قال :
" فعلاً , ولست متعودة , كان عليك ان تحترسي ." وما ان استقرا في السيارة , حتى شعرت هيلين بمزيد من الطمأنينة لحظة على الاقل ! أوقف ليون السيارة على جانب الطريق , وتركها غير موصدة الابواب , فقالت وهما يسيران الى الشاطىء : "أتراها ستكون في أمان ؟" فأجاب في هدوء : "الناس هنا لا يسرقون ... ولا اعرف ان احداً يمر من هنا , في اية حال ." وكان على حق , لم يكن على الشاطىء سواهما ..... القمر بزغ من وراء السحب , فأرسل خيوطه الفضية عبر البحر . لم يكن هناك صوت , ولا وسوسة الامواج وهي تترامى الى الشاطىء . لم تر هيلين بحراً بهدوء البحر الابيض المتوسط . ونسيت مخاوفها وهما يتمشيان وليون يتكلم من آن لآخر بصوت خافت , وكثيراً ما يخلد للصمت . فوجدت هيلين نفسها تهمس : "يا للسكينة ! " منتديات ليلاس كانت انكلترا بعيدة جداً , فبدت مأساة حياتها غير واقعية . لواستطاعت أن تبقي زوجها على مسافة منها , لظلت حياتها سهلة يسيرة ناعمة . من المؤكد أنه ماكان يجدها جذابة ... ولكن عينيه عادتا تحدجانها في اللحظة نفسها , فتطلعت على مضض تقابل نظراته , وسألها : "هل تحسن رأسك الان ؟" قالت : "نعم يا ليون , شكراً ." كانت كلماتها متكلفة , وبدأت تشعر بحرج في حضوره , وأسفت لانسياقها لذلك الحديث مع ترودي , فكانت مخاوفها – حتى ذلك الحين – مجرد همسات يسهل عليها استبعادها , أما الآن , فقد أصبحت تلح عليها , وتساءلت : كم سينقضي قبل ان تعود ثقتها في وعد ليون ؟ على انها – في هذه اللحظة – عرفت الطمأنينة وتحرر ذهنها من الخوف . كان السير على الشاطىء الساكن متعة , حتى مع ليون .... طالما يلزم الصمت . ماكانت شواغلها تعاودها إلا حين يتكلم , فلم تكن تدري ما سيقوله بصوته الخافت ونبرة القلق التي تشوبه . قال: " هناك مقعد على مسافة , نستطيع ان نجلس إذا شئت ." وما لبثا ان بلغاه , وفوجئت بإحدى التصرفات البسيطة التي تدهشها عندما أخرج منديله ونفض الغبار عن المكان حيث ستجلس . وما من شك ان الحفاوة والمجاملة فن لدى القبارصة . ووجدت هيلين في هذا مايشرح الصدر , فلم تتعرف الى مثل هذه الرعاية من غريغوري ابداً . لذلك ابتسمت لتصرف ليون وشكرته في اكبار . وانساب من وراء الشريط الساحلي الضيق شذى زهور البرتقال , فأخذت هيلين تنهل الهواء . قال ليون : "ليتك تشمين العبير حيث البساتين الكبيرة ." ثم جلس على المقعد المجاور لها . وفجأة قال ,بما بدا لهيلين أنه دافع وقتي : "سأذهب الى فاماغوستا الاسبوع القادم , وامكث يومين تقريباً فستجري تعديلات رئيسية أريد ان اشرف عليها . هل تحبين المجيء معي ؟" هتفت : منتديات ليلاس "أنا ؟" كان روبرت وكثيرون غيره حدثوها عن وقت اليناع في فاماغوستا حتى القبارصة كانوا يغمضون اعينهم وهم يصفونه , وتمنت هيلين ان تذهب يوماً ... لكن فكرة الذهاب مع ليون لم تخطر لها مطلقاً لذلك أردفت : " لست ادري ." وتوقعت انهما سينزلان في فندق , فاسترسلت : "لا يمكن ترك الطفلين .... آرتيه تحب ان تنام في بيتها . هكذا أخبرتني مراراً." فقال مبتسماً : "هذا من اجل زوجها . يستطيع ان يمكث في بيتنا أثناء غيابنا . سيرضي هذا آرتيه . كلا , لا ينبغي ان تعلق على الطفلين ....لن يتأثرا بغيابنا يومين كما انني أشعر انك بحاجة للترويح , كنت قلقاً عليك في الفترة الاخيرة ." ** ** ** اتجهت عيناها اليه .. إذن فقد لاحظ , ولكنه لم يدرك الحقيقة . كان مهتماً بها , فرأى ان الترويح يفيدها . |
لكنها تذكرت الجانب الاخر من طبيعته . تذكرت اقتناعها السابق أنه يستطيع ان يكون قاسياً!
انبعث صوته خفيفاً ولكنه ملح : "مما تخافين ياهيلين ؟" وعجبت , أيكون أحس بارتباكها وهو ينتظر اجابتها ؟ وارتجفت , ثم اغتصبت ضحكة مرتعشة , وقالت : "خائفة ؟ مالذي أخافني ؟" فرد برفق : "هذا ما أسألك عنه . ولا تجيبين ." هزت رأسها , وسرحت بصرها في البحر تفكر في جواب مقنع ... فلو انه ادرك الحقيقة ... قالت كاذبة , متحاشية عينيه : "لست خائفة من شيء ." فقال بهدوئه : "إذن , لا يوجد ما يبررعدم صحبتي الى فاماغوستا . سأعطيك بعض النقود لتشتري لنفسك ثياباً ." فهتفت قبل ان تفكر : "آه , كلا ." ثم أردفت بمزيد من الهدوء : "لدي الكثير يا ليون ." فتساءل : منتديات ليلاس "مالديك ؟ إذن فلابد أنها متروكة في خزانتك ." أذهلها رده , ثم تذكرت أنه زوجها رغم كل شيء .... من الغريب انها لم تفكر في نفسها ابداً كزوجة ولذلك لم تكن مستعدة لأن يكلمها على هذا النحو الطبيعي في الظروف العادية . وقالت : "الثياب الداكنة أكثر ملائمة لمن لديها اطفال تعنى بهم ." وهي تحاول ان تجد رداً مقنعاً . ارتفع حاجباه قليلاً وهو يقول : "هذه فكرة عفا عليها الزمن ! " أجابته : " إنني افضل الثياب الداكنة ." توارى القمر وراء السحب العابرة , لكنها أحست بوجهه يتخذ المظهر الخشن , كما تغير صوته وهو يقول : "أنا افضل الثياب الزاهية . سأرى ماعندك ,فإذا لم يرق لي تشترين بعض الثياب الجميلة ياهيلين , الوانها تتمشى مع عينيك وتلقي ظلاً على خديك الشاحبين ." واخذ قلبها يخفق بشدة . لكن نبرة مبحوحة سرت الى صوته , وارتجفت وهي تقول لنفسها : لا يمكن ان اكون جذابة له . لكن هذا اليقين خالطه العلم بأن النساء سواء لدى اولئك الشرقيين المشبوبي الرغبة . فقالت محتجة: " طبعا , يحق لي ارتداء مااحب !" قال : منتديات ليلاس "بل ترتدين مايسر زوجك ." وسكت عندما احس بضيقها , وسرت في صوته رنة تلطف وهو يضيف : " سآخذك الى فندق الملك جورج – وهو خير مافي فاماغوستا – وأود ان افخر بك – سنلتقي ببعض زملاء عمل لي ." إذن هذا هو السبب ! واسترخى جسمها , وندت زفرة ارتياح ولامت نفسها على مخاوفها . فما كان في نبرات صوته الرقيقة ماينم عن رغبة – مااغباها ! وكل هذا لأنها اخذت كلمات ترودي بجدية بالغة وبدأ ذهنها يميل لفكرة قضاء ايام قلائل في فاماغوستا , على سبيل التغيير – كما قال ليون . بالرغم من تعلقها بالطفلين كانا مسؤولية ثقلية وكانا يفيضان خبثاً في بعض الاوقات . وجهد العناية بهما تغيير كامل عن الحياة التي تعودتها , وغالباً ماشعرت بارهاق ولعل هذا زاد اهمالها بمظهرها – قالت : "متى سيكون سفرنا ؟" وادهشها انها تنتظر اجابة بلهفة – فقال : "حوالي نهاية الاسبوع المقبل .... ربما الجمعة , لنعود يوم الاحد او الاثنين , حسب تقدم العمل ." فتمتمت في قلق : "أتظن ان تشيبي وفيونا سيكونان بخير ؟ لن لن يرتاحا لفكرة غيابنا عن البيت ." " بالتأكيد سيكونان بخير . لن يحدث شيء مع آرتيه ونيكوس . أما من حيث عدم ارتياحهما لغيابنا , فيجب ان يتعوداه , اذ قد اصطحبك مرة اخرى الى بافوس . فأني اتدبر شراء أرض هناك ." قالت مقترحة : " يمكننا ان نصطحبهما معنا ." |
كانت تدرك ان الطفلين سيحبان ذلك . ولدهشتها قال موافقاً :
" سنفعل يوماً .... سوف نحظى – في وقت لاحق – بعطلة للترويح , كأسرة ." اكفهر وجه هيلين للحظة عابرة ... كانت كلما رأت أسرة تتنزه , او تقضي عطلة . او حتى تتسوق , شعرت بالفراغ الفظيع الذي عانت منه بعدما فقدت زوجها , وابنها , لذلك تحمست الى فكرة ليون , وقالت وهي غير واعية للضراعة في صوتها : "الا نستطيع اخذهما هذه المرة ؟" ولكن ليون قال بحزم قاطع : "ليس في هذه المرة ياعزيزتي , فهذه الرحلة تغيير لرتابة حياتك كما قلت , ولن يكون ثمة تغيير ولا راحة اذا اصطحبنا هذين الوغدين ." منتديات ليلاس ولم تجادل اذ كانت تعرف هذه اللهجة . وارتاحت في مقعدها تسرح بصره في البحر , شذى الزهور البرية ينساب على انسام الجبل , ليمتزج بعبير زهور البرتقال القوي – وتمتمت : "لا وقت كالربيع !" فقال ليون : " له بهجة خاصة , لكنه لسوء الحظ قصير جداً , بينما الصيف طويل اما شتاؤنا – اذا جاز تسميته كذلك – فهو محدود كما تعرفين ." في اقل من اربعة اشهر رأت تعاقب الخريف والشتاء , وهاهو ذا الربيع . وستكون بقية العام صيفاً بشمس متألقة وسماوات صاحية . بدأت نسمة باردة تهب من البحر , فالتفت ليون متسائلاً : "أنعود للسيارة ؟" كان الوقت مبكر بعد , وبرغم زهد هيلين السابق في الخروج , لم تعد ترغب في تعجيل العودة ... والتفتت اليه مبتسمة وقالت : "هل نستطيع البقاء فترة اخرى ؟" فقال : "مالم تكوني تشعرين ببرد ." ثم أردف بحزم فجائي : "كلا .... إنك تتعرضين للبرد . هيا لنتخذ طريقنا عائدين للسيارة ." ولكن في طريق العودة , جنح بالسيارة الى مقهى أبيض غير مرتفع تألقت فيه اضواء ملونة , وشرفته الطويلة الواسعة تقابل البحر . وكان بعض الانكليز يجلسون الى المائدة التي قادها اليها . وسرعان ماابتسموا مرحبين وتحرك شاب بخفة ليحضر مقعدين . منتديات ليلاس " ما اطيب ان نراك يا ليون , استنتجنا جميعاً أنك في سبات منذ زواجك ." كان المتكلم شديد السمرة , ملتحياً , وادركت هيلين – حتى قبل ان يخبرها ليون – انه فنان ... فقد قال ليون وهو يضحك : " لم يلق فيل تكريماً بعد , ولكنه سيحظى به .... فهو موفق , وسوف يضع اسم لابيتوس على الخريطة يوماً ." فصاح شاب آخر في استياء : " إن اسم لابيتوس على الخريطة ..." وتحول الى هيلين قائلاً : " لدينا مجموعة صغيرة لطيفة من الفنانين , من المحتمل أنك تعرفين ؟" فابتسمت هيلين وقالت : "سمعت بهم ... قابلت أحدهم على السفينة عند قدومي ." "اجل , روبرت ! إنه كثيراً ما يتكلم عنك. إنه موفق الآن . وصوره في كل متاجر الهدايا بالجزيرة . نعم , إنه والله ذكرك ... ويكن لك اعجاباً كبيراً ." شاعت في وجه هيلين ابتسامة سعيدة , وتحولت تلقائياً نحو زوجها فاذا الابتسامة على شفتيها ترى مالذي فعلته . كان وجهه مكفهراً ومتجهماً . وأسرعت تشيح بصرها , بينما أحضر الساقي المبتسم الشراب ورفعت رأسها بتعاسة , وقد حيرها مسلك زوجها , ورد فعلها إزاءه . غضب وتجهم كثيراً في الماضي , فلماذا تأخذ ماطرأ عليه جدياً هذه المرة ؟ وسرعان ماأقبل آخرون , وحصل التعارف , وسيطر المرح على الجميع . منتديات ليلاس وكانت النسوة يرشقن هيلين بنظرات جانبية , فأدركت انهن يعجبن بما اعجب ليون بيترو – ومما زاد حيرتها أنه مشهور بكراهية النساء , لكنه اذا احب ان يقع في غرام امرأة فاتنة لا يقوى على مقاومتها .... كانت هيلين تقرأ افكارهن بدون عناء , ثم فاجأت عيني زوجها ترمقانها بانتقاد , فخيل اليها انه يخجل من عدم اهتمامها بأناقتها . لماذا احضرها لتلتقي بأصدقائه ؟ ولمحته يبتسم فجأة , فاذا قلبها – بل مبرر تعرفه – يقفز منتعشاً , وعادت طبلة الساعة التالية مغتبطة كأي شخص ممن حولها , وقد نسيت مظهرها وأخذت تحادث فيل عن أعماله الفنية . |
قال بعدما أخبرها عن اعمال روبرت :
"يقول روبرت إنك ترسمين ! " قالت وهي تتورد عندما سكت كل الحاضرين متشوقين : "رسومي ليست جيدة , فلم ألتحق بمدرسة للفن , ولا تلقيت أية اراشادات ." قال جيري مؤكداً : "الفنان الصادق يرسم بوحي من قلبه ." هو الآخر يقيم في لابيتوس ويعمل في نيقوسيا . وإقامته في الجزيرة مهددة , إذ كان على مخدوم هان يطلب ترخيصاً له بالعمل كل ستة أشهر . وكان موقناً بأن طلبه سيرفض ذات يوم . وعاد يقول : "لابد ان ترينا انتاجك ياهيلين , فكل منا يهتم بالآخر هنا ." قال ليون رافعاً كوبه الى شفتيه : "أنا لم أر شيئاً منه بعد . أظن زوجتي فنانة خجول ." فقالت بضحكة صغيرة : "لم أرسم شيئاً منذ مجيئي , لم تسنح لي الظروف ." فهز فيل اصبعه لها محذراً وهو يقول : "هل يشغلك طيلة الوقت ؟ هؤلاء القبارصة ممتازون في استبقاء زوجاتهم تحت ...." وأدار أصبعه نحو الارض , ففتح ليون فمه ليحتج , ثم رأى ان يضحك واسترسل فيل : "لا تخدعي ياهيلين , فزوجك يختلف تماماً عنا معشر المعوزين , يستطيع ان يحيطك بدستة من الخدم إذا شاء ." وعقبت هيلين : منتديات ليلاس "ولكني لن اجد ماافعله عندئذ ولن ألبث ان اضجر ." ولمحت أسارير احدى النساء , فقرأت افكارها مرة أخرى : " أتضجرين ؟ ومعك زوج مثل ليون ؟" وتناولت كوبها تتأمله وهي تتبين بصر المرأة مثبتاً على وجه ليون الاسمر . كانت المرأة تغبطها , فمن تكون ؟ أحست هيلين – وهي تتعرف عليها – ببغضاء خفية تتوارى تحت ابتسامتها , ولكنها استبعدت الفكرة حتى عندما فوجئت بنذير سوء ينبعث من عينيها . أما الآن , فمن تكون ؟ وأخلدت للصمت تصغي محاولة ان تعرف شيئاً عنها , وكان كل ما استخلصت ان المرأة سمسارة عقار في نيقوسيا . على أنها – في وقت لاحق – علمت مزيداً , فاكتشفت سر عداوة بولا الظاهرة لها . ** ** ** انفض القوم , وبدأت السيارات تنطلق . وذهب ليون الى سيارته , متوقعاً ان تتبعه هيلين . لكن بولا هي التي تبعته , بينما تلكأت هيلين على الدرجات تراقبهما لعلهما كانا يتكلمان في الاعمال . لكن فيل جذب كمها قائلاً : "ربما لا يكون من اللياقة ان اقول . لا تطمئني الى هذه ... كانت وليون .. لنقل صديقين على الاقل , وبرغم كل الشائعات أنه لا يفكر في الزواج كانت تأمل ان تصبح يوماً السيدة بيترو . ولا داعي لوصف شعورها حين سمعت انه تزوج سواها ." وترك كمها – اذ التفت ليون متوقعاً ان يراها قريبة منه – ثم أردف : "أعرف أن هذا لا يعنيني , وأنك ربما تظنيني أتكلم فيما لا يخصني , لكنك لطيفة , وهي امرأة معدومة الضمير , وإن كانت ذات جاذبية للرجال ... أعني بعض الرجال ." ودفعها لتواصل الهبوط , وهو يقول : "يحسن ان تنطلقي , فليون ينتظر . ولكن ..... احذري بولا مكسويل !" ** ** ** منتديات ليلاس أجل أضفى عليه الثوب جمالاً . ابتعدت هيلين عن المرآة لتتملى شكلها . كانت ذراعها عاريتين , وكشف صدر الثوب عن نحرها الجميل ولمع شعرها الاشقر متهدلاً فوق كتفيها في موجات غير مكتملة . لكن الثوب كان قصيراً , فظهر حسن قوامها . وكان حذاؤها من الجلد الازرق اللين مثبتاً بحزام مزخرف داكن اللون . ووضعت هيلين شالها على كتفيها , ثم تناولت حقيبتها المسائية , وخرجت وأخذت تهبط التل نحو القرية , ولم تبتعد كثيراً قبل ان تقف الى جوارها سيارة روبرت . |
قال روبرت :
"في الموعد تماماً .. الست بنتا شاطرة ؟" فسألته وهي تستريح في جلستها : "كم يبعد المكان ؟" قال وهو يتجاوز انحناء الطريق , ويزيد السرعة : "ليس بعيدا جداً . ألم تذهبي اليه بعد ؟ كنت أظن ان ليون اصطحبك الى ماريه مونت , فكل شخص يذهب الى هناك . كل الانكليز يجتمعون هناك . وفي اماكن اخرى طبعاً , لكن هذا المكان بالذات مفضل للانكليز , وفي يوم السبت سهرة عظيمة . لكم يسرني أنك استطعت المجيء ." قالت ورنة قلق تسري بدون قصد الى صوتها : "يجب ان نعود في الحادية عشرة على الاكثر . سيعود ليون حوالي الحادية عشرة والنصف ." فقال : منتديات ليلاس "سنعود , فلا تخافي ." وصمت لحظة في فضول : "مالذي جعلك تتصلين بي هاتفياً ؟ تصورت إنك لا تريدين اية علاقة بي , بعدما رفضت دعوتي لأقلك الى المدينة ذلك الاسبوع ." امتقع وجهها وقالت : " أوضحت لك ان ليون لم يرتح للفكرة ." فعاد يسأل : "والآن ؟ .... لماذا اتصلت بي ؟" كانا منطلقين على طريق الشاطىء , والبحر يلتمع تحت ضوء القمر وتذكرت هيلين تلك الامسية حين جلست مع ليون على مقعد هناك , ثم اصطحبها الى المقهى ... والتقت ببولا مكسويل . وفي اليوم التالي زارت هيلين ترودي وخرجتا معا لتشتري هيلين ثياباً لرحلة فاماغوستا , واستقلتا الحافلة ,ثم سارتا قليلاً وأثناء مرورهما بالهلتون , ابصرت هيلين بولا في سيارة ليون وهي تتجه الى الفناء الخارجي . ثم دخلت بولا وليون الفندق . لعلهما جاءا للغداء وكان رد الفعل المباشر لوخزة الالم ان تساءلت هيلين : " لماذا تهتم ؟ ألم تكن تعرف ان لزوجها علاقات بنساء ؟ أليس هذا هو ماأراده ؟ ان يرضي نفسه لئلا يطالبها بشيء ؟" ولكن الامر كان مختلفاً والنسوة مجهولات لها . أما ان تلتقي بأحداهن , ثم تراها مع ليون , ولم تستطيع ان تشهق خشية ان تسألها ترودي . ظلت طيلة الاصيل تشعر بتعاسة لم يكن لها مبرر , حتى اذا وافاها زوجها في النهاية ليصحبها , اضطرت لاغتصاب الابتسام وتجاهل بولا كانت – قبل ساعات قليلة – في السيارة , تجلس في المقعد نفسه . وتساءلت : " بأي حق اعترض ؟" لكنها لم تكن تعترض , فما كانت تعبأ . قالت اخيراً , تجيب عن تساؤل روبرت : "إنما شعرت برغبة في امسية خارج الدار . فالجلوس فيها وحيدة يثير الملل ." قال: منتديات ليلاس "الا يمكث ليون في البيت أبداً ؟" وبدون ان يمهلها لتجيب , اردف : " هذا عيب الرجال هنا . كلهم يخرجون – كل مساء – ليجلسوا في المقاهي يتحدثون مع اصدقائهم الرجال . جو الاسرة المعهود في انكلترا شيء لن تعرفيه هنا . ولكن , هكذا أنتن يانساء , تقعن في هوى الرجل الاسمر المغازل – لماذا يا إلهي , لماذا ولدت بشعر كهذا ؟" واضطرت هيلين للضحك , وظلت تضحك طيلة الامسية , متظاهرة بالمرح وهي تشعر طيلة الوقت بشيء مؤلم ينغز قلبها . كان في دخيلتها فراغ غريب , عرفته فيما مضى , ولكنها شعرت به لأول مرة منذ مجيئها الى قبرص . سره ان حان الوقت للانصراف , وتمنت – وهما يمضيان في الطريق – لو انها لم تأت . وفي منتصف الطريق تقريباً , شعرت برجة , وهتف روبرت : "يا للعنة ! شيء خرق اطار عجلة ." اضطرب قلبها وقالت : "هل يستغرق اصلاحها طويلاً ؟" |
الساعة الآن 01:20 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية