منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   141 - كفى خداعا - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t171768.html)

نيو فراولة 02-02-12 05:26 PM

4- لم استطع نسيانك

وضعت كاريسا الخاتم حول أصبعها ونظرت اليه بإمتعاض ، ماذا لو سقط سهوا ؟ لا بد ان تربط حوله خيطا رفيعا كي تطمئن تماما .
صباح اليوم التالي نهضت باكرا لتعد طعام الفطور قبل نزول كايد ، في الأيام الثلاثة الماضية وضعا معا نوعا من الروتين لحياتهما اليومية ، كانا يخرجان صباح كل يوم للتنزه في أحضان الطبيعة ، بين الأشجار أو قرب البحيرة، أما بعد الظهر فكانا يسبحان في البحيرة ومن ثم يستلقيان بتكاسل تحت أشعة الشمس فوق الرمال الدافئة ، بعض الحيان كان كايد يضع ذراعه حول كتفيها أو خصرها ، ولم يكن بإمكانها مقاومته حفاظا على دورها كعروس جديدة ، وخشية وجودمن يراقبهما من بعيد.
كانت احاديثهما مهذبة وشبه رسمية ، ورغم أنه كان يلفظ اسمها بصوت دافىء وعاطفي ، التوتر السائد بينهما لم يكن ناتجا عن الخطر الذي يهددهما ، بل بسبب كونهما معا في مكان منعزل وحالم ، حاولت كاريسا أن تنسى ما حدث قرب البحيرة ، ولم يجرب كايد أن يذكّرها به ، لكن اثر ما جرى ما يزال عالقا بينهما كمتفجرة تحتاج الى لمسة بسيطة لتحدث كارثة ما ، كان عليها ان تكون شاكرة له لأنه لم يحاول لمسها مرة ثانية.
منتديات ليلاس
ولازما المنزل حتى قام بات وستان بإستكشاف كل ارجاء المنطقة المجاورة للكوخ ، ودل تقريرهما على عدم وجود أي إشارة تدعو الى القلق ، فالتحريات اكدت ان أحدا ما لم يهتم أو يسال عن سكان المنزل الريفي ، وإنه لم يكن بإمكان أحد التسلل الى المكان لأن كل الطرق المؤدية اليه تمر قرب الكوخ الذي يشغله الحارسان.
وعبّر كايد عن رغبته في التنزه في الغابة القريبة ، فأكّد له بات انه بإستطاعته ان يفعل ذلك بدون خوف ، وهو في أي حال ، لن يدعه يغيب عن ناظريه .
وأنطلق كايد وكاريسا الى التلال القريبة من البحيرة.
" أريد ان اصل الى قمة اعلى تلة يا كاريسا ، ما هو الوقت الذي تستغرق الرحلة؟".
" ثلاث ساعات".
" هل تستطيعين تحمل مشاق السير؟".
"نعم ، لا تقلق ، قمت بهذه النزهة مرات عدة".
" حسنا ، سنخبر بات وستان بإتجاهنا ، ونكمل المسير".
وبعد نصف ساعة من السير إلتقى كايد وكاريسا ببات وستان يخرجان من أحد الدروب الصغيرة ، كانا يرتديان ثياب الصيادين ، تقدمهما ستان ،وظل بات في المؤخرة.
لم يقل كايد شيئا لكن كاريسا احست بإنزعاجه الشديد من وجودهما ، كان يكره ان يشعر بانه تحت المراقبة.
سمعت تغريد عصفور فتوقفت قليلا ، ورفعت عينيها الى الأشجار بتحدد مصدر الصوت إقترب منها كايد ، فهمست :
هل رأيت عصفور ( التوي ) من قبل ( طير يعيش في نيوزيلندا )".
وأشارت بيدها الى طائر اسود اللون ، حول عنقه هالة من الريش الأبيض ، وإستمعا اليه يغني بسعادة لكنه ما لبث أن هرب عندما شعر بوجودهما ، فتابعا طريقهما ، وبعد دقائق كادت كاريسا تتعثر بغصن شجرة ، فتلقاها كايد بين ذراعيه.
" آسفة".
قالت بسرعة وهي تحاول الإبتعاد عنه ، لم يدعها تذهب ،وعانقها برقة ، وبعفوية بادلته شعوره ، فتوقفت فجأة وتركها تلملم أنفاسها ، والعالم ما يزال يدور في راسها حتى كادت تشعر أنه سيغمى عليها .
قطب كايد حاجبيه وسار أمامها مسرعا وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ، وبعد لحظات ظهر ستان من وراء احد المنعطفات ، وعندما وصل ثلاثتهم الى اعلى التلة وجدوا بات في إنتظارهم ، جلسوا جميعا لتناول الطعام الخفيف الذي اعدّته كاريسا ، وإستغرقوا بعد ذلك في تأمل المناظر الطبيعية الرائعة ، وتركهما الرجلان بعد قليل، للعودة الى مراقبة الطريق.
أسند كايد ظهره الى جذع شجرة يابسة ، وشغلت كاريسا نفسها بإعادة ترتيب أواني الطعام في الحقيبة الصغيرة ، ثم جلست بعيدا عنه لتستمتع بجمال الطبيعة ، تسللت نسمة هواء شقية الى شعرها فنثرته خصلات فوضوية تطايرت سعيدة بحريتها.
وإستعادت العصافير حيويتها فأخذت تثرثر بمرح ، غير عابئة بهمس الأغصان التي كانت تتمايل على إيقاع موسيقى خفية ، ولمعت البحيرة عن بعد كبقعة فضية صغيرة ، تنتظر المركب كي تحيا من جديد.
إستسلمت كاريسا للسكينة المحيطة بها ، وأذابت حرارة الشمس كل الصقيع الذي كان يجمد داخلها في اليام القليلة الماضية، ما أروع الهدوء ! إنه خير علاج للاعصاب المرهفة.
واعادها صوت كايد الى الواقع ، همس بمودة وحنان:
" تعالي هنا".
لا ، لن تذهب ، لن تلبي النداء.
" كاريسا ، تعالي".
لا سترغم نفسها على عدم التجاوب مع ندائه ، ماذا يريد منها ؟ لماذا لا يدعها وشأنها ، يكفيها كل ما حدث حتى الآن ، هل يظن أنها رهن إشارته ، وأنها لا تستطيع مقاومته ؟ تصرفت بجنون عندما بادلته عناقه ، لكنها لم تستطع أن تقنع نفسها بأن عليها ان تندم على ما فعلت.... لكنها ستكون بلهاء فعلا لو رضيت بتكرار التجربة ، كايد يريد ان يلهو قليلا ليمضي بعض الوقت ، بعد ايام سيخرج من حياتها مجددا ، وسينساها ، تماما كما فعل من قبل .
" كاريسا ! ".
ناداها برجاء ، أن تتجاهله مرة أخرى يعني تحديا لرجولته ، تنهدت وهي تنهض من مكانها قائلة :
" آن وقت الرحيل ، سيقلق علينا بات وستان ".
رفع يده اليها وجذبها بقوة نحوه، فسقطت على صدره.
" لا ، أرجوك ، لا ".
ونظر اليها بإستغراب ، ومن ثم ذكّرها قائلا :
" لكنك لم تمانعي من قبل ".
" هذا كان من قبل ".
" غيرت رأيك إذن ".
" نعم غيرت رايي ".
" سأجعلك تغيرينه مرة ثانية ! ".
واشاحت بوجهها عنه ، لكن بدون جدوى .
" توقف ، ارجوك كايد توقف".
"ولماذا؟".
" أرجوك ! ".
لم تتمكن من الإجابة ، كل ما تعرفه انها لا تريده أن ينتصر على إرادتها مرة اخرى .

نيو فراولة 02-02-12 05:27 PM

أخذ يهمس لها كلمات رقيقة بالأسبانية ، هذه الكلمات أعادت ذكريات تريد ان تمحوها من ذهنها .
لم تكن تعرف معنى الكلمات ، كل ما تعرفه أنها كلمات حب ، وأنها سمعتها قبل الآن ، لم يكن يعنيها وقتها وهو لا يعنيها الآن ، وبكل ما تبقى لها من قوة دفعته عنها ، ووقفت تتحداه.
" قلت لك إبتعد عني ، أنا لا اريدك ".
وقف هو الاخر وإقترب منها.
" انت تكذبين يا كاريسا ، أنا اعرف النساء جيدا ، انت تحبينني، حتى الرجل الأعمى يستطيع ان يرى ذلك ... هذا إذا كان يعرف شيئا عن النساء " .
"وأنت تعرف الكثير ؟ لقد أقمت علاقات عابرة مع الكثيرات ، أليس كذلك؟".
" ماذا تعنين ؟".
سكتت كاريسا وإبتعدت عنه وهي تتمنى لو لم تقل تلك الكلمات ، لحق بها وأرغمها على النظر اليه.
" هل تغارين لأنني عرفت نساء أخريات في حياتي؟".
وحاولت جاهدة أن تخفي حقيقة شعورها :
" لا تكن سخيفا ، الأمر لا يهمني من قريب أومن بعيد ، أنت حر في حياتك ، وحر في عدد النساء اللواتي تعرف ، كل ما أريده هو ان تفهم بانني لن أكون واحدة منهن".
"منذ عشر دقائق لم تمانعي.
وإعترفت ببساطة :
" انت رجل جذاب ، وأعترف انني ضعفت امامك لحظة ، لم أكن اقصد ذلك ".
" هل هوموريس؟".
" ماذا؟".
أنزل يديه عن كتفيها وقال :
" أنت فتاة موريس أليس كذلك؟ كان عليه ان يصارحني بالحقيقة بدل اللف والدوران ".
"وهل لف ودار في حديثه معك ".
"نعم ، أخبرني بطريقة ما ان أبتعد عنك ولكنه لم يشرح لي السبب ، الان افهم قصده ، بل لنقل أنني فهمت ونحن في السيارة في طريقنا الى المنزل الريفي".
وردت كاريسا بهدوء:
" آه ، فهمت ".
لم تفهم شيئا ، إنما من الأفضل أن تدّعي ذلك ، لم تذكر أنها قالت أي شيء يمكن أن يدل أنها على علاقة بموريس ، او انهما أكثر من رب عمل وموظفة ، لكن إن ظن كايد انهما على علاقة ، فمن الفضل ان تدعه يصدق ذلك ، ربما كانت هذه افضل طريقة للتخلص منه ، لكنها لم تكن سعيدة في اعماقها لهذه الفكرة.
لم يشاهدا الحارسين إلا عند اسفل التلة ، في آخر الدرب المؤدي الى البحيرة ، إقترب منهما ستان قائلا :
" كل شيء على ما يرام ، لا شيء مقلق حتى الآن ".
شكره كايد وتوجهّا الى المنزل ، صعدت كاريسا فورا الى غرفتها لتأخذ حماما دافئا وتغير ثيابها .
ارتدت ثوبا قطنيا ناعما تزينه تطاريز رقيقة عند الياقة والكمين ، حرّرت خصلات شعرها من قيد المشابك ، وسرحتها جيدا بالفرشاة حتى اخذت تلمع ، ومن ثم نزلت الى المطبخ ، لتعد طعام العشاء ، ولم تكد تنتهي من مهمتها حتى لحق بها كايد ، شعره الرطب دل على أنه أيضا اخذ حماما دافئا ، كان يرتدي سروالا داكنا وقميصا فاتحا يناسب سمرته الجذابة.
وجلسا لتناول الطعام ، دهشت كاريسا لأقبالها على الأكل رغم كل ما مر بها ، وكان من الواضح ان كايد يستمتع بطعامه ، وفور إنتهائهما ونهوضهما عن المائدة عرض كايد ان يساعدها في غسل الصحون لأنها تبدو متعبة من النزهة الطويلة ، وعاد بعد فترة يدعوها الى نزهة قريبة قرب البحيرة.
كانت الشمس تميل نحو الغروب ، ترددت كاريسا قليلا ، لكن الحرارة الخانقة في المنزل شجعتها على الخروج للإستمتاع بالهواء النقي.
" حسنا ، الفكرة جيدة ، فلنذهب".
كانت الرمال باردة في المساء ، ولم تكن هناك نسمة واحدة تعكّر هدوء هذه الأمسية ، سطح البحيرة كان ساكنا تلونه أشعة المغيب ، امسك كايد يدها بقوة ، وبعد محاولة اولى لسحبها ، إستسلمت كاريسا لقبضته ، وإرتاح هو لأنها لم تكرر المحاولة.
" إستمتعت كثيرا بالنزهة ، أنا لم أقم بمثلها منذ زمن طويل ".
" لم تكن تستطيع ذلك قبل....".
" قبل ان استعيد بصري ، صحيح لم اكن أجد متعة في التعلق بذراع شخص ىخر طيلة الوقت ، ولم يكن بإستطاعتي رؤية ما يبصر ".
" لا بد ان العملية الجراحية غيّرت حياتك كلها ".
" طبعا".
" آسفة كانت ملاحظة مزعجة.....".
"كفي عن الإعتذار ".
وتوقف ليمسك كتفيها بشدة :
" ولم تكن الملاحظة مزعجة بل كانت حقيقة..".
وإرتعشت كاريسا للمسة يده فسألها :
" هل تشعرين بالبرد ؟".
" لا ".
إبتعدت عنه قليلا ، فانزل يديه عنها ، وتابعا المسير ، سألته:
" هل وجدت العالم مختلفا بعد الجراحة؟".
" بعض الأشياء ، نعم ، هل تعرفين أنني لا اقدم حفلات حية هذه الايام ؟هل تعرفين ذلك ؟ او لنقل نادرا ما أظهر على المسرح".
" لماذا ؟".
" لأن الأمور إختلفت ، الآن استطيع ان أرى جمهوري ، من قبل كنت أشعر به فقط ، أفضل الإحساس بالحالة الأولى ".
" لماذا ؟ هل تشعر بإضطراب لدى مواجهته؟".
" لا ، هذا إحساس لا أستطيع وصفه ، كل السحر ذهب ".
ورفع عينيه الى السماء ليحدّق في الأضواء الصغيرة التي بدأت تتراقص في القبة العالية ، وتابع حديثه:
" انا اركّ زحاليا على التأليف وتسجيل الأسطوانات ، ولذا أستطيع ان أبقى هنا فترة معينة ".
" لا بد انك سعيد بإستعادة بصرك ، خاصة في هذه الظروف ... أعني المجرم الذي يلاحقك ، لا بد أنك كنت ستكره ضعفك امام عدو لا تستطيع رؤيته ، أليس كذلك؟".

نيو فراولة 02-02-12 05:28 PM

ونظر اليها كايد بدون أن يقول شيئا ، لكنها لاحظت إبتسامة خفيفة تتراقص على زاويتي شفتيه فقالت:
" انت تفضل ان تذهب للبحث بنفسك للبحث عنه ، عوضا عن الجلوس هنا في امان ، أليس كذلك ؟".
" نعم ، هل يبدو ذلك على وجهي ؟".
" بوضوح ، ماذا حدث في ملبورن ؟ موريس قال انك هوجمت ".
" ولم يصيبوا الهدف ، ارسلوا رجلا ليهاجمني بسكين ... فإنتهى في المستشفى".
" هم ؟".
"عصابة صغيرة".
الصدمة جمدتها في مكانها للحظات ... وأخيرا قالت :
" تقصد ... مثل المافيا ؟".
"نعم لكن على نطاق اصغر" .
" لكن لماذا ؟ ماذا فعلت لهم ؟".
" لا شيء ، هناك رجل يعتقد أنه يحقد عليّ لسبب ما ، والعصابة تريد إكتسابه الى صفوفها ، والثمن الذي طلبه.... هو القضاء علي".
" شيء لا يصدق".
" ما قلته مجرد تخمين ، لكنني أعتقد ان هذا ما حدث فعلا ".
" هل كان لك حراس في ملبورن؟".
" لا ، لم أعتقد أنه سيلحق بي الى هناك".
وأضاف :
" رجال الشرطة في بلادي كانوا يملكون معلومات دفينة عنه ، ولذا إعتقدت أنهم سيلقون القبض عليه قبل إنتهاء جولتي الفنية".
" كيف إنتهى الرجل الذي يحمل سكينا في المستشفى؟".
حتى في الظلام الدامس تستطيع أن ترى السعادة في إبتسامته .
" عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري ، كنت اركض في شوارع نيويورك مسلحا بسكين ، كنت عضوا في عصابة صغيرة ، والعادات القديمة لا تموت بسرعة ، كان يعتقد أنني هدف سهل ، ومغالاته في ثقته بنفسه أساءت اليه ، كسرت فكه و ...".
وقاطعته كاريسا وهي تشعر بالإشمئزاز :
" يبدو انك إستمتعت بذلك ! ".
ألتفت اليها غاضبا :
" لا ، لم استمتع بذلك ، لكنني سعيد جدا لأنني ما زلت على قيد الحياة ، ولأنه لن يستطيع إيذاء أحد لفترة طويلة، ربما لن يمسك سكينا في يده مرة اخرى ، هل تعتبرين هذا إحساسا غير طبيعي ؟ هل يجعلني هذا وحشا في نظرك؟".
" لا ، لم أقصد..... أنا ......".
همست بخوف وهي تحاول ان ترى وجهه وعينيه ، ولم تستطع أن تكمل إعتذارها لأنه أسكتها وهو يقول:
" فليذهب موريس الى الجحيم ".
حاولت ان تقاومه ....دون جدوى ، وانقذها ضوء مفاجىء جعل كايد ينتفض ، وإقترب منهما ستان :
" آسف يا سيد فرانكلين ، كنت أتفقد الجوار".
" يا ألهي ! ".
هتف كايد غاضبا فأجاب ستان بسرعة :
" رايناك تخرج من المنزل ، وعندما هبط الظلام ولم تعد ، فكرنا انه من الأفضل أن نتأكد من ... اعتقد انك على ما يرام ، آسف ، ليلة سعيدة ".
وإختفى ظله في الظلام ، وساد صمت عميق ، حاولت كاريسا ان تبدو طبيعية وهي تقول :
" من الأفضل أن نعود ".
ومشيا بصمت ، وفور دخولهما الى المنزل قالت :
" أنا ذاهبة الى الفراش ".
ناداها قائلا :
" لو كان موريس يريد ان يتزوجك لوضع خاتما حول أصبعك ، أنت تضعين خاتمي حول أصبعك ! ".
وبعد لحظة صمت أجابت كاريسا :
" هذه مجرد تمثيلية ".
" لماذا لا تبقين معي".
" لأنني لست من النوع الذي يحب الوعود العابرة ".
ورفع حاجبيه وهو يبتسم بسخرية:
" لم ألتق حتى الآن بإمراة تعترف بأنها كذلك ، الرجال اصدق.......".
" مع أنفسهم ربما ، لا مع النساء".
" وماذا يعني هذا؟".
" أن الرجال يدّعون الحب للوصول الى ما يريدون ، يمنحون الوعود هكذا".
"وهل وعدنك انا بشيء ؟ هل قلت لك أنني أحبك ".
" لا".
" انا اريدك ، ألا يكفي هذا ؟".
" لا يكفيني انا ! ".
" هل تفضلين ان كذب عليك ؟".
" طبعا لا ، لكنني لا أريد رجلا بدون حب ".
" انا لا أعرف كيف احب ، لم أتعلم في حياتي معنى الحب ".
وإرتعشت كاريسا وهي تسأل :
" أي نوع من الحياة عشت ؟".
" حياتي علّمتني ان العالم غابة يعيش فيها الأقوى ، وأنا عشت... رغم فقداني بصري عشت ".
" بدون حب".
" الحب ليس ضروريا ".
" لا أحد يستطيع أن يقول هذا ! ".
" أنا أقول".
كان يتحداها ، يا له من رجل أناني ، لن تحركها كلماته ، أجابته بلا مبالاة :
" إذن بالتأكيد انت لست بحاجة الي".
" قلت أنني اريدك ، ولم اقل انني بحاجة اليك ، ولا بانني احبك ". وفجأة إحتضنها بين ذراعيه وهو يهمس :
" تريدين الحب ، علميني كيف أحب يا كاريسا ، علميني كل شيء عن الحب".
احست به يسخر منها ، فراحت تقاومه بشراسة ، مما جعله يرفعها بعنف بين ذراعيه ليصعد بها السلم الى غرفتها ، وأخذت تركله بقوة فإكتفى بالقول :
" كفي عن هذا سنقع معا وربما كسرنا عنقينا ، لن أدعك تفلتين مني هذه المرة".
وإستكانت بين ذراعيه حتى وصلا الى قمة الدرج ، وعندما دفع باب غرفتها بقدمه غرزت أظافرها في وجهه ، أحست بالرضى عندما راته يحاول أن يداري ألمه ، وألقاها بعنف على سريرها ، فأخذت تصرخ:
" لا تقترب مني ، أنا أكرهك ".
" لا بد انك نسيت وعودك لي في سيدني ".
وفجأة صمتت ، المفاجأة اخذتها على حين غرة ، فقالت بصوت خافت :
" سيدني؟".
" نعم ، منذ ثماني سنوات ، لم تنسي يا كاريسا، ما من إمرأة في الدنيا تنسى حبيبها األول".
كادت تبكي ، كانت متأكدة تماما أنه لم يتذكرها عندما قدمها اليه موريس.
" ما بك إختفى صوتك ؟ أصبحت في غاية الهدوء فجأة ".
همست بضعف :
" كنت أظن أنك نسيت إسمي ، وأنك لم تعرفني".
قال بقسوة:
" أنا لا انسى أشياء كهذه ، حاولت دون جدوى ، هل ظننت بأنني نسيت إسمك ؟ عندما تكلم موريس عنك كان يدعوك كاري ، لكن عندما قدمك بإسم كاريسا مارتن عرفتك فورا ، إسمك ليس عاديا ، أنت الفتاة الوحيدة التي عرفتها بإسم كاريسا ، ولحظة سمعت صوتك تأكدت من شخصيتك ، أنت فتاة أذكرها جيدا".
ولم تسمعه كاريسا يغادر الغرفة ، لكن عندما أنزلت يديها عن عينيها كان قد ذهب.
لم تتمكن من البكاء ،وجرجرت نفسها خارج السرير لتغير ثيابها ، ظل حلقها يؤلمها حتى إستسلمت اخيرا للنوم في أولى ساعات الصباح.

نيو فراولة 02-02-12 09:12 PM

5- لا أريد شفقتك


كان من الأفضل لو بكت تلك الليلة ، فربما خففت الدموع شيئا من التوتر الذي يمزقها ، بدات تتجنب كايد بعد تلك الحادثة ، وعرفت أنه يتضايق من تصرفاتها ، لم تفتها تلك النظرة الساخرة.
كلما تناولت كتابا في الأمسيات ، لتجلس بعيدا عنه وتدّعي انها مستغرقة في القراءة.
ها قد مرّ اسبوع على وجودهما هنا ، ولم يتلقيا بعد أي كلمة أو إشارة من موريس ، اما الحارسان فلم يلاحظا أي تحركات مشبوهة في المنطقة.
مساء الأحد جلست كاريسا كعادتها تقرأ ، اما كايد فكان يحدّق في النافذة وكأنه يرى شيئا مهما ، فجأة قال لها:
" تعالي معي لنذهب في نزهى قصيرة".
قلبت الصفحة بهدوء وأجابت :
" لا شكرا ، إذهب بمفردك ".
" أريد رفقتك ".
رفعت عينيها اليه بإصرار :
" آسفة لا ارغب بذلك ".
ظلّت للحظة أنه لن يكرر الطلب، لكنه قال :
" فهمت من موريس أنك هنا للترويح عني وتلبية كل رغباتي ... طبعا بإستثناء رغبة واحدة ".
وإنتظرت عدة ثوان ، قبل أن تضع كتابها جانبا وتنهض من مكانها :
" آسفة يا سيدي ، اين ترغب بالذهاب؟".
أحست بغضبه وظنت انه لا بد سيغيّر رايه هذه المرة ، لكنه أجاب:
" الليلة بارد ، انت بحاجة الى سترة صوفية ".
صعدت الى غرفتها ونزلت بشال صوفي لفته حول كتفيها ، اتى كايد بضوء صغير وخرجا تلفهما الظلمة.
لم ياخذ طريق البحيرة بل سبقها الى الدرب المؤدي الى التلة القريبة ، وجلس كايد على جذع شجرة يابسة يتامل الحياة الليلية والحيوانات الصغيرة التي لا تخرج من أوكارها إلا عند حلول الظلام ، وهمس كايد حالما :
" يا لها من منطقة جميلة ، إنها مثالية للأطفال ، اليس كذلك؟ ".
" اعتقد ذلك ؟".
" هناك اماكن رائعة للأطفال في الولايات المتحدة ايضا ، لكنني لم أعرفها إلا بعد فوات الأوان ".
" فوات الأوان على ماذا ؟".
توقف قليلا قبل ان يتابع حديثه:
" عليّ انا ، نشات في طرقات نيويورك ... بل لنقل في الزواريب الخلفية منها ، لا اريد هذه الحياة لأولادي ".
" وهل تنوي الإنجاب؟".
ظنت أنه لن يجيب على هذا السؤال ، لكنه علّق قائلا :
" تعتقدين أنني اضع العربة أمام الحصان ، اليس كذلك ؟ الحب والزواج أولا ثم الأطفال ثانيا ".
وضحك بمرارة قبل ان يتابع حديثه:
" أنت عاطفية وحالمة أليس كذلك؟ رفضت إرتداء خاتم والدتي ، لأن الزواج مقدس بالنسبة لك ، لا تقلقي الخاتم إشتراه جاك من سوق للأشياء المستعملة ".
الغضب والألم جعلاها لا تنطق بكلمة واحدة ، ولم يحاول هو قطع الصمت ، وبعد دقائق :
" ما رأيك بالنزول الى البحيرة ؟ وما رأيك بالسباحة في ضوء القمر".
" المياه باردة في هذه الساعة".
" أنت خائفة من البرد أم مني؟".
" طبعا أنا لست خائفة منك ".
" إذن ربما كان عليك أن تخافي؟".
" هل تريد ذلك ؟".
" ان أخيفك ؟ لا ، انت تعرفين جيدا ماذا اريد ".
" لن تستطيع الحصول عليه ! ".
" لن استطيع؟".
" لن اكون رقما على لائحتك ، أنت تعرف ذلك جيدا ".
نهض من مكانه وعادا بصمت الى المنزل ، وما ان فتحت الباب حتى قال لها :
" اريد ان اسبح ، تعالي معي ".
" ارجوك، لا ارغب بذلك ".
"حسنا ، تعالي معي فقط ، إجلسي على الرمال ، إنني بحاجة لرفقتك " إستسلمت لرغبته ، وخرجا معا الى البحيرة.
منتديات ليلاس
جلست على الرمال تتامله وهو يسبح في المياه الفضية ، كم هو وسيم !
تلاعبت نسمات الليل في شعرها ، ورفعت طرف شالها ، فاغمضت عينيها وأسندت رأسها الى ركبتيها ، حاولت ان تغلق قلبها عن رنة الندم لأنها لم تلحق به ، لا ، عليها الا تقع تحت الإغراء ، ستندم ، إنها لعبة خطرة.
ولم تشعر بخروجه من المياه ، إلا عندما أحست بنقطتين باردتين تسقطان على عنقها ، رفعت وجهها اليه ، ونهضت بسرعة :
" هيا يا كايد ، الليلة باردة ، انا تعبة أريد أن أتناول شيئا ساخنا وأذهب الى الفراش".
" حسنا هيا بنا".
وعلى بعد بضعة امتار من البيت امسك بها كايد فجأة ، وأرغمها على التوقف ، نظرت اليه بتساؤل ، ومن ثم إلتفت الى مصدر إنتباهه فرات ظلا قرب باب المنزل ، وأحست به يدفعها بقوة فسقطت ارضا ، وبعد لحظات سمعت صوت رجل يصرخ عاليا :
" أنا بات يا سيد فرانكلين ، لا تخشى شيئا".
" يا لك من أحمق ! لو كنت احمل مسدسا لكنت قتلتك ، ماذا كنت تفعل هناك ؟".
" إعتقدت أنني سمعت صوتا مريبا قرب السياج فجئت لأتحقق من الأمر ، لم ار احدا ، لكنني وجدت انه من الأفضل أن أتحقق من المنزل ، انت لم تغلق الباب بالمفتاح ".
" المرة المقبلة سأفعل ذلك ، أنت تؤدي عملك جيدا ... لكن اتمنى أن تعلمني عن وجودك مرة أخرى ".
" لم أقصد إخافتك يا سيدي ، آسف ".
" حسنا ، يمكنك ان تعود الى منزلك الآن ؟".
" أفضل أن أبقى حول المنزل فترة... لمزيد من التأكد لا تهتما بي ...".
وإختفى في الظلام ، نهضت كاريسا ، واخذت تسوي ثيابها وهي تشعر بالم في جانبها ، جرحت ذراعها عندما دفعها كايد أرضا ، كان شالها ما يزال مرميا على الأرض ، فإنحنى كايد ليتلتقطه ، ثم وضعه حول كتفيها .
" هل أنت بخير ؟".
"نعم ".

نيو فراولة 02-02-12 09:13 PM

أمسكك كايد بذراعها فإبتعدت عنه بسرعة ، غضب ، امسك معصمها بقوة وشدّها الى داخل المنزل ، اضاء الأنوار وأقفل الباب جيدا وراءه .
" آسف ، دفعتك أرضا لأحميك من أي خطر مفاجىء ".
تكلم بنبرة توحي بأنه يحاول جاهدا التعبير بهدوء.
" أعرف".
" لماذا إبتعدت عني عندما لمست ذراعك؟".
لم تجب ، فنظر اليها بتساؤل ، قبل ان يرفع الشال عن كتفيها ، ويرى خطا رفيعا من الدم على ذراعها ، سارعت الى القول :
" لا شيء ، مجرد جرح بسيط ، هذا كل شيء ".
" دعيني أراه".
ولم ينتظر موافقتها ليقترب منها ويتفحص ذراعها ، وعندما راته يقطب حاجبيه قالت :
" لا تخشى شيئا ، عندما أنظف الجرح لن يبدو بهذا السوء".
" انت شاحبة ، هل تشعرين بالم في أي مكان آخر ؟".
" لا ، مجرد رضوض بسيطة ، ستختفي بسرعة ".
" إصعدي الى الحمام ، وعندما تنتهي سأهتم بتضميد الجرح ".
ودفع بها الى غرفتها ، وعندما إنتهت من حمام المياه الساخنة ، دخل الغرفة وهو يحمل صندوقا من الإسعافات الأولية ".
" إجلسي هنا".
جلست على حافة السرير كطفلة مطيعة ، وفتح كايد زجاجة فيها سائل مطهر ، اصفر اللون وقوي الرائحة ، وضع كمية منه على قطعة من القطن الأبيض أخذ يمررها فوق ذراعها وهو يقول :
" آسف ، لم أكن اقصد ، حين أشعر بالخطر أتصرف بصورة عفوية ".
وضحك قبل أن يقول :
" حتى لو كان الخطر خياليا ".
" أسامحك ، كان من الممكن أن يكون الخطر حقيقيا ، أين تعلمت أن تتفاعل مع الخطر بهذه الطريقة ؟ في عصابة الشوارع التي أخبرتني عنها ؟".
" وقبل ذلك ايضا ، أمضيت معظم طفولتي في إصلاحية ، اعرف .... ليس هذا ما كنت تقرأينه في الصحف ".
كان يتكلم بمرارة فاجأتها :
" كل هذا الكلام الذي قيل عن إعالتي لأمي المقعدة المسكينة ، وشقيقتي الطفلة ، كان من إختراع جاك ، هل تذكرين جاك ؟".
هزت راسها إيجابا وهي تحاول أن تبدو في غاية الهدوء واللامبالاة .
" هل ما يزال معك ؟".
" لا استطيع التصرف بدونه ، هو الذي صنع مني كاديز فرناند ".
وبنبرة ساخرة أضاف :
" لا أدري أين كنت سأصبح بدونه ، ولا من أكون ، أحيانا أتساءل انا نفسي اين هي الحقيقة ، وأين هي إختراعات جاك ".
وقاطعته برقة :
" لا ، أنت تعرف جيدا من انت ... كنت دائما تعرف ".
" وهل تعرفين انت من أنا ؟".
وإعترفت بالم :
" ظننت مرة بأنني أعرفك ، كنت صغيرة وقتها ... وفي غاية السذاجة ، قلت لي ذلك ، وكنت محقا ".
" كنت أيضا في غاية الرقة ".
وضع كايد قطعة القطن جانبا ، وأمسك ضمادة بلاستيكية ألصقها بنعومة على ذراعها :
" سأجيئك الآن بالشراب الساخن الذي كنت تريدين ".
وغادر الغرفة بسرعة قبل ان تشكره على إهتمامه وعاد بعد قليل بكوب من الكاكاو الساخن.
" كاكاو ، هل تحبينه؟".
نعم ، شكرا لك يا كايد ".
وأمسكت بالفنجان ترشف محتوياته ببطء ، وكي تقطع الصمت الذي خيّم عليهما سألته :
" أما زالت والدتك على قيد الحياة ؟".
اجاب ببرود لا اثر فيه لأي إنفعال:
" لا أعتقد ، لو كانت على قيد الحياة لجاءت تبحث عني عندما عرفت من الصحف انني بدأت أكسب الكثير من المال ".
ورفعت نظرها اليه فأضاف:
" صدمتك اليس كذلك ؟ لم ارها ... أعني امي .... بل لنقل أنها لم ترني منذ فقدت نظري في معركة عصابات في الشارع ".
" معركة ؟ قرات ...".
" إحدى قصص جاك لا ريب ، تلك القصة التي تقول انني فقدت بصري وانا انقذ صديقي من تحت عجلات شاحنة ؟ لم أكن أبدا رقيق الإحساس ".
" ولا حتى مع عائلتك ؟".
" أي عائلة ؟ انا لم اعرف والدي ، ولا أعرف إن كانت امي تعرف من هو ، كان هناك الكثير من ( الأعمام ) في طفولتي ، والقليل من الحب ، كانت امي إمرأة انانية.... اما شقيقتي فهربت من المنزل وهي في الثالثة عشرةمن عمرها ، لا أعرف اين هي الآن ، غادرت امي المدينة عندما كنت في المستشفى ونسيت أن تترك عنوانها ، كل ممتلكاتي في الدنيا كانت غيتارا وتصميما على الخروج من النفق الذي ولدت فيه ، سمعني جاك أعزف الغيتار ، فاعجبته وقرّر مساعدتي لسبب ما ".
واحست كاريسا أن كايد يشك حتى في دوافع جاك ، ليس غريبا إذن أنه لم يتعلم في حياته كيف يحب.
ومرر كايد يده في خصلات شعرها ، وللمرة الأولى أحست أنه يلمسها بحنان وليس برغبة ، وفجأة إبتعد عنها بسرعة وهو يقول :
" لا ، لن اقبل شفقتك ".
" ماذا تعني ؟ أي شفقة؟".
" لم تحاولي هذه المرة الإبتعاد عني ، تشفقين على هذا اليتيم المسكين الذي قست عليه الحياة ، أنا رجل قوي الآن ولا احتاج لشفقتك ، ولا الى عاطفة الأمومة لديك ".
وغادر الغرفة غاضبا .


الساعة الآن 06:10 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية