![]() |
أستمرت ميراندا في محاولاتها للمتلص منه , مستخدمة لذلك البقية الباقية من قوتها وهي تقول بحدة :
" لا أفهم ماذا تقول وماذا تعني ! أتركني ! يجب أن تتركني!". جاء رده عليها سريعا وقسويا , أدارها نحوه وضمها بشدة , صارخا : " آه , يا ميراندا آه.....الحب ........ نظفيني من هذا الشيطان الذي يكاد يدفعني ألى حافة الجنون!". ضغطت ميراندا بكفيها على صدره وغرزت أظافرها في جلده , فيما أبقت رأسها منحنيا بقوة لأبعاد وجهها قدر الأمكان عن وجهه الناري , نفذ صبره , فأمسك بذقنها ورفع وجهها نحوه ثم عانقها بعنف , أحست بجسمه يرتجف , وشعرت بنشوة أنتصار لأنها تمكنت من أثارته ألى هذه الدرجة. ولكن أنتصارها كان قصير الأمد , حملها بقوة بين ذراعيه وسار بها سريعا نحو غرفتها , لا, لن تقبل , فهي ليست معتادة على ذلك ,ومع أن رافاييل هو أول رجل في حياتها تريده , ألا أن الأخطار كثيرة والنتائج وخيمة العاقبة , أنه لا يريدها زوجة , بل يريد أمتلاكها! أنها تحبه كثيرا! ولكن ماذا لو حملت منه؟ أنها تتمنى ذلك من صميم قلبها... أن تحمل طفله ! ألا أن ذلك يجب أن يتم بالطريقة الوحيدة التب تعرفها وتقبل بها.... الزواج , قفزت من السرير وهي تقول له بحزم وقوة: " لا , يا رافاييل ! لا , لن أدعك تمسني !". منتديات ليلاس وقف ساكنا بدون حراك , وخيم على الغرفة صمت مطبق لم تسمع خلاله ألا تنفسها المتقطع , ثم تأفف بغضب وأنفعال وحمل قميصه ..... وغادر الغرفة. ظلت ميراندا واقفة في مكانها أكثر من خمس دقائق , وكأنها قطعة باردة من الحجر ,ثم أنتبهت ألى نفسها وأستلقت على السرير باكية ! لم تنم ميراندا قبل ساعات الصباح الأولى , وكانت مرهقة ألى درجة الأعياء والمرض , وكلما نامت بعض الوقت , تتعرض لأحلام مزعجة رهيبة توقظها خائفة مذعورة , وكانت لا تزال نائمة عندما أحضرت لها أيفا طعام الفطور , جلست في سريرها متعبة النفس والجسم , هل كان ذلك كابوسا مزعجا ؟ هل ضمها رافاييل ألى صدره , وحملها ألى السرير , أم أنها كانت تحلم ؟ ولكن كوب الماء موجود على الأرض. دخل رافاييل كعادته وفحصها بدقة وعناية , بدون أن تظهر على ملامحه القاسية أي دلائل على أحداث الليلة الفائتة , ثم قال لها ببرودة: " يبدو أنك تحسنت كثيرا , ربما نتمكن غدا من السماح لك بالعودة ألى المزرعة". " أوه, لا... أعني.... أنه ليس بأمكاني العودة ألى هناك ". " لما لا؟". نظرت ميراندا نحو أيفا , فأومأ أليها رافاييل بالخروج, تنهدت ميراندا وأخبرته الحقيقة بدون لف أو دوران . " لا تريدني والدتك أن أعود ألى القصر". " لا تريدك أمي أن..... أوضحي نفسك , يا آنسة ". " أوه , رافاييل , هل من الضروري أن نستمر في هذه التمثيلية السخيفة ؟ أنت تعرف جيدا أن أمك تتصور بأنني أسعى وراء شقيقك ! ... أرجوك أن تتوقف عن أستخدام كلمة آنسة معي , أسمي ميراندا وأنت تعرفه كما أعرفه أنا!". رد عليها بصوت معذب قائلا: " أنت تزيدين من صعوبة الأمور معي ,يا ميراندا , حسنا , أنا أفكر بك كميراندا , ولكن الذي لا أفهمه هو هذه العلاقة بينك وخوان , ألى أي حد أنت متورطة معه؟". أزاحت وجهها عنه بغضب , قائلة بتململ واضح: " لست متورطة معه بأي شكل من الأشكال , ولكن كونستانسيا أخبرتك بالتأكيد أنه فسخ خطوبته مع فالنتينا ". " مستحيل ! لا, لم تخبرني أختي بذلك , أعترف لك بأنني لم أمنحها أي فرصة للتحدث معي , لقد أغمي عليك آنذاك , وكنت منهمكا بك". " ولكن...... ألم تذهب ألى القصر أبدا منذ مجيئي ألى هنا؟". نظر بعيدا وقال لها بصوت منخفض: " لا , لم أذهب بعد ألى المزرعة". منتديات ليلاس " أوه , رافاييل! ولكنك قلت .... عندما أصبت بحادثتي....". " قلت أنه تم أبلاغ عائلتي بالحادث , لم أذهب بنفسي بل أوفدت شخصا لنقل الخبر , ومنذ ذلك الحين , لم يسمح لي وقتي بالذهاب". " في أي حال , لم يعد الأمر هاما , فكما قلت أنت بنفسك , تحسنت صحتي كثيرا , وعليه فأنني سأقوم ببعض الترتيبات الضرورية كي نغادر أنا ولوسي غواداليما في أسرع وقت .......". قاطعها رافاييل بعناد وأصرار بالغين , قائلا: " لا! لا يمكنك ذلك!". |
" لم لا؟ أنا.... أنا يجب أن أعود , وعلى لوسي أن تعود معي..... مهما كان رأي أخيك".
" وماذا قال لك , يا ميراندا ؟ لماذا فسخ خطوبته ؟". أحمرت وجنتاها وقالت : " لا أهمية لذلك!". " أنا أعترض , أريد أن أعرف السبب , يا ميراندا , أخبريني! أنني أصر على ذلك!". أزعجتها نظراته الملتهبة , فهزت برأسها تأففا وقالت له: " أوه , أن الأمر سخيف .......سخيف للغاية ! قال أنه يحبني , تصور , يحبني أنا!". وضحكت ثم أضافت بجدية: " طبعا , أنا لم أصدقه". كان رافاييل يتنفس بصعوبة وأنزعاج وكأن كلماتها القليلة تمنع عنه الهواء. " ولكنك لم تخبريني بهذا الأمر ". " كيف كان يمكنني ذلك؟ وهل كانت هذه المسألة ستثير أهتمامك ؟". سيطر رافاييل على أعصابه المتوترة وقال لها : " لم يكن الوضع طبيعيا منذ البداية , ولكنك بالتأكيد سوف تعودين ألى المزرعة , سوف أعد الترتيبات اللازمة بنفسي , وأذا أزعجك خوان بأي شكل من...". " أوه , أرجوك , أرجوك! أنا لا أريد العودة ألى هناك , وكما قلت لك , سوف أعد نفسي لمغادرة الوادي و......". " ليس الآن! أرجوك , يا ميراندا , لا تدفعيني بقوة!". ألتقطت ميراندا أنفاسها وقالت له : " لا أفهم ماذا تعني". " أوه بلى , أنك تفهمن جيدا ماذا أعني". كان الأصفرار يغطي وجهه ونظراته مشابهة لتلك التي شاهدتها الليلة الفائتة , وفجأة ,توجه , توجه نحو الباب وهو يقول لها بأسلوبه المعتاد : " يجب أن أذهب , لدي أعمال كثيرة , ستحضر لك أيفا ملابسك , أرتديها وأخرجي قليلا ,ولكن لا تبتعدي كثيرا عن هذا البيت , مفهوم؟". هزت برأسها دليل الموافقة , فخرج من الغرفة وأغلق الباب وراءه. لم تكن ميراندا قوية كما كانت تتصور , شعرت بأعياء شديد نتيجة لنزهتها القصيرة نحو النهر ,وسرها كثيرا لدى عودتها أن تجد أيفا بأنتظارها , وقد أعدت لها أبريقا من الشاي الساخن , جلست الفتاتان بهدوء لا يعكر صفوهما سوى صعوبة التفاهم , فميراندا لا تعرف من لغة أيفا ألا بعض ما يتعلمه السائح , وأيفا لا تفهم شيئا من لغة ميراندا ألا ما يستخدم مع المرضى وفي المستشفيات , وبعد قليل قرع الباب , ففتحته أيفا وعادت بسرعة لتقول بالأسبانية : " أنه الكاهن , يا آنسة". دخل الأب دومنكو بعد لحظات وحيا الفتاتين بلغته قائلا : " أوه أسعدتما صباحا , كيف حالكما؟". ردت أيفا بالأسبانية بينما حيّته ميراندا بأبتسامة طيبة , وتذكرت أنها لم تره منذ ذلك العشاء في القصر , قدمت له أيفا الشاي فحمل فنجانه وجلس قبالة ميراندا , بعد أن تبادل بضع كلمات مع الشابة المكسيكية , أبتسم الكاهن الشاب لياقة وقال : " أخبرتني أيفا أن رافاييل ليس موجودا هنا الآن , هذا لا يزعجني أبدا , لأنني أريد محادثتك على أنفراد ". " معي أنا , يا سيدي ؟". حيا الكاهن الشاب الفتاة المكسيكية التي أستأذنت بالخروج من الغرفة , وقال لميراندا : " نعم يا آنسة , والآن يمكننا التحدث بحرية ". " ولكنني لا أرى أن هناك أي موضوعات تتطلب حديثا على أنفراد , أذا كان الموضوع متعلقا بخوان ولوسي , فعلي أن أقول لك.......". " مهلا , مهلا يا أبنتي ! لم آت ألى هنا لأحدثك عن الطفلة أو عن الرجل الذي يهتم بها منذ بضعة أشهر , أريد أن أحدثك عن رافاييل". "رافاييل ؟ ولكن......". أحمر وجهها فجأة ولم تتمكن من أخفاء دهشتها . |
" وماذا بشأن رافاييل ؟".
" أنني قلق لأجله , وتصورت أن بأمكانك مساعدتي .... كونك تنظرين ألى الأمور نظرة واقعية وموضوعية". شربت ميراندا جرعة من الشاي الساخن وسألته عما يعنيه , تمهل الأب دومنكو بعض الشيء , ثم قال لها بهدوء بالغ : " أنني أجد صعوبة في شرح هذا الموضوع الحساس , يا آنسة , ولكن الأمر له أهمية كبيرة بالنسبة ألى عائلته , أنت تعرفين , كما أظن , أنه يسعى لدخول معهد اللاهوت كي يصبح راهبا !". " أخبرتني بذلك كونستانسيا ....... أعني الآنسة كويراس ". " حسنا , ولكن الأمر الذي قد تجهلينه هو رفض والدته لهذا.......لهذا القرار". " لماذا؟". " رافاييل هو الأبن الأكبر لأبيه , وبالتالي فهو الوريث الشرعي للقصر والممتلكات , وتشعر السيدة أيزابيلا بأنزعاج كبير لأنه تخلى عن مسؤولياته وحقوقه لأخيه , وأختار طريقا آخر". " ربما..... ربما أعتبر أن الطريق الآخر هو المسؤولية الحقيقية..... والهدف الأسمى". " رافاييل رجل ذو معتقدات وأفكار تتسم بالمثالية , وهو يعتقد بأن قراره هذا سوف يؤثر على ........ على الأمر الواقع , نعم , الأمر الواقع , ولكن الوضع يحتاج ألى أكثر من قدرات رجل واحد , مهما كان قويا ونافذا ومؤمنا". " ولكنه يحب الناس ويهتم بهم!". " طبعا , فالسيد دائما يحب الناس العاملين معه ويهتم بهم , ليس هذا بالأمر الجديد , أننا دائما نسعى لتحسين ظروف معيشتهم ". " ولكنه يريد مساعدتهم ........بطريقة فعلية.....". " لا أنا لا أنكر ذلك , أنه يشبه والده كثيرا , والناس هنا يحبونه ألى درجة كبيرة , ولكن رافاييل لا يحب هذه المقارنة , لأنها تعيد ألى نفسه ذكريات مزعجة". تحركت ميراندا في مكانها متململة وقالت له : " أتصور أنه ليس من الضروري أبدا أن تبحث معي في الأمور الخاصة لرافا....للسيد رافاييل". منتديات ليلاس " ولكنك أصبحت في فترة قصيرة جدا نسبيا تعرفين جميع أفراد أفراد العائلة بشكل وثيق أليس كذلك , يا آنسة؟". " ربما كان ذلك...... نتيجة للظروف .....غير الأعتيادية !". " غير أعتيادية ؟ نعم , أوافقك على ذلك , ولكن عليك الأعتراف بأن وجودك هنا أثار زوبعة هوجاء". تنهدت ميراندا وسألته بأنقباض : " أذن سوف نتحدث عن خوان ولوسي؟". " فقط بطريقة غير مباشرة , يا آنسة , أنا أشكك بأعجاب خوان بك ...بكما معا , ولكن السيدة أيزابيلا هي من المدرسة القديمة التي تؤمن .....بالزواج المتفق عليه سلفا بين العائلات , وتجد صعوبة بالغة في قبول هذا التصرف المستقل من خوان ورفضه الأنصياع لرغبات الوالدين , ومن الطبيعي أنها صعقت , ومن الطبيعي أيضا أنها لم تقبل ذلك في البداية ,ألا أنها بدأت تدريجيا .......". توترت أعصاب ميراندا ألى درجة بعيدة وقاطعته بالقول : " ماذا تحاول قوله , يا أب دومنكو؟". " أنا لا أحاول شيئا , ولكنني أنقل أليك معلومات مفادها أن السيدة أيزابيلا لم تعد تعارض .....صداقتك .....مع خوان ". شهقت ميراندا أستغرابا وقالت : " خوان وأنا لسنا صديقين ,يا سيد , أننا نعرف بعضنا , لا أكثر ولا أقل . وكان تصرفه بالنسبة ألى الطفلة أدى ألى تدمير أي صداقة كانت ستقوم بيننا!". " ولكنك لا تفهمين ماذا أعنيه , يا آنسة , ما أود قوله لك هو أنه بأمكانك البقاء في الوادي بمباركة من السيدة أيزابيلا , وكذلك الأمر بالنسبة ألى الطفلة , وخلاصة القول أن مشاكلكما حلت وأنتهت". |
قالت ميراندا لنفسها بأستهزاء أن المشاكل الحقيقية بدأت عوضا عن أن تنتهي , وقبل أن تفتح فمها لتشرح له حقيقة مشاعرها , عاد الكاهن للتحدث عن رافاييل , كرر لها , وبالتفصيل هذه المرة , ما قاله سابقا عن الأبن الأكبر , قال أن رافاييل يتورط أكثر فأكثر في شؤون الناس , مع أن عليه عدم الأختلاط بهم ألى هذه الدرجة , أنه يستخدم عاطفته ويدعها تتحكم بعقله وأرادته , لا يمكنه ذلك فهو أبن أبيه..... مهما تمرد على التقاليد والأعراف".
" ولكن... لماذا تحدثني بهذه الأمور التي لا علاقة لي بها؟". " بدأت السيدة أيزابيلا تتفهم محنة كل من أبنيها , فمن غير المسموح به لخوان ..... كسيد القصر ... أن يتزوج شابة غريبة , أما أذا كان حقا يريد ذلك , وكان على أستعداد للتخلي عن......". منتديات ليلاس وفجأة , وبكل أشمئزاز , أدركت ميراندا أهداف الكاهن .... أو بالأحرى , السيدة أيزابيلا , أنها تريد عودة أبنها البكر ألى المزرعة لأستعادةة حقه المشروع , وأذا تزوج خوان من الفتاة البريطانية , وتخلى بالتالي عن أدارة ممتلكات والده , فسوف يضطر رافاييل للعودة ألى قواعده وأستلام المهام الموكولة أليه توارثا وتقليدا , وقفت ميراندا بعصبية وقالت للكاهن بحزم وقوة: " أخشى أنك تضيع وقتك معي يا سيد , أنا لا يمكنني التحدث بالنيابة عن....خوان , أما بالنسبة ألي , فأي صداقة أو علاقة عاطفية بيننا ليست ألا من صنع الخيال , أنا لا أحب خوان ! أنه لا يعجبني كثيرا! كما أنني متأكدة من أنه لا يحبني!". دخل رافاييل القاعة بصورة مفاجئة وكان وراءه رجل شعرت ميراندا بأنها تعرفه , ولكنها ظنت بأنها واهمة وترى أشياء , لا وجود لها , دخل الرجل الثاني قاعة البيت , فحبست ميراندا أنفاسها , أقترب رافاييل المرهق منها وقال لها , مشيرا ألى رفيقه: " أعتقد أنك تعرفين هذا الرجل , يا آنسة ". كان يرتدي ثيابا رثة ويبدو عليه التعب والضياع , كما أنه فقد الكثير من وزنه , ومع ذلك , فأنه كان بأمكان ميراندا , التعرف على زوج أختها في أي زمان ومكان , همست بأسمه غير مصدقة عينيها : " يوب! ". هز الرجل رأسه وحياها بأسمها: " ميراندا ! , ميراندا". ركضت نحوه كالمجنونة , فتعانقا طويلا , أنه حي يرزق! |
we love uuuuuuuuuuuuuuuuuu
|
الساعة الآن 12:18 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية