نظر إليها و قد ازداد وجوما و قال :
ـ منير على علاقة بإمرأة أخرى تطلعت إليه بدهشة مرددة : ـ منير ؟! مستحيل !!! ( وجدى) : ـ و لماذا مستحيل ؟و هل هذه هى المشكلة الأولى بينهما ؟ ( نجلاء) : ـ نعم أعرف أن هناك العديد من المشاكل و الخلافات التى لا تنتهى بينهما و لكن لم يتطرق إلى ذهنى أبدا أن يكون ( منير) على علاقة بأخرى ( وجدى) : ـ من هم على شاكلة ( منير) لا تستبعدى عنهم أى شئ ( منير) إنسان وصولى و هذا ما وجدته فيه منذ البداية و منذ أن وطئت أقدامه مصنعى و الإنسان الوصولى الذى يسعى وراء الغاية بأية وسيلة كانت يمكنه أن يفعل أى شئ و لقد أعلنت رأيى هذا و قلته للجميع منذ الوهلة الأولى و لكن ( هالة) كانت تحبه و استكانت أمها لرغبتها فى الزواج منه فلم يكن أمامى إلا الرضوخ و لم أرد أن أبدو أمامهما متعنتاً و هذه هى النتيجة : ـ أسرة كاملة مهددة بالانهيار بسبب نزوة شخص وصولى و أنانى مخادع ( نجلاء) : ـ ليس هذا هو المهم الآن .. المهم كيف ستعالج الموقف ؟ زفر ( وجدى) بضيق قائلاً : ـ لا أعرف و لكن الأمور ستتضح حينما أقابله غدا ( نجلاء) : ـ حاول أن تسيطر على أعصابك و تذكر أن الحكمة مطلوبة فى معالجة مثل هذه الأمور فهناك زوجة و أولاد و بيت قال بمرارة و هو يضرب بقبضته على الجدار : ـ و كأننى فرغت من كل ما ورائى من مشاكل حتى تبرز لى مشكلة ( هالة ) و زوجها أيضا و اقتربت منه ( نجلاء) لتحيط ذراعه بيدها فى حنان و هى تحاول امتصاص انفعاله قائلة : ـ تذكر أنك أخوها الوحيد و ليس لها سواك لتلجأ إليه فى معالجة مشاكلها و الآن تخلص من هذه التقطيبة المرتسمة على وجهك و حاول أن تبدل بها ابتسامة لطيفة قبل أن تدخل إلى الردهة فلا يعقل أن تقابل ضيوفك و أنت واجم هكذا استمع إلى نصيحتها و ابتسم و لكنها كانت ابتسامة عجيبة ابتسامة ألم 6 ـ طريق النجاح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ استدعى ( وجدى) المهندس ( منير) إلى مكتبه و مضت لحظات قبل أن يصل (منير) إلى المكتب و هو يخطو بخطوات تدل على لامبالاة و تحد حقيقى قائلا ً : ـ هل طلبتنى ؟ و دعاه ( وجدى) إلى الجلوس قائلا ً : ـ اجلس و جلس ( منير) على المقعد المواجه لمكتب ( وجدى) واضعا ساقا فوق أخرى و هو مستمر فى مظهره اللامبالى فسأله ( وجدى) و هو يحاول أن يسيطر على أعصابه : ـ ما الذى حدث بينك و بين ( هالة) هذه المرة ؟ قال ( منير) بتعال : ـ ألم تخبرك أختك ؟ ( وجدى) : ـ بلى أخبرتنى و لكنى كنت أفضل أن أسمع منك أنت و لكنك لم تكن موجودا بالمنزل أمس ( منير) : ـ و لن أكون موجودا فيما بعد ( وجدى) : ـ هل صحيح أنك على علاقة بإمرأة أخرى ؟ ( منير) : ـ نعم .. هذا صحيح تماما و أنا فى طريقى للاقتران بهذه المرأة و احتد ( وجدى) قائلا : ـ هل بلغت بك الجرأة و التبجح أن تقول لى هذا بتلك الطريقة المباشرة قال ( منير) بسخرية : ـ حسنا قل لى الطريقة التى تفضلها لكى أطلعك على الأمر ( وجدى) : ـ هل نسيت أنك زوج أختى ؟ استدار ( منير) يواجه ( وجدى) و فى عينيه غضب جامح قائلا : ـ كلا لم أنس هذه الحقيقة أبدا يا ( وجدى) بك فالسيدة أختك تذكرنى بها دائما تذكرنى أنك الحاكم الآمر فى هذه المدينة و تذكرنى بأنه من حسن حظى و من طالع سعدى أننى قد تزوجتها لأصبح صهراً للمليونير المحترم ( وجدى منصور) صاحب الأفضال العديدة على بدءا من تعيينى فى مؤسسته و انتهاء بذلك الراتب الشهرى الإضافى الذى يدفعه لى فوق راتبى من الؤسسة للانفاق منه على أسرتى و الظهور بالمظهر اللائق و الذى يتناسب مع مصاهرة رجل مرموق مثلك و ليست هى وحدها بل أنت أيضا .. أنت أيضا لم تتوان عن تذكيرى بذلك و تعداد الامتيازات التى حصلت عليها بفضل زواجى من أختك قال ( وجدى) و هو يتراجع بمقعده إلى الوراء : ـ أليست هذه هى الحقيقة ؟ كان يتعين عليك و هى واضحة أمامك وضوح الشمس أن تكون أكثر حفظاً للجميل و أكثر مراعاة لمشاعر الرجل الذى حقق لك ما لم تكن تحلم به فقد جئت إلى هذه المدينة مهندسا صغيرا لا يجد عملا و العمل الوحيد الذى استطعت الحصول عليه هو وظيفة مندوب مبيعات لبعض المحال التجارية إلى أن بدأت تنسج شباكك حول ( هالة) مستغلاً عواطفها الساذجة و قلة خبرتها فى الحياة و استطعت التأثير عليها لتدفعنا إلى الموافقة على زواجك منها و لم يكن من المقبول بالطبع أن أدع زوج أختى يعمل مندوبا للمبيعات فكان أن عينتك مهندسا فى مؤسستى و منحتك سيارة و منزلا ً و امتيازات لا يحلم بها أى مهندس كبير سبقك فى التخرج بعشرات السنين ( منير) : ـ لا تقل لى أنك فعلت هذا من أجلى بل و لا حتى من أجل أختك بل فعلته من أجل نفسك من أجل وضعك الاجتماعى و المادى و طموحاتك التى لا تنتهى فعندما لم تستطع أن تمنع زواجى من أختك بالرغم من معارضتك الشديدة أصبح من المتعين عليك أن تعمل على وضع ذلك الزوج ـ المفروض عليك ـ فى المكانة التى تتلائم مع اسم و مكانة وجدى بك |
التى تتلاءم مع اسم و مكانة ( وجدى بك منصور)
( وجدى) : ـ ليكن أننى فعلت هذا من أجل نفسى و لكنك لا تستطيع أن تنكر أنك قد استفدت من ذلك و أنك كنت تسعى من أجل ذلك ( منير) : ـ إننى لم أنكر قيمة مساعداتك لكنك لا تستطيع أن تقول إننى لم أعمل بجد و اخلاص فى مصنعك و أننى عملت بجهد و كفاءة لأثبت لك أنك لم تخطئ فى تعيينى بمؤسستك و أننى كنت أستحق الراتب الذى أحصل عليه إذا ما تغاضينا عن الامتيازات الاخرى التى عادت بعض فوائدها بلا شك على أختك و أولادها الأخرون لم ينظروا إلى كفاءتى و أخلاصى قدر نظرتهم و تغامزهم على كونى صهر رئيس المؤسسة و أن كل ما أناله من امتيازات راجع إلى هذه الصلة لقد أنكروا على كفاءتى بسببك حتى أنك لم تحاول أن تقدرها حق قدرها و أنت تتشاغل دائما بتعديد أفضالك و حسناتك على و كل هذا كان من الممكن تحمله و التغاضى عنه لكن ما لم أستطع تحمله هو أن يمتد ذلك إلى بيتى و إلى زوجتى و أمام أولادى قال ( وجدى) بجمود و كأنه معتاد سماع ذلك : ـ هذا ليس جديدا بالنسبة لك و أنت تعرف طباع ( هالة) و تعرف جيدا أنها لا تعنى دائما ما تقوله و إنما هى انفعالات الغضب و أعتقد انه كان لها كل الحق هذه المرة فى انفعالاتها و فى ما قالته ما دام الأمر يتعلق بوجود امرأة أخرى فى حياتك ( منير) : ـ لا ليست المشكلة مشكلة انفعالات و مشاعر غاضبة المشكلة الحقيقية هى أنك أنت و أختك لم تستطيعا أن تقتنعا أو تفهما أبدا أننى أحببت ( هالة) أحببتها حقيقة و تزوجتها من اجل ذلك كنت بحاجة إلى عمل جيد و إلى راتب جيد و كان لى الكثير من الطموحات مثل أى شاب آخر هذه حقيقة فلكل منا طموحاته المشروعة لكن الحقيقة أيضا هى أننى أحببت (هالة) أحببتها بإخلاص و تمنيت أن تكون زوجتى بغض النظر عن كونها أختك و دون أن يكون لذلك أى صلة بك لم تكن ( هالة) بالنسبة لى أبدا سلما للصعود إلى أعلى لقد فرحت بما قدمته لى من مساعدة و عاهدت نفسى على أن اعمل لك بإخلاص و جد يتناسبان مع ما قدمته لى من خدمات كما عاهدت نفسى على أن أكون زوجا وفيا و مخلصا لزوجتى التى هى أختك و أن أكون جديرا بالمنصب الذى حصلت عليه و بالزوجة التى أحببتها و لكنك لم تتوقف أبدا عن النظر إلى كرجل وصولى و أن السبب الحقيقى وراء اقترانى بأختك هو الحصول على مزايا مصاهرة ( وجدى بك منصور) أشهر أثرياء بورسعيد و ظللت تغذى أختك بهذا الاعتقاد الخاطئ الذى استقر فى وجدانك حتى تمكنت فى النهاية من ترسيب هذه الفكرة بداخلها أو على الأقل استغلالها فى النكاية بى كلما احتدم خلاف بيننا ( وجدى) : ـ ليس هذا هو موضوعنا الآن المهم أن تسرع بقطع علاقتك بهذه المرأة التى عرفتها فورا و بعد ذلك نبحث فى كيفية تصفية آثار فعلتك هذه و حل مشكلتك مع ( هالة) أجابه ( منير) على الفور : ـ آسف إننى لن أقطع علاقتى مع هذه المرأة بأى حال من الأحوال فقد قررت الاقتران بها قال ( وجدى) و هو يجتهد للسيطرة على أعصابه : ـ و (هالة) و الأولاد ؟ رد ( منير) بهدوء : ـ إننى تحت أمركما إذا أرادت أن تبقى على ذمتى فأنا مستعد و لن أقصر فى واجبى نحوها و نحو الأولاد و إذا أرادت الطلاق فلن أمانع و أنا مستعد أيضا للقيام بما على من التزامات فى هذه الحالة قال ( وجدى) و قد أطلت من وجهه ملامح الغضب : ـ هل أنت مستعد لتحمل عواقب الأمر ؟ ( منير) : ـ لقد فكرت كثيرا و مستعد لتحمل جميع النتائج ( وجدى) : ـ سأفصلك من العمل ( منير) : ـ أعرف هذا ( وجدى) : ـ وسأسحب منك السيارة و أطردك من المنزل و أحرمك من أية امتيازات أخرى حصلت عليها بواسطتى ( منير) : ـ أعرف هذا أيضا و قد كتبت بنفسى الاستقالة و تركتها لدى مدير شئون العاملين ليعرضها عليك بعد خروجى من هنا و تناول من جيبه سلسلة مفاتيح قدمها قائلا ً : ـ و هذه هى مفاتيح السيارة و المنزل ونهض واقفا و هو يقول : ـ و على كل حال أشكرك على كل ما منحته لى من خدمات و ما قدمته لى من مساعدات و الآن اسمح لى أن اجمع أوراقى من المكتب و هم بالانصراف لكن ( وجدى) نهض من مقعده و هو يناديه بحدة : ـ انتظر وقف ( منير) بجوار الباب و على وجهه امارات التصميم فى حين قال ( وجدى) : ـ إنك لا تدرى أية حماقة تلك التى ترتكبها لو كان الأمر بيدى لسعيت مخلصا لإتمام هذا الإنفصال فأنا مازلت أراك غير جدير بأختى و لكن الأولاد لابد من ايقاف هذه الحماقة من أجل أبنائكما ( منير) : ـ إننى أفعل هذا حتى لا أفقد احترامى أمام أبنائى لا أريد أن أرى فى نظراتهم فى المستقبل ما اراه فى عينيك و عينى ( هالة) الآن لا أريد منهم أن ينظروا إلى أبيهم على أنه ذلك الرجل الوصولى الذى تزوج من أمهم ليصبح عالة عليها و على خالهم و سيأتى وقت يدركون فيه هذا و على كل حال فأنا لا أنوى التخلى عنهم كما لا أنوى أن أحرمهم من امهم اطمئن يا ( وجدى) بك لقد فكرت فى كل شئ و ما أفعله لصالح الجميع أشار إليه ( وجدى) بسبابته قائلا : ـ إننى أحذرك فأنا .... لكن ( منير) قاطعه بهدوء قائلا : ـ آسف لقد انقضى أوان التحذير ثم فتح الباب ليغادر الغرفة و أسقط فى يد ( وجدى) فتهالك فوق مقعده و هو ينظر إلى الباب المغلق فى وجوم ثم لم يلبث أن انتفض قائلا فى انفعال : ـ سأجعلك تندم .. سأعرف كيف أجعلك تندم على هذا و لكنه سرعان ما تمالك نفسه ليتحول انفعاله إلى قلق و خوف و هو يردد قائلا لنفسه : ـ هذا الطلاق سيكون له أثر سئ على ترشيحى للانتخابات فلا شك أن البعض سيحاول استغلاله ضدى و عاد يقف من جديد و هو يدور حول مكتبه قائلا : ـ لا .. لابد من منع هذا الطلاق بأى ثمن إننى لن اسمح لشخص وضيع كهذا أن يؤثر على سمعتى و مستقبلى السياسى لابد من حسم هذا الخلاف بأى ثمن لابد أن أجد وسيلة لذلك و توقف عن التفكير برهة ثم عاد يتوقف أمام صورته الموضوعة على المكتب و قد ارتسمت على وجهه ملامح الازدراء فجأة لقد بدا كما لو كان قد انتبه إلى حقيقة نفسه بغتة فالمسألة إذن ليست مسألة خوفه على أخته و قلقه على أبنائها إنه فى الحقيقة يفكر فى نفسه و فى تأثير طلاقها من زوجها على سمعته و على الانتخابات التى ينوى خوضها حتى فى مثل هذا الموقف العصيب و هو يرى حياة شقيقته الزوجية فى طريقها إلأى الانهيار لم يحاول أن يعالج هذا الصدع من أجلها و من أجل أبنائها برغم أنه كان صاحب تأثير ـ بلا شك ـ على هذا الانهيار بل كان يعالج الأمر من مصلحته الشخصية و كان يفعل ذلك حتى دون وعى منه فأنانيته سيطرت عليه و خوفه على نفسه و أطماعه جعلا كل خطواته و افعاله دائما تتحرك بآلية فى الوجهة التى تخدم مصالحه الشخصية و لكن هذه هى شخصيته و هكذا أصبح إنه رجل أعمال و يسعى لهدف سياسى و فى السياسة و دنيا الأعمال لا مجال للعواطف فالأنانية جزء من النجاح و حب الذات هو الذى يساعد على التقدم إلى الأمام فلا مجال لمحاسبة النفس و لا لتأنيب الضمير و أيا كان الأمر و سواء كان يعمل من اجل نفسه أو من أجل أخته فهذا الطلاق يجب ألا يتم لصالح الجميع أبدا * * * * |
مشكـورة اختي كثيير على هذا الجزء و نترقب منك جزء آخر من القصة ^_^ |
اقتباس:
7 ـ لمسة أبوية ــــــــــــــــــــــــــــــ أخذ ( منصور) يلهث من شدة التعب و هو يركض وراء ( وائل) و أولاد ابنته يتحاور و يلعب معهم فى الحديقة و قد تعالت ضحكاته و ضحكاتهم ثم لم يلبث أن توقف عن اللعب قائلا : ـ كفى يا أولاد هذا يكفى اليوم فقد تعبت تشبث أحد ابناء ابنته بجلبابه قائلا : ـ كلا يا عم عبده نريد أن نلعب معك الكرة ضحك قائلا : ـ هل تظنوننى صغيرا مثلكم ؟ لقد تجاوزت الستين قال ( وائل) : ـ و لكنك تجارينا فى اللعب ببراعة احتضنه ( منصور) قائلا : ـ هذا لأننى أحبكم و أسعد بمشاركتكم اللهو تناول احد الأولاد يديه و هو يجذبه إلى الفناء الصغير بالقرب من الحديقة قائلا فى الحاح : ـ إذن هيا بنا نلعب الكرة و فى أثناء ذلك لمح ( منصور) ابنته و هى تتخذ لنفسها ركنا قصيا من الحديقة لتجلس فوق أحد المقاعد و قد بدت امارات الحزن واضحة فى عينيها فقال للأولاد و هو يراقب ابنته : ـ أعدكم باللعب معكم بعد قليل و لكن الآن عليكم باستذكار دروسكم أولا و سوف أنادى عليكم بعد ساعتين لاستئناف اللعب معا قال له أحد الأولاد محتجا : ـ كلا نريد ان نلعب معك الآن اصطنع ( منصور) الصرامة على وجهه قائلا : ـ هأنتم أولاء قد بدأتم تغضبوننى لأنكم لا تسمعون الكلام فاذا لم تعودوا إلى الفيلا الآن لاستذكار دروسكم فسوف أخاصمكم و أتوقف عن مشاركتكم اللعب قال ( وائل) سريعا : ـ كلا يا عم ( عبد التواب) إننا سنسمع كلامك قالت الطفلة الصغيرة : ـ و لكنى أريد أن العب الآن قال ( وائل) وهو يتناول يد الصغيرة : ـ هيا نعود إلى الفيلا و إلا خاصمنا عم عبده و امتنع عن اللعب معنا تقدمت الصغيرة من ( منصور) لتمسك جلبابه قائلة : ـ هل ستخاصمنا حقا يا عم عبده ؟ جثا الرجل على احدى ركبتيه ليحضن الصغيرة و هو يضم معها بقية الأبناء إلى صدره فى حنان قائلا : ـ لا أظن أننى أستطيع أن أفعل ذلك أبدا قال أحد الأبناء و هو يلقى برأسه على كتف ( منصور) : ـ إننا نحبك كثيرا يا عم عبده مسح الرجل على رأس الطفل فى حنان قائلا : ـ و أنا أيضا أحبكم كثيرا .. كثيرا جدا أكثر مما تتصورون سمع الجميع صوتا يقول : ـ و مع ذلك فيجب أن تنفذوا ما قاله لكم عم عبد التواب و تعودوا إلى المنزل للاستذكار و إلا غضبت أنا ايضا منكم فوجئ ( منصور) باقتراب زوجة ابنه فهب واقفا و هو يقول فى حرج : ـ أهلا بك يا هانم راقبت ( نجلاء) انصراف الأبناء عائدين إلى الفيلا ثم التفتت إلى ( منصور) تحدجه بنظرات نفاذة و كأنها تريد أن تنفذ إلى أعماقه قائلة : ـ أرى أن الأولاد قد أصبحوا يقضون معك وقتا طويلا على حساب استذكارهم و لا أحب أن تشجعهم على ذلك قال ( منصور) : ـ انا آسف يا هانم و لكن صدقينى إننى أحثهم دائما الاستذكار و كل ما هنالك أننى أشعر بأنهم كما لو كانوا أبنائى أو أحفادى فأقضى معهم بعض الوقت فى اللهو و الترويح قليلا ظلت ( نجلاء) تحاصره بنظراتها و هى تقول : ـ لقد لاحظت أنك أصبحت متعلقا بهم كثيرا قال سريعا : ـ جدا ...جدا يا هانم ( نجلاء) : ـ و هم أيضا أصبحوا شديدى التعلق بك ( منصور) : ـ بارك الله فيهم إنهم كالملائكة ( نجلاء) : ـ و لكن ماذا ستفعل إذا ما غادرت ( هالة) و أبناؤها الفيلا ذات يوم ؟ ( منصور) : ـ سأفتقدهم كثيرا و لكننى سأحاول زيارتهم من آن لآخر إذا ما أذنتم لى و أذنت لى (هالة) هانم ( نجلاء) : ـ ألا ترى ذلك غريبا بعض الشئ ؟ ( منصور) : ـ لست أدرى ياهانم ماذا تعنين ؟ (نجلاء) : ـ أعنى ذلك التعلق الشديد الذى يجمع بينك و بين الأولاد ( منصور) : ـ ليس فى ذلك ما يثير الاستغراب .. رجل عجوز وحيد حرم من الأبناء أسعده وجود هؤلاء الملائكة الصغار حوله فبادلهم حبا بحب و أصبح شديد التعلق بهم هزت ( نجلاء) رأسها و كأنما تحاول أن تقنع نفسها بما قاله مرددة : ـ نعم .. الأمر على هذا النحو يبدو منطقيا صممت برهة ثم عادت تقول : ـ و لكن ... سألها ( منصور) : ـ و لكن ماذا ؟ (نجلاء) : ـ لا أعرف لماذا ينتابنى احساس بأن الأمر ينطوى على شئ أكثر من هذا ؟ ( منصور) : ـ و ما الذى يمكن أن تنطوى عليه علاقتى بهؤلاء الصغار أكثر مما قلته ؟ قالت ( نجلاء ) بعد برهة من التردد : ـ الأمر لا يتعلق بالصغار فقط و لكن بالكبار أيضا ( منصور) : ـ لا أدرى ما الذى تقصدينه يا هانم ؟ قالت ( نجلاء) و فى صوتها شئ من العصبية : ـ أقصد تلك المحادثات الجانبية و الهمس الذى يدور بينك و بين ( وجدى) فى كثير من الأحيان و الذى يتوقف على الفور حينما تريانى مقبلة .. هناك أمور خفية لا افهمها تربط بينك و بين زوجى (منصور) : ـ عفوا يا هانم أؤكد لك أن الأمر لا يعدو كونه مصادفة قالت متهكمة : ـ مصادفة ؟! على كل حال سيأتى اليوم الذى أعرف فيه تلك الحقيقة التى تسعى إلى اخفائها و السبب الحقيقى الذى جاء بك ( وجدى) من أجله إلى هنا ثم تركته و انصرفت ووقف ينظر إليها بقلق ثم قال لنفسه : ـ يبدو أننى لم أكن حريصا بالقدر الكافى فقد بدأت الفت الأنظار و هذا سيضر حتما بووجودى و لكنه سرعان ما توقف عن هذا التفكير ووقف يراقب ابنته الحزينة و قد آلمه لأن يرى فى عينيها تلك النظرة الشاردة و يبدو أن الإبنة قد لاحظت وجوده فنظرت إليه بدهشة ممزوجة بالغضب قائلة : ـ أكلما ذهبت إلى مكان أراك ورائى و أنت تحملق فى هكذا ؟ اقترب منها قائلا و فى صوته نبرة اشفاق : ـ عفوا يا بنيتى و لكننى أكره أن أراك حزينة هكذا أثارت كلمته انفعالها فقالت : ـ و من قال لك أننى حزينة ؟بل من أعطاك الحق فى أن تتدخل فى أحاسيسى على هذا النحو ؟ ( منصور) : ـ إننى أعدك مثل ابنتى تماما و كنت أفكر إذا ما كان بإمكانى مساعدتك بشئ ما قالت و قد زاد انفعالها : ـ لكننى لا أرضى أن تكون بمثابة أب لى فأنت هنا حارس لهذه الفيلا فقط هل تفهم ؟ أطرق برأسه قائلا فى أسى : ـ نعم ..أفهم آسف يا (هالة) هانم قالت و هى مستمرة فى انفعالها : ـ حسنا و الآن و قد فهمت هل تتكرم بمغادرة هذا المكان و تتركنى بمفردى ؟ رد عليها قائلا : ـ حسنا كما تحبين سأتركك بمفردك و لكن تأكدى أننى سأكون مستعدا دائما لعمل أى شئ تريدينه منى و التدخل لمساعدتك على أى نحو أيا كان الأمر ازدادت حدتها و هى تقول : ـ و من قال لك أننى أريد مساعدتك ؟ و من تكون أنت حتى تمد لى يد المساعدة ؟ أجابها بإنكسار : ـ رجل بسيط و عجوز لكنه مستعد أن يجود بحياته فى سبيل اسعادك و استدار عائدا ليتركها بمفردها و هى تنظر إليه باستغراب و دهشة لماذا يبدى هذا الرجل كل هذا الإهتمام المبالغ فيه نحوها ؟ إنه يبدو صادقا و مخلصا فيما يقول بالفعل و هناك نبرة حنان و تعاطف أبوى فى صوته و هو يخاطبها و كذلك معاملته لأبنائها إنها تلمس فيها ذلك الحنان و الحب الأبوى ايضا هل يكون سببه حرمانه من الأبناء ؟ أم ان الرجل من النوع العاطفى الذى يتجاوب سريعا مع آلام البشر و أحزانهم و يسعد بإسعاد الأخرين ؟لكن ملامحه لا تدل على ذلك و قد كانت الملامح هى التعبير الحقيقى عما تختزنه قلوب الأخرين ؟ إنها تشعر كلما التقت به أنه يكن لها فيضا من المشاعر و من الغريب أنها هى نفسها تشعر بهذا الإحساس الخفى نحوه و هو احساس يدهشها و يثير توترها أتكون هى الأخرى قد وجدت فيه ذلك الأب الذى فقدته و هى طفلة صغيرة لا تتجاوز الثلاث سنوات ؟ و تمتمت لنفسها قائلة : ـ نعم أبى ليته كان موجودا الآن من المؤكد أنه كان سيفهمها و يحس معها محنتها و يقف إلى جوارها فهى فى طريقها إلى أن تفقد ( منير) تفقد زوجها و تفقد معه الحب و الرعاية و المنزل الذى ضمهما و أولادهما بسبب تلك المرأة الأخرى التى تسللت إلى حياتهم لتدمرها و لكن ما ذنبها ؟ الذنب ذنبه هو الذى خانها و باع حبها له هو الذى قرر أن يضحى بها و ببيته و أولاده من أجل تلك المرأة بل و الأكثر من ذلك فهو يتبجح بأنها كانت مسئولة عن ذلك و أنها أذلت كبريائه و كرامته فدفعته نحو تلك المرأة دفعا و يالها من مبررات تلك التى يتخذها أولئك الأزواج الخائنين ليبرروا بها خيانتهم و جرمهم فى حق أسرتهم و ارتسمت على ملامحها بعض معالم الإحساس بالذنب و هى تردد قائلة : ـ و لكن أليس فيما قاله لى و لـ(وجدى) جزء من الحقيقة ؟ إنها بالفعل لم تتوقف عن معاملته بصلف و كبرياء على الرغم من الحب الكبير الذى جمع بينهما لقد سيطرت عليها فكرة أنه يستغلهاو يستغل نفوذ أخيها و لم تستطع أن تقاومها بالرغم من أنها كانت مقتنعة تماما بأنه يحبها و كان يحبها لذاتها يوم وافقت على الإقتران به و تحدت رأى أخيها فيه و فى أنه انسان وصولى لا يهدف من وراء اقترانه بها سوى تحقيق مصلحته لكن من الغريب أنها سرعان ما استسلمت لهذا الرأى تماما بعد زواجها منه و ربما كان السبب فى ذلك هو اهتمامه البالغ بعمله على حسابها و طموحه المغالى فيه و تلك المزايا التى أخذ يحصل عليها من أخيها كما كان لاستمرار ( وجدى) فى العزف على تلك النغمة و تأكيده المستمر بأن ( منير) ليس سوى شخص وصولى اتخذ من زواجه منها وسيلة لتحقيق مصالحه الشخصية كان لذلك أثره فى تثبيت هذه الفكرة فى راسها و اتخاذها وسيلة لمهاجمته كلما حدثت مشاجرة بينهما أو كلما لاحظت انصرافه عنها و اهماله لها عما كان عليه قبل الزواج ربما كانت قد أخطأت و ربما كان يتعين عليها أن تنظر غلى زوجها نظرة أخرى مختلفة عن تلك التى ترسبت فى نفسها و لكن أيا كان الأمر فهى لن تغفر له أبدا خيانته له و تضحيته بها و بأبنائه من أجل تلك المرأة الأخرى التى سمح لها أن تدخل حياته و سرعان ما انحدرت عبرة فوق وجنتيها و هى تعض على شفتيها قائلة لنفسها بأسى : ـ المشكلة هى أننى مازلت أحبه بالرغم من كل شئ و لا أطيق فكرة ابتعاده عنى نعم هذه هى الحقيقة التى لا استطيع أن اعترف بها لأحد سوى نفسى و صدرت عنها تنهيدة قوية كما لو كانت تشق صدرها شقا و هى تقول : ـ آه يا أمى ليتك كنت إلى جوارى الآن و لم يفرق بيننا الموت فأنا بحاجة إلى صدرك الحنون يضمنى إليه ..بحاجة إلى ان اشكو لك همى و افرغ فى أحضانك حزنك أنت وحدك كنت ستفهميننى و تعملين على سعادتى فـ ( وجدى) لا يفكر إلا فى نفسه و يعالج الأمر بأنانيته المعهودة كما أنه لن يستطيع ان يحس بى أو يفهمنى أبدا و أنت يا أبى أين أنت ؟ أين ذهبت و تركتنى ؟ لماذا تخليت عنا هكذا كل هذه السنين دون أن تبحث عنا و تحيطنا برعايتك ؟ أنا بحاجة ماسة إليك أحى أنت أم ميت ؟ و غذا كنت حيا فكيف هان عليك ابنائك لتتخلى عنهما هكذا ؟ إننى لا أتذكرك بل لا أتذكر ملامحك و لم أعش فى كنفك من السنين ذلك القدر الذى يمكن أن يجعلنى افتقدك و لكننى لا أدرى لماذا اشعر بأننى افتقدك حقيقة و أبحث عن وجودك كلما نظرت فى وجه ذلك الرجل العطوف ( عبد التواب) و أحس بصدق لمسته الأبوية نحوى و سمع ( منصور ) عددا من الطرقات على باب غرفته فنهض متثاقلا من فوق سريره ليفتح الباب حيث وقف ينظر فى دهشة إلى (هالة) و هى تقف أمامه و فوجئ بها تنتحب قائلة : ـ عم عبده إننى بحاجة لأن أطرح عليك همومى ؟ و تفجر فى أعماقه ذلك الينبوع تفجر غزيرا عميقا 8 ـ الخطيئة و الثمن ــــــــــــــــــــــــــــــــ بقدر سعادته لأن ابنته لجأت إليه و أحس بدافع غريزى أنها فى حاجة إلى معاونته بقدر ما أحزنه ذلك الشعور بالعجز و عدم مقدرته على تقديم مساعدة حقيقية لها و أحس بقلبه يكاد ينفطر و قد رآها تتألم امامه على هذا النحو دون أن يقوى على فعل شئ فقد باءت كل محاولات ( وجدى) مع زوج شقيقته بالفشل و الأبناء لا يتوقفون عن السؤال عن ابيهم و الإبنة تحاول ارضاء كبريائها بطلب الطلاق فى حين يقول حزنها و دمعها شئ آخر و يشيان بمدى حبها لزوجها و لوعتها لفراقه لذا كان عليه أن يتدخل بأى شكل و أيا كانت المخاطرة لقد قرر أن يقوم بدوره كأب و مثل أى أب حريص على مستقبل ابنته و أولادها لابد أن يكون له دور و دور حقيقى لمساندة ابنته كان كل هذا يدور فى رأس ( منصور) و هو فى طريقه غلى ذلك المنزل الصغير الذلاى يقع فى احد ضواحى المدينة و الذى وقف يطرق بابه فى صمت حتى فتح الباب و ظهر ( منير) الذى نظر إلى ( منصور) بفضول قائلا : ـ ماذا تريد ؟ ( منصور) : ـ هل تسمح لى بالدخول ؟ تمعن فيه و قد بدا وجهه مألوفا و سمعه يقول : ـ ألا تعرفنى يا ( منير) بك ؟ ( منير) : ـ يخيل إلى أننى رأيتك من قبل .. آه تذكرت أنت ذلك الرجل الذى يعمل فى فيلا (وجدى منصور ) أليس كذلك ؟ ( منصور) : ـ بالضبط |
(منصور) :
ـ بالضبط قال ( منير) بجفاء : ـ و ماذا تريد ؟ ( منصور) : ـ أريد أن أتحدث معك قليلا ( منير) : ـ عن أى شئ ؟ ( منصور) : ـ اسمح لى بالدخول أولا و بعد لحظة من التردد تنحى ( منير) جانبا ليفسح له المجال للدخول و دخل ( منصور) و هو بغلق الباب خلفه حيث بادره ( منير) قائلا : ـ لقد قدمت لـ ( وجدى) كل متعلقاته لدى .. مفاتيح المنزل و السيارة و لم آخذ معى إلى هذا المنزل سوى حقيبة ملابسى فما الذى يريده منى بعد ذلك ؟ قال له ( منصور) بهدوء : ـ و من قال أنه يريد منك شيئا ؟ ( منير) : ـ إذا كانت ( هالة) مصرة على الطلاق فسوف أرسل لها ورقة طلاقها هذا الأسبوع قل لهم هذا رد عليه ( منصور) دون أن يتخلى عن هدوءه : ـ لم آت من أجل هذا أيضا قال ( منير) و قد بدا نافد الصبر : ـ إذن فلماذا أرسلوك إلى ؟ ( منصور) : ـ إن أحدا لم يرسلنى إليك لقد جئت لمقابلتك من تلقاء نفسى نظر إليه ( منير) بدهشة قائلا : ـ لماذا ؟! ( منصور) : ـ لأمنعك من ذلك الخطأ الكبير الذى تنوى أن ترتكبه فى حق نفسك و حق زوجتك و أسرتك قال له ( منير) بسخرية و استهزاء : ـ تمنعنى أنت ( منصور) : ـ نعم أنا نهض ( منير) واقفا و هو يقول بانفعال : ـ اسمع أيها الرجل قل لمن أرسلوك أنه لا داعى لهذه المناورات و محاولة استخدام أمثالك مرة أخرى للتحايل فقد انتهى الأمر بالنسبة لى و سوف أغادر بورسعيد و معى زوجتى الجديدة خلال الأيام القليلة الماضية قال له ( منصور) بانزعاج : ـ هل تزوجت ؟ ( منير) : ـ و ما شأنك أنت ؟ ( منصور) : ـ أجبنى بالله عليك هل تزوجت من تلك السيدة الأخرى ؟ ( منير) : ـ سيتم كل شئ خلال اليومين القادمين تمتم ( منصور) قائلا : ـ الحمد لله لم يفت الأوان بعد قال له ( منير) : ـ على كل حال يمكنك أن تخبرهم بأن الأمر قد انتهى نظر إليه ( منصور) قائلا : ـ اسمع يا بنى تأكد أننى لم آت إلى هنا بناء على تكليف من أحد لقد جئت إليك من تلقاء نفسى لأناشدك الحفاظ على أسرتك و أبنائك و زوجتك جئت لأخاطب فيك احساسك بالابوة و المسئولية لكى لا تضيع كل شئ فى مقابل نزوة طارئة أو كبرياء مبالغ فيه فزوجتك و ابناءك هم الأبقى لك من كل شئ و هم الذين يستحقون منك أن تتحمل و تكابد من أجلهم قال ( منير) بانفعال : ـ و بأى حق تسمح لنفسك بالتدخل فى أمر كهذا ؟ إنك لست سوى أجير يعمل فى منزل ( وجدى) ( منصور) : ـ يمكنك أن تقول إن الواجب الإنسانى و فضل هذه الأسرة على هو الذى دفعنى إلى ذلك قال ( منير) متهكما : ـ حسنا إذا كان الأمر كذلك فقد أديت ما عليك من واجب نحو تلك الأسرة و نحو انسانيتك لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا لقد اتفقت مع تلك السيدة التى سأتزوجها و لن أخذلها ( منصور) : ـ و تخذل زوجتك و ابنائك ؟ ( منير) : ـ لقد خذلتنى زوجتى من قبل عندما لم تقدر حبى و استهانت بكرامتى كرجل ( منصور) : ـ لكنها تحبك و قد أحست بخطئها و هى تريد استعادتك ( منير) : ـ و ما الذى يجعلك متأكدا من ذلك ؟ ( منصور) : ـ ما أراه أمام عينى .. شرودها .. حزنها الدائم .. بكاؤها .ز صورك و خطاباتك القديمة التى تطالعها خلسة ( منير) : ـ هل طلبت منك ان تقول لى هذا لكى تؤثر على ؟ قال ( منصور) بغضب : ـ إنها لم تطلب منى أى شئ و هى لا تسعى للتأثير عليك على أى نحو بل إن كبريائها يجعلها تصر على الطلاق و إن كانت مشاعرها كما أراها تقول غير ذلك عاد ( منير) إلأى السخرية قائلا : ـ هل عينك ( وجدى) لحراسة منزله خفيرا أم شاعرا ؟ ( منصور) : ـ اسخر منى كما شئت لكن فكر فى الأمر راجع نفسك و لاتشتت شمل أسرتك و أبنائك فقد يأتى اليوم الذى تندم فيه أكبر الندم لأنك تسببت فى فك أواصر تلك الأرة الرائعة التى من الله بها عليك و تدرك أى جرم ذلك الذى ارتكبته فى حقهم و حق نفسك و قد يأتى هذا فى وقت لا ينفع فيه الندم قال ( منير) بغضب : ـ هل جئت إلى هنا لتلقى على محاضرة أخلاقية ؟ ( منصور) : ـ بل لأروى لك تجربة انسانية مؤلمة ( منير) : ـ لست مستعدا لسماع روايات فأنا مشغول ووقتى ضيق و الآن تفضل بالانصراف ( منصور) : ـ اسمع منى أولا و بعدها سأنصرف و لن تجد بعد ذلك من يقول لك كلمة واحدة فى ذلك الأمر الذى تنويه و لتستمر فيما اخترته لنفسك كما تشاء قال ( منير) متأففا : ـ تفضل قل ما عندك و لكن اختصر فوقتى ضيق ( منصور) : ـ منذ سنوات بعيدة كان هناك رجل متزوج من امرأة رائعة أحبته و أحبها و انجب منها طفلا و طفلة كانا كفيلين بأن يملأ عليه حياته و يسعداه و يكونا سندا له فى شيخوخته و النبع الذى ينهل منه الحب و الدفء و الحنان فى وحدته بعد ان انفض عنه الجميع لكن الرجل لم يقدر قيمة النعمه التى منحها الله له و جحد بها .. لم يقدر وقتها قيمة الزوجة و الأبناء و الأسرة و مسئوليته كأب نحوهم فترك نفسه لأصحاب السوء يصطحبونه إلى سهراتهم و يقودونه إلى رذيلة تعاطى المخدرات حتى تحول على ايديهم إلى مدمن فأهمل عمله و توقف عن الانفاق على أسرته بل ترك زوجته تعمل بدلا منه لتنفق عليه و على أولاده و ياليته قابل ذلك بشئ من التقدير و حرك فيه شيئا من نخوة الرجولة أو الاحساس بمسئولية الأب لكنه أحس بالعجز و الضعف امام زوجته و أولاده فدفعه ذلك إلى مقابلة حرصهم عليه و تحملهم له مع كل ما سببه لهم من هموم و متاعب بالمزيد من الأذى و القوة على زوجته الصابرة الوفية و على أبنائه و رفض كل محاولتها لمساعدته على العلاج و التخلص من ذلك الداء اللعين و أصبح يسلبها حتى تلك النقود القليلة التى كانت تجمعها من عملها لدى الأخرين و الإعانة التى كان يرسلها إليها أخوها و التى أراقت ماء وجهها من أجلها كى تنفق منها على اطعام اسرتها و تعليم أبنائها أخذ يسلبها تلك النقود و يستخدم فى سبيل ذلك كل ما يعن له من قسوة لكى ينفق منها على سهراته و رذيلة الإدمان التى تمكنت منه كان يشعر فى كل ليلة يعود فيها إلى منزله بالندم و يغلق على نفسه الباب ليبكى على نفسه آسفا على ما صار عليه الحال بالنسبة إليه و لأسرته ثم يقسم على أن يتوقف عن الرجوع إلى تلك العادة الرذيلة و أن يعود إلى عمله الذى أهمله و إلى ممارسة دوره كأب و أن يعوض زوجته و أولاده عن كل ما سببه لهم من متاعب و آلام لكن سرعان ما يجد نفسه فى الليلة التالية و قد نسى ما عاهد نفسه عليه و عاد إلى رذيلته المذمومة فقد كان أعجز من مقاومة ذلك الداء و بالرغم من محاولات شقيق زوجته لابعادها هى و اولادها عن ذلك الأب المدمن و شروره و اقناعها بأن تأتى لتعيش معه هى و اولادها لتبقى فى رعايته إلا ان الزوجة المخلصة التى لم تتوقف عن حب زوجها بالرغم من كل شئ كانت ترفض أن تتخلى عنه و تردد دائما بأن لديها أملا فى اصلاحه و عندما سمع الزوج ذات يوم شقيق زوجته و هو يهددها بقطع أية معونه عنها و عن أولادها ما لم تترك ذلك المنزل و تأتى لتعيش فى منزله تاركة ذلك الزوج المدمن جلس يفكر و هو ينصت إلى بكائها فى الغرفة المجاورة لقد كانت تحصل من أخيها على الجانب الأكبر من تلك النقود التى تنفق منها على نفسها و على أبنائها و امتناع اخيها عن معاونتها بتلك النقود سيعنى مزيدا من الشقاء و الحرمان لها و لأبنائها كان أمام أمرين إما أن يتوقف عن ذلك الداء الرذيل و يعود إلى عمله و ينفق على أسرته و هو ما حاول أن يجربه فعجز عن تنفيذه و إما أن يستمر فى تركه لأسرته تواجه ذلك الشقاء و يستمر فى قيامه بدور البلطجى الذى يستولى على النقود القليلة التى تتوافر فى المنزل من أجل الانفاق منها على المخدر و هو الشئ الذى كان يجد نفسه مضطرا إليه اضطرارا كانت مقاومته لنفسه و عودته إلى عمله باصرار و عزيمة من الأمور الشاقة و الصعبة خاصة بالنسبة لرجل مدمن و لكنه لم يكن أمرا مستحيلا إذا كان صادق العزيمة بالفعل و اذا كان لديه من الاخلاص ما يماثل زوجته و اصرارها على التحمل لكنه اختار الأمر السهل الذى لا يبعده عن المخدر الذى استولى عليه و فى نفس الوقت يمكن أن يكون عاملا مساعدا فى انقاذ هذه الأسرة فجمع حاجاته ذات ليلة و هجر المنزل .. هجره و لم يعد إليه أبدا كان يظن أنه بذلك يساعد أسرته و ينقذها من الضياع فلا يضطر إلى ممارسة دور البلطجى و استعمال القسوة و العنف كل ليلة للحصول على ثمن المخدر من النقود القليلة التى تتوافر لدى زوجته و فى نفس الوقت يتيح لها أن تعيش بجوار أخيها بعيدا عنه فى مناخ نظيف يمكن أن يوفر لها و لأبنائها حياة آمنة و سعيدة و مستقرة فلن يعود هناك مبرر لبقائها بعد رحيله و أحس أيضا أنه بذلك ينقذ نفسه من احساسه بمرارة العجز و الضعف و المهانة أمام زوجته و أولاده و التى كان يراها ماثلة فى عيونهم جنبا إلى جنب مع نظرة الكراهية التى كان يراها فى عينى ابنه الصغير كلما عامله أو عامل أمه بقسوة و كلما تصادف و رآه و هو يعود كل ليلة من سهراته فاقد الوعى و الاحساس و كما قلت لك : لقد اختار الطريق السهل لينقذ به أسرته و كبريائه المهانة و نظرات الكراهية فى عيون ابنه و هو طريق الهروب دون أن يلجأ إلى الطريق الصحيح الذى كان يمكن له به أن يحفظ كرامته و رجولته و يصون به أسرته و هو مقاومة النفس و الاصرار على التوقف عن ذلك الداء اللعين و اسلم ذلك الرجل نفسه إلى تجار السموم فتحول على ايديهم من مدمن إلى مروج ايضا إذ كان بحاجة إلى نقود يصرف منها على ادمانه و لم يكن أمامه سوى أن يعمل لحساب أولئك الذين يجرعونه السم إلى ان القى القبض عليه و أودع السجن و كان عليه بعد ذلك ألا يخرج من المنزل الذى ضمه و ضم أبنائه فقط و لكن من حياتهم أيضا و إلى الأبد إنه لم يجلب لهم سوى المعاناة و الشقاء و الالم فلا أقل من أن يبعدهم عن أية صلة تربطهم بأب وزوج مجرم يمكن أن يشينهم و هكذا قرر ان يبعدهم عن حياته و أن يصبح بالنسبة لهم ميتا و هو على قيد الحياة و لم يكن هذا بأى حال من الأحوال تضحية أو ايثارا منه بل كان عليه أن يدفع ثمن ما اقترفته يداه فى حقهم و بعد أن اصبح غير جدير بان يكون أبا و زوجا و رب أسرة و بعد أن اصبح لا يشرفهم لا فى ماضيهم و لا فى حاضرهم و لافى مستقبلهم و مرت سنوات .. سنوات طوال ذاق فيها ذلك الرجل مرارة الوحدة و الحرمان من أسرته و من دفء الحب و الحنان الذى يجمع بين كل رجل و زوجته و بين كل أب و ابنائه كان قد غادر السجن ثم غادر بعدها البلاد أيضا و بقى مستمر فى عهده مع نفسه ان يكون ميتا بالنسبة لهذه الاسرة و الا يظهر فى حياتها مرة اخرى على الرغم من شفائه من رذيلة الادمان و عودته إلى الحياة الشريفة كان بمقدوره ان يتزوج مرة ثانية و ان يكون له ابناء و لكنه قرر ان يدفع الثمن كاملا بالاضافة إلى أنه لم يحب طوال حياته ولم يكن قادرا على ان يحب غير زوجته التى تحملت من أجله الكثير و لكن ذات يوم شعر أن هذا أكثر من احنماله خاصة و قد تقدم به العمر و أحس بدنو اجله و بدا له انه قد كفر عن خطيئته فى حق أسرته بما يكفى و أنه قد آن الأوان ليلتقى بزوجته و أبنائه مرة أخرى بعد ان اضناه الفراق و بعد ان عاش كل تلك السنوات الطوال محروما من نعمة الأبوة لكن عندما عاد وجد انه لا يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء و انه سيبقى حتى اخر يوم من عمره يدفع ثمن خطاياه فالزوجة ماتت ناقمة عليه و الابن تنكر له و حكم عليه ان يبقى ميتا بالنسبة له و ابنته التى لاتعرف بوجوده حتى الان و كان عليه ان يتحمل ذلك الوضع فى مقابل ان يبقى على مقربة منهما فالابن لم يغفر له ذنبه و افهمه ان الأوان قد فات بالنسبة له لكى يستعيد دور الأب و انه ظهوره فى حياته و فى حياة الابنه مرة اخرى فيه ما يشينهما و هكذا كتب على الأب مرة اخرى ان يجرب مرارة الحرمان و لكنه حرمان اشد قسوة فليس هناك اقسى من ان ترى ابنائك امامك و انت محروم منهم محروم من ان تسمع منهم كلمة بابا تلك الكلمة السحرية التى يتمنى كل اب ان يسمعها من ابنائه و محروم من ان تضمهم إلى صدرك و من ان تشعر بحنانهم و حبهم و تشاركهم سعادتهم و احزانهم و احدهم يعرفك و ينكرك فى قسوة و الاخر يجهل انك ابوه و عند هذه النقطة صمت ( منصور) و انتهى حديثه |
الساعة الآن 09:54 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية