![]() |
الفصل الثاني
تسمرت نينا في مكانها في الظلام ، بعد ذلك سيطر الصمت المطبق فيما أصابعها تتمسك بشدة بالحذاء . ( أيتها الحمقاء ، ما الذي جعلك تصرخين هكذا ؟ ) رفعت رأسها واحساسها بأنها في كابوس ما يتعاظم مع مرور كل لحظة ، لم تستطع التكلم ، كانت صدمتها وقوية جداً فوقفت هناك تحدق به عبر خصلات شعرها وهي عاجزة كلياً عن التفكير . هزها بقوة ، شتم بحنق وأزاح شعرها عن وجهها بإحدى يديه فيما أطبقت الأخرى على عنقها وكأنه على وشك خنقها . ( اجيبيني أيتها المجنونة ؟ لماذا أنت في منزلي هنا ؟ في غرفتي ؟ ) هزها بشدة ثانية وأعادها بذلك إلى الحياة . ( أبعد يداك عني . ) صرخت بعنف : ( إياك أن تجرؤ على ايذائي ) . منتديات ليلاس ( إيذائك ؟ ) ردد بعدم تصديق : ( يجب أن أخنقك وأسلبك حياتك أيتها الحمقاء المجنونة ) وكأنه لا يعرف بما يناديها غير ذلك . كانت أصابعه تضيق الخناق على عنقها وشعرت أنها تكاد تفقد وعيها . رفعت وجهها والتحدي في كل ملامحها ، كانت نظراتها ترسل الشرارات عبر ظلام الغرفة متحدية عينيه الغاضبتين : ( أكرهك يا طوني لاكتوس . أحتقرك وأحنقر مجرد رؤيتك ) . جرها بقسوة وأخذت تسعل لشدة قبضته على عنقها ، ثم أشعل الضوء . ( ماذا . . . ) صاح بصوت مخنوق : ( نينا لوفل ؟ ) رمشت عينيها لتعتاد على الضوء ورأت الذهول والدهشة في نظراته فقالت : ( وأنت الحقير عديم القلب الذي يحاول سرقة شركة والدي منه ) . |
( أنا ؟ ) بدت عيناه جاحظتان من هول الدهشة ثم صمت وعاد قناع الثبات ليرسم ملامحه ،
لا شعور بالذنب ، لا ندم على قسمات الوجه الذي يحدق بها بعينين ثابتتين . ثم أفلت عنقها وتمتم : ( كنت محقاً ، أنت فعلاً مجنونة ) . اتكـأت نينا على الباب لعدم قدرتها على حفظ توازنها ذلك لشدة الأضطراب الذي تشعر به . رفعت نظرها إليه ووجدته قد ارتدى رداء نوم كحلي اللون . لا بد انه كان يحاول تناوله حين سمعت تلك الضجة وحين صرخت بأعلى صوتها . كان يتنفس بشدة وكأنه يحاول جاهداً كبت غضبه وتهدأة أعصابه . في غرفة مكتظة بالناس كان هذا الرجل يثير خوفها ورعبها لكن هنا في هذه الغرفة . اكنت تختبر شعوراً جديداً وختلفاً تماماً من الخوف منه . ابتسمت بخفة رغماً عنها وهي تفكر انه لربما كان على حق ولعلها فعلاً مجنونة . فالمجانين وحدهم يوصلون أنفسهم لهكذا موقف . رأى الإبتسامة لكنه لم يعجب بها . أمسك بذقنها بقوة ورفع نظرها إليه بعينين سوداوين وعميقتين كالبئر ذاته وقال : ( تجدين كل هذا مسلياً ، أبيس كذلك ؟ ) ازدادت حدة نبرته وهو يتابع : ( ولا تشعرين بأي أسف أو ندم لحقيقة وجودك في غرفتي ؟) . حدقت بوجهه وقالت : ( آسفــة . ) ردّد بحنق : ( آسفــة ؟ تتسللين إلى منزلي وتقبعين في غرفة نومي بإنتظاري ، ثم تصرخين بأعلى صوتك وكأنني أنا من تسللت إلى غرفتك ) . سارعت تدافع عن نفسها : ( أعتقدت نفسك تحلم ، فأخفتني ) . سألها بسخرية : ( وما هو عذرك ؟ لا ايتها العزيزة ، لم أكن أحلــم ) . ( إنك تشعرني بالقرف ) . |
( وانت يا آنسة لوفل تشعريني . . . بالغضب الجامح ،
والآن . . . أريد أن أعرف ما الذي تفعلينه هنا ، وأريد معرفة ذلك الآن لذا ابدأي بالكلام ) . سحبت نينا نفساً عميقاً ومشاعرها ممزقة ، هذا كابوس . إنه كابوس مخيف . ( تكلمي ! ) قال ثانية وهو يهزها . لا ، ليس كابوساً ، فكرت ، إلا ان اعتبرت الأيام الثلاثة الماضية ككابوس حي واتجهت أفكارها إلى لحظة بدء كل هذه الفوضى بسماعها صراخ والدها على الهاتف : ( ابعد يداك الجشعتان عن ابنتي وعن شركتي ، فأيهما لن يكون لك ) . كل هذا بمثابة توقيع والدها على شهادة موته ، فمن يهين طوني لاكتوس لا يتوقع نجاته من عواقب ذلك . مهما كان رد اليوناني على كلمات والدها فهي لم تعرف ، لكن حين هرعت إلى الغرفة بعد سماعها صوت ارتطام سماعة الهاتف بقوة ، أدركت ان كارثة ما ثد حدثت لأن وجه والدها كان شديد الشحوب . ( لا يمكنه فعل هذا بي . . . لا يمكنه .) ثم قلص الألم قسمات وجهه وراقبته بذعر وهو ينكمش واضعاً يده على قلبه قبل أن يهوي أرضاً . عادت الآن إلى الحاضر . همست والغضب يلون نبرتها : ( تعرض والدي لنوبة قلبية حادة في اليوم الذي تشاجرت معه فيه ) . قطب بدهشة بينما تنهدت نينا بنفاذ صبر والأشمئزاز يزداد داخلها من هذا الرجل الذي لا يذكر حتى لحظة تسببه بتدمير حياة رجل آخر . قالت بصوت مخنوق : ( قبل ثلاثة أيام . تعرض والدي لنوبة قلبية ) . بقي على حالة من الدهشة وهو يعلمها : ( هذا ما عرفته هذا المساء ) . ( لم ترعف هذا من قبل ؟ ) سألت وعيناها تعكسان عدم تصديقها لما يقول . هز رأسه قائلاً : ( كنت مسافراً ، عدت هذه الليلة فقط ، مع انني لا أجد أي صلة بين ما حدث لوالدك وبين . . . ) |
نظرت إلى يديها اللتين تعبثان بأكمام كنزتها الزرقاء وتابعت بتعاسة : ( منذ ذلك الحين أصبحت مضطرة لسماع ما كان يردده مراراً وتكراراً عنك . . .
الإستماع لتمتماته المضطربة . . . مراقبته وهو يذوي رويداً رويداً مع كل شتيمه كان يوجهها إليك .) توقفت لتأخذ نفساً عميقاً يبعد عنها الدموع التي بدأت تهدد بالإنهمار والتعاسة تغمر ملامحها ثم تابعت : ( أردتك أن تعلم يا سيد لاكتوس . أردتك ان تعرف نتائج جشعك على ضحاياك . ولهذا أنا هنا الليلة . . . لأخبرك أنه مهما أعتقد الناس أنك رجل أعمال محترم وبارع ، فأنان أكرهك ! أمقتك ! أنت وأمثالك تشعروني بالإشمئزاز ) . ( شكراً لك ) . قال وهو يتلقى بهدوء كل اهاناتها . ( واطلاعك لي على هذا كان يستحق ابتعادك عن سرير والدك وتركه وحده !) لم يكن هذا سءالاً بل ملاحظة ، ثم أضاف بجفاف : ( بما في ذلك المخاطرة بنفسك كما يبدو ) . ردت بغضب : ( لا علاقة لذلك بالأمر ) . ( حقاً ؟ ) سأل وعيناه المتقلصتان تبرقان بشدة : ( لكنني أقول أنها الأساس في هذا ) . ابتسم بسخرية قبل أن يتابع : ( أترغبين بالأفصاح عن أي شيء آخر قبل . . . قبل أن نضع حداً لهذه الليلة الحافلة بالمعلومات الخطيرة ؟ ) منتديات ليلاس نظرت إليه بتحدي قائلة : ( أجل ، أتيت إلى هنا هذه الليلة كي . . . ) وشعرت بالإختناق لكن كان عليها متابعة ما بدأت بقولة : ( كي اسألك . . . أن لا تفعل هذا به . ) ( آه ؟ ) كانت ردة فعلة المبهمة لا تمنحها أي إشارة عما يجول في رأسه . تحركت نينا بعدم ارتياح وتمتمت : ( توقف عن جعل هذا الأمر أكثر صعوبة علي مما هو عليه الآن . . . لا بد انك تعرف حقيقة نفسك دون حاجة لي لإخبارك بذلك . حسناً ، إذن أنت غاضب من تسللي إلى منزلك ، لكن . . .) ( محاولة ؟ ) قاطعها بعنف والغضب ينفجر بداخلة مجدداً : ( هل أنت آسفة لذلك ؟ ) للمرة الأولى بدا يونانياً ، يونانياً قاسياً ومخيفاً . |
ازدردت نينا ريقها بصعوبة وقالت : ( أنا . . . ) وماتت الكلمات في حلقها ،
ثم سحبت نفساً مرتعشاً قبل أن تتابع : ( آنا آسفــة . . . ) وزادت زرقة عينيها لشدة شعورها الداخلي بالذنب . ( تباً لك أيتها الحمقاء الغبية . ) ( أرجوك يا سيد لاكتوس استمع لي . ) قالت وقد أظهرت بعضاً من رباطة جأشها : ( لم أتعمد حدوث أي من هذه الأمور . . . بشان مرضه . . و . . وتعاسته أردت التوسل إليك لمساعدتي ! ) قال بقسوة : ( بالتسلل إلى منزلي ؟ يرميك الإهانات بوجهي ؟ بمحاولتك إدخالي القبر قبل حتى وصول والدك إليه ؟ ) كانت أنفاسه لاهثة لشدة غضبه فيما يداه داخل جيبي رداءه . ( آسفه ) . قالت مجدداً : ( استغرقت بالنوم على الكنبة . . . وأنت أخفتني . . . ) عضت على شفتها المرتجفة واقتربت منه واضعه يداً مترددة على ذراعه : ( نهضت فوراً دون وعي . . . كنت على شفير الإنهيار بوصولي إلى هنا الليلة . . . ) منتديات ليلاس سحبت نفساً عميقاً قبل أن تتابع : ( والدي ملقى على سريره دون حراك منذ أيام وهو يتمتم دون وعي بكلمات عن شركته ، عن المال . . . وعنك في النهاية . لم أعد قادرة على تحمل المزيد . . . يخشى الأطباء تعرضه لنوبة قلبية أخرى قد . . . قد تكون قاتلة وأردت أنا تخفيف ضغط ما يعانيه . . . سألته ما الذي يزعجه وماذا بإمكاني فعله لمساعدته . . . ) ناضلت لمنع انهمار دموعها وتابعت : ( إنه بحاجة للشركة يا سيد لاكتوس ، فهو ليس لديه ما يعيش لأجله غيرها ) . |
الساعة الآن 06:23 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية