منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   2 - الأمواج تحترق - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t135300.html)

Rehana 02-02-10 07:30 AM

وسألت:
-" هل يستأجرونها؟".
وأومأ بالأيجاب وبرقت عيناه بالسرور وهو ينتظر النتيجة وأردفت:
-" هل يمكننا...".
لكنها هزت رأسها ... أندرياس فوق دراجة! وأكملت:
-" لن يعجبك هذا بالطبع".
-" على العكس , سأستمتع به كثيراً, فالمرء لا تتاح له الفرصة كثيراً لمثل هذه الرياضة الصحية".
وعندما وصلا الى المكان الأثري سأل سائق سيارة الأجرة:
-" هل أنتظر؟".
رد أندرياس:
-" لا أعتقد ذلك , فسنبقى هنا فترة طويلة".
ثم استدار الى شاني وهو يقول:
-" هل أطلب منه أن يعود الينا أم سنعود سيراً على الأقدام؟ هذا أمر متروك لك".
-" ليست المسافة بعيدة, كما أن الطريق منحدرة نحو سفخ التل , دعنا نسير؟".
كم كان الأمر كله طبيعياً , أندرياس يشاورها , عفواً, وهي تعرب عما تفضله, مثل أي زوجين عاديين , فكرت في ذلك وبينما هي تبتسم لنفسها تصادف أن أندرياس لمحها فسأل :
-" لماذا كانت هذه الأبتسامة؟".
-" ماذا؟".
-" الأبتسامة , تعرفين ما أتحدث عنه".
وخفضت عينيها فجأة مراوغة , لكن يده الرقيقة تحت ذقنها رفعت رأسها ثانية , فقالت متلعثمة:
-" كنت , كنت أفكر".
-" في أي شيء؟".
وضحكت ضحكة قصيرة تنم عن الخجل , ثم هزت كتفيها هزة الأستسلام وقالت:
-" كنت أفكر في أننا نبدو وكأننا متزوجين حقيقة".
واتسعت حدقتاه وهو يقول في رقة ولكن بحزم:
-" اننا متزوجين حقيقة يا عزيزتي, قلت أن هذه الأجازة ستكون وقتاً سنذكره دائماً , وأنوي أن أجعلها كذلك تماماً, لكنها هدنة فقط, واذا كنت , بعد أن تنتهي , لا تزالين تريدين حريتك فسنعود من حيث بدأنا".
وأطلق ذقنها , لكنها استمرت تنظر اليه, بعينين واسعتين مستديرتين , وقد انفرجت شفتاها وأخذتا ترتعشان بخفة, وأضاف:
-" أنك زوجتي يا شاني , ولن أدعك تفلتين مني أبدا".
اذن كانت النعومة ولمحات التدليل اللأهية التي لقيتها منذ غادرا قبرص مجرد جزء صغير من قناعه الخارجي , فهو أساساً , صلب وعنيد , رجل لن يمكن اطلاقاً اقناعه بالتنازل عن سيطرته , ويجب ألا تنسى ذلك اطلاقاً , كما أخبرها.
وأخذ يدها في يده وضغط عليها بخفة وهو يقول:
-" أي شيء يواجهنا في المستقبل يمكن معالجته في حينه , أما في الوقت الحاضر فينبغي ألا تعكر أية لمحة من الخلاف صفو لحظة واحدة من هذه الأجازة".
أي شيء يواجهنا في المستقبل... أسرعت دقات قلب شاني لأنها أحست تحذيراً ماكراً في تلك الكلمات التي قيلت بسرعة:
-" أندرياس ؟".
-" عزيزتي؟".
كانت أصابعه تلتف قوية حول أصابعها وهو يقودها بتؤدة نحو مستشفى أبو قراط, حيث أعيد بناء معظمه كما أعيدت اقامة بعض الأعمدة بعدما انهارت بسبب الهزات الطبيعية . ثم أردف:
-" ماذا هناك؟".
وابتسمت قائلة:
-" لا شيء , لا شيء على الأطلاق".

يتبع...

Rehana 02-02-10 07:30 AM

وبعد ذلك بفترة وجيزة وما يتجولان نحو حرم اسكابيوس, انه العلاج والطب اليوناني, سألت شاني بفضول فاتر اذا كن أندرياس ملماً بتاريخ المكان, فلم يكن هناك فيما يبدو , أي مرشد وأضافت:
-" أنني أعرف القليل, لكنه لا يكفي لشرح كل شيء".
-" أعتقد أنني أعرف معظم التاريخ, فيما بيننا يمكننا أن نلم بما حولنا, لأنني أرغب في أن أتجنب المرشدين لو أمكن فالمرء حيثم يجد المرشدين , آليا يجد السياح".
وكما هو الحال بالنسبة الى جميع الأماكن المقدسة اليونانية كان هذا المكان مهيباً , بني في غابة أبوللو(2) المقدسة, قبل ميلاد المسيح بأربعة قرون, وتحف بلمكان كل أشجار السرو والنخيل وأدغال نباتات الدفلى وشجيرات الخبازي القرمزية, بينما على مسافة بعيدة يوجد السهل الذي تنتشر فيه الأشجار , يمتد نحو مضيق هاليكا رناسوس , وخلف ذلك يمكن رؤية سواحل آسيا الأرجوانية.
وكان لا يزال ممسكاً بيدها, وبدا كأنه يساعدها برقة, برغم أن شاني لم تكن بحاجة الى المساعدة, وأدت درجات أعرض من الحجارة الى معبد اسكلبيروس سليل أبو قراط, الذي ينحدر هو نفسه من أبوللو , اله الشمس.
قال أندرياس عندما أخذا يرتقيان درجات السلم:
-"هناك ثلاثة مسطحات, الأعلى بني أولاً , ولذلك سنبدأ من هناك".
وعلقت شاني:
-" لا يمكنني أن أفرق بين الخيال والواقع , لو أن أسكليبوس كان اله وأبو قراط رجلاً، اذن كيف يمكن أن تكون بينهما صلة؟".
وضحك أندرياس وهو يقول:
-" لم تكن هناك صلة بينهما, لكن اليونانيين القدامى كانوا يحبون أن يعتقدوا أنهما كذلك, ووبما أن أحداً لم يجادل في هذا المجال فقد أصبح مقبولاً, بصفة عامة, أن أبو قراط ينحدر من سلالة العلاج, وتذكري أن أساليب أبو قراط كانت جديدة وثورية الى حد أن اليونانيين القدامى اعتقدوا آلياً, بوجود قوى خارقة للطبيعة فيه".
-" أجل أظن ذلك, وما لا يمكن تصديقه تماماً لأن أفكاره التي ابتدعها منذ أكثر من ألفي عام لا تزال مقبولة اليوم".
وهز رأسه وهو يقول:
-" الهواء النقي والطعام البسيط , التمرينات الصحية والتمتع بقدر كاف من الراحة, أنت محقة تماماً، فأن أساليبه تتفق وما نسمعه في القرن العشرين".
وسادهما الصمت وكل منهما يفكر في حياة الرجل الموقر الذي منح الطب المثالي للعالم, بذكائه ومهارته البديهية , أحد مكتشفي الحقيقة الأساسية, أكثر المبادىء الذي يقول أن في داخل الجسم الآدمي يوجد طبيب طبيعي منهمك في مهمة الوقاية , كان أبو قراط دائماً واعياً لحقيقة أن نجاح الطبيب يعتمد على مساعدة هذه الوقاية التي ترجع للطبيعة.
-" كان أول رجل يتغلب على أعمال السحر والشعوذة".
غمغمت شاني بأفكارها بصوت عال, لكن أندرياس بدا كأنه لم يسمعها والتزم الصمت ثانية, وهو يفكر في توسع المستشفى , وكيف سافر المرضى من جميع أنحاء العالم القديم للعلاج في هذه البقعة المنعزلة التي يسودها السلام, وقد درس أبو قراط نفسه في معبد أسكاليبوس وأصبح فيما بعد طبيباً متجولاً, وزاد من معلوماته ومهارته العلمية قبل أن يعود الى مسقط رأسه في جزيرة كوز.
وهناك بنى معبداً هائلاً للطب, وسرعان ما عرف مستشفاه بوصف أول كلية طبية حيث يمكن للطلبة دراسة الطب بطريقة عملية, وتحت اشرافه أصبح معبد أسكاليبوس معبدا للفن, بالأضافة الى كونه مكاناً للعلاج والعبادة, وكانت نظرية الطبيب العظيم أن توازن العالم الداخلي للأنسان شيء أساسي لصحته .

يتبع...

Rehana 02-02-10 07:31 AM

وهكذا بتوجيهات أبو قراط ابتكرت فنون خلاقة زادت الجمال الطبيعي للمكان , وصارت منسجمة معه تماماً , فانتثرت على الأرش تماثيل البرونز والمرمر, أجملها وأعظمها تمثالا أسكاليبوس وأبوللو ثم أفروديت (2) الجميلة ومن خلال تعاليمه ونظرياته الثورية وضع أبو قراط أسس التفكير العلمي الذي أثر على رجال الطب في جميع أنحاء العالم طوال ألفين وخمسمائة عام.
وأخيراً جاء رد أندرياس على ملحوظة زوجته:
-" كان رجلاً رائعاً بالتأكيد , حتى يمينه بقي , وأصبح كل خريج طب يقسم به".
يمين أبو قراط... رددت شاني , بعض عباراته: النظام الذي سأتبعه سيكون لصالح مرضاي طبقاً لقدراتي وأحكامي , وليس لأذاهم أو الأضرار بهم , ولن ألحق اطلاقاً الأذى بأي شخص و ولن أصف أي دواء ضار ربما يتسبب في الوفاة حتى لو طلب مني ذلك, وسأحافظ على نقاء حياتي وفني , وألقت شاني نظرة على زوجها الذي ضاقت عيناه في مواجهة وهج الضوء وهو يلتقط ما تبقى من معبد أسكاليبوس الشهير, كم هو طويل ومستقيم , نظيف وتبدو عليه بوادر الصحة ذهنياً وجسدياً.
أيمكن لرجل مثله أن ينغمس في علاقة حب؟ هل كانت ليديا حقاً من أولئك الأصدقاء الذين يمكن أن يرتبط بهم كما يعتقد بعض أفراد هيئة المستشفى في لوتراس؟ ساور شاني الشك في هذا , الآن... سأحافظ على نقاء حياتي ! قد يكون يونانياً ومفطورا على حب الطبيعة, لكن شاني . اذ كانت تراقبه وهو مستغرق ذهنياً في استعادة المنظر القديم , لم تستطع أن تصدق أنه من الممكن أن ينسى اليمين لحظة واحدة على الأطلاق.
وأفلت يدها وهو يومىء قائلاً:
-" أنظري فقط الى هذه الدرجات ... أنها من المرمر الأسود".
-" أنها جميلة , لا بد أنهم نقلوا المرمر من مسافة بعيدة".
هز أندرياس رأسه , وأخبرها بأن صخور سلسلة الجبال في الجزيرة تحوي كميات من هذا المرمر الجذاب ثم أضاف:
-"كان حظهم سعيداً لأن المرمر كان هاماً للغاية في أيام أقامة هذا النوع من البناء المعماري".
والى جانب هذه الدرجات كانت هناك آثار رواق أمامي وعدة أعمدة, ولم يبق شيء من معبد أسكاليبوس الدوري (4) العجيب, وتحدث أندرياس في أسى عن الهزات الأرضية العديدة التي تتعرض لها الجزيرة.
وتجولا بين الأطلال ... كانت مجرد بقايا عظمة زالت منذ أمد طويل , وشاهدا أساسات لما يمكن أن يكون بيوت الأطباء وشقق الممرضات , وسألت شاني عندما أتتها الفكرة:
-" هل كان المرضى يضطرون لدفع نفقات علاجهم؟".
-" لا, لكن في معبد أسكاليبوس كان هناك مذبح للشكر, وكان الناس يضعون النقود في الصندوق المخصص لذلك, وكانت الأموال موهوبة, لكنها بالطبع أنفقت في صيانة المستشفى".
وعلى المسطح التالي معبد صغير أيوني الطراز, وآثار فيللا رومانية قديمة , وجزء من معبد كبير آخر , وتوقفت شاني لتحدق في المنظر الأخاذ المحيط بها, وسبقها أندرياس , وعندما استدار وجدها تقف هناك , تبدو صغيرة وفاتنة حيال الأعمدة المرمرية الكورنتية (5) البيضاء الشاهقة, ستة أعمدة أخرى تقف شامخة واضحة تحت سماء اليونان الصافية , بينما تبدو من بينها عن قرب أشجار السرو الرشيقة الساكنة وسط هدوء الجو المعطر بأريج الأزهار.
-" قفي دون حرك".
قال أندرياس ذلك وهو يمسك بآلة التصوير ويلتقط لها صورة, ثم أذن لها بانتسامة , بأن تتحرك وتتقدم نحوه , وأغلق علبة آلة التصوير بعناية بدت غير ضرورية , ولسبب غامض غص حلق شاني , وحاولت قراءة أفكاره لكن وجهه كان يعلوه الجمود المعتاد اياه, واختفت عيناه تحت نظارتين سوداوين.
http://www.liilas.com

يتبع...

Rehana 02-02-10 07:32 AM

وعلى المسطح المنخفض , حيث وصلا بعد نزول السلم الواسع , كانت نافورة الشفاء... لا تزال تندفع مياهها كما كانت أيام أبو قراط, وبما أن كليهما شعر بالعطش والحر في ذلك الوقت أخذا يشربان مياهها المتلألئة , وجفف أندرياس يديها ثم يديه , وفجأة شعرت بأنها قريبة منه الى درجة لم تكن تصدق اطلاقاً أنها ستحدث وقال:
-" أخبريني عندما تشعرين بالتعب يا شاني, هلا فعلت؟".
وكانا يقفان عند قاعدة بعض الدرجات القديمة الضعيفة , حيث توقفا غير متأكدين اذا كان ارتقاؤهما مسموحاً أم لا , كانت على مقربة من المباني الرئيسية , ويبدو أنها تؤدي فقط الى مكان مغلق, وأضاف:
-" يمكنني أن أمضي لكن أنت, لا أريدك أن تتعبي".
لمحة اهتمام في صوته لا يمكن أن يخطئها أحد, ورقة في عينيه وهو ينظر اليها في قلق, وهزت رأسها وقد فاضت نفسها بالسعادة... سعادة جعلتها تتساءل عما سيكون عليه نتيجة هذه الأجازة, وردت بضحكة صغيرة مرحة.
-" فضول الأنثى يجتاحني , وينبغي أن أرى ماذا هناك في قمة هذه الدرجات".
واستجاب أندرياس لحالتها المعنوية وقال موافقاً:
-" أذن هيا بنا, ولو تجاوزنا الحدود وأمسكوا بنا فعلينا فقط أن نعترف بالجهل ونعتذر بتهذيب".
وعندما وصلا الى قمة الدرجات قابلت نظرهما أرض خلاء تكثر فيها الشجرت, وخزنت فيها أكوام المباني المهدومة التي أخرجت من جميع أنحاء المناطق المحيطة بهذا المكان الأثري الرائع, السكون مطبق على المكان , وبينما كانا يخطوان بين قواعد الأعمدة والتماثيل المهدمة شعرت شاني بأنها أصبحت جزءاً من ذلك الفقر الكئيب الغريب , وهمست وهي تقترب بلا وعي الى جانبه:
-" أنه ... مكان مروع... هل تشعر بهذا؟".
وقال موافقاً وهو يلف ذراعه حول كتفيها:
-" انه مكان موحش فعلاً, لكن ليس هناك ما يدعو الى الخوف, ان النباتات التي تنمو أعلاه تحجب الضوء وهذا هو كل ما في الأمر".
وقالت وهي تتلفت حولها:
-"قد يكون مقبرة؟ أعتقد أن بعض المرضى دفنوا هنا".
-" ليس في المناطق المقدسة , لم يكن يسمح بأن يلقى أحد حتفه هنا".
وحملقت مذهولة وهي تقول:
-" لا بد أن تكون حدثت وفيات , حتى أبو قراط العظيم لم يكن في وسعه أن يشفي جميع الحالات".
-" عندما كان يكتشف أن مريضاً مصاباً بمرض لا شفاء منه, كان أقاربه أو أقاربها يستدعون ويطلبون منهم أخذ المريض ".
-" كانت هذه قسوة, أليس كذلك؟".
-" حسب طريقة تفكيرنا نعم, لكن تذكري أن الأسكالبيون كان مكاناً مقدساً , ولم يكن يسمح بأن يلقى أحد حتفه داخل نطاق أي مكان مقدس".
وظهر مبنى حديث الى حد ما من خلال أغصان الشجر, واتجها بخطواتهما نحوه, وكان الباب مفتوحاً على مصراعيه, ولهثت شاني قليلاً وهي تلقي نظرة حولها وقالت:
-"ما هذه؟ انظر لوحات عجيبة, وجميعها مغطاة بالكتابة, لا بد أن عددها يتجاوز المئات".
وكان هذا صحيحاً تماماً , فكانت جميع الجدران مغطاة بهذه اللوحات الى جانب أعداد أخرى مكدسة على الأرض , وكان معظمها من المرمر الأبيض, والكتابة واضحة عليها مثل ضوء النهار, حفرت في الحجر.
وردد أندرياس:
-" مدهشة! , لا بد أنها دفنت أثناء احدى الزلازل المبكرة, لأنها لم تتعرض للتآكل من أثر العوامل الجوية".
-" ماذا تقول الكتابات؟".
وبينما كان أندرياس يقرأ الكتابة اليونانية القديمة, كان يهز رأسه بين الحين والآخر ثم قال بايماءة أندهاش وهو يدق على احدى اللوحات:
-" هذه رسائل شكر الى الأطباء والممرضات".
وحدقت غير مصدقة:
-"تماماً كما يحدث الآن, كثيراً ما أتلقى خطابات شكر, وأعتقد أنك تتلقى أيضاً".

يتبع...

Rehana 02-02-10 07:33 AM

وأومأ بالأيجاب ثم قال:
-" أن صنعها جميل للغاية, انظري الى هذه, وكيف نقشت الكتابة على أطرافها".
-" ماذا تقول؟".
-" أنها موجهة الى طبيب لشكره على العلاج الناجح وتقول(لأنك خففت عني المرض الذي عانيت منه سنوات)".يمضي الكاتب ليخبر الطبيب بأن قرباناً وضع على المذبح في عصر أسكاليبوس.
وتفحص عدداً من اللوحات الأخرى وهي مندهشة قبل أن تقول في صوت ضعيف تشوبه الرهبة.
-" تصور أننا نقرأ هذه الرسالة بعد ألفين وخمسمائة عام...".
وتوقفت عن الكلام متجهمة ثم قالت:
-" هذا يجعلك تدرك يا أندرياس , الى أي مدى حياة الأنسان قصيرة".
وكان عند الطرف الآخر من القاعة , يطوف بعينيه حول لوحة نفذت بشكل جميل بصفة خاصة, لكن عند سماعه كلماتها استدار وعاد اليها, ووضع يدين رقيقتين على كتفيها ونظر بعمق في عينيها ثم قال:
-" الحياة قصير يا عزيزتي, ولذلك فهي ثمينة للغاية , ويجب علينا ألا نضيع لحظة منها".
كلمات وقورة قالها برقة بالغة, ولمسة رقيقة على ذراعيها , أثارت داخلها عاطفة لم تعرفها من قبل على الأطلاق, وفي ومضة ذكرى مرت أمام عينيها تلك السنوات الخمس, التي مرت منذ زواجها, خمس سنوات كان من الممكن أن تقضيها كزوجة لهذا الرجل الذي أثرت فيها حكمته ورقته بقوة الى حد أن القسوة التي أبداها نحوها بدأت تخبو , ولم يعد لها أهمية , وابتسم وهو يربت على خدها بمرح ويقول بخفة:
-" كم نحن جادان , دعينا نوجه اهتمامنا الى الأشياء الطيبة في الحياة , هل أنت جائعة؟".
-" أكاد أموت جوعاً".
قالت ذلك وهي تضحك, وبحركة لا واعية تماماً دفعت ذراعها في ذراعه وهبطا معا درجات السلم واتجها نحو البوابة المؤدية الى الطريق عائدين الى المدينة.


يتبع...


الساعة الآن 09:24 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية