![]() |
لم تقل ألانا شيئا أكثر من انها أحنت رأسها ، فأضاف:
" هل كان تأخرك لأمر هام ، الانا؟". نظرت اليه نظرة شاملة ثم غيّرت إتجاه نظراتها ، قال : " الاحظ أنه كذلك ، فاين إعتذارك ؟". تمتم بالكلمات الأخيرة ونظره عالق بها ، رفعت ذقنها بكبرياء وقالت : " كنت أتمشى ، مستمتعة بما أرى من مناظر خلابة ، ويبدو أنني إبتعدت أكثر من المعتاد ، ولذا فأنا لا اشعر أن هناك ضرورة لأي إعتذار ". " عادة يكون ضروريا عندما يتأخر المرء ، وعندما يكون هناك من ينتظره ، إن طباعك ينقصها الكثير حتى تصبح مقبولة". قال ذلك ثم لاذ بالصمت عندما لم يسمع جوابا ، نظرت الانا اليه مستاءة من موقفه ، كان يبدوعليه كأنه غاضب من نفسه لأنه لم يطور المسألة الى أبعد من ذلك ، كان في داخله صراع ، ولما كانت ألانا لا تريد ان تتفاقم الأمور بينهما ، غيّرت الموضوع واخذت تتحدث عن المشاهد الجميلة التي راتها في هذا الجانب من الجزيرة خاصة ، واضافت عندما لم يعلق على حديثها: " إنها جولة ممتعة حقا ، ألم تذهب مرة الى نهاية الجزيرة؟". " لقد فعلت". أجاب بإختصار ، مظهرا انه ليس راغبا في الحديث ، ولكنها لسبب ما لم تعرف له تفسيرا ، إستمرت بالكلام: " ما اروع ذلك القصر ، يبدو كأنه في خطر من الإنزلاق عن تلك الصخرة الشاهقة الى أعماق البحر". تحركت عيناه وضاقتا قليلا ، ثم قال: " إنه في أمان". كان هذا كل ما قاله ، ولكن هذا لم يثنها عن الإستمرار في الحديث ، وقالت: " أظن أن المرأة التي تسكن هناك إنكليزية الأضل". أحنى كونون رأسه وعندما تكلم كان التوتر قد بدا على وجهه : " إنها متزوجة من رجل يوناني". صمت لحظة ، تابع بعدها: " إننا لا نكلم بعضنا مطلقا". لحظة اخرى من الصمت ، ولكن فضول الانا كان أكثر من رغبتها بألا تغضب زوجها ، وسألته عن السبب الذي يجعلهما لا يكلمان بعضهما ، وأضافت: " أن هذا يبدو لي غريبا ، وأنتما جاران". ضحك كونون فجأة ، ضحكة خشنة مرتفعة ، وتابع: " إنه لمن المضحك حقا ، ألا يرضى عن تصرفاتي وهو الذي يحمل على كتفيه ذلك الماضي". " الماضي؟". كان كونون لا يزال ينظر اليها عبر مائدة الطعام التي تفصل بينهما ، وقال: " لقد أرغم فتاة على الزواج منه". شملته ألانا بنظرة ، والسؤال باد في عينيها. رددت كلمته تلك غير مصدقة ، وأضافت: " هل ارغمها عن طريق التهديد مثلما فعلت ؟". لم يمح سؤالها روح الدعابة ، بل على العكس فقد زادها ، وأطلق ضحكة أخرى قصيرة ، ثم قال: " شيء من هذا القبيل ، على ما أعتقد ، لم أكن أسكن هنا في ذاك الحين ، ولكن الجزيرة صغيرة وليس فيها أسرار ، لقد تزوجته لتنقذ عائلتها من الدمار". قالت ألانا بجفاء: " يبدو أنكم جميعا متشابهون ". " لا ، ليس الجميع ، انت فقط تعيسة الحظ ! ". " هل تخرج الفتاة من القصر؟". " لا شك ، في مثل حالتهما يكون الزواج موفقا عادة...". قطع كلامه وأطلق ضحكة اخرى ، ثم أضاف: " يقال انهما مثاليان في تعاملهما ، مجنونان في الحب !". كانت جملته الأخيرة ممزوجة بالسخرية. " في الحب ! هل تعني أن كل شيء سار سيرا حسنا في النهاية ؟". " كل النساء يحببن أن يسمعن النهاية ، إنهما يعيشان ان بسعادة دائمة لا مثيل لها ". بقي شيء من الدعابة في نغمات صوته ، ولكنها ممزوجة بشيء من الإحتقار . " أنت يا ألانا ، لن تكوني محظوظة الى هذا الحد ، لأن دونيس لوسين كان يحب الفتاة طيلة الوقت ، بينما أنا أكرهك.... لقد كرهتك منذ اللحظة التي رفضتني بها". بدا على وجه الانا شيء من الغضب والإنفعال ، غير أنها قالت : " بل منذ اليوم الذي فشلت في زواجك". سكتت الانا ولكن سكوتها جاء متأخرا ، فقد تغير لون كونون وصار قرمزيا ، وثارت ثائرته: " زواجي ! الم أقل لك الا تذكريه على الإطلاق... وحق السماء ايتها الفتاة لسوف اقتلك إذا ذكرته مرة اخرى ! هل تفهمين ! ". شحب لونها وإزدادت ضربات قلبها : " إنني آسفة....". لقد ندمت على زلة لسانها ، وتمنت لو أنها لم تفه بتلك الكلمات على الإطلاق ، تلك الكلمات التي لا تثير غضبه فقط وإنما تسبب له كثيرا من الآلام ، فإنها تذكره بماساته .... بفقدان ولده.... ورددت : " إننس اسفة حقا ، كونون". بدا صدق شعورها في نبرات صوتها ، وفي نظرات عينيها ، ولكن كونون كان كمن فقد عقله ، وهو ينظر اليها نظرات فارغة كالمجنون ، نظرات بعيدة جدا كمن يعيش الذكرى ، يجتاز تلك المرحلة المروعة في حياته ، عندما اخبروه أن ولده قد مات ، وأن مسؤولية موته تقع على زوجته . " آسفة !". تنهد من أعماقه ، ووقف كنه مدفوع ان يفعل ذلك ، صفق بيده ، حسبت ألانا أن الرجل قدجن فعلا ، جنونا مليئا بالغضب والحزن ، وصاح: " سوف أجعلك تاسفين في دقيقة واحدة ن تعالي الى هنا ! ". قفز نحوها وهو يتكلم ، ولكن ألانا كانت أسبق منه حيث قفزت من النافذة تركض على الشرفة نحو الدرجات التي تؤدي الى الممر المرصوف ، شعرها على كتفيها يتطاير في الهواء ، اسرعت بإتجاه الطريق الطويل ، لقد أدهشها انها وصلت البوابة من غير أن يمسك بها زوجها من الخلف ، وهناك إلتفتت إلتفاتة سريعة الى الوراء ولكنها لم تر لكونون أثرا. |
صفقت ألانا لذلك فرحا ، وجلست على الحشائش وراء البوابة تفكر ، اسرعت خفقات قلبها ، وأحست بآلام تجيش في صدرها ، وفكرة الهروب تراود عقلها ، لقد خشيت على سلامتها بين يدي رجل مجنون كهذا الذي هو زوجها ، وأيقنت انه في ذات يوم يستبد به الحزن ويستبد به الحزن ويشتد به الغضب الى درجة مرعبة لا يعرف معها ما الذي يفعل.
وبعد فترة وجيزة إستطاعت الوقوف ، وسارت بإتجاه القرية ، والذعر لا يزال يسيطر عليها والتساؤل يلح ، ترى أي حياة هي هذه؟ وتدفق الدمع من عينيها ... فهناك هوارد بيومونت يرغمها على الزواج منه بالتهديد ، تهديده بأن يرسل أخاها الى السجن إن لم تفعل ، والان جاء كونون ، بعد أن تحررت من زواجها الفاشل ، جاء هو ايضا يهددها ، بتدمير الرجل الذي تدين له بحياتها إن هي لم تتزوج به ! كثيرا على إمرأة أن تتحمل كل هذا ، إحتجاج مرير كان يغلي في صدرها ضد ما يفعل بها القدر... إستمرت الدموع تفيض من عينيها وهي تسير ، ظهر من الإتجاه المعاكس رجل يركب حمارا وكلبه يعوي بجواره ، تسير زوجته وراءه تتشح بالسواد ، إمرأة متعبة تحمل ذكريات موجعة تبدو في تجاعيد وجهها الأسمر. حياها الرجل وردت التحية من غير ان تنظر اليه ، حتى لا يرى الدموع في عينيها ، والمرأة أيضا حيتها بإبتسامة ، ومرا بها نحو الطريق المؤدية الى سفح التل حيث يسكنان في بيت ابيض صغير يستكن بين اشجار الزيتون والليمون . لقد حسدتهما الانا ، إنهما يعرفان الأمان ، يعرفان تماما طريقهما في الحياة ... في مملكتهما الصغيرة الخاصة . تساءلت ألانا ، ترى الى أين كانت ذاهبة ؟ فليس لديها مال ولا ثياب ، بالإضافة الى أنه اصابها تعب شديد لدرجة لم تعد تقدر على المسير ، ولن تعود الى كونون فهي ليست آمنة معه ، وصرخت من غير أن تشعر أنها كانت تصوغ افكارها في كلمات : " يا ألهي الى أين يمكنني ان أذهب من غير مال ...". خبا صوتها ، وإرتجفت شفتاها ، فقد أحست بوقع اقدام وراءها ، إنه كونون ! إنها خطواته فهي تعرف وقعها أينما كانت ، عاد الذعر اليها ، إستدارت وقد فر اللون من وجنتيها ، ولم تعد لها قدرة على التفكير ، أو الحركة ، وسمرت مكانها كالأرنب المذعور امام الذئب ، وقلبها يخفق بجنون بين جوانحها. " هل سمعتك تتحدثين عن المال يا عزيزتي ؟". كان زوجها يتمتم بهذه الكلمات ، فهزت راسها كمن لا حيلة له وقالت: " لا.... نعم...". " لماذا تريدين المال يا عزيزتي ؟ وماذا ستفعلين به في مكان كهذا ؟". كان يقف بجانبها طويلا مخيفا ، ولكن علامات الغضب زالت من وجهه ، وعيناه لم تعودا تشعان ببريق الجنون ، ومع ذلك فإن الانا لم تستطع أن تتكلم ولا أن تحرك ، حتى تناول كونون ذراعها يساعدها ، ووجدت نفسها تطيع بلا مقاومة ، تم الأمر بلا كلام ، يجب عليها أن تعود معه الى المنزل. " كونون أنا لا أريد الدخول ، إنني افضل البقاء هنا في الحديقة". توقف كونون ،وتعبيرات غامضة بدت على وجهه الأسمر وهو يقول: " لماذا كنت تبكين ، ألانا؟". " شعرت بالتعاسة ". " من أي شيء ؟". " من حياتي هنا ". " لقد كنت سعيدة جدا مع زوجك الأول ، اليس كذلك؟". " ماذا تأمل أن تربح من إجابتي على هذا السؤال؟". هز كتفيه وسحب يده من ذراعيها ، وأجاب: " لا شيء ، فقد كنت فضوليا ، هذا كل شيء ". بقيت الانا صامتة ، ولكن كونون قال وقد تغيرت نبرات صوته وبدا فيها شيء من الرقة واللطف : " إذن انت غير سعيدة وتريدين الهرب ، الى اين يا عزيزتي تريدين الذهاب ؟". " لا أعرف .... فقد أريد ان أذهب بعيدا عن هذه الجزيرة ". " لكنك لا تستطيعين الذهاب من غير موافقتي ، وإذا حاولت السفر على أية سفينة تقلع من هنا ، فسوف يطلعونني قبل أن ترحلي ". " لقد عملت مسبقا ضد رحيلي؟". " إنني أحبط جميع المحاولات التي يمكن أن تؤثر على حياتي ". " انت لست ملك الجزيرة ، فالى متى يمكنك أن تمنعني من الإبحار ؟". " الى الأبد ، فإن السلطات المسؤولة ستعلمني حتى لو حاولت شراء بطاقة سفر ، وهكذا ترين يا جميلتي ألانا ، أنه لا مفر لك ، أنت هنا سجينتي ، وستكونين اكثر سعادة لو انك قبلت هذه الحياة التي إخترتها بنفسك". " أنت تعرف انني لم أخترها بنفسي ، تعرف أنك أكرهتني عليها ". " على أية حال أنت التي إخترت ، والآن وبما انك زوجتي ، فمكانك هنا معي ". تناول ذراعها ثانية ، وصعدا الدرجات الواسعة الى باب الفيللا الأمامي ، حيث صرخت وهي تفلت من يده : " دعني أذهب ، لن أدخل المنزل ". إنسكبت الدموع من عينيها ، وكونون ينظر اليها ويهز رأسه ، ثم سأل : " انت خائفة مني؟". " اليس هذا ما تريد ؟". " أظن أن هذا ما أريده بالضبط ، هذا الخوف الحقيقي ،ولكن من أي شيء تخافين؟". وفجأة تغير صوته وصار أكثر رقة ، وبدا القلق في عينيه الداكنتين . أخذت الانا تنظر اليه بحيرة وإرتباك ، فقد زالت من وجهه الملامح المخيفة ، وبدا أمامها كأنه الرجل الذي كانت تعرفه في يوم من الأيام ، الرجل الذي إنجذبت اليه فعلا ولكنها لم تتزوجه لأنها كانت قد قررت ألا تتزوج على الإطلاق. كونون عاد يسأل: " من أي شيء أنت خائفة ، ألانا؟". كانا يقفان عند الباب على درجة رخامية بيضاء ، الهدوء والسكينة يكتنفان المكان ، والحديقة تلمع تحت أشعة شمس يونانية ، بأزهارها من كل شكل ولون ، رائحتها تعطر المكان ، ووراءها تشمخ الجبال ، بعض غيوم بيضاء رقيقة تزخرف زرقة السماء ، النخيل يتماوج مع السروالأهيف النحيل ، ومن الجهة الأخرى أشجار الليمون والبرتقال تضيف خضرة وجمالا الى تلك الصورة الأخاذة. " كنت خائفة منك". جاء الجواب متأخرا ،ولكنه كان ينتظره بصبر ، ينظر الى الجديد في تعابير وجهها ، يحاول أن يقرأها ، وكمن يحدث نفسه قال: " خائفة...". " ألم يكن هذا متوقعا ، بعد تصرفاتك تلك ؟". إحنى كونون راسه ، عيناه كئيبتان ، قاتمتان ، فيهما كثير من الغموض ، ولدهشتها إستدار الى الجهة الخرى كأنه يريد ان يخفي عواطفه ، وبعد وقفة قصيرة ، سار بعيدا نحو البساتين ، وتركها نهبة للخوف والألم ، وأحست أنه شعر بشيء من الندم لأنه أخافها الى درجة الرعب ، الى درجة تريد معها ان تهرب منه. أي رجل غريب غامض هو هذا ! رجل حياته هدمت بسبب فشل زواجه ، وفقدان ولده ، وها هو الآن يحملها مسؤولية كل ذلك ، ويقول في نفسه انها لو قبلت الزواج منه ، لما حصلت كل هذه المآسي ولكان زواجهما ناجحا ، لأنه كان يحبها وهي معجبة به. وتساءلت ألانا في نفسها : " ترى لماذا تقع في مثل هذه الأخطاء الفادحة ؟". كانت عيناها الكئيبتان تتبعان زوجها ، حتى إختفى عن ناظريها بين الأشجار ، ثم تابعت الحوار مع نفسها : " كنت غبية بلهاء ، لأنني خشيت مما حدث لسالي وماجي ، ما كان يجب ان اتاثر بما وقع لهما ، فلكل أمرىء حياته الخاصة كيف يشاء. ولكن فات الأوان ، كونون لم يعد الرجل الذي تستطيع أن تحبه ، فهو إنسان آخر غير الذي كنت تعرفه ، إنسان يعرف فقط كيف يكره ، لأنه عرف كيف يحب في يوم من الأيام ، رجل أصبح كل همه من الزواج هو الإنتقام.... |
6- الإنتقام حلو كما يقولون ، ولكن مع الزمن يصبح المرء اقل رغبة بالحلاوة ، ومع ذلك لا تصدق أن هذه البداية ممكنة ...
مرّ اسبوعان ، قضيا فيهما ساعات هادئة في الحديقة والسير على شاطىء البحر ، أو التسوق في بوثيا العاصمة ، كونون لم يعد يتحدث بحدة مع ألانا او يتصرف معها بخشونة ، كان يبدو لها أن هناك صراعا يعتمل في داخله ، ولكنه لم يحاول أن يظهر أي رغبة في علاقة صداقة بينهما ، اما ألانا فقد كانت تمتعض حتى من مجرد التفكير أنها قد ترحب بصداقته إن فعل ، أو تشعر بأن الحياة قد تكون مريحة أكثر إذا إستطاعا أن يكونا رفيقين .... من غير أن يدخل الحب الى حياتهما . بعد ظهر يوم من الأيام ، كانت تجلس في الفناء الجميل المزدان بالأزهار تقرا في كتاب ، فجاءها كونون يطلب منها ان ترافقه الى ميرتليس ، وهي مدينة تقع على خليج الشاطىء الغربي من الجزيرة ، حيث كان يملك فندقا هناك. قبلت بشوق أدهشها ، بالقدر الذي أدهشه. " إنني أحب ان ارافقك". قالت الانا ذلك ، وهي تقف في الحال وتلقي بالكتاب على الطاولة ، ثم أضافت : " هل انت على إستعداد ؟". احنى راسه علامة الإيجاب وقال : " لن تحتاجي الى معطف ". " لا ، ولكنني أريد أن أغسل وجهي ويدي ، هل تنتظرني بضع دقائق؟". " سأفعل". قال ذلك وجلس على الكرسي الذي كانت تشغله. هل هذه خطوة لحياة جديدة اكثر بهجة لكليهما ؟ هذا ما سألت ألانا نفسها متعجبة ! غسلت وجهها واخذت تسرح شعرها الذهبي وكأنه إختلس لونه من اشعة الشمس التي كانت تتسلل من النافذة ، زينت خديها بقليل من الحمرة وكذلك شفتيها ، وإرتدت ثوبا أبيض بسيطا أنيقا ، ثم وقفت قليلا أمام المرآة ، فإقتنعت بما رأت . كانت لحظات الإنتظار تلك طويلة بالنسبة الى كونون فقام من كرسيه ووقف الى جانب حوض من الأزهار ، وإلتفت عندما سمع وقت خطوات خلفه ، كانت الانا طبعا ، شملها بنظراته التي إستقرت على وجهها ، فبدت الكآبة في عينيه وتنهد من أعماقه ، وقال: " هل أنت مستعدة؟". ثم غيّر إتجاه نظراته فترة ، وقادها الى السيارة ، وفي الحال كانت تنطلق بهما. منتديات ليلاس كان كونون صامتا كئيبا ، لا تسمح حاله بالحديث، ولذا فإن الانا لاذت بالصمت ايضا ، وسألت نفسها ، ترى لماذا كل هذه الكىبة الان ؟ اهو نادم على ما فعل ، نادم على هذا الزواج ؟ هل وصل الى المرحلة التي يسال فيها نفسه عما ربحه من كل ذلك ؟ الإنتقام حلو كما يقولون ، ولكن مع الزمن يصبح المرء اقل رغبة بالحلاوة ، ولا شك أن كونون الآن لم يعد يحس بالسعادة من جعل حياتها مريرة الى هذا الحد. الحقيقة أن الأشياء البغيضة التي يقوم بها تبدو اسبابها مقنعة له ، وهي تحس أنه لن يستمر في هذا الأسلوب الهمجي في معاملتها ، فها هي تصرفاته بدات تتغيّر ولو قليلا ، وأصبح يبدي شيئا من اللطف في سلوكه معها ، حتى أنها لم تكن تصدق أن هذه البداية للتحول ممكنة الحدوث... " هل تريدني أدخل معك ؟". سألته الانا عندما سارا في الطريق الطويل الذي ترتفع الاشجار على جانبيه ، المؤدي الى الفندق ، وأضافت : " أو أتجول في المدينة ثم أعود اليك؟". " يمكنك ان تأتي إذا كنت ترغبين؟". " حسنا". إبتسمت له راغبة ان يرد عليها بإبتسامة ولكن خاب أملها ، فقد كان وجهه مقنعا بقناع قاتم خال من اية تعابير . كان الفندق من أفخم الفنادق التي رأتها عينها، بالقرب من شاطىء غاية في الروعة والجمال. سالت ألانا: " هل يعود الفندق عليك بالربح الوفير؟". " لا شك في ذلك وإلا لما اقيم". كان يستمع اليها وهما جالسان في غرفة الإستراحة المخططة باللون الأزرق والأبيض ، وكانا ينتظران الشراب الذي طلبه كونون ، ثم قال : " الحقيقة أن دخل الفندق قليل جدا ". نظرت ألانا اليه بدهشة مستفسرة : " ألم تكن لديك فكرة قبل بنائه ، أنه من الممكن ألا يكون مربحا؟". " لماذا تكون لدي مثل هذه الفكرة؟". " لأنك رجل اعمال ، ومعظم رجال الأعمال يقومون فقط بتلك المشاريع التي يعرفون انها مريحة". " هل الربح هو كل ما يهم ؟ هل المال هو الشيء الوحيد المهم في الحياة؟". تنهدت الانا من الأعماق وقالت: " لقد أسات فهمي ، انا لا يهمني شخصيا إن كان مربحا أم لا ، فليس لذلك أي فارق عندي...". قاطعها كونون قائلا: " سيكون هناك فارق عندما أرحل عن هذا العالم ، فكلما جمعت مالا أكثر ستصبحين أكثر ثروة عندما يأتي الوقت الذي ترثينني فيه". " كونون ، ما هذا الذي تقول ؟ فأنا لا تهمني اموالك ولا يهمني أن أرثك". قالت آلانا ذلك بإستنكار شديد ، أما هو فقد عادت إبتسامة السخرية الى شفتيه ، وقال : " هراء ، لقد تزوجت الرجل الأول لهذه الغاية....". " كيف عرفت؟". قاطعته بحرارة ، ثم اضافت: " ليس لديك أي اساس لتبني عليه حكما كهذا!". " إنه واضح كنور الشمس". هذا كل ما إستطاع ان يجيب به ، ثم جاء المستخدم بالشراب ، فقال له كونون : " شكرا ، سنتناول العشاء مبكرين ، في الساعة السابعة تقريبا". " حاضر ، سيد كونون". |
إنحنى الرجل أمام كونون وأخذ المنحة التي أعطاه إياها ، ومضى .
كانت الانا ترغب في ان تذكر لكونون ، أنه كان في إمكانها ان تطعن في الوصية لو كان لديها رغبة في المال ، ولكنها احست بكبريائها أن ترفض ان تبرىء نفسها أمامه ، وإذا كان كونون يريد أن يفكر فيها بهذه الطريقة ، فليفعل ، فإن رايه ليس له مثل هذه الأهمية عندها ، كما أخبرته مرة. أخذ كونون ينظر حوله وعلامات الكآبة لا زالت بادية على وجهه ، وتجاوزت ألانا تجريحه لها وعادت للحديث لتنهي حالة السكوت المملة : " ألا يمتلىء الفندق بالنزلاء أبدا ؟ فإن شاطئا كهذا يجتذب السياح في كل وقت من اوقات السنة". " لا يوجد أي سبب يمنع من ان يكون الفندق مليئا بالنزلاء دوما ، وأنا أوافقك على ذلك ، ولكن كما قلت ، هذا الفندق بالذات أرباحه قليلة". نظرت اليه بإستغراب ، وقالت: " أظن انك كنت تعرف قبل ان تبنيه انه لن يكون مربحا ، أليس كذلك؟". " توقعاتك صحيحة". إبتسم كونون بشيء من الدعابة ، بينما قطبت ألانا حاجبيها متعجبة ، كانت تريد أن تعرف السبب ، فسالت: " لماذا بنيته إذن؟". " احيانا تكون هناك حاجة لفندق فخم من الدرجة الأولى ، يقدم جميع أنواع التسلية وأسباب الرفاهية لأولئك الذين يحتاجون لأشد أنواع المواساة والتسلية ". " كونون ، لست واضحا في إجابتك". " الحقيقة انه من الممكن أن يكون لدينا بعض السياح بوجود شاطىء جميل كهذا". وأشار بيده بإتجاه النافذة التي تطل على البحر بصورته الجميلة ، وتابع كلامه: " وهؤلاء الناس الذين لا يجدون ما يطلبون من أسباب الراحة والرفاهية من الدرجة الأولى ، عزمت أن اقدم لهم ما يريدون". " حتى مع انك تعرف أنه ليس مريحا ؟". " اتا لا اقول أنه لن يكون مريحا على الإطلاق ، فمن الممكن أن يكون في المستقبل ، على اية حال فهناك اناس كثيرون يفضلون الأماكن الهادئة غير المحتشدة ، وهذا المكان واحد منها". " بالتأكيد فهو كالفردوس". " الفردوس! ". ردد كلمتها بشيء من الدعابة واضاف: " ما كنت أتوقع أن تشبهيه بالجنة ، فهو اشبه بالجحيم ! ". " كنت أتحدث عن الجزيرة الخلابة والشاطىء الأخاذ ، ولم أكن اتحدث عن حياتي". أحست الانا ببرودة تتسلل الى أوصالها ، لهذا لتغيير الذي بدأ يطرا على محادثتهما ، خصوصا وأنهما يحاولان تخفيف العداء بينهما. وسأل كونون : " أحياتك جحيم؟". بريق لم تتوقعه شع من عينيه ، ورات على الفور أنه عاد الى حالته الأولى ، يجد متعة في أي ألم يستطيع أن يسببه لها ، وعجبت من هذا الرجل المتلون المزاج الذي يسمح لنفسه أن يكون في كل دقيقة بلون ، وبعد لحظة من التفكير قالت : " لم أقصد ذلك بالضبط ، فالحياة في الأسبوعين الماضيين كانت أفضل من البداية ، ويبدو أنني بدات اعتاد على أسلوبك". " الى أي شيء تريدين ان تصلي؟". وقبل ان يترك لها مجالا للرد ، إستمر في حديثه محذرا ، حتى لا تكون واثقة الى هذا الحد بأن الأسبوعين الماضيين قد يرسمان صورة أفضل لمستقبل حياتهما. " انا إنسان مزاجي ، ويمكن أن أتحول من صورة لأخرى من غير إنذار ، فأنا تزوجتك فقط كي اجعلك تدفعين ثمن ما عانيت في حياتي ، وسوف تدفعين ، إياك ان تظني غير ذلك". لاذت ألانا بالصمت ، وأحست انه كان يجبر نفسه على تكرار هذا الكلام ،وأن الأمور ستسير على ما سارت عليه في الأسبوعين الماضيين على الأقل. ولكنها سرعان ما ادركت خطأها ، فإن كونون صمم ألا يضعف من موقفه ،وعاد مرة أخرى لسلوكه الفظ ومعاملته الخشنة ، غير أن ألانا كانت تحتمل ظنا منها انها سحابة ثم تنقشع لمعرفتها بمزاجه المتقلب ، ولكنها في هذه المرة أخطات في ظنها. وفي ذات مساء ، كان قد ابدى وحشية في معاملتها ، فقالت له: " كونون ، انت عدو نفسك ، ولن أبقى معك في اية حال من الأحوال ". كان كونون يقف بجانبها يمسك بذراعها بقسوة ، فحاولت ان تفلت من قبضته ولا تدري كيف إستطاعت ،وإبتعدت عنه وقد شحب وجهها وإرتجف جسمها وسرى الخوف مسرى الدم في عروقها ، وتذكرت هوارد زوجها الأول ، فبالرغم من حقارته لم تلق معه مثل هذا الخوف. لم يحاول كونون أن يقترب منها ، ولكنه ايضا لم يذهب ، بل قال : " لديك كل ما تحتاجين اليه ، فلماذا إذن هذا التهديد بالرحيل؟". " لدي كل ما أريد ؟ ألا يكفي انني فقدت حريتي ؟". " فعلت ذلك بكامل رغبتك". " لم يكن لدي خيار ". " ليس بالقدر الذي كان لديك في المرة الأولى على ما أظن ، كنت حينئذ تتمتعين بحرية الإختيار .... وإخترت الرجل الذي يملك مالا أكثر ، ورفضتني ، لأنني كنت فقط وريث والدي ، ولن أصبح غنيا طالما هو على قيد الحياة ". وفجأة ضحك تلك الضحكة الهمجية ، والتي سمعتها مرات عديدة من قبل ، ثم توقف عن الضحك وتابع كلامه: " لم تعرفي في ذلك الحين ان الأمور قد تنعكس كما حصل ، ولو أنك تزوجت مني لكنت في حالة مادية أفضل بكثير". |
نظرت اليه في صمت خشية على سلامتها ، كان الشر يطل من عينيه القاتمتين ، ووجهه الداكن المتجعد ، وشكله الضخم في ثيابه السوداء.
" تعالي الى هنا". قال ذلك وهو ينظر اليها نظرات مخيفة ، فهزت رأسها وحاولت أن تتجاوزه الى الباب ، ولكنه أمسك بها بعنف ،وهو يصرخ في وجهها : " تذكري انني زوجك يا ألانا ، وعليك أن تطيعيني ". فتحت ألانا عينيها ، وكان الفجر قد بزغ من وراء الأفق يداعبه بلمسات لطيفة ، وكان بدء يوم جديد ، سرت رجفة في جوانبها وهي تنظر الى الوجه الداكن الغارق في النوم الى جانبها ، وإنسلت بهدوء تقصد الحمام لتغسل وجهها وهي تحدث نفسها ، أن كونون لا يمكنه أن يبقيها هكذا أسيرة ، فلماذا لا تذهب الى الشرطة وتخبرهم بمخاوفها ؟ وهم لا شك سيعالجون الأمر ، علهم يدبرون امر سفرها ، فهي إنكليزية ومن واجبهم مساعدتها ،وشعرت أنها تستطيع أن تهجر كونون من غير أي إحساس بالذنب ، فهذا ما يستحقه. بعد تناول الفطور ، خرج كونون من المنزل ، إنها فرصتها للرحيل ، وهكذا فقد خرجت هي أيضا ، تسير على الطريق التي سبق وسارت فيها مع كونون بعد مراسيم زواجهما في مدينة كاليمنوس ، كانت الطريق طويلة والمسافة بعيدة حتى الى اقرب قرية ، ولكنها سارت بسرعة وهي تمني النفس بحل مشكلتها ، ولو أنها كانت تتمنى لو ان الظروف غير هذه الظروف ، حتى تستطيع أن تستمتع بتلك المشاهد التي لم تر أجمل منها ،وذاك النسيم الذي يعبث بشعرها أرق منه. منتديات ليلاس وصلت ألانا الى القرية ، وأوقفت شابا مارا وسألته عن سيارة أجرة ، ولكن الشاب رفع كتفيه ، قائلا: " لا يوجد هنا سيارات اجرة ، فتلك السيارات موجودة فقط في المدينة ! ". أفترت شفتاه عن إبتسامة مرحة فبدت أسنانه بيضاء كاللؤلؤ ، وعيناه البنيتان كانتا تشعان بالمرح ، وصوته لطيفا مليئا بالود. وأضاف الشاب قائلا : " لكن أخي لديه سيارة ، وهو لا شك سيطحبك إذا اردت". نظرت الانا اليه بإمتنان وأجابت: " هل يفعل ؟ يجب ان اصل الى الميناء ، أعتقد أن هناك قاربا سيقلع في غضون ساعتين ". " تماما ، تعالي معي ، فأنت في عطلة على ما أظن ، جئت لزيارة جزيرتنا ". ولما سارت الى جانبه ، اضاف: " أظن انك أحببت جزيرتنا ، اليس كذلك؟". " بالتأكيد". إبتسم لها وقال : " الان عدت من سفينتي ، فانا غواص اجمع الإسفنج". " اأنت غواص إسفنج؟". لقد سمعت الانا من قبل عن غواي الإسفنج في مدينة كاليمنوس ، رجال يخاطرون بارواحهم وهم يغوصون في أعماق البحار ، يبحثون عن الإسفنج الذي ينمو على الصخور. وبعد تريث قليل تابعت: " لقد سمعت أنها مهمة خطرة جدا ". " نعم إنها خطرة ، ولكنني احب أن أغوص في أعماق المياه السحيقة ، واشاهد المخلوقات الصغيرة التي تعيش هناك". توقف قليلا ، ثم نظر اليها وقال يعرّفها بنفسه : " إسمي أندونيس ، وانت ما إسمك؟". " ألانا". " الانا ؟ لقد إلتقيت بفتيات أنكليزات كثيرات ، عندما كنت اعمل في فندق في رودس ، أنت تعرفين رودس أليس كذلك؟". " نعم لقد نزلنا من الباخرة هناك ، ثم جئنا الى هنا بالقارب". " في رودس كما قلت ، إلتقيت بفتيات كثيرات ولكنني لم أسمع بإسم ألانا". " ليس الإسم شائعا". سارا في طريق ترتفع الأشجار على جانبيها ، تبدو أزهارها الجميلة وكأنها سرقت لونها الأفر الذهبي من الشمس، والبيوت البيضاء تظهر من وراءها تحيط بها الجنائن المفروشة بالأزهار يعطر أريجها الأجواء ، ويحيط بهذه الحدائق سياج كثيف من اشجار الصبار الفخمة. " هذا بيت اخي". اشار أندونيس بيده الى البيت ثم فتح البوابة العريضة المصنوعة من الخشب المزخرف ، دخل ونادى بصوت عال حاد بجمل قصيرة ، وكل ما إستطاعت أن تفهمه ألانا كان إسمي ستيلا ، وبيتروس ، أما بقية الكلام فكان باليونانية. ظهرت فتاة يضارع جملها سحر عينيها اعين الظباء ، خجولة لا تفارق البسمة ثغرها ، قدّمها على أنها أخته ، ثم أخذ يتكلم باللغة اليونانية . " أخوك ليس هنا ، أليس كذلك؟". لم تكن بحاجة لتسأل هذا السؤال ، فقد عرفت ذلك من الملاحظة ، ومع ذلك فقد أخبرها أندونيس أنه ذهب بسيارته قبل دقائق معدودة، وغاص قلبها بين جنبيها وبدا الإرتباك على وجههها ، وحارت فيما تفعل ، ولما قالت أنها ستسير الى القرية الثانية ، اعلمها أنها لن تجد طلبها هناك أيضا ، فزادت حيرتها ، وخشيت مغبة ما فعلت ، حيث ستضطر الى العودة الى بيت كونون ، لتتعرض لألف سؤال وسؤال. ثم إقترح أندونيس عليها ، قائلا: " نتناول بعض المرطبات ، ثم نفكر بطريقة ما توصلك الى الميناء ". هزت كتفيها وهي تنظر الى ستيلا ، التي كانت تقف خجلة جانبا تتطلع الى ألانا من الراس حتى القدم . " لا اظن انني أستطيع ذلك". " ولكن يجب أن تفعلي ، اختي تريد ان تقدم لك شرابا صنعته من الرمان". " شكرا لكما ولكن...". قاطعها قائلا: " لا يمكن ان ترفضي ضيافتنا ، لم يفعل هذا احد من قبل ". " حسنا". كانت الانا تتبع بنظراتها الفتاة التي تحركت نحو الباب المفتوح وهي تومىء لها. فقال اندونيس: " إنها لا تتكلم الإنكليزية ، فعندنا الصبيان فقط هم الذين يتعلمون ". " ولماذا لا تتعلم الفتيات لغتنا أيضا ؟". " لأنهن لا يحتجن الى ذلك ، فالرجال يحتاجون اللغة في أعمالهم ، وخوصا ان الكثيرين منهم يذهبون الى استراليا ، اما النساء فلا يعملن إلا في بيوتهن وتربية أطفالهن ". |
الساعة الآن 07:55 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية