربت منها أكثر وقلت :
" أروى.. هيا أفيقى لتذهبي إلى غرفتكِ.."

وأيضاً لم تفيق أو تتحرك..!
مددت يدي إلى كتفها وهززتها برفق فانتفضت وتراجعت فى ذُعر شديد وقد فتحت عينيها على وسعهما وحدقت بي بشكل غريب ثم قالت :
" ماذا هناك..؟ لماذا أنت بغرفتي..؟"

ارتبكت بشدة وتراجعت إلى الخلف وقلت متلعثماً وأنا أشير لما حولي :
" إنكِ لستِ بغرفتكِ.. "

تلفت حولها لتتأكد من صدق قولي ثم عضت على شفتها السفلى بأسف قبل أن تنهض من مكانها وتتجه رأساً نحو غرفتها دون أن تتفوه بحرف..
لمحت ذلك الكتاب الملقى على الأرض والذى تركته سهواً وانصرفت فاستوقفتها قبل أن تغلق الباب قائلاً :
" أروى انتظري.. "

وانحنيتُ لألتقط الكتاب ثم توجهت إليها لأعطيها أياه..
شكرتني بصوت خافت وهمت بإغلاق الباب غير أننى استوقفتها للمرة الثانية قائلاً :
" لماذا كنت تنامين هكذا بهذا الوضع الغير مريح..؟"

أطرقت برأسها أرضاً وقالت :
" لا لشئ.. غلبني النعاس بينما كنت أقرأ.."

وأضافت :
" تصبح على خير.."

وهمت بإغلاق الباب غير أننى استوقفتها قائلاً :
" انتظري.."

توقفت يدها التى كانت تهم بإغلاق الباب فى منتصف الطريق ،، وكذلك توقفت عينيها على وجهي فى انتظار ما سأقوله ،، وللحظة بدا لي أن عقارب الساعة أيضاً توقفت عن الدوران..!
لم يكن لدي ما أقوله لها.. فقط أردت أن استبقيها لأطول فترة ممكنة.. أردت أن أرى عينيها تحدقان بي بتلك النظرة الناعسة..
أردت أن أشعر بوجودها بجانبي ليتلاشى شعوري بالوحدة القاتلة التى تهاجمني ببراثنها كل ليلة كلما أويت إلى فراشي وحيداً..
كان عزائي الوحيد فى هذا الوضع الغريب أنها تنام فى الغرفة المجاورة لي ولا يفصلني عنها سوى حائط واحد..، صحيح أننى لا يمكن أن أحطم ذلك الحاجز الفاصل بيننا فى أى وقت كأى زوج..، غير أننى كان لدي يقين بأن هذا الوضع لن يستمر طويلاً..
ولدي أمل قوي في أن تتغير نظرات أروى لي ، ومشاعرها نحوي ذات يوم..

أفقت على صوت أروى تسألني :
" ما الأمر..؟ "

شعرت بالخجل وتراجعت للخلف وأنا أقول :
" لا شئ.. تصبحين على خير.."

هممت العودة إلى غرفتي..، غير أن صوتها استوقفني بنداء خافت جعل كياني كله ينتفض..
قالت :
" هل نجلس لنتحدث قليلاً..؟ "

اندهشت وابتهجتُ فى آنٍ واحد لتلك المبادرة الغير متوقعة..!
قلت وقد تهللت أساريري فرحاً :
" طبعاً.."

توجهت إلى الردهة لأجلس فتبعتني إليها وجلست على المقعد الكبير فى مواجهتي..
كانت تبدو متجهمة الوجه وحزينة إلى حد كبير.. وبدأت أشعر أن الأمر ليس كما تصورت.. فهى لا ترغب فى الجلوس معي لبعض الوقت بل تريد أن تعاتبني..
انتظرت أن تبادر هى بالحديث غير أنها لاذت بالصمت لفترة أطول مما ينبغي فما كان مني سوى أن قلت :
" ما الأمر..؟ "

وكأنني بسؤالي هذا لمست وتراً حساساً بنفسها ،، وبدون أى سابق إنذار غطت وجهها بكلتا يديها وأجهشت فى البكاء المرير..!
ارتبكت بشدة ولم أدرى ماذا أفعل..،
قلت :
" ما الأمر..؟ لماذا تبكين..؟"

ولم يجيبني سوى صوت نحيبها كنصل حاد ينغرس بقلبي ويدميه..!
انتقلت لأجلس على بجانبها على المقعد الكبير وأنا أقول :
" أروى.. أرجوكِ لا تبكي وأخبريني ما الأمر..؟ "

أبعدت أروى كفيها عن وجهها وجففت دموعها بطرف كمها ثم قالت بصوت يشوبه النحيب :
" لا شئ.. فقط أشتقت لأمي وأريد رؤيتها.."

تفاجأت من ردها.. فهل أمنعها من الذهاب لزيارة عائلتها..؟
قلت :
" أذن فلتذهبي لرؤيتها غداً.."

نظرت إلىّ نظرة لم أفهمها وقالت :
" ألا تمانع..؟"

قلت :
" بالطبع لا.. ولِم سأمانع..؟"

هذه المرة نظرت لي نظرة ذات معني فاستطردت :
" كلامي ذلك اليوم لم يعني قط أننى سأمنعكِ من الذهاب إلى أى مكان.. إننى أثق بكِ قبل أى شئ.. فقط أريد أن يكون لي علم بوجهتكِ.. وأعتقد أن هذا أبسط حقوقي.."

ران علينا فترة صمت أمتزجت خلالها نظراتنا معاً..
كانت نظراتها غير واثقة من حديثي..، وكأنما كانت تتصور أننى سأسجنها خلف أسوار منزلي وأمنعها من الخروج لأى مكان..!
قلت :
" أذن غداً صباحاً سأصطحبكِ بسيارتي إلى منزل عائلتكِ.. وبأمكانكِ أن تقضي معهم اليوم بأكمله وسأمر عليكِ فى المساء لنعود معاً.."

قالت :
" حسناً.. سأذهب لأنام كى استيقظ باكراً.."

قلت :
" جيد.. وأنا أيضاً سأنام.."

ونهضت من مكاني متجهاً إلى غرفتي.. وبينما كنت فى منتصف الطريق وصلني نداءها واستوقفني..
وحينما استدرت لأنظر إليها لمحت ابتسامة ترتسم على زواية فمها ثم قالت :
" شكراً لكَ.."

وسرعان ما توجهت إلى غرفتها وتورات بداخلها ورُبما أوت إلى فراشها واستغرقت فى النوم على الفور..
أما أنا فقد طار النوم من عينى وأبى أن يزورني كالمعتاد..
آه أروى.. ماذا فعلتِ بي بالضبط..؟!

~ ~ ~ ~ ~



تتبــــــــع



الجُودْ ؛ 19-07-12 06:04 AM








28





انتهيتُ من إرتداء ملابسي ووقفت ارتشف قهوتي بالشرفة واستنشق الهواء العليل المُحمل برائحة الزهور العطرة ، وأتأمل زهور البنفسج التى تزخر بها الحديقة كما كانت تولان تحب..!
شعرت بضيق شديد بمجرد تذكري لتلك المرأة..، وبدأت الشعب الهوائية بصدري تنقبض وتعرقل عملية التنفس وكأنما تريد أن تمنع تلك الرائحة من التغلغل بداخلي..
فكرت أنه قد آن الأوان لكي نستبدل هذه الزهور بزهور أخري.. وقررت قراراً مفاجئ بأن أذهب للبحث عمن يعتني بالحديقة لأطلب منه أن يعمل على قطف تلك الزهور واستبدالها بزهور الياسمين مثلاً..؛ فهى بيضاء جميلة اللون..، رقيقة الشكل..، عطرها أخاذ..، والأهم من هذا أنها ستحتل مكان زهور البنفسج..، وأننى أنا من أخترتها وليست تولان..!
غادرت غرفتي بالفعل وهممت بالتوجه إلى الأسفل غير أنني قابلتُ معاذ بالردهة ، والذى ابتسم لدى رؤيتي ثم قال :
" صباح الخير.. من الجيد أنكِ أرتديتِ ثيابكِ باكراً.."

قلت :
" لم أشأ تأخيركَ عن عملكَ.."

ابتسم وقال :
" حسناً لنتناول فطورنا أولاً ثم نغادر على الفور.."

قلت بسرعة :
" لن أتناول فطوري.. أقصد أن أمي تنتظرني لنتناول جميعاً فطورنا معاً.."

هز كتفيه قائلاً :
" لا بأس.. "

وأضاف بسرعة :
" أذن فلتجلسين معي بينما أتناول فطوري لكى تفتحين شهيتي.."

ارتبكت وقلت :
" فى الحقيقة.. كنت ذاهبة للحديقة.. أقصد.. لمقابلة المسؤول عن الحديقة..؛ فإن بعض الزهور لا تروقني وأريد استبدالها بزهور أخرى.."

وأضفتُ بتردد :
"هذا لو لم يكن لديكَ أى إعتراض..؟"

لست أدري لم أسعدت جملتي معاذ بهذا القدر ..؛ فقد تهللت أساريره فرحاً وقال :
" بالطبع لا.. أنا نفسي لا أحب زهور البنفسج وكنت أريد التخلص منها منذ وقتٍ طويل لكني لم أجد الوقت لذلك.."

هل قلت أننى أريد استبدال زهور البنفسج بعينها..؟ لا أظنني فعلت ذلك..!
شعرت بالدماء تتصاعد إلى وجهي وتحاشيتُ بقدر الأمكان النظر إلى معاذ بينما أقول :
" أظن أنا يجب أن نعمل على تجهيز غرفة للصغير لحين عودته إلى المنزل.. كما يجب مرعاة أن تكون الغرفة قريبة من الجناح الخاص بنا.."

قال معقباً :
" على أى حال أفعلي ما يروق لكِ.. وإذا كانت هناك أشياء أخري تريدين تعديلها فلا ترجعي إلىّ.. إنه منزلكِ أنتِ تفعلين به ما يروقكِ.. كما أننى لا أفهم بهذه الأمور.."

توجهت إلى الحديقة وبحثت عن المسؤول عنها وطلبت منه أن يستبدل زهور البنفسج بأكملها وأننى حتى لا أريد أن ألمح واحدة منها بالحديقة.. إنه منزلي أفعل به ما يروقني.. ألم يقل معاذ هذا..؟
بعد ذلك استقلينا سيارة معاذ وتوجهنا إلى منزل عائلتي.. كنت مشتاقة كثيراً إلى أمي فلم يكد معاذ يتوقف بسيارته حتى أمتدت يدى إلى مقبض الباب لأفتحة وما كدت أغادرها حتى وجدت معاذ بدوره قد غادرها وتوجه نحوي قائلاً:
" سألقى التحية عليهم أولاً.."

ابتسمت وقلت : " طبعاً تفضل.."

وتوجهنا معاً إلى الداخل دون أن نتبادل كلمة أخري.. وكالمعتاد لقى معاذ ترحيب حار من الجميع.. خاصة أشقائي الصغار..!
لم يطل مكوثه بمنزلنا.. فقط بقى هناك لدقائق قليلة واستطاع أن يرفض دعوة أمي بالمكوث معنا لنتاول الفطور بتهذيب ثم أشار لي بأن أرافقه إلى الباب بينما جلست أمي وأنهمكت فى إعداد المائدة..
توقف معاذ عند عتبة الباب واستدار لينظر إلىّ قائلاً:
" ما رأيكِ بنزهة ليلية فى اليخت..؟ "

قلت :
" اليوم..؟! "

قال :
" بلي.. سأمر عليكِ فى السابعة.. ما رأيكِ..؟"

ابتسمت وقلت :
" وهل أرفض عرضاً كهذا..؟ "

قال :
" عظيم.. إلى اللقاء.. "

واستدار لينصرف غير أنه لم يلبث أن توقف ثانية وألتفت إلىّ قائلاً :
" أريدك أن تحضرى جميع أوراقكِ اليوم لكى يتسني لى إدخالكِ إلى الجامعة.. فلم يتبق على بدء العام الدراسي سوى أيام.."

تفاجئتُ وابتهجت فى آنٍ واحد وقلت :
" حقاً..؟ ستقوم بتقديم أوراقي إلى الجامعة..؟"

قال مازحاً :
" بلي.. على شرط أن تكوني طالبة مجتهدة.."

ثم أضاف :
" أعتني بنفسكِ جيداً.. أراكِ فى المساء.."

~ ~ ~ ~ ~

ذهبت لأصطحاب أروى فى تمام السابعة كما أتفقنا مسبقاً.. وبينما كانت تودع عائلتها كنت أتأمل ذلك المنزل المتهالك الذى قضت أروى طفولتها به والتى لم أتخيل يوماً أن ثمة أشخاص يتحملون العيش تحت تلك الأسقف المتشققة وبين تلك الجدران المتصدعة..
تذكرت أول مرة دخلت فيها إلى هذا المنزل.. لكم شعرت بالعطف الشديد على تلك العائلة الفقيرة وذلك الرجل الذى تم سجنه بسبب مبغ تافه كهذا..!
قاطعت أرو أفكاري حينما ألتفت إلىّ وقالت :
" هيا بنا.."

قررنا أن نحضر طعاماً جاهز من إحدي المطاعم ثم نذهب لنتناوله باليخت..
وللمرة الثانية أكون وحدي مع أروى فى عرض البحر.. لا يرافقنا سوى أحلامنا.. ولا يقطع الصمت المخيم علينا سوى أمواج البحر المتلاطمة..
كانت أروى تبدو سعيدة للغاية..؛ لأول مرّة أراها مبتهجة هكذا..
وكم أسعدني هذا..!

قالت أروى بعدما انتهينا من تناول الغداء :
" أحضرت أوراقي كاملة.."

قلت :
" عظيم.. غداً سأبعث بمن يقدم أوراقكِ إلى الجامعة.."

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وقالت :
" أريد أن أقوم بدراسة القانون.. "

قلت :
" أذن.. لكِ ما تشائين.. فقط أشيري بأصبعكِ لكل ما تشتهيه وأنا علىّ التنفيذ.."

اتسعت ابتسامتها أكثر.. تلك الابتسامة التى طالما تمنيتُ أن أراها ترتسم على شفتيها.. والتي عاهدت الله يوم زواجنا ألا أجعلها تفارق شتفيها قط..!
قالت بخجل :
" لا أدري ماذا أقول لكَ..؟ فكل الكلمات لن تكفي لشكرك.. لقد حققت لي حلم عمري.. حقاً أنا ممتنة لكَ.."

أثلجت صدري كلماتها وبعثت السرور إلى نفسي ، قلت :
" لا داعي لقول أى شئ.. إننى لم أفعل شئ يذكر.."

قالت أروى بإصرار :
" بل فعلت الكثير من أجلي.. فى الوقت الذى كنت أسئ معاملتكَ به كنت تعمل جاهداً لتسعدني.."

وصمتت لبرهة بدت خلالها مترددة مشتتة ، وراحت نظراتها ترتفع إلى وجهي تارة وتارة أخرى تنخفض إلى مستوي البحر..
وأخيراً قالت :
" كان الخطأ من البداية.. أقصد فى الطريقة التى تعرفنا بها.. "

وأضافت بتشتت فكر :
" لو كنا ألتقينا فى وقتٍ أخر.. وفى مكان مختلف.. أعتقد أن الأمور كانت ستختلف كلياً.."

وصمتت لبرهة أخري ثم أضافت بصوت هامس بالكاد ألتقطه أذنىّ :
" فقط لو لم ترغمني على الزواج منكَ.. لو كنت طلبتها بشكل مختلف.."

~ ~ ~ ~ ~

أدركني الندم حينما تلاشت ابتسامة معاذ وحل محلها استياء شديد..
أى هراء هذا الذى أتفوه به الأن..؟ ما الذى دفعني لأفسد تلك اللحظات الجميلة التى نقضيها معاً.. كم أنا غبية..!
أطرقت برأسي أرضاً وقلت معتذرة :
" أنا حقاً أسفة.. أرجوك أنسى ما قلته لتوي.."

رفعت نظراتي إليه فوجدته ينظر إلى وجهي بجدية.. وقال :
" أروى.."

ومن نبرة صوته شعرت بأهمية ما سيقوله.. وانتبهت حواسي كلها..
قال بعد برهة صمت قصيرة :
" يوم جئتُ إلى منزلكِ وعرضتُ عليكِ الزواج.. أو أرغمتكِ على الزواج كما تقولين.. لم يكن لدي خيار أخر.. كنت واثق أنِ سترفضينني لذا قلت لكِ هذا لكى تقبلين الزواج مني.. "

هتفت لا شعورياً :
" ولماذا أنا بالذات..؟ لقد قلت لي ذات يوم أن آلاف الفتيات تحلمن بالزواج منكَ وأنا واثقة من هذا بالطبع.. فلماذا لم تتزوج ميار مثلاً.. أو تعود لتولان.. أو تتزوج أى فتاة أخري..؟ "

قال معاذ مباشرة :
" كان بأمكاني لكني لم أريد الزواج بأى فتاة.. "

هنا.. توقف قلبي تماماً وكذلك توقفت عينىّ وأمتزجت نظراتي بنظراته ولم أقدر على الأشاحة عنه..
قال بصوت كالهمس :
" الفتاة الوحيدة بهذا العالم التى أردتها زوجة لي.. كانت على وشك الزواج من شخص أخر يوم قابلتها لأول مرة.. "

لم يتوقف قلبي فقط بعد جملته.. لقد توقفت حواسي كلها وكأن لكلامته وقع المخدر على جسدي..
شعرت كأن أطرافي قد شلت فلم أعد قادرة على تحركيها.. أما عينىّ فلاتزال تنظران إليه ولا أجد القوة لتحريكهما..

تابع معاذ حديثه :
" لأول مرّة أشعر بالعجز.. فأنا ولدت وحولي كل شئ يحلم به أى شخص.. تعودت أن أحصل على ما أريد وما لا أريد.. لن أنكر أن هذا جعلني أنانياً بعض الشئ.. أرفض الهزيمة والتخلي عما أرغب به.."

ثم أضاف بأكتئاب وضيق شديد :
" هذا من أسوأ عيوبي ولم أدرك هذا إلا الأن..؛ فقد أكتشفت مؤخراً أن تحقيقي لما أريد يدفع ثمنه شخص أخر.. ولكي لا يتحطم قلبي أنا حطمت قلبكِ أنتِ.. سامحيني أروى.. فأنا لم أكن عادلاً معكِ قط.. ولو كان بيديّ لأرجعت الزمن وأصلحتُ الأخطاء التى أرتكبتها بحقكِ.."

معاذ نظر إلىّ ينتظر ردى.. وأيضاً لم أقوى على الحديث.. حتى لساني بات عاجزاً عن النطق..!
بعدما فقد معاذ الأمل فى أن يسمع أجابتى وجدته ينتقل ليجلس بجانبي وقبل أن استوعب أى شئ وجدته يمسك بيدي ويحتضنها بين راحتيه ويقول بتردد وخوف :
" أروى.. أنا لست طامعاً فى أن تبادليني مشاعري تلك.. على الأقل فى الوقت الحالي.. ما أرجوه منكِ الأن هو أن تجيبني على سؤال واحد فقط.. وأرجوكِ أجيبيني بصدق.. ألازلتِ تشعرين بشئ نحو ذلك الشخص..؟ أقصد ذلك الذى كنتِ ستتزوجين منه..؟ "

أنطلق لساني فجأة يجيبه دون شعور :
" لا..! "

تغيرت قسمات وجهه من الخوف والتردد إلى الرحة والاطمئنان.. بل والسعادة أيضاً..!
شعرت بيديه تضغطان على كفي مما جعلني أفيق فجأة مما أنا فيه فسحبتُ يدى من يديه ولففت ذراعي حول جسدي ثم رحت أنظر إلى أى شئ وكل شئ عداه..
قال :
" هل تشعرين بالبرد..؟"

" أجل.. قليلاً.."

" هل ترغبين بالعودة أذن..؟ "

" لا..!"

وحينما نظرت إليه وجدته يبتسم ثم ينهض ويدلف إلى الكابينة ثم يعود حاملاً بطانية..
قال :
" نضع هذه باليخت للطوارئ.."

وأقترب مني ولفها حول جسدى ودثرني بها جيداً ثم جلس بجانبي..
رفعت رأسي إلى القمر الفضى الذى كان يرسل أشعته الفضية ويضئ اليخت وشردت بأفكاري بعيداً..
من كان يتخيل أن حياتي ستتبدل هكذا فى غضون أشهر قليلة..؛ من كان يتخيل أن معاذ الذى كنت أظنه سيسئ معاملتي سيكون سبباً فى إدخال البهجة لحياتي..؟
من كان يتخيل أن كرهي له سيتحول حباً..؟ وحياتي معه ستكون سعيدة هكذا..!
أذن فمن الممكن أن يبدأ المرء حياته تعيساً ثم يصبح سعيداً بعد ذلك..
الحمد لله..

~ ~ ~ ~ ~

تتبع


الجُودْ ؛ 19-07-12 06:06 AM






29



اليوم هو بداية العام الدراسي..
لن أخبركم مدى أنفعالي وسعادتي بهذا الحدث..؛ لأنني أعتقد أنكم تشعرون بما يعتمل بصدري الأن..
قضيتُ ساعة أو أكثر أمام خزانة ملابسي المكتظة عن أخرها بالملابس الباهظة والتى أشتراها لي معاذ بالطبع ، وأخيراً وقع أختياري على ثوب ما فأرتديته ووقفت أمام المرآة أتأمل نفسي من جميع الجهات والزوايا لأتأكد أن مظهري يبدو جيداً..
" أروى.. "

وصلني صوت معاذ من الخارج يناديني.. إنه ينتظرني منذ وقتٍ طويل ؛ فهو سيقوم بتوصيلي إلى الجامعة اليوم وكل يوم..!
اتجهت إلى الباب وبينما كنت أفتحه كان معاذ يتعجلني قائلاً :
" ألم تنتهي بعد..؟ تأخرنا كثيراً.."

انتهيتُ من فتح الباب وخرجت إلى الردهة لأجد معاذ واقفاً فى انتظاري ينظر فى ساعته بملل.. ولم يكد يراني حتى قال :
" وأخيراً.. ما كل هذا التأخير..؟ "

شعرت بالدماء تتصاعد إلى وجهي.. لقد تأخرت كثيراً جداً بالفعل رغم أنه أخبرني بالأمس أن لديه عملاً هاماً فى الصباح الباكر..!
هممت بالاعتذار له غير أنه سبقني قائلاً :
" تبدين فى غاية الجمال والأناقة.."

إزداد إضطرابي وتوتري.. وبدأت أتنفس بصعوبة وأتصبب عرقاً..!
قلت مغيرة الحديث :
" أسفة على التأخير.. استيقظت متأخرة اليوم.."

فقال :
" لا عليكِ.. إنكِ تستحقين أن ينتظركِ الجميع على أى حال..! "

ثم أضاف :
" هيا بنا.."

مررنا بالحديقة أثناء توجهنا نحو السيارة وكان المسؤول عنها قد انتهي من استبدال زهور البنفسج بزهور الياسمين فبدت الحديقة مشرقة وجميلة.. وكان الجو جميلاً والعصافير تغرد على أغصان الاشجار بسعادة..
كل شئ اليوم يوحي بالتفاؤل..!
عقب معاذ :
" الحديقة غدت أكثر بهجة وإشراقة.. لديكِ ذوق رائع فى انتقاء الزهور.. "

ابتسمت بسعادة لهذا المدح الجميع.. وابتسم معاذ أيضاً ثم قال :
" إنها اللمسة النسائية التى كنت أفتقدها بمنزلي..؛ فسالي لا تحب أبداً الأهتمام بالحديقة أو أى شئ بالمنزل.. أما تولان فكان لها ذوق كئيب طالما فرضته علىّ.."

تلاشت ابتسامتي بغتة وكذلك تلاشت ابتسامة معاذ.. وتلاقت نظراتنا الحادة العميقة للحظات..
قال معتذراً :
" أنا أسف.. لم أقصد إزعاجكِ.."

هززت كتفي وحاولت أن أرتدي ثوب اللامبالاة رغم أن ذكر تلك المخلوقة أفسد علىّ بهجتي..!
استقلينا السيارة بعد ذلك وتوجهنا رأساً إلى الجامعة.. وطوال الطريق لم يتبادل أحدنا كلمة مع الأخر إلى أن توقف معاذ أمام سور الجامعة..!
منذ نصف ساعة تقريباً كنت متحمسة جداً لدخول الجامعة ، أما الأن فأشعر بتوتر شديد..
ما هذا الحشد العظيم..؟ كم أشعر أننى شئ ضئيل للغاية..! كيف بأمكاني أن أتأقلم مع هذا المكان ، وأندمج مع هذا الحشد..؟!
أتاني صوت معاذ ينتزعني من شرودي :
" ألن تنزلي..؟ "

استجمعت شجاعتي وقلت :
" أجل.."

وفيما كنت أغادر السيارة كان معاذ بدوره يغادرها ثم يدور حولها ليتجه نحوى قائلاً :
"هيا بنا.."

تفاجئتُ وقلت :
" هل ستذهب معي..؟"

" لو لم يكن لديكِ مانع.. "

" طبعاً لا.. فقط ظننتُ أنكَ متعجل.."

" أجل ولكن لا يمكنني ترككِ وحيدة.. سأبقى معكِ حتى تألفي الجو قليلاً.."

ومد يده ليمسك بيدي ويقودني إلى الداخل..!
بعد فترة استطعنا أن نحصل على جدول المحاضرات وكانت إحدى المحاضرات على وشك البدء فأوصلني معاذ إلى قاعة المحاضرات وهم بالانصراف..

" انتبهي لنفسكِ جيداً أروى.."

" حسناً.. "

" لا تغادرين الجامعة وحدكِ مهما حدث.. أتصلى بي وفى غضون دقائق سأتي لأصطحابكِ.."

" حسناً.. لا تقلق.."

تنهد معاذ ووقف لفترة وقد بدا غير عازماً على الذهاب..
قلت أطمئنه :
" سأكون بخير.. لا تقلق علىّ..؛ لطالما كنت أذهب لكل الأماكن وحدي فى السابق.."

رد مباشرة :
" لكنكِ لستِ وحدكِ الأن.. أنتِ مسؤولة مني ولن اسمح أبداً بأن يمسك أى ضرر ولو بسيط.."
جملته تلك أثلجت صدري وبعثت السرور إلى نفسي..؛ فلم استطع منع تلك الابتسامة الواسعة التى شقت طريقها إلى فمي رغماً عني..!
بدأت تلك الجموع تنفض من حولنا وتتجه إلى القاعة استعداداً لبدء المحاضرة.. وقتها فقط قال معاذ :
" حسناً.. فلتدخلين إلى القاعة حتى لا تفوتكِ المحاضرة.."

وأضاف :
" والأن أتحتاجين لأى شئ..؟"
هززت رأسي نافية.. إنها عدة ساعات قليلة.. ماذا تظنني سأحتاج خلالها يا معاذ..؟!

قال :
" حسناً.. استودعكِ الله.."


~ ~ ~ ~ ~


لو كان الأمر بيدي لما تركتها وحيدة ولبقيتُ معها لحين انتهاء محاضراتها لنعود معاً إلى المنزل ويطمئن بالي..
أعلم أننى أبالغ قليلاً فى إهتمامي بها.. ولكني لا أشعر بالأطمئنان قط إذا ابتعدتُ عنها بضعة أمتار قليلة.. وكان صعب جداً علىّ أن أتركها وحيدة وسط تلك الجموع المحتشدة..!
ظللت واقفاً بمكاني أرقبها بينما كانت تتوجه إلى قاعة المحاضرات حتى غابت عن بصري وأختفت وسط الزحام..
هنا فقط استطعت أن أحرك قدمىّ بصعوبة لانصرف.. بينما ظل عقلي مربوطاً معها..!

قضيتُ يوماً لا بأس به فى الشركة.. أطالع الملفات بلا أهتمام يذكر وأوقع العقود دون مراجعتها.. وبين الفينة والأخرى أطالع ساعتي وأحصى الدقائق..
لماذا يبدو لي اليوم طويل وممل هكذا..؟ أما آن للوقت أن ينتهي لأذهب إلى الجامعة واصطحب أروى إلى المنزل..
بعد فترة قصيرة كنت قد انتهيتُ من عملي فقررت أن أذهب إلى الجامعة وانتظر أروى هناك ؛ فلم يبق على موعد انتهاء أخر محاضرة لها سوى نصف ساعة تقريباً..!
بينما كنت فى طريقى لمغادرة مكتبي صادفت محمود والذى كان يوشك على الدخول إلى غرفتي..
تفاجئتُ وقلت :
" مرحباً محمود.. أى ريح طيبة أتت بكَ إلى هنا..؟ "

قال :
" تعطلت سيارتي فيما كنت ماراً من هنا ففكرت بزيارتكَ حتى ينتهي عامل الاصلاح منها.. لكن يبدو أننى أتيتُ فى الوقت الغير مناسب.. كنت ستنصرف أليس كذلك..؟"

نظرت إلى ساعة يدي وقلت :
" أجل.. كنت ذهاب لأصطحاب أروى من الجامعة.. إنه أول يوم لها فى الجامعة وأشعر بالقلق عليها.. ما رأيك فى أن ترافقني ثم تعود معنا للمنزل ونتناول الغداء سوياً..؟"

قال :
" لا أظن أننى ساستطيع مرافقتك.. أذهب أنتَ على أى حال لكى لا تتأخر على زوجتكَ.."

هنا فقط لاحظت ذلك الضيق والاكتئاب المحفور على وجه محمود مما أثار دهشتي وأهتمامي..؛ فمحمود يتقن إخفاء انفعالاته وعادة فإننى لا أكاد ألحظ تغيير يُذكر فى مزاجه..؛ فهو كتوم إلى أقصى حد ولا يفضى بسره لأحد قط..!
قلت :
" ما الأمر..؟ لا تبدو على ما يرام.. أقلقتني.."

قال :
" لا عليك.. سنتحدث لاحقاً.."

قلتُ مصراً :
" لن أتركك تذهب.. فلتأتي معي إلى المنزل لنتحدث وتخبرني بكل شئ.."

وأمام إصراري لم يملك الرفض..!
بعد ذلك بحوالي ساعة كنا نجلس جميعاً حول المائدة نتناول غدائنا.. ونتبادل الاحاديث العابرة من حين لأخر..
محمود كان أكثرنا صمتاً وأقلنا شهية فى تناول الطعام..
بينما أروى فكانت حالتها على النقيض تماماً ؛ كانت شهيتها مفتوحة للطعام وللحديث.. كانت تبدو سعيدة جداً ومنفعلة كثيراً.. وتقريباً لم يكن هناك من يشاركها سعادتها سواى..؛ فقد كانت سالي ترمقنا بنظرات صامتة يغلب عليها الاكتئاب..!
حينما انتهينا من تناول طعامنا خرجتُ برفقة محمود إلى الحديقة لنتناول قهوتنا.. وما كدت أنفرد به حتى بادرته بالسؤال عما يزعجه وهذه المرة لم يراوغني كما هو معهود أنما قال :
" البنك سيسحب عني الضمان ولا سبيل لتسديد ديوني.. يبدو أننى سأضطر لأن أعلن إفلاسي عما قريب.."

وكان رده كافياً جداً ليجيب تساؤلاتي ويبدد حيرتي بحيرة أكبر..
بعد ذلك حاولنا سوياً أن نجد له مخرجاً من تلك الديون غير أن كل الطرق كانت مسدودة أمامنا.. ولا يوجد حل سوى بيع كل ما يملكه محمود وما ورثه عن أبيه..!


~ ~ ~ ~ ~


بينما كان معاذ ومحمود بالحديقة كنت أجلس أمام التليفاز أشاهد إحدى الأفلام بينما كانت سالي تقف أمام النافذة الزجاجية تتطلع إلي الحديقة وترقب معاذ ومحمود وقد علا وجهها وجوماً غريب..
كان يبدو كأن رؤيتها لمحمود تعذبها كثيراً.. ليت معاذ يدرك مشاعرها نحو صديقه لكي يبعده عن محور نظرها بقدر الأمكان..!
حاولت أن أحثها على متابعة الفيلم معي غير أنها قالت :
" لا أريد مشاهدة أى شئ.. تابعيه أنتِ إن شئتِ.."

أمسكت جهاز التحكم عن بُعد وأوقفت العرض ثم استدرت لأنظر إليها قائلة :
" ماذا دهاكِ سالي..؟ ألستِ أنتِ من أشترى هذا الشريط..؟ هيا فلنشاهده معاً.. إنه فيلم جميل.."

قالت بأكتئاب :
" سأشاهده فى وقتٍ أخر.."

اطلقت زفرة ضيق ولذت بالصمت لبرهة قصيرة قطعتها سالي حينما قالت بشرود وضيق :
" إنه لا يكترث بي إطلاقاً.. "

وكانت تعني بذلك محمود..!
وبالفعل هذا ما الاحظه دائماً..؛ فهو بالفعل لا يكترث لها إطلاقاً بل ولا يكاد يشعر بوجودها حتى..!
لم أعلق على جملتها ولم أدر بماذا أجيبها فلذت بالصمت أيضاً بينما تابعت هي بأسى شديد :
" إنه لم يصافحني حتى.. لم يتبادل معى كلمة واحدة.. "

قلت :
" إنه يبدو مستاءً.. بالتأكيد هناك أمر ما يزعجه.."

هزت رأسها نافية وقالت :
" لا.. هو ليس مستاء.. هو فقط لا يعيرني أهتمام.. أنه يعني لي كل شئ.. بينما أنا لا أعني له أى شئ.. ولا أدري ماذا يجب أفعل له لكى ينتبه إلىّ..؟ وماذا أفعل لكي أثير أهتمامه..؟"
ختمت جملتها بأن أجهشت فى البكاء فجأة دون سابق إنذار..
شعرت بالأسى على حالها وحاولت مواستها وأنا أدرك جيداً أن كلماتي لم تكن لتخفف عنها ضيقها..
بعد أن انتهت من نوبة بكاءها قالت :
" سأصعد إلى غرفتي.. "

وحينما لاحظت إعتراضي قالت :
" استيقظت باكراً جداً اليوم.. رُبما سأنام لبعض الوقت.."

وانصرفت إلى غرفتها بينما بقيت أنا وحدي بالغرفة وقد خبت رغبتي فى متابعة ذلك الفيلم فأغلقت التليفاز وكدت أذهب إلى غرفتي لاستذكر بعض دروسي غير أننى صادفت معاذ بطريقى والذى كان فى طريقه إلى غرفة المكتب..
قلت :
" هل غادر صديقك..؟"

قال :
" كلا.. إنه يجلس بالصالون.. سأذهب للأتصال بصديق لي.."

وأضاف :
" هلا أعددتِ له فنجان قهوة أخر..؟"

كان هذا الوقت هو وقت راحة العاملين بالمطبخ.. حيث يتناولون طعامهم ويسترحيون لبعض الوقت فكان لابد أن أذهب بنفسي لأعد القهوة وأجلبها له..
حينما انتهيتُ من القهوة لم يكن معاذ قد غادر مكتبه بعد فذهبت لأقدم القهوة لمحمود..
كان جالساً بنفس المقعد الذى جلست عليه يوم قدمت إلى هذا المنزل لأول مرة.. وكان يتطلع إلى الحديقة عبر الواجهة الزجاجية الكبير..
قدمت له القهوة وهممت بالانصراف غير أنه قال :
" تلك الورود البيضاء جعلت الحديقة أكثر جمالاً وإشراقاً.. أهنئكِ على ذوقكِ.."

قلت بدون تفكير :
" كان قراراً سريعاً.. أردت فقط استبدال زهور البنفسج ولو بنبات الصبار..! "

ابتسم شبه ابتسامة وقال :
" على أى حال.. هنيئاً لكِ بالحديقة الجميلة.. والجامعة.. وبمعاذ.."

وأضاف :
" أنكِ تقفين الأن على أعتاب تحقيق أحلامكِ.. فأعملي جاهدة على تحقيقها.. ولا تجعلي أحداً يعترض طريقكِ قط.. "

قلت :
" لن أسمح لأحد بأن يعرقلني عن تحقيق أحلامي.. ولن أعود تلك الفتاة البائسة التى قابلتها يوماً ما بباريس.."

استدرت بعد ذلك لأنصرف فطالعني وجه معاذ ومن خلال نظراته المصدومة وتعبيرات وجهه أدركت أنه سمع كل شئ..!

~ ~ ~ ~ ~

تتبــــــــــــــــــــــــــع

،
،



الجُودْ ؛ 19-07-12 06:09 AM









30




كالمعتاد ، انصرف معاذ فى المساء وذهب إلى حيث لا أعلم..
وكالمعتاد أيضاً تأخر فى العودة إلى ما بعد منتصف الليل ، وبينما كنتُ انتظره بغرفتي استغرقت في النوم حتى ظُهر اليوم التالي وبالطبع كان قد انصرف إلى عمله ؛ فلم تسنح لي الفرصة بلقاءه والتحدث إليه..
لم تكن لي شهية لتناول أى شئ فجلست بغرفتي وعكفت على استذكار دروسي حتى حان وقت الغداء فهبطت إلى غرفة المائدة وكان الطعام قد أعد لشخص واحد فقط وعلمت من الخدم أن معاذ لن يحضر لتناول الغداء وكذلك سالي ستظل قابعة بغرفتها مُعرضة عن أى طعام ..!
شعرت بإنقباض بمعدتي وبصدري بينما أرى أطباقى وحيدة على المائدة لا ترافقها أطباق معاذ ، فطلبت من الخدم أن يرفعوا أطباقى ثم توجهت إلى غرفة سالي والتى لم تكن حالتها أفضل من الأمس..!
كانت تجلس أمام المرآة تمشط شعرها وتتطلع إلى صورتها المنعكسة بشرود.. وحينما دخلت إلى غرفتها ألتفت قليلاً وطالعتني بنظرة كئيبة ثم قالت :
" لن أتناول أى شئ.. أرجوكِ أروى لا تلحين علىّ.."

قلت :
" كما تشائين.. على أى حال أنا أيضاً لست جائعة.. ولم أتي لهذا السبب.. أتيت فقط لأطمئن أنكِ بخير.."

قالت بنبرة مبهمة :
" أطمئني.. إننى بخير.."

وألتفتت ثانية إلى المرآة وتابعت تمشيط شعرها بصمت..

شعرت أنه لا جدوى من الحديث إليها فقلت :
" حسناً.. على أى حال سأذهب لاستذكار دروسي.."

واستدرت هامة الانصراف غير أنها استوقفتني قائلة :
" هل علمتِ بما حدث لمحمود..؟"

ألتفت لأنظر إليها وقد استرعت انتباهي جملتها الأخيرة..
دققت النظر إليها فى انتظار ما ستقول غير أنها أخرجت علبة مستحضرات التجميل وانهمكت فى اختيار لون لظلال الجفون..
قلت أحثها على المواصلة :
" ماذا حدث لمحمود..؟ "

رفعت نظراتها وتطلعت إلىّ عبر المرآة ثم قالت بهدوء :
" سيعلن إفلاسه قريباً.. سيبيع كل شئ.. حتى منزله.. لن يبق له أى شئ على الأطلاق.. "


~ ~ ~ ~ ~ ~

قضيت اليوم التالي بأكمله فى غرفتي الغارقة فى الظلام..
لم أكن أفكر بأى شئ أو أتأمل إحدى الحلول التى قد تنقذني من الافلاس.. كنت فقط أريد الجلوس وحدي.. حتى أمى لم اسمح لها بالدخول.. أغلقت باب غرفتي وأوصدته كما أغلقت هاتفي..
فقط كنت أريد بعض الهدوء.. وأريد أن استوعب أننى خسرت كل شئ..
وعدت إلى الصفر..
أفقت من شرودي على صوت طرقات على باب غرفتي.. كانت أمى تأتي لتتفقدني كل فترة وتسأل إذا كنت بحاجة لطعام أو أى شئ وبالطبع كنت أقابلها بالرفض..
قلت :
" أمى أرجوكِ دعيني وحدي.. أنا بخير ولست بحاجة لأى شئ على الأطلاق.. فقط دعيني وحدى.."

أتانى صوت معاذ يقول :
" أفتح الباب يا محمود.. إنه أنا.."

رغم أننى لم أكن فى حالة تسمح لي بمقابلة أى شخص ، غير أننى لم أملك سوى أن أجر أطرافي جراً وأتوجه لأفتح له الباب.. ومن خلال بصيص النور المتسرب من فرجة ما بالنافذة رأيته يدلف إلى الغرفة فتوجهت إلى سريرى وجلستُ على طرفه واسندت مرفقى إلى ركبتى ودفنتُ وجهى بين كفي.. بينما توجه معاذ ليشعل النور ويبدد الظلام المُعتم الذى كان يخيم على الغرفة.. وتلا هذا صمت تام..

قال أخيراً :
" ماذا تظن نفسك فاعلاً..؟ أبهذه الطريقة تحل مشاكلك..؟"

وفوجئتُ بأن صوته كان فوق رأسي مباشرة.. وحينما أبعدت كفي عن وجهى وجدته يقف أمامى وقد عقد ساعديه أمام صدره وراح يرمقنى بنظرات محنقة..
قلت :
" أنا لا أحل أى شئ.. فلا حل لتلك المشكلة على الأطلاق.."

قال :
" لابد أن يوجد مخرج ما.. لقد تحدثت إلى المحامي وهو أخبرني بأنه سيبحث فى هذا الأمر.. رُبما يقبل البنك أن يقرضك مبلغ ما تسدد به ديونكَ.."

قلت بيأس :
" ورُبما لا يقبل.. وأكون أنا قد انتهيت تماماً.."

صاح معاذ ثائراً :
" أى تشاؤم هذا..؟ إنك لا تصلح لأن تكون طبيباً نفسياً بقدر ما تصلح لأن تكون المريض.."

وأضاف بضيق :
" هيا أنهض وأرتدى ثيابك لنذهب معاً إلى الخارج.. إننى لم أتناول أى طعام منذ الصباح.."

قلت :
" لا أشتهى أى طعام.."

أطلق معاذ زفرة حانقة ثم قال :
" لابد أن تأكل شيئاً.. أمك قلقة عليك جداً.. على الأقل أفعل هذا من أجلها..؛ يكفى ما تشعر به من ضيق من جراء ما تمرون به.. لا تحملها همك أنت أيضاً.. هيا انهض وأرتدى ثيابك وسأنتظرك بالاسفل لنذهب معاَّ.."

~ ~ ~ ~ ~

فى الموعد المحدد لتناول العشاء توجهت إلى غرفة المائدة ؛ فوجدتُ الطعام قد أعد لشخص واحد فقط..!
وحينما سألت عن معاذ قيل لى أنه لم يعد بعد.. أما سالى فقد خرجت منذ فترة ولم تعد إلى الأن.. وهذا ما بعث بالقلق إلى نفسي.. لقد كانت فى حالة سيئة.. ترى إلى أين ذهبت..؟
حاولت أن أتصل بها مراراً لكنها لم تجيب أتصالاتي مما زادني قلقاً عليها.. وقررت أخيراً أن أتصل بمعاذ لعله يعلم أين هى..؟
ولكن حتى معاذ لم يجيب أتصالاتي..
شعرت بالحنق وطغى علىّ الاحساس بالوحدة وكلما تطلعت إلى الأسقف العالية والمنزل الكبير كلما أزداد شعورى بضآلتي..
بعد فترة من الزمن عادت سالي إلى المنزل.. وحينما سألتها عن سبب خروجها قالت أنها كانت تزور صديقتها ثم توجهت إلى غرفتها واختفت بداخلها.. وعدت للوحدة مجدداً..!
قررت أخيراً أن اختار إحدى الأفلام لاشاهدها.. اليوم سانتظر معاذ حتى وإن عاد فى الصباح.. لابد أن أتحدث إليه وإلا سأجن..!
أمسكت بصندوق الشرائط ورحت أبحث به عن فيلم أتابعه ، وأخيراً استقريت على إحدى الأفلام الكوميدية وبينما كنت أضعه فى جهاز الفيديو أتانى صوت معاذ من الخلف يقول :
" ماذا تفعلين..؟ "

انتفض جسدى بشدة وألتفت إليه مذعورة فابتسم وقال :
" آه.. يبدو أن الطالبة المجتهدة ملت استذكار دروسها وقررت أن تبدأ بالعبث من أول يوم.."

قلت بضيق :
" إننى استذكر دروسي منذ الصباح.. "

قال مصححاً :
" بل تقصدين منذ الظهيرة.. فعلى حد علمي أنكِ استيقظت متأخرة اليوم.. "

شعرت بالخجل وتسربت إلى وجنتيّ بعض الحمرة فقال معاتباً:
" يبدو أنكِ لن تكوني طالبة مجتهدة كما وعدتِني.. ورُبما سأضطر لإتخاذ قرار حاسم بشأنكِ.."

وأضاف مازحاً :
" لست أدرى أى عقاب سيجدى معكِ..؟ إنني بالطبع لن أجعلكِ تقفين أمام الحائط مرفوعة الزراعين.. ولن استطيع ضربكِ بالعصا.. رُبما أجعلكِ تقومين بعشر دورات فى الحديقة.. أو رُبما أجعلكِ تعيدين زراعة البنفسج مرة أخرى.. "

لست أدرى لِم شعرت بكل هذا الضيق من جراء كلماته فقلت محنقة :
" لن تكون بحاجة لأى شئ لأننى لن اتقاعس عن دروسي.. وبالمناسبة.. إذا كنت تريد زراعة البنفسج مرة أخرى فلتفعل.. هذا لا يعنيني بتاتاً.. "

فوجئت بابتسامة معاذ التى اتسعت ونظراته التى أطل منهما الخبث وهو يقول :
" حسناً.. ولماذا أنتِ غاضبة هكذا..؟ "

قلت محاولة أن أبدو غير مبالية به :
" لست غاضبة.. كل ما فى الأمر أننى أريد أن أنام.."

قال :
" أذن لن تتابعين الفيلم..؟ إنه فيلم رائع.. "

قلت :
" تابعه أنت إن شئت.. "

وتوجهت إلى باب الغرفة هامة الانصراف غير أنه اعترض طريقى وحال دون خروجى قائلاً :
" لماذا أنتِ غاضبة هكذا..؟ "

هتفت محنقة :
" لأنكَ تتظاهر بأنه لم يحدث أى شئ.. "

قال معاذ فى حيرة :
" وماذا حدث ..؟ "

هتفت به فى حدة :
" لقد سمعت حديثنا أنا ومحمود.. لا تنكر ذلك.. لقد رأيتك ولاحظت من تعبيرات وجهكَ أنكَ سمعت كل شئ.. ورُبما صور لك عقلك أشياء لم تحدث.. "

قال بهدوء :
" لم يصور لي عقلي شئ قط ، لقد فهمت من حديثكَ أنكِ ألتقيتِ به فى باريس.. ولم أجد الأمر يحتاج إلى شرح.. لقد ألتقيتم مصادفة وتحدثتم.. أليس كذلك..؟ "

قلت مدافعة عن نفسي :
" أجل ولكن الأمر لم يكن كما صورلك خيالك.. لقد كنت أريد تناول فنجان من القهوة ، ذلك اليوم الذى خرجت فيه وحدي ، وهو ساعدني وقام بشراء القهوة لي.. وحينما ألتقينا ذلك اليوم فى منزله لم أشأ أن أخبرك بهذا لكي لا تسئ الظن بنا.. هذا كل شئ.."

انتظرت أن أرى ردة فعله على حديثي غير أنه ظل صامتاً ولم يعقب بكلمة ، بينما بقيت ملامحه ظلت جامدة دون أى تعبير..
قلت بصوت خافت :
" ألن تقل أى شئ..؟"

كان رده بأن مد يده وأمسك بيدى وحثنى على الجلوس.. ثم قال :
" لم أكن بحاجة لأن تشرحي لي أى شئ.. أننى أعرفكِ جيداً وأثق بكِ.."

شعرت بوجهي يتوهج من جراء كلماته وشعرت بمدى سخافة ما أفعل وما أقول..
قلت بخجل :
" هذا يعنى أنكَ لست غاضباً منى.."

هز رأسه نافياً ثم قال :
" كلا بالطبع.."

قلت :
" ظننتكَ تتهرب من لقائي لهذا لم تعد إلى المنزل إلا الأن.."

أخذ نفساً عميق وزفره ببطئ ثم قال :
" لقد كنت مشغولاً طوال اليوم ولم تسنح لي الفرصة سوي الأن.. "

قلت :
" أيعنى هذا أنكَ كنت بالشركة طوال اليوم..؟"

قال :
" فى الصباح ذهبت إلى الشركة وانهيت بعض الأعمال ، ثم ذهبت بعد ذلك لمحمود وخرجنا لتناول العشاء ثم عدت مباشرة إلى زوجتي الجميلة.. "
وأضاف مازحاً :
" أرأيتِ كم أنا زوج مخلص..؟ "

ابتسمت رغماً عني وقلت :
" من قال هذا..؟ رُبما كان لمحمود شقيقات ..؟ "

هز معاذ رأسه نافياً ثم قال :
" كلا.. إنه وحيد تماماً.. لا يوجد لديه أشقاء وشقيقات.. أو زوجة.. أو حتى حبيبة.. كل ما لديه هى أمه.. وهو كل ما لديها.."
وأضاف بخبث :
" إنه حر تماماً.. من حسن حظه بالطبع..! "

قلت باسمة :
" إذا كنت اشتقت إلى الحرية فبأمكانكَ أن تعود إليها بكلمة واحدة فقط.."

أغمض عينيه لبرهة ثم عاد ليفتحهما قائلاً :
" هذه الكلمة لن أنطقها أبداً يا حلوتي.."

ومد يده إلى وجنتي وتحسسها برفق ثم قال :
" لقد أنفلت زمام قلبي من بين يدي ولم أعد قادراً على ردعه.. "

شعرت بدغدغة تسري بأطرافي لدى سماعي لجملته.. وتدفقت الدماء إلى رأسي.. ورغم محاولاتي المستميتة لمنع تلك الابتسامة غير أنها أفلتت مني رغماً وارتسمت على شفتيّ رغماً عني..!
قلت :
" أظن أن برودة الطقس أثرت على عقلكَ.. ما رأيك أن تذهب للنوم..؟ "

قال :
" ليس قبل أن تذهبي أنتِ للنوم.. فغداً لديكِ محاضرة باكراً ولن اسمح بأن تتقاعسي من البداية.."

قلت وأنا أنهض متجهة إلى غرفتي :
" حسناً سأذهب للنوم فقط لكى أبطلكَ حجتكَ.."

وأضفت :
" تصبح على خير.."

~ ~ ~ ~





الجُودْ ؛ 19-07-12 06:11 AM






31




استيقظت باكراً استعداداً لتوصيل أروى إلى جامعتها.. وبما أن الخدم لا يستيقظون باكراً جداً هكذا فقد اقترحت أروى أن تقوم بإعداد الفطور.. وبعدما انتهت منه جلست اتناوله فيما أكتفت هى بإحتساء قهوتها..


قالت أروى بعدما فرغت من تحضير الطعام :


" لست بارعة فى الطهو.. لكن أعتقد أن البيض المقلي سيكون مستساغ الطعم ؛ فهو لا يحتاج لفن على أى حال ..! "




قلت لها مشجعاً :

" أى شئ تصنعيه بيديك سيكون له مذاق أخر.."


ردت بشئ من الخجل :

" بأمكاني أن أتعلم الطهو.. لو كنت تحب أن أطهو لك الطعام بنفسي.. "


قلت مازحاً :

" هل وجدتِها فرصة جيدة لتتهربي من المذاكرة..؟ "


وأضفت :

" فى العطلات فقط سأجعلكِ تطهين لي.. أو بالأحرى.. تجربين بي..!"


حينما انتهيتُ من تناول الطعام غادرنا المنزل فى طريقنا إلى الجامعة..

كان الطقس بارداً والسماء ملبدة بالغيوم وكأنها على أهبة الاستعداد لتفاجئنا بسيل متدفق من الأمطار فى أى لحظة..!

توقفت أخيراً عند جامعة أروى فألتفت لتنظر إلىّ قائلة :

" ستأتي لتصطحبنى فى طريق العودة..؟"


نظرت إلى السماء قائلاً :

" بالطبع.. لن أترككِ تعودين وحدكِ فى هذا الطقس الغريب.."


قالت :

" أذن لا تجعلني انتظركَ طويلاً.. إلى اللقاء.."


قلت :

" انتبهى لنفسكِ جيداً.. "


قالت مازحة :

" ها قد بدأت مجدداً فى تلك الوصايا التى لا تنتهى.. "


" على الأقل أجيبني لكى يطمئن بالي.."


" كن مطمئن البال.. سأنتبه لنفسي جيداً.."


" استودعكِ الله عزيزتي.."


ذهبت إلى العمل بعد ذلك وأنجزت كل الأعمال اللازمة وقبل الموعد المحدد لانتهاء أخر محاضرة لها كنت أقف أمام الجامعة مُنتظراً حضور أروى..

اليوم لن يكون لدي عملاً فى المساء ورُبما نذهب إلى السينما أو إلى أى مكان تريده أروى.. أريد أن أعوضها عن الفترة الماضية بأى شكل..

قاطع أفكاري رنين الهاتف ، وكان المتصل هو محمود.. وعلى غير المتوقع كان مبتهج للغاية وهو يقول فى سعادة :

" لن تصدق ما حدث.."


وقبل أن أسأله استطرد قائلاً :

" هناك من يريد أن يشاركني بالشركة وسيشتري النصف بثمن رائع.. سيكفى لتسديد كل ديوني دون أن اضطر لإعلان إفلاسي ولأن ابيع كل ما أملك.."


فاجأني الخبر وأسرني كثيراً ، فأطلقت ضحكة طويلة ثم قلت :

" حقاً ..؟ مبارك عليكَ.. ألم أخبرك أنكَ ستجد حلاً قريباً..؟ "


فى تلك اللحظة أقبلت أروى ودلفت إلى السيارة ، فى حين قال محمود :

" لقد كدت أيأس من هذا.. الحمد لله.."


رددت خلفه :

" الحمد لله.. أذن لابد أن نحتفل بالخبر السعيد.."


قال مباشرة :

" لهذا أتصلت بكَ.. ما رأيك بأن تأتي لتتناول معى طعام العشاء اليوم..؟ أنتَ وزوجتكَ وشقيقتكَ بالطبع.."


قلت بسرعة :

" بالتأكيد.. حسناً نتقابل فى المساء أذن.."


أغلقت الخط وألتفت لأنظر إلى أروى التى بادرتني قائلة بتأفف :

" ستتقابلان اليوم أيضاً..؟"


قلت :

" إنه يدعونا جميعاً لتناول طعام العشاء لديه.."


أروى حدقت بي باستغراب ثم قالت :

" لماذا..؟ أهناك مناسبة ما..؟ سمعتكَ تقول هذا.. خيراً..؟"


قلت :

" لقد مرت أزمته بخير ولن يضطر لاشهار افلاسه.. ولهذا السبب فهو يدعونا لتناول العشاء.. "

" تقصد أنه يدعوني معكَ..؟"

" طبعاً.. بل وقبل مني.. ما رأيكِ..؟"

" لِم لا..؟ "

" وكذلك ستأتي سالي بالطبع.. لقد دعاها هى أيضاً.. ستكون فرصة جيدة لأن نجتمع ثلاثتنا اليوم على العشاء.."


قالت أروى وقد غيرت رأيها فوراً :

" لا أظن ذلك.. رُبما من الأفضل أن تذهب وحدكَ ، فيم نبقى أنا وسالي بالمنزل..؟"


لم أفهم سبب رفضها المفاجئ فقلت :

" ولكن لماذا..؟"


ظلت صامتة لبرهة وقد بدت عليها علامات التفكير العميق قبل أن تقول :

" هذه الفترة لا تبدو سالي على ما يرام.. رُبما هناك ما يضايقها.. وأعتقد أنها سترفض الذهاب لذا فمن الأفضل أن أبقى معها.."


هتفت بحماس :

" بل ستكون فرصة لتتحسن نفسيتها قليلاً.. سأخبرها أنا بنفسي ولا أظنها سترفض.."


~ ~ ~ ~ ~


فشلت كل محاولاتي لإقناع معاذ بالعدول عن فكرة الذهاب إلى منزل محمود ، لم أكن أريد لسالي بأن تقابله لكى لا تزداد تعلقاً به غير أنه معاذ أفسد علىّ كل شئ حينما أخبرها بالأمر وأقنعها بالذهاب معنا..!

وفى المساء توجهنا جميعاً إلى منزل محمود.. ولأول مرّة قابلت والدة محمود التى رحبت بنا ترحيبٍ شديد وأبدت سعادتها بالتعرف علىّ ، وأمطرتني بالتهاني القلبية على الزواج..!

قالت :

" مبارك لكما على الزواج.. لم تسنح لي الفرصة لأبارك لكما على الزواج سوى الأن.. أعذراني فقد كان الأمر مفاجئاً لنا جميعاً.."


ألتفتُ لأنظر إلى معاذ وتشابكت نظراتنا للحظات قبل أن تعود نظراته إلى والدة محمود ثم يقول :

" أجل.. حدث كل شئ بسرعة.. "


وابتسم مضيفاً :

" حينما رأيت أروى لأول مرّة قلت فى نفسي : هذه الفتاة ستكون لي ! ولم أشأ أن أضيع ولو لحظة واحدة.."


تسارعت خفقات قلبي وتوهج وجهي لدى سماعي لكلمات معاذ.. وللمرة ثانية ألتقت نظراتنا للحظة قبل أن أشيح بنظراتي عنه وأحلق بعيداً إلى حديقة الغناء الرائعة التى تطل عليها النافذة الكبيرة والتى تتيح لمن يجلس الاستمتاع بذلك المنظر الرائع.. فيما قال معاذ لمحمود :

" وأنتَ..؟ ألن نفرح بكَ قريباً..؟ "


ألتفت لأنظر إلى محمود الذى ابتسم قائلاً :

" إذا وجدت الفتاة المناسبة فسأفعل مثلكَ تماماً.. لن أضيع لحظة واحدة.. " !


وضحك الجميع فيما عداى أنا وسالي..!

عاد محمود يقول :

" أمى.. لقد تضورنا جوعاً.. ماذا عن الطعام..؟"


نهضت والدته على الفور لتطلب من الخدم التعجيل بتقديم العشاء ، فأنزوى كلاً من محمود ومعاذ إلى حديث جانبي ، فيما نهضت سالى قائلة :

" سأذهب إلى الحديقة لاستنشق بعض الهواء.. "


قلت بسرعة :

" أذن سأتي معكِ.. "


غير أنها قالت :

" لا داعِ.. سأكون بخير.. فقط أريد أن أتمشى قليلاً وأن أعيد التفكير ببعض الأمور.."


لم أشأ أن أزعجها فتركتها تذهب فيما بقيت أنا جالسة استمع إلى أحاديث كلاً من معاذ ومحمود..

قال معاذ :

" لم تخبرني كيف تم الأمر..؟ أقصد ذلك الذى يريد شراء نصف حصتكَ من الشركة..؟ "


هز محمود كتفيه قائلاً :

" أنا لم استوعب الأمر بعد.. لقد أتصل بي المحامي وأخبرني أن ثمة من يريد مشاركتي بالشركة.. وتم البيع والشراء فى غضون ساعات.. كان الأمر أشبه بحلم بعيد المنال.. ولكنه تحقق..! "


قال معاذ وقد تفاقمت دهشته :

" ومن يكون هذا الشخص..؟ لابد أن رجل أعمال كبير.."


قال محمود :

" إننى حتى الأن لم أعرفه.. لقد اشترى حصته عن طريق وسيط.. وفى الحقيقة يروادني الفضول لرؤيته كثيراً.. إننى مدين له بالكثير.."


فى تلك اللحظة أقبلت والدة محمود لتخبرنا بأن العشاء صار جاهزاً.. فذهب معاذ لاحضار سالي من الحديقة فيما توجهت برفقة محمود إلى غرفة المائدة..

قال محمود بينما كنا نسير :

" ماذا أعددتِ من أجل معاذ..؟ أقصد من أجل عيد ميلاده.. لم يتبق سوى يومين على ذلك.."


تفاجأتُ كثيراً ؛ فلم أكن أعلم أن عيد ميلاده قد أقترب إلى هذا الحد..

قال محمود بدهشة :

" لم تكوني على علم بهذا..؟! "


قلت مرتبكة :

" لا..! أقصد رُبما لم تسنح الفرصة لأن يخبرني معاذ بهذا.."


قال محمود باسماً :

" رُبما كان هذا من حسن الحظ.. بأمكانكِ أن تعدى لى مفاجأة غير متوقعة.. ورُبما استطيع مساعدتكِ فى هذا.. سأدعو جميع أصدقاتنا ذلك اليوم.. لابد أن يكون يوم مميزاً.."


ابتسمت وقد تفاقمت الفكرة برأسي أكثر..

أعتقد أن معاذ سيحب هذا كثيراً..! ورُبما يجب أن أشترى له قارورة عطر بدلاً من تلك التى كسرتها يومئذٍ..!

أتخذنا أمكاننا على طاولة الطعام وانتظرنا لحين حضور معاذ والذى عاد وحيداً بعد فترة.. ومن تعبيرات وجهه فهمت أن هناك شيئاً ما.. حتى قبل أن يقول :

" لقد انصرفت سالي.. أتصلت بها فقالت أنها شعرت ببعض التعب وعادت إلى المنزل.. "


~ ~ ~ ~ ~

شعرت بحرج شديد لهذا الموقف السخيف الذى وضعتنا فيه سالي.. ورغم محاولاتي لتبرير موقفها أمام الجميع غير أننى كنت أحوج لمن يبرر لى فعلتها.. وبقدر الأمكان حاولت أن أبدو طبيعياً طوال اليوم وألا أفسد الليلة على الجميع.. وقبل مغادرتنا شكرت محمود ووالدته على حسن ضيافتهما ثم توجهت برفقة أروى إلى السيارة..

وفى طريق العودة كانت كان الصمت المطبق يغلفنا.. وكانت أروى طوال الطريق تنظر من النافذة دون أن تبس بكلمة فى حين كنت حائراً من تصرف سالي الغريب وأتعجل العودة إلى المنزل لأتحدث إليها وأفهم سبب مغادرتها بهذه الطريقة الغير لائقة..!

قالت أروى فور وصولنا للمنزل :

" لا تتحدث معها الأن.. انتظر حتى الصباح وتحدثا كيفما شئتم.."


غير أننى قلت بطريقة لا تقبل الجدل :

" بل سأتحدث إليها على الفور.. لابد أن أفهم الأمر.."


وحثثتُ الخطى مسرعاً إلى غرفتها فى حين ذهبت أروى إلى غرفتها دون أن ترافقنى..

كانت سالي تستعد للنوم غير أننى لم آبه بذلك وسألتها على الفور :

" هلا فسرتِ لي سبب ذهابكِ المفاجئ..؟"


هزت سالى كتفيها بلا مبالاة وعدم إهتمام ثم قالت :

" لكني أخبرتكَ بالفعل.. لقد شعرت ببعض التعب فعدت إلى المنزل.."


قلت منفعلاً :

" على الأقل كان يجب أن تلقى التحية على أصحاب المنزل.. لا أن تغادرى منزلهم دون حتى أن تودعيهم.."


أطلقت تنهيدة طويلة ولاذت بالصمت فى حين تابعت أنا :

" لقد وضعتِني فى موقف حرج.. حاولت أن أبرر للجميع سبب مغادرتكِ لكني نفسي لم أقتنع بالمبررات.."


قالت :

" لم أقصد فعلاً أن أضعكَ بموقف محرج.. لقد كنت متعبة حقاً ولست أدرى كيف أجعلك تصدقني.. وعلى أى حال فبأمكاني أن أتصل غداً بوالدة محمود لأعتذر لها لو كان هذا يرضيكَ.."


قلت :

" أجل يرضيني جداً.. "


قالت ببساطة :

" أذن سأتصل بها فى الصباح الباكر.. أهناكَ شئ بعد..؟"


قلت :

" لا.. تصبحين على خير.."


وتوجهت إلى باب الغرفة وكدت أغادرها لولا أنها استوقفتني قائلة :

" انتظر لحظة.."


توقفت بمكاني وألتفت لأنظر إليها فلاذت بالصمت وقد بدا عليها التردد..

سألتها :

" أهناكَ شئ ما ..؟"


أطرقت برأسها لبرهة ثم لم تلبث أن رفعت رأسها ونظراتها نحوى وقد حسمت أمرها فقالت :

" ألازال مكتبي بالشركة كما هو..؟"


أدهشني طرحها لهذا السؤال فى هذا الوقت بالذات ، غير أننى أجبتها :

" بالطبع.. لم يشغله أحداً كما أوصى أبى قبل موته.. سيكون لكِ وقتما تنهين دراساتكِ العليا وتقررين العمل معي.. "


قالت :

" لقد قررت.. سأبدأ العمل معكَ منذ غداً.. "


وأضاف :

" لقد نلت شهادات عديدة وأظن أن هذا يكفيني على الأقل فى الوقت الحالي.. إننى فى حاجة لشئ أشغل به وقتي.. وأظن أن العمل هو أنسب حل لقتل الملل.."


~ ~ ~ ~




يتبع


الساعة الآن 07:55 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية