نهض بسرعة وأختفى, لم يدفع للخادم , فأحمر وجه الفتاة وراحت تبحث في حقيبة يدها عن المال , دفعته وخرجت , وبينما كانت تلوح لسيارة التاكسي تذكرت أنهما لم يتكلما عن الأيام الماضية , لكن المهم بالنسبة اليها أن غاري يريد أن يراها من جديد.
أليس هذا سعادة لا توصف؟ وفي ذلك المساء , أهتمت فيفيان كثيراً بمريضها أذ عاد روبرت من المستشفى شاحب اللون وطلب الأيواء الى فراشه في الحال , صعدت معه الى غرفته وساعدته على أرتداء بيجامته ومئزره , ثم أختارت بضعة دواوين شعر وضعتها على الطاولة قربه ثم ملأت أبريقه بالماء المنعشة , كان ترانت يراقبها وشعرت الفتاة بنظراته تحدق بها بينما كانت تنتقل داخل الغرفة , لماذا هذا الأحساس بالذنب؟ ألا تقوم بجميع أمكانياتها لأسعاد روبرت؟ ألا يحق لها الأهتمام بحياتها الخاصة؟ خرج ترانت من جناح أخيه للأستعداد للعشاء , فبقيت فيفيان قرب المريض الذي كان مستنداً على وسائده , يتأمل زجاجات الأدوية العديدة الموضوعة على طاولته ثم قال بمزاح أسود: - مع كل هذه الأدوية , لا يوجد ألا دواء واحد يساعدني على العيش!. كانت فيفيان جالسة قربه تتأمل ملامح الخوف والتشاؤم في عيني روبرت , جذبها اليه وأخبأ وجهه في شعرها وقال: - ضميني يا فيفيان , ضميني بشدة. تناول صاحب المكان وفيفيان العشاء بصمت , حتى الخادم معين كان صامتاً ,وما أن ذهب ترانت الى الكازينو , أنسحبت الفتاة الى غرفتها , لا أحد يمنعها من الذهاب الى الكازينو للقاء غاري, لكنها لم تكن في مزاج للخروج. منتديات ليلاس عندما تشرق الشمس في سماء زرقاء خالية من الغيوم ,تتطاير كل الهموم الليلية , الأشجار المزهرة وأشجار النخيل تعكس صورها في ماء البركة الهادئة , هذه الطبيعة الجميلة ساعدت سكان كوديا على مواجهة النهار بفرح ونشاط , الفطور كان مرحاً , وكان روبرت مرتاحاً وأكل بشهية , أما ترانت فكان يرتدي قميصاً معرقة وسروالاً فاتح اللون يظهر لون بشرته الملوحة , لم يسبق أن رأت عينيه بهذا اللمعان الأزرق , أحست برغبة في الغناء من دون سبب واضح , بعد الفطور دفعت كرسي روبرت نحو الحديقة , في المرج , تسليا مع فرقة كلاب يملكها أحد العمال الزراعيين , بعد الظهر أمضيا معظم الوقت في حوض السباحة , يتشاجران ويضحكان في الماء مثل الأولاد , لو تستمر على هذا المنوال ! لو روبرت ....... كبتت في الحال الألم الذي أحتلها وأطلقت ضحكة مرحة وأسرعت لألتقاط الطابة . ولم تتذكر موعدها مع غاري ألا عندما كانت تستعد للعشاء , أرتدت فستاناً وردياً وفضياً ووضعت في شعرها دبابيس بشكل نجمة وتحمرت وتزينت. كان ترانت ينتظرها في غرفة الطعام ,ولما دخلت راح يفصلها كلياً , وخلال العشاء تحدثا عن مراحل النهار , ثم سألها ترانت: - أنت متألقة الجمال , هذا المساء , هل تنوين المجيء الى الكازينو؟. - هل لديك مانع؟. ***** يتبع.. |
أجابها مبتسماً:
- أبداً, لا مانع لدي , أنت بحاجة للتسلية وأفضل أن أعرف أنك موجودة في ( المقهى الأنكليزي). وبعد العشاء توجها نحو النافذة , أصبح الليل حاراً, فخرجا الى الشرفة ودخنا السكائر بصمت وهما يتأملان أضواء المدينة البرقة ويصغيان الى أمواج الأطلسي ترتطم بالشاطيء , وعندما قرر ترانت الدخول , كان وقته الأعتيادي للذهاب الى العمل قد ولى منذ وقت طويل. صعدت فيفيان الى غرفتها لتغتسل قليلاً ,ولما سمعت محرك السيارة تقلع , نظرت الى المرآة ووضعت عطراً ناعماً وأسترخت في مقعدها قليلاً, وفي العاشرة نزلت لتعلم عبدول بحضورها لكن, ظهر فجأة أمامها صاحب المكان الذي قال للحال: - سبقني عبدول الى الكازينو وفضلت أن أرافقك ما دمنا نذهب الى المكان نفسه. - أشكرك. كان قلبها يخفق بسرعة جنونية وهما يتوجهان الى السيارة الحمراء السريعة. أمام الكازينو وقف جميع الرعاع وشعرت الفتاة بيد ترانت تضغط على ذراعيها , فجأة صرخ أحد الرجال وأنفجر الضحك في الحال , وبينما كانا يستعدان للدخول الى الكازينو , تلقت فيفيان ضربة على ساقها وصرخت ألماً , أطلق ترانت شتيمة ودفع صديقته الى الداخل بسرعة. ولما أصبحا بأمان داخل الكازينو , سأل ترانت ضيفته وهو يتفحص جرحها: - كيف تشعرين؟. قالت ضاحكة: - أنه جرح بسيط. أعطاها مفاتيحه وقال: - أذهبي الى مكتبي وأسترخي من هذه الصدمة , سآتي بعد قليل بعد أن آمر بأبعاد الرعاع. أجتازت فيفيان المقهى ولا أحد لاحظ دخولها المضطرب ,وفي البهو حياها موظف بأنحناءة ثم دخلت الى المكتب , نظفت ساقها في الحمام وسرحت شعرها , ولما وصل ترانت , كانت تتأمل بأعجاب خارطة طنجة المعلقة على الحائط. فسألها مبتسماً: - هل تشعرين بتحسن؟. أجابت بمزاح وهي تنظر الى ساقها . - لا يمكنني حتى أن أطلب تعويضاً منك لتشتري لي زوج جوارب. فتح ترانت خزانة الأدوية المعلقة فوق المغسلة وتناول مرهما وقال: - هذا يسكن الألم. جلست على الأريكة , ركع أمامها ترانت وراح يدلك ساقها بنعومة فائقة , فلاحظت فيفيان شعره النحاسي وكتفيه العريضتين المفصلتين البارزتين تحت بزة السموكينغ , ولما نهض واقفا كانت ملامحه قاسية وقال: - أتساءل أذا كنت سأسمح لك بالعودة الى الكازينو في المساء!. - ولما لا؟ لم أصب الا بخدش بسيط!. - لا أريد أن أراك من جديد عرضة لحادث من هذا النوع , في هذا الوقت من السنة ينزل الرجال من التلال الى المدينة للبحث عن عمل , وحين يربحون المال , يفقدون عقولهم. ***** يتبع.. |
دخل بعض الموظفين لأستشارة رئيسهم , فقالت فيفيان لترانت :
- سأتركك الى عملك لأقوم بجولة داخل الكازينو. رافقها الى الباب وسألها: - هل أنت متأكدة من أن ساقك لا تؤلمك؟. - لم أعد أفكر بذلك. ما زال الوقت باكراً, دخلت فيفيان المقهى وجلست على كرسي وتحدثت الى أحد الموظفين وهو أسباني الجنسية , وأبتعدت عنه لما بدأ الزبائن بالدخول ثم توجهت الى صالة القمار وجلست أمام أحدى الطاولات لمتابعة اللعب, لم تعد مهتمة بموعدها مع غاري , فجأة همس صوت مألوف في أذنيها: -مساء الخير!كيف حالك؟. - وعدتني أن تنتظر حتى تعج الصالة. - لا تخافي , لنجد مكاناً منزوياً حيث يكون بأمكاننا أن نتحدث بحرية. أخذها الى المقهى وطلب الشراب , وبعد أن أحضره الخادم , أمسك غاري بيد الفتاة وقال: - كم أنا سعيد لرؤيتك يا حبيبتي , أول أمس , شعرت بالذنب لأنني تركتك بسرعة! هل سامحتني؟. فوجئت الفتاة بهذا الأستقبال الحميم , الدافىء , وأجابت بأبتسامة مضطربة: - طبعا! في كل حال كنت مضطراً للذهاب للعمل ! لا ألومك أبداً. - هذا يعني أنك لم تفكري بي, لقد أنتظرت لقاءنا بفارغ , ونحن الآن مضطران أن نلتقي بالسر!. - أنا آسفة , لكنني شرحت لك الوضع وأعتقدت أنك فهمت. - لا تؤيدي على معاني كلماتي , أنا مستعد للتساهل كي لا أحزن كولبي الصغير , وبينما أرغب بشدة أن أضمك بين ذراعي , يحق لي فقط أن اقدم لك كأساً!. شعرت فيفيان بأضطراب كبير , لقد أنتظرت هذه اللحظة سنوات طويلة , لكن لماذا لا تفرح لذلك؟ بالعكس , تشعر بتوتر وأضطراب , ربما لأن كلماته كان لها وقع مفاجىء عليها .... صورة قلقها لما يختص بروبرت يخفف عنها الفرح. في الواقع, صورة واحدة تأتي الى مخيلتها .. وهي صورة ترانت , الراكع أمامها , يدلك ساقها المجروحة , أطلقت ضحة لتبعد هذه الصورة عن مخيلتها وقالت لغاري: - سيكون للقائنا طعم طريف!. - هل أنت بحاجة الى ذلك؟. غير الحديث بسرعة وأضاف يقول بمرح: - أخبريني عن أبحاثك , كنت مقتنعة أذن أنني ما أزال في طنجة؟. شرحت الفتاة انها بحثن عنه في كاسيا والمدينة الحديثة, لكنها كانت تشعر أنه لم يكن يصغي الى حديثها , وما أن أنتهت حتى ضغط على يدها من جديد وقال: - ها نحن أخيراً معاص والباقي لا يهم. ألقت الفتاة نظرة حولها وقالت: - أليس من الأفضل أن نعود الى صالة اللعب؟. - لدي فكرة أفضل من هذه. منتديات ليلاس ***** يتبع.. |
نهضا وتوجه غاري نحو الباب فتحه وأخرج الفتاة الى الحديقة , الهواء يعبق برائحة الليمون الحامض وهدير البحر يسمع عن قرب.
جذب غاري فيفيان اليه وعانقها , كانت دائماً تحلم بهذا المشهد , لكنها بدلاً من أن تعانقه بدورها راحت تنظر بعصبية نحو نوافذ صالة اللعب وتقول بصوت منخفض: - لنكن حذرين , ربما رآنا أحد. أجابها قبل أن يعانقها من جديد: - لا يوجد أحد في الخارج في مثل هذه الساعة. وبعد قليل , كانا يمشيان جنبا الى جنب, كانت الفتاة تود الدخول والهرب منه , لكنها كانت تخشى أن تجرح شعوره. - لن يسمح لي ترانت بالعودة الى الكازينو بعد الآن بسبب الشجار الذي حصل أمام الباب لدى وصولنا. - هل يشك بأمرنا؟. عضت على شفتيها وقالت: - لا أعرف, هل عرف, يا ترى, أنني لست واقعة في حب روبرت. - لا , كولبي لا يشك بشيء , والآن لنعد الى الداخل ونفترق أمام الباب , لا تقلقي ,الوضع لا يزعجني أبداً. ضمها اليه فأضطرت الى أن تقول له: - أنا أتشكر تفهمك للوضع. ولدى وصولها الى صالة اللعب , شعرت بأرتياح كبير ,لكن السهرة فقدت سحرها لهذا الموعد السري مع غاري ولم تكن تتمنى سوى العودة الى كوديا , كان ترانت منغمساً بحديث محتدم مع بعض الأشخاص , هل رأها؟ راحت تراقب امرأة عجوزاً ترتدي المخمل الأسود وعلى رأسها تاج يلمع وأمامها فيش عديدة. همس ترانت بأذنيها بعد أن حيا العجوز بأنحناءة من رأسه: - هذه زبوتنا المفضلة , نادراً ما تخسر في اللعب. - ألا تنزعج لرؤيتها تربح غالباً؟. - أبداً, بالعكس , فبهذه دعاية جيدة لنا!. راحا يتمشيان قليلاً في الصالة ,ثم أعلنت فيفيان بصورة غير منتظرة: - أعرف أنك بحاجة الى عبدول في مثل هذا الوقت, لكن ربما بأمكانك مؤقتاً التخلي عن خدماته لتسمح له بأيصالي الى المنزل؟. توقف ترانت مكانه وحدق بها وقال: - هل ساقك تؤلمك؟. - لا , لا , لكن المكان يعج بالناس وأنا أشعر بالتعب. - كان عبدول هنا منذ لحظة , سأبحث عنه. لم يتسنى لها الوقت لأستيعاب ما جرى حتى عاد ترانت برفقة السائق. - لقد أفهمته بأنك تريدين العودة الى المنزل في الحال. شكرته وتمنت له ليلة سعيدة , وبينما كانت تجتاز الصالة , شعرت بنظرات ترانت تحدق بها مفصلاً. ***** يتبع.. |
7- المتسلل الليلي
وفي اليوم التالي وقع روبرت مرة ثانية , كانت فيفيان معه في حوض السباحة عندما أغمض عينيه وغاب عن الوعي، غطس هارون في الحال وحمله وصعد معه, كادت الفتاة تجهش بالبكاء , لكنها قامت بجهد قوي للسيطرة على أنفعالها عندما لمحت وجه ترانت الشاحب , ساعدت الخادم على لف المعاق بمنشفة بينما ذهب صاحب المكان الى الأتصال بالمستشفى. وعم الصمت أرجاء الفيللا , الخدم ينتقلون بخطى حذرة , وحتى موريس الطاهي لم يعد يرنم ألحان الأوبرا أمام أفرانه في المطبخ. أخيرا ذهب الأطباء , فصعدت فيفيان الى جناح روبرت , ورأته جالساً في سريره , وبالرغم من الشحوب في وجهه كان يبتسم , وبدا ترانت هادئاً أكثر من العادة وأقترح أن يتناولوا جميعا طعام العشاء في غرفة المريض ,وفي تلك الليلة وجدت فيفيان صعوبة كبرى في الخلود الى النوم. في اليوم التالي , خرج روبرت كالعادة لتناول فطور الصباح على الشرفة ,ثم أخذته الفتاة الى الحديقة , وخلال فترة بعد الظهر لعبا الكروكيه معا , وخلافاً لعادته تخلى ترانت عن مستنداته ليلعب معهما , فلم تلعب جيداً بسبب نظرات ترانت الحاكمة , لكنها لم تأبه للأمر , ما دام روبرت فرحاً لمقارنة نفسه بأخيه. ثم جلس الثلاثة تحت ظل أشجار الزيتون ليحتسوا المشروبات المنعشة. وقبل أن تتمدد فيفيان على كرسيها كالعادة , راحت تجفف جبين روبرت المتعرق , فأستغل المريض هذا الأعتناء الزائد وأحاط خاصرة الفتاة بذراعيه وجذبها نحوه وقال مبتسماً: - أنت منعشة ورائحتك تعبق بزهور الغابات. نظر الى السماء كأنه يبحث عن الألهام ثم نظر في عيني فيفيان وقال: - لا أرى الزهور على قدميّ ولا الورد العطر على الأغصان. كان يلقي بيتاً من الشعر مما جعل فيفيان تنزعج من هذا الوضع , وكم كانت تأمل لو أنها تملك هذه الموهبة لترد عليه! لكنها ليست لوسي ورفيقها كان خائب الأمل لأنها لم تعرف الرد , شعرت بالأنزعاج المضاعف, في ذلك النهار , خاصة أن ترانت كان موجوداً معهما. ولكي تروح عن مريضها , طبعت على جبينه قبلة خفيفة , ثم نهضت وقالت: -حان الوقت كي أقص لك شعرك!.منتديات ليلاس ***** يتبع.. |
الساعة الآن 10:59 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية