واقتمت عيناه ،وهو يلح في السؤال ك " لماذا ؟ من الذي ينتظرك في انكلترا ؟ هناك رجل آخر ؟ أنك تكذبين علي " وصارت عينا دابون تتوسلان اليه لكي يصدقها ، وهي تقول : " أنك مخطئ ، ايس هناك رجل اخر " وحدق مانويل في وجهها ، وأصابعه لاتزال حول مؤخرة رقبتها ، وصار يسأل : " أذن أين تسكنين ؟ لقد أخبرتني ذات مرة أنك تسكنين مع عمتك في بيتها ؟ هل لازلت هناك ؟" وأخذت دابون تتنفس أنفاسا قصيرة ، وهي تقول : " أوه ، نعم ، نعم " كان مانويل يتفحصها في صمت وهو يحاول أن يعرف أذا ما كنت صادقة أم كاذبة ، ثم قال بصوت مبحوح : " وهذه الجنيهات الخمسمائة ؟ هل هي لعمتك ؟" وسحبت دابون نفسها بعيدا عنه ، ثم قالت : " أذا كان يسعدك أن أقول نعم ، حسنا ، نعم أريدها لعمتي " وأمسك مانويل بحفنة من شعرها ، وجعلها تجفل وهو يلوي الشعر حول أصابعه وهو يقول : " أوه دابون " " قل لي ، لماذا أنت وايفون أجلتما الزواج هذه الفترة الطويلة " وتقطب حاجباه في عبوس عميق . واقتمت ملامح مانويل فجأة فأطلقها كما لو كانت ذكرى خطيبته قد أرجعته الى وعيه وظنت دابون لفترة لحظة أنه لن يكلف نفسه عناء الاجابة ، ولكنه بدأ يقول : " أن ايفون مصابة بالشلل ، ولقد حدثت هذه الاصابة بعد رحيلك بثلاثة أشهر ، ثم أجريت لها عدة عمليات جراحية ، واستغرقت هذه العمليات وقتا طويلا ، وسوف تجري لها عملية جراحية أخرى خلال أسابيع قليلة ، ولقد أظهرت بالفعل بعض بوادر التحسن ، ويعتقد الجراحون أن العملية القادمة والأخيرة سوف تعطيها الفرصة لتستعيد قدرتها على المشي "منتديات ليلاس وكانت دابون قد فهمت ما يرمي اليه ، كانت ايفون ستصبح من جديد امرأة عادية ، تستطيع أن تحيا حياة زوجية وأن تلد له الأطفال الذين هو بحاجة اليهم ليحافظوا على سلالة سان سلفادور . وأخذ مانويل الآن يسألها بصوت معذب : " احقا تفهمين ؟ اترين وراء تصرفك أي شيء غير اهتمامك الفردية والأنانية ؟" وحبست دابون أنفاسها ، وقالت : " لن يؤدي بنا هذا الحوار الى شيء يا مانويل ، ومن الأفضل أن تأخذني الى الفندق " وأطبق مانويل قبضة يده لحظة ، وأدار المحرك السيارة دون أن ينبث بكلمة ، وقاد السيارة قيادة ناعمه الى آرل ، ولم يتبادلا الحديث طوال الرحلة ، فقد كان كل منهما مشغولا بأفكاره الخاصة وعندما توقف مانويل أمام الفندق كانت دابون تحتاج الى قدر عظيم من قوة الأعصاب لتواجهه قائلة : " أشكرك والى اللقاء " وبدأ مانويل ، وكأنه يتأهب ليقول شيئا ، ثم غير رأيه ولم يتكلم ، واكتفى بأن فتح لها باب العربة بقوة ، وبعد أن ترجلت أخذ يقود السيارة بسرعة شديدة بعيدا عن المكان . |
وحوالي التاسعة والنصف مساء كان هناك طرق خفيف على باب الغرفة ، وشعرت دابون بالدهشة مع شيء من الخوف ، ولم تستطع أن تخمن من القادم ، وكانت لا ترغب في الحديث الى أي شخص آخر ماعدا مانويل ، ورغم ذلك فلم يكن القادم هو مانويل ، وسمعت صوتا نسائيا من الخارج ينادي : " دابون ، دابون ، هل تسمحين لي بالدخول " واتجهت دابون الى الباب ن وفتحته ، وصاحت في دهشة : " لويزا ! ماذا تفعلين هنا في هذه الساعة من الليل " وابتسمت لويزا ابتسامة عريضة ، وقالت ببساطة ، وهي تبرز مظروفا : " لقد جئت في مهمة اتسليم رسالة ، لقد طلب مني مانويل أن أعطيك هذا" ونظرت عبر حجرة النوم الخالية ، وهي تقول : " هل يمكنني الدخول " وأخذت دابون المظروف بأصابع مرتعشة ، مالبثت أن استعادت هدؤها ، وقالت : " أوه ، بالطبع ، ادخلي ، ولو أنني ليس لدي شيء أقدمه لك " وابتسمت لويزا ، وهي تقول : " هذا غير مهم ، أنني فقط أريد فرصة للتحدث معك برهة " وأضافت بشيء من العبوس : " هل تعدين حقائبك ؟ وهل يعلم مانويل بذلك ؟"منتديات ليلاس وأجابت دابون ، وهي تتظاهر بالابتهاج وقد ألقت المظروف في جيب بنطلونها لتفتحه فيما بعد : " نعم ، لكلا من السؤالين ، أرجوك أن تجلسي " " هل جئت وحدك الى المدينة كل هذه المسافة " واومات لويزا ، وقالت : " حسنا أنني أستطيع القيادة ، كما تعرفين ، فضلا عن أن مانويل يحرص على أن تكون جميع السيارات في حالة ممتازة حتى لا تتعرض لخطر العطل على الطريق " وتنهدت ، وقالت : " والآن ، لماذا ترحلين بهذه السرعة ؟ ألا تستطيعين البقاء لأيام قليلة أخرى ؟ لقد سمعت أن جدتي تود أن تراك مرة ثانية " واجابة دابون : " نعم ، أنني أيضا أعرف ذلك ، ولكنني آسفة ، أن ذلك غير ممكن ، وعلى أن أعود " وعضت دابون شفتيها وهي تبحث عن موضع آخر للكلام ، ثم قالت : " لقد كبرت بالفعل ، كنت تبدين طفلة من قبل " وضحكت لويزا ، وهي تقول : " أشكرك ، ولكن دعيني أقول لك بجدية ، أنني لم أحضر الى هنا للحديث عن نفسي ، ولكنني جئت لأتحدث معك عن مانويل " واحمر وجه دابون ، وهي تقول بأكتئاب : " من الأفضل ألا تتحدثي في هذا الموضوع " وسـألت لويزا : " لماذا ؟ ألا يهمك هذا الموضوع ؟" سألت هذا السؤال وهي ترقبها باهتمام : واقتم وجه دابون ، وتمتمت بارتباك : " ربما...." |
وسألتها دابون :
" هل أخبرك ، لماذا هو وايفون لم يتزوجا حتى الآن ؟" وهزت لويزا كتفيها ، وقالت : " ألمح فقط الى ذلك " واستمرت لويزا تلح : " لقد ذهب اليوم يقتفي أثرك اليوم ، اليس كذلك ؟" وقطبت دابون ، وهي تقول : " ماذا تعنين " وصارت لويزا تشرح ما حدث : " لقد حضرت اليوم الى هنا في فترة ما بعد الظهيرة لأراك ، وأخبرني مدير الفندق أنك خرجت مع أحد الشبان الى سانت مارى على الأغلب ، وعندما رجعت الى مانويل أخبرته بهذا خرج غاضبا " وبدأت دابون تفهم لماذا ذهب مانويل الى سانت مارى ، وهي تقول : " أنني أفهم الآن " وأكملت بشفاه مرتعشه : " كنت أتعجب ، هذا هو ، نعم ، وجدني " واستمرت لويزا : " ولو سألتني ، كان مانويل في حالة من الغيرة كأنها الجحيم " ولكن دابون التفتت في اتجاه آخر وهي تتظاهر بأنها منشغلة بوضع السترات الصوفية في حقيبة السفر ، واحست دابون بشيء من الضيق عندما ساد بينهما الصمت ، فقطعت ذلك الصمت قائلة : " كان الجو اليوم دافئا للغاية " وعلقت لويزا : " نعم ! "منتديات ليلاس ثم اقتربت من الفراش وجثمت على حافته ، وهي تقول : " أخبرني هل أخبرك مانويل كيف وقع الحادث لايفون " وتنهدت لويزا وهي تفكر بامعان ، ثم استمرت تقول : " الذي حدث أن مانويل سقط من فوق ظهر الحصان ، وكسرت فخذه ، وظل يعاني بعض الوقت ، واقتضى ذلك بالطبع أن يلزم الفراش وكان ذلك على عكس طبيعته " كانت دابون خلال ذلك تحملق في الفتاة بعينين تعكسان الأهتمام البالغ ، وأخذت تستحثها على الكلام . " استمري ، ماذا حدث عندئذ " وأرادت لويزا أن تغيظها ، فقالت : " أراك قد بدأت تهتمين الآن ، أليس كذلك " وعندما رات لويزا أن علامات القلق الحقيقي قد ظهرت على وجه دابون النحيل المتوتر ، توقفت عن الاغاظة ، واستمرت تقول : " آسفة ، سأكمل . كما قلت لك ، كان ذلك بعد أن شفى مانويل وغادر الفراش . حدث بينه وبين ايفون شجار عنيف حول شيء لم أكتشفه بعد . والذي حدث بعد ذلك أن ايفون خرجت الى الزرائب ومعها سوط " وحملقت دابون تجاهها في رعب ، وهي تقول : " أوه ، لا " واستمرت لويزا : " أوه ، نعم ، أن ايفون يمكن أن تصبح غاية في القسوة عندما تريد . ولسوء الحظ فان الثيران التي كانت في الزرائب في ذلك الوقت كانت ثيرانا هائجة . تنتظر أن يبتاعها أحدى الزبائن ، وكان اثنان منها قد هربا " وهنا كزت لويزا سفتها : " ولا يمكنك أن تتصوري كيف كان المشهد ، الصراخ ، وخوار الثيران" وهزت لوبزا رأسها: " لقد أنقذ مانويل حياتها ، ولكنها لم تكن تستحق أن تعيش " وقاطعتها دابون : " لويزا " واستمرت لويزا تقول : " أنني أقول الصدق ، لو أنك رأيت الضرب على ظهر تلك الحيوانات المسكينة " |
وتهدج صوتها من الانفعال ، وشعرت دابون بالدوار . كانت القصة كما روتها لويزا أسوأ بكثير مما كانت تتصور ، ووضعت ذراعها حول الفتاة المرتعشة ، وهي تقول : " لقد مضى هذا الآن يا لويزا ، ولقد دفعت ايفون ثمن ما اقترفته " ورفعت لويزا بصرها بسرعة ، وهي تقول : " هل تعتقدين ذلك ؟ هل تعتقدين حقا أنها قد دفعت الثمن ؟" وسألت دابون : " ألا تعتقدين أنت ذلك ؟" وأجابت لويزا ووجهها الدقيق يعبر عن المعاناة : " لا ، أنني لا أعتقد ذلك . على العكس ، لقد حصلت على كل ما أرادت ، أنها تعيش الآن في بيت سان سلفادور " وسألتها دابون : " ماذا تعنين ؟" واستمرت لويزا تكمل القصة . وطأطأت دابون رأسها ، ثم قالت : " لا اعتقد أن مانويل يتخلى عن ايفون لهذا السبب" وردت لويزا : " ولا أنا أيضا ولكن ذلك لا ينفي أنه ينبغي ان يصحح تفكيره في الموضوع " وهنا ارتفع صوت لويزا الرقيق المفعم بالانفعال ، وهي تقول : " ألا ترين يا دابون أن مانويل لا ينبغي أن يتزوج ايفون . أنها شريرة. أنها أكثر مكرا من ذلك ، وكل شيء ينتهي الى النتيجة نفسها .. ألا ترين أنها تحمل نتيجة ما حدث ولكنها تلومه عليه قائلة أنهما لو لم يتشاجرا ما كان ذلك الحادث ليقع " وأمسكت بيد دابون وهي تواصل : " أرجوك ألا تذهبي يا دابون ! وأبقي ودافعي عن مانويل . انسي الماضي وفكري في المستقبل " وهزت دابون راسها ، وهي تقول : " كان لطفا منك أن تخبرني بذلك ، يا لويزا ، ولا تظني انني لا أقدر لك ذلك "منتديات ليلاس أطلقت لويزا تنهيدة ، ثم خطرت لها فكرة ، فقالت : " أقول دابون ، تعرفين كما أخبرتك ـ أن مانويل كان يريدني أن أذهب الى سويسرا لمدة سنه ، ما رايك لو طلبت منه أن يرسلني الى انكلترا بدلا من سويسرا . لا أقصد بالطبع أن أعيش معك ، فأني لا أستطيع أن أتجرا على مثل هذا الطلب ، ولكن ربما لأكون قريبه لكي نرى بعضنا بعضا " وكاد قلب دابون أن يتوقف ، وقالت : " أ ، أعتقد أن هذه الفكرة ليست سليمة تماما ، ليس على الأقل الآن " وردت لويزا : " ولكن ذلك لن يكون طوال الوقت بالتأكيد ؟ أقصد ستكون هناك بعض الأمسيات نستطيع فيها أن نتقابل ، وستكون هناك بين حين وآخر عطلة آخر الأسبوع . أوه ، أنني أدرك أن لك أصدقاءك الخواص بالطبع ، ولكني أحب أن أراك أحيانا " وهزت دابون رأسها وقالت : " لا! لا أعتقد أن ذلك بالامكان ، يالويزا " وحدبت لويزا كتفيها ، وقالت : " كنت أظن أنك تحبينني " وأسرعت دابون تؤكد : " أنني بالفعل أحبك يا لويزا . أحبك ولكن بأمانه فأن الموضوع ليس هكذا أنني عندما أرحل من هنا ، لا أريد علاقات تطول أكثر مما ينبغي مع أسرتك " واستفسرت لويزا : " تقصدين علاقات مع مانويل " ووافقت دابون : " حسنا ، مع مانويل " ونهضت لويزا على قدميها ، وهي تقول : " لا أكاد أفهم ، لماذا ، واذا شئت فأنني أعدك بألا وفتحت لويزا الباب ، وهي تقول : " آسفة أذا كنت قد سببت لك بعض الارتباك " وأمسكت دابون بيد لويزا بشعور لا يقاوم ، وهي تقول : " على العكس ، أنك لو تربكيني بالمرة . أنني أيضا أشعر بالأسف " وهزت لويزا كتفيها ، وقالت : " ليس على الاطلاق . الى اللقاء يا دابون " وردت دابون وهي تبتسم : " الى اللقاء " وما أن خرجت لويزا وأغلقت الباب خلفها حتى بدأت الدموع الحبيسة تنهمر على وجنتيها . |
وعندما عادت دابون لتحزم حقائبها من جديد ، أحست المظروف في جيبها ، يذكرها بأنه لا يزال هناك . وفتحته بأصابع مرتعشة ، فسقطت منه جذاذة من الورق استقرت على أرض الحجرة ، وانحنت لتلتقطها على مضض . كانت أذن دفع ( شيك ) قابل للسحب بمبلغ خمسمائة جنيه على أحد المصارف الأنكليزية . وبينما كانت تحمل حقائبها الى السيارة في الصباح التالي ، دق جرس الهاتف في الكشك الواقع في الردهة محدثا بعض الضوضاء ، واتجه السيد ليون ليرد على الهاتف ثم ناداها على الفور : " أنه مكالمة لك يا آنسه ، من انجلترا" ومست قلبها قشعريرة من شر منتظر ، وجذبت الهاتف من السيد ليون ، وقالت لاهثة : " نعم ، نعم ، أنا دابون من المتكلم " وجاءت الاجاية : " دابون ! أنت التي تتكلمين ؟ أنا السيدة رينولدز " كانت السيدة رينولدز . أحى جارات العمة كلارى ، وبدات وساوس دابون تتحول الى خوف حقيقي ، واستفسرت : " نعم يا سيدة رينولدز ؟ ما الخبر ؟ هل حدث شيء ؟" كان صوت السيدة رينولدز يحاول أن يهدئ من روعها ، وواصلت تقول: أرجو ألا تهلعي ، يا دابون . أن الأمر ليس خطير يا حبيبتي . لكن عمتك زلت قدمها في الحديقة فسقطت ، وكسرت ساقها . لا تقلقي ، هي ليست في المستشفى ، ولكن بالطبع هي تعجز الآن عن أن ترعى الطفل " كان خبرا مزعجا أن تصاب ساق العمة كلارى ، ولكن دابون شعرت شعورا غامرا بأن القدر كان رحيما ، وأجابت على ملاحظة السيدة رينولدز ، بقولها : " بالطبع أنها لا تستطيع ذلك الآن "منتديات ليلاس وبدأ صوتها يعبر عن شعورها بالامتنان لرحمة القدر : " ولكن اطمئني يا رينولدز أخبريها أنني عائدة الليلة . لقد بدأت استعد فعلا للرحيل ، وسيكون بوسعي أن أرعى جوناثان بنفسي " وعبرت السيدة رينولدز عن رضاها بضحكة خافته ، وهي تقول : ستكون مطمئنة تماما ، يا دابون ، حسنا سوف أذهب أذن . الى اللقاء " وردت دابون : " نعم ، نعم ، بالطبع ، أشكرك على الأتصال بي " وجاء صزت السيدة رينولدز : " هذا حسن يا دابون . الى اللقاء " وأجابت دابون : " الى اللقاء " وأعادت دابون السماعة ، وبينما هي تفعل ذلك أحست بشبح يظلل الكشك الصغير ، ولم تكد تحس بذلك الاحساس حتى كانت يد صلبة قد امتدت الى بشرتها الطرية في كتفها تجذبها بما يشبه العنف خارج الكشك لتقابل الرجل في الخارج ، ولهثت عندما قرب مانويل وجهه الأسمر الوسيم الى وجهها ، وجعل يسألها بقسوة : " من يكون ، جوناثان أيتها الكذبة الصغيرة ؟" |
الساعة الآن 02:08 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية