منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   12- الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t173709.html)

نيو فراولة 12-03-12 02:22 PM

ربما كانت الأمور أقل تعقيدا مما تصورت ، الم تقرر تجاهل بويد ، والإحتفاظ بهدوء أعصابها امامه ؟ فلتتعامل مع فريزر بالأسلوب نفسه ، وتتغاضى عن غروره الطائش ، ولتجد طريقة معقولة للتفاهم مع مارك ، إنه يختلف عن الآخرين ، وهي لا ترغب في إيذاء مشاعره.
نظرت الى مارك وهو يغرق في صمت عميق ، كان صمته ينبىء بتوتّر دفين ، وأزمة حادة تضج في فؤاده ، ما اصعب هذا الموقف ، إنعقد لسانها فلم تنطق بكلمة واحدة.
تمنت ان يزول التوتر مع صباح اليوم التالي ، فلتذهب الى الخيمة الآن ، وتاوي الى فراشها قبل غيرها ، إستدارت وتوجهت صوب خيمتها.
" والى اين تذهبين ؟".
رنّت الكلمات في أذنيها ثقيلة ، مخيفة ، كان فريزر يقف وراءها بقامته الشامخة.
قالت بعجلة :
" الى الفراش".
" اعتقد أنك تسيرين في إتجاه خاطىء".
أجابت بحذر:
" لا ، لا أظن ، هل نسيت أن هذه هي الخيمة التي أتقاسمها مع مارك وبويد وبيتر؟".
خالت كوري أنها في كابوس رهيب وهي تصغي الى جوابه:
" أنا لا أنسى شيئا ، تلك كانت خيمة كولن ، وليست خيمة كوري".
بدا فريزر في تلك الظلمة الداكنة شبحا مخيفا ، يبيّت نوايا خبيثة ، إن كلماته المبطنة تنذر بخطر داهم ، ولكن لن تدعه ينجح في تنفيذ خطته ، عليها الإحتفاظ برباطة الجأش ، وإفشال مؤامرته الجديدة.
سالته بهدوء:
" هل لديك خيمة أخرى؟".
" نعم".
" أية خيمة؟".
تعمد تأجيل جوابه ، ليختلق جوا من الترقب والقلق ، جمدت في مكانها ، مصممة على عدم التفوه بحرف واحد لئلا تحقق مأربه.
وما لبث أن قال بسخرية لاذعة:
" خيمتي بالطبع".
أجاب بوقار وكياسة:
" شكرا على تلطفك وكرمك".
وجلجل مقهقها :
" تلطفي وكرمي؟".
" لا شك أنك تضحي كثيرا عندما تقرر النوم مع الآخرين، وإخلاء خيمتك من اجلي".
بلغت سخريته حدا لا يطاق :
" يا عزيزتي كوري ، من قال لك انني أنوي التخلّي عن خيمتي ؟".
إصطكت أسنانها ذعرا:
" لأنك ..... لأن المسألة واضحة ، أنت قلت....".
قال بعنجهية:
" انا قلت أنك ستنامين في خيمتي ، وسأكون أنا هناك ايضا ".
وصاحت بإضطراب:
" كلا".
فردّ بلهجة الآمر الناهي:
" نعم ".
" لا ، لن أنام في خيمتك".
حاولت أن تفر منه وتلجأ الى مارك ، صديقها الذي سيدافع عنها ويحميها .
قبضت على معصمها اصابع فولاذية ، وخالتها تكاد تمزق جلدها الطري وهي تنتفض محتجة:
" دعني وشاني".
" ستاتين معي".
تملكها الغضب الشديد ، ولم تعد تبالي بشيء ، فصاحت:
" لا يمكنك إجباري على الذهاب".
فشدّ على معصمها بقوة:
" يمكنني إجبارك على فعل أي شيء ".
وراح يجرّها من يدها ، فلم يعد أمامها غلا طريقة واحدة لإنقاذ نفسها ، سيهرع مارك الى نجدتها إذا ما صرخت بأعلى صوتها ، وكذلك بيتر ، وربما بعض الرجال الآخرين.
همّت بالصراخ ، ولكنه أحبط محاولتها ، مطبقا بيده الغليظة على فمها الصغير ، والحّ قائلا:
" هلا اتيت معي بهدوء؟".
هزت رأسها بعنف ، فعلّق واجما:
" سأجبرك بطريقتي الخاصة ، وإياك ان تحتجي بعد ذلك".
أرخى قبضته عن معصمها ، وإنحنى يرفعها عن الأرض كدمية خفيفة ، كان مفتول العضلات صلب الصدر ، عريض المنكبين ، أصيبت كوري بالدوار من الرجولة الخارقة، وسحر البطش الماحق ، ولم تلبث ان إستردت وعيها ، مدركة معنى ما يجري.
فتحت فمها مرة اخرى تهم بالصراخ ، ولكنه خنق صوتها بقبضته العنيفة السريعة ، قاومته بكل قواها ، راحت تلكم بيديها ، وترفس يقدميها دون فائدة ، شدّها الى صدره ، فهبط قلبها في داخلها ، وهي تراه يهصر جسمها الطري هصرا ، وكأنه يريد أن يؤلمها ويعانقها في آن معا.
وتمكنت أخيرا من عضّه ، فصاح:
" يا لك من قطة شرسة!".
امسك اطرافها بإحكام وحملها الى خيمته الغارقة في العتمة ، أغمضت عينيها وجلست مذهولة لا تقوى على الحراك ، القى بها ارضا ، كخرقة ممزقة ، وسمعته يقول:
" حقا إنك إبنة جون لايتمر ، تصارعين حتى النفس الأخير ".
إرتسمت إبتسامة شاحبة فوق شفتيها:
" لا أعتقد أن والدي نال شرف عضك مثلي".
أجاب بمرارة:
" لا لم يعضّني باسنانه ، لكن لسانه عضّني مئات المرات ، لم يكن يتراجع عن رأيه حتى ولو أدرك أنه مخطىء".
إرتسمت أمام كوري ، لبرهة خاطفة ، صورة والدها الهزيل ، تحيط به كتبه ، لقد فاته القطار الان ويعجز عن مواجهة رجل شاب قوي ، يفور نشاطا هكذا ترسخت قناعتها بضرورة تنفيذ مهمتها .
قالت:
وانا لا أتراجع عن رايي كذلك!".
فكر فريزر مليا ، ثم إنحنى ورفعها على قدميها ، وصاحت:
" دعني وشاني".
" سمعا وطاعة ، ولكن بعد أن اوضح بعض الأمور".
قرات في صرامة صوته عقلية لا تقبل أقل من الخضوع التام ، إنها تدرك مدى تطفّلها ، وفرض نفسها على شخص لديه مفاهيم محددة حول دور النساء ، ولكن لا يحق لفريزر إهانتها على هذا النحو ، لا لن تدعه يدوس على كرامتها ، وأكدت له:
" أريد الحصول على صور الرسوم مهما كلف الأمر".
" لا مانع لدي ، هذا إذا ما حسّنت سلوكك ... وإذا كانت الرسوم الصخرية موجودة".
شمخت بأنفها:
" أنا متأكدة من وجودها ".
" لا شيء يثبت وجودها سوى عناد والدك ، وشهادة أحد عابري السبيل".
" إن والدي يثق بعابر السبيل ، الرسوم الصخرية موجودة ولن أعود قبل تصويرها".

نيو فراولة 12-03-12 02:24 PM

قال بإمتعاض :
" إنك اسوأ من والدك ، كم هو عمرك يا كوري؟".
" إثنان وعشرون عاما".
" أكبر مما توقعت".
وسالته وقد هدأ روعها قليلا:
" إذن لديك فكرة عني؟".
وإستانف لهجته الساخرة:
بكل تأكيد ، أعرف عنك الشيء الكثير يا كوري لايتمر ".
قضمت شفتها حائرة ، ها هو يعود الى الغمز واللمز ، لتغيّر مجرى الحديث :
" كنت تنوي مناقشة مسالة معينة معي؟".
ضحك هازئا :
" أناقش؟ ليس عندأي مناقشة يا كوري ، بل مجرد أوامر ، أوامر نافذة ، نهائية".
قالت بمرارة:
" تعتقد أنك تستطيع معاملتي كيفما تشاء".
فإنفرجت اساريره :
" بالضبط ، إصغي اليّ جيدا يا كوري لايتمر ، والويل لك إذا رفضت ، سأعاملك مثل أي شخص آخر ، لا يهمني انك أنثى كما سبق لي القول ، وسوف تدعين رجالي وشأنهم ، وهو ما قلته لك أيضا ، إياك إستغلال عواطفهم ، يكفي ان مارك وبويد يتنافسان عليك".
فضّلت تجاهل إستفزازاته:
" ألهذا السبب نقلتني من خيمتهما ؟ لا شك أنك مهتم بسلامتي؟"
فإستطرد ساخرا:
" لا تكوني ساذجة ، إن لهما مطلق الحرية ، ولن اتدخل في شؤونهما الخاصة ، إن فتاة تلتحق برحلة كهذه لا تستحق تأمين سلامتها ".
لاحظت أنه يتعمد جرح كبريائها بإستمرار ، نظرت اليه متعجبة :
" ماذا إذن ؟ ما هو مبرر إخراجي من الخيمة؟".
" إنتظر قليلا وقال:
" لم أكن مهتما بسلامتك ، كل ما يهمني تامين راحة رجالي ، علي إتخاذ الإجراءات اللازمة قبل أن ينفجر الوضع بين بويد ومارك".
ردت بإستهجان :
" انت لا يمكنك تخيّل رجل بدون غرائز وضيعة مثل غرائزك ".
" غرائز وضيعة ؟ لا يا عزيزتي ، إنها غرائز الرجولة ، وكلنا سواسية الحمد لهل".
إلتهب الغضب في جوارحها :
" أنت ابغض رجل رايته في حياتي ، ولا توجد قوة في الأرض تجبرني على النوم في خيمتك الليلة".
هدّدها بفظاظة:
" تعرفين ان لا فائدة من عصيان أوامري".
" لا ، ليس هذا صحيحا".
خطت الى الوراء مذعورة ، عازمة على الفرار ، سدّ باب الخيمة ، لا مجال للهرب ، قال لها:
" لا مانع لدي ، من إثبات رأيي ثانية".
كانت هذه المرة على اهبة الإستعداد عندما تقدّم نحوها ، قاتلت بشراسة القطة المحاضرة ، خمشت ، خدشت ، وكشفت عن أنيابها ، ولكن دون فائدة ، ظل كالطود الشامخ ترتطم فيه موجة ضعيفة .
وسالها :
" لماذا تقومين هكذا ؟ انصحك بالرضوخ وإطاعة اوامري ".
فصاحت رافضة:
" آه كم أكرهك ".
" تكرهينني ؟ ما هذه المسرحيات ؟ هل عدنا الى عالم الأزياء ؟ أهكذا كنت تتصرفين مع أريك هوغن؟".
رمت كوري براسها الى الوراء:
" أريك ؟ من أخبرك عن أريك؟".
" إن صحف مدينتكم ليست غريبة عليّ رايت بعض الصور المثيرة لكما معا".
بلعت كوري ريقها ، إذن لقد رأى صورتها مع اريك ، في المطعم ، كم كانت حياتها آمنة آنذاك ، يا لسخرية الأقدار كيف تبدّل كل شيء ! وظل فريزر يحملق في عينيها وهي في حالة من الإرتباك الشديد.

نيو فراولة 12-03-12 02:25 PM

6- لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمّرتين على يدها وهي تلامس ذراع مارك ، اساء فهم دوافعها ، ومع ذلك ، شعرت بغبطة خفية.

سألته كوري بفارغ صبر:
" اين سأنام الليلة؟".
" ستنامين هنا".
وصرخت بحدة:
" إذن أنت تنام مع الآخرين".
رد فريزر باسلوبه المعتاد:
" لا ابدا ، لقد أوضحت موقفي ، ولكن إطمئني ، إنك في أيد أمينة ".
تكوّمت كوري في الزاوية ، وتلحفت بما توفر من الأغطية والبطانيات ، وتظاهرت بالنوم ، لن تخلع ثيابها قبل أن تتأكد من غرقه هو الآخر في نوم عميق.
ظل فريزر صامتا ، ثم سمعته يتنقل في الخيمة ، فخالته يستعد للنوم ، كانت قد أدارت ظهرها متحاشية النظر اليه أو رؤية وجهه المتعجرف وملامحه القاسية ، إنها لحظات مؤلمة ، تمزق قلبها المعذب ، وتقتل كل شعور بالصداقة والإخلاص في النفس البشرية.
تاكد لها ان فريزر لا يعاني من أي عذاب أو صراع ماثل ، أخذ يصفر الحانا مختلفة وهو يطوف في الخيمة ، وكأن كل شيء على ما يرام.
توقعت ان يبادر الى التمني لها( بليلة سعيدة) أو ( اراك في الغد إن شاء الله) ولكن توقعاتها ذهبت سدى.
ما هي إلا لحظات حتى اخذت تشف أذنيها بشخيره البطيء الثقيل يملأ ظلام الخيمة ،غرق في نوم عميق ، تاركا إياها مسهدة كأنها تستلقي على فراش من الشوك والجمر ، وبدأت تكشف في قلب تلك العتمة المخيفة مدى سيطرة فريزر على حواسها ومشاعرها ، كان يملك سحرا عجيبا يجذبها اليه ، يؤرقها ، ويقلب كل مفاهيمها التقليدية بصدد الحب والزواج ، تلك المفاهيم التي تلقتها منذ نعومة أظافرها .
وترامت الى مسمعها أصوات مبهمة ، متقطعة من الجانب الآخر من المخيم ، ثم بدأت الأصوات تزداد وضوحا ، إنها اصوات الرجال يتوجهون الى خيمهم ، وتبينت صوت بويد يتلفظ بإسمها وإسم فريزر.
كان صوتا متهكما ، يرن بقهقهة لئيمة ، لم تسمع كل كلمة قالها ، ولكنها فهمت مغزى حديثه وإصراره على الطعن بسمعتها ، تنهدت بإمتعاض وهي تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها.
وإضمحلت الأصوات ، ساد الصمت داخل الخيمة وخارجها ، وفجأة مزق هدوء الليل زئير متواصل ، ترددت أصداؤه في جنبات الصحراء.
منتديات ليلاس
إنه أسد ، غرزت كوري أظافرها في لحم كفها ، تصاعد الزئير من مكان قريب ، ولا بد ان الأسد يطوف الآن حول المخيم ، إرتعدت فرائصها ، وفطنت الى وجود فريزر معها ، فهدأ روعها قليلا ، إنه رجل متعجرف ، متحجر ، وسليط ، ولكنه سيؤمن لها الحماية في هذه اللحظة الحرجة ، مرت دقائق مشحونة بالتوتر ، تتقاذفها مخاوف رهيبة ، ولا تلبث أن تطمئن الى سلامتها وهي تفكر بفريزر ومدى صلابته وجرأته.
وإستسلمت اخيرا للنوم ، عندما فتحت عينيها كانت خيوط الفجر تتسلل من فجوة ضيقة في الخيمة ، فركت جفنيها وكأنها في حلم مذهل ، تزاحمت في ذهنها أحداث اليوم الفائت ، فهزت رأسها تحاول طرد أشباحها.
كانت الخيمة خاوية ، لا بد أن فريزر إستيقظ قبلها ، ترى هل رآها تغط في نوم عميق؟ سرت في وجنتيها حمرة الخجل ، وتسارعت نبضاتها.
وما أن أصبحت في الخارج حتى رأت المخيم يموج حركة ونشاطا ، كان الرجال قد إرتدوا ملابسهم الكاملة ، وبدوا حليقي الذقن ، أنيقي المظهر ، وهو تطور جديد ، عرفت كوري انها مسؤولة عنه بعد إكتشاف هويتها كأنثى ، ثم لاحظت أن الجميع يتوقع منها إعداد وجبات الطعام ، لم تعترض ، إنها تهوى طهي الطعام ، وطالما أبدت اسفها لإنشغالها بأمور أخرى ، ومع أن وسائل الطهي ومواد الأكل لا يمكن مقارنتها بما يتوفر في المدينة ، فإن كلمات الشكر والثناء التي اثارتها وجباتها المرتجلة جعلتها تنسى أية صعوبة أخرى.
وعلّق فريزر ، وهو يمضغ لقمته الأخيرة:
" إنه فطور شهي".
كانت هذه الكلمات الوحيدة التي سمعتها منه بعد أن احداث الليلة الفائتة في الخيمة ، وتسارعت نبضات قلبها ، وقف قربها بقامته الشامخة ، أسمر الوجه ، تموج عيناه بصفاء البحر الهادىء ، يدل مظهره أنه قضى ليلة هنيئة ، ولم يكن لوجودها في خيمته أي أثر يذكر على اسلوب حياته.
قالت مبتسمة:
إذن للنساء بعض الفائدة؟".
مط شفتيه متهكما:
" أنا أول من يوافق على ذلك".
فإمتعضت قليلا:
" بالله عليك ما هذا الكره الدفين؟".
رد بإعتدال :
" لا تتظاهري بالبراءة ، من يقرع الباب يسمع الجواب ، ولا تفكري برد بارع الان ، كنت تعرفين رايي مسبقا".
راقبته يبتعد عنها ، طويلا ، خفيف الحركة ، ثابت الخطى ، تمنت لو تستطيع إرجاع عقارب الساعة ، وتبديل كل قراراتها.
حمل مارك صحن الطعام ، وجلس بجانبها ، ظل لحظة صامتا ، بدا متوترا شارد النظرات ، وفطنت الى أن مزاجه السيء يرتبط بشيء فعلته، كانت تبحث عن أسلوب ملائم لكسر حاجز الصمت بينهما عندما بادر الى القول:
" ماذا جرى ليلة أمس؟".
" لا شيء البتة....".
ونظر اليها بعينين حادتين:
" لا ضرورة الى التظاهر بالبراءة يا كوري ، إن فريزر ملوري يحب اللهو مع النساء ".
قالت كوري بخفة عفوية:
" هذا إذا وجد رغبة لدى النساء".
أصيب مارك بالحرج :
" لم أقصد.... لا اعني...".
قالت بلطف ، يؤنبها ضميرها:
" أعرف انك صادق النية ".
" هل انت متاكدة أنه لم يحدث أي شيء؟".
لم يحدث أكثر من تصدع في عالمها خاطبت كوري نفسها ، وأصبحت كالركن المتداعي ، ولكن ذلك لن يثير إهتمام فريزر في شتى الحوال ، ولا يجوز لها إلقاء التبعة عل كاهل مارك ، فأجابته بصوت عال:
" أنا متأكدة تماما".

نيو فراولة 12-03-12 02:26 PM

تبدلت لهجته
" كوني حذرة يا كوري".
وعدته ، مدركة معنى عبارته:
" سأكون حذرة كل الحذر ".
وإستطرد:
" إن فريزر قائد جيد ، ولكنه صعب المراس أيضا ، ستتعرضين لمتاعب كثيرة إذا ما وقعت في غرامه".
لمست كوري مدى أسى مارك وإنزعاجه ، وضعت يدها بلطف على ذراعه ، وقالت مبتسمة :
" لا تقلق علي ، لا مبرر لقلقك إطلاقا".
ون صوت فريزر يناديها :
" كوري".
فإستدارت قائلة:
" نعم؟".
" أريد منك إنجاز بعض الأمور المستعجلة".
وردت :
" سمعا وطاعة".
إختارت كلماتها بدقة ، وتمعن ، لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمرتين على يدها تلامس ذراع مارك ، واساء فهم دوافعها ، مع ذلك، شعرت بغبطة خفية ، لا بأس من إكتوار فريزر ببعض الغيرة ، ربما كانت هذه نقطة ضعفه ، شمخت بانفها ، وإرتات إثارته أكثر:
" لينظف الصحون احد سواي".
مع ذلك نجح في إلهائها بشؤون اخرى ، قضت معه أكثر من ساع يبحثان شجون التصوير والمهمات المترتبة عليها ، كرهت في البداية طريقته الفظة في إصدار الأوامر ، ولكنها تناست حنقها وهي تزداد إنهماكا في عملها الشيق.
قال فريزر وهما في طريق العودة الى المخيم:
" ألم أحذرك من العبث مع الرجال؟".
عرفت كوري ما الذي يشغل باله ، إنه سينحو عليها باللائمة في كل ما تفعله ، إذن ، لا فائدة من إطلاعه على الحقيقة حول ذلك المشهد الذي رآه بام عينه.
إبتسمت مستفسرة :
" أنت تغار من مارك؟".
عض شفتيه إمتعاضا ، وبقبضة صلدة طوّق معصمها:
" يا لك من إمراة شريرة ".
واظبت على إغاظته :
" أنت تتهرب من الإجابة على سؤالي".
فرد بإزدراء :
" تعرفين جوابي ، لماذا أغار؟ أنت لا تختلفين عن أية إمرأة أخرى".
كان غروره لا يطاق ، ولكنها اصرت على رايها :
" أنت غيور".
ضغط باصابعه على معصمها:
" إن ذوقي ارقى مما تتصورين ، ولا أجد مبررا لتبديد وقتي على عذراء مثلك ".
إنه لا يكف عن إهانتها ، قالت بصوت خفيض:
" ليتني بقيت في المنزل ولم أشاهد وجهك في حياتي".
قال يزيد نيران غيظها وقلقها إضطراما:
" إن رأيك مشابه لرأيي ، احذرك ثانية يا كوري ، إياك وإثارة المتاعب بين افراد البعثة".
احست بضعفها وأنوثتها الغضّة في آن معا :
" لم أفعل شيئا غير لائق مع مارك أقسم لك".
اجابها بصوت مخيف :
" هذا هو رأيك ، ولكن يجب أن تعلمي أن مارك على وشك الوقوع في غرامك".
صاحت مستنكرة ، وهي تدرك في قرارة نفسها صدق كلمات فريزر:
" هذا هراء ، إن مارك مجرد صديق ودود".
وإسترسل:
" طبعا ، غير ان صداقة كهذه مليئة بالأخطار ، ولن يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان".
وقالت بعفوية :
" وهذا ما يوجد بيني وبينك أليس كذلك؟ مجرد صداقة ".
أجاب بتمهل:
" إن الأمور تحت سيطرتي المباشرة ، ولذلك لا خطر علي ، أستطيع البقاء معك أو التخلي عنك ساعة أشاء".
ادركت ان الإعتصام بالصمت خير وسيلة تتبعها مع هذا الرجل المتعجرف، ولكن كلماته الأخيرة افقدتها صوابها ، فقالت متحدية:
" ألست من لحم ودم مثل الآخرين؟".
طوّقها بذراعيه القويتين ، وشدها اليه بهصرها هصرا ، هل يريد عناقها أم إيذاءها ؟ وكادت تصرخ ألما عندما دفعها بعيدا عنه ، فسقطت أرضا ترتعد من الخوف ، نظر اليها بإزدراء قاتل ، تضج في صدره غرائز سافلة ، وفي عينيه بركان مزمجر ، نهضت تهمس بدعة:
" لماذا فعلت ذلك؟".
فقال بصوت أجش:
" لثبت لك انني من دم ولحم كأي رجل آخر ، ولكنني استطيع السيطرة على نفسي عندما يحلو لي ، أما أنت فلا تملكين إرادة أو أي شيء ، إنك اسيرة غرائزك".
إنفجرت غضبا:
" يا لك من وحش ضار ".
وبدأت تبتعد عنه حائرة ، مضطربة الأعصاب ، إنها انثى جميلة القوام والوجه ، تعيش بين مجموعة من الرجال وسط صحراء مقفرة ، ومن الطبيعي ان تلفت الإنتباه ، وتخلق اجواء غير طبيعية ، ماذا تفعل ؟ لم تجد جوابا شافيا ، كل ما تريده الآن تجنّب فريزر ملوري وكل ما يمثله من غرور ، ورجولة وجاذبية ، إنه يكاد يدمر طمأنينة نفسها التي لم تفقدها في كل مراحل حياتها.
لم تنبس ببنت شفة وهي تتابع سيرها ، وحتى عندما سمعته يحذرها مجددا من مغبة التورط مع مارك.
تنفست كوري الصعداء عندما تركها فريزر وشأنها ذلك اليوم ، وشغلت نفسها بعد الغداء مع بعض الرجال ، متلكئة في إلتقاط الصور الى ان رأت الشمس تتوارى وراء الأفق ، وأخذ الجميع يستعد لإستقبال الليل.
فقد ظلام الصحراء سحره ، خالت النجوم المتناثرة في الفضاء الشاسع باهتة ، تبعث على الرهبة والحزن ، حتى زئير الأسد بات قصة عتيقة تدعو الى التثاؤب عوض التيقظ والترقب ، ستنطفىء النار بعد قليل ، ويأوي الرجال الى الفراش ، وستجد نفسها وحيدة في الخيمة مع فريزر ملوري ، ورغم تصميمها على صده ، وعدم السماح له بمسها او التحدث معها ، توجست شرا وسرت في شرايينها قشعريرة مخيفة ، إن مجرد التفكير في فريزر يقلب كل حساباتها ويحوّلها الى ريشة في مهب الريح.
ترى هل ينتظر فريزر تقدم الليل ؟ خاطبت نفسها ، رأته يتحدث مع بيتر ، ولم تتمكن من سماع الحوار ، ولكن بدت عليه إمارات الود والغرتياح ، أدركت انه لا يعير إهتماما لقلقها واوهامها ، فاصيبت بخيبة أمل.
رفع فريزر عينيه وحدّق اليها كأنه أحس بها تراقبه ، وإلتقت نظراتهما برهة عبر السنة النار ، كانت برهة قصيرة خالتها دهرا ، إذ تراءى لها أنه لا يوجد احد سواهما في هذه الصحراء ، تجمّد الدم في عروقها وهي تشيح بوجهها صوب الأفق المظلم.
وتنبهت فجأة الى قرارها السابق ، لتذهب الى الخيمة لتوّها وتأوي الى النوم قبل أن يدركها فريزر ، إن مشاعرها الرقيقة لن تقوى على خوض تجربة مريرة جديدة وربما اشد غرابة.

نيو فراولة 12-03-12 02:27 PM

7- قررت الإبتعاد عنه حتى لو إضطرت الى عصيان أوامره ، ولم يخطر لها أن هناك رجلين آخرين يتنافسان عليها بكل ما أوتيا من قوة.

وهكذا مضت كوري الى الخيمة ، تاركة مارك في خيبة وإرتباك ، لكنه بقي في مكانه قرب النار مدركا عقه التحدث اليها في هذا الوقت بالذات.
اخذت تستعد للنوم ، مطمئنة الى وجودها وحيدة ، وإنشغال فريزر بأمور أخرى ، وما ان سمعته يقترب من الخيمة حتى إستلقت متظاهرة بالنوم العميق ، أحست به يعاينها ، ويتمعن في وجهها ، وجدت صعوبة في المحافظة على تنفسها الطبيعي المنتظم وقد راح قلبها يخفق كالمطرقة ، هل إنطلت عليه الحيلة ؟ ليس من السهل خداع رجل حاد الملاحظة مثل فريزر ، خاطبت نفسها وهي تترقب خطوته التالية.
بدا أنه غير مكترث كثيرا بوضعها ، ها هو يبتعد قليلا ويباشر بخلع ملابسه ، كادت أن تفتح عينيها قليلا وتختلس النظر ، ثم إستقر رايها على تحاشي أي خطأ قد يورطها في مماحكات مؤلمة ، ومهاترات باتت تعرف عواقبها.
منتديات ليلاس
وبعد لحظات معدودة كان شخيره البطيء يملأ أرجاء الخيمة ، إنه لم يبالغ عندما أكد لها قدرته على التحكم بعواطفه ، والسيطرة على نزواته الطارئة ، تمنت لو كانت تملك قوة إرادته وبرودة أعصابه.
إستلقت متململة في الظلام ، محاولة التركيز على أي شيء آخر ، إنها لن تسمح لفريزر بالإستيلاء على مشاعرها ، والإنزلاق في هاوية غروره وتصرفاته الفظة ، وإلا قضي عليها كإنسانة حرة طليقة.
نهضت في صباح اليوم التالي متاخرة ، وبعد أن غادر فريزر الخيمة ، وإتجهت الى نار المخيم فإختارت مكانا بعيدا عنه قدر الإمكان ، إلتفتت بدون تعمد فرأته يراقبها ، إلتقت نظراتهما لحظة طويلة، لو كان فريزر رجلا آخر لما ترددت كوري في الإبتسام له وإلقاء تحية الصباح عليه ، لكنه فريزر ، ولا تليق به تحية الصباح العادية.
وقبل ان تشيح بنظرها بعيدا عنه ، لمحت كوري في عينيه تلك النظرة الساخرة المتهكمة ، كادت تسحق فنجان قهوتها وهي تحتسي رشفة حارة ، لا فائدة من التظاهر بالهدوء، ما أن يقع نظرها عليه حتى يكتسحها إضطراب هائل لا يقاوم.
قررت الإبتعاد عنه باي ثمن ، حتى لو إضطرت الى عصيان أوامره ، إن غروره الوقح لا يترك مجالا للتفاهم معه ، أو الإقتراب منه بحرية وعفوية.
قضت كوري صباحها تلتقط الصور مع مارك ومجموعة من زملائه ، وكان يتحين الفرصة ليتبادل معها بعض الكلمات ، طلب منها ان تتنزه معه في المساء ، وبعد الإنتهاء من العمل ، وافقت كوري مع معرفتها لتحذير فريزر وإعتراضه ، كان مارك رجلا يوحي مظهره بالثقة ، وما أعذب تلك الإبتسامة تحوم على شفتيه وهو يرمقها بإعجاب خفي ، وإزدادت قناعة بتقديرها له وإرتياحها الى رفقته، كان فريزر حذّرها من مارك ، ووقوعه في غرامها ، ربما كان ذلك صحيحا ، مع انها تمنت ألا تصل الأمور بينهما الى هذا الحد ، إنها لا تتمنى أكثر من بناء صداقة متينة ، مؤهلة للإستمرار والنمو زمنا طويلا.
لم تعثر على اثر لفريزر ، ظنت كوري انه منهمك في التنقيب عن موقع جديد ، تنفست الصعداء لغيابه ، وزال توترها الدائم الذي يلازمها مع وجوده بجوارها.
وكم كانت مخطئة ، ها هو شبحه يطاردها ، ويسكن أفكارها ، إستشاطت غيظا وهي تلمس ضعف إرادتها وهشاشة عزيمتها ، الم تقرر تجنبه والإبتعاد عنه؟ نعم إن الإبتعاد عنه جسديا مسالة سهلة ، ولكن ما الذي تفعله بعقلها ومشاعرها وعواطفها؟
حان وقت تناول الشاي ،وجدت نفسها تتحدث الى الرجال الآخرين بإندفاع منقطع النظير ، الأمر الذي اثار دهشتهم ، ولفت انظارهم .
عادوا الى المخيم عند الظهيرة ، ودنا منها فريزر وهي تلتهم طعامها ، كان يريدها أن تعمل معه بعد الظهر ، إزداد وضعها سوءا ، خانتها إرادتها وغمرتها احاسيس غريبة وهي تتأمل قامته الطويلة ووجهه الصارم.
خرجت الكلمات من فمها بشق النفس:
" آسفة ، لا أستطيع العمل معك اليوم".
فتقوّس حاجباه:
" لا تستطيعين ؟!".
تمتمت متلعثمة:
" إنني مشغولة بإنجاز بعض الأمور في الموقع الآخر ، ولا يمكنني التوقف الآن ".
لم يجبها ، أخذ يتمعن في وجهها صامتا ، إحمرت وجنتاها خجلا وقالت بصوت مخنوق:
" إنني مشغولة ، هل انت أصم؟".
ضحك بملء فمه ، وإقشعر جسم كوري ، أدركت أنه يخترق معاني كلماتها ، ويفهمها على حقيقتها ، لا بأس ، لتحتفظ الآن برباطة جاشها ، وتهيء نفسها لمواجهته في وقت لاحق ، لا فائدة من الرد عليه وهي في حالة يرثى لها ، لا تحسن إخفاء مشاعرها ، ولا تعرف كيف تتلقى عجرفته الطاغية ، أغمضت عينيها ، ودفت رأسها بين راحتيها.
إرتفع صوته هازئا ، مغريا:
" كوري ، سأتساهل معك اليوم ، لأن ذلك لن يضيرني ، ولكن لا يمكنك تجنب العمل الى الابد".
وأدركت كوري ان إنتصارها الذي حسبت أنها حققته كان إنتصارا هشا ، سريع الزوال.
وجدت صعوبة في التركيز على عملها ، تعثرت أكثر من مرة ، وكادت آلة التصوير ان تهوي من يدها ، وتتحطم شظايا ، وترامى اليها صوت مارك متسائلا:
" ما بالك يا كوري؟ هل أنت على ما يرام؟".
نظرت اليه ، فرأته يستبد به القلق ، إن بينه وبين فريزر هوة شاسعة ، وكأن السيد ملوري لا يعرف معنى للقلق ، أو الإهتمام بما يصيبها ، والح مارك:
" كوري ، ما بك ؟".
حامت على ثغرها إبتسامة شاحبة:
" أنا بخير ، إطمئن".


الساعة الآن 11:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية