( 11 ) عُمان والدولة الأموية حين أطلت الفتنة بين المسلمين في زمن عثمان وحين قبل على بن أبي طالب عليه السلام التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان , بدأت عمان تكون رأياً سياسياً مخالفاً لما قامت عليه خلافة بني أمية ثم إستقلت تماماً على الدولة الأموية وذلك منذ سنة 37هـ/657م بعد إجتماع الحكمين – عمرو بن العاص وعبدالله بن قيس أبي موسى الأشعري – وخلعهما عليا بن أبي طالب سلام الله عليه من خلافة المسلمين . وتجمع المصادر التاريخية على إنه عقب وقوع الفتنة وإفتراق الأمة وبعد أن صار الملك والسلطان لمعاوية بن أبي سفيان لم يكن للأمويين شئ من الشأن والسلطان في عمان . لقد إنتقل مركز السلطة المركزية للدولة العربية الإسلامية من الكوفة إلى دمشق بعد تنازل الحسن بن علي سلام الله عليه عن الخلافة سنة 41هـ لصالح معاوية وكانت إهتمامات الخليفة الأموي بالدرجة الأساسية إستتباب الأمن وإستقرار أقاليم الدولة العربية الإسلامية الرئيسية ومن جملتها العراق حيث عهد بإدارة الكوفة للمغيرة بن شعبة الثقفي وجعل لولاية البصرة عبدالله بن عامر ثم عين زياد بن أبيه الثقفي عام 45هـ بدلاً منه . ورغم هذه التطورات السياسية التي طرأت على سلطة الدولة العربية الإسلامية إلا أن إدارة عمان ظلت تحت نفوذ آل الجلندي , حيث بقوا محافظين على إستقلالهم الإداري وخاصة في بداية العصر الأموي ولعل إنتقال مقر الحكم الأموي إلى دمشق قد جعل عمان أكثر إستقلالاً نظراً لبعدها الجغرافي وخصوصاَ وأن أبناء الجلندي لم يعلنوا صراحة عن نزعة إنفصالية في خلافة معاوية بن أبي سفيان الذي حكم من عام 41هـ إلى 60هـ . وقد بقيت عمان مستقله إستقلالاً شبه كامل في بداية العصر الأموي ولا تحدثنا المصادر عن أي تدخل من قبل الأمويين في شؤون عمان طيلة الفترة السفيانية وحتى عهد عبدالملك بن مروان . لقد بدأ الوضع السياسي يضطرب في الأقاليم خلال حكم يزيد بن معاوية 60-64هـ ونشطت المعارضةة في الحجاز والعراق وتعرضت عمان في هذه الفترة لخطر نجده بن عامر الحنفي زعيم الخوارج النجدات الذي تمكن من السيطرة على البحرين وتطلع إلى مد نفوذه إلى عمان التي أرسل إليها حملة عسكرية بقيادة عطية بن الأسود الحنفي عام 67هـ وكانت عمان وقتئذ تحت حكم عباد بن عبد الجلندي يعاونه أبناه سليمان وسعيد في تدبير أمور عمان وتمكن عطية الحنفي من مفاجئة آل الجلندي بقواته حيث تمكن من هزيمة آل الجلندي وأستولى على عمان بالقوة . كما أزعجت هذه الإنتصارات عبدالله بن الزبير الذي كان يسيطر على الحجاز وقسم كبير من العراق فأرسل جيشاً إلى الخوارج النجدات ولكن نجده وأتباعه هزموه وأضطروا للفرار . لقد راح العمانيون يتحينون الفرصة للتخلص من سلطة نجده بن عامر وقد حانت تلك الفرصة عندما قتل القائد الخارجي عطية الحنفي أثناء عودته إلى البحرين تاركاً واءه كنائب عنه أبا القاسم في إدارة شؤون عمان وأنقض العمانيون بقيادة آل الجلندي على أبي القائم وقتلوه وشتتوا أتباعه وعادت عمان مستقلة مره أخرى . لقد كان تعيين الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق والمشرق الإسلامي سنة 75هـ من قبل الخليفة عبدالملك بن مروان نقطة تحول هامة في تاريخ العلاقات بين سلطنة الدولة المركزية وعمان لذا فقد وضع الحجاج عمان ضمن أولويات خططه بهدف إعادتها إلى الدولة الأموية . وقد حاول الحجاج أن يخضع عمان للسيطرة الأموية مستعملاً القوة والعنف وتشير المصادر التاريخية إلى أن أول حملة عسكرية بعث بها الحجاج إلى عمان كانت بقيادة القاسم بن شعوة المزني وقد رست الحملة في ساحل حطاط إلا أن العمانيين قاوموا مقاومة باسلة مما أدى إلى إندحار الحملة وقتل قائدها لذا فقد أخذ الحجاج يعد العدة لإرسال حملة كبيرة تحت قيادة مجاعة بن شعوة المزني وهو شقيق القائد الذي لقي حتفه في الحملة الأولى وبلغ عدد المقاتلين أربعين ألفاً وقسمت القوات إلى قسمين قوة سلكت طريق البر وأخرى أخذت طريق البحر وأختار الحجاج بن يوسف كل المقاتلين من النزاريين الذين لا يمتون للأزد بصلة . وقد وصلت القوات البرية قبل القوات البحرية وكان سليمان بن عباد الجلندي على علم بخروج الحملة ووقعت المجابهة بالقرب من وادي بوشر ونزلت الهزيمة بجيش الحجاج في القوت الذي كانت فيه القوات البحرية قد وصلت إلى جلفار (رأس الخيمة) ولجأ العمانيون إلى إستخدام أساليبهم البحرية من بينها إحراق أكثر من خمسين سفينة من أسطول الحجاج مما دفع بقية السفن إلى الفرار نحو البحر . وكتب القائد الأموي مجاعة المزني إلى الحجاج ينبئه بظروفه العسكرية الصعبة فأمده الحجاج بقوات بلغت خمسين ألف مقاتل كان معظمهم من أهل الشام الذين لجأوا إلى السيطرة على المناطق الساحلية من عمان وتؤكد الروايات التاريخية أن سعيد وسليمان ولدي الجلندي قد حوصرا في الجبل الأخضر وبذلك ضعفت روح المقاومة لدى العمانيين وزاد الموقف سوءاً حروب سعيد وسليمان إلى شرق إفريقيا وهكذا أصبحت قوات الحجاج تسيطر على عمان . وظلت عمان تابعة للأمويين إلى أن توفي عبدالملك بن مروان وولى الخلافة إبنه الوليد بن عبدالملك 86-96هـ وبوفاة الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 95هـ تولى أمر العراق بدلاً منه سيف بن الهاني الهمداني . وفي عهد سليمان بن عبدالملك 96-99هـ بدأت قبضة الأمويين تخف عن عمان وأخذ العمانيون يستعيدون إستقلالهم تدريجياً وخصوصاً بعد أن عين يزيد بن المهلب الأزدي والياً على العراق وخراسان حيث ولى يزيد أخاه زيادا على عمان حيث أحسن إلى أهلها . وفي عهد عمر بن عبدالعزيز 99-101هـ كتب العمانيون إلى الخليفة العادل يشكون من ظلم عماله فأختار الخليفة بنفسه عمر بن عبدالله الأنصاري الذي أحسن السيرة فيهم ولم يزل والياً على عمان مكرماً بين أهلها يستوفي الصدقات بن أغنيائهم ويردها إلى فقرائهم حتى وفاة عمر بن عبدالعزيز , حيث خرج من عمان قاصداً زياد بن المهلب قائلاً له: هذه بلاد قومك فشأنك بها . وفعلاً قام زياد بن المهلب بشؤون عمان حتى ظهر أبو العباس السفاح وصار ملك بني أميه إليه وقامت على يديه الخلافة العباسية في الوقت الذي قامت فيه في عمان أول إمامة أباضية على يد الجلندي بن مسعود وتحقق إستقلال عمان عن الدولة العباسية الوليدة . |
شكرا نديم على التقرير
|
اقتباس:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكراً جزيلاً لكِ اختي الكريمة على تشريفكِ الموضوع لا عدمنا الله منكِ |
( 12 ) عُمان والدولة العباسية بقيام الدولة العباسية فوض الخليفة أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر المنصور على أقاليم عمان واليمامة والبحرين وقد إختار أبو جعفر جناح بن عبادة بن قيس الهنائي عاملاً على عمان فظل في منصبه مدة قصيرة حتى حل محله إبه محمد بن جناح الذي حسنت سيرته في أهل عمان فأحبوه وقد تأثر كثيراً بالأفكار الأباضية مما دعاه إلى الإعتراف بنفوذهم فبادر أهل عمان وعقدوا الإمامة للجلندي بن مسعود الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للإمامة الأباضية وبذلك خرجت عمان من يد العباسيين زمن أبي العباس السفاح . على أن الخلافة العباسية كان لا يمكن أن يطول سكوتها عما كان يحدث في عمان مما يشكل سابقة خطيرة تؤدي إلى تمزق الدولة العباسية وإنفصال أطرافها لذا فقد أرسل الخليفة أبو العباس السفاح سنة 134هـ حملة بحرية بقيادة خازم بن خزيمة لاخماد الثورة التي تأججت في جزيرة أبن كاوان القريبة من عمان وأخضاع عمان لنفوذ الخلافة العباسية , وفي الحروب التي دارت بين الجيش العباسي وبين الجلندي بن مسعود قتل الأخير وبضع آلاف من رجاله في موقعة جلفار ومع ذلك فإن أوضاع عمان لم تستقر طويلاً ولم يستطع الولاة العباسيون أن يسيطروا على البلاد بسبب معارضة العمانيين لهم . لقد تركت وفاة الجلندي فراغاً سياسياً كبيراً وصدمة بين أتباعة وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع العباسيون إخضاع عمان , فالعمانيون لم يستكينوا للوالي العباسي وظلوا يناوئون العباسيين ويعارضون حكمهم . لم يلبث العمانيون أن ثاروا سنة 177هـ وخلعوا الطاعة للخلافة العباسية وإختاروا محمد بن عبدالله بن عفان اليحمدي إماماً إلا أنه كان شديداًَ تنقصه المرونة فأجمع العلماء على عزله وإختاروا الوارث بن كعب الخروصي وفي عهده إستقرت الأمور وساد النظام والأمن بفضل حزمه وعزمه . لم يرض هارون الرشيد عن الوضع فأرسل حملة كبيرة بقيادة عيسى بن جعفر بن سليمان لإخضاع عمان سنة 189هـ ولكن هذه الحملة باءت بالفشل الأمر الذي أغضب الخليفة هارون الرشيد الذي لم يلبث أن توفي قبل أن يثأر من عمان وأهلها . إجتمعت كلمة أهل عمان على مبايعة غسان بن عبدالله اليحمدي بالإمامة بعد وفاة الوارث بن كعب سنة 192هـ وقد بقي إماماً خمس عشرة سنة وسبعة أشهر وفي عهده إمتد نفوذ عمن إلى أقاليم أخرى من شبه الجزيرة العربية مثل اليمامة وحضرموت فضلاً عن بعض الجزر القريبة مثل سقطرى . وبوفاة الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي إنتقلت الإمامة إلى عبدالملك بن حمير بن ماء السماء الأزدي وخلال إمامته حدثت العديد من المشكلات والفتن الداخلية إلى أن أختير الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي الذي بويع عام 226هـ وقد تنبه إلى المخاطر التي كانت تتعرض لها عمان وكان أكثرها يأتي من ناحية البحر لذا فقد أخذ في تقوية الأسطول الذي وصل في عهده إلى ثلاثمائة سفينة كاملة التسليح , مهيأة لخوض غمار الحرب أما جيشه البري فقد وصل إلى درجة أن حامية نزوى وحدها كانت تضم عشرة آلاف مقاتل وسبعمائة ناقة وستمائة فرس . ثمة إمام آخر عظيم الهمة هو الصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي , الذي بويع بالإمامة في نفس اليوم الذي مات فيه الإمام مهنا في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 237هـ وقد بويع الصلت على ما بويع عليه آئمة العدل من قبله , أصلاح في الداخل وجهاد في الخارج وكانت أرض عمان في عهده مترامية الأطراف إذ كانت سقطرى والمكلا وحضرموت والمهرة كلها تحت الحكم العماني وفي عهده أعتدى النصارى الأحباش بإسطولهم على سقطرى واطلقوا الأجراس وجعلوها نصرانية وإستغاثت به إمرأه من أهل سقطرى وكانت بمثابة (وامعتصاه) التي إطلقتها إمراة مسلمة في عمورية , وإذا كان المعتصم في قاد جيشاً من الفرسان حتى ظفر وإنتصر فإن الإمام الصلت بعض إسطولاً من مائة سفينة حربية تحمل جنوداً أشاوس وفرساناً يحتسبون أرواحهم في سبيل الله وتمكنوا من إستعادة الجزيرة من مغتصبيها وقد أمضى الإمام الصلت في الحكم خمساً وثلاثين سنة من 237- إلى 272هـ الموافق 851 إلى 885م . وفي عهد الإمام الصلت إستقلت عمان عن الدولة العباسية إستقلالاً كاملاً وقد عاصر هذا الإمام العادل ستة من خلفاء بني العباس هم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد . وفي أواخر القرن الثالث الهجري دخلت إمامة عمان مرحلة من مراحل الضعف حيث إشتدت الصراعات بين القبائل ولجأ بعضهم إلى الإستعانة بالوالي العباسي في البحرين ضد خصومه ومنافسيه مما أغرى محمد بن نور الوالي العباسي في البحرين بغزو عمان سنة 281هـ/893م فأستولى على سواحل عمان وأقام الخطبة للخليفة العباسي المعتضد وفرض على العمانيين خراجاً سنوياً ومع ذلك فقد ظل العمانيون يختارون آئمتهم بعيداً عن سطوة العباسيين . لقد بقيت عمان متماسكة قوية في ظل آئمتها العظام من أمثال الصلت بن مالك إلى أن تولى أمر عمان عدد من الأئمة لم يكن الواحد منهم يبقى في منصبه إلا بقدر ما يكيد له الأخرون وفي عهد الإمام عزان بن تميم وقعت حرب أهلية طال أمدها وأتسع مداها إلى أن أكلت الأخضر واليابس . وفي أوائل القرن الرابع الهجري أي العاشر الميلادي تعرضت عمان لهجمات القرامطة الذين إتخذوا البحرين مقراً لهم , ولم تحل سنة 317هـ/929م إلا وكان القرامطة قد سيطروا على بعض أجزاء عمان في الوقت الذي أخذت فيه الخلافة العباسية طريقها نحو الإنحلال والضعف وإزداد نفوذ بني بويه في الدولة وإنعكس ذلك بشكل واضح على عمان التي تغلب عليها يوسف بن وجيه وهو رجل مغامر سبق له أن حاول إحتلال البصرة مرتين إلا إنه فشل في محاولاته سنة 331هـ وسنة 341هـ , فقد تمكن يوسف من الإستقلال بعمان بعيداً عن الخلافة العباسية . وتشير المصادر التاريخية إلى أن العمانيين لم يرضخوا لسلطة يوسف بن وجيه وإختاروا سعيد بن عبدالله بن محمد الرحيل إماماً عليهم سنة 320هـ/930م . وإستطاع هذا الإمام إنتزاع عمان الداخل من قبضة يوسف بن وجيه الذي بقى محصوراً في المناطق الساحلية وبعد إستشهاد الإمام سعيد بن عبدالله بالقرب من الرستاق سنة 320هـ/939م إختار العمانيون راشد بن الوليد إماماً لهم وواصل الحرب ضد مغتصبي بلاده وحقق إنتصارات متوالية على يوسف بن وجيه الذي إعتاله مولاه نافع سنة 342هـ وتولى الأمر مكانه وأعلن ولاءه للعباسسن ووجدها الخليفة معز الدولة فرصة لغزو عمان إلا أن محاولاته جميعها باءت بالفشل , وبلغ من سوء الأحوال عندئذ أن بعض المتنافسين على السلطة في عمان إستعانوا بالقرامطة في البحرين سنة 355هـ مما عرض عمان لخطر القرامطة من جديد . لقد أفزع هذا الوضع المخلصين من العمانيين فنظموا صفوفهم وتمكنوا من طرد القرامطة نهائياً من عمان سنة 375م وإتبعوا ذلك بالعمل على إستئصال نفوذ الخلافة العباسية من عمان . لقد ظلت عمان خاضعة للولاة مدة خمسة وستين عاماً منذ وفاة الإمام راشد بن الوليد سنة 342هـ حتى إختير الخليل بن شاذان إماماً في العقد الأول من القرن الخامس الهجري . وقد إنتعشت الإمامة الأباضية بسبب هذه الإنتصارات المتلاحقة وأحسن بنو مكرم وهم من أعيان اهل عمان بمنافسة الإئمة لهم فأشتد الصراع بين الطرفين ووقعت الإضطرابات والحروب الأهلية مرة ثانية ولم يجد العمانيون مخرجاً من هذا الوضع المتردي إلا بالإتفاق حول الإمامة الأباضية . وكان إن سقطت الخلافة العباسية في بغداد على أيدي التتار في أواسط القرن السابع الهجري ولم يكن التتار قوة بحرية ليفرضوا سيطرتهم على الخليج لذا فقد بقيت عمان بمنأى عن سيطرتهم ومضت في طريقها بعيداً عن نفوذ التتار ولم تلبث إن دخلت منتصف القرن السادس للهجرة في عصر بني نبهان . |
( 13 ) النباهنة حكاماً على عمان يتفق المؤرخون على أن حكم بني نبهان , إستمر خمسة قرون تقريباً 1154-1624م عرفت الأربعة القرون الأولى بفترة النباهنة الأوائل والتي إنتهت بحكم سليمان بن سليمنا بن مظفر النبهاني . وعرفت الفترة الثانية بفترة النباهنة المتأخرين والتي إمتدت من عام 1500 إلى 1624م حيث إنتهت مع قيام دولة اليعاربة وظهور الإمام ناصر بن مرشد سنة 1624م . والنباهنة من أصول عربية حيث سنتسبون إلى قبيلة العتيك الأزدية العمانية العريقة وقد وصفهم إبن زريق بأنهم ملوك عظام وكان من أشهر ملوكهم جوداً وكرماً الفلاح بن المحسن . لقد أشاد إبن بطوطة آثناء زيارته لعمان بتواضع الحكام النباهنة حيث إتيح له أن يلتقي بالملك النبهاني أبي محمد الذي قال عنه : (ومن عاداته أن يجلس خارج باب داره ولا حاجب له ولا وزير ولا يمنع أحداً من الدخول إليه من غريب أو غيره ويكرم الضيف على عادة العرب ويعين له الضيافة ويعطيه على قدره وله أخلاق حسنة). يعتبر عصر النباهنة بأنه من أكثر فترات التاريخ العماني غموضاً بسبب قلة المصادر التي تناولت هذه الفترة لكن ما وصل إلينا من معلومات يعطي إنطباعاً بأن عصرهم كان عصر تنافس وصراعات داخلية ويصعب تتبع أحداث هذه الصراعات لكن من الثابت أن تدهور الأوضاع الداخلية قد أغرى الفرس لمحاولة إحتلال عمان وأن هجوماً قام به الفرس في عهد الملك النبهاني معمر بن عمر بن نبهان لكن العمانيين تصدوا لهذا الهجوم وقضوا عليه إلا أن هجوماً آخر قد وقع سنة 660هـ/1261م في عهد الملك أبي المعالي كهلان بن نبهان بقيادة ملك هرمز محمود بن أحمد الكوستي الذي تمكن من الإستيلاء على قلهات مستغلاً الصراعات القبلية ثم مضى نحو ظفار حيث قامت قواته بنهب الأسواق ومنازل الأهالي وسبي رقيقهم وبلغ عدد السبي إثنى عشر ألفاً وحملت الأمتعة والأموال المسلوبة والرقيق إلى قلهات ثم إتجه معظم الجيش متوغلاً في داخل عمان عن طريق البر يقوده ملك هرمز بنفسه ولما وصل جيشه إلى منطقة القرى حيث جبال ظفار الشاهقة تم الإستعانة بعشرة رجال من أهل ظفار كأدلاء للطريق فلما وصلوا بهم إلى داخل عمان هربوا عنهم ليلاً وعلى حد تعبير أبن رزيق : (أصبحوا حائرين يترددون في رمال عالية وفيافي خالية) فتاهو في تلك الصحاري الواسعة ونفذ ما معهم من ماء وطعام ونفقت دوابهم من الجوع والعطش وهام ملك هرمز على وجهه في الصحراء فهلك ومعظم جيشه ومن بقي منهم قتل على يد عرب البادية إلا نفر قليل واصلوا سيرهم حتى وصلوا إلى جلفار ومنها أبحروا إلى هرمز . أما بقية الجيش في قلهات فقد أغار عليهم رجال قبيلة بني جابر وقضوا عليهم ودفنوهم في مقابر جماعية تعرف إلى اليوم بقبور الترك . وفي عام 647هـ/1276م وخلال حكم عمر بن نبهان أغار الفرس على عمان بقيادة فخر الدين بن الداية وأخيه شهاب الدين نجلي حاكم شيراز وعندما نزل الجيش الفارسي مدينة صحار التقى بهم عمر بن نبهان في حي عاصم بمنطقة الباطنة وظل يقاتل حتى إستشهد وثلاثمائة من جيشه وزحف الغزاة إلى نزوى التي إستولى عليها الغزاة ونهبوا منازلها وسوقها واحرقوا المكتبات وأخرجوا أهل عقر نزوى من منازلهم وحلوا محلهم ثم توجهوا إلى بهلا العاصمة الثانية للنباهنة وحاصروها إلا إنها إستعصت عليهم وخلال فترة الحصار قتل فخر الدين أحمد بن الداية وكان لقتله أكبر الأثر على معنويات جنده الذين قرروا الإنسحاب من عمان نهائياً بعد أم مكثوا فيها أربعة أشهر عاشوا خلالها فساداً وقتلاً . وفي عام 866هـ/1462م أغار الفرس على عمان وإتخذوا من بهلا مقر لهم بعد أن طروا الملك النبهاني سليمان بن مظفر الذي فر إلى الأحساء التي إتخذها مكانا لإعادة ترتيب جنده ثم عاود هجومه على الفرس وتكن من تحرير عمان وإعادة ملكه لكن يبدوا أن إنقساماً قد وقع بين النباهنة أنفسهم لذا فقد رحل سليمان بن مظفر إلى شرق إفريقيا حيث أسس مملكة بته (بات) بعد أن ترك ولداه سليمان وسحام في عمان وإشتد بينهما الصراع على السلطة وإنتهى الأمر بإنتصار سليمان على أخيه لكن الصراع بينه وبين زعماء القبائل لم يتوقف إلى أن إختارت القبائل محمد بن إسماعيل إماماً . ثم تجددت الصراعات مره أخرى حينما تمكن سلطان بن محسن بن سليمان النبهاني من إستعادة ملك أجداده وإنتزاع مدينة نزوى عام 924هـ/1556م إلا إنه لم يتمكن من السيطرة على داخلية عمان . وقد بقيت البلاد تتنازعها الإنقسامات والحروب الأهلية إلى أن تمكن سليمان بن مظفر بن سلطان من السيطرة على داخلية عمان وإتخذ من مدينة بهلاً مقراً لحكمه ونجح العمانيون في صد هجوم قارس على مدينة صحار لكن ما لبثت الفتن أن أطلت برأسها من جديد ولما كانت مدينة بهلا مقراً لحكم النباهنة فقد حرص كل زعيم منهم على أن ينفرد بحكمها لذا فقد إنقسمت البلاد بين أشخاص نصبوا من أنفسهم ملوكاً على مدن وقطاعات إتسمت أوضاعها بالضعف وإمتد الصراع إلى منطقة الظاهرة التي كان مسيطراً عليها أبناء الملك النبهاني فلاح بن محسن . لقد تناولت المصادر العمانية الفترة الأخيرة من حكم النباهنة حيث سادت الفوضى وإنقسمت عمن إلى ممالك صغيرة وتدهور الحياة الإقتصادية والسياسية إلى أن قيض الله لعمان رجلاً من بين رجالاتها تميز بكفاءة عالية ألا وهو ناصر بن مشرد اليعربي الذي إختاره أهل الحل والعقد في عمان وعقدوا له الإمامة سنة 1034هـ/1624م وبذلك بدأت عمان مرحلة جديدة من التلاحم حيث إستوعب الإمام الجديد كل تجارب وطنه وعزم النية على أن يبدأ بتوحيد البلاد على إعتبار أن ذلك هو صمام الأمان لمواجهة الخطر الخارجي المتمثل في الإحتلال البرتغالي وإستهلت عمان عصراً جديداً تميز بالشموخ والقوة . |
الساعة الآن 01:21 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية