ربما كانت الأمور أقل تعقيدا مما تصورت ، الم تقرر تجاهل بويد ، والإحتفاظ بهدوء أعصابها امامه ؟ فلتتعامل مع فريزر بالأسلوب نفسه ، وتتغاضى عن غروره الطائش ، ولتجد طريقة معقولة للتفاهم مع مارك ، إنه يختلف عن الآخرين ، وهي لا ترغب في إيذاء مشاعره.
نظرت الى مارك وهو يغرق في صمت عميق ، كان صمته ينبىء بتوتّر دفين ، وأزمة حادة تضج في فؤاده ، ما اصعب هذا الموقف ، إنعقد لسانها فلم تنطق بكلمة واحدة. تمنت ان يزول التوتر مع صباح اليوم التالي ، فلتذهب الى الخيمة الآن ، وتاوي الى فراشها قبل غيرها ، إستدارت وتوجهت صوب خيمتها. " والى اين تذهبين ؟". رنّت الكلمات في أذنيها ثقيلة ، مخيفة ، كان فريزر يقف وراءها بقامته الشامخة. قالت بعجلة : " الى الفراش". " اعتقد أنك تسيرين في إتجاه خاطىء". أجابت بحذر: " لا ، لا أظن ، هل نسيت أن هذه هي الخيمة التي أتقاسمها مع مارك وبويد وبيتر؟". خالت كوري أنها في كابوس رهيب وهي تصغي الى جوابه: " أنا لا أنسى شيئا ، تلك كانت خيمة كولن ، وليست خيمة كوري". بدا فريزر في تلك الظلمة الداكنة شبحا مخيفا ، يبيّت نوايا خبيثة ، إن كلماته المبطنة تنذر بخطر داهم ، ولكن لن تدعه ينجح في تنفيذ خطته ، عليها الإحتفاظ برباطة الجأش ، وإفشال مؤامرته الجديدة. سالته بهدوء: " هل لديك خيمة أخرى؟". " نعم". " أية خيمة؟". تعمد تأجيل جوابه ، ليختلق جوا من الترقب والقلق ، جمدت في مكانها ، مصممة على عدم التفوه بحرف واحد لئلا تحقق مأربه. وما لبث أن قال بسخرية لاذعة: " خيمتي بالطبع". أجاب بوقار وكياسة: " شكرا على تلطفك وكرمك". وجلجل مقهقها : " تلطفي وكرمي؟". " لا شك أنك تضحي كثيرا عندما تقرر النوم مع الآخرين، وإخلاء خيمتك من اجلي". بلغت سخريته حدا لا يطاق : " يا عزيزتي كوري ، من قال لك انني أنوي التخلّي عن خيمتي ؟". إصطكت أسنانها ذعرا: " لأنك ..... لأن المسألة واضحة ، أنت قلت....". قال بعنجهية: " انا قلت أنك ستنامين في خيمتي ، وسأكون أنا هناك ايضا ". وصاحت بإضطراب: " كلا". فردّ بلهجة الآمر الناهي: " نعم ". " لا ، لن أنام في خيمتك". حاولت أن تفر منه وتلجأ الى مارك ، صديقها الذي سيدافع عنها ويحميها . قبضت على معصمها اصابع فولاذية ، وخالتها تكاد تمزق جلدها الطري وهي تنتفض محتجة: " دعني وشاني". " ستاتين معي". تملكها الغضب الشديد ، ولم تعد تبالي بشيء ، فصاحت: " لا يمكنك إجباري على الذهاب". فشدّ على معصمها بقوة: " يمكنني إجبارك على فعل أي شيء ". وراح يجرّها من يدها ، فلم يعد أمامها غلا طريقة واحدة لإنقاذ نفسها ، سيهرع مارك الى نجدتها إذا ما صرخت بأعلى صوتها ، وكذلك بيتر ، وربما بعض الرجال الآخرين. همّت بالصراخ ، ولكنه أحبط محاولتها ، مطبقا بيده الغليظة على فمها الصغير ، والحّ قائلا: " هلا اتيت معي بهدوء؟". هزت رأسها بعنف ، فعلّق واجما: " سأجبرك بطريقتي الخاصة ، وإياك ان تحتجي بعد ذلك". أرخى قبضته عن معصمها ، وإنحنى يرفعها عن الأرض كدمية خفيفة ، كان مفتول العضلات صلب الصدر ، عريض المنكبين ، أصيبت كوري بالدوار من الرجولة الخارقة، وسحر البطش الماحق ، ولم تلبث ان إستردت وعيها ، مدركة معنى ما يجري. فتحت فمها مرة اخرى تهم بالصراخ ، ولكنه خنق صوتها بقبضته العنيفة السريعة ، قاومته بكل قواها ، راحت تلكم بيديها ، وترفس يقدميها دون فائدة ، شدّها الى صدره ، فهبط قلبها في داخلها ، وهي تراه يهصر جسمها الطري هصرا ، وكأنه يريد أن يؤلمها ويعانقها في آن معا. وتمكنت أخيرا من عضّه ، فصاح: " يا لك من قطة شرسة!". امسك اطرافها بإحكام وحملها الى خيمته الغارقة في العتمة ، أغمضت عينيها وجلست مذهولة لا تقوى على الحراك ، القى بها ارضا ، كخرقة ممزقة ، وسمعته يقول: " حقا إنك إبنة جون لايتمر ، تصارعين حتى النفس الأخير ". إرتسمت إبتسامة شاحبة فوق شفتيها: " لا أعتقد أن والدي نال شرف عضك مثلي". أجاب بمرارة: " لا لم يعضّني باسنانه ، لكن لسانه عضّني مئات المرات ، لم يكن يتراجع عن رأيه حتى ولو أدرك أنه مخطىء". إرتسمت أمام كوري ، لبرهة خاطفة ، صورة والدها الهزيل ، تحيط به كتبه ، لقد فاته القطار الان ويعجز عن مواجهة رجل شاب قوي ، يفور نشاطا هكذا ترسخت قناعتها بضرورة تنفيذ مهمتها . قالت: وانا لا أتراجع عن رايي كذلك!". فكر فريزر مليا ، ثم إنحنى ورفعها على قدميها ، وصاحت: " دعني وشاني". " سمعا وطاعة ، ولكن بعد أن اوضح بعض الأمور". قرات في صرامة صوته عقلية لا تقبل أقل من الخضوع التام ، إنها تدرك مدى تطفّلها ، وفرض نفسها على شخص لديه مفاهيم محددة حول دور النساء ، ولكن لا يحق لفريزر إهانتها على هذا النحو ، لا لن تدعه يدوس على كرامتها ، وأكدت له: " أريد الحصول على صور الرسوم مهما كلف الأمر". " لا مانع لدي ، هذا إذا ما حسّنت سلوكك ... وإذا كانت الرسوم الصخرية موجودة". شمخت بأنفها: " أنا متأكدة من وجودها ". " لا شيء يثبت وجودها سوى عناد والدك ، وشهادة أحد عابري السبيل". " إن والدي يثق بعابر السبيل ، الرسوم الصخرية موجودة ولن أعود قبل تصويرها". |
قال بإمتعاض :
" إنك اسوأ من والدك ، كم هو عمرك يا كوري؟". " إثنان وعشرون عاما". " أكبر مما توقعت". وسالته وقد هدأ روعها قليلا: " إذن لديك فكرة عني؟". وإستانف لهجته الساخرة: بكل تأكيد ، أعرف عنك الشيء الكثير يا كوري لايتمر ". قضمت شفتها حائرة ، ها هو يعود الى الغمز واللمز ، لتغيّر مجرى الحديث : " كنت تنوي مناقشة مسالة معينة معي؟". ضحك هازئا : " أناقش؟ ليس عندأي مناقشة يا كوري ، بل مجرد أوامر ، أوامر نافذة ، نهائية". قالت بمرارة: " تعتقد أنك تستطيع معاملتي كيفما تشاء". فإنفرجت اساريره : " بالضبط ، إصغي اليّ جيدا يا كوري لايتمر ، والويل لك إذا رفضت ، سأعاملك مثل أي شخص آخر ، لا يهمني انك أنثى كما سبق لي القول ، وسوف تدعين رجالي وشأنهم ، وهو ما قلته لك أيضا ، إياك إستغلال عواطفهم ، يكفي ان مارك وبويد يتنافسان عليك". فضّلت تجاهل إستفزازاته: " ألهذا السبب نقلتني من خيمتهما ؟ لا شك أنك مهتم بسلامتي؟" فإستطرد ساخرا: " لا تكوني ساذجة ، إن لهما مطلق الحرية ، ولن اتدخل في شؤونهما الخاصة ، إن فتاة تلتحق برحلة كهذه لا تستحق تأمين سلامتها ". لاحظت أنه يتعمد جرح كبريائها بإستمرار ، نظرت اليه متعجبة : " ماذا إذن ؟ ما هو مبرر إخراجي من الخيمة؟". " إنتظر قليلا وقال: " لم أكن مهتما بسلامتك ، كل ما يهمني تامين راحة رجالي ، علي إتخاذ الإجراءات اللازمة قبل أن ينفجر الوضع بين بويد ومارك". ردت بإستهجان : " انت لا يمكنك تخيّل رجل بدون غرائز وضيعة مثل غرائزك ". " غرائز وضيعة ؟ لا يا عزيزتي ، إنها غرائز الرجولة ، وكلنا سواسية الحمد لهل". إلتهب الغضب في جوارحها : " أنت ابغض رجل رايته في حياتي ، ولا توجد قوة في الأرض تجبرني على النوم في خيمتك الليلة". هدّدها بفظاظة: " تعرفين ان لا فائدة من عصيان أوامري". " لا ، ليس هذا صحيحا". خطت الى الوراء مذعورة ، عازمة على الفرار ، سدّ باب الخيمة ، لا مجال للهرب ، قال لها: " لا مانع لدي ، من إثبات رأيي ثانية". كانت هذه المرة على اهبة الإستعداد عندما تقدّم نحوها ، قاتلت بشراسة القطة المحاضرة ، خمشت ، خدشت ، وكشفت عن أنيابها ، ولكن دون فائدة ، ظل كالطود الشامخ ترتطم فيه موجة ضعيفة . وسالها : " لماذا تقومين هكذا ؟ انصحك بالرضوخ وإطاعة اوامري ". فصاحت رافضة: " آه كم أكرهك ". " تكرهينني ؟ ما هذه المسرحيات ؟ هل عدنا الى عالم الأزياء ؟ أهكذا كنت تتصرفين مع أريك هوغن؟". رمت كوري براسها الى الوراء: " أريك ؟ من أخبرك عن أريك؟". " إن صحف مدينتكم ليست غريبة عليّ رايت بعض الصور المثيرة لكما معا". بلعت كوري ريقها ، إذن لقد رأى صورتها مع اريك ، في المطعم ، كم كانت حياتها آمنة آنذاك ، يا لسخرية الأقدار كيف تبدّل كل شيء ! وظل فريزر يحملق في عينيها وهي في حالة من الإرتباك الشديد. |
6- لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمّرتين على يدها وهي تلامس ذراع مارك ، اساء فهم دوافعها ، ومع ذلك ، شعرت بغبطة خفية.
سألته كوري بفارغ صبر: " اين سأنام الليلة؟". " ستنامين هنا". وصرخت بحدة: " إذن أنت تنام مع الآخرين". رد فريزر باسلوبه المعتاد: " لا ابدا ، لقد أوضحت موقفي ، ولكن إطمئني ، إنك في أيد أمينة ". تكوّمت كوري في الزاوية ، وتلحفت بما توفر من الأغطية والبطانيات ، وتظاهرت بالنوم ، لن تخلع ثيابها قبل أن تتأكد من غرقه هو الآخر في نوم عميق. ظل فريزر صامتا ، ثم سمعته يتنقل في الخيمة ، فخالته يستعد للنوم ، كانت قد أدارت ظهرها متحاشية النظر اليه أو رؤية وجهه المتعجرف وملامحه القاسية ، إنها لحظات مؤلمة ، تمزق قلبها المعذب ، وتقتل كل شعور بالصداقة والإخلاص في النفس البشرية. تاكد لها ان فريزر لا يعاني من أي عذاب أو صراع ماثل ، أخذ يصفر الحانا مختلفة وهو يطوف في الخيمة ، وكأن كل شيء على ما يرام. توقعت ان يبادر الى التمني لها( بليلة سعيدة) أو ( اراك في الغد إن شاء الله) ولكن توقعاتها ذهبت سدى. ما هي إلا لحظات حتى اخذت تشف أذنيها بشخيره البطيء الثقيل يملأ ظلام الخيمة ،غرق في نوم عميق ، تاركا إياها مسهدة كأنها تستلقي على فراش من الشوك والجمر ، وبدأت تكشف في قلب تلك العتمة المخيفة مدى سيطرة فريزر على حواسها ومشاعرها ، كان يملك سحرا عجيبا يجذبها اليه ، يؤرقها ، ويقلب كل مفاهيمها التقليدية بصدد الحب والزواج ، تلك المفاهيم التي تلقتها منذ نعومة أظافرها . وترامت الى مسمعها أصوات مبهمة ، متقطعة من الجانب الآخر من المخيم ، ثم بدأت الأصوات تزداد وضوحا ، إنها اصوات الرجال يتوجهون الى خيمهم ، وتبينت صوت بويد يتلفظ بإسمها وإسم فريزر. كان صوتا متهكما ، يرن بقهقهة لئيمة ، لم تسمع كل كلمة قالها ، ولكنها فهمت مغزى حديثه وإصراره على الطعن بسمعتها ، تنهدت بإمتعاض وهي تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها. وإضمحلت الأصوات ، ساد الصمت داخل الخيمة وخارجها ، وفجأة مزق هدوء الليل زئير متواصل ، ترددت أصداؤه في جنبات الصحراء. منتديات ليلاس إنه أسد ، غرزت كوري أظافرها في لحم كفها ، تصاعد الزئير من مكان قريب ، ولا بد ان الأسد يطوف الآن حول المخيم ، إرتعدت فرائصها ، وفطنت الى وجود فريزر معها ، فهدأ روعها قليلا ، إنه رجل متعجرف ، متحجر ، وسليط ، ولكنه سيؤمن لها الحماية في هذه اللحظة الحرجة ، مرت دقائق مشحونة بالتوتر ، تتقاذفها مخاوف رهيبة ، ولا تلبث أن تطمئن الى سلامتها وهي تفكر بفريزر ومدى صلابته وجرأته. وإستسلمت اخيرا للنوم ، عندما فتحت عينيها كانت خيوط الفجر تتسلل من فجوة ضيقة في الخيمة ، فركت جفنيها وكأنها في حلم مذهل ، تزاحمت في ذهنها أحداث اليوم الفائت ، فهزت رأسها تحاول طرد أشباحها. كانت الخيمة خاوية ، لا بد أن فريزر إستيقظ قبلها ، ترى هل رآها تغط في نوم عميق؟ سرت في وجنتيها حمرة الخجل ، وتسارعت نبضاتها. وما أن أصبحت في الخارج حتى رأت المخيم يموج حركة ونشاطا ، كان الرجال قد إرتدوا ملابسهم الكاملة ، وبدوا حليقي الذقن ، أنيقي المظهر ، وهو تطور جديد ، عرفت كوري انها مسؤولة عنه بعد إكتشاف هويتها كأنثى ، ثم لاحظت أن الجميع يتوقع منها إعداد وجبات الطعام ، لم تعترض ، إنها تهوى طهي الطعام ، وطالما أبدت اسفها لإنشغالها بأمور أخرى ، ومع أن وسائل الطهي ومواد الأكل لا يمكن مقارنتها بما يتوفر في المدينة ، فإن كلمات الشكر والثناء التي اثارتها وجباتها المرتجلة جعلتها تنسى أية صعوبة أخرى. وعلّق فريزر ، وهو يمضغ لقمته الأخيرة: " إنه فطور شهي". كانت هذه الكلمات الوحيدة التي سمعتها منه بعد أن احداث الليلة الفائتة في الخيمة ، وتسارعت نبضات قلبها ، وقف قربها بقامته الشامخة ، أسمر الوجه ، تموج عيناه بصفاء البحر الهادىء ، يدل مظهره أنه قضى ليلة هنيئة ، ولم يكن لوجودها في خيمته أي أثر يذكر على اسلوب حياته. قالت مبتسمة: إذن للنساء بعض الفائدة؟". مط شفتيه متهكما: " أنا أول من يوافق على ذلك". فإمتعضت قليلا: " بالله عليك ما هذا الكره الدفين؟". رد بإعتدال : " لا تتظاهري بالبراءة ، من يقرع الباب يسمع الجواب ، ولا تفكري برد بارع الان ، كنت تعرفين رايي مسبقا". راقبته يبتعد عنها ، طويلا ، خفيف الحركة ، ثابت الخطى ، تمنت لو تستطيع إرجاع عقارب الساعة ، وتبديل كل قراراتها. حمل مارك صحن الطعام ، وجلس بجانبها ، ظل لحظة صامتا ، بدا متوترا شارد النظرات ، وفطنت الى أن مزاجه السيء يرتبط بشيء فعلته، كانت تبحث عن أسلوب ملائم لكسر حاجز الصمت بينهما عندما بادر الى القول: " ماذا جرى ليلة أمس؟". " لا شيء البتة....". ونظر اليها بعينين حادتين: " لا ضرورة الى التظاهر بالبراءة يا كوري ، إن فريزر ملوري يحب اللهو مع النساء ". قالت كوري بخفة عفوية: " هذا إذا وجد رغبة لدى النساء". أصيب مارك بالحرج : " لم أقصد.... لا اعني...". قالت بلطف ، يؤنبها ضميرها: " أعرف انك صادق النية ". " هل انت متاكدة أنه لم يحدث أي شيء؟". لم يحدث أكثر من تصدع في عالمها خاطبت كوري نفسها ، وأصبحت كالركن المتداعي ، ولكن ذلك لن يثير إهتمام فريزر في شتى الحوال ، ولا يجوز لها إلقاء التبعة عل كاهل مارك ، فأجابته بصوت عال: " أنا متأكدة تماما". |
تبدلت لهجته
" كوني حذرة يا كوري". وعدته ، مدركة معنى عبارته: " سأكون حذرة كل الحذر ". وإستطرد: " إن فريزر قائد جيد ، ولكنه صعب المراس أيضا ، ستتعرضين لمتاعب كثيرة إذا ما وقعت في غرامه". لمست كوري مدى أسى مارك وإنزعاجه ، وضعت يدها بلطف على ذراعه ، وقالت مبتسمة : " لا تقلق علي ، لا مبرر لقلقك إطلاقا". ون صوت فريزر يناديها : " كوري". فإستدارت قائلة: " نعم؟". " أريد منك إنجاز بعض الأمور المستعجلة". وردت : " سمعا وطاعة". إختارت كلماتها بدقة ، وتمعن ، لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمرتين على يدها تلامس ذراع مارك ، واساء فهم دوافعها ، مع ذلك، شعرت بغبطة خفية ، لا بأس من إكتوار فريزر ببعض الغيرة ، ربما كانت هذه نقطة ضعفه ، شمخت بانفها ، وإرتات إثارته أكثر: " لينظف الصحون احد سواي". مع ذلك نجح في إلهائها بشؤون اخرى ، قضت معه أكثر من ساع يبحثان شجون التصوير والمهمات المترتبة عليها ، كرهت في البداية طريقته الفظة في إصدار الأوامر ، ولكنها تناست حنقها وهي تزداد إنهماكا في عملها الشيق. قال فريزر وهما في طريق العودة الى المخيم: " ألم أحذرك من العبث مع الرجال؟". عرفت كوري ما الذي يشغل باله ، إنه سينحو عليها باللائمة في كل ما تفعله ، إذن ، لا فائدة من إطلاعه على الحقيقة حول ذلك المشهد الذي رآه بام عينه. إبتسمت مستفسرة : " أنت تغار من مارك؟". عض شفتيه إمتعاضا ، وبقبضة صلدة طوّق معصمها: " يا لك من إمراة شريرة ". واظبت على إغاظته : " أنت تتهرب من الإجابة على سؤالي". فرد بإزدراء : " تعرفين جوابي ، لماذا أغار؟ أنت لا تختلفين عن أية إمرأة أخرى". كان غروره لا يطاق ، ولكنها اصرت على رايها : " أنت غيور". ضغط باصابعه على معصمها: " إن ذوقي ارقى مما تتصورين ، ولا أجد مبررا لتبديد وقتي على عذراء مثلك ". إنه لا يكف عن إهانتها ، قالت بصوت خفيض: " ليتني بقيت في المنزل ولم أشاهد وجهك في حياتي". قال يزيد نيران غيظها وقلقها إضطراما: " إن رأيك مشابه لرأيي ، احذرك ثانية يا كوري ، إياك وإثارة المتاعب بين افراد البعثة". احست بضعفها وأنوثتها الغضّة في آن معا : " لم أفعل شيئا غير لائق مع مارك أقسم لك". اجابها بصوت مخيف : " هذا هو رأيك ، ولكن يجب أن تعلمي أن مارك على وشك الوقوع في غرامك". صاحت مستنكرة ، وهي تدرك في قرارة نفسها صدق كلمات فريزر: " هذا هراء ، إن مارك مجرد صديق ودود". وإسترسل: " طبعا ، غير ان صداقة كهذه مليئة بالأخطار ، ولن يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان". وقالت بعفوية : " وهذا ما يوجد بيني وبينك أليس كذلك؟ مجرد صداقة ". أجاب بتمهل: " إن الأمور تحت سيطرتي المباشرة ، ولذلك لا خطر علي ، أستطيع البقاء معك أو التخلي عنك ساعة أشاء". ادركت ان الإعتصام بالصمت خير وسيلة تتبعها مع هذا الرجل المتعجرف، ولكن كلماته الأخيرة افقدتها صوابها ، فقالت متحدية: " ألست من لحم ودم مثل الآخرين؟". طوّقها بذراعيه القويتين ، وشدها اليه بهصرها هصرا ، هل يريد عناقها أم إيذاءها ؟ وكادت تصرخ ألما عندما دفعها بعيدا عنه ، فسقطت أرضا ترتعد من الخوف ، نظر اليها بإزدراء قاتل ، تضج في صدره غرائز سافلة ، وفي عينيه بركان مزمجر ، نهضت تهمس بدعة: " لماذا فعلت ذلك؟". فقال بصوت أجش: " لثبت لك انني من دم ولحم كأي رجل آخر ، ولكنني استطيع السيطرة على نفسي عندما يحلو لي ، أما أنت فلا تملكين إرادة أو أي شيء ، إنك اسيرة غرائزك". إنفجرت غضبا: " يا لك من وحش ضار ". وبدأت تبتعد عنه حائرة ، مضطربة الأعصاب ، إنها انثى جميلة القوام والوجه ، تعيش بين مجموعة من الرجال وسط صحراء مقفرة ، ومن الطبيعي ان تلفت الإنتباه ، وتخلق اجواء غير طبيعية ، ماذا تفعل ؟ لم تجد جوابا شافيا ، كل ما تريده الآن تجنّب فريزر ملوري وكل ما يمثله من غرور ، ورجولة وجاذبية ، إنه يكاد يدمر طمأنينة نفسها التي لم تفقدها في كل مراحل حياتها. لم تنبس ببنت شفة وهي تتابع سيرها ، وحتى عندما سمعته يحذرها مجددا من مغبة التورط مع مارك. تنفست كوري الصعداء عندما تركها فريزر وشأنها ذلك اليوم ، وشغلت نفسها بعد الغداء مع بعض الرجال ، متلكئة في إلتقاط الصور الى ان رأت الشمس تتوارى وراء الأفق ، وأخذ الجميع يستعد لإستقبال الليل. فقد ظلام الصحراء سحره ، خالت النجوم المتناثرة في الفضاء الشاسع باهتة ، تبعث على الرهبة والحزن ، حتى زئير الأسد بات قصة عتيقة تدعو الى التثاؤب عوض التيقظ والترقب ، ستنطفىء النار بعد قليل ، ويأوي الرجال الى الفراش ، وستجد نفسها وحيدة في الخيمة مع فريزر ملوري ، ورغم تصميمها على صده ، وعدم السماح له بمسها او التحدث معها ، توجست شرا وسرت في شرايينها قشعريرة مخيفة ، إن مجرد التفكير في فريزر يقلب كل حساباتها ويحوّلها الى ريشة في مهب الريح. ترى هل ينتظر فريزر تقدم الليل ؟ خاطبت نفسها ، رأته يتحدث مع بيتر ، ولم تتمكن من سماع الحوار ، ولكن بدت عليه إمارات الود والغرتياح ، أدركت انه لا يعير إهتماما لقلقها واوهامها ، فاصيبت بخيبة أمل. رفع فريزر عينيه وحدّق اليها كأنه أحس بها تراقبه ، وإلتقت نظراتهما برهة عبر السنة النار ، كانت برهة قصيرة خالتها دهرا ، إذ تراءى لها أنه لا يوجد احد سواهما في هذه الصحراء ، تجمّد الدم في عروقها وهي تشيح بوجهها صوب الأفق المظلم. وتنبهت فجأة الى قرارها السابق ، لتذهب الى الخيمة لتوّها وتأوي الى النوم قبل أن يدركها فريزر ، إن مشاعرها الرقيقة لن تقوى على خوض تجربة مريرة جديدة وربما اشد غرابة. |
7- قررت الإبتعاد عنه حتى لو إضطرت الى عصيان أوامره ، ولم يخطر لها أن هناك رجلين آخرين يتنافسان عليها بكل ما أوتيا من قوة.
وهكذا مضت كوري الى الخيمة ، تاركة مارك في خيبة وإرتباك ، لكنه بقي في مكانه قرب النار مدركا عقه التحدث اليها في هذا الوقت بالذات. اخذت تستعد للنوم ، مطمئنة الى وجودها وحيدة ، وإنشغال فريزر بأمور أخرى ، وما ان سمعته يقترب من الخيمة حتى إستلقت متظاهرة بالنوم العميق ، أحست به يعاينها ، ويتمعن في وجهها ، وجدت صعوبة في المحافظة على تنفسها الطبيعي المنتظم وقد راح قلبها يخفق كالمطرقة ، هل إنطلت عليه الحيلة ؟ ليس من السهل خداع رجل حاد الملاحظة مثل فريزر ، خاطبت نفسها وهي تترقب خطوته التالية. بدا أنه غير مكترث كثيرا بوضعها ، ها هو يبتعد قليلا ويباشر بخلع ملابسه ، كادت أن تفتح عينيها قليلا وتختلس النظر ، ثم إستقر رايها على تحاشي أي خطأ قد يورطها في مماحكات مؤلمة ، ومهاترات باتت تعرف عواقبها. منتديات ليلاس وبعد لحظات معدودة كان شخيره البطيء يملأ أرجاء الخيمة ، إنه لم يبالغ عندما أكد لها قدرته على التحكم بعواطفه ، والسيطرة على نزواته الطارئة ، تمنت لو كانت تملك قوة إرادته وبرودة أعصابه. إستلقت متململة في الظلام ، محاولة التركيز على أي شيء آخر ، إنها لن تسمح لفريزر بالإستيلاء على مشاعرها ، والإنزلاق في هاوية غروره وتصرفاته الفظة ، وإلا قضي عليها كإنسانة حرة طليقة. نهضت في صباح اليوم التالي متاخرة ، وبعد أن غادر فريزر الخيمة ، وإتجهت الى نار المخيم فإختارت مكانا بعيدا عنه قدر الإمكان ، إلتفتت بدون تعمد فرأته يراقبها ، إلتقت نظراتهما لحظة طويلة، لو كان فريزر رجلا آخر لما ترددت كوري في الإبتسام له وإلقاء تحية الصباح عليه ، لكنه فريزر ، ولا تليق به تحية الصباح العادية. وقبل ان تشيح بنظرها بعيدا عنه ، لمحت كوري في عينيه تلك النظرة الساخرة المتهكمة ، كادت تسحق فنجان قهوتها وهي تحتسي رشفة حارة ، لا فائدة من التظاهر بالهدوء، ما أن يقع نظرها عليه حتى يكتسحها إضطراب هائل لا يقاوم. قررت الإبتعاد عنه باي ثمن ، حتى لو إضطرت الى عصيان أوامره ، إن غروره الوقح لا يترك مجالا للتفاهم معه ، أو الإقتراب منه بحرية وعفوية. قضت كوري صباحها تلتقط الصور مع مارك ومجموعة من زملائه ، وكان يتحين الفرصة ليتبادل معها بعض الكلمات ، طلب منها ان تتنزه معه في المساء ، وبعد الإنتهاء من العمل ، وافقت كوري مع معرفتها لتحذير فريزر وإعتراضه ، كان مارك رجلا يوحي مظهره بالثقة ، وما أعذب تلك الإبتسامة تحوم على شفتيه وهو يرمقها بإعجاب خفي ، وإزدادت قناعة بتقديرها له وإرتياحها الى رفقته، كان فريزر حذّرها من مارك ، ووقوعه في غرامها ، ربما كان ذلك صحيحا ، مع انها تمنت ألا تصل الأمور بينهما الى هذا الحد ، إنها لا تتمنى أكثر من بناء صداقة متينة ، مؤهلة للإستمرار والنمو زمنا طويلا. لم تعثر على اثر لفريزر ، ظنت كوري انه منهمك في التنقيب عن موقع جديد ، تنفست الصعداء لغيابه ، وزال توترها الدائم الذي يلازمها مع وجوده بجوارها. وكم كانت مخطئة ، ها هو شبحه يطاردها ، ويسكن أفكارها ، إستشاطت غيظا وهي تلمس ضعف إرادتها وهشاشة عزيمتها ، الم تقرر تجنبه والإبتعاد عنه؟ نعم إن الإبتعاد عنه جسديا مسالة سهلة ، ولكن ما الذي تفعله بعقلها ومشاعرها وعواطفها؟ حان وقت تناول الشاي ،وجدت نفسها تتحدث الى الرجال الآخرين بإندفاع منقطع النظير ، الأمر الذي اثار دهشتهم ، ولفت انظارهم . عادوا الى المخيم عند الظهيرة ، ودنا منها فريزر وهي تلتهم طعامها ، كان يريدها أن تعمل معه بعد الظهر ، إزداد وضعها سوءا ، خانتها إرادتها وغمرتها احاسيس غريبة وهي تتأمل قامته الطويلة ووجهه الصارم. خرجت الكلمات من فمها بشق النفس: " آسفة ، لا أستطيع العمل معك اليوم". فتقوّس حاجباه: " لا تستطيعين ؟!". تمتمت متلعثمة: " إنني مشغولة بإنجاز بعض الأمور في الموقع الآخر ، ولا يمكنني التوقف الآن ". لم يجبها ، أخذ يتمعن في وجهها صامتا ، إحمرت وجنتاها خجلا وقالت بصوت مخنوق: " إنني مشغولة ، هل انت أصم؟". ضحك بملء فمه ، وإقشعر جسم كوري ، أدركت أنه يخترق معاني كلماتها ، ويفهمها على حقيقتها ، لا بأس ، لتحتفظ الآن برباطة جاشها ، وتهيء نفسها لمواجهته في وقت لاحق ، لا فائدة من الرد عليه وهي في حالة يرثى لها ، لا تحسن إخفاء مشاعرها ، ولا تعرف كيف تتلقى عجرفته الطاغية ، أغمضت عينيها ، ودفت رأسها بين راحتيها. إرتفع صوته هازئا ، مغريا: " كوري ، سأتساهل معك اليوم ، لأن ذلك لن يضيرني ، ولكن لا يمكنك تجنب العمل الى الابد". وأدركت كوري ان إنتصارها الذي حسبت أنها حققته كان إنتصارا هشا ، سريع الزوال. وجدت صعوبة في التركيز على عملها ، تعثرت أكثر من مرة ، وكادت آلة التصوير ان تهوي من يدها ، وتتحطم شظايا ، وترامى اليها صوت مارك متسائلا: " ما بالك يا كوري؟ هل أنت على ما يرام؟". نظرت اليه ، فرأته يستبد به القلق ، إن بينه وبين فريزر هوة شاسعة ، وكأن السيد ملوري لا يعرف معنى للقلق ، أو الإهتمام بما يصيبها ، والح مارك: " كوري ، ما بك ؟". حامت على ثغرها إبتسامة شاحبة: " أنا بخير ، إطمئن". |
الساعة الآن 11:40 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية