جلسوا لتناول الطعام وهم يتبادلون الاحاديث العامة المسلية . وفكرت فانيسا كم ستكون الامور مختلفة لو انها موظفة حقيقية وليست حفيدة صاحب البيت . فهى قد بدات تتمتع بعملها فى الكتب الى جانب اعجابها بالبيت . لكنها هنا فى مهمة وستواصل لعب دورها تنفيذا لوعد قطعته على نفسها من اجل والدها المتوفى . نظرت مبتسمة لترد على سؤال وجهه كال بدون ان تظهر اى مشاعر تعتمل فى نفسها , كان سؤاله عما قررته بالنسبة الى عطلة نهاية الاسبوع 0 طيلة فترة العشاء كانت فانيسا تراقب جدها بدون ان يلاحظ ذلك , تتامل حركاته وتصرفاته والطريقة التى يتكلم بها . حاولت ان تبعد عن ذهنها الصورة المسبقة التى رسمتها له من خلال احاديث ابيها . لم تكن المسالة سهلة , فقد تصورته رجلا قاسيا متوحشا , لكن اندرو ماكلين هذا غير الصورة تماما , فهو لطيف معها - هي الموظفة - الى حد انه يصر على ان تتناول طعامها الى مائدته 0 وقبيل انتهاء العشاء اختلست نظرة الى جدها . سمعوا رنين جرس الهاتف من بعيد , ثم دخلت السيدة بانكس وابلغت السيد ماكلين ان هناك مخابرة هاتفية عاجلة له 0 - من يطلبنى ؟ - قال ان اسمه ماكوليامز0 وتنحنحت عندما لفظت الاسم , وكانها تريد ان تقول انه غير حقيقى 0 تصلب وجه اندرو ماكلين عندما سمع الاسم . وخيل لفانيسا انها شاهدت لمحة من الغضب لم تدم الا لحظات . اشتدت عضلات فكيه وهو ينظر الى كال . ساله هذا الاخير بهدوء: هل تريدنى ان ارد ؟ - كلا 0 جاء الجواب مختصرا امرا وعاليا , ثم خرج من الغرفة . ركزت فانيسا نظرها فى صحنها , لكنها لم تستطع منع نفسها من النظر الى الرجل الجالس قبالتها . كان يراقبها بدون ان يظهر اية مشاعر . وفجاة خفق قلبها بفزع لا تفسير له ... فهى لا تستطيع ان تفهم معنى نظراته عندما يكون هكذا . ففى عينيه عمق سحيق من الصعب كشفه بسهولة , وقد ادركت ذلك منذ اليوم الاول للقائه . احست بخفقات قلبها تتسارع , فقالت بدون وعى اول كلمات خطرت لها : لماذا تنظر الى هكذا؟ اجابها بصوت ناعم وساخر : هل النظر ممنوع ؟ اجابته : انت تحدق فى , وانا لا احبذ ذلك 0 - لسوء الحظ , هناك اشياء كثيرة لا تحبينها فى لكنك ستتعلمين التاقلم اذا ما بقيت هنا0 ولاحظت انه شدد كثيرا على كلمة اذا 0 رفعت فانيسا حاجبيها وقالت: لا تخف , انا باقية هنا ما دام عملى منتجا وناجحا , وانا متاكدة منه . على الاقل السيد ماكلين لا يشكو منى , وهو وحده صاحب العمل0 وقالت فى سرها : ولذلك يجب ان تسكت نهائيا 0 ابتسم كال قائلا : انا اكيد ان عملك ممتاز من خلال ما رايت حتى الان . لقد تاثرت بنشاطك , لكننى اعتقد انك تعرفين تماما ما انت بصدده 0 |
فى هذه اللحظة عاد جدها الى الغرفة , فتوقف الحديث بينهما عند هذا الحد . نظر السيد ماكلين باتجاه كال وبدا على وشك ان يقول شيئا لكنه بذل جهدا للسيطرة على نفسه . شعرت فانيسا بانه غاضب , وادركت انهما - لولا وجودها - لكانا قد تحدثا عن الاتصال الهاتفى . نظرت الى الساعة ونهضت . لقد انتهوا لتوهم من العشاء , وتريد ان تترك الرجلين وحدهما للتباحث فى امورهما , وهى تعرف انهما يرغبان فى الانفراد ايضا 0 وعندما استاذنت للانصراف بعد لحظات , لم يبد احد منهما اى اعتراض . هرعت الى غرفتها بهدوء وخفة , ولما وصلتها تذكرت ما قاله كال عن انها تعرف تماما ما هى بصدده . الاكيد انه لم يكن يقصد عملها فى المكتبة . كم اصبحت تكرهه الان0 مرت عطلة نهاية الاسبوع على احسن ما يرام . ففى يوم السبت اخذت فانيسا خريطة احضرها لها جدها ووجدت قرية جميلة تقع على الطرف الاخر من الوادى , وهناك امضت فترة بعد الظهر تراقب اطفالا صغارا يلعبون فى حديقة تمتد طرفها حتى الشاطىء . رجعت الى دينستون هاوس وقت العشاء وقد انعشتها مناظر الريف الخلابة . وبعد تناول الطعام شاهدت التلفاز مع جدها . كانت تفضل الا تكون معه , لكنه لم يترك لها الخيار. وبالرغم من شعورها بالانزعاج فى بادئ الامرالا انها موجئت عندما احضرت السيدة بانكس القهوة بان الساعة قد شارفت على منتصف الليل 0 كان كال قد غادر البيت بعد العشاء مباشرة . صعدت الى غرفتها لتحضر حقيبتها فسمعت صوت محرك سيارة يزار نزولا باتجاه مدخل البيت . تساءلت عما اذا كان ذاهبا للقاء هيثر الجميلة . الارجح انه سيفعل . وفجاة وجدت نفسها تتساءل ايضا عما اذا كان يعانق هيثر بالطريقة التى عانقها فيها اليوم . ابتعدت عن النافذة بنزق وحملت حقيبتها ونزلت الى الصالون . يا لها من افكار سخيفة تضج فى راسها 0 كانت مستلقية فى فراشها عندما سمعت صوت محرك الجاكوار امام البيت . ومن خلال اشعة القمر الفضية المتسللة عبر الستائر المرفوعة تبينت فانيسا ان الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل . ولشدة استغرابها , اكتشفت انها ظلت تنتظر حتى سماع هذا الصوت . والان ، بعد ان اطمانت الى عودته , يمكنها ان تذهب الى النوم ... وهكذا صار 0 الايام القليلة التالية كانت ايام عمل بالنسبة لفانيسا ولورى . وبقدر ما وجدت نفسها غارقة فى الكتب , وجدت افكارها مشغولة ايضا بالرجل المستحيل الذى اسمه كالوم غرين . اما مشاعرها اتجاه جدها فكانت متضاربة . لقد شاهدت منه ملامح من الوصف الذى اعطاه والدها الراحل , لكنه فى معظم الاحيان الرجل الطيب المرح . بدات تشعر بالارتباك الداخلى ليتها تستطيع الثقة باحد كى تطلب منه النصح . وفى بعض المرات كانت تجتاحها موجات من الندم , ولكنها لا تستطيع ان تبدل شيئا. الشخص الوحيد الذى يعرف سبب وجودها فى دينستون هاوس موجود فى لندن , ومن الصعب ان يتعاطف معها . فقد رفض السيد مورتون فكرتها من الاساس , والارجح انه سينصحها بترك المكان او بالابلاغ عن الحقيقة قبل فوات الاوان . لكنها قطعت شوطا بعيدا جدا بحيث لم تعد قادرة على التراجع 0 |
ترددت وهى ترجع كتابين قديمين جدا الى المكتبة , وقد اعتراها شعور غريب بالوحدة والانعزال . كان الوقت بعد الظهر من يوم جمعة بارد ومظلم وليس كالايام التى سبقته . الغيوم الداكنه تلبد وجه السماء واعدة بالمطر الغزير وتمنت لو ان لورى يعود من الغداء بسرعة , خاصة انه يرافقها يوميا فى عملها فى المكتبة 0 لقد اقامت مع لورى علاقة صداقة محببة خلال اسبوع من العمل اليومى المتواصل . ومع ذلك لم تكن متاكدة من انه اهل للثقة , اذ شاهدته عدة مرات وهو ينظر اليها نظرات تعرف معناها جيدا ولم تكن مهتمة للامر , فقد اصبحت قادرة على التاقلم كونها غير مهتمة به كرجل . وباصرار شديد ابعدت صورة كال عن ذهنها ... كال الموجود دائما والذى يراقبها دون ان يبدو عليه ذلك 0 دخل كال الى الغرفة فى هذه اللحظات بدون ان يصدر اى صوت , وفوجئت فانيسا بوجوده فسقطت الكتب من يدها 0 اقترب نحوها وانحنى يلتقط الكتب : يجب ان لا يرى الجد هذه الحادثة. فالكتب قديمة جدا ومهمة وسلم الكتب الى فانيسا وهو يضحك 0 - شكرا لك واستدارت نصف دورة وهى تقول : لو لم تتسلل الى المكتبة لما اسقطت الكتب 0 - هل كنت اتسلل ؟ نظر الى حذائه المطاطى الخفيف واضاف قائلا : لربما يجب ان انتعل حذاء التسلق عندما ادخل الى هنا . صحيح انه سيزعجنى , لكنك ستعرفين اننى هنا . الا تفضلين هذا الحل ؟ - بدون سخافات ارجوك ! حاولت الوصول الى كتاب فى الرف العلوى فلم تستطع رغم طولها , وكان هو اسرع منها اليه فناولها اياه 0 سالها بعد ان تناولت الكتاب مستعملة يدها المصابة : يبدو ان يدك افضل اليوم ؟ - اجل . هناك ندوب حمراء فقط ستزول مع الوقت 0 - ستزول خلال اسبوع تقريبا . هل تستطيعين الان اخذ اول درس من تمارين الدفاع عن النفس ؟ لم تستطع مقاومة العرض , ولم تكن ترغب فى القبول ايضا لكن الكلمات خرجت تلقائيا : هل الدروس للدفاع عن نفسى ضد اناس مثلك يريدون عناقى بالقوة ؟ ضحك كال غرين عاليا , فبانت اسنانه البيضاء اللامعة وسط وجه كان كل ما فيه يضحك , واعترف قائلا : هذه فكرة ممتازة , ويجب ان اراقب نفسى جيدا , اليس كذلك ؟ شعرت بالضيق من استمرار الحوار , لذلك ابتعدت عنه لمتابعة عملها وهى تقول : اعتقد ان هناك اشياء كثيرة تحتاج الى ترتيب , لذلك يجب ان…. وقاطعها قائلا : .... وخائفة ايضا ؟ ومع ان صوته كان ناعما , الا انه اوقفها فى مكانها 0 ابتسمت بافضل ما تستطيع وقالت: منك انت ؟ ابدا0 كانا يحدقان ببعضهما وقد خيم جو من التوتر الذى ينذر بالانفجار فى اية لحظة . |
واعتقدت انه سيثير موضوع شخصيتها الحقيقية لذلك سارعت الى القول : اذا كنت تريد تدريبى , فانا اقبل . لكننى لست افهم سبب الحاحك ! - لقد شاهدت تعابير وجهك عندما هرعت الى سيارتى الاسبوع الماضى . كنت عاجزة تماما ! -حسنا , كنت خائفة بالطبع . لكن…. - لن تكونى فى مثل هذه الحالة ابدا عندما انتهى من تدريبك . فمتى نبدا ، غدا صباحا ؟ وسالته بنعومة : الست مشغولا ؟ اقصد غدا السبت ! - لا شئ يستحق الذكر . واضاف بلطف واضح حسنا , ساراك فى غرفة الرياضة بعد ساعة من الافطار 0 وتساءلت باهتمام ملحوظ : ماذا يجب ان ارتدى ؟ لاح خيال ابتسامة على شفتيه وهو يقول : يمكنك ارتداء بذة التدريب الخاصة بالجيدو . هناك مجموعة منها ساحضر لك واحدة عند الصباح , فذلك افضل من تعريض ملابسك للشد والتمزيق . ومع ذلك يجب ان ترتدى قميصا داخليا تحت ملابس الجيدو 0 قالت وهي تضع الكتب على الطاولة : حسنا , هل يمكن ان اتابع عملى الان ؟ - اجل . لقد جئت لابلغك اننى والسيد ماكلين سنتناول العشاء فى الخارج . وهو يسالك اذا كنت ترغبين فى تناول العشاء فى غرفتك ؟ - افضل ذلك 0 ولكنها كانت تفكر بتردده عندما نطق اسم السيد ماكلين ، اذ بدا وكانه على وشك ان يضيف شيئا ثم توقف . فماذا يريد ان يقول ؟ ما هو الشئ الذى يخفيه حتى الان ؟ ولم تاخذها افكارها الى ابعد من ذلك . فمن غير المعقول ان يعرف شخصيتها الحقيقية . ترى هل يمكن ذلك ؟ وعلى الرغم مما كان يدور فى ذهنه , فانه لن يلح الان , اذ هز راسه مودعا وغادر الغرفة . ظلت فانيسا شاردة الذهن تراقب الباب المشرع . تساءلت وهى تعض على شفتها السفلى عن المازق الذى وضعت نفسها فيه وعما تخبئه لها الايام المقبلة 0 اطل صباح يوم السبت مشرقا ودافئا , بعد ان رحلت غيوم الامس بعيدا. استيقظت فانيسا وهى تحس بقلق خفى وغريب . ثم تذكرت ان كال غرين سيعطيها اول درس فى الدفاع عن النفس اليوم . لم تعد قادرة على الثقة فيه فباتت تشك بكل ما يقوله او يفعله. ما هى خلفيات هذا العرض ؟ وظل السؤال يلح طيلة الوقت الذى امضته فى الاستحمام وارتداء ملابسها . عليها ان تستعد لاية اسئلة محرجة قد يطرحها , خاصة انهما سيكونان وحدهما فى غرفة الرياضة 0 ارتدت سترة صوفية بيضاء على فستان ازرق سماوى ، وانتعلت صندلا خفيفا , ثم تركت شعرها الاسود حرا منسدلا ... واخيرا لمسة من احمر الشفاه , وها هى جاهزة الان . كانت الساعة الثامنة والنصف عندما نزلت الى غرفة الطعام . تعمدت النزول باكرا كى تتناول افطارها وحيدة اذا امكن , لكن كال غرين كان قد سبقها , |
بل على وشك انهاء فطوره . حياها قائلا : صباح الخير 0 - صباح النور 0 وتناولت قطعة من الخبز بعد ان جلست فى مواجهته 0 رفع عينيه اليها وقال : تريدين بعض البيض واللحم ؟ - لست جائعة كثيرا 0 سالها بنغمة هادئة: هل انت متوترة الاعصاب ؟ نظرت اليه ببرود وقالت: متوترة الاعصاب ؟ كلا . ولماذا التوتر ؟ - لا شئ . لكن يبدو لى انك – اعذرى كلامى - شبه ضائعة 0 - لا بد ان خيالك يزين لك الامور 0 وتابعت حديثها بحذر بالغ لان عينيه بداتا البحث فى تعابير وجهها : لكن الحكمة تقضى بان لا اثقل معدتى قبل بدء التمارين 0 - صحيح . انه موقف سليم جدا . ولذلك قررت البدء بالتمارين بعد ساعة من الاكل0 - حسنا جدا . وبالنسبة الى البدلة الرياضية فارجو ان لا تزعج نفسك باحضارها لى . سارتديها تحت عندما انزل , فهناك مكان لتغيير الملابس , اليس كذلك ؟ - عظيم . ساجهز لك واحدة , والان اسمحى لى ان اذهب لاستعد 0 وقف واعاد الكرسي الى مكانه , ثم اضاف :لن يفطر السيد ماكلين معنا فقد اضطر الى مغادرة البيت باكرا . اذن ساراك حوالى ... واختلس نظرة الى الساعة وتابع حوالى العاشرة الا ربعا فى غرفة الرياضة ؟ - اجل 0 راقبته وهو يغادر الغرفة ثم سكبت لنفسها فنجانا اخر من القهوة . كم كانت غبية عندما قبلت عرضه فى الاساس! وفى تمام الساعة العاشرة الا عشرين دقيقة توجهت فانيسا الى غرفة الرياضة . وبعيدا عن ملامح الهدوء لمرتسمة على وجهها , كان داخلها يعتمل بمشاعر التوتر والقلق والترقب . فمهما حدث , يجب ان تخفى احاسيسها الداخلية كى لا يشمت كال بها . لا تراجع الان . ترددت قليلا امام الباب , اذ بمجرد دخولها الى الغرفة عليها ان تستمر فى اللعبة حتى النهاية . استجمعت انفاسها وفتحت الباب بسرعة 0 المكان غارق فى سكون عميق , فكال غرين لم يات بعد . تمعنت فانيسا في فرشة الجيدو الموضوعة وسط الساحة وهى تتجه الى غرفة تبديل الملابس . وقبل ان تدخل تمهلت , اذ انها سمعت ما بدا لها وكانه صوت امام الباب الخارجى . وعندما لم يتكرر الصوت استدارت لتدخل , فاصطدمت مباشرة بالرجل الذى خرج لتوه من غرفة تغيير الملابس . امتدت يدا الرجل لاسناد فانيسا . كان يرتدى ملابس الجيدو البيضاء , التى طالما شاهدتها فى الصور وعلى شاشة التلفاز لكن ليس فى الواقع . وبسرعة لاحظت التغيير الذى طرا عليه . فقد اظهرت الملابس قامته الممتلئة وكتفيه العريضين .. ومن خلال فتحة السترة بان القسم الاعلى من صدره الكثيف الشعر 0 حاولت فانيسا استعادة توازنها بعد هذه الصدمة . ولو كانت قادرة على الهرب فورا لما ترددت , لكنه امسك بها بقوة ولم يتركها الا عندما هدات 0 - هذا انا ! كان صوته نقيا , وعيناه مركزتين عليها . ملابسك فى الغرفة الثانية , والافضل ان اعلمك كيف تربطين الحزام حول خصرك . فهيا بنا 0 ابتعد عن الباب ليفسح لها مجال الدخول . وكمن يساق الى ساحة الاعدام , دخلت فانيسا الغرفة الثانية ببطء وهى مطاطاة الراس0 انتهى الفصل الخامس |
الساعة الآن 07:47 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية