منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   37 - قال الزهر آه - مارغريت روم - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t115740.html)

مجهولة 03-08-09 10:36 AM

10- صدمات متلاحقة
لم تكن الساعة قد تجاوزت الرابعة صباحا عندما غادرت فلورا القصر, نزلت الى الطابق الأرضي دون أن تحدث أي حركة ويدها متعلقة بمسكة حقيبتها التي تحتوي فقط على الأغراض التي جلبتها معها من أنكلترا, وبرغم الوقت المبكر , وعلى غير ما توقعت كان القصر حافلا بضجة غير منتظرة.منتديات ليلاس
أنفتحت الأبواب الضخمة من دون صعوبة بين أصابعها , وما أن أصبحت في الخارج حتى وضعت قدميها على الحشيش الأخضر وبدأت تركض بكل قوتها على طول المسالك , خففت من سرعتها فقط عندما رأت أمامها الشباك الحديدية العالية : فعرفت حينئذ أنه لم يعد ثمة مجال لأن يراها أي أحد من سكان القصر.
كان الطريق خاليا , ولم يكن لديها فكرة معينة حول الأتجاه الذي تريد أتخاذه , كل ما تعرفه أن عليها الوصول الى مطار نيس حيث تستقل الطائرة التي تأخذها وتعود بها الى أنكلترا .... ألى بلدها ... الى عائلتها.
أختارت أن تدير ظهرها لمدينة غراس , ذلك أن المدينة واقعة في داخل الأ**** , والقصر ينتصب بينها وبين الساحل , وهكذا تكون قد أخذت الأتجاه الصحيح.
وبعد أن مشت في الطريق المحاطة بالأشجار , مدة طويلة قاطعة مسافة واسعة , من دون أن ترى أية أشارة الى أي طريق , ولا أي أنسان , قررت التخفيف من سرعتها , لم تفكر في أخذ شيء معها لتأكله , والآن بعد أن تنشقت الهواء العذب , وسارت طويلا , شعرت بجوع شديد.
وعندما جلست لترتاح سمعت صوت محرك ضخم , فعمدت الى الأختباء , لكنها سرعان ما أدركت أن لا أحد في القصر يستعمل سيارة بطيئة للبحث عنها , وأنتظرت حتى ظهرت العربة , التي كانت جرارة عربة تحمل سلات من الزهر المقطع , وسألت فلورا:
" هل أنت ذاهب في طريق المطار؟".
هز السائق رأسه وقال:
" نعم, يا آنسة !".
كانت تريد أن تقّبل وجه السائق الشاب عندما ساعدها على الصعود والجلوس بقربه , أن الأحاديث العديدة التي تبادلتها مع القطافين جعلتها تتأقلم مع لهجة المنطقة المحكية , وفهمت كلام الشاب بسهولة عندما أخبرها أن وجهته هي سوق الزهور في نيس , كان يبدو سعيدا برفقتها , برغم صوت المحرك العالي والذي جعل أي حديث صعبا سماعه , وعندما أخرج من جيبه ربطة تحمل خبزا وجبنة وقدم لها بعضها , قبلتها بفرح لا يصدق.
راحت تأكل بشهية الخبز الطازج الذي ما زال ساخنا والجبنة , وتتأمل الشاطيء يقترب رويدا رويدا , وللمرة الأولى منذ أن أكتشفت خيانة ألان شعرت بسلام داخلي , قريبا جدا ستصل الى بلدها , الى أهلها الذين يحبونها وألى أصدقائها الذين يشتاقون أليها لتنتهي جميع مشاكلها وتساءلت فلورا ما أذا كانت الكونتيسة الأم ستندم على رحيلها , وفي الحماس الذي دفعها الى الهرب لم يتسنى لها كتابة كلمة واحدة , لكنها وعدت نفسها أنها حين تصل ألى بلدها ستبعث برسالة المرأة المسنة وتشرح لها سبب تصرفها هذا مع مراعاة شعورها.
دخلت الجرارة الى نيس , الشوارع العريضة والجادات كلها لا تزال فارغة, فقط بائع أو أكثر بدأوا بفرش الطاولات داخل ساحة السوق أستعدادا لعرض الزهور , نزلت فلورا من العربة , وشكرت السائق وتوجهت الى محطة التاكسي , لتستقل وأحدا يقلها الى المطار, بدأت تشعر أن الوقت يمر بسرعة وهي ترجو أن تكون في طريقها الى أنكلترا قبل أكتشافهم غيابها ,
ولمحت تاكسي يسير ببطء , لألتقاط الزبائن , فأشارت اليه , فتوقف وصعدت , ثم قالت:
" الى المطار , بسرعة من فضلك!".
كانت قد قطعت نصف الطريق عندما أدركت أن يديها ترتجفان , وقلبها يطرق بقساوة على أضلاعها.
وصلت السيارة الى المطار فدفعت للسائق أجرته وتوجهت مسرعة الى داخل المبنى وسدت على الحقيبة , أقتربت من أحد المكاتب وقالت:
"للموظف المسؤول:
" تذكرة سفر واحدة على متن الرحلة الأولى الذاهبة الى أنكلترا , من فضلك".
أبتسم لها الموظف أبتسامة لطيفة ومطمئنة وظن أن قلق فلورا المرسوم على وجهها راجع لخوفها من ركوب الطائرة , فقال:
" لا تقلقي , يا آنسة , ستكونين في أمان! أنتظري سماع رقم الرحلة وأتجهي بعدها الى الباب المحدد , وهناك تساعدك المضيفة على الدخول الى الطائرة ".
ولما رآها تتناول بطاقتها بسرعة كأنها تريد الهرب , أضاف:
" لديك الوقت الكافي , لن تقلع الطائرة الا بعد ساعتين!".
ساعتان! لم تفكر أبدا أنه يتوجب عليها الأنتظار , وفي حمى تفكيرها تصورت أنها ما أن تصل الى المطار حتى تستقل الطائرة التي ستأخذها الى أنكلترا , من غير أن يتسنى لها الوقت لأعادة التفكير في الموضوع, ساعتان : أنه وقت كاف أمام زوجها لأبلاغ البوليس ونصف أبناء المنطقة!
وجدت في غرفة الأنتظار مقعدا وراء أناء زرع فيه شجرة نخل كبيرة , جلست مختبئة وراء الشجرة تنظر في مواجهة المدرج, قررت ألا تترك أفكارها تتركز على ألان وما حدث أمس قبل رحيلها وأن تفكر في شيء آخر , في البداية كان من السهل أن تتلهى برؤية ذهاب الطائرات وأيابها , لكن مع وصول الركاب , بدأت تتهيأ لرؤية شبح طويل نحيف بين الناس , مما جعل قلبها ينبض بسرعة.
نظرت الى ساعة يدها عشرات المرات كأنها تريد أن تقدم عقاربها, أخيرا سمعت أعلانا عن رقم رحلتها , فأندفعت نحو الباب المذكور , كانت تنظر أمامها وأفكارها كلها مركزة على الهدف الأول الذي تريد تحقيقه الى درجة أنها لم تسمع أحدا يناديها بأسمها, وما أن وصلت الى أول الصف حتى شعرت بيد تلتف على ذراعها وصوتا يقول بأستغراب:
" فلورا! شكرا يا الله, لقد وجدتك!".
كان وجهها بلون الرماد, فأستدارت:
" لويس!".
كانت شفتاها تتوسلان اليه ألا يحتجزها , بينما بقية الركاب يتوجهون نحو الطائرة.
" فلورا , أنتظري ! يجب أن أكلمك الآن!".
أجابته :
" ليس الآن , يا لويس , والا فاتتني الطائرة, سأكتب لك عند وصولي , أعدك بذلك!".
كانت قد وصلت الى الباب عندما أخذها من ذراعها وأدارها صوبه, وللمرة الأولى لاحظت القلق المرسوم على ملامح وجهه , كان شعره مشعثا وهو يتنفس بصعوبة كأنه كان يركض بلا توقف.
" فلورا, الأمر يتعلق بالكونتيسة , أصابتها نوبة, والطبيب معها , لكنها تطلب رؤيتك...".
" أمي ؟ آه , لا ...!".
وضاع أستغرابها المفاجىء مع صوت المحركات , لم تعد تفكر بالطائرة التي تنتظرها .
" خذني أليها , يا لويس! بسرعة!".
وفي السيارة التي تنقلها الى القصر , راح لويس يشرح لها ما حدث.
" الخادمة التي صعدت الى غرفتك حاملة فنجاي الشاي وجدت الكونتيسة ممددة على السجادة في غرفتك , لقد كانت قلقة عليك مساء البارحة وعندما لم تنزلي من جديد , قال ألان للمدعوين أنك خلال النهار عانيت من ضربة شمس ولا شك أنك رغبت في الخلود الى النوم باكرا , وبدا على أمي أنها قبلت هذا العذر , لكنها أستيقظت هذا الصباح باكرا , جدا وأرادت أن تعرف كيف تشعرين , حاولت الوصول الى الجرس لترنه طلبا للمساعدة لكنها سقطت قبل أن تفعل ذلك, ومن حسن الحظ لم يمض أكثر من ساعة على أكتشافها , والا لكانت النتائج أشد خطرة بكثير , أن النوبات القلبية تقلق وخاصة مع أمرأة في سن الكونتيسة ".
همست فلورا:
" كيف هي الآن؟".
" جزء كامل من جسدها مشلول , لكن الطبيب يؤكد بشدة العناية الضرورية من شأنها أن تؤدي ألى تحسن صحتها , وعندما أرادت أن تتكلم , ألان وحده فهم ما قالته , كانت تتلفظ بأسمك وتطلبك, لم نصل ألى تهدئتها الا بعد أن وعدتها بأنني سأذهب على الفور للبحث عنك , وشكرا لله لأنني بدأت في المطار , دقائق قليلة وكنت الآن في طريقك الى أنكلترا!".
كان يركز تفكيره على قيادة السيارة التي كانت تنطلق بسرعة كبيرة , لكن ضيق فلورا القوي ورعبها المخيف جعلاه يصرخ قائلا:
" فلورا! هل تشعرين الآن بالمسؤولية لما حدث لأمي... لا . لا يمكنك أن تأبهي لما يمكن أن يحصل للآخرين و....".
لكن عندما أسترخت فلورا على المقعد وراحت تشهق بالبكاء , أخذ يلوم نسه وتوقف على جانب الطريق , وجذب فلورا بين ذراعيه وراح يحاول تهدئتها , لكن الندم الذي كانت تشعر به كان شديد العمق فلم تستطع التوقف عن النحيب وسماع كلمات لويس الذي كان يقول وهو يهزها:
" ليس ما حدث بسببك , هل تسمعين؟ أن الكونتيسة مسنة ... ربما يكون رحيلك هو الذي سبب النوبة , لكن كان من المنتظر أن تحدث في أي وقت , ينبغي أن تصدقيني يا فلورا!".
لكنها ظلت جامدة , فقرر لويس أن ينشلها من هذا التوتر ويطلب مساعدتها:
" ليس في نيتي أن أطرح عليك الأسئلة , يا فلورا, لكن يبدو واضحا أن الوضع بينك وبين ألان أصبح متأزما وخطرا أكثر مما كنت أتصور , وسأطلب منك خدمة , هل توافقين على البقاء في القصر؟ أمي في أمس الحاجة ألى أمرأة تحبها وتفهمها , الخدم كلهم يحبونها , لكن ما من أحد يمكنه أن يحل مكان عائلتها , و .... يا فلورا..".
رفعت فلورا رأسها وبدأ خداها بالأحمرار , وأضاف لويس :
" أعتقد أن بأمكاني طلب هذه الخدمة منك , من أجل الكونتيسة ومن أجل ألان , ولا يمكنك , بالطبع , بعد فرارك أن تعتقدي بأن عنفوان ألان وكبرياءه وغطرسته ستسمح له بأن يطلب منك ذلك".
وفجأة عاد الشحوب الى وجه فلورا:
" لا شك أنه يكرهني نتيجة ما سببت من ألم لوالدته , ولن يحتاج ألى مساعدتي في وجود سولانج؟".
" لقد غادرت صباح اليوم حاملة معها كل أمتعتها".
" هل عرف ألان بذلك؟".
" هو الذي أخبرني بذلك , فعلى ما يبدو أنه طلب منها الرحيل البارحة , وفي الصباح برغم ما حدث للكونتيسة لم تفكر سولانج لحظة بتغيير مخططاتها .... لقد ذهبت الى غير رجعة !".
وعم الصمت بينهما , كان لويس يأمل في أعماق قلبه أن تغير فلورا موقفها وتبقى معهم , وهي تفكر بأن المرأة التي تحبها كادت تموت بسببها .
عاد لويس ليقول:
"ماذا قررت , لا مجال أمامي للتأثير عليك , لكن أذا كنت تعتقدين بعدم قدرتك على البقاء , فأفضل لأمي أن تذهبي منذ الآن , من دون أن تراك , وصدقيني أذا كان هذا قرارك فسأتفهمه وأعيدك فورا الى المطار".
كان يتكلم كأن أمام فلورا حرية الأختيار , وتعرف جيدا أنها غير قادرة على ترك الكونتيسة وهي في حاجة أليها , لكن يجب في الوقت نفسه أن تجابه ألان... قامت بجهد كبير لتهمس:
" هيا بنا نسرع , يا لويس , يجب أن أبقى بكل تأكيد".
ولما وصلا الى القصر, صعدت فلورا على الفور الى غرفة الكونتيسة , كان الطبيب قد غادر القصر تاركا المرأة بين يدي ممرضة القصر , وتقدمت فلورا منها على مهل بدون أحداث أي صوت , كانت الكونتيسة نائمة.
رفعت الممرضة يدها طالبة من فلورا ألا تتكلم, لكن فرقعة مريولها المنشى , أحدث دويا مما جعل المرأة العجوز تتحرك في سريرها وهي تتأوه , ثم فتحت عينيها في الوقت الذي أخفت فلورا وجهها القلق , فبرقت عينا الونتيسة وأرادت التكلم, لكن الجهد الذي كانت تبذله كان مؤلما , وبعد زفرة , غابت عن وعيها من جديد , وعلى زاوية فمها , أبتسامة صغيرة , علامة الرضى والأمتنان .
أشارت الممرضة الى فلورا بالخروج ثم لحقت بها :
" لقد عرفتك يا سيدة , وهي هادئة البال ومرتاحة الآن , لن تستيقظ الا بعد أن ينتهي تأثير الدواء المسكن , ويجب عليك أنت أن ترتاحي لساعة أو ساعتين , تبدين في حاجة ماسة الى الراحة ".
شكرتها فلورا وأكدت لها أنها ستنفذ نصيحتها , لكن ما أن دخلت الى غرفتها , حتى تأكدت من عدم أستطاعتها النوم , غسلت وجهها جيدا لتبعد عن عينيها آثار الدموع ووضعت فستانا مريحا ثم نزلت تبحث عن ألان.
وجدته وحيدا في غرفة المكتبة , يجلس في أريكة واسعة من الجلد قرب النافذة , وأشعة الشمس تقع على رأسه الأسمر مثل شفرة الرمح الفضية , دخلت فلورا من الباب المفتوح في هدوء , وقعت عيناها على يدي ألان المتقلصتين , فأنقبض قلبها.
" ألان!".
لم يكن صوتها سوى همس خائف , لكنها لاحظت أنه سمعها فتقلص جسده وجمدت يداه, أقتربت منه وهي تشعر بجسدها يرتجف وقالت:
" ألان. أنني آسفة".
فنهض وقال:
" هل شاهدت الوالدة؟".
أجابت في صوت خانق:
" نعم , لقد عرفتني ... وأبتسمت لي...".
لم تتمكن من مواصلة الكلام , وأسترخى فم ألان , قام بحركة مترددة , وكادت تصطدم قدمه بكرسي ويفقد توازنه .
أقتربت منه لكنه كان قد أنتصب يحاول العثور على ظهر أريكة.
شعرت فلورا بأضطراب , لأنها تراه للمرة الأولى مسلوخا ومجردا من ثقته التي كانت ترمز لها أستقلاليته الكاملة أتجاه محيطه وبيئته .
لم يتسن لها الوقت لسؤاله عن هذا التغير الذي أصابه , وفي نبرة مترفعة , سألها :
" هل تتفضلين بالجلوس , يا فلورا , أرجوك؟ أعتقد أن الوقت حان لنتحدث عن مستقبلنا".
شعرت بتأثير عميق وهي تراه يمرر أصابعه في شعره , في حركة متعبة , عديم الشجاعة , يائسا , كأنه يعترف أن كل معاركه أنتهت الى الأبد, وعرفت حينئذ أنه يفهم جيدا أنها نادمة على ما فعلته , كلمات عديدة تغص في قلبها لكن شفتيها المرتجفتين لم تنطقا ألا بالكلمات ذاتها:
" أنني آسفة , يا ألان , آسفة جدا...".
أصفر وجهه وحتى فمه وقال:
" أنني آسف , أنا كذلك , يا فلورا , آسف لأنني أقنعتك بالقبول بزواج لم يجلب لك الا الندم , لقد أرتكبت غلطة كبيرة في حقك , ولو أن الزمن يرجع الى الوراء لأعفيتك من عذابات أخرى...",
أحست فلورا بألم شديد يخترق كيانها , لا داعي لمتابعة أقواله, والتعبير بدقة عن الرغبة التي يشعر بها أتجاه سولانج , فلم تنس فلورا مدى حبه لتلك المرأة , أذ كانت شاهدة حية على ذلك , فيجب عليها أن تمنعه من قول المزيد .
" لا داعي للقلق يا ألان , سأبقى حتى تستعيد والدتك صحتها , لكن بعد ذلك...".
" شكرا, هذه شهامة مك , ما دامت الظروف تريد ذلك, أني أعرف كم يعني لها وجودك هنا , لن أحاول أقناعك بالبقاء , لكن...".
بدا وكأنه يختار كل كلمة يلفظها بعناية , ثم تابع بصوت مبحوح وبارد:
" هل تعتقدين أن أمكانية أقامتك هنا من جديد تبدو أكثر سهولة عليك أذا قلت لك أن في نيتي التغيب عن القصر بعض الوقت".
قالت في كبرياء:
"ربما".
نهض وأدار ظهره وأبتعد ثم قال في عنف مفاجىء :
" هل وصلت لامبالاتك ألى حد ألا تسألي الى أين أذهب؟".
تكفي كلمة واحدة للرد عليه , ومن دون أي تردد , أجابت:
" لا!".
وهرعت خارجة من الغرفة , لماذا تسأله الى أين سيذهب فهذا لم يعد من شأنها , أن سولانج في باريس....

مجهولة 03-08-09 10:38 AM

11- ميلاد جديد
كانت فلورا تجر الكرسي النقال الذي تجلس عليه الكونتيسة على طول الممر الذي يتعرج في حديقة القصر , الطقس خريفي, في أحد أيام شهر أكتوبر – تشرين الأول , وكان شهران قد مضيا على حادث الكونتيسة وعلى رحيل ألان , الشمس تسطع على الأزهار , العطر وحده هو الذي تغير , فقد حل محل الورد والميموزا أريج أكثر عنفا هو أريج الجرانيوم والنعناع البري.
أوقفت فلورا الكونتيسة في ظل أشجار السرو العالية , ثم جلست في مقعد بأتجاه الكونتيسة.منتديات ليلاس
" هل أنت مرتاحة يا أمي؟ هل تريدين وسادة تحت رأسك؟".
قالت المرأة العجوز وهي تبتسم بلطف:
" لا تقلقي علي بعد الآن , الطبيب بنفسه أكد لك أنني قد شفيت تماما , وأنت تدللينني كأنني ما زلت ضعيفة الى درجة الذوبان تحت أشعة الشمس".
أسترخت فلورا مرتاحة لكلام الكونتيسة , صحيح أن صحتها ضعيفة وتتعب بسرعة, لكن تحسنها كان مذهلا , لأسابيع طويلة ظلت فلورا تسهر على راحتها , لا تركها لا في الليل ولا في النهار , الى أن نصحها الأطباء بضرورة اللجوء الى الراحة , وحتى في راحتها كانت تقصد المريضة بأستمرار , الى أن تأكدت بنفسها من التحسن الملموس في صحتها , وخف لديها الشعور بالذنب.
غياب ألان كان يحمل بالنسبة اليها أكثر من علامة أستفهام , ولا مرة , سألت الكونتيسة فلورا عن السبب الذي جعلها تغادر القصر , كأنها تريد أزالة هذا الحادث من ذاكرتها , والتصرف كأنه لم يحدث أبدا , وفلورا هي أيضا كانت تفضل هذا الحل , فهي لا تعرف أن المرأة العجوز ليست في صحة جيدة يمكنها معه أحتمال هذا الموضوع المؤلم , ولا بد أن يأتي يوم يستطيعان أن تتحدثا فيه عن الموضوع , عاجلا أم آجلا , لأن ألان سيعترف بحبه لسولانج.
سألتها المرأة العجوز فجأة وهي ترمقها بنظرة ثاقبة:
" هل عرفت أن ألان تحدث معي مساء أمس بالهاتف؟".
أنتفضت فلورا ووضعت يدها على وجهها لتخفي أحمراره المفاجىء , كانت تعرف أن ألان يتصل بوالدته بأستمرار , لكن, ولا مرة طلب التحدث الى زوجته , وهي أبت عليها كرامتها للسؤال عن أخباره.
أجابت بصوت خاطف:
" كلا, لم أكن أعرف , كيف حاله؟".
" كان يبدو في مزاج رائع , كان صوته واضحا وواثقا ومليئا بالنشاط , حتى أنه بدا لي أنه عاد كما كان قبل أن يفقد بصره".
مسحت دمعة قبل أكمال حديثها في لهجة أكثر عنفا:
" رفض أن يحدثني عن أحواله , حاولت معرفة موعد عودته الى القصر , لكنه أكتفى بالقول: أفضل أن أفاجئك وعندما أعود سأطلعك على خبر سار...".
ثم تابعت وهي مقطبة الحاجبين:
" أنه يزعجني بأسراره , لماذا يرفض حتى أن يقول لي أين هو ؟ ما هو السبب الذي من أجله يريد ألا نعرف عنه أي شيء؟".
لم ترد فلورا , كانت تتعذب لأنها تعلم أنه في باريس مع سولانج , ومرا ت عديدة , خلال الأسابيع التي مضت , كانت تستيقظ في الليل وتتصوره واضعا ذراعيه حولها , هامسا بصوته الحزين , فتشعر بالسعادة الكبرى لبرهة قصيرة , وتتساءل اذا كان هو أيضا يتذكر تلك الليلة عندما كانت رائحة الأزهار تدخل من النافذة المفتوحة , تضفي نعومتها على الوقت الثمين الذي أمضته , هل هذه الذكريات هي التي جعلته يطلق عطره الجديد بأسم زهرة الحب؟
لكن كلمات الكونتيسة كانت بمثابة أستهزاء بها , لأن أحلامها الكبيرة لم تكن سوى وهم وخرافة , أنه يبدو لها في مزاج مرتفع ومليء بالثقة والنشاط وأذا كان سبب هذا التغير في شخصيته عائدا الى سولانج بالذات , فهي ولا شك تستحق عن ذلك كل تهنئة , حتى الكونتيسة نفسها التي لا تشعر أتجاه سولانج بأي أنفعال ايجابي , لن تجد مانعا من زواجها من ألان , وخاصة عندما يفهمها ابنها أن سعادته متعلقة بوجود سولانج بقربه.
لم يعد بأستطاعتها أن تتحمل أكثر , فنهضت بحيوية وكبتت دموعها حتى لا تزعج المرأة العجوز وقالت:
" أنا متأكدة من أن ألان لن يجعلك تنتظرين مجيئه مطولا , يا أمي, ويجب أن تكفي عن الأضطراب , وأدركي كم سيكون حزينا أن هو عاد ووجد أنك ما زلت مريضة وضعيفة".
ثم تابعت وهي تسوي الوسائد تحت رأس الكونتيسة:
" هيا , أغمضي عينيك, أنها ساعة القيلولة".
بقيت حوالي عشر دقائق قرب الكونتيسة , لكن ما أن تأكدت أنها نائمة , حتى أبتعدت بهدوء نحو مكانها المفضل حيث يمكنها رؤية منظر شديد الروعة يطل على حقول الزهر وعلى القرية المجاورة.
وهناك وجدها لويس, فأستقبلته وعلى وجهها أبتسامة صادقة:
" من غير العادة أن أراك في مثل هذه الساعة يا لويس! وصباح اليوم , قالت لي أمي أننا نراك نادرا في هذه الأيام , كأنك أصبحت فجأة رجل أعمال".
جلس على العشب بقربها وقال في رصانة:
" فلورا, يجب أن أكلمك:
فتحت فلورا عينيها وقد أنتابها القلق, وألقت نظرة على الكونتيسة فأسرع يطمئنها :
" أنها في صحة جيدة , عندما مررت أمامها , كانت تنام نوما عميقا".
" لكن , ماذا عندك تقوله, يا لويس؟ لماذا هذه النظرة الجادة".
بدا وكأنه يجد الكلمات بصعوبة , فأنتظرت فلورا حتى ينسق أفكاره , لكنه تقلص عندما قال فجأة:
" هل أنتهى كل شيء , أقصد بينك وبين ألان؟".
أحمر وجهها وهمست:
" ليس لك الحق في أن تطرح علي مثل هذا السؤال".
أفقده جوابها ضبط النفس الذي حاول جاهدا المحافظة عليه, فألتفت نحوها في غضب:
" ما من أحد في هذا العالم يعنيه الأمر أكثر مني! منذ أسابيع وأنا أراك تتمزقين, في أنتظار كلمة أو حركة واحدة من الرجل الذي تخلى عنك , خاسرا بذلك حتى حقوقه كزوج ! ويوما بعد يوم تصبح عيناك أكثر حزنا , ووجهك الجميل يفقد عذوبته . لست سوى ظل صغير صامت, وقلب مثقل بالندم , أنك منهارة الى حد لم تلاحظي مقدار الحب الذي أكنه لك والذي لم أستطع أخفاءه , أنني أحبك, يا فلورا!".
" أرحلي معي ... الآن , وأنني أعدك بأن أكرس حياتي كلها لأريحك من العذاب الذي سببه لك ألان".

مجهولة 03-08-09 10:39 AM

وعندما جذبها نحوه , محاولا معانقتها , أستعادت فجأة رباطة جأشها وأبعدته عنها , فأضطر الى تركها , وقالت:
" كيف يمكنك التصرف معي هكذا ؟ كيف يمكنك أن تخون ليس فقط صداقتي لك , بل أيضا ثقة العائلة بك ؟ ألم تفكر بأمي؟ أني أعرف أنك غير متفق مع ألان, لكنه لم يفعل شيئا ضدك ليستحق خيانةكهذه! أنني زوجته يا لويس! ربما تكون قادرا على أن تنساه .... وهو كذلك .... أما أنا فأبدا!".
أنخطف صوتها في بكاء لم تملك القدرة على كبته , لفترة طويلة , عم الصمت الى أن قال لويس في لهجة مترددة :
" حاولت كثيرا مقاومة عاطفتي, يا فلورا . لست عديم الضمير الى درجة أقدامي على خطف زوجة رجل أعمى, لقد أمضيت الأسابيع الماضية في عمل شاق محاولا نسيان حبك, لكن ألان لا يستحق كل هذا الأحترام , لقد تركك تعتنين بأمي وحدك ورحل من غير أن يفكر بك أو بأمي, فكيف تدافعين عنه؟".
سألته فلورا في بساطة:
" هل يجب أن أكرهه بحجة أنه غير قادر على مبادلتي الحب؟".
أجاب وأسنانه مشدودة:
" هذا ما تفعله أغلبية النساء اللواتي أعرفهن".
" أذا , فلا أستغرب أن يكون ظنك قد خاب , يا لويس".
" يا ألهي!".
هز كتفيه في حركة تدل على أنهزامه.
" كان عليّ أن أفهم أنك غير قادرة على حبي, وما زال لألان حظ أكثر مما كنت أصوره".
خبأ يديه في جيبي بنطاله ورفس حجرا وقال:
" لم يعد أمامي حل سوى مغادرة القصر...".
" لا, يا لويس, هذا مستحيل! ... وأمي, كيف يمكنك التفكير في التخلي عنها , وهي في هذه الحالة الصحية المتدهورة؟ يجب أن تبقى, من أجلها ومن أجل عطورات تريفيل , من سيتخذ القرارات اللازمة في غيابك وفي غياب ألان؟".
" ألان ! ألان! لا تفكرين الا به!".
أن عذاب فلورا هو الذي يعنيه , وبسببها هي يترك لغضبه العنان. وفهمت أن عليها أخباره بدقة ما يجري بينها وبين ألان , فكبتت أنفعالاتها وقالت:
" أنا من سيغادر القصر قريبا , عندما يعود ألان , ستعود سولانج معه ... الى الأبد".
" هذا مستحيل! هل أنت متأكدة من ذلك؟".
" نعم , أنني متأكدة من ذلك كل التأكيد".
شاهدت في عينيه بريق أمل وأضطرت أن تنزع منه كل وهم.
" لكن ذلك لا يغير شيئا في عواطفي أتجاهك , يا لويس".
ابتلعت ريقها بصعوبة ثم تابعت في صوت هامس:
" لا يمكنني أن أحب شخصا آخر غير ألان , أبدا...".
وضعت يدها على الميدالية الزرقاء التي ترتديها بأستمرار , وفهم أنها تفكر بالكلام المنقوش الذي يعبر تماما عن وضعها , كأنها حفرت خصيصا لها ولألان : متحدان , لكنهما دائما منفصلان لأن الزواج هو الذي يوحدهما لكن لا شيء يملأ الهوة السحيقة التي تفصلهما , الشجاعة التي تتحلى بها فلورا أرهقت لويس وأهانته في الوقت نفسه , وشعر بالخجل , ولأول مرة يرى نفسه كما يجب أن يبدو في عيني فلورا , وأكتشفت فجأة أنه قادر على الأحساس بالخجل , وهذه التجربة بدت صعبة كي يتحملها , أخيرا قال:
" سأبقى , ولكن فقط لأنك تطلبين ذلك مني , وأذا كنت تعتقدين أن وجودي هنا ضروري فلا أستطيع الرحيل".
أستدار وأبتعد , تردد ثم أستدار نحوها:
" فلورا؟".
" تعم, يا لويس؟".
كانت ترتجف وعلى وشك البكاء.
" أذا كنت جرحت شعورك , فأنا آسف جدا , هل تسامحينني ".
وفهمت أنها طريقته ليؤكد لها أن الموضوع قد أقفل ولن يعاد فتحه بعد الآن , أبتسمت وقالت:
" أن صداقتك ستظل دائما عزيزة على قلبي , يا لويس , لا أريد أن أخسرك , لا شيء يستحق الغفران".
في المساء , عندما فتحت خزانة الثياب لتختار ثوبا لها , وقعت عيناها على فستان من الحرير الرمادي الغامق , ذي قبة بيضاء تتلائم تماما مع مزاجها.
كان القماش الحريري يتطاير حولها أزاء كل حركة تقوم بها, ويداعب كاحلي قدميها النحيفتين , من غير أحداث أي صوت , ثم راحت تلمس شعرها , لكنها لم تكن في حالة تسمح لها برفع شعرها على شكل كعكة , فتركته ينسدل في حرية على كتفيها.
أصوات غير عادية بدأت تصدر من الطابق الأرضي , الباب يطرق وأصوات تدوي في البهو, ثم خطوات تصعد السلم ... خطوات سريعة , نشيطة , تعبر عن نفاذ صبر شخص وصل لتوه , ولما توقفت الخطوات في الممر , أمام باب فلورا , أنقبضت أعصابها وجف حلقها.
أنفتح الباب ومع نسمة الهواء التي دخلت أرتفع فستانها الخفيف حولها , ألى درجة أنها بدت خيالية, ساحرة , جمدت للحال وأنتظرت ثم أطلقت زفرة طويلة عندما دخل ألان بقامته الفارعة الى الغرفة , بلهفة كانت تنظر اليه يقترب نحوها , نظارتان سوداوان تحميان عينيه , لكن من خلال الزجاجتين الرماديتن كانت عيناه تحدقان بها في نظرة حادة مركزة , أحمرت بشدة خجلا , ولما توقف بقربها , بدأت تسمع نبضات قلبها.
لم تستطع تحمل هذا الصمت الرهيب أكثر من ذلك فقالت:
" ألان, لقد عدت...".
" مساء الخير يا فلورا".
كان يكلمها كأنهما يلتقيان للمرة الأولى , شعرت فلورا أنه نافذ الصبر , غير قادر على تحمل المقدمات , أن والدته على حق, فقد تغير وبرغم شحوب وجهه الذي يفسر أقامته في باريس , فأنه ينضح بالحيوية والنشاط.
" هل أنت سعيدة لرؤيتي؟".
كأنه عاد يلعب لعبة الهر والفأر مرة أخرى , لم تعد تتحمل العذاب الذي يعاقبها به, كان مليئا بالفرح من دون شك , لكن هل من الضروري أن يعرض سعادته أمامها؟ ربما كانت سولانج تنتظره في البهو, مستعدة لمناقشة الطريقة الفضلى للتخلص من زوجة غير مرغوب فيها , وأمام هذه الفكرة , رفعت فلورا وجهها في فخر فخر وأعتزاز , أنه يجهل أنها تعرف أين كان يمضي كل هذه الأسابيع الفائتة , وحان الوقت لأعلامه بالأمر.
سألته في صوت هادىء وبارد:
" كيف كانت رحلتك الى باريس؟".
كانت تنتظر رؤيته وهو يعترف بذنبه , لكن ملامح وجهه عبرت عن أرتباك , رفع حاجبيه وردد :
" باريس؟".
" أنني أعرف أنك كنت في باريس مع سولانج! أرجوك , يا ألان , لا تحاول أنكار ذلك".
عضت على شفتيها لتمنعهما من الأرتجاف , وأضافت:
" لقد قلت لي ذات يوم أنك لن تنتظر مني سوى الحقيقة , ألا يحق لي أن أتوقع الشيء نفسه منك؟".
ظل ألان يحدق فيها مستغربا محاولا أستيعاب ما كانت تقوله , فتراجعت أمام عينيه اللتين تبدوان كأنهما تخترقان أعماقها, لكنه مد يده وأقفلها على معصم زوجته وقال في نعومة وهو يتهمها:
" لماذا العجلة في أبداء رأيك وأظهار قناعتك يا فلورا , فأنا لم أذهب الى باريس , ولم أر سولانج ولم أتصل بها منذ ذلك اليوم الذي غادرت فيه القصر".
أحست كأن قلبها سقط من صدرها , وقالت:
" أرجوك أن تسامحني , ربما تسرعت في أبداء رأيي , لكن هذا لا أهمية له , أليس كذلك؟ أنني أعلم أنك واقع في غرام سولانج ... لقد رأيتها في غرفتك ... وسمعت ما كنت تقول لها...".
أنخطف صوتها المرتجف , فسكتت وأدارت وجهها , فأنهى عنها ما كانت تريد أن تقوله:
"وفي اليوم التالي قررت الهرب".
فنظرت نحوه من جديد بعينيها الدامعتين , فترك معصمها وتوجه صوب النافذة وجلس على فتحة النافذة العريضة , وأمرها:
" تعالي وأجلسي بقربي".
أرادت مقاومته , لكنه ردد هذه المرة في قوة:
" تعالي , يا فلورا, أريدك بقربي".
أطاعت على مضض , فجلست على الطرف الآخر بعيدة عنه, لكن ألان أخذها بذراعها وشدها عنوة صوبه , فراحت ترتجف وسمعته يقول:
" أنك مقتنعة بأنني أحب سولانج , مما يجعلني أقاسمك سرا لا يعرفه سوى سولانج وأنا".
كان يتكلم بصوت خال من أي تعبير , لكن ملامحه كانت رصينة تدل على أهمية ما سوف يقوله:
" بسبب غلطة سولانج , أصبحت أعمى".
أرتعدت فلورا من هول هذه المفاجأة , وكبتت صرخة كانت على وشك الأفلات , وراحت تسمعه يقول:
" كنا مخطوبين , الخطبة تمت تلقائيا كما يحدث لشخصين يعرفان بعضهما منذ الطفولة... في البداية, لم أهتك كثيرا بنزواتها وتقلباتها , أنها فتاة وحيدة ومدللة , وكان والدها يلبي كل طلباتها , لكن عندما بدأت أهتم أكثر فأكثر بعلاقتنا , بدأت أكرس وقتا أكثر للعناية بها , وبدأنا نصطدم ونتشاجر , فأقتنعت حينئذ أنه يتوجب علي فسخ الخطبة".
شد يده على معصم فلورا التي كانت تصغي اليه في أنتباه حتى أنها لم تشعر بألم معصمها .
أضاف زاما شفتيه:
" وجاء اليوم الذي أعلنت فيه قراري بفسخ الخطبة , كنا معا في المختبر , أنهيت عملي وكنت أنظف الآليات والمعدات التي أستخدمها في التجارب , ربما كانت غلطتي أنا أيضا , فقد كنت مشغولا بما سوف أعلنه , ولا شك أنني سكبت بعض المساحيق في عيار أكثر مما يلزم , لكن هذا ليس أساس ما حصل , غضبت سولانج مما قلته , فرمتني بشيء لم أعد أتذكره , فوقع في الأناء الذي كنت أمسكه بيدي وتطاير السائل الى عيني".
سكت فجأة كأنه يعايش رعب تلك اللحظة من جديد , كانت فلورا تشعر بأنقباض جسمه كله , كان الخجل والرأفة يشدان على حنجرتها مما جعلها تقول:
" آه , ألان , كيف أستطعت أن ... كيف يمكن لأنسان...".
نفض جسمه ليتخلص من هذه الذكريات , ووضع ذراعه حول خصر زوجته ليجذبها نحو قلبه:
" لا تحكمي عليها يا فلورا , أنني لا أزال مدينا لها بعرفان الجميل".
" عرفان الجميل؟ كيف يمكنك أن تتكلم عن عرفان الجميل فيما يتعلق بسولانج؟".
بقيت جامدة بين ذراعيه ووجهها مخبأ في صدره الذي كان يعلو ويهبط بسرعة زائدة , كان يشلها نوع من الخجل , لم تجرؤ على رفع عينيها , لكنه أمسك بذقنها وأجبرها على التطلع اليه وجها لوجه , ثم أضاف يقول:
" الليلة التي تلت حفلة العشاء ... الليلة التي رأيت سولانج في غرفتي ... كنت أظن أنها أنت , يا فلورا...".
كان يعلق أهمية كبرى على ردة فعلها أمام هذا التصريح ,شعرت بذراعيه يتشنجان بينما كان ينتظر جوابها .
فتلعثمت وقلبها ينبض بسرعة:
" كنت تعتقد أنها أنا؟ لكن كيف...؟".
" عندما دخلت الى غرفتي , سمعت صوتا ... يشبه حفيف الفستان الذي أرتديته تلك الليلة , وكذلك تنشقت العطر الجديد الذي صنعته خصيصا لك , وحسب علمي , لا أحد غيرك وصل اليه , أذا بالطبع...".
أكملت فلورا, غير مصدقة:
" أعتقدت أن الذراعين اللتين لفتا عنقد في تلك الليلة هما ذراعي".
وأستعادت المشهد في خلال ثوان قليلة , تذكرت الطرقة الخفيفة على باب غرفتها , لا شك أن سولانج كانت تنتظر في الحمام وسمعت خطوات ألان في الممشى.
" آه , لقد لعبت دورها في كمال!".
قال ألان بصوت ملتهب:
" فلورا!".
شعرت فلورا أنها تذوب تحت نظرات عينيه , وخاصة عندما تذكرت الكلمات التي لفظها لسولانج في تلك الليلة : آه , يا حبيبتي , لو تعرفين كم كنت مشتاقا أن آخذك بين ذراعي من جديد .
سألها في أنفعال :
" هل تريدين مني أن أشرح لك أكثر , أن تصرفاتي كانت ناتجة في أغلب الأحيان من رغبتي في رؤية الزوجة الحنون التي أخذتني في أحدى الليالي الى عتبة الفردوس ".
همس بشغف وهو يقترب من فلورا أكثر فأكثر :
" يا ألهي ! أذا كانت لديك أسئلة أخرى , فيجب ألا تنتظري لأرد عليها فأنني أرفض الصبر أكثر من ذلك".
عانقها بحنان وشعرت بأنها تقبض على كل ما في الدنيا من سعادة , مرت فترة طويلة قبل أن يحررها من قبضته , لكنه ظل يشدها اليه وأمام وجه فلورا الولهان همس:
" فلورا , ملاكي , أنني أحبك".
ثم أضاف:
" ظننت بأن لويس كان يبالغ عندما كان يصف جمالك, لكنه كان يقلل من قيمته , أنت أجمل بكثير مما كنت أتصور , ولم أر جمالا في ... ولذلك عندما عرفت أن أمي لم تعد في خطر , عدت الى المستشفى لأجراء الجراحة , والآن , يا حبيبتي, أذا أردت برهانا أنني لم أذهب الى باريس , فيمكنني تقديمه لك".
كانت الصدمة بالغة الأهمية الى درجة أنها أحتاجت ألى كل قواها لتضبط الأنفعالات التي تختلج في نفسها , لكنه لم يكن ينوي الأنتظار مثل هذه الروعة من قبل".
تسمرت قبل أن ترفع عينيها المتضرعتين نحو نظارتيه السوداوين , وهنا خلعهما , فذهلت أمام البريق المنبثق من عينيه وأجتاحتها غبطة عارمة جعلتها عاجزة عن النطق .
وفهم ما تعانيه فأبتسم وهز رأسه ليبرهن لها أنه يقرأ هذا السؤال في عينيها:
" نعم يا فلورا , أنني أراك! لهذا السبب فقط أنا مدين لسولانج بعرفان الجميل , عندما جاءت الى غرفتي تلك الليلة , أخبرتها حقيقة شعوري نحوها وقلت لها أنني قررت أن لا ذراع غير ذراع فلورا يمكن أغرائي ... ولذلك عندما عرفت أن أمي لم تعد في خطر , عدت الى المستشفى لأجراء الجراحة , والآن, يا حبيبتي, أذا أردت برهانا أنني لم أذهب الى باريس , فيمكنني تقديمه لك".
كانت الصدمة بالغة الأهمية الى درجة أنها أحتاجت الى كل قواها لتضبط الأنفعالات التي تختلج في نفسها , لكنه لم يكن ينوي الأنتظار ليسمع ردها , فأكتفت بالهمس:
" ألان , هل هذا صحيح؟".
شدها نحو قلبه وعانقها طويلا , وراح يداعبها , لكن شيئا في داخلها ,ما زال يرتجف , شك بسيط ما زال يقبع في زاوية صغيرة من عقلها.
" قولي أنك تحبينني يا فلورا , أريد أن أسمع ذلك منك".
" لقد أحببتك دائما , يا ألان".
" دائما؟".
أبعدها عنه وحدق في نظرها , كانت سعيدة جدا أنه أستعاد بصره , لكنها لم تعد قادرة على أخفاء ذلك الشك البسيط فسألته:
" هل صحيح أنك صدقت في البداية ... أنني تزوجتك من أجل ثروتك؟".
أغمضت عينيها وأنتظرت , أجاب برصانة , من دون حذر:
" أبدا, ي أبنتي الصغيرة , أقسم لك بذلك , كنت أريد أقناع نفسي بذلك, وكنت أبحث عن حجة أو ذريعة للأنتقام ممن أهانني وذلني , لقد عاملتك معاملة سيئة , لكن , مع أسفي لمعاملتي والعذاب الذي قاسيته , فأنني لست مستعدا للندم على تصرفي معك في تلك الليلة , لقد توجهت اليك مليئا بالغضب والمرارة وتركتك وقلبي مليء بالحب والسلام والطمأنينة ".
" كنت تحبني حينذاك؟".
كانت صرخة آتية من أعماق القلب, أنه صدى عذاب كير يرتجف لمجرد تذكر العذابات التي قاستها , رفعت عينيها فرأت الندم في ملامحه , لكنه شدها وقال:
" نعم, كنت أحبك حينذاك , كما سأخبرك الى الأبد , يا قلبي العزيز , كن أغار من لويس , وكنت فاقد الأمل من أستعادة بصري, لكن لا شيء يمكن أن يعادل العذاب الضاري الذي كنت أشعر به أمام فكرة أن أخسرك!".
أخذها بين ذراعيه وعانقها من جديد بحرارة ولهفة ... ولم تشعر فلورا بأنقطاع السلسلة حول عنقها وبسقوط الميدالية الزرقاء , وتبشر ما كان منقوشا عليها بأستثناء كلمتين فقط متحدا ن.... دائما!...".


تمت

posy220 07-08-09 07:37 AM

:rdd12zp1: على الروووووووووووووووعه مووووووووووووووووت والتعب:55:

مجهولة 11-08-09 05:52 PM

تسلموا على ردوكم الرائع


الساعة الآن 03:58 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية