منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   الابتسامة الشجاعة (https://www.liilas.com/vb3/t149710.html)

saaamyaaa 11-11-10 12:06 PM

كانت أمي منفعلة للغاية وهي تقول لي أن هناك من اتصل بها ليخبرها أن أيمن في مستشفى في ليبيا
هرولت مغادرة بفزع دون أن أستطيع أن أتكلم مع أحد
سافرت أنا وأمي ومعنا يحيى الى ليبيا, وسهلت لنا السلطات الليبية اجراءات عودتنا, واستطعنا العودة بأيمن الى القاهرة ليكمل علاجه في احدى المستشفيات الخاصة ومنه الى البيت بعد أن استرد صحته
لم يستطع أيمن أن يخبرنا بما جرى فقد التزم تمام الصمت, ولم نلح عليه بالسؤال, فقد كان كل ما يهمنا صحته, وعرفنا ما جرى له بصورة مجملة وموجزة من الاخبار, وهو أن القارب الذي كان يقله هو ومجموعة كبيرة من الشباب غرق قرب سواحل ليبيا قبل حتى أن يغادر الى ربع المسافة
.............................
كنت أجلس خلف مكتبي شاردة أفكر في أيمن وأنا لا أدري هل أشعر بالحنق منه أم بالشفقة عليه
أخيرا وبعد مدة طويلة أجد ياسر يجلس أمام مكتبي
قال بهدوء : كيف حال أخاك؟
نظرت اليه برهة وأنا أفكر, كان هذا هو أول تفاعل بيننا منذ مدة طويلة
قلت : هو الآن بخير, شكرا لسؤالك
قال : أى تجربة سيئة علينا أن نبحث عن جوانبها الايجابية ونستفيد منها
قلت : بلى, سمعت هذا منك قبلا
قال : عليك أن تتبعي الخط الذي سار فيه وتبحثي عن أسباب المشكلة
قلت بتهكم مرير : لو أن أيمن تحدث مع كل العالم فلن يتحدث معي أنا
تنهدت بألم وأنا أسأله : أخبرني أيها الزميل, لو كنت مكانه فهل كنت ستتحدث عن فشلك واحباطك أمام أهلك؟
قال بهدوء : أنت محقة, الأمر صعب بالفعل
قلت بألم : بل لا يمكنك تخيل مدى صعوبته, أنا بالذات عندما أتحدث معه..
صمت, لم أكن أدري ما الذي يمكن أن أقوله
لكنه استطاع أن يلتقط الفكرة بذكاء, فقال بفهم : فهمت, أسلوبك معه لا يساعده على البوح
قلت : الأمر ليس على هذه الصورة, ولكن...
رغما عني, كل هذا رغما عني, فأيمن على وجه الخصوص لا أستطيع أن أمسك أعصابي أمامه, لا أستطيع أن أتقبل منه أى خطأ, لا أستطيع أن أتقبل فشله واستسلامه, لا أستطيع أن أتقبل أعذاره
رغما عنى وأنا أمامه تتفجر براكين الغضب والحنق بداخلي وأجد نفسي أقول كلاما لا يجب أن يقال
أعلم أننى أغضبه وأحزنه ولكنى لا أستطيع أن أتوقف
قال بفهم : بلى, الأمر يكون صعبا للغاية عندما يتعلق بمن نحبهم
صمت عندما أدركت أن كلماتي فهمت بشكل صحيح, ثم قال هو : اذا فيجب أن تخاطبيه بطريقة مختلفة
سألته : كيف؟
قال : أنا متأكد أنه يقرأ مقالاتك, عليك أن تخاطبيه بقلمك
اللسان قد يتسرع ويخطئ كثيرا, لكن القلم يفكر أولا ويراجع ويعيد ويكرر وقد يمزق كل ما كتبه
أخذت أفكر في كلماته وأنا شاردة
فأكمل هو : ما رأيك أن تقومي بعمل تحقيق حول رحلته؟
قلت بيأس : لقد قتل هذا الموضوع بحثا فما الجديد الذي يمكن أن أقدمه؟
قال باسما : الجديد هو أن الموضوع هذه المرة سيكون له قلب, فمن يكتب هو من اكتوى بناره , جربي وسترين النتيجة
قلت باحباط : أيمن يقاطعني تماما, لا أتوقع أن يساعدني في هذا, أو حتى يحكي لي عما حدث له
قال باسما : إن كان هو لا يستطيع أن يحكي, فهناك غيره يتمنى أن يسمعه أحد
شغلي حاستك الصحفية وستصلي بالتأكيد
تركني ياسر بعد أن أشعل في داخلي جذوة من فضول تكبر وتكبر كل لحظة حتى تحولت الى نيران مشتعلة تدفعني الى الجرى خلف ذلك التحقيق
انطلقت بحماس هائل أجمع المعلومات من محاضر الشرطة, وسافرت الى قرى وبلدان الشباب الذين شاركوه في الرحلة المشئومة
وبالفعل كان ياسر محقا فهناك من يرغب في أن يصل صوته ولا يعرف كيف؟
فكل الشباب الذين زرتهم جمعت منهم الحكاية قطعة قطعة, ورأيت كيف يعيشون وسبب تمسكهم بفكرة الهجرة وماذا فعل أهلهم ليدبروا لهم المال اللازم للسفر
واتبعت نفس الطريق الذي اتبعوه خطوة بخطوة وعرفت كيف تسللوا الى ليبيا ورأيت الحجرة الرديئة التى كانت تضمهم لأيام قبل تجهيز القارب, وصورت القارب, أعنى قارب آخر مشابه له
وبعد أسابيع قليلة خرج التحقيق متكاملا الى النور
وصدق ياسر في كل كلمة قالها
هذه المرة كان التحقيق مدويا, وأحدث ضجة في الجريدة, وتلقيت عليه التهاني وأتتني رسائل الكترونية كثيرة جدا تعلق على التحقيق
ولكني لم أشعر بشيء من كل هذا فالانسان الوحيد الذي أردته أن يقرأ ما كتبته مغلق عليه بابه وغارق الى أذنيه مع الكمبيوتر هاربا من العالم كله
دخلت على أمي غرفتي وهي منشرحة للغاية وهنأتني بحرارة, وسألتها هل قرأتيه كله؟
قالت بابتسامة حزينة : وكأنني أرى أيمن في كل حرف في المقال, استشعرت في كل كلمة الصدق الشديد ووصلت الى قلبي مباشرة
ولكن..
لقد كنت أقرأ الجريدة في صالة الاستقبال وتركتها هناك, وعندما عدت اليها لم أجدها, كنت أريد قراءة المقال ثانية, وبحثت عنها طويلا
أتعلمين أين وجدتها؟ في غرفة أيمن
انتفضت من السرير وأنا أهتف غير مصدقة : حقا!!! لا أكاد أصدق؟!!!
لقد صدق من أتفاءل بوجهه في كل كلمة قالها
لقد قرأ كل ما كنت أريد أن أقوله له
الآن أؤمن بكل كلمة يقولها زميلي
أن الصحفي عندما يضع قلبه على سن قلمه يستطيع أن يفعل الأعاجيب
في اليوم التالي دخلت مباشرة من باب الجريدة الى مكتبه, وقلت له كلمة واحدة : ياسر, شكرا لك
التفت الى بابتسامة كبيرة وقال : اذا لقد قرأ المقال
قلت بحماس : بلى, رغم أنه لم يتحدث معي, لكنني اكتشفت أنه قرأه
قال : اذا فهذا الوضع لن يستمر طويلا, سيعود قريبا, فقط يحتاج الى مزيد من الصبر والتفهم والاحتواء
قلت بتردد : لا أدرى ,لكن تلك التجربة جعلتني قريبة جدا من أيمن ومن تفكيره, لقد عانى كثيرا, كثيرا جدا
قال باسما : اذا فهذا هو أول الطريق لعودة التقارب بينكما من جديد
قلت بأسى : أو يكون طريق لتباعد أكثر
قال : كوني متفائلة, كما أن هناك قوة فعالة دائما ما نغفل عنها
انها الدعاء
نظرت اليه قائلة : إن أمي تدعو له باستمرار
قال باسما : بعض الاشياء لا يصلح لها دعاء فرد واحد بل تحتاج الى الكثير من الالحاح والعزيمة, وتحتاج للصبر
قلت باسمة : لم أكذب حينما قلت أنني أتفاءل بوجهك كثيرا, أصدق الآن أن نظرتك لا تخطئ
(أميرة)
التفت خلفي, لم أكن أصدق أنها تأتي الى بعد كل ما حدث وتقدم على التحدث الى
قلت ساخرة : مرحبا بالعروس الأسطورية
قالت بانكسار : أود أن أتحدث اليك قليلا من فضلك
كنت مضطرة أن أذهب معها رغم كراهيتي لذلك
جلسنا خلف مكتبي, وبدأت هي : أنا سعيدة حقا أنك تحققين كل يوم نجاح جديد, مقالاتك بالفعل رائعة
كنت أعلم أنها تريد أن تقول شيء ولكنها مترددة, فقلت أتعجلها لأنهي ذلك الموقف السخيف : وبعد؟
ابتلعت ريقها بتوتر : لقد.. لقد قرأت تحقيقك الأخير وعرفت ما حدث لأيمن, وحزنت كثيرا لأجله
قلت وأنا أهز ساقي ضجرا : سأبلغه مدى حزنك وأسفك, أهناك شيء آخر؟
قالت : بلى, كنت أود أن تساعديني, ... أريد أن أعود اليه
قلت بدهشة حقيقية : ماذا؟!!! وزوجك؟!!
قالت بتوتر : لقد انفصلت عنه, ألم يصلك الخبر؟
قلت : لا أهتم كثيرا بالأخبار الفنية خاصة لو لم تكن تعنيني
وماذا عن الأفلام والكليبات؟!! هل تخليت عن كل هذا ببساطة؟ أم أن المنتج السينمائي الشهير اتضح أنه تاجر شاطر وصفقاته دائما مربحة, يحصل على البضاعة بأقل الأسعار ويتخلص منها بأقل الخسائر؟
قالت بانكسار والدمع في عينيها : بحق الصداقة القديمة لا تقسي على, لقد دفعت الثمن غاليا, بل أغلى مما تتصوري
قلت بجفاف : وما هو المطلوب مني الآن؟
قالت : أتمنى أن تكلمي أيمن ربما..
هتفت بدهشة : ربما ماذا؟؟!! آه, فهمت, لجوئك الى الآن يعنى أن محاولاتك مع أيمن فشلت تماما, ولا يريد الرد على اتصالاتك ولا يريد أن يستمع اليك,
اذا فأنا آخر ورقة لديك؟
قالت ببكاء : أنا لازلت أحبه, أحتاج اليه أكثر من أى وقت مضى
قلت ببرود : أنا حقا أشفق عليك, لقد تخلى عنك الجميع وتساقطت أحلامك دون حتى أن تستطيعي الإمساك بها
ولكن لا شيء بيدي لأفعله, فأنا أحترم كثيرا قرارات أخي واختياراته, كما أحب أن أخبرك بشيء مهم من أخلاقه وطباعه
قلت بقسوة : أخي لا يأكل أبدا من فتات غيره
انهمرت دموعها أمامي بغزارة ورحلت كسيرة بصمت دون أن تستطيع النظر الى
لم أستطع أن أشعر بالتعاطف معها أبدا
وعندما غادرت المكتب هتفت بغيظ : يا الهي, يا الهي, أهناك بشر كهؤلاء؟!!
ماذا حدث للدنيا؟!! أين المطالبون بحقوق المرأة؟!! كيف يغفلون عن تلك النماذج المريضة
سمعت صوت ياسر الهادئ يملأ المكان : حرية الإنسان تبدأ عندما يكف عن الطمع فيما في أيدي غيره
لقد أصاب ياسر, أصاب تماما, لخص كل ما أردت أن أصرخ به
أدركت أخيرا أن الكف عن التفكير في ياسر ومحاولة الاقتراب منه هو بالفعل الذي يقربني اليه
وكلما استغرقت في العمل تماما وانشغل تفكيري كلية به
أجد ياسر متواجد باستمرار وبحضور كبير
.......................................................

لا أستطيع أن أنكر أن لياسر الدور الأكبر في المستوى الهائل الذي وصلت اليه وذلك الشعور الجميل بالرضا عن عملي
ليس هذا فحسب, لقد بدأت بالفعل في تكسير الحواجز التي بيني وبين أيمن, فقد اتبعت معه نفس الأسلوب الذي علمني اياه ياسر, أن أتفاعل معه بشكل غير مباشر
بدأت أبحث عن كل ما يحبه وأفعله دون كلام
أضع له الزهور التي يحبها في غرفته وهو نائم, وأشترى له الحلوى التي يحبها وأضعها في مكان يصل اليه
لم أشعر منه بأى تغيير أو ردة فعل, لكنني لم أتوقف وأخذت أكثر من الدعاء له في كل صلاة
أما ياسر..
حرصت بشدة على أن أحافظ على علاقة الزمالة والتواصل العقلي بيني وبينه, لقد تحددت تلك العلاقة بعدد ساعات العمل التي نقضيها في المكتب, والحديث فقط حول العمل ومشكلاته, ولا شيء خارج هذا الإطار
حرصت ألا يفسد ذلك أى تصرف أو كلمة أو شيء وان كان بريء
وعندما أفكر أن أتصل به, ألغي الفكرة تماما من عقلي, فأنا أكثر من يعرف خطوة مثل هذه يمكن أن تهدم العلاقة بيننا تماما, وتجعله يعود الى الصدود والاعراض التام عن التحدث معي
ولكن هذه المرة كنت مضطرة
لقد دفعتني الظروف دفعا للإتصال به, فلم يكن هناك غيره لينقذني, رغم يقيني أن اتصالي به قد يسيء الى صورتي في عينيه
أعلم أن ما فعلته لن يعجبه, وأنني في نظره مخطئة على طول الخط
لكن الورطة الكبيرة التي وقعت فيها والخوف الشديد الذي تملكني جعلني أتصل بالإنسان الوحيد الذي أوقن تماما في عقلي أنه سينقذني
........................................

شمس المملكة 11-11-10 01:27 PM

بااارت قصيرر

يعطيك العااااافية

dew 12-11-10 02:05 AM

على الرغم من قصر الجزء إلا أنه أعجبني جدا ..توقعت فعلا إن المكالمة عن أيمن والحمد لله إنه بخير وإنها جات سليمة ..وإن شاء الله الاكتئاب اللي يحس فيه راح يزول ..
وياسر ...أنت غريب جدا ...بصراحة شخصيتك غريبة ..يعني لما تبعد عنك البنت تروح تتدخل في مشاكلها لكن تدخلك كان في محله لأان بطلتنا الحلوة متهورة وما تعرف تتعاامل مع لسانها اللي يسبقها ...تدرين سامية شخصية ياسر مبررة لأنه واحد ملتزم ..يعني أظن إنه يتصرف من منطق الشهامة والأخوة ....
وأخيرا الوقفة اللي توقفتيها ..أشعلت فضولي ...ايش هو الشي اللي يخلي أميرة تتصل في ياسر بالذات ...أنتظر الاثنين القادم بشوق لاتتصورينه .....

شمس المملكة 15-11-10 08:05 PM

صرنا الأثنين فين البااارت ؟.....

saaamyaaa 16-11-10 01:31 AM

أعتذر عن التأخير
\العبببببد
كل عام وانتم بخير

بدأت القصة عندما كلفني زكي بتحقيق عن احدى المستشفيات الخاصة الشهيرة, والتي دارت حولها شبهات عديدة نظرا لأنها تمارس بعض عمليات نقل الأعضاء
وكان على تقصي الحقائق حول تلك المستشفى
وبدأت تحرياتي الدءوبة خطوة خطوة داخل المستشفى وخارجها
وقادتني التحريات لمعلومة بالغة الخطورة وهي أن المريض الغني يدفع للمتبرع مبلغ يصل الى مئات الآلاف, لكن لأمر مجهول لا يأخذ المتبرع الفقير سوى بضعة آلاف فقط
أين يذهب ذلك الفرق الهائل في الرقم, هذا ما أخذت على عاتقي كشفه
تتبعت أسماء المتبرعين بأعضائهم فردا فردا, فوجدت أنهم جميعا من قرية واحدة في محافظة من أكثر المحافظات ازدحاما وفقرا
وعند أهالي القرية كان طرف الخيط الذي كر وراءه كل الحقيقة
اكتشفت أن المتبرعين ليسوا بمتبرعين, بل هي مجرد أسماء لأشخاص لم يتبرعوا بأى شيء في سجلات المستشفى
بل ان بعضهم مريض بمرض مزمن لا يصلح معه أى عملية, وأحدهم مريض بفيروس سي
ما الذي يحدث؟!! وكيف يحدث؟!!
مفتاح اللغز كله في أقاويل وشائعات يتداولها أهالي القرية
انه مخزن قديم على طريق مهجور يملكه اسم شهير, هو أحد شركاء الطبيب صاحب المستشفى الشهير
ذلك المخزن هو بؤرة خوف ورعب لأهالي القرية ولا يتحدث عنه أحد الا همسا
ما سبب كل هذا الخوف؟
الكثيرين يقسمون أنه مسكون بالجن والعفاريت وحكي لي كل من ساقته الأقدار للمرور بالقرب منه ليلا عن أصوات غريبة ليلا وأضواء مرعبة
والبعض يقول أنه وكر لعصابة تقطع الطريق
أعلم أنني مجنونة لكن الإثارة أكبر من أن تقاوم, فذهبت الى هناك
وكنت أشجع نفسي بأنها فقط نصف ساعة وأعود, فنحن الآن بعد العصر ولا زال الوقت مبكرا على الظلام
نصف ساعة فقط وأعود الى القاهرة قبل الظلام
تركت السيارة بعيدا عن المخزن كما علمني ياسر حتى لا تلفت الانتباه, واتجهت نحو المخزن سيرا
عندما وقعت عيني عليه شعرت بالرعب, انه مخيف بالفعل
مبنى قديم له بوابات حديدية ضخمة وسور نصفه منهار
كان يبدو بالفعل كبيت الأشباح
ورغم كل هذا لم أستطع أن أمنع نفسي من الاقتراب, وأنا أتلفت حولي بتوتر في كل اتجاه
ياللغرابة.. لم يكن هناك سواى في المنطقة
كان المبنى المخيف يقف وحيدا في منطقة خالية من أى شيء, حتى الأرض الزراعية حوله اختفت وتحولت الى البوار
كان المبنى يشرف على طريق قديم مهمل لم يعد يستخدم بعد انشاء طريق آخر جديد بديل له, وكان الأسفلت مهترئ يمتلئ بالحفر وعلى الجانب الآخر يمتد مصرف قديم على طول الطريق غار ماؤه وأسن ما تبقى منه في القاع وغطته الطحالب والقاذورات
عبرت السور المهدم وأنا أتوقع أن أسمع من يهتف بي من أنت وما الذي أتى بك الى هنا؟!!
أخذت أرص في عقلي مجموعة من الأكاذيب المتقنة التي لا تثير الشبهات مثل : أنا تائهة, سيارتي خرجت عن الطريق الرئيسي وتعطلت على الطريق
أو كنت متجهة الى القاهرة وضاع مني الطريق بعد أن وصف لي بعض الأهالي وصفا خاطئا
هل يمكن أن ترشدوني الى الطريق الرئيسي؟
ياللغرابة, لا آدمي هنا
يبدو أن هناك ثقة زائدة في أنه من المستحيل أن يصل انسان الى هنا بعد أن تم حراسة المكان بمجموعة من الشائعات والحكايات المخيفة
دخلت الى المبنى المهجور وأنا أتلفت حولي في كل اتجاه والخوف يأكل قلبي, ولكني لم أستطع التراجع أبدا
هناك شعور جارف يدفعني لفعل ذلك ولا أستطيع مقاومته
أوقن أنني سأجد دليل ما يؤكد ظني
درت في المخزن دورة سريعة وأنا أريد أن أطير خارجه حتى لا أفاجأ بنفسي أصبحت كقاسم أخو على بابا
لم أجد شيء غير عادي, فهو مخزن قديم قذر ليس به ما يريب
تسارعت خطواتي نحو باب الخروج, لكني توقفت فجأة, فعن يميني هناك غرفة مغلقة لها باب حديدي مصمت ومغلقة بقفل كبير
ترى هل هنا سر شويبس؟!!
اتجهت اليه بسرعة وأخذت أتفحصه وأتفحص الجدران, أيضا لم يكن هناك ما يريب
تأملت سقف المخزن العالي , كان هناك فتحات في السطح,
أخذت أبحث عن سلم يوصلني للسطح, فقد تأكدت أن الغرفة المغلقة بالتأكيد لها فتحات في السقف على الأقل للتهوية
وعندما وجدت سلم حديدى ضيق للغاية يصل الى السطح لم أتردد لحظة في ارتقاؤه
فوق السطح مباني صغيرة لا تعلو أكثر من متر لها نوافذ من اتجاهاتها الأربعة وعلى الجانب خزان كبير للماء لا أفهم حقا سبب وجوده هنا, والمخزن قديم ومهجور
أخذت أدور على المباني الصغيرة أبحث عن أقرب واحدة تطل على الغرفة المغلقة
عندما وجدتها, انحنيت بسرعة أتطلع الى الغرفة المغلقة من خلال النوافذ الصغيرة
أصابتني صدمة هائلة, كنت أتوقع هذا وأكثر ورغم ذلك صدمت بقوة, كانت كل القرائن والاستنتاجات تقودني الى ذلك, بل إنني كنت أبحث عنه بالذات, لكن وجوده كحقيقة فعلية أفزعني بعنف
لا يمكن أن يحدث هذا في مصر؟!!
غرفة عمليات مجهزة في هذا المكان المهجور القذر ليس لها سوى استنتاج واحد فقط
انه نفس الاستنتاج الذي أتيت الى هنا لأجله بعد أن عرفت أن المتبرعين ليسوا بمتبرعين إنما فقط أسماء في السجلات
أما المتبرعين الحقيقيين فلا أحد يعلم عنهم شيء ولا ذكر لهم في أي مكان
أضاءت عقلي فكرة ربما تفلح, بالتأكيد لست غبية لأضحي بنفسي وأبقى هنا لمدة أطول حتى يقع المحظور, فلو أمسكوا بي لدخلت الغرفة المغلقة من بابها
لكن التضحية بالكاميرا لن تكون بهذه الخطورة
غيرت شريحة الكاميرا, وكذلك وضعت فيها حجارة بطارية جديدة, وحمدت الله أن من مميزات الكاميرا أنها تستطيع التصوير حتى 20 ساعة متواصلة
وضعت الكاميرا الصغيرة على احدى النوافذ وثبتها جيدا بشريط لاصق بعد أن وجهت العدسة الى منضدة العمليات
وغطيتها ببعض الخرق البالية ووضعت حولها بعض الزلط والأحجار, وضغطت مفتاح التشغيل
وتركتها ونزلت السلم بسرعة وخرجت من المخزن أجري على الطريق بالاتجاه الذي تركت فيه سيارتي
لكنني توقفت في الطريق عندما سمعت صوت سيارة قادمة على الطريق
لم أعرف الى أين يمكن أن أذهب, فالطريق عاري تماما من أى شيء أختبئ فيه
اتجهت الى المصرف وانزلقت على جانبه المنحدر أسفل عن الطريق حتى وصلت الى قاعه وسكنت تماما ورائحة الماء الآسن تزكم أنفي وتكاد تزهق روحي
لم أكن بعيدة عن المخزن, وسمعت صخب وأصوات كثيرة وحركة وأصوات أبواب سيارات تفتح وتغلق, وفهمت أن السيارات توقفت أمام المخزن
تسللت ببطء متجنبة أن أحدث صوتا سائرة على أرض المصرف الغائر بجوار الماء الآسن بالاتجاه الذي تركت فيه سيارتي
بدأت أشعر ببعض الأمان عندما ابتعدت عن المكان الذي به المخزن دون أن يشعر بي أحد
سرت لمدة طويلة والآن على أن أصعد المنحدر الى الطريق لأعرف الى أين وصلت وأين سيارتي؟
صعدت المنحدر بحذر شديد ورفعت رأسي قليلا أرقب الطريق وفرحت عندما رأيت سيارتي ليست بعيدة
صعدت لأصل اليها, لكننى صدمت وألقيت بنفسي ثانية الى أسفل المنحدر, فلقد فوجئت برجل غريب بالقرب منها, وأخذت أحمد الله أن ظهره كان ناحيتي ولم يراني
وجوده هنا لا يعني سوى أن العصابة وجدت السيارة وعرفت أن هناك غريب في المنطقة لذلك فهي تنتظره عند السيارة لكن يا ترى هل أدركوا أن الغريب وصل الى المخزن؟
هذا هو السؤال الذي منعنى من أن أعود للسيارة بشكل طبيعي وأدعي أنني تهت عن الطريق
بدأت الدنيا تظلم بعد أن دخل وقت المغرب وبدأ الرعب يغزو قلبي
أمسكت هاتفي المحمول لأستنجد بأقرب انسان الى
لكن مع الأسف, أخذ هاتفه يرن يرن ولا مجيب ثم ينقلب الى مشغول
عاودت الإتصال مرات ومرات وفي كل مرة غير متاح
وفهمت ما فعله, بمجرد أن رأى رقمي على الشاشة أغلق هاتفه
أهذا هو ما كنت أنتظره منك يا يحيى؟!! والآن؟!!
وأنا في هذا الموقف الصعب؟!!
ياسر في عقلي, لم يغادر تفكيري قط, تمنيت لو كان معي الآن, ولكني لم أكن لأجرؤ على الاتصال به, لم أكن لأتحمل لومه المستمر لي : ما الذي فعلتيه بنفسك؟ ما كان يجب أن تضعي نفسك في هذا الموقف
هذا هو ما سأسمعه منه بالتأكيد, بالاضافة الى تجهم وجهه واستنكاره الصامت ونظرة عدم الرضا
لن تعجبه تصرفاتي أبدا
كما أن البنت المحترمة لا تستعين بأحد سوى أهلها
والآن ماذا على أن أفعل؟ وكيف سأتصرف؟ وبمن أستنجد؟
إنه شقيقي بالطبع, وهل لي سواه؟!!
ولكن ياللغرابة, أكثر من 20 اتصال وهو لا يرد
ربما كان نائما, ولكنه ينام حتى العصر ويستيقظ الآن ليبقى طوال الليل أمام الكمبيوتر!
ربما ضبط وضعه على الصامت؟ أو يضع سماعات الكمبيوتر على أذنيه
والآن كيف أتصرف؟
عدت للإتصال بيحيى من جديد, ولازال هاتفه غير متاح
فكرت أن يحيى لا يفعل هذا الا لو كان مع صديقته علياء
بلى, هو بالتأكيد معها الآن
يوما عندما احتجته اضطررت أن أجري اتصالات كثيرة لأصل اليه ولم أجده الا عندما حصلت على رقم هاتف علياء واتصلت بها
لقد أغضبه ذلك كثيرا, ولكني الآن مضطرة
اتصلت برقمها الذي احتفظت به من وقتها ولم أستعمله, وعندما ردت أخبرتها أنني أريد يحيى لظرف طارئ لا يحتمل التأجيل
كان صوتها يحمل معه الكثير من الموسيقى والصخب ففهمت أنهما في حفل
قالت بتهذيب : حسنا سأناديه, أرجوك ابق معي حتى أجده
انتظرت على نار الخوف, كان كل شيء مظلم حولي لولا نور القمر الخافت في السماء
أخيرا عاد صوتها, ولكنه عاد ومعه الكثير من الاحباط واليأس والغيظ والرعب وهي تقول : عفوا, لا أستطيع أن أجده الآن, أعدك أن أخبره أن يتصل بك بمجرد أن أراه
انتهت المكالمة وأنا في حالة يرثى لها
وأخذت أفكر ماذا أفعل في تلك الورطة المخيفة؟
هل أعود على قدمي والطريق موحش ومظلم ويمتلئ برجال كالوحوش؟!!
بما أن رجال الأسرة مشغولون فلا أمل لدي سوى الاتصال بأمي, قد تستطيع أن تتصرف وتحرك أيمن’ أو قد تستطيع الوصول الى يحيى
رن هاتفها عدة مرات ولم ترد, قدرت أنها ربما تصلي, أو أن المحمول بعيد عنها
أخيرا ردت بعد مدة بصوت قلق : أميرة أين أنت, لم تأخرتي
قلت بقلق : أمي, اسمعيني جيدا, أريدك أن ترسلي لي أيمن أو يحيى, أنا الآن في....
خرس لساني بعد أن تملكتني صدمة قاتلة, لقد انتهى شحن الهاتف وانقطعت المكالمة, ولم أخبر أمي بعد أين أنا وكيف ترسل لي النجدة؟!!
عجزت قدماى عن حملي فجلست على الأرض
كدت أموت كمدا, لقد أضعت شحن الهاتف جريا خلف أخي وخالي
ظننت أنني لست بحاجة للإتصال بأمي, بل على الإتصال مباشرة بمن في يده مساعدتي أو يستطيع التصرف السريع
والآن أظلمت الدنيا تماما وأنا وحيدة في هذا المكان الموحش وهناك من يتربص بي
.................................................
يتبع...................................


الساعة الآن 07:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية