ما بها ؟ إنها تدرك جيدا انه يريدها لبضع ساعات ... دمية يلهو بها ويرميها ... هي ترفض هذا النوع من العلاقات ... لماذا تحس إذن بالألم والهزيمة ، معاناتها تفوق بمراحل الألم الذي سببته له برفضها له.
أرغمت نفسها على النهوض من السرير ، إرتدت ملابسها وخرجت الى غرفة الجلوس ، وهناك وجدت موريس جالسا بمفرده . " كايد ذهب الى مخفر الشرطة ، إتصل بأفضل محام في البلد ،وذهبا معا لرؤية غوميز ، يبدو أنه يرغب فعلا في مساعدة الرجل ، هل أخبرك بظنوني؟". "ماذا؟". سالت كاريسا وهي ساهمة ، شعرت بمزيج من الراحة واللم عندما دخلت الغرفة ولم تجد كايد ، سمعت موريس يقول : " اعتقد أنه كان على علاقة بكارلوتا هذه ، لماذا يهتم إذن لهذه الدرجة بمساعدة زوجها ؟ الرجل كان يحاول قتله". " ربما يشعر بالذنب لأن كارلوتا قتلت في سيارته وهو وراء المقود ". برّرت كاريسا بقوة ،وهي تحاول أن تخفي ألمها للفكرة التي طرحها موريس. " لكنه لم يكن وراء المقود ، الم يخبرك بذلك ؟ جاك بنتون ، مدير اعماله ، كان يقود السيارة عندما حدث الإصطدام وليس كايد ". لكنه جعل غوميز يعتقد أنه هو الذي كان وراء المقود ؟". " نعم ، لاحظت ذلك ، كايد شخصية غريبة فعلا أليس كذلك؟". "نعم ". ظنت كاريسا مرة ، عندما كانت فتاة جاهلة ، أنها تعرف كاديز فرناند جيدا ، لكنها تدرك الآن أنها لم تبدأ بفهمه إلا مؤخرا ، وبعد فوات الأوان ، لن يتوفر لها الوقت أو الفرصة لتعرفه أكثر ، ولتكتشف خبايا شخصيته ، لقد وضع حواجز بينه وبين كل النساء منذ زمن بعيد... وهذه الحواجز لا ينوي أن يسقطها من اجلها ، ربما كان كايد ، كما قال موريس ، على علاقة بكارلوتا ، ربما إستطاعت هذه المرأة ان تعرفه اكثر منها ... عرفته منذ الطفولة ، وربما قبل أن ينهي كل هذه الحواجز ... ربما عرفت كيف تخترق هذه الحواجز لأنها تدرك ما وراءها ، الشيء الأكيد انه كان مهتما جدا بمساعدة زوجها . وأعد موريس طعام الفطور ، وحاولت كاريسا أن تتجنب الحديث عما جرى الليلة الماضية ، احست أنها لا تريد التحدث عنها حتى لا تتذكر ان كايد سيرحل قريبا.. وعندما إنتهيا من تناول الطعام قال موريس : " سأذهب الى المكتب الآن ". " هل أستطيع مرافقتك؟". كانت هذه الوسيلة الوحيدة لتهرب من كايد ، فلا ينفرد بها في الشقة الصغيرة. " لا ، أريدك ان تبقي هنا للإهتمام بكايد فور عودته ، لا تدعيه يبتعد عن نظرك ، أريده ان يوقع عقدا معي قبل أن يغادر البلد ، وعدني بالقيام بجولة فنية". " أنا واثقة أنه لن يعود عن كلامه". " ربما ، لكنني لن أصدق حتى ارى العقد بعيني ، إنني أعتمد عليك يا كاري ، إتصلي بي فور عودته وسارجع بأقصى سرعة لأحصل على توقعه". وبعد ذهاب موريس حاولت كاريسا أن تشغل نفسها بترتيب المنزل ولاحظت أن السكين إختفت من مكانها ، لا بد أن كايد وضعها في حقيبته. وعندما دخلت أخيرا الى غرفة نومها نظرت الى وجهها في المرآة ، تبدو شاحبة وهناك بعض الظلال الداكنة تحت عينيها. جلست أمام المرآة بغضب ، وأخذت تمسح بمساحيق التجميل آثار الإرهاق الذي ترك بصمات واضحة على تقاطيعها ، وضعت لمسة خفيفة من كريم الاساس تحت عينيها لتخفي الهالات السوداء ، ولونت شفتيها بحمرة وردية ، ثم أمسكت بالفرشاة وأخذت تسرّح شعرها بقوة حتى أصبح لامعا ، وعندما إنتهت تفحصت النتيجة بإهتمام ، الظل الأخضر على عينيها ، واللون الأسود على رموشها ، والبودة الخفيفة على وجنتيها ، أضفت كلها بريقا مميزا على وجهها ، وكي ترضى تماما عن مظهرها قررت إختيار فستان أنيق ، قرب البحيرة كانت في معظم الحيان ترتدي القمصان والسراويل المريحة ، لكنها ستضع اليوم فستانها الحريري الأخضر الذي يليق بلون عينيها ... ويرفع معنوياتها ، تريد ان تشعر بالثقة بجمالها حتى تستطيع مواجهة كايد عند عودته. وعندما فتحت الباب أخيرا لكايد كانت تبدو في غاية الهدوء والتألق ، صحيح ان قلبها خفق بسرعة عندما رأته ، لكنها تمكنت بمهارة من إخفاء شعورها ، وسالته بتهذيب : " كيف سارت الأمور؟". " لا بأس ". وتفحصها بعين خبيرة ، لاحظ المكياج المتقن والفستان الأنيق لكنه لم يعلق شيئا . بل تابع حديثه عن غوميز : " يبدو أن غوميز لن يحاكم إلا بمدة بسيطة جدا .... بما أنه سيتعاون مع رجال الشرطة الآن ". " وبما انك لن تشهد ضده". " وهذا ايضا ". وصمت كايد لحظة بدون ان يرفع بصره عنها فأحست بالتوتر. " هل تناولت طعام الفطور؟". " نعم... وأيضا فنجانا من الشاي في مخفر الشرطة رغم أنني أظن المفتش كان يفضل أن يقدم لي خبزا وماء ". " لا بد انك حرمته من الترقية التي كان يتوقعها ". " ستكون أمامه فرص أخرى ". وإقترب منها قائلا : " هل تريدين شرابا باردا ؟". " لا ، شكرا ، ليس الآن ! ". وبهدوء إبتعدت عنه ، وإتجهت الى آلة الهاتف. " وعدت موريس الإتصال به فور عودتك ". ولحق بها كايد وهي ترفع السماعة . " لا تتصلي به الان ، اريد أن اتحدث اليك ". فاجابته بهدوء : " وعدته بذلك ، يريد أن يراك ". وبدات تطلب الرقم ، لكن كايد أخذ السماعة من يدها واعادها الى مكانها ،وحاولت أن تداري إضطرابها بالإحتجاج على أوامره لكنه قاطعها قائلا بوضوح وحدّة : " قلت ليس الآن ، سأرى موريس لاحقا ، سيحصل على عقده ". " عندما يناسبك ذلك ؟". " صحيح ". |
أرادت أن تهرب منه ، لكنه أجبرها على البقاء في مكانها :
" أنت دائما تريد الأمور كما تشتهي ". أجاب ساخرا : " نعم ، أنت غاضبة اليس كذلك ؟ عيناك تحولتا الى لون أخضر داكن ، هل تذكرين النادل ... في سيدني ؟". أبعدت وجهها عنه ، وهي تدّعي اللامبالاة : " لا ". ضحك ضحكة خافتة : " بل تذكرين جيدا ". " حسنا قل أنني لا اريد ان أذكر ، ولا اريد أن يذكرني أحد بذلك ... لا اريد ان أذكر شيئا". " لا شيء... ولا حتى هذا". وعانقها بسرعة ، حاولت ان تتمالك أعصابها وأن تسيطر على قلبها الذي بدا يغني عاليا، يريد فقط ان يتسلى بعواطفها مرة اخرى ، بل ربما يحاول أن يثبت لنفسه انها لن تستطيع مقاومته. إبتعدت عنه مسرعة لتخرج الى الشرفة ، هي بحاجة الى هواء نظيف ينقي ذهنها ". ولحق بها كايد : " ماذا تريدين يا كاريسا ؟". أجابته بحدّة : " لا شيء تستطيع إعطائي إياه". إكتشف مشاعرها إذن ، يعرف أنها تريد الحب الذي لا يستطيع منحها إياه ، كرامتها الجريحة جعلتها تلفت اليه غاضبة ، لتكذب عليه قائلة بيأس : " لا اريد حبك ، لا أريدك باية طريقة ". وعندما رأت نظرة الشك في عينيه اكدت : " نعم لا أريدك ، أعترف انني إنسقت قليلا قرب البحيرة وراء ذكريات حب المراهقة لكنك حطمت أحلامي ، عندما قلت انني غير جديرة بالثقة ، كانت هذه بداية النهاية ، والان وقد عدنا الى الأجواء الطبيعية اجد أنني أنتظر بشوق اللحظة التي ستغادرنا فيها ، أنت إنسان اناني لا يحب إلا نفسه ،ولا أستطيع ان اتصور كيف ساعدت المسكين غوميز ، إلا إذا كنت تحب أن تبدو بصورة البطل المتسامح الذي يراف بالغير ". احست أنها تظلمه ، عرفت ذلك لحظة تفوهت بالكلمات ، وكادت تعتذر عندما قاطعها ضاحكا : " لا لم يكن هذا السبب ! هناك شيء أهم من هذه الأمور السخيفة". وحدّقت به وهو يتابع: " غريب أنك لم تتبيني الحقيقة ، فلنفترض انني شهدت ضده أو ارسلته الى السجن ، سيخرج بعد سنوات أكثر مرارة وحقدا وحقدا علي ، أكون قد أجّلت المشكلة بدون حلها ، بهذه الطريقة ابعدته عني وأصبح صديقي مدى الحياة ". ونظر الى وجهها الشاحب قبل ان يتابع : " علي أن أشكرك على مساعدتك لأقناعه بأقوالي ، أعتقد ان خطابك المقنع كان فعلا لصالحي ، كنت تبدين في غاية الصدق ". واحست كاريسا بإشمئزاز وهي تجيبه : " كنت صادقة فعلا ، الم تكن انت كذلك ؟ظننت أنك كنت تريد مساعدته ؟". " كنت اريد مساعدته... لأنني مهتم بالمحافظة على حياتي". " ما قلته عن كارلوتا.... ألم يكن صحيحا ؟". توقف كايد قليلا ، وإرتدى وجهه قناعا جامدا : " بلى كان صحيحا الى حد كبير ، لكنني اعترف انني اغفلت ذكر تفصيل او أكثر ، صحيح انها جاءت تطلب مني المال لتنقذه من افراد العصابة فيبدأ حياة جديدة في ولاية أخرى ، وصحيح أيضا أنها تحب زوجها وطفلتها... لكن ما تبقى من القصة..". وإبتسم ساخرا قبل ان يتابع بلؤم : " فلنقل ان السيدة لم تكن بالطهارة التي صورتها لزوجها وفي الواقع ...". وقاطعته كاريسا بحدة : " لا أريد ان أسمع المزيد ، اخبرتني مرة أنك تشتري النساء دائما ، لا بد انها كانت جميلة جدا حتى دفعت ثمنا غاليا لها". وإبتعدت عنه متجاهلة بريق الغضب في عينيه ، إقتربت من الهاتف وأخذت تطلب رقم موريس بينما وقف كايد بعيدا عنها يراقبها بصمت. وشغلت كاريسا نفسها بإعداد طعام الغداء وجلس كايد في الشرفة ، في المقعد الذي وجدته عليه عندما رأته عند موريس للمرة الأولى ، احست وكأن زمنا طويلا مضى على تلك اللحظة ، أشياء كثيرة حدثت بعد ذلك ... وعرفت أن الحياة لن تعود كما كانت . من حسن الحظ أن موريس كان مشغولا بإعداد العقد والإشراف على آخر تفاصيله فلم يلاحظ أن كاريسا وكايد لم يتبادلا كلمة واحدة ، بل ان كاريسا كانت عاجزة حتى عن الكلام. كانت تحس بأنها على وشك الصراخ ، كم تتمنى لو ينتهي هذا النهار ويذهب كايد ، ستصبح حياتها أسهل عندما يخرج منها ، ستستقيل من عملها في أقرب فرصة ممكنة ، وبدون ان تجعل موريس يشك في السبب ، ستغادر المدينة قبل ان يعود كايد ليقوم بجولته الفنية ، لا شيء سيجعلها تقبل المخاطرة برؤيته مرة ثانية ، ومعاناة كل هذا مر أخرى. نظفت كاريسا المائدة ، ليضع موريس العقد عليها ، وأخذ كايد يقرأ البنود بإهتمام وهو يجري بعض التعديلات هنا وهناك ، ومرة نظر اليها موريس وكأنه يريد أن يستشيرها ، فاشاحت بوجهها ، لا تريد أن يشركها في أي شيء له علاقة بكايد. وعندما وقع كايد العقد أخيرا ، بدا على موريس الإرتياح وهو يطويه ليضعه في المغلف وقال كايد : " تستطيع أن تبحث التفاصيل المادية مع جاك ، سابقى في الفندق الليلة ، لأنني ساسافر في الصباح الباكر". وإحتج موريس على ذهاب كايد الى الفندق ، لكن هذا الخير اصرّ كعادته على موقفه ، فحجزت له كاريسا شقة رائعة ، وعندما عرض عليه موريس أن تمر عليه كاريسا لترافقه الى المطار صباح اليوم التالي ، رفض قائلا : " لا شكرا ، سئمت كاريسا من مرافقتي في هذه الرحلة". ولم تستطع كاريسا أن تجيب حتى بكلمات مهذبة ، وعندما اكد موريس انها لن تتضايق ابدا ، بدا صمتها اكثر تأكيدا للعكس ، ونظر اليها موريس بقلق وتساؤل ، ثم عرض على كايد أن يوصله الى الفندق بنفسه فتنفست كاريسا الصعداء. " هل تسمح لي بالذهاب الى البيت يا موريس ، أراك صباح الغد في المكتب". " خذي إجازة يا كاريسا أنت مرهقة ". وشكرها كايد بتهذيب بارد : " كنت مساعدة ممتازة ، شكرا لك يا كاريسا ، أنت تستحقين إجازة طويلة ". وقاطعه موريس ليقول لكاريسا : " هيا بنا ، سنوصلك الى منزلك ". وإضطرت كاريسا لتحمل مرارة الرحلة القصيرة ، جلست في المقعد الخلفي وإستقر الرجلان في المقعد الأمامي يتبادلان احاديث سطحية. وعندما توقفت السيارة اخيرا أمام منزل كاريسا ، نزل كايد وفتح لها الباب ، حاول أن يساعدها في حمل حقيبتها لكنها رفضت بإصرار : " ساتدبر امري شكرا ". مدت له يدها وهي تقول ببرود : " رافقتك السلامة يا كايد ، حظا طيبا". تجاهل يدها الممدودة ،وطبع على خدها قبلة خفيفة : " وداعا يا كاريسا الرقيقة ، شكرا لك على كل شيء". ومنعت كاريسا نفسها من التحديق بالسيارة وهي تنطلق به بعيدا عنها. |
9- الداء.... والدواء
لم تستطع كاريسا البقاء في المنزل ، فضلت الذهاب الى المكتب ، قد يلهيها العمل عن التفكير بكايد. لكن رغم إستغراقها في مهامها الروتينية ، لم تستطع إبعاد صورته عن ذهنها ، كان موريس قد حصل منه على صورة موقعه بإمضائه قبل ساعات قليلة من رحيله ، وها هي تراها أمامها في الرواق المؤدي الى مكتب رئيسها ، وكل مرة تمر بها ، تشعر ان الرجل الوسيم يحدّق بها بسخرية ، فترتجف اعماقها ، وتحاول تجنب النظر اليها. منتديات ليلاس كانت تجرجر نفسها صباح كل يوم بإرادة حديدية ، وظلت الإبتسامة على وجهها قناعا جامدا تجابه به العالم ، كانت تهنىء نفسها بأنها تمكنت من أن تخدع معظم الناس ، معظم الوقت ، لكن ليالي الأرق إنتصرت عليها في النهاية فأحست بالإرهاق التوتر. وبعد مرور شهر على رحيل كايد لاحظ موريس أخيرا مدى شحوبها فقال : " اعتقد أنك بحاجة الى إجازة طويلة يا كاريسا ، وجهك الشاحب يقلقني ، لا تهتمي بالعمل ، سيكون كل شيء على ما يرام ، استطيع الإهتمام بكل شيء خلال الأسبوعين المقبلين ، إذهبي الى الكوخ الصغير وخذي صديقتك معك ...". عندما ذكر موريس الكوخ إضطربت كاريسا وشدّت أصابعها على الدفتر الذي كانت تحمله ، حاولت جاهدة أن تسيطر على توترها وهي تقول : " أنا بخير يا موريس ، الأسابيع القليلة الماضية كانت حافلة بالعمل ، هذا كل شيء !". " كان عليك أخذ إجازة لبضعة ايام بعد إنتهاء قضية فرناند ، بدل العودة الى العمل ، كان الأمر مرهقا بالنسبة لك ، وهناك شيء آخر ، علينا ان نهتم بالإستعدادات اللازمة لحفلة كايد ، والإنتهاء من كل شيء قبل نهاية الشهر المقبل ، إستريحي قليلا وسنهتم بهذا فور عودتك ". " لا ". ونظر اليها موريس مستغربا : " ماذا؟". " آسفة يا موريس ". ارادت أن تعلمه بقرارها منذ زمن ، لكنها لم تجد الشجاعة الكافية لذل ، ستخبره الان : " فكرت مليا خلال الأسابيع الماضية ، لست بحاجة الى إجازة ، أريد أن أغيّر عملي تماما ، تعبت من الضغوط المستمرة التي أعاني منها في هذه المهنة سأقدم إستقالتي لك يا موريس ". لم يكن ليفاجأ أكثر لو ضربته: " انت ... لكن كاري... لا تستطيعين....". " لست مهمة الى هذه الدرجة ، ستجد شخصا ىخر ". " لكنك لا تستطيعين ". كرّرها بعصبية : " وماذا عن عقد كاديز فرناند؟". حاولت أن تمنع صوتها من الإرتجاف وهي تقول : " ماذا عنه ؟ أي شخص يمكن أن يقوم بالترتيبات اللازمة". " لا ، لا ، ألم تقرأي العقد؟". وشعرت كاريسا برعشة مفاجئة تسري بسرعة في عروقها : " لا ، لكن ما الفرق ؟ سواء قرأته ام لم اقراه ، قراري لن يتغيّر ". " لا أعرف ماذا جرى بينكما في الكوخ لكن...". " لم يحدث أي شيء يا موريس .... لا شيء". " حسنا ، آسف ، أعرف أنك فتاة تحترم مبادئها يا كاري ، لكن كايد أصر على إدخال بند جديد عل العقد ... اعتقد انه حاول التعرض لك مرة أو مرتين فأوقفته عند حده ... اليس كذلك ؟". أجابته ببرود: " لا تعليق ، ما هو البند الذي أدخله كايد عل لعقد ؟". " كتبه بحضورك ". قال موريس بحزن قبل ان يتابع قائلا : " ظننت انك كنت على علم مسبق به ، يريد أن ترافقيه في جولته كمساعدة خاصة له ، وفي حال لم تنفذ هذا البند سيلغي الرحلة". وحدّقت به كاريسا وكأنها لا تصدق ما تسمع : " لماذا ؟". " وكيف لي أن أعرف ؟ كنت أظن انك تعرفين السبب ! ". " قل لمساعدتك الجديدة ان تحل مكاني ، لا بد ان يرضيه هذا ". " انت تعلمين جيدا يا كاري انه لن يرضى بذلك ، اصرّ عليك شخصيا ، انت الفتاة التي يريدها ! ". انت الفتاة التي يريدها... ردّدت اعماقها الكلمات بمرارة، الى متى ؟ تساءلت ... ليلة واحدة ؟ الأيام التي ستستغرقها الجولة ؟كانت تعرف شيئا واحدا ، كل مشاعر كايد مؤقتة ... تعطي سعادة عابرة وتترك قلبا كسيرا ، لن ترضى بهذا . " هل تدرك يا موريس ما الذي تطلبه مني؟". تصلّب موريس وكأنه تألم للسؤال : " انا لا اطلب منك أي شيء يتنافى مع المبادىء ، ربما يشعر هذا الرجل بإنجذاب نحوك وأنت لا تريدين ذلك ، لقد تعملت مع مثل هذه الحالات من قبل ، إستطعت ان تبعديه عنك طوال إقامتكما في الكوخ ، رغم انكما كنتما عل إنفراد ، لذا لن تجدي اية صعوبة في تجنبه وسط مدير أعماله والفرقة الموسيقية التي سترافقكما طوال الجولة ، انت تعرفين تماما أنه لا يستطيع أي كان الإنفراد بشخص آخر في جولة فنية إلا إذا رغب الإثنان في ذلك وعملا على الهروب من كل المحيطين بهما ". " موريس ، لا استطيع ، أريد أن استقيل ". " هل لديك غرض أفضل ". " لا ". " ارجوك إذن ، تحمليني بضعة أشهر ، خذي إجازة يا كاري ، وقومي بالجولة من اجلي ، وثم فكري مليا بامر إستقالتك ". " موريس ، لا أظن انني استطيع أن ...". " كاري لقد وظفت آلاف الدولارات في هذه الجولة ، وأنت تعرفين فرناند! يعجبني هذا الشخص ، لكن لا جدل في أنه زبون متطلّب ، تعرفين انه سيصر على تلبية رغباته وإلا فلن ينفذ الإتفاق ، هو يستطيع ان يتراجع يا كاري ، لكن انا لا استطيع". وبعد إصرار كبير رضيت كاريسا بالبقاء ، وهي تشعر بالخوف والقلق والغضب على نفسها لأنها رغم معرفتها بما تعنيه لها عودة كايد ، وجدت قلبها يغني لأنه سيراه مجددا ، وسيقضي معه اسابيع عدّة على الطرقات. |
ذهبت الى الكوخ لأن موريس طلب منها ذلك ، وهناك حاصرتها الذكريات ، إستلقت على الرمال وهي تتخيّل كايد أمامها مستلقيا تحت أشعة الشمس ، ومن ثم وهو يشدها بيده الدافئة ليدفعها بين الأمواج ، في البيت سمعت صدى غيتاره وصوته يهمهم بأغنية جديدة ،في الليل كانت تحلم به ويتسارع نبضها ، وبعد اربعة ايام لم تعد تحتمل المزيد ، حزمت حقائبها وسافرت الى شقيقها لتمضي معه ما تبقى من إجازتها.
وعندما عادت اخيرا الى العمل تفحصها موريس جيدا لكنه لم يعلق بأي كلمة ، لم يعلق بأي كلمة ، مما جعلها تستنتج بمرارة أن شكلها لم يتحسن ، ودافعت عن نفسها قائلة : " أمضيت معظم الإجازة مع كليف شقيقي ، إنه يعيش حياة إجتماعية نشطة ، وله الكثير من الأصدقاء ". " كان من المفروض ان تستريحي ". زمجر عاليا ، لكنها احست انه إرتاح لجوابها فقالت : " يقولون ان التغيير مفيد ، والآن ماذا تريد أن افعل اليوم ؟". واغرقها موريس بالعمل فلم تشعر بالأسابيع القليلة التي مرت بسرعة ، ومن الغريب أنها كانت تتعامل مع ( جولة فرناند ) وكانها امر عادي ، دربت نفسها على عدم التصرف بحساسية ،ومع الوقت إستطاعت أن تطلع على إسمه وصوره في الجرائد بدون أن ترتعد كورقة خريفية. كان موريس ينفق الكثير في الإعلان عن الجولة ، مركزا على ندرة الحفلات الحيّة التي يقدمها كاديز فرناند. وعندما حجزت كاريسا مكانا لكايد في الفندق لاحظت انه طلب لنفسه شقة بغرفتي نوم ، لا بد انه ما يزال يفضل ان يكون جاك قريبا منه رغم أنه إستعاد بصره ، وكان هناك شخص ثالث ايضا في غرفة مفردة. وحاولت كاريسا جاهدة ان تجد عذرا لعدم الذهاب لإستقبال كايد ، وعندما جاء أخيرا يوم وصوله اصر موريس على حضورها ، كان بحاجة لها قربه لأتمام التدابير اللازمة لنقل كايد من الطائرة الى غرفة الشخصيات المهمة ، حيث سيجري مقابلة تلفزيونية يتوجه بعدها الى الفندق. كان اللقاء اسهل مما توقعت ،كان موريس يشد بحرارة على يد كايد عندما إستراحت العينان السوداوان عليها بسرعة ، ولاحظت أنه يبدو مرتاحا وسعيدا. إبتسمت لجاك بنتون وهي تتساءل إن كان عرفها ، أو ان كايد قد ذكّره بليلة ما قبل ثماني سنوات ، ورغما عنها إحمرت وجنتاها خجلا. إلتفت كايد وإبتسم لشخص ما يقف وراءه ثم مدّ يده لها مشيرا لها بالتقدم ، فعرفت كاريسا ان السيدة الجميلة ، السوداء الشعر... ترافقه ، قيل لها أن تحجز شقة لشخصين ، وغرفة نوم مفردة ، لكنها ظنت أن الشخص الثالث قد يكون مساعدا لجاك أو ربما المشرف على المعدات الفنية ، الآن وهي ترى كايد يضع ذراعه حول الفتاة الغريبة ، ونوعية الإبتسامة التي خصته بها بنعومة وخجل ، بدأ قلبها يقفز بسرعة. وإلتفت كايد الى كاريسا مبتسما وهو يقول : " هذه ريتا ، وهي تخجل من مواجهة رجال الصحافة ، هل تهتمين بها عني؟". وتساءلت كاريسا عما إذا كانت إبتسامتها بالبرودة التي تجمد احشاءها ، وعفويا ابعدت يدها فأحست بقبضة رفيعة ناعمة تلمس أصابعها ، وجاء احد موظفي المطار ليرافقهم الى غرفة الشخصيات المهمة ، كايد وموريس سارا في المقدمة ، وجاك والمراتين وراءهما ، وظنت كاريسا ان مهمتها هي إبعاد ريتا عن رجال الصحافة ، ولذا رافقتها بهدوء الى زاوية بعيدة من الغرفة حتى ينتهي كايد من المقابلة . وكان من المفروض بكاريسا أن تحاول الترفيه عن ضيفتها بحديث سطحي ، لكنها ظلت لدقائق ، عاجزة عن النطق ، ويبدو أن ريتا لم تهتم للأمر ، كان نظرها مركزا على كايد وعيناها تشعان فخرا وحبا ، أرادت ان تقول لها كاريسا ( لا تحبيه الى هذه الدرجة ) لكنها عرفت ان اية محاولة من جانبها ستفشل ، من الصعب إقناع المحب بتغيير رأيه في الإنسان الذي يحب ، فكيف إذا كان هذا الإنسان هو كايد ! ونظرت اليه مستريحا في مقعده وهو يجيب على الأسئلة بمرح جعل محدثه يضحك بين حين وآخر. وحتى لا يفضحها وجهها ، كما حدث مع ريتا ، ابعدت كاريسا عينيها عن كايد لتركزهما على الفتاة ، لم تكن ريتا بالشباب الذي إعتقدته كاريسا للوهلة الأولى ، كانت هناك خطوط رفيعة في زاويتي عينيها ، ولم تكن يداها بنعومة يدي الفتاة الشابة ، عندما تبتسم كانت تبدو في غاية الرقة ، لكن عندما حولت نظرها عن كايد لتبحث في حقيبتها عن سيكارة ، إرتدى فمها طابعا قاسيا ينم عن شخصية لم تعرف حياة سهلة ، ورغم شعرها المتناثر بشكل خصلات سوداء ، وثيابها الأنيقة ، ورشاقتها ، لم تكن ريتا فتاة شابة بل إمرأة ناضجة .... أكبر منها بكثير ، ولاحظت كاريسا فجأة ، الان وهي تضع سيكارتها بين شفتيها...وهي تنفث الدخان بشره المدمنين ، وعندما وضعت ساقا فوق ساق ، بدت متكلفة وشديدة الثقة بنفسها ، مع كايد فقط ، لاحظت كاريسا أن هذه المرأة تبدو ضعيفة. كانت تضع في يدها خاتم زواج جعل كاريسا ترتجف عند رؤيته ، جمعت أصابعها بعصبية وهي تتذكر الخاتم الذي أعطاها إياه كايد قائلا أنه كان يخص والدته ، ولم تعرف غلا متأخرة سبب لا مبالاته الغاضبة بقيمته العاطفية ، لم يكن لوالدته ... إختاره جاك من احد المحلات الرخيصة ليماشي إحدى قصصه المختلقة عن كاديز فرناند ، تساءلت : هل شك جاك ولو قليلا كم أساء الى كايد بهذا ، وتساءلت كيف تعرف هي ذلك ، لكنها تعرف المرارة الساخرة التي ابداها إتجاه الخاتم اظهرت بوضوح عمق الجرح ، إنها طريقة كايد لإخفاء شعوره. |
هل اعطى خاتما الى ريتا ايضا ؟ أم ان الخاتم هو رمز حب من رجل آخر ؟ قال كايد ان ريتا تخشى الناس ، لكن لا يبدو عليها انها من النوع الذي يزعجه كلام الناس ، ها هي تسافر برفقة كايد .... إلا إذا كانت متزوجة من رجل آخر.
( زوجات الرجال الاخرين ) وللمرة الأولى خطر ببال كاريسا أن كايد ربما أتى بريتا ليضايقها هي شخصيا ، لماذا أصرّ إذن على ان ترافقه في جوله الموسيقية ، وثم قدمها بهدوء الى هذه المرأة التي هي بالتاكيد رفيقة الساعة ؟ هل تصرّف هكذا ليحرجها ؟ أم أنه ببساطة إلتقى بريتا وطلب منها أن ترفقه بدون أن يفكر في الفتاة التي تنتظره في نيوزيلندا . وأحست كاريسا أن ريتا تراقبها عبر سحابة الدخان الأزرق المتصاعد على شكل حلقات ، وقالت ريتا أخيرا : " أخبرني كايد انه أمضى معك بعض الوقت خلال إقامته". اجابتها كاريسا بحذر : " هل قال ذلك ؟". وإبتسمت ريتا إبتسامة ساحرة : "لم يخبرني كثيرا ، قال انك ذكية ، وماهرة في عملك ، وهادئة ، لا أدري لماذا تصورتك أكبر سنا ، وبصراحة سكرتيرة قاسية القلب ، كان عليّ ان أعرف ". " ماذا كان عليك ن تعرفي ؟". وبرقة أجابت ريتا : " ربما لا يجد ربي التحدث هكذا ؟ آسفة ، لم أرافق كايد إلا من فترة بسيطة ، يهمني ان أعرف اكثر عنه ، ماذا كان يفعل ؟من هم الناس الذين كان يعاشرهم قبل ان ...". وقاطعها جاك الذي إقترب منهما ليخبرهما بإنتهاء المقابلة ، وانه أمامهما نصف ساعة فقط للعودة الى الفندق والإستعداد للمؤتمر الصحفي الذي نظمه موريس وكاريسا هناك لأستقبال كايد ، وأضاف جاك موجها كلامه الى ريتا : " كايد يريدك أن تذهبي معه ". كانت هناك سياراتان بإنتظارهما . إبتعدت كاريسا عن ريتا عندما فتح لها كايد باب السيارة الثانية ، وعندما إلتفت ليبحث عنها رآها تصعد في السيارة الأخرى مع موريس ، ورأته يبتسم لريتا ، وعندما إنطلقت السيارتان قال جاك : " كايد قال أنه سيكتب لك شخصيا للإشراف على حجز غرفة ريتا ، فعلت ذلك أليس كذلك ؟". لم تسمعه كاريسا ، لكن كوريس لفت إنتباهها برقة قائلا : " كاري ،جاك يسألك عما إذا كنت حجزت غرفة لريتا". أجابته بحزن: " نعم جاك ، كل شيء كما طلب كايد ، شقة كبيرة ، وغرفة منفردة في كل فندق سننزل فيه". " حسنا ، فاجاك كايد برسالته أليس كذلك ؟ أعترف ان الأمر كله فاجاني ايضا ، لا يمكنك أن تتصوري التغيير الذي حصل في شخصية كايد منذ إلتقى ريتا". كم كانت كاريسا تتمنى لو يكف جاك عن الحديث ، أشاحت بوجهها عنه لتتابع الأشجار التي كانت تركض خارج السيارة في الإتجاه المعاكس ، لكن موريس كان اكثر فضولية : " من أي ناحية غيّرته؟". توقف جاك قليلا قبل أن يجيب قائلا : " حسنا.... أعرف كايد منذ زمن طويل ، إنه شخص عظيم ، فنان رائع ، وصديق مخلص ، لكنه كاد حاد الطباع ، عندما يكون في مزاج معين عليك ان تزن تصرفاتك معه". علّق موريس قائلا : " إنه شخصية قاسية ". وافقه جاك بهزة رأس : " نعم ، نعم ، لا شك أنه إنسان طيب ، لكنه حاد بعض الأحيان ، مع ريتا ، الأمر يختلف تماما ، معها يصبح في غاية الطيبة والحنان ، اعتقد انه لم يجد قبل الآن إنسانا يهتم به فعلا ، إنه لا يدعها تغيب عن نظره ، حتى يكاد المرء يعتقد أنها مصنوعة من زجاج شفاف قابل للكسر عند أدنى لمسة ، وهذا وصف لا ينطبق عليها ، ريتا عرفت حياة حافلة ، في الواقع لم أكن متحمسا لفكرة وجودها معنا .... فتاة لها هذا الماضي ، لكنه أصر على ذلك ،وكما تعرفان لا يستطيع أحد معارضته ، ربما من جهة أخرى ، سيكون لوجودها دعاية طيبة ، وقد يركز الصحفيون عن الناحية الرومنطيقية في الموضوع ، كايد وجدها تعمل في مقهى متواضع ... لكن هناك زوجها السابق... لا تريده ان يعرف مكانها". وتوقف جاك قليلا قبل أن يتابع : " ارجوكما ان تحفظا هذا الموضوع سرا ، ريتا فتاة عظيمة لا أريد أن اؤذيها ، كايد قد يقتلني ، لن تستغلا هذه المعلومات أليس كذلك ؟". واكد له موريس أنهما لن يفعلا ، العقد يعني له الكثير وهو لا يريد ان يخاطر بفقدانه ،عندما توقفت السيارة أخيرا امام الفندق قالت كاريسا : " موريس ، هل تمانع بأن أذهب الان ؟ لن تحتاجني ثانية هذا النهار ، هناك الكثير من الترتيبات التي يجب أن أشرف عليها قبل بدء الجولة الفنية". منتديات ليلاس وبدون حماس وافق موريس أخيرا ، فعادت الى المكتب لتنهي بعض الأمور الثانوية ، لم يكن صحيحا أنه ما زال هناك الكثير من العمل ، لكنها إختلقت ما يشغلها لتبعد ذهنها عما حدث ، ومن ثم ذهبت الى البيت. كايد سيقدم حفلة موسيقية في أوكلاند مساء اليوم التالي ، وحفلتين في نهاية الجولة ، وسيقوم غدا بإجراء التمارين النهائية مع الفرقة الموسيقية المؤلفة بمعظمها من فنانين محليين . لم تكن إذن بحاجة الى رؤيته في اليوم التالي ، تناولت مسكنا للصداع وإستلقت على فراشها وهي تضع يديها على عينيها ، لا تستطيع الذهاب معه في الجولة ... لم تعد تستطيع ذلك . |
الساعة الآن 05:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية