كانت ناتالى تفقد الوعى وتستعيده مرات . أحياناً كانت تسمع ضوضاء ولكن لم تكن لديها القوة لتفتح عينيها ... إنها تحس بالدفء وهذا كل ما يهمها . عندما قررت أخيراً أن تنظر فيما حولها أحست بالاضطراب يجتاحها . ما الذى تفعله فى سرير ؟ والشمس تتسلل أشعتها خلال الستارة المفرودة على نافذة . انتبهت ناتالى فجآة لنفسها ونظرت أسفل البطانية وفغرت فمها على آخره .... إنها لا ترتدى شيئاً . شيئاً فشيئاً عادت إلى ذاكرتها صوراً مشوشة عن الأمسية السابقة رأت نفسها تائهة وسط الجليد وهى تتجمد من البرد ... ثم ... الدب الضخم المخيف ... الذى اقترب منها . وكان هذا آخر منظر تذكره . ولكن ماذا تفعل فى هذه الحجرة المجهولة ؟ تأملت السرير الحديدى الأسود القديم والأثاث من خشب البلوط السميك وساعتها الأنيقة من ابتكار لوسبان بيكار مستقرة بجوارها على المائدة الليلية . ثم لمحت بعد ذلك بابين تمنت أن يكون أحدهما يفتح على ملابسها . جلست ناتالى ولفت نفسها فى البطانية الطويلة المصنوعة يدوياً . لم يسبق لها أبداً أن أحست بهذا الضعف الشديد ، وعندما هبطت من فوق السرير أوشكت ساقيها أن تخوناها ، أصيبت بالدوار فاضطرات إلى الإمساك بحافة السرير . أخذت الغرفة تتراقص أمام عينيها مثل مركب عائم تتقاذها أمواج المحيط . أحست بالشرود وبصعوبة التركيز الذهنى فاضطرات إلى أن تتوقف بعد محاولتها الأولى للنهوض . أخيراً أخذت نفساً عميقاً واتجهت برقة نحو البابين وأمكست بمقبض أقربهما إليها ودهشت وهى تحس بأن المقبض يدور من نفسه فى نفس اللحظة هناك شخص أو شئ ما وراء الباب . انفتح مصراع الباب إلى الخارج وظهر المخلوق الرهيب ذو الفراء . كانت ناتالى لا تزال فى حالة صدمة فغطت عينيها وأطلقت صرخة هزت جدران البيت . أوشك الغطاء أن يسقط عن جسدها العارى ولكن ذلك لم يعد يقلقها . صاح تروى وهو يرفع يديه نحو أذنيه ليسدهما : - اللعنة ! ألن تكفى عن الصراخ هكذا ؟ كان فكه متصلباً كالخشب بدرجة مخيفة .وعندما استطاع السيطرة على الطنين الرهيب فى أذنيه أوشك أن يصاب بالإغماء أمام منظر الفتاة شبة العارية الواقفة أمامه . رفعت ناتالى رأسها فجأة . إن من تراه أمامها لا صلة له بالدب الأسود . إنه رجل يرتدى عباءة فرو ضخمة شكلها دميم للغاية . أطلقت زفرة ارتياح طويلة . وأخيراً أدركت الشابة وهى فى شدة الخجل والذل أنها شبه عارية أمام نظرات المجهول العميقة فغطت صدرها بسرعة . وقالت أخيراً وقد احمر وجهها خجلاً : - حمدا لله ... أنت من البشر ! - من كنت تتوقعين أن تريه ؟ أمنا الغولة ؟ لم يستطع تروى أن يرفع عينيه عنها : إنه منجذب إليها كالمغناطيس . أطلقت ناتالى ضحكة عصبية : - لقد حلمت حلماً رهيباً أن دباً يهاجمنى .. أعرف أن هذا يبدو حمقاً . كانت نظرات الرجل تخترقها . رفعت عينيها نحوه ولاحظت أولاً شعره الأسود الذى تخللته خطوط بيضاء . لم يكن غريباً أن يبدو لها متوحشاً ومهدداً فى الليلة السابقة . ********************** يتبع... |
إن طوله على الأقل مائة وتسعون سنتيمتراً وبهذه العباءة من الفرو الضخمة كانت كتلة جسده تحتل تقريباً إطار الباب . أما ذقنه فهو يوضح تماماً مدى عزيمته الوحشية وملامحه تظهر قوة لا يستهان بها . إنه يصلح دون شك لأن يكون نموذجاً لتمثال أبوللو إله الحرب . لابد أن هذا الرجل أدار عقل أكثر من امرأة وكانت لحيته التى لم يحلقها من أيام قد أعطته نوعا من القسوة الجذابة . قالت : - حتى أقول الحقيقة ... أنا لا أتذكر شيئاً كثيراً . - طبعاً لأنك كنت تهذين وتعانين من فرط البرودة . لقد سببت لى خوفاً شيطانياً . منذ كم من الوقت وأنت تائهة فى هذا الإعصار ؟ - ليست لدى أى فكرة . لقد فقدت الإحساس بالوقت - لقد اعتقدت أنك انتقلت إلى الرفيق الأعلى . - أنا آسفة على القلق الذى سببته لك . ولكن فى الحقيقة أنا اسمى ناتالى كورتلاند وأنا قادمة من أتلانتا . قال وهو يمد يده لها والتى سحبها فى الحال عندما رأى أن الغطاء بدأ ينزلق من فوق جسدها . - تروى جوردان كان اضطرابه : لأنه لم يشاهد بالأمس ولكنه فى تلك اللحظة كان مهتماً بإنقاذ حياتها . طبعا هو يفضل النساء القويات الفارعات ذوات الشعور الطويلة السوداء ولكن هذه تقدم له مشهداً من أمتع المشاهد . رغم شعرها القصير الأشقر . وكانت شفتاها رقيقتين بلون الخوخ. قال تروى : - أنت لا زلت شاحبة . عودى إلى السرير حتى أستطيع أن أفحص قدميك . ردت عليه مندهشة وخائفة من التعبير الذى يجدحها به : - قدماى ؟ لقد كانت ناتالى مع ذلك معتادة على تحمل نظرات الرجال فى المحكمة خاصة نظرات القضاة ولكنها بدت عاجزة عن ان يستمر اتصال عينيها بعينى تروى وقال : - أريد ببساطة التأكد من أنك لم تصابى بالتشقق الجليدى وأنت تائهة فى الغابة مثل الوصيفة الحمراء الصغيرة - لقد كنت احاول الحصول على نجدة - لم يكن من الواجب عليك مغادرة سيارتك وسط العاصفة الثلجية أمسك بقدمها وسألها : - هل تحسين بشئ ما هنا ؟ لم يحاول تروى أن يحول أنظاره عن كاحلها الذى يمسكه فى يده . ردت عليه : - إننى لا أحس بألم فى يدى وقدمى ولكنهما يوخزاننى قليلاً . كانت ناتالى بجسدها الضئيل غارقة وسط هالة جسده العملاق وهو يعالجها بيديه الطويلتين الملوحتين والمعتادتين طبعا على الأشغال الشاقة ومع ذلك كانتا رقيقتين وحانيتين مما أثار عندها مشاعر لذيذة . - لقد كان من حظك أن بقيت على قيد الحياة . قالت وهى تسحب قدمها : - يا سيد جوردان . - قولى تروى . ************************** يتبع... |
- هل يمكن أن تخبرنى أين أنا ... ولماذا أنا .... عارية ؟ - أنت موجودة فى مزرعة خوخ ببلدة كاونز بـ كارولينا الشمالية ، وأنت عارية ؟ لأننى خلعت عنك ملابسك . - أه ... ! لكن ذلك الرجل لا بد أن لديه تفسيراً يقدمه وإلا كان ما فعله هو انحراف وضلال سألته وهى تحس باستمتاع وهى تراه يتضايق : - هل يضايقك أن تقول لى لماذا فعلت ذلك ؟ لم يفت تروى أن يلاحظ تلون خديها باللون الوردى . فكر لحظات أن يتركها تعتقد أسوأ الظنون ولكن المرأة المسكينة عانت بما فيه الكفاية . - عندما نقلتك إلى هنا كانت ملابسك مبللة ومثلجة . وكان لا بد أن يقوم بذلك شخص ما ولكن اطمئنى إلى أننى لم أجد فى ذلك أى متعة . لقد كنت فاقدة الوعى ومثلجة مثل جبل الجليد . تجاهلت ناتالى التعليق الأخير . إن هذا الرجل تنقصه الأخلاق دون شك وهو يتحدث على المكشوف ولكن نظراً لأنه يعيش فى ركن ضائع من العالم فهو بالتأكيد ليس مضطراً للتحلى بالأخلاق . قالت وهى تبتسم ابتسامة مصطنعة : - لقد أنقذت حياتى يا سيد جوردان وأتعشم ألا أضايقك أو أسبب حنقك إذا عرضت عليك أن أدفع الثمن مقابل القلق والمتاعب التى سببتها لك . بدا من التجاعيد التى ظهرت عند ركنى عينى تروى ان هذا التعليق قد أمتعه : - كم تعتقدين أنك تساوين ؟ فهمت ناتالى أنه يريد إخافتها ولكن المحكمة عودتها على هذا النوع من التكتيك - لا أعتقد أنه يمكن وضع ثمن لحياة أى شخص ولكنى بالتأكيد ليست لدى نية أن أبدو جاحدة . لا شك أن هناك طريقة لشكرك . قال فى دهشة وهو يرى أن الموقف أصبح مثيراً للتسلية : - وكيف ذلك ؟ هل لديك فكرة ؟ ردت عليه وقد بدا عليها الضيق وهى تتشبث بالبطانية : - نعم ... أفترض أنك تزرع وتجنى الخوخ ؟ - بالضبط - فى هذه الحالة لا بد من وجود معدة أو آلة صناعية تحتاج إليها أتى تروى بحركة إحباط تحولت بسرعة إلى الضيق والتوتر . لو كانت هذه المرأة تعتبره فلاحاً فقيراً فليكن ... إنه ليس من عادته ان يتلقى التدليل وبالأخص من سيدة مجتمع فى أتلانتا . - لدى كل ما يلزمنى وأنا أشكرك . ومن ناحية أخرى فأننى كنت حراً أن أفعل نفس الشئ لأى شخص آخر . وما لم يكن لديك ما تعرفينه أفضل فأنت غير مدينة لى بشئ . نظرت إليه ناتالى نظرة ساهمة مصطنعة كان من الواضح أن كليهما اتى من عالم مختلف عن عالم الآخر . ردت عليه : - إذا كنت تحاول أن تصدمنى او تخيفنى بلغتك وتلميحاتك يا سيد جوردان فإنك تضيع وقتك . زفر تروى فى سخرية : - حسنا إذن ... هأنا قد هدأت وطبت نفساً . على الأقل لن أضطر إلى مراعاة سلوكى وتصرفاتى بينما نعيش معاً . ********************** يتبع... |
الفصل الثانى فزعت ناتالى أمام فكرة ... ان يعيشا معاً ؟ هل فقد هذا الرجل عقله ؟ قالت وهى تعلم أن فكرة الرحيل الآن هى الجنون المطبق : - أنا لن أبقى هنا ! إن هناك حفل زفاف فى انتظارى فى جاستونيا فى كاليفورنيا الشمالية مساء غد . ما إن أخرج سيارتى من الحفرة ... قاطعها تروى : - لن تذهبى إلى أى مكان . أثناء قضائك النهار فى النوم فإن الجليد قد تجمع وارتفع فى الطرقات . إن مصلحة الأرصاد الجوية تسمى هذا الجو قطار سيبيريا السريع . هناك أربعمائة سيارة محاصرة على جميع الطرق .وأعلن المحافظ حالة الطوارئ القصوى . كان تروى يتكلم ببطء وبطريقة تمكن ناتالى من تسجيل كل كلمة فى ذهنها فى حالة ما إذا كانت صدمة البرد قد أثرت على ذهنها .منتديات ليلاس ******************** يتبع... |
- إنهم حتى أصدروا نداء إلى الشرطة القومية . إن شمال الشرق منطقة معزولة . أمام تعبيرات وجهها غير المصدق . ضحك تروى ضحكة ساخرة ثم أكمل : - لست أدرى كيف استطعت الابتعاد إلى هذه النقطة عن الحضارة ولكنك لن تجدى فى العالم بقعة أسوأ من هذه حتى تتوهى فيها . سألته وهى تحس بغصة فى حلقها : - متى يمكننا أن نأمل أن تصبح الطرق صالحة ؟ - حسنا ... نظرا لقلة الرجال والمعدات التى تحت يدنا فإن ذلك قد يستغرق عدة أيام . ولكن هذه المنطقة توجد على بعد ألف فرسخ من الطرق الرئيسية. إن هذا قد يتطلب أسبوعاً لكاسحات الجليد الأولى للوصول إلى هنا . شهقت ناتالى : - أسبوع ؟ إن مكتبها ينوء بالملفات والعملاء الجدد فى انتظارها للأسبوع المقبل . زفرت : - يا إلهى ! ما الذى سأصبح عليه ؟ - ألا تستمعين إلى نشرات الأخبار فى الراديو أو التليفزيون أو تقرئينها فى الجرائد اليومية ؟ لقد مرت أيام طويلة وهم يعلنون عن هذه العاصفة الثلجية - ليس لدى وقت لمشاهدة التليفزيون لم يتصورها تروى على أية حال جالسة فى استرخاء على أريكتها تشاهد مسلسل الطريق إلى الثروة . عبرت ناتالى الحجرة ورفعت طرف الستارة . لترى ما بالخارج وهى غير منتبهه إلى نظرة رفيقها إليها ثم قال : - بصراحة لا بد أن نستفيد بأحسن ما يمكننا من هذا الموقف أدارت الشابة رأسها بحدة . إنها لا تعرف ما الذى يضايقها أكثر ، نظرته التى توضح أنه يسخر كلية من عذابها أم لهجته الجادة ونبرة صوته التى توحى بأمور خطيرة أم الطريقة التى يتأملها لها وكأنه يراها تحت البطانية ؟ - كيف بالضبط أفسر هذه الفكرة ؟ لقد كان يكفيها غيظاً أن ترى هذا الرجل الذى خلع لها ملابسها وأن تراه ليلاً ونهاراً فهى ليست فى حاجة إلى مغازلته لها . ولكنها تساءلت كم مر عليه من الوقت لم تقع عيناه على امرأة بشحمها ولحمها . وهو الذى يعيش هكذا كالناسك . استمرت ناتالى دون ان ترد عليه : - هل هناك شخص آخر يعيش هنا ؟ شرح وعيناه تزدادان ارتياحاً : - أنا وديزى فقط . إنها كلبتى للصيد ثم قالت وهى تشعر بالخيبة عندما عرفت أن ديزى ليست سوى كلبة : - أه ...! - والآن أحب فعلاً أن تعودى إلى الفراش . أنت لست فى لياقة تسمح لك بالحركة . - إننى لاأستطيع مع ذلك البقاء هنا حتى يذوب الثلج ! إننى سأصاب بالخبل قبل فترة طويلة. مرر تروى أصابع يده فى شعره ثم زفر ..أه لقد خلق شجاراً لا معنى له ! إن الطريقة التى ترفع بها ناتالى ذقنها إلى أعلى وإلى الأمام تدل على أنها مستعدة للعراك . - إسمعى يا سيدتى العزيزة ! أنا أيضا لدى مشاكلى ولو استمر هذا الجو فأخشى أننى قد أفقد محصول الخوخ كلية . وإذا كنت أبدو لك أننى غير مشغول . فإنه ما إن أحضر الخشب للتدفئة سأعد لك ناراً ويمكنك الراحة فوق الأريكة ..بل سأصنع لك قهوة أيضا . ********************* يتبع... |
الساعة الآن 06:01 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية