منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   السياحة والسفر (https://www.liilas.com/vb3/f175/)
-   -   ملف كامل عن سلطنة عُمان ... من الألف إلى الياء ! (https://www.liilas.com/vb3/t131657.html)

نديم العمر 03-01-10 10:50 AM


( 14 )

قيام دولة اليعاربة 1624م‏


لعل من أهم التجارب الناجمة عن حركة التاريخ أن التآلف والتجانس بن عناصر ‏المجتمع تعد المقوم الأول لبناء قوته وبقدر ما يتحقق هذا التآلف فإنه ينعكس على قوة ‏المجتمع , كان ذلك قديماً وقبل أن تتكون الدول القومية بمعناها الحديث وظل ذلك باقياً ‏في كل عصر وفي كل مجتمع .‏

والمتتبع تاريخ عمان يلاحظ هذه الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً وخصوصاً مع إقتراب ‏القرن الخامس عشر الميلادي من نهايته حيث عانت عمان من الفوضى السياسية مع ‏إقتراب نهاية عصر النباهنة وبدات عوامل الضعف تنال من كيان هذه الدولة كنتائج ‏طبيعية لإنقسامها إلى دويلات وممالك صغيرة مما عجل بنهايتها .‏

والحقيقة أن تاريخ النباهنة لم يكن كله ضعفاً وإنما كانت هناك فترات قوة حيث حكم ‏عمان عدد من الحكام العظام لعل أشهرهم فلاح بن محسن وفي فترات قوة الدولة ‏وهيبتها تبدو الوحدة الوطنية أكثر وضوحاً وفي ظل حكام يتميز بقدر كبير من الحسم ‏والإقدام تتبدد الأنانية ويقوى الوطن في ظل أهداف كبيرة ويبدو أن دولة النباهنة أخذت ‏تنهار حينما بدأت تنهار هيبة حكامها حينما أسندت مناصب ولاة الأقاليم إلى من إشتد ‏فسادهم حيث أهدرت حقوق الناس وراحوا يتطلعون إلى نماذج من الأئمة العظام .‏


وإذا كانت الحروب الأهلية مع نهاية عصر النباهنة قد صرفت الناس عن الأهتمام ‏بأمور معيشتهم مما أسفتر عن تدهور ملحوظ في الحياة الإقتصادية والإجتماعية إلا ان ‏الغزو البرتغالي قد أجهز على البقية ولما كانت السواحل العمانية في مقدمة المناطق ‏وقوعاً تحت السيطرة البرتغالية لذا فقد عمد البوكيرك إلى حرق المدن وتدمير السفن ‏الراسية في الموانئ العمانية .‏

وهكذا توافق غزو البرتغال مع أشد الفترات ضعفاً في تاريخ عمان مما سهل على ‏الغزاة مهمتهم وعلى الرغمن من كل ذلك فقد سجل التاريخ صوراً من المقاومة العمانية ‏الباسلة .‏


واللافت للنظر أن كل القوى العربية والإسلامية كانت مستهدفة وعلى الرقم من ذلك فلم ‏يحدث أي قدر من التنسيق بل إتسمت العلاقات بين كل القوى العربية والإسلامية بقدر ‏كبير من التصارع فها هم العثمانيون يستبيحون عاصمة الفرس بينما المماليك ينسقون ‏مع البنادقة بهدف التصدي للبرتغاليين أما بقية القوى العربية في الخليج كالنباهنة الجبور ‏وهرمز فقد إتسمت علاقاتهم بصراع مرير مما بدد من قوتهم جميعاً .‏


وبينما البرتغاليون يجهزون على كل القوى كانت عمان تشهد ميلاد عهد جديد أرسى ‏دعائمه الإمام ناصر بن مرشد اليعربي المؤسس الحقيقي لدولة اليعاربة من 1624 إلى ‏‏1744م لقد إستوعب ناصر بن مرشد التجربة التاريخية بذكاء شديد فأية محاولة لتحرير ‏عمان من البرتغاليين مشكوك في نتائجها بينما الوطن ممزق إلى دويلات صغيرة لذا فقد ‏كان لزاما عليه أن يحارب في جبهتين الحرب من اجل الوحدة والحرب من أجل ‏التحرير.‏

ولا شك أن أجماع العلماء على إختيار ناصر بن مرشد إماماً عام 1624م يعد بداية ‏عهد جديد في تاريخ عمان حيث وضع أسس دولة اليعاربة التي حكمت ما يقرب من ‏مائة وعشرين عاماً تميز عهدها بملامح رئيسية لعل من أهمها تحقيق الأمن والإستقرار ‏والرخاء كما تميز عهدها بتطور هائل في البحرية العمانية حيث أدرك الإمام ناصر أن ‏الحرب بينه وبين البرتغاليين حرم بحرية في المقام الأول لذا أخذ على عاتقه بناء ‏أسطول عربي يعتبر أول إسطول منظم أصبح في نهاية القرن السابع عشر القوة ‏البحرية الأولى في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي .‏

وينتمى الإمام ناصر بن مرشد إلى قبيلة يعرب التي تعتبر بطناً من بطون بني نبهان ‏وكانوا يتمتعون بإستقلال في إدارة شؤونهم الذاتية حيث إتخذوا من الرستاق مقراً ‏لإقامتهم ونظراً لما إشتهر به الإمام ناصر بن مرشد من الإستقامة والنزاهة والإقدام ‏والتدين لذا فقد أجمع أهل الرستاق على مبايعته إماماً , وتؤكد المصادر العمانية أنه بعد ‏وصول الإمام ناصر إلى الحكم راحت تتهاوى حصون أنصار التجزئة الذين قاوموا ‏بشراسة فكرة جمع شتات الوطن الكبير في دولة واحدة .‏

وبما أن منطقة الرستاق في التي شهدت ميلاد إمامة ناصر بن مرشد لذا فقد كان عليه ‏أن يبدأ بها , لهذا مضى ومعه جمع من أنصاره نحو قلعة الرستاق وكان المالك للرستاق ‏مالك بن أبي العرب اليعربي وبعد حصار لم يدم طويلاً فتحها الإمام ناصر متخذاً منها ‏نقطة إنطلاق لتوحيد الوطن كله .‏

لقد إجمعت مصادر التاريخ العمانية على اهمية الدور الذي لعبة الشيخ خميس بن سعيد ‏الشقصي الذي كان موضع ثقة اهل الرستاق حيث ساند الإمام ناصر في كل خطواته ‏بدءاً من إختياره إماماً وإنتهاء بالجيوش التي قادها في سبيل تحقيق الوحدة ومن الصعب ‏إغفال زعامات قبلية ودينية بذلت جهداً كبيراً من أجل الوحدة .‏

نديم العمر 03-01-10 10:54 AM



( 15 )

جهود الإمام ناصر بن مرشد في إعادة الوحدة الوطنية

‏ ـ 1 ـ




لعل في مقدمة الدروس التي إستخلصها الإمام ناصر بن مرشد من تاريخ عمان أن كل ‏الأعمال الكبيرة التي أنجزها العمانيون تمت من خلال وطن موحد , تستثمر إمكاناته ‏البشرية والإقتصادية بما يعود بالمصلحة على الجمييع ومن أجل ذلك كان العمانيون لهم ‏السبق عبر الحضارات المتعاقبة وحينما تطل الفتنة برأسها وينقسم الوطن إلى ممالك ‏ودويلات صغيرة يحدث الإنحسار والتدهور , لذا فقد إستوعب الرجل تاريخ وطنه ‏بوعي وإدراك شديدين .‏

لقد وضع الإمام ناصر بن مرشد أولويات العمل الوطني فلم يكن من المعقول أن يبادر ‏بتحرير بلاده من القوات البرتغالية بينما الوطن مقسم , لهذا كان من الضروري أن يبدأ ‏بجمع الشمل وتوحيد الكلمة وتجمع مصادر التاريخ على أن الإمام لم يبادر بإعلان ‏الحرب إلا بعد أن إستنفذ كل الجهود الدبلوماسية , من أجل ذلك فقد كتب إلى أهل نزوى ‏يدعوهم إلى جمع الشمل إلا أن هذه الدعوة لم تصادف رغبة بعض أهلها لذلك عجل ‏بالسير إليها بنفسه وعندما ادرك أن الحرب واقعة لا محالة فضل العودة إلى الرستاق ‏حيث جاءه وفد من سمائل برئاسة ملكها مانع بن سنان العميري معلنا مبايعته وبما أن ‏نزوى كانت موضع إهتمام الإمام ناصر بن مرشد لأهميتها التاريخية والدينية فقد توجه ‏إليها من سمائل حيث كان لعامل المباغته أكبر الأثر في إجماع أهلها على مبايعته .‏

واللافت للنظر أن الإمام ناصر بن مرشد كان حريصاً على عدم إراقة دماء المسلمين ‏لذا فقد إستخدم كل وسائل الإقنا والحجة وما كان يلجأ إلا إذا حتمتها الظروف وفرضتها ‏المصلحة العامة .‏

ونظراً لثقل المهمة التي كان يقوم بها الإمام وما كانت تحتمه من مواجهات عسكرية ‏ضد أنصار التجزئة فقد كان يقيم في كل المناطق التي يدخلها عنوة بعضاً من الوقت ثم ‏يغادرها إلى مناطق أخرى تاركاً بعض أنصاره لمواصلة مهمته في ترسيخ مبادئه ‏ومواصلة دعوته التي اخذت تنساب في كل أرجاء عمان ومما يؤكد صعوبة المهمة التي ‏مضى الإمام ناصر في سبيل تحقيقها كثرة الممالك التي أقيمت على مقومات قبلية بحيث ‏يصعب التمييز بين القبيلة والحكومة .‏

ومن الظواهر اللافتة في سياسة الإمام إنه كلما حقق قدراً من الإنتصارات في سبيل ‏تحقيق الوحدة راح يتريث ترقباً لرد فعل قد يحول دون إراقة الدماء إضافة إلى التقاط ‏الأنفاس وترتيب الجند والعودة لتفقد أحوال المناطق التي دخلت في حوزته وهي سياسة ‏حكيمة تعددت فوائدها على كل المستويات .‏

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن تمرد منطقة الظاهرة كان من أصعب العمليات ‏التي واجهها الإمام , حيث إستشهد أعداد كبيرة من بينهم شقيق الإمام جاعد بن مرشد ‏مما دفع الإمام ناصر إلى أن يتولى بنفسه قيادة العمليات العسكرية مما كان سبباً في ‏إعادة السيطرة على الموقف بعد أن إرتفعت معنويات الجند الذين قاتلوا بشجاعة منقطعة ‏النظير في مناطق عبري وحسن الغبي وكافة مناطق الظاهرة وتأكد الإمام أن تمرد أهل ‏الظاهرة مرده إلى مؤامؤات ناصر بن قطن الذي حوصر في قلعته إلى أن إستنجد ‏بالإمام متوسلاً العفو منه .‏

كما أدرك الجبور أن وحدة البلاد تتعارض مع مصالحهم المباشرة لذا فقد تمكنوا من ‏إثارة القبائل التي تحت سيطرتهم ووصلت مخططاتهم إلى درجة التأمر على إغتيال ‏الإمام ناصر , لذا فقد واجههم الإمام ودارت معركة كانت من أشد المعارك ضراوة ‏وإنهزم الجبور وأتباعهم وقتل منهم أعداد كبيرة ويعلق الأزكوي على هذه المعركة قائلاً ‏‏: لقد كثر القتل في البغاة حتى قيل إنهم عجزوا عن دفن موتاهم فكانوا يجعلون السبعة ‏والثمانية في خبة .‏

وقد إعتمد الإمام على سياسة النفس الطويل ولا بأس من مهادنة خصومه أحياناً ‏ومباغتتهم في بعض الأحيان فها هو يبعث بسراياه إلى المناطق التي إستعصت عليه ‏لمناقشة خصومة وبعد أن يستوثق من موقفهم يكون قرار الحرب .‏

لقد ظهرت بطولات نادرة خلال الحروب التي لم تتوقف فها هو محمد بن غسان ‏النزوي يقود العمليات ضد الجبور في منطقة الجو ناحية البريمي ثم يحقق إنتصاراً ‏عظيماً يتوجه بعده على لوى التي إستعصى فتحها على قوات الإمام بسبب تحصيناتها ‏وكثرة المدافعين عنها مما إضطر محمد بن غسان النزوى إلى طلب العون من القبائل ‏القريبة من صحار التي كانت تتطلع إلى قوات الإمام وتترقب إنتصاراتها بهدف التعجيل ‏بمواجهة البرتغاليين الذين أنزلوا بصحار وأهلها أبشع أنواع الممارسات مما دفع بأهل ‏صحار إلى ترك مدينتهم واللجوء إلى المناطق البعيدة ترقباً لجولات أخرى , وهكذا كان ‏الإمام ناصر بالنسبة إليهم بمثابة المنقذ من نير الإحتلال .‏


وقد تمكن محمد بن غسان بمساعدة القبائل من السيطرة على لوى حيث بدأ التفكير عملياً ‏في صحار وهكذا إستطاع الإمام ناصر خلال سنوات حكمه 1624-1649م من أن ‏يعيد لعمان وحدتها وتماسكها ويؤمنها إلى حد كبير من الأخطار الخارجية وكانت ‏محاولاته نحو الوحدة مبعث أمل كبير وينفرد هذا الإمام العظيم من بين أئمة اليعاربة ‏بأنه حارب على جبهتين الساحل والداخل في وقت واحد فلكما هدأت الأوضاع في ‏الداخل راح يواجه القوات البرتغالية على الساحل وكلما حقق إنتصاراً على الساحل عاد ‏إلى الداخل لمواصلة حروبه من أجل أن تكون عمان وطناً موحداً وعند وقاة الإمام ‏ناصر بن مرشد في إبريل 1649م كانت كل القبائل العمانية تحت لواء واحد وإنتهت ‏إلى غير رجعة مرحلة التمزق والتشتت وبدأت مرحلة جديدة من الوحدة في ظل حكومة ‏مركزية .‏

أدرك الإمام ناصر بن مرشد أن مواجهة البرتغاليين على السواحل العمانية في حاجة ‏إلى إمكانات أخرى تفوق تلك الإمكانات التقليدية التي إعتمد عليها اليعاربة في حروبهم ‏ضد القبائل الرافضة لسلطة الدولة المركزية , لقد وقعت كل المعارك التي خاضها ‏اليعاربة ضد القبائل على اليابسة أما البرتغاليون فقد كانوا أهل بحار ووسيلتهم في ‏الحرب هي السفن , التي شهدت ظفرة كبيرة منذ الكشوف الجغرافية لذا فإن سياستهم ‏الإستعمارية إعتمدت على إحتلالهم لكثير من المدن والقلاع والحصون التي تقع في ‏طريق البحار والمحيطات دون اللجوء إلى التعمق في اليابسة .‏

نديم العمر 03-01-10 10:56 AM


( 15 )

جهود الإمام ناصر بن مرشد في إعادة الوحدة الوطنية
‏ـ 2 ـ

وهكذا أدرك اليعاربة إمكانات عدوهم القادمن من أقصى الظرف الأوروبي كدولة بحرية ‏خاضت معارك شرسة في سبيل الحفاظ على مصالحها الإستعمارية لذلك كانت العناية ‏بالإسطول وتنمية الموارد الإقتصادية وتلاحم الشعب العماني في مقدمة الركائز ‏الأساسية التي إعتمد عليها اليعاربة الذين طوروا إسطولهم التجاري والعسكري ‏مستفيدين من الخبرة الإنجليزية في هذا المجال .‏


وكان إنتزاع صور وقريات من أيدي البرتغاليين في مقدمة العوامل التي ضاعفت من ‏تماسك العمانيين وكانت بمثابة إختبار عملي لنجاح الوحدة التي خاض اليعاربة من أجلها ‏حروباً ضارية .‏

لم يكن إنتزاع صور وقريات عملية سهلة فقد كان التباين واضحاً بين حجم وكفاءة ‏القوتين المتنافستين إضافة إلى سياسة الوفاق التي إستجدت بين البرتغاليين وشركة الهند ‏الشرقية البريطانية إبتداً من عام 1634م , لقد كانت المتغيرات السياسية سواء المحلية ‏او الدولية في مقدمة عوامل كثيرة جعلت اليعاربة يناضلون في ظروف أشد قسوة إلا أن ‏نجاحاتهم في تحقيق الوحدة الوطنية إضافة إلى المشاعر الدينية الجياشة التي فاقت أية ‏مشاعر وطنية كل ذلك جعل عرب عمان يقبلون على التضحية بنفس راضية وبحماس ‏ورغبة في الإستشهاد وهي عوامل كان يفتقدها البرتغاليون المتحضون في الثغور ‏العمانية .‏

ومن الملاحظ أن اليعاربة قد إستثمروا إمكاناتهم بكفاءة عالية ولعل صحار كانت إقليماً ‏إستراتيجياً هاماً في سياسة اليعاربة لذا فقط ضربوا عليها حصاراً شديداًَ بينما تحصن ‏البرتغاليون داخل القلاع والحصون وراحوا يمطرون قوات الإمام بوابل من نيران ‏مدفعيتهم مما دفع الإمام إلى بناء قلعة لكي يتحصن فيها العمانيون في مواجهة القلعة ‏البرتغالية .‏

وبمجرد أن علمت القبائل العمانية بحصار صحار راحوا يتدفقون من كل صوب ‏وخصوصاَ من مناطق لوى وبات وكافة المناطق المتاخمة لصحار وبينهما العمانيون قد ‏ضربوا حصاراً على صحار , إذا بالإمام ناصر وقد بعث بسرايا أخرى إلى مسقط ‏بقيادة خميس بن سعيد الشقصي وعلى الرغم من أن تلك السرايا لم تحقق نتائج حاسمة ‏إلا إنها أربكت البرتغاليين في كل من صحار ومسقط مما مهد لسلسلة من الهجمات ‏العمانية على كافة المعاقل البرتغالية .‏

وقد كان إستيلاء الإمام ناصر بن مرشد على مدينة صحار عام 1643م نقطة تحول ‏جديدة في المواجهة العمانية البرتغالية .‏

لقد كانت قوات ناصر بن مرشد في أشد الحاجة إلى التقاط الأنفاس وعلى الرغمن من ‏ذلك فقد تمكنت من تحرير كل المدن الساحلية العمانية ولم يبق إلا مسقط ومطرح التي ‏تمكن المسعود بن رمضان من محاصرتها في وقت تفشي فيه مرض الطاعون بين ‏البرتغاليين ولعلها كانت فرصة مناسبة لكي يجهز العمانيون على عدوهم خصوصاً وإن ‏القصف المستمر لقوات مسعود بن رمضان كان عنيفاً لدرجة أربكت الحاميات البرتغالية ‏بينما كان الطاعون يحصد ما يقرب من خمسين شخصاً في اليوم الواحد , ولم ينته هذا ‏الحصار إلى تحرير مسقط ومطرح وإنما نجم عنه إبرام هدنه جاء معظم بنودها في ‏صالح العمانيين .‏


وقد إمتد صراع اليعاربة ضد منافسيهم لفترات زمنية طويلة , تباينت فيها المواقف ‏السياسية , إلا أن أصعب الفترات واخطرها هي فترة الإمام ناصر بن مرشد حيث كان ‏يقاتل في سبيل التحرير والوجحدة معاً وقد كبده ذلك قدراً هائلاً من الجهد والوقت حيث ‏إستخدم كل الإمكانات المتاحة بمهارة شديدة بما في ذلك المفاوضات السياسية التي لجأ ‏إليها عام 1648م وعند وفاته سنة 1649م لم يبق تحت السيطرة البرتغالية إلا مسقط ‏ومطرح .‏


كما واصل سلطان بن سيف الذي بويع بالإمامة في إبريل 1649م جهاد الإمام ناصر ‏بن مرشد حيث إزدادت طموحات العمانيين وأدركوا بأنهم قاب قوسين أو أدنى من ‏تحرير بلادهم من إحتلال دام أكثر من مائة وأربعين عاماً وادرك الإمام الجديد أهمية ‏الوقت كعامل هام في الأجهاز على البرتغالين في الوقت الذي أخذ فيه البرتغاليون ‏يضاعفون من تحصيناتهم في مسقط ومطرح وثبتوا مدافعهم الثقيلة في كل إتجاه وزيادة ‏في الحيطة حفروا خندقاً عميقاً حول الأسوار وعلى رؤوس الجبال بنوا مجموعة أبراج ‏أقاموا فيه داخلها جنوداً أشداء أخذوا يمطرون القوات العمانية بوابل من نيران مدافعهم ‏‏.‏

وقد إستطاع سلطان بن سيف أن يضرب حصاراً على القوات البرتغالية وبينما الحصار ‏قائماً تمكن بعض الهنود من تقديم معلومات للإمام على درجة كبيرة من الخطورة دفعت ‏بقواته إلى الدخول بينما الحامية البرتغالية قد أخذت على غرة مما أفقدها القدرة على ‏المواجهة ومن ثم كان الإنهيار والإستسلام في ديسمبر سنة 1649م .‏

لقد أصيب البرتغاليون بخسائر جسيمة حيث قتل معظم جنودهم وكل المحاولات التي ‏قاموا بها في الهند لإمداد مسقط باءت بالفشل وبنهاية 1652م لم يبق للبرتغاليين في ‏الخليج إلا وكالتهم في كينج .‏

لم يتوقف العمانيون عن مطاردة خصومهم حتى بعد أن إعتصموا في وكالتهم في كينج ‏على الساحل الشرقي من الخليج وراح العمانيون يتعقبون عدوهم في الهند وشرق إفريقيا ‏مما جعل الملاحة بين الوكالة التجارية للبرتغاليين في كينج وبين شرق إفريقيا والهند ‏تبدو مستحيلة في ظل أحكام العمانيين سيطرتهم على الخليج العربي والمحيط الهندي .‏

لاشك أن اليعاربة قد إعتمدوا على قوتهم الذاتية مع قدر من المرونة الدبلوماسية في ‏إطار العلاقات الدولية مستفيدين من تضارب المصالح بين القوى الأوروبية المتنافسة ‏وهو جهاد لا يقل أهمية عن الحرب مما عاد على الدولة بقدر كبير من القوة والمنعة ‏وخصوصاً فيما يتعلق بتطور البحرية العمانية إعتماداً على أحدث الخبرات الأوروبية ‏في هذا المجال . ‏

لقد إنطلقت السفن العمانية لتصفية الجيوب البرتغالية على السواحل الفارسية مما إضطر ‏الحامية البرتغالية في كينج إلى الإنسحاب نهائياً مما أوجد نوعاً من المواجهة المباشرة ‏بين العمانيين والفرس الذين راحوا يتضامنون مع الإنجليز والهولنديين ضد النشاط ‏البحري العماني بحجة محاربة القرصنة , التي لم تكن من وجهة النظر القانونية إلا ‏نوعاً من مشروعات الكفاح المسلح ضد قوى أجنبية إستباحت لنفسها حق الغزو ‏والإحتكار والنهب .‏

وتشير المصادر التاريخية إلى الإزدهار الإقتصادي الذي حققه اليعاربة وخصوصاً مع ‏نهاية عصر سلطان بن سيف فقد وصل درجة كادت تفيض البيضاء والصفراء من أيدي ‏الناس على حد قول السالمي .‏

لقد تجسدت ملامح الوحدة الوطنية في أبهى صورها حيث كان العدل هدفاً للراعي ‏ونهجاً للرعية ولذا أقبل العمانيون على تشييد الحصون والقلاع وشق الأفلاج وغرس ‏الأشجار مما عاد على عمان بالخير والمنفعة .‏

نديم العمر 03-01-10 10:59 AM


( 16 )

الإسطول العماني في عصر اليعاربة



لقد كان إتجاه اليعاربة ناحية البحر ضرورة إستراتيجية فرضتها الثوابت التاريخية ‏والحقائق الجغرافية وبحكم موقع عمان التي يحدها الخليج العربي شمالاً وبحر العرب ‏جنوباًَ وخليج عمان شرقاً وصحراء الربع الخالي غرباً لذا كانت الصحراء دائماً في ‏ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي من أجل ذلك كانت قصة عمان مع ‏الصحراء بمثابة فصل عادي في التاريخ العماني بينما كان البحر دائماً هو الركيزة ‏الأساسية وبإتحاد البحر واليابسة معا شكلت كل فصول التاريخ العماني .‏

وقد إستطاع آئمة اليعاربة سواء في فترة قودة الدولة أو حتى في فترات ضفعها أن ‏يضعوا أيديهم على العنصر الفاعل في التاريخ العماني وهو إرتباط البحر باليابس بشكل ‏متناغم إدراكاً منهم لخطورة الموقع وأهميته واللافت للنظر أن اليعاربة قد أدركوا أهمية ‏الخطر الذي يواجههم والذي يعد في كثير من الحالات ظاهرة صحية حيث شحذ الوعي ‏القومي وعمق الإحساس بالوعي الديني والوطني وفي جميع الحالات أبعد إحتمالات ‏الإنغلاق على الذات واللامبالاة بالعالم الخارجي . ‏

لقد أدرك اليعاربة أن عدواً بعينه متربص بعمان يدفعها بقسوة ناحية الصحراء لأنه يرى ‏فيها موطن الخطر ومكمن القوة ومفتاح المنطقة , وخلال هذا الصراع تشكلت الثوابت ‏الإستراتيجية التي حددت ملامح دولة اليعاربة التي أجادت لعبة التوازنات بين كافة ‏القوى الأوروبية المتنافسة على الخليج .‏

وكنتيجة طبيعية لكل هذه التحديات فقد إقتحم اليعاربة حياة البحر ونجحوا إلى حد هائل ‏في إعداد قوة بحرية إستطاعت تعقب البرتغاليين في الخليج العربي والمحيط الهندي ولم ‏يكتف اليعاربة بخبرتهم المحلية بل طوروا سفنهم مستفيدين من التقدم الكبير الذي طرأ ‏على صناعة السفن الأوروبية .‏
ويبدو أن الإسطول العماني لم يتملك ناصية الموقف تماماً إلا عقب تحرير مسقط عام ‏‏1649م حيث راح الإسطول العماني يتعقب الإسطول البرتغالي على السواحل الهندية ‏والإفريقية وشهدت الفترة من عام 1650 وحتى 1652 نشاطاً بحرياً عمانياً أقلق ‏الإنجليز والهولنديين حيث تمكن الإمام سلطان بن سيف من الإعتماد بالكامل على السفن ‏الحديثة بني بعضها في الهند والبعض الآخر تم شراؤها من الهولنديين , وإستخدم ‏المدافع المتطورة بنفس كفاءة المدافع الأوروبية وكانت بومباي في مقدمة المناطق التي ‏شهدت هجوماً عمانياً مكثفاً وفرض العمانيون رسوماً جمركية على مناطق عديدة مثل ‏جوا وبرسالور ومتفالو وباتيكالا مما وفر لهم قدراً معقولاً من الأموال التي إستخدمت ‏في تطوير السفن وإقتناء أفضل الأسلحة المتطورة .‏

لقد كان تطور البحرية العمانية بشكل لافت خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر ‏مؤشراً عملياً للتطور الإقتصادي الذي حققه العمانيون خلال هذه الفترة والذي شغلت ‏التجارة فيه حيزاً هاماً خصوصا وأن نهاية الوجود البرتغالي في عمان يعد نهاية عملية ‏لسياسة الإحتكار التي ألمت بالخليج العربي والمحيط الهندي منذ بداية القرن السادس ‏عشر الميلادي .‏

أن تطور السفن العمانية بهذا الشكل الكبير لا يمكن أن يكون بسبب الإعتماد على السفن ‏المشتراة من الإنجليز أو الهولنديون فقط وإنما إتخذ العمانيون من المراكز الصناعية في ‏سورات ونهر السند وغيرهما من المناطق التي لم يعرف الإنجليز أو الهولنديون عنها ‏شيئاً مراكز لصناعة سفنهم بعيداً عن أعين الأوروبيين وهو ما تشير إليه بعض ‏المصادر الأجنبية .‏

ويبدو أن الوصول بالإسطول العماني إلى الحد الذي تهابة أساطيل الدول الأوروبية لم ‏يكن أمراً سهلاً فقد إستغرق ذلك جهداً ووقتاً وكانت عمليات التمويل في مقدمة ‏الصعوبات إضافة إلى القلاقل والمشكلات الداخلية التي كانت تطل برأسها ما بين وقت ‏وآخر .‏

ووفقاً لتقرير كبته ويلمسون كمندوب عن الشركة الهولندية حينما إسندت إليه مهمة ‏زيارة عمان عام 1774م حيث يبدي إندهاشه بسبب إفتقاد العمانيين إلى بحارة منقطعين ‏للعمل على السفن العسكرية بل يتوافدون على السفن حينما يتطلب الموقف القيام بمهام ‏عسكرية .‏

والحقيقة أن هذه الملاحظة لها دلالتها على إعتبار أن النشاط الإقتصادي والعسكري كانا ‏متلازمين ولم تعرف السفن العمانية الإحتراف بمعناه الدقيق ففي وقت السلم ينصرف ‏البحارة لممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري وإذا ما تأزمت الأوضاع إنصرف ‏البحارة إلى مهامهم العسكرية بعكس ما كان يحدث على السفن الأوروبية التي كان لها ‏بحارة منقطعون للعمل في هذه المهام فقط .‏

لعل ذلك كان يضاعف من صعوبة المهمة التي يقوم بها اليعاربة الذين كانوا يبنون بيد ‏ويحملون السلاح باليد الأخرى وهي ظاهرة لم تعرفها أوروبا .‏

يمكن فهم طبيعة الموقف على ضوء الدوافع التي كان يقاتل من أجلها العمانيون حيث ‏كان الجهاد من اجل الدين والوطن طريقاً إلى النصر أو الإستشهاد وهي دوافع كان ‏يفتقدها البرتغاليون .‏

وبوفاة سلطان بن سيف عام 1679م خلفه إبنه بلعرب بن سلطان الذي نقل مقر إقامته ‏من نزوى إلى جبرين ومازال حصنة قائماً هناك بخطوطه ورسومات جدرانه فريداً في ‏بنائه وشاهداً على ذوقه الرفيع , وتذكر بعض الروايات أن شقيقه سيف قد خرج عليه ‏سنة 1689م وأرجعت هذه الروايات الخلاف بين الشقيقين إلى عزوف بلعرب عن ‏الحرب وإبرامه إتفاقاً مع البرتغاليين أعتقد سيف بإنه يحمل شروطاً مجحفة بحقوق ‏العمانيين لذا فقد قاد سيف بن سلطان جبهة المعارضة رافضاً الإعتراف بحقوق ‏البرتغاليين وأحتل حصون مسقط وجبرين وتمكن من السيطرة على زمام الموقف وحسم ‏الموقف لصالحه حينما توفي شقيقة بلعرب .‏

لقد تعددت شهادات المعاصرين والمؤرخين في وصف البحرية العمانية في عهد سيف ‏بن سلطان فقد كتب بروس قائلاً : كان الإسطول العماني هائلاً لدرجة أثارت الرعب ‏في نفوس الأوروبيين وكل الدلائل تؤكد إنهم كانوا يسيطرون على الخليج كله .‏

ويذكر دكتور فراير الذي زار الخليج في عهد سيف بن سلطان أن العمانيين قد إكتسبوا ‏مكانات بحرية هائلة وأن نشاطهم يهدد بندر عباس لدرجة أن الفرس طلبوا من الإنجليز ‏حمايتهم من العمانيين .. وقد أضاف لوكير الذي زار مسقط في عهد سيف بن سلطان ‏وشاهد واحدة من السفن العمانية وهي مجهزة بسبعين مدفعاً وأضاف أن الإسطول ‏العماني تمكن من أسر واحدة من أغنى سفن كلكتا وكانت تحت قيادة الكابتن ميرفيل ‏وعلى الرغم من أعمال الإسطول العمانيي ضد السفن الإنجليزية إلا أن الشركات ‏الإنجليزية التي تملك هذه السفن لم تقم بعمل مضاد ضد عرب عمان .‏

لقد إدعا البرتغاليون إنتصارات اليعاربة عليهم إلى إنها بسبب إمدادات واسحلة تلقوها ‏من الإنجليز وأن السفن العمانية كان يقود معظمها ضباط إنجليز وكانت ترفع العلم ‏الإنجليزي .‏

والحقيقة أن هذا الإدعاء حاولت أن تروج له الإدارة البرتغالية لكن لم يثبت صحته سواء ‏من جانب الإنجليز أو الهولنديين ولم تشر إليه كتابات الرحالة الأجانب إضافة إلى أن ‏الإسطول الانجليزي نفسه كان مستهدفاً من قبل البحرية العمانية وحدثت مصادمات ‏كثيرة سواء في عصر سلطان بن سيف أو سيف بن سلطان .‏

والحقيقة أن المؤرخين والرحالة الأوروبيين قد أبدوا أهتماماً ملحوظا بالتفوق الذي ‏وصلت إليه البحرية العمانية ويذكر البعض أن أئمة اليعاربة قد إستطاعوا بفضل ‏صداقتهم لأمراء الهند أن يضمنوا جلب الأخشاب اللازمة لبناء السفن , وهناك عدة ‏إتفاقيات عقدها اليعاربة مع حاكم مقاطعة بجو في الهند ولعل ذلك ما دفع جون مالكولم ‏إلى الإعتقاد بأن أحسن الوسائل للقضاء على البحرية العمانية هو قطع الصلة بين عمان ‏وأمراء الهند .‏

ويمكن التعرف على المدى الذي وصلت إليه البحرية العمانية في عهد اليعاربة من ‏خلال كتابات هاميلتون الذي ذكر أن البحرية العمانية كانت تتكون من مئات السفن ‏الكبيرة ذات الحمولات المختلفة من المدافع الكبيرة والصغيرة .‏

ويضيف الرحالة فريرز إنه من الضروري عدم إستفزاز العمانيين إذ إننا لن نجني من ‏وراء ذلك سوى ضربات تنهال علينا , ويعترف المؤرخ الإنجليزي كوبلاند بأن البحرية ‏العمانية في بداية القرن الثامن عشر قد أصبحت تفوق أية قوة بحرية أخرى لدرجة إن ‏الأساطيل الإنجليزية والهولندية كانت تخشى مواجهة العمانيين , ويضيف مايلز أن ‏اليعاربة قد صارت لهم السيادة الفعلية على المحيط الهندي وأصبحت سفنهم تنشر ‏الرعب في قلوب الأوروبيين لمدة قرن ونصف .‏

وحينما شعر العمانيون بأن فارس تنسق مع البرتغال بهدف إعادة إحتلال مسقط راح ‏العمانيون يشنون هجوماً على نطاق واسع ضد بندر كنج وبندر عباس ودمروا المدينتين ‏وأستولوا على السفن الفارسية والبرتغالية وفي عام 1717م عاود العمانيون هجومهم ‏بهدف تحرير البحرين من الإحتلال الفارسي ونجحوا في ضرب حصار بحري على ‏السفن الفارسية وأخضعت قواتهم حصون جزيرة قشم ولارك وسيطروا على موانئ ‏جنوب فارس ومنعوا السفن الفارسية من الملاحة في الخليج مما أحدث قلقاً شديداً لدى ‏الدوائر الأوروبية وخصوصا بعد أن إتخذ العمانيون من هرمز قاعدة لنشاطاتهم البحرية ‏‏, وتشير التقارير الهولندية إلى أن عدد الحامية العمانية في هرمز تقدر بألف رجل ‏يتناوبون على حراسة المضيق .‏

لقد إستنفذت فارس كل الوسائل الداعية لإقامة تحالف مع أي من الدول الأوروبية بهدف ‏القضاء على البحرية العمانية والإجهاز عليها , إلا أن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل ‏وتؤكد كتابات المعاصرين لهذه الأحداث على سوء تقدير الفرس وتناقض مواقفهم بعكس ‏العمانيين الذين أتسموا بصدق وإحترام شديدين وخصوصاً في معاملتهم لأهل الأديان ‏الأخرى وحرية إقامة شعائرهم الدينية , ويذكر هاميلتون : لقد كان عرب عمان يشنون ‏غارات ضد البرتغاليين على الساحل الهندي ويدمرون المدن والقرى ولكنهم لم يهاجموا ‏الكنائس ولم يقتلوا أعزلاً أو طفلاً وكانوا يعاملون أسراهم معاملة كريمة بخلاف ‏البرتغاليين الذين كانوا يعاملون أسراهم معاملة وحشية ويضيف هاميلتون : لقد كان ‏العمانيون يمنحون أسراهم بدل أرزاق مثلما يعطون لجنودهم تماماً .‏

نديم العمر 03-01-10 11:01 AM


( 17 )

اليعاربة والعلاقات الدولية‏



تبدو إمكانات اليعاربة في مقدرتهم على الإستفادة من المنافسات الدولية في بحار الشرق ‏وتقديرهم لأهمية العلافات المتوازنة مع القوى الأوروبية المتنافسة على الخليج العربي ‏إبتداء من النصف الثاني من القرن السابع عشر وتتميز دولة اليعاربة بأنها قد تمكنت ‏ومنذ عصر ناصر بن مرشد من أن تستثمر إمكاناتها الذاتية , حيث إمتزجت إمكانات ‏البحر باليابس بطريقة متناغمة شكلت منظومة رائعة أعطت عمقاً إستراتيجياً دفع بعمان ‏إلى أن تكون القوة العربية الوحيدة في منطقة الخليج القادرة على مواجهة كافة الأطماع ‏الأجنبية والأقليمية .‏

وتشير المصادر الأجنبية إلى أن الإمام ناصر بن مرشد تمكن من تحييد الإنجليز خلال ‏صراعه مع البرتغاليين وبينما القوات العمانية تحكم الخناق على البرتغاليين إقتصادياً ‏كانت شركة الهند الشرقية البريطانية تتفاوض مع العمانيين عام 1645م لإقامة علاقات ‏إقتصادية وسياسية من خلال بعثة إنجليزية ترأسها فيليب وايلد الذي وصل إلى صحار ‏وأبرم إتفاقاً مع الإمام ناصر بن مرشد يعطي للإنجليز حق حرية التجارة في مسقط ‏وحرية ممارشة شعائرهم الدينية .‏

وخلال عصر الإمام سلطان بن سيف 1649-1679م نجح العمانيون في إقامة علاقات ‏متوازنة مع كل القوى الإوروبية ولم يجد سلطان بن سيف غضاضة في تنمية علاقاته ‏مع الإنجليز وأستقبل الكولونيل رينسفورد بصفته مندوباً عن شركة الهند الشرقية عام ‏‏1659م وأثمرت المفاوضات عن منح الإنجليز أحدى القلاع في مسقط على أن لا يزيد ‏عدد الجند بها عن مائة وأن يتقاسم العمانيون والإنجليز الإيرادات الجمركية مقابل العمل ‏على تنمية موارد مسقط بما يحقق المصلحة للطرفين , إلا أن العمانيين لم يتحمسوا ‏لتنفيذ بنود هذه الإتفاقية بسبب تنامي المصالح الهولندية في المنطقة وتراجع دور ‏الإنجليز ولعلها كانت فرصة مناسبة لسلطان بن سيف الذي أدرك خطورة التنازل عن ‏إحدى قلاع مسقط لواحدة من أكبر القوى الأجنبية ولعل ما يفسر تراجع سلطان بن ‏سيف عن تنفيذ إتفاقية 1659م مع الإنجليز ذلك التفوق الهائل الذي حققه الهولنديون ‏على الإنجليز خلال الفترة من 1654م وحتى 1684م حيث إنتزع الهولنديون معظم ‏النشاطات الإقتصادية في الخليج .‏

وعموماً فإن عدم تنفيذ إتفاقية 1659م لم يتسبب في توتر العلاقات العمانية الإنجليزية ‏خصوصاً وقد إستخدم الإنجليز إسلوب الدبلوماسية المرنة حرصاً على مصالحهم المهددة ‏في المنطقة والأكثر من هذا أن العلاقات العمانية الإنجليزية تنامت في عهد سلطان بن ‏سيف 1649-1679م ونجح العمانيون في إقامة علاقات متوازنة بين الإنجليز ‏والهولنديين مما ضاعف من نجاح المواجهة العمانية البرتغالية وراح الإسطول العماني ‏يتعقب السفن البرتغالية في المحيط الهندي وسواحل شرق إفريقيا وسواحل الهند حيث ‏هاجموا قاعدتهم في ياسين كما نجحت مجموعات عمانية أخرى في شن حملات مماثلة ‏على سواحل كجرات وميناء بومباي وكانت معركة جزيرة سالت من أنجح هذه العمليات ‏‏.‏

ومما يجدر ذكره أن حجم الإنتصارات العمانية قد أذهلت القوى الأوروبية في الخليج ‏العربي والمحيط الهندي لدرجة دفعت البرتغاليين إلى الإعتقاد بأن سبب الإنتصارات ‏المتلاحقة للعمانيين يرجع إلى المساعدات الإنجليزية والهولندية ولعل إدعاء البرتغاليين ‏يمكن تفسيره على ضوء مقدرة العمانيين على التعامل مع الإنجليز والهولنديين سواء من ‏حيث إستثمار المنافسات القائمة بينهما والقدرة على تحييدها أحياناً والإستفادة من ‏أسلحتها المتطورة في أحيان أخرى , أو من حيث أبرز حجم التناقضات القائمة بينهما ‏من جانب وبينهما وبين البرتغاليين من جانت آخر ومقدرة الدبلوماسية العمانية على ‏إستثمار عناصر التناقض وهو جهود لا تقل أهميتها عن الإنتصارات العسكرية العمانية ‏‏.‏

ويعتقد أحد الباحثيين بأن الإنجليز كانوا متعاطفين مع العمانيين بسبب الصراع المذهبي ‏بين الإنجليز وبين البرتغاليين المتعصبين لمذهبهم الكاثوليكي مع الوضع في الإعتبار ما ‏خلفه البرتغاليون من سمعة سئية بسبب سياسة الإحتكار التي بالغوا في تطبيقها مما ‏ألحق ضررا بليغا بالمصالح الإقتصادية البريطانية .‏

ويضيف بوكسر أن الإنجليز لم يقدموا مساعدات كبيرة للعمانيين وإن كان بعض ‏الإنجليز قد عملوا كبحارة لدى العمانيين دون تكليف من شركة الهند الشرقية البريطانية ‏ودون علم الحكومة البريطانية .‏

ومع تقديرنا لوجهة النظر هذه إلا إنه إذا كان ثمة تعاطف إنجليزي مع العمانيين فإنه ‏كان تعاطفاً تكتيكياً حكمته مصالح سياسية وإقتصادية يمكن فهمها في إطار سياقها ‏التاريخي القائم وقتئذ بحكم القلق الذي إنتاب الدوائر البريطانية بسبب تصاعد القوة ‏العمانية وتأتي إتفاقية 1661م بين الإنجليز والبرتغاليين تأكيداً لهذا المعنى حيث توجت ‏بزواج الملك شارل الثامن من كاترين أوف برجنزا والتي نص في إحدى موادها على ‏ان يقدم الإنجليز مسقط إلى البرتغاليين إذا ما قدر لهم في أي وقت السيطرة عليها , ‏إضافة إلى أن العمانيين قد إعتادوا على مهاجمة السفن الانجليزية وأجبار بحارتها على ‏مشاركتهم في الهجوم على القواعد البرتغالية لدرجة أن تقرير لشركة الهند الشرقية ‏البريطانية في بندر عباس قد أقر بأن الإسطول العماني يعوق تجارة الشركة ويسبب لها ‏خسائر كبيرة .‏

وعلى الرغم من كل ذلك فقد حرص العمانيون على قيام علاقات متوازنة مع الإنجليز ‏والهولنديين وتقديراً لأهمية هولندا ودورها في بحار الشرق فقد قدم الإمام سلطان بن ‏سيف الأول مشروعاً يسهل للهولنديين نقل بضائعهم عبر الأراضي العمانية إلى البصرة ‏بدلاً من جمبرون بعد أن بالغ الشاه عباس الثاني في فرض ضرائب باهضة على ‏التجارة الهولندية .‏

وعلى الرغم من تحسن العلاقات الهولندية مع فارس وعودة جمبرون كمركز تجاري ‏للهولنديين إلا أن ذلك لم يكن على حساب المصالح العمانية الهولندية التي راحت تتحسن ‏يوماً بعد يوم .‏

وإذا كان العمانيون قد تمكنوا من تحييد الهولنديين بهدف الإجهاز على البرتغاليين إلا أن ‏العلاقات العمانية الهولندية لم تصل إلى درجة التحالف بل العكس هو الصحيح فقد شعر ‏العمانيون بأن الهولنديين يعتزمون الإنفراد بتجارة الخليج بدلاً من البرتغاليين ولم يكن ‏اليعاربة على إستعداد لإستبدال النفوذ الهولندي بالنفوذ البرتغالي .‏

لقد إنتاب الدوائر الفارسية قدراً كبيراً من القلق بسبب تنامي الإسطول العماني وأخذوا ‏يستنجدون بالهولنديين أحياناً وبالإنجليز في أحيان أخرى .‏

والملاحظ أن فارس لم تيأس من محاولة الإعتماد على القوى الأوروبية بهدف إحتلال ‏مسقط وعلى أثر فشل محاولاتها مع الإنجليز والهولنديين قررت الإتجاه إلى فرنسا التي ‏رحبت بهذا التعاون في البداية , وتمخض عنه إبرام معاهدة 1708م والتي تضمنت ‏الكثير من البنود التي تنص في مجاملها على إحتلال مسقط إلا أن الدبلوماسية الفرنسية ‏ما لبثت أن إكتشفت خطأ سياستها وكلما ضغط الفرس على الفرنسيين لبدء العمليات ‏العسكرية راح الفرنسيون يتدرعون بكثير من الحجج في الوقت الذي كانت فيه ‏الدبلوماسية العمانية تطور من تعاملها مع السياسة الفرنسية بينما كانت الأوضاع في ‏فارس تتدهور بشكل ملحوظ .‏

وفي عهد نادر شاه كانت أوضاع عمان قد أخذت في التدهور في ظل إمامة سيف بن ‏سلطان الثاني , وأطلت الفتن برأسها من جديد ولم يهمل نادر شاه طلب إمام عمان ‏العون منه , وإبحرت الحملة الفرنسية من بندر عباس سنة 1737م بقيادة لطيف خان ‏وإجتاح الفرس عمان وإحتلوا مسقط ومعظم المدن الساحلية وهكذا أخذت تنهار دعائم ‏الدولة بشكل لافت .‏

والحقيقة أن عصر اليعاربة يمثل حالة إستثنائية في التاريخ العماني من حيث سرعة ‏إنفراد اليعاربة بالحكم وتمكنهم من إستثمار كل مقومات النجاح وإعادة الوحدة الوطنية ‏ومقدرتهم الفائقة على مقاومة خصومهم في الداخل والخارج , كل ذلك حدث في وقت ‏قياسي لم يستغرق أكثر من عقد ونصف من الزمان , وبنفس السرعة أيضاً أخذت ‏مقومات الدولة تتهاوى حيث أطلت الفتنة برأسها وأنقسم الناس بين مؤيد لهذا أو مناصر ‏لذاك , وشاء القدر أن يخرج من نسيج المجتمع العماني رجل آل على نفسه أن يتصدى ‏لكل عوامل الضعف ولأنه كان شخصية شديدة الإنضباط شديدة الجرأة , لذا فقد إتخذ ‏من صحار رمزاً للوطن الكبير ومن هذه المدينة التاريخية إنطلقت المقاومة التي قادها ‏الإمام أحمد بن سعيد مؤسس دولة البوسعيد عن إقتدار لكي ينهي عصر الضعف من ‏أجل أن تبقى عمان وطنا أبدياً وفاعلاً وحياً .‏


الساعة الآن 01:53 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية