منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   مشروع كتابة الروايات (https://www.liilas.com/vb3/t75421.html)

الأمل الدائم 19-04-08 04:23 PM

الفصل الثالث ..............

3- امور تحدث سريعاً !!


لا شك في ان المكسيكيين اسوا من قاد السيارات في العالم .
رددت لورا هذا الكلام وهي تقود السيارة على طول الجادة الجميلة , التي تمتد بمحاذاة مجموعة من الفنادق الضخمة المطلة على الخليج .
ومرة خلال حفلة استقبال حضرتها قال لها رجل اعمال مكسيكي :
" الرجال هنا جبابرة اقوياء .. وأضاف :
" في بلادنا وفي كل المناسبات , على المكسيكي ان يفرض سيطرته وسواء حاول الحصول على امراة او كان يقود سيارته , فانه مضطر الى ان يفعل المستحيل ليؤكد سطوته وعلّو شانه .
وما على المراة إلا أن تطيع ".
استعادت هذه الكلمات , وهي تحاول عبثاً تغيير اتجاه سيرها لتستطيع سلوك طريق المرفأ .
فجأة توقف سائق تاكسي ورمقها بنظرة إعجاب , وتخلّى لها عن فسحة إستطاعت من خلالها عبور الطريق المطلوب .
وبعد دقائق صفّت سيارتها في مرآب نادي اليخوت .
اخرجت من سيارتها كيساً يحتوي على كل ما تحتاجه لإعداد عشاء اميريكي يحب والدها أن يتناوله ,
ثم سارت على رصيف الشاطئ..الى حيث يرسو يخت والدها .
صعدت الى سطح اليخت الخلفي فلم تجد احداً . فنادت وهي تقترب من السلم الذي يؤدي الى قاعة الجلوس و المطبخ :
" ابي !!أبي !! إنني هنا ".
لا جواب . هبطت لورا بحذر السلم الضيق , المطبخ الصغير كان فارغاً ,
وكذلك غرفة الجلوس التي تحتوي على طاولة في وسطها ومقاعد مغلّفة بالنسيج القطني ذي الألوان الزاهية .
اتكأت لورا على أحد الجوانب وغرقت في الذكريات ,
تعرّفت الى الرائحة العادية الممزوجة برائحة سجائر والدها .
وبدأت تنفعل . كم هي نادمة لاها لم تكن مثله شريدة البحار ,
غير ان دان فضّل العمل بنصائح الراهبات اللواتي أشرن عليه بادخال لورا المدرسة الداخلية اذا ارد ا ان يضمن مستقبلها .
ترعرعت لورا على ايدي الراهبات اللواتي كرّسن حياتهن للتربية والتعليم .
مرّة حدثتها الاخت كرميليتا ذات الوجه الملائكي , التي كانت تعلمها اللغة الاسبانية , عن مستقبلها كامراة وذلك عندما عبّرت لورا عن رغبتها في دخول سلك الرهبنة .
اذ قالت لها الراهبة في لطف وهي تبتسم :
"لا يا لورا . سيدخل حياتك يوماً ما رجل يغمركِ بحنانه و تنجبين منه اولاداً تسعدان بهم .
أعتقد يا ابنتي ان دخولك السلك سيكون غلطة ".
سرعان ما نسيت لورا هذه الرغبة , لكن كلمات الاخت كرميليتا ظلّت محفورة في ذهنها .
وعندما التقت برانت اعتقدت انه هو رجل حياتها . فهو يتمتع بمزايا خلقية رفيعة ,
اهمها انه لا يحاول ان يمارس الزواج قبل الاوان وهذا شئ نادر في هذا العصر
حيث لم تعد هناك أية حدود تمنع الرجل والمراة من الاستمتاع .
تناهت الى سمعها خطوات على متن السفينة , فانتفضت واسرعت الى تسلق السلالم ...
"أبي ..اين كنت ؟؟ أرجو ألاّ تكون قد اشتريت اغراضاً للعشاء لأنني .............""
سكتت فجأة وهي ترى شبح دييغو راميريز الممشوق و المفرط في الاناقة منتصباً امامها .
سألته في لهجة باردة :
" ماذا تفعل هنا ؟ بدأت أسأم رؤيتك وملاحقتك لي في كل مكان .
سيأتي والدي في أية لحظة الان , لذلك انصحك بالذهاب ".
قال متجاهلاً ملاحظتها :
" أيمكنني الهبوط إلى داخل اليخت ؟".
"والدي في طريقه الى هنا . ولن تسرّه رؤيتك على متن سفينته ".
لم يأبه لهذا التهديد , بل توجّه في هدوء الى غرفة الجلوس وقال :
" اجلسي يا لورا . لديّ أمر مهم أريد أن أحدثك فيه ".
فقالت في لهجة حاسمة :
"أرجو ان تقول ما عندك بسرعة , أريد إعداد العشاء لوالدي ".
هزّ رأسه في تعبير آسف جعل لورا تشعر بجفاف في حلقها و بقلق غامض ...
قال وهو يسمّر عينيه في عينيها :
" أخشى ألا يتمكن والدك من أن يتناول العشاء معكِ هذا المساء ".
" لماذا " ؟؟
" آسف أن ابلغكِ أن والدك محجوز لدى الشرطة المحلية ".
قالت لورا وقلبها ينبض بسرعة ....
" الشرطة .....إن هذا مستحيل "..
" كنت على الشاطئ القريب جداً من هنا ولاحظت زحمة وهياجاً على السفينة وعرفت الرجل الذي اصطحبته الشرطة : انه الرجل ذاته الذي كان يرافقك في مطعم الميرادور .......وقد كنت اعتبره خطيبك ....."
سألت وهي تنهض غاضبة من دون ان تعي ما قال :
" لكن لماذا اوقفت الشرطة والدي ؟ لم يقم بشئ غير قانوني طيلة حياته ..
لاشك أن ذلك خطأ ... يجب ان اذهب وارى ماذا يجري .... وساقول لهم ....."
وفي حركة نجح دييغو في تهدئتها ...
" ربما فيما بعد علمت من الشرطة التي اوقفته ان والدك متهم بالتورط في عملية تهريب مخدرات ..
وهنا في المكسيك تعتبر جريمة كبيرة ".
رددت لورا منذهلة ....
" تهريب مخدرات ؟؟ أبي ؟؟ لكن مستحيل ,,,, هل سمعت ما أقوله ... هذا مستحيل ".
قال دييغو في حزم ....
" اجلسي "
هبطت الفاته في المقعد ...أما دييغو فظل مستندً الى الطاولة ..
" يجب أن تدركي جيداً ان والدك متهم بجريمة بالغة الاهمية ..
وحسب الادلة التي اكتشفت على متن الباخرة فهو معرض لان يبقى في السجن طيلة الحياة
او لنقل مدة طويلة قبل افتتاح المحكمة "
همست لورا واضعه رأسها بين يديها .....
" محكمة؟؟ لا ... لا يمكنني ان اصدق شئيا كهذا "..
" لكن هذا هو الواقع ...ذهبت الى مركز الشرطة وتوصلت الى التحدث مع والدك ..
فاخبرني بان الرجلين اللذين استاجرا منه اليخت عادا في الصباح الباكر وما لبثا ان غادرا ..
وقالا له انهما سيعودان في المساء .. وكانا على استعداد للابحار فجر الغد ".
قالت لورا مستغربة وهي تقفز ...
" رجلان , هما اذاً المذنبان .. قال لي والدي انهما استاجرا السفينة وفي نيتهما الصيد ,,
لكنهما لم يكونا يعرفان شيئا عن الصيد .. ساخبر الشرطة بذلك "..
ارادت الاسراع نحو الممر لكن دييغو اقفل عليها الطريق وقال وهو يمسكها من كتفيها :
" لا تتصرفي تصرفا احمق! هل تتصورين ان الشرطة هنا ستصغي الى ما تقولينه ,, انتِ ابنته !!".
"لكن يجب ان افعل شيئا ما ".
قال لها بلطف :
" لا يمكنك ان تفعلي شيئا يا لورا امام السلطات ....."
سالته وقد احتلتها الكابة فجاة :
" الى من سالتجئ اذاً ؟ هل في اكابولكو قنصلية للولايات المتحدة ؟".
" كلا .. القنصليه مركزها في مكسيكو .. لكن في مثل هذه القضايا لا يستطيع القنصل ان يفعل اي شئ ".
" يبدو وكانك وجدت الحل ..ارجوك .. قل لي ماذا افعل ؟".
حدّق في عيني الفتاة الخضراوين ثم اخفض جفنيه وقال في صوت مبحوح :
" لديّ نفوذ في بعض الاوساط "
" يمكنك اذا ان تفعل شيئا ما لمساعدة والدي ".
وفي هذه اللحظة بالذات رفع راسه وانتفضت الفتاه امام حدّة نظراته القاتمة :
"لكن نفوذي يكون له صدى اقوى اذا ......."
عمّ صمت طويل راح فيه قلب لورا ينبض بسرعة ...
واضاف :
"اذا كنتِ زوجتي ".
كالبلهاء راحت لورا تحدّق فيه وهي تلاحظ برغم الصدمة القوية وجهه ذا
الملامح البارزة ورموش عينيه الطويلة وقساوة فمه ورددّت في صوت خفيض :
" زوجتك ؟ لكن الا تكفيك زوجة واحدة !".
هزّ راسه في تلهف :
" أنا لست متزوجاً والمرأة التي تعتقدين أنها زوجتي هي في الحقيقة أرملة أخي الصغير ..جيم .
. الذي قتل السنة الماضية في سباق القوارب الآلية ".
" لكنني كنت أعتقد ...."
توقفت ..... وكل شئ يغلي في ذهنها ..
" نعم .. اني اعترف انني جعلتك تعتقدين ان كونسويلو زوجتي لم يكن ذلك قصدي في بداية الامر ..
ولكن عندما وضعت في ذهنكِ انّ المراة التي
ترافقني في حفلة عرض الازياء هي زوجتي ,
لم اكن قادرا ان انكر ذلك .. كنت اريد ان اعرف ما اذا كنتِ قادرة على الصمود
مدة طويلة امام رجل تعتبرينه متزوجاً ".
ولان تعبيره بعض الشئ ...ثم قال ..:
" اني اعترف بانك تصرفتِ بعناد وتصلب "..
ما زالت لورا مضطربة لوضع والدها المؤسف ,, فلم تسجل هذا الاعتراف الجديد .
" لم افهم بعد .. هل كان ذلك امتحاناً ؟؟ أهذا ما تقصده ؟".
" نوعاً ما .. نعم ."
تناول من جيب سرواله علبة السيجار واخرج سيجاراً صغيراً واشعله بقداحة ذهبية ..
خارت قدما لورا وهبطت في المقعد ....
قال دييغو وهو ينظر من نافذة اليخت :
" يهمني جدا فيما يتعلق بهذه الامور ان تكون زوجتي مترفعة عن اية شبهة ".
تأملته لورا لحظة من غير ان تقول كلمة ...
فهي حزينة لما حصل لوالدها ثم صرخت وهي تستعيد وعيها ...
" لكنك مجنون حقاً ! لن استطيع ان اتزوجك ..
يبدو انك نسيت اني مخطوبة واني ساتزوج حين اعود الى لوس انجلوس ".
سأل دييغو وهو يتفحص وجه لورا الجميل المحمر خجلاً :
" هل تحبين ذلك الرجل ؟".
أكدّت له وهي تقف لتواجهه وعيناها تتوهجان غضباً :
" طبعاً .. ولماذا اتزوجه اذا لم اكن احبه ؟".
ما من احد يعرف ما الذي يدفع النساء الى الزواج ...
هل هو المال ام المركز ام الاستقرار .. ام الحب ,
خطيبك , هل هو غنيّ ؟".
" كلاّ . انه محام شاب ما زال في بداية الطريق .. يمكنك ان تلغي السببين الاولين ".
" اذاً لا شك أن السبب الثالث هو الذي ينطبق عليكِ , الاستقرار ...
اهذا ما يقدمّه لكِ ؟
منزل في حيّ جميل , وولد أو ولدان .. وسهرة نهاية الاسبوع في النادي ".
" وماذا عندك ضدّ هذا النوع من الحياة , في كل حال انه وضع معظم الناس في بلادنا ,
ولست اخجل من كوني جزءاً منهم ".
ثم اضافت في لهجة ساخرة :
"طبعاً , ليس بامكان الجميع ان يملكوا منزلا يقع في محطة الحمامات الاكثر شهرة في العالم ,
وربما ايضاً قصراً في مكسيكو ".
اخذ دييغو نفساً من سيجاره وقال في تمهل :
" ليس في هذا خطأ .. في كل حال ان المراه تحب بشغف الرجل الذي يؤمن لها كل هذه المتعه ..
هذا ما يوصلنا الى السبب الرابع الذي هو .... ".
قاطعته لورا قائلة:
" لماذا نتجادل في هذه الامور السخيفة بينما أبي يقبع في احد سجون بلادك التعيسة ؟
سوف أصبح مجنونة مثلك .... "
اجابها دييغو ...:
" اني لست مجنونا . لكني انتهازي .. واعترف بان سجوننا ليست كما يجب وخصوصاً اذا كان السجين متهماً بتهريب المخدرات ,
لكن يمكنني القول ان والدك لا يلقى معاملة سيئة ..
لقد حاولت اقناعهم بان يقدموا له الطعام المعقول وان يجعلوا زنزانته في وضع مريح ومقبول ".
فقالت في صوت مخنوق :
" شكراً .. المال يفعل كل شئ , اليس كذلك ؟".
" في مثل هذا الوضع , المال وحده لا يكفي ..."
ترددّ ثانية ثم أضاف :
" ان الموظفين الذين اتصلت بهم من اجل مساعدة والدك عطفوا عليه ,
ليس من اجل المال , بل بسبب قرابتي لوالدك ".
" لقرابتك بوالدي .....؟ لكنك لم ..... لم تقل لهم ان .........ان ........"
قال لها وهو ينظر اليها في جراة :
"قلت لهم انكِ ستصبحين زوجتي . وانني لا ارضى ان ارى عمي يلقى معاملة المجرمين ".
فهمست لورا وهي شاحبة الوجه :
" كيف تجرات وقلت ذلك ؟".
" هل تعارضين ان ينال والدك معاملة حسنة ؟"
اجابت في غضب :
" لا .. انما يزعجني انك كذبت من اجل ذلك ...
وماذا اخبرت والدي ؟ هل كذبت عليه ايضاً ؟".
" الحقيقة اخبرته عن رغبتي في الزواج منكِ ...
وان ذلك سيتم ابكر مما كنت اتوقع .. نظراً للاوضاع الحالية ...."
تقدم دييغو منها خطوة واخذها من ذراعيها وقال في صوت خفيض :
" لن اخفي عليكِ انني كنت افضل ان يتسنى لي الوقت لان اغازلكِ يا حبيبتي .. لكن ...."
وبحركة عنيفة تخلصت من قبضته وقالت بغضب :
" انني امنعك من ان تناديني هكذا ؟ انا لست حبيبتك ولن اصبح حبيبتك ابدا ".
فقال دييغو وهو يبتعد عنها :
" حسنا " .
توجّه نحو السلم ثم التفت ونظر اليها باشمئزاز واستخفاف وقال :
" اذا غيّرت رايك يا انسة , يمكنك ان تتصلي بي في فيلا جاسينتا ,
انه اسم منزلي ".
ثم اخرج من جيبه دفتراً صغيراً , وكتب بعض الارقام .. ثم اقتلع الورقة واعطاها اياها قائلاً :
" ان رقم هاتفي غير موجود في الدليل الهاتفي .. فلا تضيعي الرقم , الى اللقاء ".
ضغطت لورا على الورقة بين اصابعها الجامده وهي تنظر الى دييغو يصعد الى سطح السفينه .
وبعد ذهابه شعرت فجأة بضياع وحيرة .
عادت الى غرفة الجلوس واسترخت في احد المقاعد وعيناها تحدّقان في رقم الهاتف الذي انحفر للحال في ذهنها ,
لكن لابد من ايجاد طريقة لاخراج والدها من السجن من دون الاضطرار الى اللجوء الى الزواج من هذا المكسيكي المتوحش !
" ايمكنني ان افعل لكِ شيئا يا انسه ؟".
ان مهنة لورا جعلتها تعتاد سماع كلمات الاعجاب .
ومع ذلك فقد انتفضت امام نظرات الموظف الملحة الذي يحرس باب مركز الشرطة , وبين شفتيه سيجارة .
"انني ..... اريد ان ارى والدي , دانييل ترانت ".
سالها الشرطي في فضول وهو يعريها بنظراته :
" هل انتِ الفتاة الاميريكية ؟"
فقالت بترفع :
"قل لي فقط اين يمكنني التحدث الى الشرطي المسؤول ".
اجابها ببطئ وفي لهجة مليئة بالاشمئزاز والكراهية :
" أظن انه مشغول في الوقت الحاضر ".
لكن لورا مرت من امامه من دون ان تلح عليه ودخلت الى البهو
ولاحظت من خلال باب مفتوح رجلاً ضخماً يرتدي بذلة رسمية جالس وراء مكتبه وزجاجة عصير في يده .
ولدى رؤيته الفتاة الشقراء , نهض الضابط في سرعة وقال :
" انسة ماذا تريدين ؟".
" اريد ان ارى والدي , دانييل ترانت . جئ به الى هنا بعد ظهر اليوم ".
فاجابها الرجل مقطباً عن حاجبيه :
"موعد الزيارة ليس الان عودي في الغد ..."
رفعت الفتاة يدها لتبعد شعرها عن وجهها , واذا بها ترى ملامح الضابط تتغير فجأة :
" هل قلتِ انك تريدين رؤية السينيور ترانت ؟ اذاً انت ِ ......."
" ابنته ".
" خطيبة السينيور راميريز ؟".
سحابة مفاجئة مرّت في عيني الشرطي الصغيرتين ,
انه يستغرب كيف انّ رجلاً غنياً اهدى خطيبته خاتم خطبه عادياً جداً .
تبعت الشرطي في طول الممر الضخم التي تفتح عليه الابواب السوداء الضخمة .
فلما وصل الى الباب الاخير , ادخل مفتاحاً في القفل وفتح الباب .
قالت لورا وهي تدخل الى غرفة صغيرة :
"شكراً يا سيدي ".
الاثاث الوحيد في الزنزانة هو سرير بسيط فوقه رفّ من الخشب الابيض وطاولة وكرسي كان يجلس فيها والدها , صرخ دان وهو ينهض :
" لورا , ابنتي الصغيرة !".
ركضت اليه وعانقته وهمست في صوت متقطع وهي تضغط على كتفيه :
"ابي ..... اه ابي ! ".
قفال في صوت منفعل :
" لم اكن اريد ان تاتي الى هنا . الم يحضر راميريز معكِ ؟".
" هو ... اه ... لا , لا يعرف انني هنا ...."
فقال دان مقطباً حاجبيه :
"اني اشك في انه سمح لكِ ان تاتي لوحدك الى مثل هذا المكان ....
اجلسي في الكرسي .. وانا ساجلس على السرير ".
ولما راى نظرات ابنته المشمئزة وهي تنظر الى غرفته , ابتسم في سخرية وقال :
" لا يبدو لك المكان فاخراً يا صغيرتي , لكنه بكل تاكيد افضل مئة مرة من الزنزانة التي القوني فيها عند وصولي ".
فانفجرت قائلة بغضب :
" لكن ليس مفروضاً ان تكون هنا ! ".
اجابها في لهجة مهدئة :
"أعرف ذلك يا صغيرتي . ااعرف جيداً . وانا ايضاً احسست بالشعور نفسه عندما وصلت الى هنا ,
لكن عندما رايت كيف يعاملون الموقوفين ................"
توقف ثم انحنى ليضع مرفقيه على ركبتيه :
" هل تصدقين اذا قلت لكِ انّ بعض الاميركيين وبعض الاجانب موجودون هنا منذ اشهر ...
بل منذ سنوات عديدة من دون ان يمثلوا امام المحكمة ,
لا عائلاتهم ولا محاموهم ولا احد يمكن ان يفعل شيئاً لمساعدتهم ".
قالت لورا في استغراب :
" ربما هم مذنبون ! لكن انت لست كذلك , يجب ايجاد طريقة لاقناعهم بانك برئ ".
تنهد دان وهو يزرع ارض الغرفة الصغيرة وقال :
" يا ابنتي المسكينة , في هذا البلد اهم شئ ان يكون لك اصدقاء في الدولة .
على فكرة رجال الشرطة لم يعتقلوا بعد الرجلين اللذين استاجرا سفينتي ".
" متى القوا القبض عليهما , يطلقانك في الحال ".
هزّ دان رأسه وقال :
" هذا شئ رائع ! لكن ما أعرفه عن هذين الرجلين قليل جداً ,
إلا انهما لن يترددا في ان يفعلا ما في وسعهما للتخلّص من هذه الورطة ,
يجب النظر الى الامور بلا خوف , يا لورا .... ربما قالا انني متواطئ معهما ".
" لكن هذا ليس صحيحاً ".
وبعد تنهد عميق , عاد دان ليجلس على السرير ثم قال :
" انا وانتِ نعرف ذلك تماماً . لكن هل بامكاننا اقناع الاخرين؟".
فقالت وهي تضغط على يديها :
"سوف اطلب من برانت ان ياتي الى هنا فهو يعرف ما يجب عمله ".
" هل هذا صحيح ؟".
التقى نظره المرتاب بنظر ابنته , فاخفضت لورا عينيها ,
انها تعرف بماذا يفكر والدها , لقد اظهر برانت انزعاجه فيما يتعلق بالحياة الحرة التي كان يعيشها والدها . شعرت لورا بفقدان الامل وقالت في صوت غير اكيد :
" اسمع , يمكنه ان يدلنا الى محام صديق له . وفي كل حال فان برانت متخصص بالدفاع عن حقوق الشركات , وهذه القضية ليست من اختصاصه ."
فقاطعها دان في قسوة لم تتعود عليها من قبل :
" الم تفهمي ما قلته لكِ . المحامي الاميريكي لا يمكنه ان يفعل شيئاً في هذا البلد ...القانون وحده يطبق ".
همست لورا في صوت مخنوق :
" لكن يجب ان نفعل شيئاً "
اكدّ لها دان في قوة :
" هناك شخص واحد قادر على اخراجي من هنا هو السينيور دييغو راميريز ...
لديه النفوذ والمال والعلاقات ".
توقف قليلاً ثم أضاف :
" وهو يريد الزواج منكِ ".
فهمست قائلةً :
" آه .. هل فاتاحك بالامر ؟".
" تصرّف بوضوح ...لكن , يا ضغيرتي , لماذا لم تخبريني بأن الامور وصلت الى هذا الحد بينك و بينه ؟
مساء أمس في فندق الميرادور جعلتني اعتقد بانه رجل متزوج ...."
" صحيح ؟ اووه ...."
من الصعب ان تقنع والدها بانها قبلت الزواج من دييغو اليوم فقط بعدما كانت تعتقد بالامس بانه متزوج فعلاً .
ليس هناك الا حل واحد وهو الاعتماد على هذا الرجل المكسيكي لينقذ والدها من هذا المازق الصعب .
فقالت في خجل :
" في الحقيقة , كان يزعجني بعض الشئ ان اعلمك بقراري قبل ان افسخ خطبتي من برانت ".
وصدّقها دان ..اذ قال وهو ينحني ليضغط على يديها بحنان ...
" انكِ لا تتصورين الى اي درجة انا سعيد من أجلكِ.
يا ابنتي الصغيرة مساء امس رايت دييغو راميريز شعرت بانه رجل حياتك , اكثر من برانت .
اني اقول لكِ هذا بصراحة . ان دييغو يحبكِ . هذا هو واضح للغاية , نظراته لا شك فيها ... و .....".
توقف فجاه ليمرر يده في شعره ثم اضاف :
" شرط الا تعتقدي ان هذه الظروف الصعبة هي التي تدفعني لان اقول ما اقول ,
افضّل ان ابقى هنا واموت على ان اراكِ ..........."
قاطعته لورا بسرعة قائلةً :
"اعرف ذلك يا ابي , لكن في وسع دييغو ان يسوّي الامور ,
انه يعرف عدداً كبيراً من الشخصيات البارزة في الدولة .
سترى ان بقائك في السجن لن يطول ."
" هل انتِ متاكده تماماً من عواطفكِ يا لورا ؟
الزواج من رجل مثل راميريز هو زواج لا يمكن فسخه , لا تنسي ذلك .
اذا كنتِ تشعرين بانكِ غير واثقة من الامر قولي بصراحة ,
في كل حال لا شئ يؤكد انني ساستعيد حريتي حتى ولو بمساعده دييغو . يجب الاّ تتاثري
بوضعي الحالي ولا تلقي بنفسكِ في زواج تندمين عليه مدى الحياة ".
أخفضت لورا عينيها على يدي والدها الضاغطتين على يديها ,
لقد اكدّ والدها قائلاً :
" الزواج برجل مثل راميريز هو زواج لا يمكن فسخه ".
وهي التي كانت تظن انّ هذا الزواج مؤقت ينتهي بمجرد خروج والدها من السجن .
ومع ذلك شعرت بالامل في ان كل شئ سيتم بصورة حسنة .
رفعت عينيها ونظرت الى والدها وقالت :
" نعم يا ابي , اني متاكده من حقيقة عواطفي .
ولا اتصور حياة سعيدة من دون دييغو ".
وللمرة الاولى ابتسم دان في استرخاء ,
وعندما غادرت لورا والدها بعد دقائق , كان في غاية الغبطة والانشراح ومتفائلاً بقدرة صهره العتيد على وضع حدٍ لهذه الازمة

:flowers2]
:mod195lr:

الأمل الدائم 19-04-08 04:27 PM

انتظرتك منذ الازل ..
.


" الو ""
كانت لورا تنتظر ان تسمع صوت دييغو راميريز البارد ,,
لكنها فوجئت بصوت امراة , فقالت بعد تردد :
" هل ... هل بامكاني التحدث مع السينيور راميريز ؟".
" السينيور راميريز يأخذ حماماً في بركة السباحة , هل الامر طارئ ؟".
" نعم . سانتظر على الخط ".
اخذت لورا ترتجف ..اذا اقفلت السماعه , فلن تستعيد شجاعتها لتطلبه من جديد .
فمن الافضل الانتظار .
" لحظة من فضلك ".
كانت لورا تطرق بعنف على طاولة الهاتف وتحاول تهدئة اعصابها ..
من مع دييغو في بركة السباحة ؟ ربما كونسويلو ذات القامة الممشوقة والعينيين السوداوين الجميلتين , .
ليس من الصعب التصوّر ان هذا الرجل لا يمانع في رؤية النساء الجميلات في زي السباحة .
فقالت في صوت متردد :
" إني ......... لورا ترانت ".
" آه .....!"
ران صمت طويل , وتسائلت لورا ما اذا كان محدثها يكتفي برؤيتها تعتذر جهاراً .
فقال اخيراً في لهجة مالوفة :
" هل زرتِ والدك ؟".
" اني ..... نعم . مساء امس .
اني مستعدة للتفكير في عرضك ...."
عمّ صمت من جديد , وطال الى حد انها ظنت ان المكالمة قطعت .
وبعد ثوان عديدة .. قال دييغو في لهجة لا مبالية :
"من الافضل ان تكلميني عندما تقررين قبول العرض ".
بعد ساعات من التفكير المستمر والعذاب للتوصل الى هذا الحل , كانت تامل منه على الاقل ان يقوم هو ايضاً بجهد من جانبه ,
لكن يبدو انهه ليس من طبيعة دييغو راميريز انه يبدي بعض التفهم و قليلاً من الرحمة .
همست في صوت مخنوق :
" حسناً إني اوافق على الزواج منك ".
طبعاً لم تكن تنتظر منه كلمات الحب , لكن خاب ظنها من ردة فعله الموجزة .::
" ساوافيكِ بعد نصف ساعه , هل انتِ في الفندق "؟.
"نعم ".
" الى اللقاء يا لورا ".
بينما تذرع الارض بعصبية ذهاباً واياباً بين غرفتها وغرفة الجلوس ,
بدا لها الوقت طويلاً , كانت في حالة قلق وبلبلة عاجزة على ان ترى المنظر الساحر الذي يطل من شرفتها على البحر وراء شاطئ روملي ابيض محاط باشجار النخيل العديدة .
لماذا يريد دييغو راميريز هذا الرجل الثري وصاحب النفوذ وزير النساء ان يتزوجها ؟
صحيح ان عمل لورا كعارضة ازياء يجذب اليها الاضواء وصحيح انها تتمتع بجمال خلاب ,
لكنها لا تعتز بذلك ,
ان بشرتها الشقراء الفاتحة لابد ان تكون العامل الفعال الذي جذب هذا الرجل المحاط بالنساء السمراوات .
لكن هذا السبب ليس كافياً ليتزوجها .
" الزواج اللاتيني لا يمكن فسخه " هكذا قال والدها .
انتفضت عندما تذكرت انها ستفسخ الزواج الذي تعتبره رباطاً مقدساً وذلك بعد ان يخرج والدها من السجن .
تطلّعت الى نفسها في المرآة بعد ليلةٍ لم تخلد فيها الى النوم , بدت شاحبة الوجه .
فاسرعت الى الحمام , ووضعت بعض المساحيق على وجهها لتخفي شحوب بشرتها ..
وعندما سمعت طرقات متواصلة على الباب , ظلّت لحظة مسمّرة في مكانها ,
فالكابوس الذي بدأ منذ توقيف والدها مازال مستمراً والله وحده يعرف متى ينتهي ! .
تقدّمت بخطىً بطيئة وفتحت الباب , وفوجئت بدييغو الذي كان يرتدي بنطلون جينز ضيقاً وقميصاً بيضاء .... ياخذ يدها ويطبع عليها قبلة ,,
وبسرعة تخلّصت منه وابتعدت عنه قائلةً في لهجةٍ فظة :
" هذا النوع من اظهار العاطفة لا يبدو ضرورياً ".
رفع حاجبيه متعجباً وقال :
" الا تعتبرين انه من الضروري ان تقبلي مني دليل حبي المتواضع ؟"
" من الافضل ان تدخل ".
وعندما اصبحت في غرفة الجلوس الصغيرة المفروشة على الطريقة الاسبانية , التفتت نحوه وقالت :
" قبلت الزواج منك لسبب واحد انت تعرفه ,
ولا داعي لان نتبادل العاطفة التي لا نشعر بها تجاه بعضنا البعض ".
" العاطفة ربما لا تشعرين انتِ بها يا حبيبتي , لكن ذلك لا ينطبق عليّ
يجب ان نحتفل بهذه المناسبة , الا ترين ذلك ضرورياً "؟.
" لست في مزاج يؤهلني لان احتفل باي شئ ما يا سينيور , لكن فنجان قهوة يكفي لتهدئة اعصابي ".
وبينما كان دييغو يعدّ القهوة في المطبخ , خرجت لورا الى الشرفة واسندت ظهرها الى الدرابزين وراحت تراقب برغبة الازواج اللامبالين الذين يسترخون على الشاطئ , منذ ان وصلت وهي تحلم بان تعود الى هنا في شهر العسل بعد ان تتزوج برانت في لوس انجلوس .... اين هي من هذا الحلم الان ؟
قالت ببرود وهي تاخذ فنجان القهوة من يد دييغو بعد ان اصبحت في غرفة الجلوس :
"شكراً ".
رفع هو كاسه وقال :
" اتمنى لنا .... زواجاً خصباً ".
قالت لورا بصوت جليدي :
" دعك من هذه الاوهام .. هذا الزواج لن يكون سوى صورياً , ولا تنتظر ان تنجب اولاداً ".
وولحظة ظلّ جامداً ثم اخرج كاسه ووضعها على الطاولة وقال في هدوء وثقة :
" لا يا حبيبتي ,ليس الامر كذلك , لن يكون بيننا زواج ابيض .
لن اتزوج إلا مرة واحدة وزوجتي ستكون ام اولادي ,
وستكونين انتِ تلك الزوجة , وليس سواكِ ."
سالته في صوت مرتعش :
" لكن لماذا ؟ لماذا تصرّ على ان تتزوجني ؟
اننا لا نعرف بعضنا بما فيه الكفاية .. فكيف يمكننا بالتلي ان نحب بعضنا ؟".
فقال في لطف وهو يلامس شعرها الاشقر البراق الذي تركته ينسدل على كتفيها :
" لن يكون من الصعب معالجة هذه الامور في اوانها ".
بدأ قلبها يلين امام كلماته الرقيقة وأضاف :
" الم يسبق لكِ يا لورا ان التقيتِ احداً للمرة الاولى وشعرتِ بهذا الاحساس الغريب ,
عندما رايتك في حفلة عرض الازياء , انتِ التي كنت انتظرها منذ زمن من دون ان اعرف ذلك ".
احست لورا وكانها مخدرة , صوته العذب فعل فعله فيها , وراحت تتطلع الى عينيه السوداوين الجميلتين ,
وفمه المكسيكي , ثم ادركت انه ياخذ فنجانها من يدها بلطف ويجذبها الى ذراعيه .
هذا العناق الطويل لم تذق طعمه من قبل ..
كانت يداه تداعبان وجهها وعينيها ,, وكان يهمس في اذنيها كلمات الحب الناعمه ,
في البدء تقلصت لورا , لكنها سرعان ما استرخت , لم يسبق لها ان شعرت بالتفاعل مع الاخرين ,
واحتلتها رغبة في ان تتخلى عن المقاومة امام هذا الرجل الذي اختارته ,
لكن لم تكن هي التي اختارته ....
استعادت وعيها في الوقت الذي كان دييغو يرفع راسه مواصلاً الهمس بكلمات ناعمة ..
وفجاة , دفعته عنها واتكأت على الحائط , وراح قلبلها ينبض بسرعة جنونية وعيناها الخضراوان تحدّقان فيه في تعبير يتعذر تفسيره .
ثم قالت في صوت لاهث :
" اني لا أؤمن بهذا الهراء .. لماذا ؟".
اقترب منها على مهل وقال في صوت مبحوح وهو يداعب خصلة شعرها :
" ومع ذلك شعرت يا حبيبتي بأني لم اكن في نظرك مجرد عابر سبيل ,
لقد احسست تجاهي بالحب والرغبة ... وزواجنا ملائم تماماً وسيكون ناجحاً ".
ابتعدت لورا, عندها كانت تبدو منطويةً على نفسها , قالت :
" في رأئي , هذا الزواج ليس له الا هدف واحد يا سينيور , وهو ان يؤدي الى تحرير والدي ".
" كلما اسرعنا في الزواج كان في وسعي ان احقق هذا الهدف , كل ما استطيع عمله هو ان اقنعهم بالاسراع في محاكمته . واذا كان بريئاً .....".
صرخت وهي ترمقه بنظرة قاتمة :
" طبعاً هو برئ , في حياته لم يقم باي عمل اجرامي , فكيف يمكنه ان يتواطأ في تجارة المخدرات او ت هريبها ؟".
" يبدو انه لا يقوم بأي عمل ثابت , وليس لديه مهنة معينة ؟".
قالت وهي تنظر الى النافذة لتخفي الدموع المترقرقة في عينيها :
"ترك كل شئ بعد وفاة والدتي , كان يريد ان يبتعد عن كل شئ يذكّره بها ".
فصرخ دييغو :
" بما في ذلك ابنته ؟".
" كان مضطراً لان يضعني في مدرسة داخلية في دير للراهبات , ماذا يمكن ان يفعل رجل ارمل بابنة في الثانية عشرة ؟
كان من الصعب ان ارافقه واتقاسم حياته على متن سفينة تظل مبحرة ".
" طبعاً , لم يكن ذلك مناسباً ".
ثم ربت على المقعد الواسع الذي يجلس فيه وقال :
" تعالي واجلسي قربي يا حبيبتي ".
لكنها جلست في مقعد اخر وسالته :
" متى تظن انه يمكنك اقناعهم بتحديد موعد المحاكمة ".
" الوقت مبكر لمعرفة الجواب . ربما شهر او شهران ...."
" يا الهي ... ! كل هذه المدة ؟".
" اشكري ربكِ , هناك العشرات ظلّوا في السجن من دون محاكمة ".
" نعم , اعرف . مساء امس اخبرني والدي بذلك , حسنا .... لم يبقة امامنا الا ان نتزوج في اسرع وقت ممكن ".
فقال دييغو بسخرية :
" هذه العجلة تغمرني فرحاً , ويجب ان تتم حفلة الزواج في مكسيكو .. لدّي هناك العديد من الاصدقاء والعلاقات والمعارف الذين قد يحقدون عليّ اذا لم يتسن لهم حضور العرس ..
ليس لديّ اهل مقربون . وباستثناء كونسويلو , ارملة اخي , قريبتي الوحيدة , هي التي تعيش في المسكن العائلي في كويزنافاكا . انها طاعنة في السن ولا يمكنها ان تاتي الى مكسيكو في هذه المناسبة ".
" اليس لديك اب او ام ؟".
اجابها وهو يضغط بشدة على شفتيه :
" كلا . مات والديّ في حادث طائرة وهما عائدان من كانساس . كنت في الرابعة عشر انذاك ".
فقالت لورا بحنان :
" انني اسفة ".
الم تمر هي ايضاً بمثل هذه المحنة ؟
قال دييغو وهو يهز كتفيه :
" الشباب يشفون بسرعة من هذه الصدمات , والان يجب ان نحدد تاريخ العرس .
الزواج المدني يمكن ان يتم خلال اسبوع ,
يوم الجمعه المقبل , والزواج الديني في اليوم التالي ".
" لماذا كل هذه السرعه ؟".
" كي تجري الامور بصور افضل والى ان يحين هذا الموعد , لا يمكنني ان اعرض عليكِ ان تسكني معي في مكسيكو ,
لذلك ساطلب من كونسويلو ان تستقبلكِ في منزلها ".
قالت بلهجة جافة :
" اريد .... ان ابقى قرب والدي : لماذا لا يمكننا ان نتزوج هنا في اكابولكو ؟".
قطب دييغو حاجبيه وقال :
" " ان معظم الشخصيات الكبرى التي انا بحاجة اليها من اجل قضية والدك كلها في مكسيكو , حيث مراكز اعمالها . لذلك فمن الضروري ان يحضروا العرس ".
وضع يده بلطف على يد لورا وقال :
"وتعويضاً لذلك , يمكننا ان نعود الى هنا حالاً بعد انتهاء حفلة العرس ونقضي شهر العسل في فيلا جاسينتا . وهكذا تتمكننين ان تذهبي لرؤية والدكِ يومياً ".
كان عليها ان تكتفي بهذا الوعد , واقترحت على دييغو امهالها يومين للقيام بالاشياء الضرورية , وقال دييغو ان كل النفقات ستكون على حسابه , فاضطرت الى قبول ذلك لان المال القليل الذي تحمله لا يكفي لشراء الملابس الفخمة التي من المفروض ان ترتديها كزوجة السينيور دييغو راميريز .,,,,




الفصل الخامس :

5- لأنها تشبه الأم ...

ضغطت لورا بأصابعها المرتجفة على صدغيها كي لا تسمع الأصوات المرتفعه الآتية
من قاعة الاستقبال في الطابق الاسفل .
كان القماش المطرز الذي صنع منه فستان العرس يلوي قامتها النحيفة ,
كما تلوي الريح السنبلة الصغيرة .
هبطت في الكرسي الصغير الموضوع امام منضدة الزينة ذات المرايا المزخرفة ,
وراسها ما يزال بين يديها , ثم اسندت مرفقيها الي المنضدة .
هذه الغرفة الشاسعة بدأت تخنقها , اثاثها من الخشب الاسود الثقيل , وابواب الخزائن العالية المزينة بالمرايا , تعكس سريرا عريضاً , يقع في احدى زوايا الغرفة ,
عليه غطاء من قماش موشى بالذهبي والاحمر الغامق .
كل شئ من الطراز الاسباني .
انه ديكور يليق بزوجة مكسيكية للسينيور دييغو سيزار دافيد راميريز .....
عندما سمعت هذا الاسم , في المركز البلدي , رفعت لورا حاجبيها مستغربة ,
فقال لها دييغو ان والدته اميريكية الجنسية ,
نعم هذه الغرفة تليق بعروس مكسيكية , لكنها تبدو غريبة لفتاة اميريكة عاشت حياتها في جو بسيط ,
هل نامت والدة دييغو في هذا السرير , وهل وضعت فيه ولدها البكر؟
ارتعشت لورا لهذه الفكرة , وشعرت بارتياح عندما شاهدت كونسويلو تدخل الغرفة وتقول :
" ارسلني دييغو لاطلب منكِ ان تستعجلي " .
بدأت لورا تفك سلسلة الازرار الصغيرة التي تغلق الفستان عند الظهر , فقد جرى تصميم الفستان لجدة دييغو منذ ستين سنة ,
اي قبل اختراع السحابات ,
وهذه السيدة العجوز التي استقبلت لورا بلطف في المسكن العائلي في كوبرنافاكا , الّحت عليها كي ترتدي هذا الثوب يوم العرس , وقالت لها بانجليزية صحيحة :
" كنت احلم دائماً بان ترتدي عروس دييغو الفستان نفسه الذي ارتديته عندما تزوجت جده .
ما من احد في العائلة له مقاييس جسمي نفسها سواكِ ".
نظرت كونسويلو في عين حاسدة الى ثوب لورا الحريري الاصفر الموضوع على المقعد وقالت :
" حظكِ كبير لانكِ تزوجتِ من رجلٍ تري ".
فضّلت لورا الاّ ترد .
كانت تعلق فستانها في الخزانة , وتستعد لارتداء ثوبها الاصفر , وهي لا تشعر باي خجل من خلع ملابسها امام النساء ,
فقد تعوّدت ذلك كعارضة أزياء .
وكانت كونسويلو تتأمل في عينٍ ناقدةٍ قامة الفتاة الممشوقة والنحيفة .
" لست ادري كيف انجذب دييغو الى امراة نحيفة مثلك ِ .
ان صديقاته كلّهن نساء جميلات ذوات أجسام مليئة ".
قالت لورا و هي تبكلّ زنار تنورتها :
" صحيح ! ولكن لماذا لم يقع اختياره على واحدة منهن ؟".
" كان دائماً متمسكاً بفكرة واحدة , وهي ان ياتي بامراة تحلّ مكان والدته التي توفيت عندما كان صغيراً .
انه لايزال اسير هذه الذكرى ".
انتفضت لورا قلقاً . قفزت الى ذهنها صورة تلك المراة الشقراء الجميلة المعلقة في الجدار بين عدد من اللوحات تمثل رجالاً ونساء كلهم سمر . صحيح ان هناك بعض التشابه بينهما ,
لكن ذلك لا يؤكد ان دييغو انما اختارها لهذا السبب .
قالت لورا :
" كل ما تقولينه اوهام ! ".
فاجابت كونسويلو :
" لا . لست مخطئة , واذا كان ما اقوله غير صحيح , فلماذا لم يخترني انا ؟
ان تقاليد بلادنا تقضي بان يتزوج الرجل ارملة اخيه ".
" تلك هي اذاً المشكلة ".
فكرّت لورا وهي تجلس وراء منذدة الزينة . كانت كونسويلو تأمل في ان يتزوجها دييغو بعد انتهاء فترة الحداد , لكن بدل ان يفعل ذلك , اختار امراة غريبة ...
انها غلطة لا تغتفر , لو كان بامكان لورا ان تقول لها ان زواجها لن يدوم ,
فقط لان يخرج والدها من السجن بعد اعلان برائته ,
في كل حال , الم يفرض دييغو عليها الزواج , هي التي كانت ترفض تلك الفكرة بقوة ".
قالت لورا :
" كان عليكِ ان تكلمي دييغو بالامر ".
" أن تكلمني عن ماذا ؟".
كان صوت دييغو منبعثاً من عتبة الغرفة ..
التفتت لورا نحوه , فاقترب منها وهو لا يزال يرتدي بذلة العرس الغامقة .
وقد وضع على القبعة قرنفله حمراء .
وبرغم قرار لورا اعتبار هذا الزواج بمثابة اتحاد عابر سببه الوضع المؤسف الذي يعيشه والدها في السجن .
فانها لم تستطع ان تلجم انفعالها عندما سمعت في الكنيسة كلمات الحب والاخلاص تتدفق من فم دييغو ,
وتمنت لو ان هذا الزواج كان اكثر من صورة ساخرة كئيبة .
وبعد خروجهما من الكنيسة وسط اصدقاء دييغو الذين ملأتهم الدهشة والفرح , توجها الى المسكن العائلي , حيث كانت قاعات الاستقبال الواسعة تزدحم بمئات المدعووين من الشخصيات ورجال الاعمال , الذين حرصوا على تقييم العروس برغم نظرات زوجاتهم الحانقة ,
بينما رمقت بعض السيدات لورا بنظراتهن اللاذعة الخبيثة .
ثم وجّه دييغو بعض الكلمات باللغة الاسبانية الى ارملة اخيه التي هزّت كتفيها وخرجت من الغرفة بعدما صففقت الباب وراءها بحدة .
التقت عينا المكسيكي اللاهيتين بعيني لورا في المرآة وقال :
" ها نحن اخيراً وحيدان يا زوجتي .
لقد تحملّت بعذاب كل هؤلاء الرجال الذين كانوا يحيونك , ولم تخطر ببالي الا فكرة واحده ,
هي ان اخطفكِ من بين المدعوين واذهب بكِ الى فيلا جاسينتا بأسرع ما يمكن ".
عانق لورا التي شعرت برعشة صغيرة , فهمست وهي تلتفت اليه :
" ارجوك ....".
لكنه لم يسمع . بل راح يعانقها بحنان . مما جعلها تشعر باحاسيس بالغة .
همس في اذنيها قائلاً :
" اه لو تعرفين كم احبكِ هل يجب ان ننتظر حتى نصل الى فيلا جاسينتا ؟
هل تريدين ان اطلب من المدعويين الانصراف ليتسنى لنا ان نكون وحيدين ؟".
المدعوون يزدحمون في قاعات الاستقبال في الطابق الاسفل . امام هذا المنظر استعادت لورا وعيها فتخلصت فجاة من عناق دييغو وراحت ترتب نفسها , ثم همست في صوت مخنوق :
" هل نسيت ان هذا الزواج هو مجرد زواج ابيض ؟".
وبقوة تمسك بكتفيها وحدّق في اعماق عينيها وقال :
" سبق لي يا حبيبتي ان قلت لكِ ان الزواج لن يفسخ , ومن هذا الزواج ومن هذا الحب سيكون لنا اولاد ".
" لا ".
وضع يده على صدر زوجته حيث كان قلبها ينبض بسرعة جنونية , ثم همس قائلاً :
" كيف تقولين شيئاً كهذا ؟
انكِ ترغبين في هذا الاتحاد وانا كذلك .
انني اعرف تمامًا انكِ تشعرين بان قلبينا ينفعلان في انسجام وتناغم !".
هذا الكلام الهائم جعلها ترتعش في خوف غامض .
اية امراة لا تتاثر بكلمات الحنان والغزل من فم رجل جذاب له خبرة واسعه في استمالة النساء ؟".
قالت في عناد وتصلب بالراي وهي تتوجه الى منضدة الزينة وتسرّح شعرها :
" لا شك انك تهذي يا سينيور ,
انت تعرف جيداً سبب زواجنا .
وهذا الزواج لا دخل له بانجاب الاولاد من اجل استمرار عائلة .
راميريز , عندما يخرج والدي من السجن فانني ......".
توقفت وعضت على شفتيها فسألها دييغو في لطف :
" ماذا ستفعلين يا حبيبتي ؟".
أمسكها من معصمها وادارها نحوه واكمل :
" هل تعتقدين انني بعدما اقسمت بان اكون مخلصاً امام اصدقائي والشهود ؟,
سأرضى بأن تطرديني عندما لا تعودين بحاجه الىّ لأصبح أضحوكة الجميع ؟؟!! ".
لاااا يا لورا , لقد اصبحتِ زوجتي ,
وسوف تبقين زوجتي , وانني اتعهد بذلك ".
ارتعشت لورا حين لمحت نظرته المصممة , يبدو ان تهديده ليس مجرد كلام .
انه ينوي الذهاب في الزواج حتى النهاية ,
وسيصر على ان يكون له اولاداً ,
مما يؤدي الى استحالة فسخ الزواج ,,, نعم , لكن ... نحن في القرن العشرين ,,
بأولاد او من دون اولاد كل شئ ممكن حتى الطلاق .....
وبعد ان وضعت احمر الشفاه , تناولت حقيبة يدها وقالت وهي تبتسم :
" انني جاهزة ".
" اذاً , هيا بنا , حقائبنا اصبحت في السيّارة ".
" الا تريد ان تبدل ثيابك ؟"
ابتسم وقال :
" الخدم في فيلا جاسينتا لم يحضروا العرس , وسيفرحون اذا شاهدوني في ثياب العرس ".
وبطرف اصابعه راح يداعب خدها :
" كما اني اريد ان يفهم كل اللذين سنلتقيهم في طريقنا ان هذه العروس الجميلة هي ملكي ".
ثم اضاف وهو ينظر الى لورا :
" ارجوكِ من اجل والدكِ , ان تبذلي كلّ ما في وسعكِ كي تظهري امام الجميع انكِ الزوجة المحبة ".
صمت المدعوون المتجمعون في المدخل الواسع حول سبيل ماء لمدة لحظات لدر رؤية العروسين يهبطان السلم , ثم تجمّعوا حولهما ووجهوا اليهما التهاني والتمنيات .
وعندما اصبحا في السيارة المزينة بالورد , اقلع دييغو بسرعه .
وبعد قليل سلك الطريق المؤدية الى اكابولكو , ومن وقت الى اخر كان يرد باشارة من يده على تحيات السائقين او الفلاحين الذين لاحظوا بذلة العرس , ولم يتبادل مع لورا الا بعض التعليقات العابرة في شان الاماكن التي مروا فيها .
كانت لورا المتكئة باسترخاء على المقعد المريح , تحلم في اليقظة ,
يا لسخرية القدر ,
فقد تزوجت من رجل كانت تريد ان تعتبره الرجل المناسب ,
لولا الظروف الحاضرة , انه متديّن مثلها , وهذا في رايها امر اساسي .
كما ان دييغو يتمتع بجمال وجاذبية وثراء و شهرة .
اخفضت عينيها على الزمردة المحاطة بحبات الماس الرائعة التي يتالف منها خاتم الزواج الموضوع في اصبع يدها اليسرى قرب المحبس الذهبي .
دييغو بنفسه وضعه في اصبعها بعدما اجبرها على خلع خاتم الخطبة الذي اهداها اياه برانت .
وقد بعثت الى خطيبها برسالة موّسعه , تطلب منه ان يسامحها على تغيير رايها ,
ولم يتسنى له الوقت للرد عليها ,
هل سيتسنى له القراءة بين السطور ليدرك ان لورا ما تزال تحبه ؟.
سالها دييغو فجأة :
" بماذا تفكرين ؟".
انتفضت , لكنها ردت عليه بصراحة .
" افكر ببرانت خطيبي ".
قطب دييغو حاجبيه وقال :
" لم يعد لكِ خطيب يا لورا , لديكِ زوج مصمم على ان يجعل منكِ في القريب العاجل زوجته , بكل ما تحمل الكلمة من معنى ......
ثم هذا الذي يدعى برانت , اما كان فعل مثلما سافعل انا الليلة لو كان مكاني ؟".
اجابته وهي تحاول ان تخفي انفعالها :
" ليس اذا طلبت منه ألاّ يفعل ".
" هذا ما كنت اظن . في عروقه تسري دماء باردة ".
صرخت بعنف وحدّة :
" أنت مخطئ ! إ نه يتمتع برجولةٍ مثلكَ ,
إنما هو انسان متمدّن ... ولطيف , وأقل تطلباً منك ".
" أمثال هؤلاء الرجال بطبعهم البارد , يجعلون الدنيا مهجورة من البشر ,
يا لورا المسكينة !
هل تعتقدين انّ الغزاة الاسبان كانوا يضيّعون وقتهم عندما يغازلون النساء ؟..
لا ... عندما كانت تعجبهم المراة التي يلتقونها كانوا يتزوجونها
وما من مرة شكت هذه النسوة من شئ ".
سالته لورا في مرارة :
" وهل يسمعون شكواهن ؟".
...
" ربما لا . اني اعترف بذلك , لكن القليلات هنّ اللواتي حاولن التخلص من هذا القدر , ومعظمهم أسسّ عائلات مثل عائلتي , واعطين اولادهن العطف والحنان والمحبة التي نالوها من ازواجهم .
لا شك في انهن نساء رائعات عرفن ان يتقبلن مصيرهن .
فقالت لورا بسخرية :
" لم يكن امامهن خيار آخر ".
وصلا الى مدخل اكابولكو ولما رات الشاطئ الرملي الذي تحدّه اشجار النخيل وجوز الهند ,
فكرت لورا بانفعال انها سترى والدها عمّا قريب .
الممر الطويل المتعرج الذي يؤدي الى فيلا جاسينتا لم يكن قد قطعته لورا من قبل ,
المرّة الوحيدة التي جاءت فيها مع دييغو الى هنا كانت عن طريق البحر على متن يخته ,
ظهرت الفيلا من بعيد , جدرانها بيضاء وقرميدها زهري وهي مبنية على قمة تلة صخرية ,
تحيط بها الازهار من كل الجهات , على الشرفة الواسعه وجهتي السلالم العالية و الجدران الصغيرة والمرتفعات المشجرة .... انها فيض من الالوان الزاهية والروائح العطرة .
وما ان توقفت السيارة امام الفيلا , حتى انفتح الباب بمصراعيه الكبيرين ...
وظهرت جوانيتا الخادمة المسؤولة , وورائها زوجها كارلوس المسؤول الاول في الفيلا .
اسرعت جوانيتا بوجهها الاسمر الضاحك لاستقبال العروسين , فرحةً برؤية سيدها في بذلة العرس والقرنفلة الحمراء ,
قبّلها دييغو على خديها وصافح من في المنزل
وطلب من جوانيتا ان تحضّر الشراب المنعش في غرفة الجلوس .
اخذها الى الصالون الصغير الذي تطل شرفته على البحر
المنظر رااائع .. فتوجهت لورا الى الشرفة لتتمتع بهذا المنظر الخلاّب .
الامواج تتكسر على الصخور والرغوة البيضاء ترتفع احياناً بعلو المنزل . ومن جهة اخرى يبدو الشاطئ الرملي تحميه سلسلة صخور تحيط بعرض الشاطئ .
قالت لورا لنفسها : "على الاقل هنا يمكنني ان اسبح بصورة دائمة ".
ظهر دييجو فجاة وقال كانه قرا افكارها :
" من الافضل الاّ تسبحي الا على الجهة الجنوبية من الشاطئ ,
فالشاطئ الشمالي ملئ بالتيارات الخطرة , افضل شئ هو الاكتفاء بالسباحة في البركة ".
فكّرت لورا :" اليس جريمة ان يسبح المرء في البركة عندما يكون البحر على خطىً قريبة منه ؟
شاطئ تحده اشجار النخيل وجوز الهند المليئة بالثمار الناضجة ".
شعرت بيد دييغو تلمس عنقها بينما ترفع يده الاخرى ذقنها وسالها :
" هل تعتقدين حقاً ان السباحة هي التسلية الوحيدة التي تجدينها في فيلا جاسينتا ,
يا حبيبتي اود ان اقدم لكِ اكثر ... وافضل ...."
وبحركة عنيفة تخلّصت لورا من قبضته وقالت :
" اراك واثقاً من نفسك !".
أجابها بصوت خفيض :
" نعم , اني واثق من قدرتي على اسعاد زوجتي , وعندما اضمكِ بين ذراعيّ الليله ,أعدك بانكِ ستنسين برانت نهائياً ".
فقالت وهي تدير نظرها عنه وتحدّق في الخليج :
"كيف تجرؤ على التحدث بهذه الصورة , انت تعرف جيداً ان هذا الزواج ليس سوى اتفاق ورياء !
يا الهي سامحني لانني ارتكبت صباح هذا اليوم خطيئة مميتة ,
فقط لانقاذ حياة والدي , فقد اقسمت بان اخلص لرجل لا احبه . ارجوك الاّ تجعلني اضاعف خطأي الى .... الى ....." .
جذبها دييغو نحوه بقوة وقال :
" تقولين انكِ لا تحبينني !
اني اشعر كلما عانقتكِ بان هناك تجاوباً لديكِ .
ومن يقول انك لن تتوصلي الى حبي متى اصبحنا زوجين بالفعل ؟".
فجأة خفف من حدة صوته ونظر اليها بلطف وقال :
" اني اسف يا حبيبتي .. ان تخوّفك في محله ,
وهذا شئ طبيعي , الا يمكنكِ ان تثقي بي . اني قادر على اكون لطيفاً معكِ ".
ظهرت جوانيتا حاملة صينية :
" شكراً جوانيتا ".
ثم اضاف بعض الكلمات الاسبانية طالباً من الخادمة ان تفرغ حقائب السيدة .
ولما خرجت جوانيتا من قاعة الاستقبال التفت دييغو نحو زوجته وسالها :
" هل يمكنني ان اطلب منكِ ان تتصرفي كسيدة المنزل , يا لورا ؟".
وبعد تردد قصير , هزت لورا كتفيها واتجهت نحو الطاولة التي وضعت عليها الصينية ,
كانت تشعر بالتعب وبالعطش بعد المسافة الطويلة التي قطعتها في هذا الحرّ اللاهب ,
فلم تشعر برغبة في التحدث مع الرجل الذي بدات تخشاه ,
عليها ان تحافظ على نشاطها وحماسها وطاقتها لانها ستكون في حاجة اليها هذا المساء لتبقيه بعيداً عنها .
ومع ذلك فهي تعترف ان شغف دييغو بها وولعه وشوقه , اضافة الى الديكور الروماني المحيط بيهما , كلها توقظ فيها رغبتها .
ومن حسن حظها . فقد ادرك دييغو انه من الافضل تغيير الموضوع ,
فبدا يتحدث بمرح وطلاقة عن اشياء كثيرة وفي الوقت نفسه كان يحتسي الشاي ويأكل السندويتشات الصغيرة والحلوى بالكريما التي احضرتها جوانيتا .
" هل تعرفين يا لورا ان هذه الفيلا تحمل اسم جدتي ؟".
" لا . لم اكن اعرف ان جدتك تدعى جاسينتا ".
" عندما بنى والدي هذا المنزل , اعطاه اسم والدته ....".
سالته في صوتٍ ساخر :
" ولماذا لم يعطه اسم زوجته "؟.
غاصت نظرات دييغو بتعبير حزين فقال :
" لم توافق جدتي على زواجهما , في الحقيقة يمكن القول ان والدتي لم تستطع التجاوب مع تقاليد البلاد .....".
"وما هو اسم والدتك "؟.
" لورا . لورا دايفيس ".
كأنها تلّقت حماماً مثلجاً .
هل كانت كونسيويلو على حق عندما قالت ان دييغو لم يتزوجها الا لانها تشبه والدته ؟
حتى انهما تحملان الاسم نفسه .....
سالها دييغو بلطف عندما رآها تنتفض :
" ماذا جرى يا حبيبتي , تبدين كانكِ تخشين حكم جدتي ... لكن هل تعتقدين انها استقبلتكِ بالحرارة وهذا الحب وأعارتكِ فستان عرسها , لو لم تعتبركِ الزوجه التي احلم بها ؟".
وضعت لورا فنجان الشاي على الطاولة وقالت ببرود :
" لا يهمني كثيراً ما اذا كانت جدتك تقبلني ام لا ".
انها كذبة واضحة . في الحقيقة , احبّت لورا كثيراً هذه المرأة العجوز التي تتمتع ببعض الاستبداد والجمال , والتي لا تخفي حبها الكبير لحفيدها الوحيد .
اضافت وهي تنهض دفعة واحدة :
" هل يمكنني الآن ان اتوجه الى غرفتي ؟".
سأوصلكِ الى جناحنا , ان جوانيتا تعدّ لنا عشاء بسيطاً وخفيفاً .
لكننا لن نتناوله قبل الثامنة والنصف , وأمامنا الكثير من الوقت حتى ذلك الحين ".
تساءلت لورا بعصبية وهي تتبعه في البهو , ثم في الممر :
" أمامنا الوقت كي تفعل ماذا ؟
هل سيحاول تنفيذ ما يجول في خاطره ؟".
فتح دييغو باب شقتهما الفاخرة المستقلة تماماً عن المنزل .
وفي رواق صغير تطلّ غرفة نوم شاسعة مزينة ومفروشة في ذوق مترف ولطيف ,
الابواب الزجاجية تفتح على شرفة مزهرة تطل على قسم من الشاطئ ,
وفي وسط الغرفة سرير عريض .
التفتت لورا الى دييغو وقالت :
" بما ان العشاء سيتاخر , فانني اوّد ان اذهب لزيارة والدي قبل ...."
" كلا يا حبيبتي , هذا لا يمكن تحقيقة اليوم ".
فقالت لورا بغضب :
" لكن لماذا ؟ لقد اتفقنا على .....".
" لقد اتفقنا على ان تتزوجيني ليكون لدي سبب وجيه يمكنني من مساعدة والدك على ان يمثل امام المحكمة باسرع وقتٍ ممكن . لقد وعدتكِ بان افعل ذلك , وساحقق هذا الوعد ".
" واتفقنا ايضاً على رؤية والدي ".
فقال بهدوء :
" نعم سأتيح لكِ ذلك . لكن كثيرين سيفاجأون بان ترغب زوجتي في الابتعاد عني ليلة العرس ...
والدكِ ايضاً سيستغرب ذلك ....".
" لماذا ؟ انه يعرف ان ...."
توقفت لورا عن متابعه الكلام وعضّت على شفتيها ,
صحيح .. لا يعرف والدها ان هذا الزواج ليس زواج حب .
" ان والدكِ يعرف فقط اني احب ابنته اكثر من اي امراة اخرى ,
وان سعادتها هي اقصى ما اتمناه ".
اكثر من اي امراة اخرى . انه يعني والدته ...
تضايقت لورا فجأة , وتوجهت نحو النافذة واسندت جبينها الملتهب اليها وراحت تتامل الامواج تتكسر على الصخور .
لماذا رفض دييغو ان يسمح لها برؤية والدها الان ؟
هل يخاف اقاويل الخدم , او انه يصرّ على ان يملكها قبل ان يتسنى لها الهرب ؟
قالت في جفاف :
" بما انه لا مجال لرؤية والدي الان فاني افضّل ان استريح ".
وفوجئت بقبول دييغو عرضها :
كما تريدين يا حبيبتي , سآتي لآخذكِ الى العشاء في الثامنة .
استريحي جيداً ".
وبعدما أغلق الباب وراءه , خلعت لورا حذائها العالي وشعرت بألم في رأسها ,
فتناولت حبتي مسكن من حقيبتها وتوجهت الى الحمام .
كان الحمام مقسماً الى جزئين .
الاول يحتوي على مغسلة كبيرة وحنفية مذهبة .وطاولة زينة كبيرة تضم عدداً كبيراً من الادراج تعلوها المرايا الرمتفعة حتى السقف ,
اما الجزء الثاني فقد ذكرها بالحمامات الرومانية . فهو مؤلف من حوض رخامي اخضر في وسطه نافورة ماء تحيط بها احواض مزروعة باشجار النخيل , وما ان تناولت حبتي المسكن حتى عادت الى غرفتها وبدات تخلع ملابسها .
فتحت باب الخزانة الواسعه ووجدت في جهة كل ملابسها معلّقة باتقان , وفي الجهة الثانية كانت ملابس دييغو ,
يا الهي , يجب ان تقنع نفسها انه الان زوجها وانه يحق له ان يضع ملابسه مع ملابسها .
وبحركة غاضبة تناولت قميص نوم من الساتان الابيض وهرعت الى الحمام ,
حتى المياه الناعمة التي وضعت فيها الاملاح ذات العطور المختلفة لم تساهم في استرخاء عضلاتها بصورة كاملة .
لكن عقلها يعمل باستمرار وتبحث من دون جدوى عن طريقة تجعل دييغو يتراجع عن تصميمه .
بامكانها ان تهرب من المنزل وتستقل سيارة دييغو وتذهب الى اكابولكو . لكن ذلك لن يخدم قضيتها ولن يعيد الحرية الى والدها .
لا يمكنها الاستغناء عن مساعدة دييغو , انها حلقة مفرغة .
خرجت من المغطس ولفّت جسدها بمئزر الحمام . ثم راحت تجفف جسمها وارتدت قميص النوم .
ربما توصلت الى اقناع زوجها بان رجلاً يحترم نفسه لا يمكن ان يحقق لنفسه اية متعة ضد ارادتها .
تمددت فوق الغطاء الحريري المعرّق الذي يلف السرير .
ماذا تفعل كي تجعل دييغو بعيداً عنها .
راحت تقارن بين وضعها بوضع شهرزاد التي نجحت في النجاة من الموت المحتم طوال الف ليلة وليلة ..
لانها راحت تروي لشهريار القصص المشوقة التي لا نهاية لها ....
ولكن هل ستتمكن بهذه السهولة من ان تحوّل دييغو عن الهدف الذي صمم على تحقيقه ؟

الأمل الدائم 19-04-08 04:36 PM

6-الهمسة الحاسمة





عندما استيقظت لورا كان الظلام قد ملأ الغرفة. وللحظات لم تتذكر اين هي، ولا لماذا هي هنا. لكنها عندما سمعت صوت الباب استعادت ذاكرتها بسرعة.

بدأ قلبها ينبض بسرعة جنونية، عندما رأت دييغو، في بذلة المساء البيضاء، يتقدم بخطوات واسعة نحو السرير. نظر اليها بدقة وتهلّل وجهه عندما شاهد قميص نومها نصف المفتوح.

حاولت لورا اقفال القميص، لكنه ابعد يدها، وجلس قربها و وضع راسه على صدرها. ويصورة غريزية، وضعت يدها على شعره الاسود مستمتعة بهذه المداعبة.

همس دييغو بصوت مبحوح "انت رائعة الجمال يا حبيبتي".

وعندما شعرت بجسمه يقترب منها، استعادت وعيها ماذا تفعل بين ذراعي هذا الرجل الذي تسخر منه، والذي استفاد من نعاسها ليفاجئها؟

الحت بصوت مخنوق:

" ارجوك ابتعد عني"

وبحركة مفاجئة توصلت الى ابعاده عنها.

" لن تسامحنا جوانيتا، اذا لم نتذوق الطعام الذي احضرته خصيصا لنا"

لم تجرؤ لورا على ان تنظر الى زوجها. فسكتت. اخيرا قال دييغو في لهجة ساخرة

" اه، سوف تفهم، انني متأكد انها تفهم.

لكن ربما كنت على حق وسوف ننتظر... ربما هذا افضل..."

القى نظرة سريعة على ساعة يده الذهبية، ثم قال.

" اذا اسرعت بارتداء ملابسك، فلن تتأخري عن العشاء. سأختار ما تريدينه"

ابتعد باتجاه الخزانة وعاد حاملاً فستاناً طويلاً من القطن الابيض المقطع بالرسوم الهندسية. وقال لها وهو يضعه على طرف السرير:

" لديك تشكيلة جميلة من الملابس الرائعه يا حبيبتي، لكني ساشتري لك الكثير ايضاً، مما يصدر عن دور الازياء الباريسية. وسوف اشتري لك الحلي و..."

قاطعته لورا بسرعة:

" الثياب والحلي لا تهمني ان الشئ الوحيد الذي ارغب فيه هو حرّية والدي"

" انت تعرفين جيداً انني سأفعل كل جهدي لأحصل عليها. هل تشكّين في كلامي؟"

"ساصدّقك بسهولة اذا وعدت بألاّ تلمسني والاّ تمارس حقوقك كزوج قبل خروج والدي من السجن".

فقال في تقلّص:

" لكن هذا يمكن ان يدوم اسابيع، وربما شهوراً! هل تظنين انني من حجر؟ هل تظنين يإمكاني النوم قرب زوجتي كاللوح؟ لا هذا غير وارد... وليس صحيحاً سواء باللنسبة الي او بالنسبة اليك".

ارتجفت عينا لورا. احست بانها كانت تتجاوب مع مداعبته لها. كيف وصلت الى حدّ ان تكشف عواطفها؟

قالت بوضوح:

" لن تكوت صمة مشكلة اذا لم نتقاسم السرير نفسه".

انتفضت عندما رات دييغو، الغاضب، يمسك بمعصمها ويضغط عليه بقوة ويقول:

" لا تتعلّقي بالأوهام، يا لورا، قبل نهاية الليل، برضاك او بالقوة، ستصبحين زوجتي. والآن اسرعي. انتظرك في قاعة الاستقبال الصغيرة".

نظرت اليه بغضب وهو يعبر عتبة الغرفة ويغلق الباب وراءه. من يكون هذا الرجل ليشتهي امرأة ترفضه؟ هل تسلّيه مقاومتها له وتثيره، بدل ان تبرد اعصابه؟

اذا كان ذلك صحيحاً، فستخيب لورا آماله! وعدت نفسها بأن تتصرف بين ذراعيه مثل عجينة رخوة، من دون انفعال. لن تقاومه ولن تشجعه ايضاً. ربما تأمل بأن تمنعه كبرياؤه في مثل هذه الظروف من ان يرغمها على اطاعته.

بعد هذا القرار شعرت لورا بارتياح. ارتدت الفستان الذي اختاره لها دييغو و وضعت الزينة والعطور وتوجهت الى غرفة الاستقبال.

كان دييغو مديراً ظهره يحدق في عتمة الليل. رأى انعكاس لورا من خلال زجاج النافذة، فاستدر مسحوراً امام زوجته الرائعة في فستانها الابيض. ولما رأت نظراته، ندمت لأنها لم ترتد فستاناً عادياً اقترب منها بسرعة، ورفع يدها وراح يقبلها وهمس:

" صحيح ان الجواهر لن تزيد من جمالك، يا حبيبتي"

لكنّها افلتت منه بلطف وجلست في كنبة مريحة. وسألته متجاهلة نظرته المهانة.

" هل يمكنني ان اشرب شيئاً؟"

سكب لها دييغو عصير البلح المثلج وسكب لنفسه كوب ماء بالليمون ثم قال بلهجة احتفالية يتخللها القليل من السخرية:

" أرفع كأسي لصحتنا ".

ولمّا لاحظ ان لورا لم تسمع ما قاله افرغ كاسه وجلس في مقعد آخر، وقال بجفاف

" لم يسبق ان فرضت على امرأة شيئاً اريده ".

كانت لورا تدرك انه تعرّف الى عدد كبير من النساء في حياته. هذا طبيعي لرجل مثله، يتحلى بمركز رفيع في المجتمع، اضافة الى جاذبيته ورجولته.

شربت العصير وسألته بصوت متردّد:

" الشخص، اقصد الاشخاص الذين ستتصل بهم بخصوص والدي، هل بإمكانهمان يعجلوا في تحديد موعد المحاكمة؟"

" لم افعل شيئا حتى الآن ".

" لكنك وعدت ..."

" لقد وعدت بأن احدثهم عن والدك. ويوم عرسي ليس بالظرف المناسب وانت تعرفين ذلك جيداً. سأفعل خلال اسبوع او اسبوعين ..."

" اسبوع او اسبوعين، وخلال هذا الوقت، يبقى والدي في السجن. اتجد ذلك طبيعياً؟"

" يجب الا نبالغ في الامر. ان والدك في ايدي امينة. وهو الآن يتناول عشاءً فاخراً لا ينقصه اي شئ. ولا حتى الرفقه النسائية اذا كان هذا ما يرغبه".

احمرّت لورا خجلاً وقالت:

" كيف تجرؤ ان تقول ... هذا ... عن ابي ..."

" ان والدك رجل مثل بقية الرجال، اليس كذلك؟"

بعدما طرقت الباب دخلت جوانيتا، مضطربه ومعتذرة عن تأخرها

فقال دييغو بلطف:

" هذا غير مهم، يا جوانيتا، لم تنته السينيورا من كأسها بعد ".

" شكراً، سينيور العشاء حاضر ".

وبعدما خرجت الخادمة واغلقت الباب وراءها، نهض دييغو وقال:

" لو سمحت ان تنهي عصيرك يا حبيبتي، كي نذهب الى العشاء. لقد امضت جوانيتا ساعات تعد الطعام. ولا داعي لأن ندعها تنتظرنا اكثر".

فقالت لورا وهي تفرغ كأسها.

" ليس في نيتي ازعاج جوانيتا، ابداً"

قالت لورا لنفسها : "ان دييغو يحترم موظفيه ويحرص على راحتهم، بينما رغباتها هي تبدو آخر اهتماماته. يالسخرية القدر! "

قال وهو يتأبط ذراعها:

" لورا. اسمعي جيداً. لا اريد ان تعرف جوانيتا اننا لم نتزوج عن حب. فهي تنتظر هذا اليوم منذ زمن .."

اجابت لورا بقسوة وهي تفلت من قبضته:

" تباً لجوانيتا وللجميع في كل حال، ليست جوانيتا من يضطر مقاسمتك سريرك ومائدتك ".

تقدمت امامه في خطى اكيدة، لكنها توقفت في منتصف الممر، ضائعة امام العدد الهائل من الابواب لا تعرف اي منها تختار. ومن دون كلمة لحق بها دييغو ثم ادخلها الى قاعة الطعام المتصلة بالدار الكبير بباب ذي مصراعين. غرفة الطعام بسيطة، لا تشبه في شئ غرفة الطعام الواسعة بقصره في مكسيكو.

فكرت لورا وهي تتأمل الطاولة الممدودة في دقة وفن:

" يالها من ورطة ". ان اي فتاة في العالم تحلم بمثل هذا الديكور ليلة عرسها. برفقة زوج جذاب مثله! لماذا اختار هذا الرجل المتعجرف، الجذاب الذي يستطيع ان يملك كل النساء، اختارها هي بالذات؟


ظهرت جوانيتا حاملة الوجبة الاولى المؤلفة من اللوبياء المتبلة بالحشائش العطرية والجبن والصالصه الحامضة. انه حساء شعبي اعجبها طعمه، لكنها لم تكن قادرة على احتساء الا القليل منه لأنه حار. الوجبة الثانية كانت مؤلفة لحم الاوز المطبوخ. اكلت بعضاً منها. ولم يكف دييغو من النظر اليها بشكل مبهم. كان يلعب مع طريدته لعبة الهر والفأر ...

ولمّا مدت يدها لتتذوق العنب الهندي سألها دييغو فجأة:

" منذ متى عقدت خطبتك على هذا الاميركي؟ "

فقالت متعجبة:

" برانت؟ "

اجاب بخشونة:

" هل كان الكثير قبله؟ "

" كلا. هو فقط. انه الرجل الاول الذي تعرفت اليه منذ خروجي من الدير. كنت اسمع دائما اخبار صديقاتي. يتحدثن بفرح عن اصدقائهن الرجال. الذين تعرفن اليهم خلال العطلة الصيفية. اما انا فكنت امضي عطلتي على متن سفينة والدي وهذا كان يكفيني حقاً ".

" الى ان دخل برانت في حياتك؟ "

" نعم. انه يملك كل ما ترغب اي امرأة ان تجده في الرجل ".

وعندما رأت وجه دييغو يتجهم اضافت:

انه شاب حسن المظهر، ساحر، تحبه الفتيات. وقد حسدتني العديدات عليه "

انهت كلماتها بصوت مخنوق. وتذكرت بدقة غريبة، السبب الذي دفعها الى قبول الزواج من الاميكري برانت.

ذات مرة عادا باكراً من عطلة نهاية الاسبوع، امضياها لورا وبرانت في منزل والديه. وبرغم استقبالهما الحميم لها، والحاح برانت بالذات، كانت لورا مترددة في ان تعده بالزواج. صحيح ان المحامي الشاب يتمتع بمزايا عديدة، لكنها كانت تشعر بأنه جدي اكثر من اللازم. نادراً ما كان يعانقها او يداعبها، لم يكن قادرا على ان ينس لحظة، ان لورا تلقت تربيتها على ايدي الراهبات.

ومع ذلك، وفي ذلك اليوم بالذات، اتخذت قراراً نهائياً بأن تتزوجه، بعدما رأت والدها يعانق فتاة سمراء على سطح السفينة. التي كانت تتوجه نحوها برفقة برانت.

ومن دون تردد، التفت لورا برفيقها واقترحت عليه ان يعودا من حيث اتيا، او بالاحرى الى مطعم قريب لشرب القهوة.

لم تكن تريد ان ترى والدها في هذه الحالة. وفهمت حينئذ انه لم يعد لها مكان في حياة والدها.

صحيح ان برانت فوجئ بقرارها، لكنه لم يظهر استغرابه. فهو بتمتع باعصاب هادئة الى درجة الغيظ.

قال دييغو بصراحة قاسية:

" لاشك ان احدى الفتيات التي كانت تغار منك، ستكون مسرورة جدا لأن تستعيد حبيبك القديم ".

اخفضت لورا عينيها. حزن قلبها امام فكرة ان برانت يغازل امرأة اخرى. نهضت وقالت متثائبه في الوقت الذي دخلت فيه جوانيتا حاملة صينية القهوة.

" اني مرهقة واريد ...ان اذهب الى غرفتي ".

نهض دييغو في الحالو وضع ذراعه حول كتف لورا وقال للخادمة:

" ان السينيورا متعبة بعد هذا النهار الطويل. لن نتناول القهوة ".

ابتسمت جوانيتا وقالت:

" نعم سينيور. ليلة سعيدة ".

ولمّا وصلت الى غرفتها، حاولت لورا اغلاق الباب على دييغو، لكنها لم تنجح.

توجهت الى منضدة الزينة وخلعت حلقها الماسية و وضعتها في علبة الجواهر. ثم قالت بجفاف:

" في منزل شاسع كهذا، لاشك ان غرف النوم عديدة ".

فقال بهدوء:

" نعم. لكنّني قرّرت ان أتقاسم هذه الغرفة مع زوجتي ".

صرخت لورا:

" انا لست زوجتك".

قال وهو يرفع يدها اليسرى ويتأمل محبسها الذي وضعه في اصبعها في الصباح:

" لكن، يا حبيبتي، هذا هو الدليل ..."

فقالت وهي تسحب يدها:

" كل هذا مسرحية محزنة وانت تعرف ذلك جيداً. كيف استطيع التعبير عن محبتي لرجل لا اعرفه؟ فكيف اذا كنت لا احبه! "

لمع وجه دييغو وقال بصوت مداعب:

" غالبا ما يأتي الحب بعد الزواج يا حبيبتي.. ان الزوج الحنون والمهتم يعرف كيف يجلب الحب الى قلب زوجته..."

فقالت وهي تدير ظهرها:

" صحيح انني ترعرعت في دير. لكنني نشأت في بلد حرّ حيث النساء عرفن منذ زمن طويل كيف يتخلين عن سيطرة الجنس القوي ".

" اذاً فأنت تفضلين ذلك الاميركي الفاتر الذي نشلتك من بين يديه. حبيبتي. سوف نرى...سأتركك عشر دقائق فقط لأغيّر ملابسي ".

ظلّت لورا محدقة للحظة طويلة في الباب حيث خرج دييغو. لا شك انه ذهب الى غرفة اخرى ليغير ثيابه. سوف تقفل الباب. ومن المؤكد انه لن يحاول خلع الباب خوفاً من ازعاج جوانيتا..

ولكن لا مفتاح بالباب، لا في الخارج ولا في الداخل! كاجت ان تجهش بالبكاء. وفجأة، اتخذت قرارها النهائي. فخلعت فستانها وارتدت قميص نوم حريرية، وكانت متأكدة من شئ واحد: قد يمتلكها دييغو هذه الليلة لكنها لكنها ستفعل المستحيل كي لا تدعه يشعر بأي اكتفاء لكبريائه وعزّة نفسه.

لم تكن لورا تدرك الوقت الذي مر، فأغلقت باب الحمام وراءها وراحت تغسل اسنانها وتزيل الزينة عن وجهها. ثم سرحت شعرها.

عيناها الخضراوان تعكسان نوعاً من الالهام والوله. حلمت مثل اي فتاة شابه بليلة عرسها، لكن بصورة غير واضحة. كانت دائماً تتصور زوجاً جذاباً، حالماً و رومنطيقياً، يعرف ما تطلبه المرأة في مثل هذه المناسبة.

فجأة انفتح الباب واطلّ دييغو مرتدياً مئزراً من الحرير. آه كم هو بعيد من رجل احلامها الناعم! قالت بصوت متقطع لتربح بعض الوقت:

" لست...لست جاهزة ".

ومن دون ان يتحرك ظل يتأملها من رأسها الى اصابع قدميها. فالتفتت لورا بعصبية نحو المغسلة لترتب بعض الاغراض. فأمرها باختصار:

" اتركي هذا كله وتعالي "

وبحركة من اصابعها المرتجفة اوقعت لورا معجون الاسنان. ثم وكأن صوت دييغو سحرها، اقتربت ببطء وكانها مخدرة، فضهما الى صدره بشدة. ثم حملها بين ذراعيه كالريشة وتوجه بها الى الغرفة وهو يهمس بكلمات ناعمة وساحرة.

وضعها على السرير بلطف، وجلس قربها. كانت لورا جامدة كالثلج وهو غارق في مداعبتها... لكنها لم تستطع الاستمرار في الصمود

قرارها ان تظل باردة كالحجر بين ذراعي زوجها لم ينفذ، لأنها كانت تشعر بأحاسيس مثيرة من جراء ملامساته البارعة.

همس دييغو بحرارة وبالاسبانية:

" حبيبتي، اني احبك "

وغريزيا كانت لورا تداعب كتفيه قبل ان تغرز اصابعها في شعره الاسود. كانت تهمهم باللغة الانكليزيه بكلمات متقطعة ثم قالت من دون وعي

" آه برانت،حبيبي! "

عم صمت لبضع ثوان. ثم سحب دييغو شعرها بعنف وهمس بصوت اجش:

" ماذا قلت؟ "

انتفضت لورا في ارتعاشة غير ارادية واستعادت برودة اعصابها. انها تحمل الحل لجميع مشاكلها. كيف لم تفكر في ذلك من قبل ؟

فقالت في برائة متصنعة:

" هل قلت شيئاً ما؟ "

فقال وهو يرمقها بنظرة غاضبة:

" لقد همست باسم برانت "

فقالت وهي تقطب حاجبيها:

" آه، ليس ذلك غريبا في مثل هذه الحالة...برانت وانا كنا..."

وتوقفت تاركة دييغو ينهي الجملة. كانت تشعر بأن جسمه يرتجف غضباً. فسألها بهدوء يشوبه تهديد واضح:

" هل كان عشيقك؟ "

تطلعت اليه بنظره خاليه من اي تعبير وقالت ضاحكة:

" وماذا كنت تتصوّر؟ في الولايات المتحدة الاميركية يتمتع المخطوبين بحرية اقوى من هذه البلاد! هل كنت تتصور ان برانت وانا يمكننا التوصل الى الاتفاق على الزواج من دون ان نعرف مسبقاً اننا منسجمان على جميع الاصعدة؟ "

رفع دييغو مرفقيه وسمّرها على السرير ونظر اليها بغضب وقال وهو يشد بشعرها"

" لا اريد ان امارس حقوقي مع امرأة سبق وعرفت رجلاً آخر. لماذا تزوجت مني؟ لماذا؟

فقالت وهي ترفع كتفيها:

" لأنك لم تترك لي اي خيار ان والدي ..."

قفز دييغو من السرير وهو يطلق سيلاً من الشتائم باللغة الاسبانية. و وضع مئزره والتفت الى لورا ورمقها بنظرات حقيرة.

" والدك... دائما والدك ... هل تتصورين انني بعد كل هذا العار، سارفع اصبعا واحدا لأساعده على الخروج من هذه الورطة التي وضع نفسه فيها؟ يمكنه ان يمضي حياته كلها في السجن! "

بعد هذه الملاحظة، خرج من الغرفة، تاركاً لورا في حالة انهيار. نجحت في انقاذ نفسها ولكن ماذا كان الثمن؟..

الفصل السابع .......

7 – مشاعر متناقضة .....

"لورا ".
غصباً عنها فتحت لورا عينيها الناعستين وتسائلت في خوف أين هي .
ثم تعرفت الى الوجه القاسي , ذي الملامح النبيلة المتعجرفة
الذي كان يترائى لها في نومها الملئ بالكوابيس .
وبحركة من يده , أشار دييغو الى الصينية الموضوعه على الطاولة ثم قال :
" جئتكِ بطعام الفطور . كان يجب ان افعل هذا والا استغربت جوانيتا الامر و ........".
تقوقعت لورا وسالته :
" ماذا ..... ماذا قلت لها ؟".
اجاب وهو يتجه نحو النوافذ , ويفتح الستائر تاركاً النور يدخل بقوة الى الغرفة :
" هل اعتقدتِ بانني ساقول لها الحقيقة ؟
أي اني امضيت الليل بعيداً عن زوجتي التي وهبت نفسها لرجلٍ آخر ؟".
تكلم من دون غضب وبصوتٍ حزين , شعرت لورا بالدمع يصعد الى عينيها متأثرة بكبريائه .
كانت تريد ان تتراجع عما قالته بالامس وان تقسم له ان برانت احترمها دائماً , وانه هو , دييغو بالذات هو الذي عرف كيف يحرك المشاعر التي كانت تجهلها حتى الان هذه الليلة , ليلة الحب المتقطع وضعتها على شفير الانهيار وكانت سبباً في ارقها .
ومن دون كلمة , جلست في سريرها والقت نظرة خاطفة الى الصينية المليئة بالمآكل الشهية .
في سلة كان الخبز الصغير الطازج والساخن والزبدة الشهية بشكل اصفاد موضوعة في صحن من الكريستال الثمين , وقرب ابريق القهوة المصنوع من الفضة وضعت وردة حمراء في مزهرية صغيرة .
فهمست لورا بصوتٍ خافت :
" شكراً لهذا الفطور .. الوردة .... رائعة ".
قال دييغو وهو يقترب من السرير :
"ليس انا من اعدّ الصينية . عليكِ ان تشكري جوانيتا ".
" آه"
لماذ خاب املها الى هذه الدرجة . لا تعرف ؟
وفي حركة خالية من اي حنان , اخرج دييغو من جيبه علبة صغيرة ورماها على السرير واضاف بسخرية :
" من عاداتنا ان نقدّم هدية الى العروس , شاكرين لها محبتها ورقتها خلال ليلة العرس , من الافضل ان تاخذيها ".
اخذت لورا العلبة بيديها المرتجفتين وفتحتها بعناية , وجدت لورا داخل العلبة المبطنة بقماش الساتان الابيض زوجان من الحلق , مصنوعان من الزمرد المحاط بحبات الماس , التي تشبه خاتم خطبتها .
" ارجو ان تضعيها هذه الليلة خلال العشاء ".
تلعثمت وهي تنظر الى وجه دييغو الحزين :
" انها رائعة جدا . لكن يجب ان تحتفظ بها لزوجتك ".
" انتِ زوجتي , وكما سبق وقلت لكِ , لن اتزوج الا مرة واحدة في حياتي ".
سالته بعد زفرة عميقة :
" حتى بعد كل ما حدث الليلة الماضيه ؟".
ثم اضافت بعدما اطلقت ضحكة خالية من الشعور باي فرح :
" لكنك لستَ ناسكاً ".
" لم اعتد العيش كناسك , وبانتظار ان انسى خيبة املي بعد خداعك لي ,
فلن تنقصني النساء عندما ارى انني بحاجه الى واحدة ".
قالت وكانها تلقت صفعة :
" والنساء الاخيرات , السن جديرات بالاحتقار ؟".
فاجابها بصوتٍ هادئ وهو يتجه نحو الباب :
" لا تخلطي الاشياء , لم يسبق ان فكرت ان تكون زوجتي واحدة منهن .
احتسي القهوة ثم تعالي لنسبح في البركة قبل الغداء وسنذهب لزيارة والدكِ في فترة بعد الظهر ".
شعرت لورا بجفاف في حلقها , فسكبت عدة فناجين قهوة شربتها بنهم .
لم يكن وضعها افضل من يوم امس , سيبدا لعبة الهر والفار .
ومتى سئم من النساء سيفرض عليها ان تقوم بواجباتها الزوجية ,
وسيعرف حينذاك انها كذبت عليه فيما يتعلق ببرانت .....
لكن في الوقت الحاضر يبدو انه عاد عن قراره في اهمال والدها وتركه الى القدر ,
وهذا في حد ذاته انتصار .
عندما خرجت لورا من غرفتها , كانت الساعه العاشرة
وفي الممر التقت جوانيتا التي احمر وجهها ,
لاشك في ان الخادمة اعتبرت ذلك ناتجاً عن قضائها ليلة رائعةً بين ذراعي زوجها .
فقالت الخادمة وهي تتامل لورا من شعرها المرفوع الى الوراء الى قدميها النحيفتين مروراً بفستانها المزهر :
" صباح الخير سينيورا راميريز ".
" صباح الخير يا جوانيتا ".
بدت الخادمة مسرورة من ان الفتاة الامريكية تجيد اللغة الاسبانية , فقالت جواباً على احد اسالتها .
" ان السينيور في البركة , يمكنني ان اجلب لكِ بعض الشراب , اذا كنتِ تريدين ذلك ".
" شكراً , افضّل بعض القهوة اذا كان هذا ممكناً ".
" سأعد القهوة في الحال ".
قطعت لورا بهواً في وسطه سبيل ماء واسع ,
حوله النباتات المتسلقه على اعمدةٍ حديدية ,
فجأة شاهدت بركة السباحة المستطيلة ذات اللون الازرق الفيروزي تلمع تحت سماءٍ شديدة الزرقة .
وتأملت بامعان شديد شبح دييغو على حافة البركة وبالرغم منها بدأ قلبها ينبض بسرعة وهي تتأمل جسمه الجميل الملئ بالرجولة وكتفيه العريضتين وقدميه المعضلتين .
كان واقفاً يستعد لقفزة . ومن دون أن يراها رفع ذراعيه الى الشمس ,
ثم قفز تحت الماء ولم يظهر الا بعد ان وصل الى الطرف الآخر من البركة .
وخلال عملية الغطس , جلست لورا على سرير بحر مبطن وراحت تدهن قدميها بزيت واقً للشمس .
وفجأة شعرت بدييغو يقترب منها ويتوقف قربها وهو يلاحظ ما تفعله ومن دون ان ترفع عينيها طلت تدلك قدميها لتدخل الزيت الى بشرتها .
اخيرا قال بصوتٍ جاف :
"اتصور ان شمسنا المكسيكية الحارة ستتردد في التسرب الى بشرتكِ بعد هذا التدليك ".
كانت تفكر فيما اذا كانت هذه الكلمات تعني شيئاً آخر ,
واذا بدييغو يتناول الانبوب من يديها ويشير الى كتفيها :
"هل تسمحين لي بأن ادلك كتفيكِ ..."
" بوسعي ان افعل ذلك بنفسي ".
لم يأبه دييغو لرفضها بل وضع في يده قليلاً من الزيت وراح يدلك كتفيها بلطفٍ وشعرت بانه يملك اصابع ذهبية , فهذا التدليك الخفيف ساعدها على الاسترخاء بعد انفعالات الساعات الماضية وليلتها البيضاء , فاسترخت واغمضت عينيها الى ان شعرت بيد دييغو تقترب من صدرها , وانفاسه تلامس اذنها , فشعرت بقشعريرة تعبر جسمها , فانتفضت واقفة .
" آه . عفواً يا سينيورا , احضرت القهوة كما طلبتِ ...."
ولدى سماعها صوت جوانيتا التفتت لورا بسرعه واحمرت خجلاً .
لا شك في ان الخادمة شاهدت دييغو يلامسها ولربما اعتقدت انه يهمس في اذنيها بكلمات الحب المعسولة .
وعلى وجهها تعبير يقول بان ما تراه او تسمععه شئ طبيعي جداً .
قالت لورا عندما اختفت جوانيتا عن الانظار :
" كيف تجرؤ على هذا , لا شك انها فكرت...."
هز كتفيه وجلس على طرف سرير البحر وسكب لها القهوة وقال :
" في كل حال انتبهت بسرعة الى عينيك المتاججتين , لا شك في انها وزوجها سعيدان ومبتهجان لليلة عرسها ...."
ثم قدّم لها القهوة في فنجان مصنوع من الخزف الصيني , فقالت بصوت ساخر :
"اني اعجب لاهتمامك براي الموظفين والخدم ".
" لا يمكنكِ ان تفهمي ... عندما كنت صغيراً , كنت آتي الى هنا خلال العطلة المدرسية ,
وكان كارلوس وجوانيتا بمثابة والدىّ .
وهما الآن سعيدان جداً لرؤيتي متزوجاً .. ويحلمان برؤية ابنائي يقفزون على احضانهما ,
ولذلك , فلا اريد ان اخيب المالهما ".
اتكأت لورا بعنفٍ على ارائك السرير فاندلقت القهوة على الصحن ,
فاذا بدييغو ياخذ الفنجان من يدها و ينظفه ثم يعيده اليها قائلاً :
" كوني حذرة يا حبيبتي ".
قالت في تحدٍ :
" من الذي يمنعني من ان اقول لهما ان زواجنا ليس سوى مسرحية ..!!".
" أولاً , لن يصدقالكِ , ثم , رغبة مني بأن اكذّب اقوالك , فلن أتأخر عن المطالبة بحقوقي الزوجية والحصول عليها ".
" صحيح ..؟؟ وما رأي والدتك بالامر , لو كانت لا تزال حية ".
لكنها كانت قد وعدت نفسها بالا تدعه يعرف بان تلميحات كونسويلو فيما يتعلق بتشابهها مع والدته قد جرحت شعورها , فسالها بصوت مبحوح :
"من حدثكِ عن أمي ؟".
" لقد شاهدت صورتها في مكسيكو ... ان شبهها بي قوي جداً ".
فقال وهو يتاملها من راسها حتى قدميها :
" ليس هذا رأيي , الشبه هو مجرد شبه سطحي , في الواقع , ليس بينكما اي شئ متشابه ".
صمت لحظة ثم نهض قائلاً :
" سوف اسبح قليلاً قبل موعد الغداء , هل تاتين معي ؟".
هزّت لورا راسها بالنفي , فقفز دييغو في البركة وطرطشها بالماء الذي انعش بشرتها الملتهبة ,
لمااذ لم تتبعه الى البركة برغم حرارة الطقس ؟
احتلها شعور بالخدر والخمول , لكنها لم تكن توقف عن التفكير بصورة مستمرة .
في كل حال , ربما كان من الافضل الا تلحق به في الماء ,
ربما حدث احتكاك بينهما وهي تعرف انها عاجزة عن مقاومة رغبتها بالاستسلام له كلما اقترب منها ولمس جسمها .
متى اصبح والدها خارج السجن , سوف تفسخ هذا الزواج الذي فرضه عليها دييغو ,
وتغاذر البلاد ومن السهل ان تحصل في بلادها على فسخ للزواج بطريقة اسهل مما يجري في مكسيكو .


اوقف دييغو سيارته المرسيدس قرب مركز الشرطة , ثم حدّج لورا بنظرة تهكمية وقال :
"تشبهين كثيراً امرأة عانساً مهانة يا حبيبتي , اكثر من عروس متالقة بعدما امضت الليل بين ذراعي زوجها , يجب معالجة هذا الامر ".
فالتفتت لورا نحوه وانفجرت غاضبة وقالت :
" هل تعتقد ان والدي سيصدق كل هذا الرياء والكذب ؟
والدي ووالدتي احبا بعضهما البعض منذ اللحظة التي التقيا فيها .
ويعرف والدي تماماً كيف يظهر الحب والغرام في عيون العروسين وخاصةً بعد ..... بعد ..... اوه ... "
اكمل دييغو ببرود :
"بعد ليلة عرسهما . اسمحي لي بان اقول لكِ يا عزيزتي ان والدتك لم تكن بكل تاكيد قد نامت مع رجل اخر قبل ان تتزوج والدكِ ".
استغرابها المصدوم مات على شفتيها , لان دييغو جذبها نحوه وخلع نظارتيها ,
ثم رفع ذقنها بنعومة وحدّق في عينيها الخضراوين الناقمتين , ثم من غير مبالاة بنظرات الشرطة التي تستعد للدخول الى المركز , احنى راسه على وجه لورا التي راح قللبها ينبض بسرعة جنونية , ارادت ان ترفع يدها لتبعده عنها , لكنها لاحظت انه انتزع من شعرها الدبابيس وانسدل شعرها الاشقر على كتفيها .
تقلصت حتى لا تنساق مع هذه الاحاسيس المتيقظة من جراء هذا الاقتحام المنتظر .
عناق دييغو واصابعه التي تلامس شعرها وعنقها , كلها تساهم في فقدانها لوعيها ,
وادركت ان برانت لم يكن قادرا على ان يشفي غليلها ويطفئ الظمأ الذي تشعر به
همست في اذنه بصوت مذهول :
" .. دييغو .... "
ولمّا دفعها عنه فجاة , شعرت بصدمة كبيرة ,
وخلال لحظة , راح يتاملها مثل فنان معجب بلوحته ,
ثم قال لها بصوتٍ مبحوح :
" والآن لا شك في انكِ تبدين متعةً للنظر , سوف يتأكد والدك من اننا عاشقان متيمان ,
ولما رآها تبحث في حقيبتها عن مشط وحمرة الشفاة قال :
" لا . لا تفغلي شيئاً , وإلا اضطررت الى ان اعيد الكرّة ".
تناولت لورا نظارتيها لكن دييغو اعترضهاقائلاً :
" اتركي النظارات هنا, ان نظراتك ... كاشفة ".
وبرغم غضبها لم تكن لورا مستاءةً من وجود دييغو معها ,,
الشرطي البدين الذي راته خلال زيارتها الاولى نهض لاستقبالهما في ابتسامةٍ مجاملة ,
لكن الشرطيين الآخرين راحا يحدقان بها بطريقةٍ وقحة,
مما جعلها تلتصق بدييغو الذي وضع ذراعيه حول خصرها ,
ولم يتركها إلا عندما وصلا إلى زنزانة والدها , ولما فتح السجّان الباب أسرعت لورا الى داخل الغرفة , تبحث عن والدها الذي كان ممدداً على السرير وراسه في اتجاه الحائط وقد حلّ مكان السرير الصغير سرير واسع عليه الشراشف الملونة .
" أبي ... هذا أنا ".
استدار دان وفتح عينيه كانه يستيقظ من نوم عميق ....
" لورا ؟ هذه انتِ حقاً ؟".
انتصب بصعوبة وجلس على حافة السرير ,
ثم نهض وعانق ابنته وشدها الى صدره ثم قال بصوت ثقيل :
" كنت احلم , عفواً يا ابنتي , لم انتظر ان اراك بهذه السرعة بعد الزواج , والا لرتبت غرفتي ,
إقبل مني احرّ التهاني يا دييغو .."
ثم ابتعد عن ابنته قليلاً ليتأملها عن قرب .
واستغربت لورا ان ترى بشرته داكنة . فقال دان بابتسامة طبيعية :
" ارى ان الزواج يليق بكِ يا صغيرتي , لم يسبق لي ان رايتكِ مشعةً كاليوم واني سعيد جدا لذلك ".
قالت بصوت خافت :
" كنت اود لو حضرت حفلة العرس , يا ابي , لم يكن هناك احد من عائلتي .."
ضغط دان على يدها وقال بانفعال بعد صمت طويل :
" كان هناك زوجكِ , انه يساوي كل اهلك و اصدقائك ".
كتمت لورا احاسيسها والتفتت عفويا الى دييغو وفوجئت أن رأت في عينية الحنان والمحبة ,
فقالت بصوت منخفض :
" نعم .... كان هناك دييغو ".
قال دان :
" لنجلس ونتحدث قليلا , لا اريد ان احتجزكما كثيرا ,
لا شك انكما ترغبان ان تكونا وحيدين . كما اننا لسنا في فندق من الدرجة الاولى .
لكن منذ زيارة لورا الاخيرة , اصبحت غرفته مريحة جدا , وضعت المقاعد الجلدية حول الطاولة وخزانة مليئة بالملابس , وعلى الطاولة اباريق القهوة والشاي وبراد يحوي على المشروبات المنعشة .
" دييغو اريد ان اشكرك لكل ما فعلته لتجعل هذا المكان مريحاً , كما احب ان اشرب شيئاً على شرفكما .
ماذا تريدين ان تشربي يا لورا ؟"
كانت على وشك الرفض , لكن نظرات دييغو جعلتها تغيّر رأيها ,
فقالت :
"اريد قليلاً من الشاي ".
وقام دييغو يسكب الشاي للجميع . واذا بدان يرفع كأسه ويقول وهو ينظر الى ابنته بانفعال كبير :
"ليكن زواجكما سعيداً كما كان زواجي ".
احمرت لورا خجلاً وجرعت الشاي وكادت تختنق ثم قالت :
" اعرف جيداً يا ابي ان زواجك كان فريدا من نوعه ".
لم يكن بامكانها التصور انه سياتي يوم ويشرب والدها على شرفها في زنزانة مكسيكية , كان عرسها من رجل حقير ؟
هي التي كانت تحلم ان يرافقها والدها الى العرس ويسلمها الى برانت ,
امر غريب للغاية ....
فجاة , عادت الى وعيها وتبين لها ان والدها و زوجها يتحدثان كانهما صديقان قديمان .
آه لو انها قادرة على ان تفتح قلبها لدان , او ان تبقى معه لوحدها بضعة دقائق , خلال الفرص المدرسية التي كانت تمضيها برفقة والدها على متن سفينته بربارة , كان دان دائما يصغي اليها بانتباه لكل مشاكل واحزان الطفولة والمراهقة .
اما اليوم والوضع معها متازم , فان والدها هو اخر من يمكنها ان تشكو اليه او تفتح له قلبها .
نهض دييغو كانه احس بمدى توترها , ووضع فنجانه على الطاولة وقال في محبة :
" يجب ان نذهب الآن يا حبيبتي ".
ثم اضاف وهو يلتفت نحو عمه :
" تأمل خادمتي ان يكون العشاء الليلة انجح مما كان عليه عشاء الأمس ...."
ابتسم دان ترانت بينما ابتعد دييغو نحو الباب تاركاً الابنه والاب يودعان بعضهما البعض على حدة ..
همس دان في صوت مبحوح :
" لقد عثرتِ على زوج محبٍ يا حبيبتي .. اعتني به جيداً , هذا ما فعلته امكِ ولم تندم ابداً على هذا ".
ارادت لورا ان تصرخ له انها نادمة على زواجها من هذا الرجل الذي لا تحب ولا يمكنها ان تحبه ابداً ".
" انت تحب دييغو كثيراً .. اليس كذلك يا ابي ؟".
اجابها دان وهو يتفحصها بنظراته :
" نعم , سيكون صالحاً لكِ يا صغيرتي . لقد عرفت ذلك منذ المرة الاولى , عندما رايته ينظر اليكِ في الميرادور
, كما انني فخور جدا بابنتي , واعتقد ان دييغو محظوظ ايضا و مسرور لانه تعرف اليكِ , لقد قلت له ذلك . وكا من رأيي ".
سالته لورا من دون ان تخفي مرارتها :
" والآن ؟".
قال دان وقد فاجأته لهجتها الحزينة :
" كأن شيئاً ما يزعجكِ يا ابنتي , الستِ سعيدة ؟
احيانا يشعر المرء بالانصدام بعد ليلة العرس الاولى , لكن الامور تتبدل بسرعة , سوف ترين ذلك ".
ادركت لورا انها تشكو بطريقة غير مباشرة , فقامت بجهد وابتسمت وقالت :
" بلى انا سعيدة , لا يمكنني ان اتصور العيش من دون دييغو ".
فرح لجوابها . غصّت لور وخرجت لتوها من الزنزانة . طوّقها دييغو بذراعيه ورافقها في الممشى ولم تتمكن من اخفاء دموعها .
ولما وصلا الى السارة سألها دييغو :
" هل هناك ما يزعجكِ ؟".
" طبعاً . لماذا الاستغراب ؟ اني متزوجة من رجل ترعبني مجرد رؤيته ووالدي مسجون في هذا المكان المرعب ".
قامت بحركة غاضبة باتجاه السجن الواقع على الجهة الثانية من الطريق .
وبالصدفة وقع نطرها على وجه دييغو , فانتبهت الى تغيّر ملامحه بهذه السرعة الرهيبة . فقدت عيناه لمعانهما وحرارتهما العادية .
وتقلص وجهه ومن دون كلمة اقلع بسيارته .
وخلال الطريق عمّ الصمت , مرة او مرتين القت لورا بنظرة خاطفة باتجاهه
اوقف السيارة امام المنزل واخذ لورا بذراعها وجذبها بقوة نحو الشقة من دون ان يلاحظ نظرة جوانيتا المتفاجأة وكانت لورا تنتظر في ان تراه ينتقم منها بطريقة .. طبيعية .
لكنها ظلّت جامدةً مستعدة لكل شئ ما عدا رؤية ملامح وجهه الجامده ..
فهمست بعدما دفعها بقوة الى داخل الغرفة :
" دييغو "
ثم رددت بصوت مرتجف وهي ترفع عينيها نحوه :
" دييغو .. دييغو ". " اجلسي "
تقدّمت خطوة منه وفي نظراتها توسل .....
" اجلسي . اني آمركِ ان تجلسي , اسمعيني جيداً ".
جلست لورا في مقعد وهي تحدق فيه ..
توجه دييغو الى النافذة وادار لها ظهره وبعد صمت طويل قال بدون ان يلتفت اليها :
" لقد أخطأت ,,, أخطأت عندما تزوجتكِ بعدما انتزعتكِ من خطيبكِ ,, وأخطأت في الاستفادة من وضع والدكِ لأرغمكِ على الزواج الكريه بنظركِ .
كنت اعتقد بأني قادر على التوصل الى ان اجعلكِ تحبينني .. لكن ... "
التفت نحوها وهو يهز كتفيه . فهمست لورا في صوت متقطع
" الحب .... لا يمكن فرضه ".
أضاف وهو ينظر الى النافذة :
" أعرف هذا الآن .. ولذلك , لن أفرض عليكِ شيئاً .. من الافضل ان نظلّ متزوجين لمدة من الوقت .
هذا يسهّل علىّ القيام بالمساعي الضرورية لاخراج والدكِ من السجن ومتى اصبح حراً أعيد لكِ حريتكِ ".
" اتريد ان تقول .........."
" سوف نطلب فسخ الزواج "
" لكن ... دييغو ...."
هذا ما كنتِ تريدينه منذ البداية .. اليس كذلك ؟
ان تخرجي والكِ من السجن والالتحاق بالرجل الذي تحبين ؟"".
حزن قلب لورا وتلعثمت وهي تقول بصوت خافن :
" نعم "
بينما ادار دييغو ظهره وخرج من الغرفة ...

************************************************************ *


اتمنى لكم قراءة ممتعه :flowers2:

:mod195lr:

الأمل الدائم 19-04-08 04:40 PM

اخواتي ساكمل الروايه غدا ان شاء الله وساغيب عدة أيام لأسباب خاصة
لذا اتمنى من الأخوات البدأ بكتابة روايه جديدة .....
واتمنى أن أقرأ روايه من كتابة غيرى ...............
[IMG]mod195lr:[/IMG]

الأمل الدائم 20-04-08 04:59 PM

الفصل الثامن ....

8- ما طعم الحياة بلا حب ؟


همس جار لورا بلهجة متملقة :
" ان زوجك محظوظ جداً لانه عرف كيف يقطف أجمل زهرةٍ ليزين طاولته يا سينيورا ".
ألقت لورا نظرة سريعة الى الطرف الآخر للطاولة المستطيلة ..
كان دييغو يصغي بانتباه الى حديث جابرته الجذابه .
كان يبدو مسحوراً بجمال هذه المرأة السمراء ..
التي كانت ترتدي فستاناً أبيض ضيّقاً يظهر تفاصيل جسمها الجميل .
أجابت بابتسامة مشدودة :
" لا اعتقد بأنّ زوجي كان يجد صعوبة في تزيين طاولته بالزهور يا سينيور ".
أضاف جارها الذي كان يتبع اتجاه نظراتها :
" لا تقلقي عليه فيما يتعلق بفرانسيسكا , انه حب قديم , حب الطفولة ,
لقد تزوجت من رجل فرنسي , وسمعت انها كانت سعيدة جداً معه .
لكن للأسف , توفي انطوان منذ بضعة شهور ,
كانا يعيشان في فرنسا , لكن فرانسيسكا فضّلت أن تعود الى وطنها ,
فبامكان عائلتها و اصدقائها ان يساعدوها في التغلب على احزانها .
شاهدت لورا يد دييغو في يد الارملة الجميلة ,
حيث ابقاها مدة طويلة ,
حاولت جاهدة ان تتحرك وتتذوق ثمر الفريز الذي ينمو في جنوب المكسيك ,
لكن قابليتها ضاعت ....
وضعت شوكتها في الصحن واشارت سراً الى الخادمة ,
وبعد لحظة , قدًمت القهوة الى المدعويين ,
نظرت لورا بسرعه نحو زوجها , انه ما يزال يتحدث الى جارته .
هذا هو العشاء الثالث الكبير الذي يقام في فيلا جاسينتا منذ عودتهما الى اكابولكو ,
وتعوّدت لورا بسرعة أن ترأس الطاولة التي يشترك فيها عدد
من الشخصيات الكبيرة المعروفة جداً في لمكسيك ,
فقد قال لها دييغو إنّ هذا النوع من الاحتفالات يساعد في الجهود
المبذولة لإخراج والدها من السجن وفي الإسراع باجراء المحاكمة .
قال لها ذات يوم عندما كانا يتناولان طعام الفطور قبل ان يتوجه لى مكتبه .
" في بلادي من الصعب استعجال الأمور , علينا ان نستقبل الشخصيات مرّات عديدة قبل ان تطلب منها الاهتمام بقضيتنا ".
فقالت له بلهجة غاضبة :
" أنت لا تفعل شيئاً , ووالدي .....".
أجابها دييغو غاضباً وهو يرفس الكرسي :
" بالنسبة الى الظروف الراهنة , فإ والدك ليس في وضعٍ سئ , بل بالعكس ..."
قالت لورا بإلحاح :
" ينقصه الهواء ولون بشرته أصبح رمادياً ".
قال في سخرية :
" آسف لأني لم أستطع إقناع المسؤولين بأن يأخذوه كل يوم الى شاطئ البحر لتلّوح الشمس بشرته ".
وخرج من الغرفة قبل ان يتسنى لها الاعتذار ,
فهي تعرف جيداً أن والدها سيكون في وضع يرثى له لولا مساعدة دييغو ,
لكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من إثارة زوجها , ربما لانها تشعر بالاهانة عندما تراه يتأقلم مع وضعهما المعقد في رباطة جأشٍ وهدوء .
ومنذ الليلة التي وعدها فيها بأن يعيد إليها حريتها ,
كان يعتبرها كأنها تمثال من الرخام يزين المكان .
وخلال شهر العسل الذي لا ينتهي لم يعد دييغو ينظر اليها كأنها امرأة جذابة ومثيرة ,
بينما هي تفقد صوابها وتضطرب تأثراً ,
فإن دييغو يحافظ على هدوئه الغريب , ولاشك في أنّ ذلك غريب لأنه يتمتع بطبع ناري ,
ان ذكرى ليلة عرسهما حين كانا على وشك إتمام الزواج ما زالت تلازم لياليها الأرقِة .
قالت لورا لجار دييغو بعدما انتبهت انه يكلمها :
" آه عفواً انني ... انني تائهة ... كأنني كنت في القمر ".
فهمس قائلاً
" اعتقد بان دييغو يحاول ان يشير إليكِ منذ لحظة , لاشك في انه يرغب في ان ينهض عن الطاولة ..".
" نعم , بكل تأكيد ".
احمّرت بينما كانت نظراتها تلتقي بنظرات رب المنزل المتزنة ,
ولثانية ظلّت جامدة وكأنها مشلولة ,
وبجهد نهضت ولحقت بالضيوف الى الصالون .
اتكأت لورا الى حائط الموقدة و راحت تتأمل في ابتسام المدعويين المتجمعين في حلقات في مختلف زوايا القاعة الكبيرة .
بين المدعويين كان وزير العدل واثنان من معاونيه .
في هذه الليلة بالذات سيحقق دييغو اولى الخطوات من اجل الاسراع في اجراء محاكمة والدها .
هل سيبدا بالحديث معهم الآن ..
في غرفة الطعام الفارغة , ام انه سيصطحبهم الى مكتبه المريح الواقع في الطرف الآخر من البهو ؟
فجأة تقدّم منها بعض المدعويين يرغبون في أن يشكروها على هذا العشاء الذي أعدته .
قالت لور وهي تبتسم لإحدى المدعوات :
" يجب ان تشكري الطاهيه على ذلك , كان يكفي فقط ان أوافق على قائمة الطعام التي وضعتها ".
وفجأة تقلّصت معدتها ..
إذ رأت وزير العدل يصغي بانتباه الى احد معاونيه
بينما معاونه الآخر يتحدث مع مجموعة من المدعويين .
أين ذهب ديغو ؟
اعتذرت لورا من المدعويين المحيطين بها وابتعدت خلسةً ,
كان الخدم يقدمون المشروبات المنعشة , ألقت نظرة الى غرفة الطعام ,
فلم تجد إلا الخدم يوضّبون المائدة .
ترددت لحظة, هل هو في مكتبه ؟
ربما ناداه أحد ليرد علىالهاتف ؟
في اكابولكو كما هو في مكسيكو , لم يكف الهاتف عن الرنين .
اجتازت البهو وتوقفت أمام باب الكتب وراء باب ضخم .
فلم تسمع اي صوت . وبعد ثانية من التردد فتحت الباب .
كان دييغو يحني رأسه على امرأةٍ وجهها ملئ بالدموع وهي تنتحب بين ذراعيه ...
إنها فرانسيسكا .
وأول انسان استعاد وعيه كان دييغو , الذي نظر بقسوة الى لورا ثم قال لفرنسيسكا في لطف :
" اذهبي الآن يا عزيزتي .. سنتابع الحديث بعد قليل ".
أحنت فرانسيسكا عينيها ومّرت أمام لورا واختفت من دون أن تقول كلمة .
فتح دييغو علبة موضوعة على المكتب وأخرج سيجاراً صغيراً ثم أشعله بهدوء قبل أن يلتفت الى زوجته وسألها في سخرية :
" اذاً يا عزيزتي , انتِ تطاردينني في عريني ؟ لماذا هذا التطفل ؟".
الغضب الذي شعرت به لورا ورؤيتها فرانسيسكا بين ذراعي دييغو حلّ مكانه الانفعال ,
فقالت بلهجة جارحة :
" إني اهزأ من كل النساء اللواتي تعاشرهن .
كما اني لا اهتم بالمدعويين الذين تتغاضى عنهم ,
غير أنني أشعر بالصدمة إذ أراك تخلّ بوعدك بأن تتحدث الى الذين سيساعدوننا في اخراج أبي من السجن ".
لم يرد دييغو في الحال .. تسمر وجهه ثم نفض رماد يسجاره قبل ان يجلس الى المقعد الجلدي الاسود وراء مكتبه وهو يقول بلهجةٍ هادئة :
" لم اعدكِ بشئ من هذا النوع , لم أكن أنوي أن أبدأ محادثاتي الليلة ".
" لكنك أكدّت لي ....".
" لقد سبق وقلت لك ورددت ذلك على مسامعك مئات المرات , أنه في بلادنا , هذا النوع من المبادرات لا يمكن الاقدام عليه إلا بكثير من الدبلوماسية,
وليس مسلكاً سليماً أن أفتح هذا الموضوع مع رجال مدعويين الى مائدتي الآن ".
فقدت لورا سيطرتها وخبطت على المكتب وصرخت في صوت هستيري ..
" لا ابالي قطعاً بهذه الانظمة واللياقات اذا كنت لا تريد ان تكلمهم الآن فسوف أكلمهم انا ".
أسرعت بالخروج , لكنها ما كادت أن تصل الى الباب حتى أمسكها دييغو في معصمها بعنف وأدارها نحوه وقال ووجهه أبيض من الغضب :
"أمنعكِ من احراج المدعويين , هل تسمعين .
اصعدي الى غرفتكِ في الحال , سأعتذر لهم عنكِ , سنتحدث في الأمر في وقتٍ لاحق ".
فقالت :
" قبل أو بعد محادثتك الصغيرة مع فرانسيسكا !
يبدو لي أنّ سهرتك حافلة بأمور كثيرة ".
رفع يده عنها وتراجع خطوة الى الوراء وقال بهدوء :
" لا ارى لماذا أكنّ لكِ الاخلاص !!".
فقالت في تحدٍ :
" وأنا لا أرى لماذا لا أتولى الدفاع عن قضية والدي شخصياً ".
فصرخ وهو يحملها كالريشة ويتوجه بها نحو السلم المكسو بالسجاد الاحمر الذي يصل الى الطابق الاول :
" هنا , انتِ في منزلي أيتها المرأة الشرسة , ستفعلين ما أقوله لكِ ."
صفعته لورا بقوة وصرخت :
" اذاً تقول إني امرأة شرسة ! لكنك لم تر أو تسمع شيئاً مني بعد , انتظر لترى ".
فقال وهو يضع يده حول ظهرها ويصعد بها السلم :
" الآن تجاوزت جميع الحدود ".
توقفت لورا عن التخبط ليس لأنها مكبلّة , بل لأن انفعالاً غير منتظر اجتاحها كلياً , فقد شعرت بصدر دييغو المضغوط على صدرها . تكفي رائحة عطره حتى تغيب عن وعيها .
حملها من دون أي جهد ظاهر حتى السرير ووضعها بلطف وقال بصوت يلهث وهو يحدّق فيها بشراسة :
" المطلوب منكِ أن تبقي هنا حتى ينصرف المدعوون . هل فهمتِ ؟ سأعود فيما بعد ".
نظرت اليه وهي مخدرة بالانفعال ولم تكن قادرة على ان تنطق بكلمة . خرج دييغو وأقفل عليها الباب بالمفتاح .
فهمست بصوتٍ متقطع :
" آه .. يا الهي ! هذا مستحيل , إني أحبه ! لا , هذا مستحيل ".
يالغرابة الأمر ... قبل دقيقة كانت تكرهه .. والآن ... انها تريده بجنون ..
لم يعد الامر بمثابة رغبة سبق وشعرت بها في اكابولكو ,,لا , انها تريد ان تصبح زوجته بما في هذه الكلمة من معنى , ان تكون المرأة التي كان يحلم بها منذ الأزل ,
أن تكون في الوقت نفسه العشيقة والزوجة وربة بيته وام اولاده ....
لماااذا استغرقت كل هذا الوقت كي تكتشف حقيقة عواطفها ؟ كان لديها العديد من الاسباب لتحبه ..
شكله الخارجي يعجبها . وهذا تعرفه منذ وقت بعيد ..
ثم اعجبت بالاهتمام والعناية والاحترام لموظفيه وحتى لخدمه ,
كذلك الاحترام والمحبه اللذين يكنهما الجميع له ,
فضلاً عن الاهتمام بمساعدة والدها .

لماذا أضاعت كل هذا الوقت الثمين لتقاوم هذا الانجذاب الخدّاع؟
ربما لم يفت الامر !! صحيح انها راته منذ قليل يعانق فرانسيسكا ,
لكن هذه الاخيرة عادت من فرنسا منذ فترة وجيزة .. والامور بينه وبينها لم تتطور بعد ...
وعندما يكتشف دييغو أنها تحبه , يمكنها ان تستعيده ....
وفي الباحة الواقعة تحت النوافذ سمعت فجأة ضجيج أصوات و ضحكات وابواب تصفق ومحركات سيارات تقلع ..
تحمست لورا ونهضت من سريرها وخلعت بسرعة فستانها الاخضر الذي ارتدته للعشاء ,
وفتحت باب خزانتها , وبعد ان امضت وقتاً لا بأس به تتأمل العدد الهائل من قمصان النوم المعلقة ,
وقع اختيارها على قميص نوم شفاف من قماش ناعم , عربون البراءة , كما سيكتشف دييغو ذلك .
بدأ قلبها ينبض بسرعة , نظرت الى المرآة واعجبت بنفسها وبوجهها الاحمر وعينيها اللامعتين المتلهفتين ,
فكّت كعكة شعرها فانسدل على كتفيها ثم راحت تسرحه ,
ثنت غطاء السرير وأطفأت الانوار تاركة ضوء قنديلين من كل جهة من السرير .
آه كم كانت تكره هذه الغرفة , وأثاثها الاسباني الضخم وجوّها المخنوق . والآن كل شئ مختلف وهي تستعد أن تتقاسمها مع دييغو .....
لكن لماذا تأخر دييغو في الحضور ؟ لقد وعدها بأن يوافيها متى ذهب المدعويين ..
ساورها القلق فاقتربت من احدى النوافذ وازاحت الستائر قليلاً .
. ربما قرر دييغو ان يحدّث وزير العدل في قضية والدها .
لم يكن هناك اية سيارة امام المنزل , سوى سيارة المرسيدس التي تلمع تحت ضوء المصابيح الكهربائية التي تنير الساحة كضوء النهار .
ثم لمحت شبح دييغو واعتقدت لورا ان قلبها سيتوقف عن الطرق ,,
كان يتأبط ذراع امراة ترتدي معطفاً أبيض .
وما ان وصلا امام السيارة , حتى أخذها بين ذراعيه .
رفعت المرأة وجهها نحوه , انها فرانسيسكا .
ولما انحنى رأس دييغو على وجه فرانسيسكا , أطلقت لورا نحيباً عنيفاً وأقفلت الستائر .
لا شك ان باب غرفتها قد نفتح في وقت معين من الليل . وعندما أفاقت لورا كانت تريزا الخادمة قد وضعت صينية الفطور على طاولتها .
وباصبعها لمست ابريق القهوة الذي ما زال فاترا فقفزت من السرير وتوجهت الى الستائر تزيحها لتدع النور يدخل اليها .
ونظرت الى ساعة الحائط المعلقة فوق المدفئة .. انها الساعه التاسعه والربع ..
كيف كان بامكانها ان تنام طويلاً وبهذا العمق بعدما أمضت جزء كبيراً من الليل تبكي وتنتحب ؟
ولمّا نظرت الى نفسها في المرآة عرفت مدى حزنها وتعاستها ,
عيناها متورمتان وملامحها الناعمة متشوشة ,,
فدخلت الى الحمام ووضعت وجهها في الماء البارد مدة طويلة ,
ولما عادت الى غرفتها استعادت بعض وعيها , القهوة الفاترة تساعدها على ان تستيقظ تماماً .
لكنها لم تكف عن التفكير فيما حصل , لم يعد دييغو قبل الفجر لأنها لم تسمع صوت محرك سيارته .
ما دامت لم تخلد الى النوم الا في الفجر , ولحسن حظها فان دييغو لا يمكنه ان يعرف انها انتظرته في تلهف العروس ليلة زفافها
:55:


الساعة الآن 06:42 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية