منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t172146.html)

نيو فراولة 10-02-12 08:03 PM

هبت دافينا واقفة وهي تقول :
" تصرفك الليلة غير معقول إطلاقا يا لويد ، أنت لا تستطيع خيانة موهبتك أو التراجع عن رسالتك الأدبية بهذه السهولة".
" أسمعي جيدا ما ساقوله ....".
وقاطعته لتقول وبريق الدهشة يشع من عينيها:
" كلا ، ليس من المعقول ابدا التفكير بإعتزال مهنة الكتابة بعد الشهرة الواسعة التي إكتسبتها ، أن قراءهم الذين كثر عددهم يتحرقون شوقا لمطالعة المزيد من عطائك الأدبي والفكري ، لا ، لا ، لا يحق لك أن تخونهم "
" لماذا تدافعين عني الآن بحماس منقطع النظير ؟ هل انت حقا قلقة على مصيري ، أم على القراء ، أم على أرباح الدار التي ستتدنى كثيا في حال توقفت عن الكتابة ، أم ماذا؟".
تأملته طويلا ثم ردت بلهجة لا تخلو من الإمتعاض:
" إنني أخجل من وصف أقوالك بالغباوة ، في أي حال ، إذا كنت مؤمنا باقوالك فما عليك إلا ان تفسخ العقد القائم بينك وبين الدار ، ثم أذهب واعرض كتابك على غير ناشر ، وكن على ثقة بأن عمي فيليب لن يقف حجر عثرة في طريقك".
" هكذا ! ولكنني استبعد ان يشكرك العم فيليب على إقتراحك هذا.... هل نسيت انه رجل أعمال...".
وصمت لحظة يفكر ثم تابع يقول:
" أنا شخصيا أحبه لأنه الوحيد من بين اعضاء أسرتك الذي لم يلحقني منه أي ضرر أو إزعاج".
قال ذلك وراح ينتظر جوابها ، ليعود ويضيف متهكما بعد طول صمت وإنتظار :
" مع ذلك ، انا لا أصدق بأن العم فيليب سيبقى ساكنا في حال تعاملي مع ناشر سواه ، علما بأن ليس لدي الآن أي كتاب جاهز كي أعرضه عليه ".
" لكنك باشرت بتاليف كتاب ما قبل سفرك الى اميركا !".
ثم إستدركت تقول بسرعة ، وقبل ان يتسنى له التعليق على ما قالته لتوها :
" لا ، ليس قبيل جولتك الأميركية وإنما قبل أن تهجرني ...".
وصمتت بإنتظار الجواب لمعرفة ما إذا فاته ملاحظة تبديل زمن الكتابة ، أم لا ، فيما كان هو يتأملها ويرد بلهجة لطيفة ومهذبة :
" يا لها من ذاكرة عظيمة ... ذاكرتك مدهشة ... لسوء الحظ ، أن ذاك الكتاب الذي تحدثت عنه طواه النسيان...".
"ولكن يمكنك إعادة النظر فيه ، من يدري ! ربما اخذ طريقه الى النشر ، كثيرون غيرك بدأوا الكتابة ثم توقفوا ، ثم اعادوا النظر فيها ، ونجحوا في غالب الأحيان ، وانت يمكنك تطبيق الطريقة نفسها ، حاول ذلك وانا متأكدة بانك ستنجح".
تأملها ثم رد عليها بلهجة ساخرة:
" ربما ! لكن مثل هذه الأفكار لا تراود إلا مخيلة اصحاب دور النشر ، حسبي أنني عرفت الآن ما يسري في عروقك ، اجل ، أن ما يجري في عروقك هو حبر الطباعة وليس الدم".
وشعرت دافينا بصدمة قوية تصيبها بعد أن وصفها لويد بهذا الوصف الذي لم تالف سماعه من قبل ، ولكنها طوت ألمها بين الضلوع ، رافضة الإنسياق وراء مثل هذه الصغائر ، ثم رفعت رأسها وجاوبته قائلة :
" ماذا كنت تنتظر مني أن اقول غير ذلك القول ، يا لويد ؟قلت لك ، واكرر القول بأنني هنا في زيارة عمل ومكلفة للقيام بمهمة رسمية من قبل الدار".
" إذا كان الأمر كذلك يؤسفني القول بان زيارتك فاشلة ولم تكن ضرورية ، لأنني طلقت الكتابة وبدأت العمل في مجالات اخرى".
" عرفت ذلك... هل صحيح أنك تحاول إعادة تأهيل معمل لحياكة الصوف !".
" نعم ، هذا صحيح ! يبدو أن هذا العمل لا يعجبك ، قد لا يعجبك هذا العمل لأنك تجهلين أهمية مهنة حياكة الصوف والأقمشة ... إنها أقدم من مهنة صياغة وفبركة الكلام بعدة قرون ، وربما كانت أكثر جدارة منها بالإحترام ".
قال ذلك ثم إنتقل من مكانه ليجلس بالقرب منها وهو يقول :
" المهم هو أنني أفعل ذلك ، ليس فقط بدافع تقديري لأهمية الصناعة ، وخاصة الحياكة ، بل أيضا لأن المنطقة بحاجة اليها ، بغض انظر عما إذا كانت صناعة خفيفة أم ثقيلة .
" ما بالك تتحدث بلغة رجال البر والإحسان وانت الذي طالما هاجمت عمي فيليب كلما كان يشجعك على القيام بعمل يفيدك ! ".
" لماذا تربطين حديثي عن تنشيط الصناعة بأعمال الخير والإحسان ؟قصدت القول أن الصناعة ضرورية لمكافحة البطالة وتعميم الفائدة في المجتمع ، وأنا أقوم بترميم معمل الحياكة على هذا الأساس ، بالإضافة الى تنشيط حركة السياحة ، كما سبق وقلت ".
تأملته قليلا ثم ردت تقول بإمتعاض :
" أخبرني ، يا لويد ، هل أنت مقتنع بفائدة ما تقوم به ؟ هل يرضيك بيع الخيطان والأقمشة والسجاد لقاصدي النزهة في هذه المنطقة البعيدة عن العالم ؟".
رفع حاجبيه من الدهشة وهو يعلق على تساؤلاتها قائلا :
" من المؤسف جدا أنك لا تقدرين هذه المهنة حق قدرها ، ولا المنطقة ، أنت حرة ، أما أنا فأعشق هذه الأرض واتصورها كالجنة منذ نعومة أظفاري ، لدرجة أصبحت عندها أتمنى لأولادي ان يترعرعوا ويعيشوا وعملوا فيها ....".
فقاطعته لتقول له متسائلة بحدة ودهشة :
" وماذا تفعل بالأفاعي الزاحفة على بطونها في كل إتجاه؟".
" لا شيء ، بل ساتركها تزحف ، هل نسيت الأرض لا تخلو من الأفاعي ؟ من الطبيعي أن تكون لكل جنة أفعاها ! أليس كذلك؟".

نيو فراولة 10-02-12 08:05 PM

لم ترد ، ظلت صامتة تفكر بما يقصده من إشارته الى البنين كأنه يجهل ، أو أنه يتجاهل ، واقع حياتهما الانية ، وإنفصال أحدهما عن الآخر حتى هذه الساعة ، وتساءلت : ما باله يتحدث بمثل هذه الروح المتفائلة عن المستقبل ! وهنا عادت بها الذاكرة الى الجنين الذي فقدته والحسرة تحز في نفسها ، خاصة عندما بدأت تتخيل شكل الحياة التي كانت ستعيشها فيما لو كتب الحظ للجنين ان يرى النور ، ثم راحت تحدث نفسها : إذا شاء لويد أن ينسى ذلك الجنين الذي لم يبصر النور فلينساه ، اما انا فلن أنساه.
" دعنا الآن ننتقل الى الشق الثاني من مهمتي ".
وصمتت تفكر ثم تابعت تقول :
" كلفني عمي فيليب بأن أعرض عليك القيام بجولة جديدة في أميركا بعد النجاح العظيم الذي حققته خلال الجولة السابقة".
حدّق فيها لحظة ثم رد عليها مازحا :
" الهذا الحد تحاولين التهرب من مواجهة الأمر الواقع ؟ ام أنك تحاولين نبش الماضي لتذكيري بشبكات التلفزيون والأندية الإجتماعية والثقافية هناك وعلاقاتي بها ! تصرفاتك تحيرني".
" اجل ، وهل تنكر أيضا المتعة التي نعمت بها طيلة إقامتك هناك ؟".
" سواء نكرت ام لا ، فهذا شاني وحدي ، مع ذلك ، سابوح لك بسر وهو أنني كنت متكدرا ساعة وصلت نيويورك لأسباب لا أود الكشف عنها الآن ... ولم أتمكن من التغلب على الضيق والكدر إلا بفضل ما لقيته هناك من ترحيب وتكريم".
قال ذلك وصمت ، وظلت دافينا صامتة وهي تتمنى في قرارة نفسها لو لم تثر هذا الموضوع.
ثم رفعت رأسها وقالت كمن يشعر بالهزيمة :
" يبدو لي ان من العبث متابعة الحوار معك ، ومن الفضل لي ان أذهب وانام باكرا لأنني عازمة على السفر غدا صباحا".
رد عليها بإبتسامة فاترة قبل ان يعلق على كلامها قائلا :
" ليس من المعقول ان تقرري الرحيل بدون ان تعطيني فرصة كافية للتفكير في عرضك المثير للإهتمام ، فكري على الأقل بموقف عمك فيليب إذا عدت اليه فارغة اليدين ".
" هل تقصد القول بانك ستفكر في الموضوع ؟".
" موضوع الجولة الجديدة ، نعم ، سأفكر فيه ، إن المشاريع التي أنوي تنفيذها تحتاج الى اموال كثيرة ، آه ، يا دافينا ، كم هي الحياة صعبة وقاسية عمك يستطيع الإستغناء عنك لمدة قصيرة تعودين اليه بعدها راضية مرضية".
عضّت شفتيها من فرط الدهشة وهي تفكر بان لا شيء يمنعها من البقاء هنا ، طالما ان عمها فيليب شجعها على القيام بهذه الجولة للإتصال بزوجها شخصيا ، بدون ان تنسى الغرض الأساسي الذي جاءت من اجله ، موضوع الطلاق ومحاولة إقناعه بالموافقة عليه .
ثم تطرقا الى مواضيع اخرى متنوعة ، ودارت بينهما مناقشات عفوية ، كانت تشتد تارة وتحتد تارة ، وتهدا طورا ، حول الأحداث التي جرت خلال مدة إنفصالهما ، الى أن إنتهى لويد الى القول :
" حان وقت النوم ، إذهبي الان ونامي في سريري وثقي بانني لن اعكر عليك صفو نومك".
وهكذا نهضت دافينا بسرعة وهي تحدق فيه بعمق كأنها تحاول قراءة افكاره لمعرفة ما إذا كان يفكر باللحاق بها ، أم لا ، غير أنه ظل جالسا وهو يقول لها قبل أن يتسنى لها الخروج :
" دافينا ، إنني أنصحك بالبقاء هنا ، إذ ربما يحالفك الحظ في تحقيق الهدف الذي جئت من اجله ، كلانا نجاهد في سبيل إستعادة الحرية ، على فكرة ، نسيت ان أخبرك بأنني أنوي الزواج ثانية ".
صعقت دافينا من سماع ذلك ، ثم خرجت مسرعة هي لا تصدق ما سمعته أذناها ، ودخلت غرفتها ، والقت نفسها على السرير وهي تحدث نفسها قائلة :
" أبشري ، يا دافينا ، وإفرحي ! إنه سيوافق على الطلاق".
عندما إستيقظت دافينا في صباح اليوم التالي، شعرت بالإنقباض والضيق حين شاهدت الجو مكفهرا وملبدا بالغيوم نتيجة لتقلّب الطقس خلال الليل ، وسرعان ما سمعت الباب يدق ، فتوجهت نحوه لتفتحه وهي تقول :
" مهلا ! مهلا ! دقيقة واحدة وأفتح الباب".
وما ان فتحت الباب حتى وجدت الانسة ريانون واقفة امامها ، حاملة الشاي اليها ، وبادرتها قائلة بحدة وغضب:
" لماذا تقفلين الباب بالمفتاح ؟". ووضعت صينية الشاي على الطاولة بحدة وعصبية لدرجة أن الشاي تدفق الى خارج الأبريق ،وهي تثرثر وتقول : " إقفلي باب غرفتك بالمفتاح عندما تعودين الى لندن... أما هنا ، فلا ... لأننا لسنا لصوصا ، مفهوم ! ".
فردت دافينا تلاطفها قائلة :
" عفوا ! أعذريني ، لأنني تعودت إقفال الباب بالمفتاح منذ صغري ، صدقيني أنني لم افعل ذلك عن عمد".
وبالرغم من تمادي الآنسة ريانون في تصرفاتها الشاذة نحوها ، ظلت دافينا صامتة وهي تتأملها عائدة الى المطبخ ، وتفكر جاهدة لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هكذا تصرفات ، وتوقفت طويلا عند السر الذي اعلنه لويد اثناء الحديث الذي دار بينهما أمس ، من انه سيتزوج ثانية ، وحاولت أن تقنع نفسها بوجود علاقة ما تربط بين تصرفات الانسة ريانون ، وعزم لويد على الزواج مجددا.
والجدير بالذكر أن دافينا اوت الى غرفتها ليلة أمس وهي تشعر بالقلق والرق ؟ من جراء التناقضات التي كانت تتخبط فيها ، جاء يراودها الأمل بإقناع لويد للموافقة على الطلاق ، وعندما باح لها بأنه ينوي الزواج ثانية ، إضطربت وإرتبكت خشية ان ينفذ وعده فيطلقها ويتزوج ، وادهى من ذلك ، تفاقم قلقها أثناء الليل لدرجة أنها ظلت واعية وهي تتصور ، كلما سمعت حركة ما ، بان هذا هو لويد في طريقه الى غرفة الآنسة ريانون.

نيو فراولة 10-02-12 08:06 PM

والأن ، بعد أن توارت الانسة ريانون عن الأنظار ، وإستعادت هي هدوءها ، سكبت لنفسها الشاي ، وحين إنتهت ، خرجت من غرفتها وهبطت الى الطابق الأرضي ، حيث تجمع بعض نزلاء الفندق إستعدادا للخروج لممارسة رياضة ركوب الخيل.
ثم توجهت من هناك الى المطبخ حيث وجدت السيدة باري وريانون تقومان بوضع وجبات جاهزة من الطعام في أكياس نايلون صغيرة ، بادرتها السيدة باري بالقول حالما راتها :
" صباح الخير ! أهلا بك ! سوف احضر لك الفطور حالما انتهي".
وردت دافينا قائلة لها بلطف :
" لا ، شكرا ، لا تزعجي نفسك إذ أنني لا اتناول في الصباح سوى عصير الفواكه والخبز المحمص .... وهذه اشياء استطيع تحضيرها بنفسي ، وما عليك إلا أن تخبريني اين أجدها".
" حاولت أن اوقظك من النوم ، ولكن لويد منعني".
ودهشت دافينا عندما سمعتها تقول لها ذلك ، لدرجة أنها فكرت بان السيدة باري كانت تحاول إثارتها ونكرزتها بحضور زوجة لويد الجديدة".
عادت السيدة باري وسالتها :
" كيف كان شعورك الليلة الماضية ؟ هل نعمت بنوم هادىء ! ".
" نعم ، شكرا".
في هذه الأثناء ، إنتهت الانسة ريانون من ربط آخر اكياس الوجبات الجاهزة ، فإلتفتت الى والدتها وودعتها وخرجت ، متجاهلة وجود دافينا.
منتديات ليلاس
عندها راحت السيدة باري تحدث دافينا عن النشاط الذي شهده الفندق هذا الأسبوع بفضل تدفق الزوار على المنطقة باعداد لم تعهدها من قبل ، ثم سألتها عما إذا كانت تريد الخروج مع بعضهم لقضاء بعض اوقت والتمتع بمشاهدة بعض الأماكن الطبيعية الفاتنة ، تاملتها دافينا ، ثم ردّت عليها قائلة :
" لا ، شكرا ، إنني أفكر بالعودة الى لندن غدا ، في أي حال ، خروجي لا يفيد إذ انني لم اتعلم ركوب الخيل ، فضلا عن كوني لا املك الملابس او الأدوات اللازمة لممارسة هذه الهواية".
" لا بأس ! ريانون عندها مجموعة كبيرة منها ولا أظنها سترفض ان تعيرك كل ما يلزم ، إذا قررت الخروج".
" ليس اليوم ، شكرا".
" كما تريدين".
قالت السيدة باري وهي تتابع وضع الطعام على المائدة ، وعندما إنتهت جلست الى المائدة قبالة دافينا ، ثم تابعت حديثها قائلة ::
" ركوب الخيل رياضة مفيدة وممتعة ".
وصمتت لحظة تابعت بعدها تقول:
" الشاي اليوم اطيب شاي تذوقته في حياتي ، أرجو ان لا تكون الحركة الناشطة في الفندق ضايقتك ، صحيح ان الفندق يعج بالنزلاء هذه الأيام ، وأن وجودهم بهذه الأعداد الكبيرة يبعث الحياة فيه وينشط الحركة في المنطقة ، ولكن الصحيح ايضا أنه لا يمكن الإستغناء عن الهدوء والسكون أحيانا.
وتوقفت عن الحديث وهي تتأملها كأنما تحاول ان تعطيها فرصة لمشاركتها في الحديث ، وعندما خاب ظنها ، تابعت تسألها قائلة :
" ماذا تنوين عمله اليوم ؟".
ولم ترد لأنها كانت غارقة في التفكير بالمواضيع التي ستبحثها مع لويد ، ساعة يلتقيان مجددا ، يراودها الأمل بأن الأمور ستجري حسبما تشتهي ، بعد ان إقتنعت ، و أنها تحاول الإقتناع بان لويد يريد هو ايضا الإسراع في حل كافة الأمور العالقة بينهما ، كي ينصرف الى ترتيب أموره وأحواله المستقبلية.
وفيما كانت غارقة في تفكيرها إذا بلويد يطل عليهما فجأة ، وهو يبتسم لها إبتسامة باهتة ، ثم صب لنفسه بعض الشاي في الفنجان وهو يخاطبها قائلا :
" سوف أخرج بعد قليل لإنجاز بعض الأشغال ، تعالي معي إذا كنت تبحثين عن المتعة بين أحضان الطبيعة ، وتصرفي كما لو كنت سائحة ، ما قولك !".
ترددت ثم فكرت بأن الحكمة تقتضي قبول دعوته ، وهكذا كان .
وجدت دافينا لويد بإنتظارها في الطابق الأرضي عندما عادت للخروج معه ، ويبدو ان ثيابها لم تعجبه ، فبادرها قائلا بلهجة مقرونة بالحدّة :
" أليس عنك ثياب أجمل من هذه الثياب؟".
" كلا ، ليس عندي شيء اجمل من الشال الذي كنت أرتديه مساء أمس ، لم أحمل معي سوى القليل القليل من ثيابي إذ كانت رحلتي ليوم واحد ، وكان الطقس دافئا".
" كان... الطقس سريع التقلب هنا".
قال ذلك وتركها ليعود بعد برهة قصيرة حاملا بيده فستانا من الصوف ، وناولها إياه وهو يقول:
" قد لا يعجبك كثيرا... هذا الموجود ، المهم ان تحتاطي من البرد".
قال ذلك وراح يتأملها وهي ترتديه ، وعندما إنتهت حثها على المشي بقوله :
" هيا بنا !".
ثم تطلع الى قدميها وتابع قائلا:
" أرجو أن يكون كعبا حذائك عاليان كفاية لوقاية قدميك من الوحل والحجارة".
كان الطقس ممطرا ، والهواء باردا ، عندما سارا في إتجاه سيارته الواقفة في باحة الفندق الأمامية ، وسرعان ما بدات دافينا تفكر ، ربما بتاثير شعورها بالبرد ، بانه كان عليها ان ترفض دعوته ، وتبقى في الفندق ، ليس هذا فقط ، بل راودها الندم على إضاعة فرصة ذهبية سنحت أمامها ، كي تجابهه بالرفض ولو مرة واحدة في حياتها ، فيفهم بانها لم تعد تلك الآداة الطيّعة بين يديه ليلهو بها ، أو يعبث بها ، ساعة وكيفما يشاء ، ولكن ، ماذا يفيد الندم بعد فوات الأوان ؟ وهل بالإمكان إعادة عقارب الساعة الى الوراء ؟ أبدا ، يبقى عليها أن تضع امام عينيها المهمة التي قررت تنفيذها ، وتتجنب الوقوع في الخطا الذي غالبا ما يكون ثمنه غاليا.
بعد ان سار لويد بضع خطوات ، اسرع خطاه ، فإضطرت دافينا الى تسريع خطاها بغية اللحاق به ، لغاية ان وصلا الى السيارة وصعدا اليها.

نيو فراولة 10-02-12 08:08 PM

جلست بجانبه في المقعد الأمامي ، ثم بدات تشد حزام السلامة حول خصرها ، عملا بنصيحته ، حتى إذا إنتهت ، إلتفت اليها وقال بلهجة ساخرة:
" اخيرا بدأت تتعلمين كيف تكوني حذرة ! صدقيني بأنه خير للمرء ان يتعلم متأخرا من أن لا يتعلم ابدا ، ومع ذلك يؤسفني القول بأننا تركنا الوقت يمر علينا بدون ان نتعلم شيئا".
" أي وقت ؟ الوقت الذي سبق مجيئي هنا أم ذاك الذي سبق زواجنا؟".
ولم يلتفت اليها ، وإكتفى بهز كتفيه إستخفافا وهو يقول:
" لا فرق".
الملفت للنظر هو ان دافينا بدأت تشعر بالإرتياح ، بالرغم من إصرار لويد على قيادة السيارة بسرعة جنونية ، وغزارة المطر ، وشدة الريح ، وسوء الرؤية بسبب كثافة الضباب ، وضيق الطرقات وكثرة المنعطفات الخطيرة ، وهدير الرعد ولمعان البرق.
مرّ حتى الآن بعدة طرق جانبية وفرعية ، بدون أن يتوقف عند واحدة منها ، ا وان يقول لها الى اين تؤدي هذه الطريق أو تلك ، وهكذا ظل مندفعا بسيارته حتى وصل الى طريق جانبية تؤدي الى الجبال ، أثارت في نفسه بعض الذكريات ، فإنتهزها فرصة ليقول لها بدون أن ينعطف نحوها :
" كان في نيتي أن آخذك الى الجبال من هذه الطريق لولا سوء الأحوال الجوية ، لا بأس، سنخرج لزيارتها عندما يتحسن الطقس...".
وقاطعته دافينا لتعلّق على ذلك وتقول بدهشة:
"هل تظنني باقية هنا الى الأبد! ".
فردّ يقول وعلى فمه إبتسامة فاترة:
" أعتقد بأنك باقية بحكم الضرورة ! هكذا إتفقنا امس ، هل نسيت؟".
" كلا لم أنس ، ولكنه لم يخطر في بالي بأن إقامتي هنا ستمتد كما تظن".
" هذا شأنك ! وليس لك أن تلوميني على تصوراتك الخيالية وتصرفاتك الخاطئة".
" هكذا ! ".
"نعم ، بل وأكثر من ذلك ".
" هل أنت جاد في ما تقوله ؟".
" طبعا".
" يبدو لي انك تحاول التملص من مسؤوليتك إتجاهي ! ".
" مسؤولية ! مسؤوليتي أنا.... أنا إتجاهك ! لا أظنني قد ألزمت نفسي باية مسؤولية إتجاهك".
" أجل ، هل نسيت حديثنا امس؟".
" كلا ، لم أنس ، سوف ارد على جميع إقتراحاتك وعروضك في الوقت الذي يناسبني ".
" وماذا عن الموضوع الآخر ! .
" أي موضوع ؟ لا أذكر أننا تباحثنا بشان أي موضوع من نوع آخر ، لست أفهم ارجوك أن تكوني أكثر صراحة".
" موضوع الطلاق ، نسيته! حسبتك تفكر على الطلاق ، ونمت على هذا الأساس".
" الشيء الوحيد الذي نمت عليه ليلة البارحة كان سريري العتيق الذي اثار في ذهني ذكريات ماضية لا تختلف أبدا عن الذكريات التي عشتها البارحة ، إذ كنت نائم على بعد بضعة أمتار من غرفة نومك ، تماما كما نمت في تلك الليلة التي سافرت بعدها الى أميركا ، يا لها من ذكريات طالما راودت خيالي...".
فقاطعته لتقول له وهي ترتعش:
" عسى ان تكون وطأتها عليك أدهى من الكابوس".
تطلع اليها بطرف عينيه ، وهو يهز رأسه كمن يتوعد ويتهدد من طرف خفي ، ثم رد عليها قائلا بلهجة تنطوي على الوعيد:
" زلة لسان اخرى من هذا النوع ، أو غلطة واحدة أخرى ، يا زوجتي الجميلة ، وارميك ارضا من السيارة ، وأتابع طريقي واتركك تعودين مشيا إذا شئت".
قال ذلك وصمت لمعرفة رد فعلها ، ولكنها بقيت صامتة وبدون ان تلتفت اليه ، خشية التورط في أمور لا تحمد عقباها ، غير أن لويد عاد وتابع حديثه قائلا :
" كانت هناك اسباب قوية منعتني من إيقاظك صباح ذلك اليوم الذي سافرت فيه الى الولايات المتحدة ، ومع ذلك ، إتصلت بك هاتفيا من المطار فلم ألق جوابا ، أين كنت وقتها ! اين ذهبت ؟ لا شك في انك توجهت الى بيت والدتك كي تريها آثار اللكمات الباقية على جسمك ، أليس كذلك ؟".
لم تستطع دافينا السيطرة على أعصابها من شدة الحيرة التي غمرتها بعد ان صدمتها الحقائق التي كان يبسطها أمامها ، بدون لف ولا دوران.
والحقيقة أن الإثنين حاولا ، في صبيحة ذلك اليوم ، عمل شيء ما لإعادة الأمور الى نصابها ، لويد كان صادقا مع نفسه عندما أخبرها بأنه إتصل بها هاتفيا بعد أن أصبح في المطار ، كذلك دافينا كانت صادقة في الكشف له عن ذهابها لزيارة والدتها ، ولكنها توجهت الى بيت والدتها من المطار ، وليس من المنزل ، بعد أن فشلت في اللحاق به قبل أن يصعد الى الطائرة ، كما حاولت أن تسافر على متن طائرة اخرى للإلتحاق به ، غير أن الأمور جرت عكس ما كانت تشتهي ، إذ فوجئت بمشاهدة طبيب والدتها يبحث عنها وبخادمة والدتها وهي تبكي وترجوها لإلغاء سفرها والعودة معها للإعتناء بوالدتها المريضة.
كان لويد يجهل هذه الأمور ، وشاءت دافينا ألا تطلعه عليها نظرا للكره الذي كان يغشى العلاقات بين لويد ووالدتها ، هذا الكره الذي كان يتفاقم مع مرور الزمن ، ويهدد بالتالي مستقبلها وحياتها الزوجية ، مع ما يتخلل ذلك من ألم وأسى بسبب معاملة لويد القاسية لها نكاية بوالدتها ، وإمعان والدتها في دفعها الى الطلاق نكاية بلويد.
كما الوالدة ، كذلك لويد الذي تمادى في تصرفاته غير المعقولة نحوها لدرجة اصبحت عندها تفكر بان الطلاق أهوين الشرين ، وما مجيئها الى هذه المنطقة ، وتكبدها مشقات السفر ، إلا طمعا بإقناع لويد بالموافقة على الطلاق .

نيو فراولة 10-02-12 08:09 PM

إحتارت دافينا ، خلال ذلك الصمت الطويل ، وهي تفكر بما كان يدفعه دائما الى مهاجمة والدتها وإتهامها بشتى التهم ، ثم قطعت حبل الصمت بقولها له ردا على تلميحاته الأخيرة :
" ماذا كنت تتوقع مني أن افعل ؟ هل كنت تريدني ان أحبس نفسي في البيت كما النسّاك لغاية ان تتنازل وتفكر بالعودة؟".
" لا ، ابدا ، ثم ، أنا أعرف بأن زوجتي الفاضلة الوفية كانت تشتهي عودتي اليها ".
" ليس هذا فقط بل ايضا ليعود ويكف عن معاملتها بهمجية ".
ضحك لويد طويلا قبل أن يرد عليها قائلا :
" تقولين همجية ؟ إياك أن تكرري هذه الكلمة ! هل تعرفين معناها ؟ لا أظن أنك تعرفين لو لم أكن على موعد سابق مع صديق عزيز لكنت أوقفت السيارة وشرحت لك معناها عمليا".
هنا شعرت دافينا بقرب ساعة الحساب ، وفكرت بأنه من الأفضل لها عدم الذهاب الى أبعد من ذلك في إثارته ، ثم راحت تتأمله وهي تبتسم قليلا ، ثم قالت له بلهجة ناعمة :
" آسفة يا لويد ، الحق معك ، كان يجد ربي الا ألجا الى إستعمال كلمات لا افهم حقيقة معانيها ، أنا غبية ! كم كنت ساذجة عندما فكرت بأن الفرصة مناسبة للتوصل الى تفاهم فيما بيننا ، كان يجب ان أصغي لصوت ضميري وأبقى بعيدة".
" لا تظني بأنني صدقت قولك من انك جئت بوحي إرادتك ، من أقنعك بالمجيء عمك أم محاميك اللامع الذي لا يزال يطاردني ؟ من الذي اقنعك ؟".
" آه ، عرفت الآن ! رسائله كانت تصل اليك إذن ؟".
"نعم ، كانت تصلني وكنت أحرقها ، الواحدة تلو الأخرى ، توقعاته تعجبني لأنها كثيرا ما تتحقق ، المهم ، أنا أكره التعامل مع أي شخص كان بواسطة فريق ثالث".
" ألم تخبرني مساء أمس بانك تنوي الزواج ثانية ! ".
هنا حدّق فيها طويلا قبل أن يرد عليها ردا لا يخلو من المداعبة الثقيلة الظل قائلا :
" بلى أخبرتك ، ولكن نسيت أن أخبرك بأن زوجة لمستقبل لا تزال صغيرة السن ، وهذا ما يجعلني أتريث في الزواج منها لئلا أكرر الغلطة السابقة ، وحتى تصبح هي مهيأة لمثل هذا الحدث العظيم في حياتها".
كان بودها ان تنقض عليه وتغرز أظافرها في وجهه حتى يطفر منه الدم ، لكنها عادت وفكرت بأهمية الإحتفاظ بهدوء الأعصاب ، خاصة في مثل هذه المواقف الحرجة ، وردت قائلة بلطف :
" حسنا تفعل ! عظيم ! فكرة حكيمة ... بل في منتهى الحكمة ".
وصمتت لحظة تفكر ثم تابعت تقول :
" يبقى عليك ان تتأكد بأنها ترضى الإنتظار مدة ثلاث سنوات ريثما أستطيع أنا تطليقك بدون موافقتك.
" قد ترضى أو لا ترضى ، العلم عند الله .... إنها مغامرة ، لا يخيفني الإقدام عليها ، يهمني ان اؤكد لك بأنك ستكونين أول العارفين ، وما عليك إلا الصبر لغاية أن يصلك الخبر اليقين".
" شكرا ! هذا من لطفك وكرم أخلاقك ، والآن ، أريد أن أسالك : هل تعرف بانني لم أستعد كما يجب للإقامة طويلا في هذه الديار البعيدة عن العالم؟".
" كلا ! لا أعرف ! وكيف لي أن أعرف ما دمت أجهل تماما ما تحتويه خزانتك من ثياب ، لكن هذا لا يهم ، عندما والحمد لله محلات كثيرة لبيع الملابس النسائية التي أتمنى أن تعجبك والتي تختلف كثيرا عن الأزياء اللندنية ، إنحلت هذه المشكلة ، ماذا بعد؟".
حدّقت فيه ، ثم ردت قائلة :
" لا شيء ، شكرا لك مرة ثانية ، المهم أن وقتي لا يسمح لي ابدا للقيام بجولات على الأسواق".
رفع لويد حاجبيه وقطبهما من الدهشة وهو يفكر بالذهاب معها في الحديث الى أبعد حد ممكن ، ثم قال لها متسائلا :
" هل ينقصك المال اللازم لشراء بعض الثياب ؟ أخبريني ، لا تخجلي مني ، فانا يحق لي قانونا أن ألبي جميع طلباتك ، يبقى عليك أن تطلبي وعليّ أن البي ، وما زلت قادرا على ذلك لأنني بعيد كل البعد عن الإفلاس".
هنا نفد صبر دافينا فصرخت بوجهه قائلة :
" لا اشتهي رؤيتك أبدا".
ظل لويد محافظا على أعصابه ، فلم يغضب ، ولم يفكر بالرد عليها من عيار الكلمات الحادة ذاتها ، وإنما إبتسم لها وخاطبها بمنتهى اللطف قائلا:
" لماذا كل هذا الغضب والإنفعال ! إذا كنت تفكرين بأنني عرضت شراء بعض الثياب لك تمهيدا لممارسة بعض الحقوق الأخرى ، فقد اخطأت الهدف ، دعينا منها الان ، سوف نبحثها في وقت لاحق.
وصمت يفكر وهو يتطلع الى الجبل الراسخ أمامه ، والغيوم الكثيفة التي كانت منتشرة فوقه وحواليه ، ثم تابع حديثه:
" دافينا ، دافينا ! إنظري كم هو جميل ذاك الجبل ، يمكن الذهاب اليه مشيا على الأقدام ، نصعد اليه ، عندما يكون الجو صافيا .
منتديات ليلاس
كانت شوارع البلدة التي توقفا فيها تشهد حركة ناشطة جدا ، الحوانيت فتحت ابوابها ، والناس يتجولون في الأسواق ، بعضهم يتبضع ، وبعضهم يتفرج.
ما أن إنتهى لويد من إيقاف سيارته في مكان آمن ، حتى تناول ورقة وكتب عليها عنوان محل لبيع الملابس النسائية يملكه أحد أصدقائه ، ثم اعطاها إياها وهو يلح عليها للذهاب فورا الى المحل ، وإختيار الثياب التي تعجبها ، بدون أن تدفع ثمنها ، بعبارة اخرى ، لم يكن مطلوبا منها سوى أن تقصد المحل ، وتختار ما يناسبها ويعجبها من ثياب ، وتمشي عائدة الى المكان الموعود.
مرت دافينا وهي ذاهبة الى السوق بصالون للزينة ، فشاءت أن تقص شعرها ، قبل التوجه الى محل الألبسة النسائية ، وهكذا دخلت الصالون ، وإختارت لشعرها تسريحة واسعة الإنتشار في أوساط الفتيات والمراهقات.


الساعة الآن 03:28 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية