![]() |
أخذ يتكلم بسهولة وخفة وهي تزيل الأوراق عن سندويشاتها ، يشرح عما يحدث في المدينة. . واضح أنه يعرف الكثير من الناس الذين يتكلم عنهم ولم تفكر ناتالي يوماً بخلفيات حياته ، بل تقبلته كزميل لها في معانات الوحدة. . لكن ثراء تشاد غرايزر الواضح جعلها جعلها تتساءل لماذا يتنازل العجوز إلي الحديث مع فتاة التقاها على مقعد حديقة عامة.
منتديات ليلاس وقال ملاحظاً : تبدين مفكرة. مسحت أصابعها في منديل ورقي. - كنت أتساءل كيف كان موعدك مع الطبيب. ابتسم: - أوه. . هذا. . مجرد فحص روتيني. . وكما توقعت كان عليّ أن أنتظر. . تشاد رجل نافد الصبر. . إنه ليس ابن أختي في الواقع، بل ابن أخت زوجتي الراحلة. وهذا ما يجعله يحس أنه قادر على إعطاء الأوامر لي. - يبدو متغطرساً قليلاً. ضحك: - أجل. . أخلاقه منفرة. . حاله كحال جميع المحامين يرتاب دائماً بالدوافع والأفعال. - لاحظت هذا. - لكنه لامع الذكاء. . ومن الصعب جداً خداعه. كان ليصبح محامياً لامعاً وكاد أن ينجح في الجنايات، لكنه فضّل إدارة أموال وأسهم عائلته. . وهم زمرة ثرية جداً. . " عائلة غرايزر" . ويهتم تشاد بهم وبكل شيء: الأسهم الحصص ، عدة مؤسسات كبيرة، ومزارع. أوه. . مجموعة كبيرة من الأعمال. . إنه رجل صلب لكنه أهل للثقة، له من رجاحة العقل ما يجعلنا نحس بقلة الراحة معه. جلس صامتاً يفكر قليلاً قبل أن يكمل: - لكن لا داعي أن تقلقي بالك به وبطريقته المتعجرفة ، جئت أسألك ما إذا كنت ترغبين في تناول العشاء معي مساء الغد. فغر الذهول فمها وعينيها ، وقال ضاحكاً: - لا. . أنا لست عجوزاً قذراً. . أعدك. لكنني أحمل عبئاً منذ سنوات، وأظنك قادرة على مساعدتي به. أحست بالفضول طبعاً فهي ساذجة في كثير من الأمور. . لكنها وثقت به غريزياً ، ولم يخطر ببالها أن الآخرين قد يستنتجون استنتاجاً خاطئاً عن موعد عشائهما. ولا حتى حين أوصلها التاكسي الذي أرسله إلي أحد |
المنازل الفاخرة ، في ضاحية فخمة من المدينة. كان العشاء فاخر التحضير. . وقد تمتعت ناتالي به. . جلسا معاً بعد العشاء يرتشفان القهوة أمام النار المدفئة. نظرت ناتالي حولها في الغرفة. . في الخارج، كانت قد ثارت رياح خفيفة. كانت الغرفة جميلة ودافئة. . وابتسمت لمضيفها.
وضع فنجان قهوته من يده بحركة حادة: - أخبريني عن اسمك. . إنه جميل جداً. . ضحكت: - اسمي الأصلي ناتاليا، وهو اسم جدة أبي، وأرادني أن أحمله لأنه يحبها جداً. حدّقت باللهب المتوقد بتعابير حزينة: - أعتقد أن أمي قد أحبت أبي كثيراً لأنها كانت تتألم حين تحدثني عنه. . وبعد فترة من الوقت لم أعد أسأل. لكنني أعرف أن طفولته كانت تعيسة، وكانت جدته لطيفة جداً وتحبه كثيراً، لقد مات قبل أن أولد. منتديات ليلاس - حقاً ؟ كان في صوته رنة غريبة لفتت انتباهها . . لكنه لم يكن ينظر إليها: - كانت جدتي تحمل اسم ناتالي أيضاً . . وكان لها عينان قاتمتان كعينيك، لدرجة لا يعرف المرء أكانتا سوداوان أم بنيتان. . وكان في عينيها شظايا ذهبية مثلك تماماً . . وحين كانت تغضب تتحرك الشظايا وكأنها ألسنة لهب. توقفت أنفاس ناتالي في حلقها، ليصدر منها صوت غريب، جعله يرفع نظره إليه ، وشيء ما كالتوسل في عينيه: - ماذا ؟ لا يمكنني ، لا يمكن. . لم يتقبل دماغها ما كان يحاول الإحاء به إليها . . لكنه بادرها قائلاً بتحفظٍ: - لقد كتبت لي أمك حين كانت في أكلند. . لم تستطع دفع نفسها للاعتراف لك. . مع أنني واثق أنها لم تكن تحتاج إلي أن تقلق . . فأنت لن تكرهيها بسبب ما فعلت. - أمي . . وأنت ؟ هذا كثير. . انفجرت باكيةً وأخذت ترتجف خصلها السوداء وهي منحنية الرأس فوق وسادة الصوفا . تركها تبكي لبعض الوقت. . لكن حين لم تبدِ دموعها دلائا على التوقف، تقدم إليها ليقول بهدوء: - هس عزيزتي. . ستسببين صداعاً لنفسك لو استمريت في البكاء أكثر. |
تقبلت المنديل وبدأت تجفف دموعها ، وجعلها ترتشف المزيد من القهوة الساخنة ، ثم أمسك يدها وسألها:
- هل لي أن أخبرك كيف حدث هذا ؟ إذا أردت بعد ذلك العودة إلي المنزل، سأستدعي تاكسياً ولن ترينني مرة أخري. وأرجو أن أجد في طيات قلبك مكاناً للغفران. كانت قصة عادية. . قصة رجل أرمل مع ولدين يجد نفسه مكبلاً بهما، وسكرتيرة شابة وفاتنة قادمة من مدينة أخري. . جمعتهما الوحدة دون إرادة، وبدافع من حاجتهما المتبادلة للمؤاساة. . تزوجا سراً. . منتديات ليلاس - حين أخبرتني أنها حامل، عرضت أن أخبر أهلي . . لكن فيوليت، أمك رفضت، فقد كانت تعرف أن الزواج بيننا غير متكافئ، ولن ينجح. . تركتني فجأة وغادرت إلي ويلنغتون، إلي صديقة لها هناك. . بالطبع توليت إعالتها. . حين أنجبتك، كتبت لي أنك جميلة، سوداء العينين والشعر، تملكين بشرة سمراء كالزيتون. . فطلبت منها أن تسميك ناتاليا. . هزت ناتالي رأسها. . تبتلع ريقها بصعوبة. . وركزت عينيها الموروثتين عن جدتها عليه وهو يكمل: - كما قالت لك أمك . . كانت طفولتي تعيسة متجهمة. . وكانت جدتي هي لمسة الإشراق الوحيدة فيها . . حين تزوجت أول مرة، كان زواج مصلحة، دون حب. . أردت تسمية ابنتي على اسم جدتي، لكن زوجتي رفضت بعناد ، لأنها وجدت الاسم غير لائق. وسمت ولدينا آنا وريتشارد . وأنا سعيد لهذا الآن ، فابنتها تشبهها . . لكن أنت . . أنت جدتي ، وقد تجسدت مجدداً. . كانت سليلة أسرة اسبانية عريقة. . وكان جسمها صغيراً مثلك ولها نفس الضحكة الدافئة، والصوت الجميل. . - أنا . . مسرورة لهذا. . نظر إليها بمزيج من اللهفة والندم: - حقاً ناتالي ؟ أرجو هذا . . وأدرك تماماً الصدمة التي أحسست بها الآن . - لماذا لم تقل لي أمي إنك لا زلت حياً ؟ لطالما تساءلت كيف شكل أبي . . أعتقد أنني أعرف الآن سبب ادعائها أنها أرملة، لكنني أتمني لو كنت أعرف الحقيقة. . كل ما قالته عنك هو إنك . . كنت لطيفاً وذكياً. ابتسم بسخرية، وامتلأت عيناه بالحزن: - وهي كذلك كانت لطيفة. |
ساد صمت مثقل بالذكريات، إلي أن سألت ناتالي:
- وهل بقيتما على اتصال؟ - لا. . فما إن بلغتِ سن الدراسة حتى رحلت إلي " ساوث آيلند" رافضة أن أعيلكما أكثر . . كتبت لي قبل رحيلها تقول إنه من الأفضل للجميع أن تتوقف العلاقة عند هذا . . وطلبت أن أطلقها . كانت حياتي في ذلك الوقت تمر في فترة مضطربة. . واخشي أن أكون أحسست بالارتياح لهذا. . لسنوات طويلة نسيت وجودكما، ولو ليس تماماً. ابتلعت ناتالي ريقها بصعوبة ونظرت إليه، بعينين مبللتين: - أتمني لو كنت أعرف . . لكان الأمرُ رائعاً. منتديات ليلاس أطرق يقول ببساطة: أنا آسف. هزت رأسها : - لا. . لا تكن آسفاً. . لقد كان لدي طفولة سعيدة. . لكنني فقط كنت أتساءل عن أبي. - حسناً. . أصبحت الآن تعرفينه. ساد الصمت مجدداً، لكنه صمت مريح. . طقطق حطب المدفئة بصوت منخفض. كانت تتمدد على السجادة كلبة جميلة، ودّية. . وبدا من الغريب جداً كيف تقبلت ناتالي واقع أن هذا الرجل هو والدها. . وأحست أنها في بيتها. قالت بعد قليل: - قلت أن أمي كتبت لك . . متى كان هذا؟ - حين جاءت معك لتطمئن على استقرارك هنا. قالت ستشعر بسعادة أكبر بأن شخصاً مثلي سيرعاك. . وأعطتني الخيار في أن أقابلك أولاً. تنهد: - ولقد دهشت لاكتشافي بأن عندي رغبة قوية بمعرفة ابنتي الأخرى. - وهكذا سعيت إليّ. - أجل. . فكرت أنني قد أسهل عليك الأمر لو أعطيك فرصة لتحبيني أولاً . هزت ناتالي رأسها. . ربما أراد أولاً أن يعرف كيف تبدو هذه الابنة المجهولة قبل أن يلزم نفسه. . - ناتاليا . . هل أمك سعيدة ؟ بدت عليها الدهشة: |
- أجل . . أجل هذا ما يبدو لي. . لماذا؟
- لأنها طلبت في رسالتها أن لا نعلن علاقتنا. . والسبب الذي أعطته هو أن زوجها سيجد صعوبة أن يسامحها لخداعها له. - خداع . . أوه. طبعاً ، أعتقد أنه تقبل أنها أرملة ، كما تقبلته أنا . أجل. . إنه متشدد جداً في وجهات نظره. . وقد يجد كذبة كهذه لا تغتفر. . إنه طيب ومستقيم. . ومع أنه قد يسامح أمي، لكنه قد لا يمكن من الثقة بها مجدداً. هز رأسه ليقول بهدوء: - مسكينة فوليت. . إذن لا يجب أن ندمر سعادتها. . وهذا لسوء الحظ يعني أن الصلة الحقيقية بيننا يجب أن تبقي سراً. . وهذا ما قد يسبب ببعض الكلام. منتديات ليلاس انتشر الاحمرار السريع على بشرة ناتالي ، لكنها قالت بجرأة: - أنا لا أهتم. . إذا كنت أنت لن تهتم . - أخشي أن لا يكون لديك فكرة عما سيكون الكلام. . ستكون الشائعات من نوع البذيء . ز وبما أنني لن أستطيع المخاطرة في إخبار ابني وابنتي بأمرك. . قد أصادف أوقاتاً سيئة هنا كذلك. . جعلها شيء ما في صوته ترفع رأسها ، لتقول مترددة: - يبدو عليك وكأنك لا تحبهما كثيراً . . أو تثق بهما. - هذا مكرٌ منك . . لا . .أنا لا أثق بهما . . أعتقد أنني وأمهما قد أفسدناهما. . لقد تربيا في جو من الارتياب والكراهية وحاولنا أنا وأمهما التعويض عن هذا بتدليلهما ، والنتيجة كالعادة. قالت وصوتها متلون بمعرفتها المفاجئة عما سيكون هناك في انتظارها: - ليس بالضرورة أن أقابلهما. - وهذا ما أطنه الأفضل. تنهد يمسك بيديها وينظر إلي عينيها بنظرة ماكرة متفهمة للحياة: - ربما. . من الأفضل أن تفكري بالأمر ناتالي . . لا. .لا تقولي نعم بعد . . أنت الآن غير متوازنة. . سيصل التاكسي في أية دقيقة الآن ليأخذك إلي النزل. حين تصلين هناك فكري بحذر شديد. ز فسيكون زياراتنا للحديقة عُرضة للكلام الخبيث والسخرية، ولا أريدك أن تتأذي . . سأفهم لو فضلت أن لا تعرضي نفسك لمثل هذا . . فأنت لا تدينين لي بشيء. بدا مستوحداً وهو يلوح لها مودعاً ، عجوز، ومتعب. . لا صحبة له سوي الكلب الصغير. . ربما هذا ما اتخذ عنها قرارها، وهذا ما حدث |
الساعة الآن 12:42 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية