لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-09-08, 03:48 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63027
المشاركات: 289
الجنس أنثى
معدل التقييم: gagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 207

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
gagui غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : gagui المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

في قبضة العملاق



تغيرت أضواء إشارة المرور إلى الأخضر.. و انطلقت السيارة مسرعة إلى الأمام.. خادعة جميع من خلفها بالذهاب في خط مستقيم بدلاً من الاستدارة يميناً لينفجر كيفن بشتائم فظة.
منتديات ليلاس
قال بخشونة: لماذا فعلت هذا؟
- أطفئ إشارة الاتجاه.
- ماذا؟
- إشارة الاتجاه في سيارتك.. أطفئها, أنتَ تسبب ارتباكاً لبقية مستخدمي الطريق.
كان الجو داخل السيارة ملبداً بغضب عنيف.
ضرب بقبضته أداة الإشارة و تعابير وجهه كبركان على وشك الانفجار.. و أخذ يبدل سرعة السيارة بحركات حانقة, و كأنه يحتاج إلى تنفيس مشاعره المكبوتة, قالت: اشتقت إلى فنجان شاي من عمتك روزي.
أدهشتها ردة فعله.. فقد راح يلقي الشتائم و اللعنات بحنق.. فردت عليه أماندا بشراسة: شتيمة أخرى كيفن.. و ألغي كل ما بيننا ! أنا..
- آسف!
- لا.. لست آسفاً!
نظر إليها بحدة: هل لديك فكرة عما فعلته بي طوال المساء؟ كنت أجلس و أنا أكاد أجن شوقاً إليك و كان عليّ أن أحسن التصرف.. و أن أعي مشاعرك..
قاد السيارة في الشارع الرئيسي بعدم تركيز, فتمسكت أماندا بالمقعد و دقات قلبها تتسارع.
كان يبالغ.. و كان يحاول التنفيس عن صدمته بمهاجمتها, و لم يكن آبهاً بما يفعله هذا بها.
- غيرت رأيي.. اصحبني إلى منزلي.. لا أريد أن أكون معك.. لا أريد..
ابتلعت غصة في حلقها فعاد كيفن يشتم و ضاعف السرعة كثيراً.
أردفت نصف باكية: لا أرغب في مواجهة غوريلا هائجة.. لا أريد.. لا أريدك بعد الآن!
فجأة عاد إلى لطفه فراح يخفف من ثورتها بصوته الذهبي: مهلك حبيبتي.. هيا الآن.. أنا آسف. أكرر ذلك كثيراً و لكنني فعلاً.. آسف.. لا تبكي حبيبتي.. سأشعر أنني نذل حقيقي إن بكيت.
شهقت أماندا: أنتَ فعلاً نذل.
وافقها الرأي: بل أنا كل ما قد تنعتيني به.
هدأت قيادته كما هدأ غضبه, ثم تنهّد تنهيدة عميقة و عقد ذراعه حول كتفيها و قال بهدوء: تعالي.. ضعي رأسك على كتف كيفن و أعدك بأن أكون ولداً طيباً كما ربتني أمي.
تركته يشدها إليه بتردد ثم استسلمت لضغطه الرقيق, و أراحت رأسها على كتفه.. يا لها من كتف عريضة دافئة ثابتة و..
تمتمت لتبلغه أنها لم تسامحه بعد: متوحش!
- اتخذت قراراً بألا أجادلك مرة أخرى.. لا أحب رؤيتك باكية.
شعرت بالرضى فاندست بين ذراعيه أكثر و أكثر و راحت تراقبه يقود بيد واحدة بكل كفاءة..
قالت: اشتقت إليك و أنا مسافرة.
أمرها متجهماً: لا تتفوهي بشيء.. دعيني أركز حتى نصل إلى منزلي سالمين هه؟
كورت شفتيها حرداً: أردتك أن تعرف.. هذا كل شيء.
- أماني..
أجابت حانقة: أحاول أن أصمت! ألا تظن أنني مثلك فقدت توازني بسببك.
ارتفع رأسها عن كتفه: من المفترض أننا شخصان ناضجان, مثقفان, فكيف نخضع هكذا لمشاعر بسيطة..
- لا شيء بسيط فيما نحس به أماندا.
شهقت أماندا: لكنني لست معتادة على هذا.
تنهد: هذا ما تدأبين على قوله.
أدار كيفن مقود السيارة بحدة فارتمت أماندا مجدداً على كتفه, و لكن تلامسهما لم يكن مريحاً. ثم نظرت من الزجاج لترى سبب تحوله المفاجئ.
كانت السيارة تسير بهما عبر البوابة الخشبية المرتفعة إلى منزله, و أنوارها تشع على أبواب الكاراج الذي انفتح أحدهما إلى الأعلى و هما يقتربان.. أدخل كيفن السيارة ثم أوقفها و أطفأ المحرك, و نظر إليها ثم قال ما صعقها: أماني هل تتزوجينني؟ أريد الرد الآن.
نظرت إليه فاغرة فاها لا تقوى على التفوه بكلمة, فقد توقعت كل شيء و أي شيء إلا هذا..
عاد اليأس يردد بيأس: تزوجني.. لا أستطيع البقاء على هذه الحال فمنذ رأيتك تبدّل كياني كله وانقلب عالمي رأساً على عقب و لم يعد بمقدوري القيام بأي عمل.. أشعر أنك سددت علي أنفاسي و حياتي فرديهما إليَّ أرجوك.
وقعت كلماته الغريبة على قلبها كالصاعقة و راحت تنظر إليه بمزيد من الحيرة.. و لكن لِمَ لا.. أليست هذه هي حالها؟ ألم تنقلب حياتها رأساً على عقب منذ تعرفت إليه؟ ألم تعجز حتى الآن عن التفكير في أحد سواه أو في شيء آخر غيره؟
اقترب منها يلمس وجنتها برقة و كأنه بذلك يريد التخفيف من وطأة الصدمة عليها.
- ماذا حبيبتي.. نعم أم لا..
فجأة وجدت لسانها ينحل من عقاله: نعم..نعم.
إنه أفضل قرار تتخذه.. فما تشعر به تجاه شيء غريب لم يسبق أن عرفت مثله...
تنفس كيفن الصعداء و لاح على وجهه بسمة نصر و فرح: غداً, غداً نتزوج.
- أبهذه السرعة؟ لا أرجوك.. أريد أن أطلع عائلتي أولاًً و أن أدعوهم.
- ماذا؟ و أبقى منتظراً طوال هذه المدة؟ لا.. غداً نتزوج مدنياً و لكن أعدك أن يكون لنا زواج كنسي مميز تدعين إليه من ترغبين في دعوته.
ارتفعت يدها إلى رأسها بحيرة.. ما هذا الرجل! لقد ضعضعها حتى باتت عاجزة عن اتخذ أي قرار..
قالت بتردد: لكن...
لا تعترضي! ليتك تعرفين ما أشعر به.. أريدك معي .. أريد أن أستيقظ صباحاً لأراك.. أريدك معي في الصباح لنتناول الفطور معاً.. أريدك معي طوال الوقت و في أي وقت فراغ.. كفى الآن! سأعيدك إلى منزلك..و غداً في التاسعة صباحاً أمر بك.
- بل في الحادية عشرة, دعني أستعد قليلاً.
قال بنفاد صبر: حسناً.. الحادية عشرة..
ثم عاد يقود سيارته إلى منزله و لكن الصمت ران خلال هذه المدة القصيرة و كأن كل واحد منهما لا يصدق ما اتخذاه من قرار.
في تمام الحادية عشرة قُرع جرس شقتها و كانت هي في غرفتها تتأمل فستانها الوردي الجميل الذي انساب برقة متناهية على قدّها الرشيق و كان وجهها مشرقاً رغم الأرق الذي اجتاحها ليل أمس.. لا تدري كيف تهورت هكذا وزجّت نفسها في المجهول.. و لكن هل كيفن مجهول بالنسبة إليها حقاً.. إنها تشعر أنها تعرفه منذ الأزل و تشعر أنه الرجل الذي طالما انتظرته..
عند انبزاغ الفجر قررت أنها لم تتهور البتة بل خضعت لمشاعر لا يمكنها ردعها أبداً..
عاد الجرس يرن ثانية إنما بقوة أكبر.. فهرعت من الغرفة لتفتح الباب و كان هو واقفاً و الغضب يلوح على وجهه: لماذا تأخرت في الرد...
كتم غيظه و أضاف: خلتك رأيك و لكن ما تراه عيناي تثبتان العكس.
راحت نظراته تتأملان وجهها الجميل ثم انتقل إلى الفستان الوردي الذي التصق بها بجمال أخّاذ يكاد يخطف أنفاس المرء..
- هل أنت جاهزة؟ إذ لا أمان لك إن بقيت هنا لحظة أخرى..
ضحكت بفرح و صاحت به: أنا جاهزة..
ثم انطلقا.
في وقت متأخر من ذلك اليوم عادا زوجاً و زوجة.
الآن زالت الحواجز و الموانع.. و انفتح الباب على مصرعيه لهذه المشاعر التي تعصف بهما.
ما إن أصبحا أمام المنزل حتى سألته بتردد: أيمكن أن إلى المنزل بدون أن نزعج عمتك؟ لا أظنني أطيق الاجتماعيات الضرورية الليلة.
- نستطيع بالتأكيد.
مد يده يمسكها.. فأطلقت نفساً مرتعشاً, ثم أمسكت يده الكبيرة و وضعتها على خدّها فاستجاب لها بأن أدار وجهها إليه و عانقها بلطف.
خرجا من السيارة بصمت, و التقيا أمام باب الكراج حيث تعلقت بذراعه ثم سارا معاً إلى المنزل.. فتح كيفن باباً خلفياً صغيراً و اقتادها إلى درج قصير أفضى بهما إلى الطابق الأول.. ثم دخل بها من باب آخر أوصلهما مباشرة إلى مطبخ رائع.
أجاب رداً على سؤالها الفضولي الذي لم تسأله: المنزل مقسوم إلى قسمين.. في الأصل كان المنزل كله ملكاً لعمتي روزي.. و هي حقاً عمتي.. تقريباً.. فهي أخت أبي غير الشقيقة.. ورثت المنزل من والدها و عاشت فيه عشرين عاماً ثم ظهرت أنا على المسرح.. و كان ذلك منذ خمس سنوات.. جئت من نيويورك أبحث عن مكان محترم أستخدمه كاستديو للتصوير, فكان أن زرت العمة روزي.. زيارة واجب.. فهي قريبتي الوحيدة التي ما تزال على قيد الحياة.. إنها أخت أبي من أمه.. شعرت أن عليّ أن أقابلها قبل.. على أي حال.. وصلت فوجدت عارضة للبيع معلقة في الخارج.. ثم قابلت هذه السيدة العجوز ذات الوجه المحب و كلبها الغبي, و لكنها كانت حزينة لأنها ستخسر قريباً المنزل الوحيد الذي تعرفه.. مع أنها حاولت ألا يظهر هذا عليها.
شعرت أماندا بالسعادة لمراقبته و سماع صوته الذهبي العميق يحدثها بصدق.
- كانت تنوي البيع و الانتقال إلى ما تسمونه أنتم الإنكليز, بمأوى العجزة.
أظهرت إشارته رأيه بهذا: عندما كانت تحدثني عن أمر البيع عنّت لي فجأة فكرة.. اقترحت أن أشتري المنزل منها, و لأنقذ كرامة العجوز أقنعتها أنني بحاجة إلى من يعتني بي.. لأختصر الحديث.. أعطيت العمة نصف الطابق الأرضي كشقة مستقلة لها..أما القسم الآخر فهو غرف الاستقبال الرسمية التي أقيم فيها حفلات استقبال ضرورية.. أما قاعة الطعام فقد وضعت يدها عليها لأنها قررت أن تطهو لي العشاء, قالت بإصرار إن على رجل ضخم مثلي أن يتقلى وجبة طعام لائقة و قررت أن من واجبها أن تقدمها لي..
و عادة أتناولها في غرفة الطعام لأنني أرفض السماح لها بصعود الدرج.. أما هنا فلدي الاستديو و الغرفة المعتمة و المكتب, و ما إلى ذلك...
أشار إلى المطبخ الخاص ثم قدم لها كوب قهوة يتصاعد منه البخار, و وضع كوبه على الطاولة قبل أن يجر كرسياً بقدمه و يجلس عليه.
- هذا مطبخي الخاص في شقتي الخاصة. لدي مدخلي الخاص أدخل منه و أخرج كما أشاء, و هناك الباب الرئيسي الذي دخلت منه المرة الفائتة و لكن العمة تسيطر عليه فهي لمعلوماتك فضولية .
- ألم تخبرها بأمر زواجنا؟
- لا, فقد خفت أن تغيري رأيك..
ضحكت عندما رأت ما علا وجهه و عرفت أنه عاش ليلة أرقة أيضاً.
- يا للمسكين!
ترى ما دعته العمة.. نعم .. دب كبير..
أضاف: تحب العمة أن تعرف ماذا يجري في الاستديو و تحب أن تعرف من يأتي و من يذهب, و هي بذلك تظن أنها تحافظ عليّ.. لكنها تصاب بالهلع ما إن تبيت ليلة ما بمفردها.. لذا تقفل الباب الأمامي بالرتاج حين يخرج الجميع, و يبقى لها لاكي لمرافقتها و هو حارس جيد.
تذكرت أماني الكلب الضخم و هو متمدد على أسفل الدرج فابتسمت لأنه يبدو كسولاً جداً.
- ثم هناك نظام هاتف الداخلي الذي ركبته للمنزل لتستطيع مكالمتي متى احتاجت إليّ.
قالت أماني بلطف: أنتَ نِعْمَ المأوى لها..
تابع كيفن قوله: تعرضت للسطو مرة.. و لهذا قررت البيع.. و بسبب التهاب مفاصل وركها أيضاً.. من حسن الحظ أنني جئت في الوقت المناسب.
فهذا المكان مناسب لأنه يقع في وسط لندن حيث يسكن معظم زبائني.. و هو خوّلني الحصول على مركز عمل و على شقة في آن واحد.. و الواقع أنني والعمة روزي نتفق جيداً. تستقبل رفيقاتها عدة مرات في الأسبوع, و إذا تمكنت أنزل لأجالسهن و أفتنهن قليلاً.. و كم يعجبها ذلك.. إنها تزهو بي و تفتخر و لكنها بالمقابل لا تزجّ أنفها أبداً في حياتي.
- ألا تؤنبك على تصرفاتك و فسادك؟
- لا.. إنها لا تؤنبني أبداً.
ارتشفت أماني قهوتها بعدم رغبة .. فقد كانت نظرته إليها دافئة و بدأت قشعريرة تتلاعب بأعصابها.
- أماني..
قفزت ما إن نطق اسمها.. ثم ضحكت بقليل من التوتر: أنا خائفة .. هذا جنون.. أليس كذلك؟
قال: لمَ الخوف؟ ألست زوجتي ؟ و نظر إليها بتملك.

استغربت لفظة زوجتي فردت بصوت أجش: لم أعن هذا.. أظنني خائفة منك.
و ضحكت ضحكة غريبة.. فارتفع حاجباه الذهبيان:
- مني أنا؟ لست العملاق غوليات الظالم.
سألت: لا؟
ضحك ضحكة مخنوقة لم تكن مرحة و لا ساخرة:
- لا أصدق كل هذا أماني..
امتدت يده إلى مؤخرة عنقها ليجبرها على النظر إليه:
- أماندا.. الحب يمد الجسور بين كل الاختلافات الجسدية.. حين تجتمع كل روابط الحب و الرغبة و الاهتمام و الرعاية..
قاطعته في محاولة للظهور بمظهر الخبيرة: بكل تأكيد.
تفرس فيها لحظات: هل سبق أن أحببت؟
- وقعت مرة في ما ظننته حباً.
تنهد: فيما ظننته حباً.. ماذا يعني هذا يا ترى؟
تنهّدت تنهيدة أخرى فجذبها إليه بحزم.. ثم أمسك يدها التي وضعها على صدره حيث كان قلبه يخفق بقوة على راحتها: أتشعرين بهذا؟ أتذكرين العناق الذي تبادلناه في السيارة قبل أن تسافري؟ في ذاك الوقت لم تشعري بالخوف مني.. كانت خفقات قلبك تماثل خفقات قلبي..
هزت رأسها باستحياء.. ثم نظرت إلى عيني كيفن.. و قالت: ضمني إليك.
و كان توسلاً غريباً.
شعرت بصدره يتحرك صعوداً و نزولاً ثم تمتم: اللعنة.
و ضمها إليه يسحقها بكل قوته.
همست: كيفن.
ابتعد بحدة عنها ليلتقط أنفاسه ثم راحت عيناه تحرقانها..
عادت إلى أحضانه سريعاً.. فالآن سقطت القيود والحواجز و أصبحا شخصاً واحداً متناغماً..

* * *
سألها برقة: هل أنتِ بخير؟
هزت رأسها بحيث لامس شعرها ذقنه. و تحركت أهدابها كالحرير الناعم على بشرته..
قالت: لم يسبق أن شعرت بمثل هذه المشاعر.
أخفض رأسه ليرى وجهها و ليقرأ أفكارها لكنها لم تترك له فرصة فقد ضغطت خدها على صدره, فضحك متأثراً بخجلها.
- أنتِ مميزة عندي.. حلوتي أماندا.. بعد سنوات طويلة من رفض أية علاقة برجل, اخترتني أنا فلماذا؟
ابتسمت لهذا: أنتَ الآن زوجي وهذا ما هو حقيقي.. و ماذا عنك؟ لماذا جعلتني استثناء لقاعدتك؟ فهمت أنك لم تحاول التعرف إلى من تصورهن..
لكنك لا تشبهين أية واحدة منهن.
- لكنني من العالم الذي تحتقره, ذلك العالم البراق الغارق بالغرور و التبجح.. لماذا كيفن؟
- إنه القدر.
حاول صرف نظرها بمداعبة شعرها و لكنها أبعدت يده و رفضت رده.
فأضاف: لأنه إغراء لا يقاوم لأحاسيسي.
- أقرب من هذا.
- حسن جداً.. أستسلم.. ما الذي جعلنا نخترق ذاك الحاجز الذي طوقنا نفسينا به؟
همست: هذا.
ضمته بشدة فمادة الأرض بهما إنما بدون إثارة.. كانت ضمة حنان تعني فيها الحب دون أن تتلفظ به, مع أن كلاهما شعر به.. يبدو خلفهما, ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن نفسه.
كان كيفن يرتجف و لكنه أخفى اضطرابه.. و لم تمانع أماندا في مراوغته.. فهي تعرف و تفهم دون الحاجة إلى كلمات تؤكد ذلك.. فالكلمات موجودة تطوف في الهواء حولهما.. فالحب وحده هو ما جعلهما يكسران ما اتخذاه قاعدة في حياتهما.. و هو سبب سفر أماندا لتفهم جذور الصدمة العميقة التي أعمت بصرها, صدمة الوقوع رأساً على عقب في حب رجل قابلته لمرة واحدة.
تثاءبت أماندا, و تكورت على صدره.. دلّت تقطيبة على تفكير عميق و لكنه عاد يعانقها بشوق و حب.
- نامي الآن, و سنكمل الكلام صباحاً.
نامت و استيقظت و هي لا تزال معه على السرير.. شعرت بأنها قريبة منه مكاناً و روحاً, ثم جاء الفطور حاملاً معه كلاماً سهلاً, تافهاًُ و مزاحاً و نكاتٍ.. قالت و هي تأكل التوست مع القهوة: قررت التدرب على المسرحية.
لم يعلق.. لكن استرخاء عضلات فكه أفهمها أن هذا ما يريده.
تابعت: سأتسلل من هنا قبل وصول العاملين لديك.. فقد يسيئون الظن بنا.
قال بتعجرف: سنعلن للملء أننا زوجان.
- و هل ستفرح العمة روزي؟
- بالتأكيد.. لقد أحبتك!
و تلقى لكمة مزاح على ذقنه.. و هذا ما بدأ معركة انتهت بهما على أرض المطبخ.. و بقيا هكذا, يتبادلان الضحك بغباء.. لكن باب المطبخ انفتح عن غير توقع فصدمهما ذلك.
شهقت أديث التي نظرت إليهما بدهشة: أوه!!
قال كيفن بهدوء: إذهبي من هنا أديث.
رفرفت المسكينة عينيها مجدداً و امتقعت وجنتاها بلون قرمزي, ثم هربت تاركة وراءها صمتاً لم يكسره سوى انفجار أماندا بضحك هستيري منخفض. قالت ساخرة و هي تكاد تختنق من الضحك: سقطت هالتك! لن تنظر أديث إليك النظرة ذاتها بعد اليوم!
- لم أكن قط ناسكاً.
ثم بدأ يلعن لسانه لأنه رأى ضحكتها تنزوي.. تنهد تنهيدة ثقيلة: لم أقصد هذا كما بدا كلامي.. أنتِ المرأة الوحيدة التي ضبطت معي في مثل هذا الموقف و في هذا المنزل أماني.
- و هل هذا استثناء آخر للقاعدة؟
نظر إليها مفكراً, ثم رفع نفسه يجذبها معه ليقفا: سأذهب لأعرف ما الذي حملها إلى هنا في هذا الوقت الباكر.. و سأنشر عندئذٍ خبر زواجنا.
و خرج.
عندما عاد وجدها مرتدية فستانها الوردي الذي ارتدته بالأمس و وقفت قرب النافذة في غرفة الجلوس تراقب لاكي و هو يلعب في الحديقة بجذل الكلاب.
قال يشرح لها عند الباب: أرادت التقاط صوراً خاصة قبل موعد العمل.. و جاءت إلى المطبخ لتأخذ الإذن مني.
هزت أماندا رأسها بدون ترد.
قال ببرود.. و قد ذهب السحر الذي كان بينهما :
سأصحبك إلى منزلك أماندا لتجلبي أغراضك فقد أصبح البيت بيتك.
- أجل.. أرجوك.. و أنا بحاجة أيضاً للاتصال بكايس لأعلمه بعودتي و لدفع مسألة التمرينات إلى الأمام.
كان يسد الباب.. و لم تستطع النظر إليه.. لم تكن معتادة على هذا النوع من الوداع.. كان خداها محمرين و تحس أنها بلهاء جداً.
سمعته يتمتم.. بصوت خرج من أعماق صدره: أعتقد أننا قد نوضب الحقائب معاً.. لكن إن كنت تفضلين..
ارتفع رأسها و عيناها تعكسان تسارع قفزات قلبها.
راح يدور في شقتها كمن يريد شراءها.. و راقبته أماندا بتساهل فهو يبدو بهذه الكنزة الواسعة و هذا الجينز الباهت منسجماً مع صورته الفنية.
كان قد عاد للتو, ففي الصباح أوصلها ثم عاد إلى مشغله ليعمل ساعتين.. و في هذه الفترة استحمت أماندا وارتدت سروالاً من القماش و كنزة خضراء. بدوت عفوية ولكن أنيقة.
سأل: ماذا قال كايس عن قرارك؟
- لقد.. لقد أذعن!
نظر إليها من فوق كتفه, و تمتم: همم!
- و ماذا تعني بهذا؟
- ما قلت بالضبط .. همم.. هل لي أن آخذ بعض هذه التسجيلات معنا؟ لم أتصور للحظة أنك من محبي هذا النوع من الموسيقى أماندا.. لديك مجموعة رائعة.
حذرته بصوت هادئ: كيفن! ماذا عنيت بهمم؟
لم يرد للحظات و تابعت أصابعه العبث بالشرائط المسجلة.
- إنها تعني.. تعني.. اللعنة!
استقام و التفت إليها: أعني أنني لا أثق بذلك الشيطان الذي يحاول تغيير قرارك! أعني.. أين الإنصاف في أن ترفضي دور البطولة في فيلم أميركي فمن التمثيل في المسرح لن تجني إلا مبلغاً زهيداً.
نظرت إليه بتهجم: هل أنتَ ثري كيفن؟
صدمه سؤالها فنظر إليها بتعال.
قال ببرود : أنا مرتاح مادياً.
رددت ببطء: مرتاح.
ارتفع ذقنها بكبرياء فاقت كبريائه: حسناً.. أنا أكثر من هذا.. أنا أعمل لأنني أحب العمل و ليس لأنني مضطرة إليه.. و لهذا فرق كبير..
صمتت قليلاً ثم أردفت ببرود: ...أترى خلاصة القول إنني أستطيع أن أفعل ما أشاء و كيفما أشاء!
ضحك ضحكة غريبة: تبدين الآن مثل كايس.
ثبتت نظرها عليه رافضة التراجع: لو شئت لتوقفت عن العمل و لن أشعر أبداً بالفارق مادياً بيننا, فهل تفهم ما أحاول قوله لك؟
ابتعد عنها. عرفت أنها تتصرف بطريقة مزدرية.. و لكنها لا تريده أن يظنها امرأة طفيلية تزوجته لتعيش في ترف, ألم يخبرها كايس أن زوجته السابقة استنزفته كثيراً؟
- أحاول أن أشرح لك أمراً يعرفه كاسدي خير معرفة.
أشارت بيدها إلى خزانة تحتوي على أدوات المائدة فوقها صورتان و رفع حاجبيه متسائلاً.
لامست أحد الإطارين بإصبعها.. و قالت له بصوت أجش:
إنهما والداي.. هذا والدي هاري هاموند الفنان النمساوي.
تنفس كيفن متأثراُ: يا الله!
- و هذه أمي.
أخذ كيفن يتأقلم ببطء مع هذا الخبر, خبر بنوتها لهارولد هاموند الفنان الذي بلغ ذروة الشهرة خلال سجنه في معتقلات النازيين الألمان حيث رسم لوحات رهيبة تدمي القلب.. و هي معلقة الآن في الأبنية الكبيرة التي لا يريد أصحابها أن تغيب عن أذهان الناس في تلك الحقبة من التاريخ.
أردفت: أما أمي فهي اللايدي جينيس بريسكوت ابنة اللورد جوفري بريسكوت.
صفر كيفن لأنه تذكر اسم أحد أبطال بريطانيا الكبار في الحرب العالمية الثانية.
- عندما كان والدي شاباً يافعاً علق في ألمانيا بعد إقفال الحدود النمساوية.. أخيراً تمكن من دخول النمسا بمساعدة جدي لأمي و عاد إلى إنكلترا.. و لكن بعد هروبه, عاد يرسم بعضاً من ذلك الرعب معتمداً على الذاكرة.
صمتت أماندا تنظر إلى الصورة طويلاً في لحظة حزن.. ثم أكملت: غني عن القول.. حين قدمه جدي إلى أمي, وقعا في الحب و تزوجا.. تميل آيرين إلى الاعتقاد أن حبه لأمي خفف بعضاً من عذابه الداخلي, و أميل أنا إلى الإيمان بأنها على حق.. و لقد قتلا معاً في حادث تزلج على الجليد منذ خمس سنوات.
هز كيفن رأسه متذكراً ما قالته الصحف: و من هي آيرين ؟
- إنها شقيقتي.
أخذت أماندا الصورة الثانية و قربتها منها مبتسمة بمحبة: إنها أكبر مني بست سنوات, و تحب أن تسميني غلطة أمنا الصغيرة, لكنها لا تقصد شرّاً من هذه التسمية.
قال بصوت أجش: إنها تشبهك, من هذا الرجل الذي معها هنا؟
- بيدروس فيرغوس.
كرر كيفن بمحبة: يا إلهي!
- لقد أمضيت الأسابيع الثلاثة الأخيرة معهما في الواقع.. بيدروس من أهالي رودس.
لامست شفتيها ابتسامة غريبة, فلاحظ كيفن و تساءل بفضول عن سببها, و أكملت:
إنه يملك منزلاً كبيراً في أثينا بالطبع.. و معظم أشغاله تدار من مكتبه الرئيسي في أثينا, و يقضيان وقتهما هناك.. لكن بيدروس يتمكن دائماً من ترتيب وقته لنقضي العطلة معاً في رودس.
و تركتهما متسائلين عن سبب رغبتك في العودة إلى انكلترا في وقت مبكر.. ما هو احتمال مجيء هذا اليوناني الضخم إلى هنا و لعبه دور الصهر القاسي معي؟
لكنه لم يكن يمزح.
و ضحكت أماندا: الاحتمالات متساوية كما أعتقد.. إنه رجل ضخم و قوي.. بيدروس.. لديه إحساس متجذر عميق بالولاء للعائلة, إنه قادر على خنقك إن آذيتني.
- لكنه سيضطر إلى تجاوز العمة روزي أولاً.
برقت عيناها و هي تتصور بيدروس يحاول تجاوز العمة روزي.
- هذه مشكلة.
- أدركت للتو أنني قادر على التوقف عن التقاط الصور فلم يعد الأمر مهماً لأنني سأعيش منذ الآن فصاعداً على حسابك! هذه الفكرة مغرية.
- يجب أن تسألني أولاً إن كنت مستعدة للإنفاق عليك أولاً.. لكن إذا كانت الحياة العيش على مال النساء تناسبك, كيفن لوكهارت فأحذرك أنني لا أحب الكسالى, بمن فيهم الضخام الأجسام.. لذا حذار.
تحداها بكلمات فيها إنذار مبطن فتراجعت أماندا مبتعدة عنه.. كان له تلك النظرة التي تشبه الأسد المستعد للانقضاض, و تقدم خطوة مهددة نحوها, و بصرخة مرتفعة حادة استدارت و هربت..و لحق بها.
أصرّت أماندا فيما بعد, أن قبضته عليها في غرفة النوم كان مجرد سوء حظ لها و حسن حظ له.

* * *

 
 

 

عرض البوم صور gagui   رد مع اقتباس
قديم 02-09-08, 03:50 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63027
المشاركات: 289
الجنس أنثى
معدل التقييم: gagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 207

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
gagui غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : gagui المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

حبي زهرة منسية
-

نقلت أغراضها إلى منزله بدون عقبات و كان أن أقفلت أماندا شقتها ببساطة ناسية أمرها..
عمل كيفن في مشغله الذي لم يكن يغادره إلا للبحث عن القهوة.
رحبت العمة روزي بأماندا بعناق كبير ثم وعظتها بأن تكون طيبة مع ولدها الذي أصبح الآن زوجها, و على المرأة إطاعة زوجها في كل شيء.
قالت و هي تشرب معها الشاي: إنه يستحق قليلاً من السعادة أخيراًً.. فقد عاملته تلك المرآة بطريقة مزرية.
اعتادت أماندا على أن تشير العمة إلى سوان كورتيز بتلك المرأة.. و مرت الأسابيع التالية بسرعة و في هذه المدة اعتادت أماندا على النزول إلى شقة العجوز كل صباح لتشاركها إبريق الشاي, و عرفت الكثير عن المرأة الأخرى و كم عاملت كيفن المسكين بقوة.
- لقد قام بما في وسعه من أجلها.. كان مغرماً بها, يركع تحت قدميها!
انتفخ الوجه المغتاظ من تلك الذكرى.. فتساءلت أماندا عن مدى معرفة المعة روزي عن علاقة كيفن بزوجته السابقة.. أكان مغرماً مفتوناً بها أم لم يكن قطّ ؟.. لا تتصوره أبداً عبداً مخلصاً يركع تحت قدمي أحد.. ليس كيفن.. بل هي من كانت تركع عند قدميه..
أضافت العجوز: و لكنها كافأته بالخيانة و جعلته موضع سخرية أمام جميع أصدقائه.
فكرت أماندا في أنهم لم يكونوا قط أصدقاء أوفياء.


سألت: هل التقيت بها يوماً؟
ارتفع صدر العمة و هبط بحدة: عدة مرات.. فهي تأتي إلى هنا.. لتستجدي. إن كيفن ليس شخصاً يسهل خداعه ولكنها من طراز مصاصي الدماء..
- جميلة؟
ارتفعت عينا العجوز إلى السماء: لم أرى أحداً بجمالها في حياتي! سوداء الشعر, سمراء, غريبة.. نصف مكسيكية كما أعتقد. شعرها الأسود طويل و عيناها كبيرتان سوداوان و ثغرها كبير تطليه دوماً بالأحمر و هي طويلة أيضاً.. إنها امرأة متناسقة الشكل.
تمتمت أماندا: رأيت صوراً لها.
أحست بالغيرة.. فلا يمكن لكيفن أن يختار بين امرأتين على هذا القدر من التناقض.. فهل سمح لنفسه بالانجذاب إلى أماندا لأن مشاعره تجاه زوجته السابقة ما تزال عميقة؟ و هل الجروح التي تركتها فيه لم تندمل؟ ألهذا تعمد التفتيش عن نقيض لها؟
إنها فكرة مثيرة للاضطراب أرسلت وخزات صغيرة من الشك.
أردفت العمة روزي: لكنني أخاله تخلص من تأثيرها كلياً, لقد حطمتْ إيمانه بالجنس البشري.
جلست المرأتان بصمت لدقائق.. ثم أضافت العمة و كأنها تتذكر: لا تبقى طويلاً حين تأتي.. و هي ترحل بعد ساعة أو أكثر و جسدها يختال كالقطة.
أتعود من أجل المال؟ أم لتثبت أنها ما تزال تسيطر و لو قليلاً على مشاعره؟ هذه الفكرة تثير الكآبة في النفس.
لكن كيفن روى قصة انهيار زواجه بكلمات أخرى..
- التقينا حين كانت على أول درج النجومية, كانتْ تكافح لتخترق حواجز الشهرة و لكنها لم تكن تعرف أبسط الأشياء عن طبيعة العمل.. أما أنا فكنت شاباً متكبراً واثقاً من عبقريتي.. و رأيت فيها ما يكمن عندها من إمكانيات فعرضت عليها العمل, أعني مهنياً.
صمت قليلاً: استغرق العمل عليها شهوراً من الصبر.. هي ذات طبع مشاكس.. تثور غضباً دون أي سبب, و هذا أول ما كان عليّ كبحه فما من امرأة مهما كانت جميلة قادرة على النجاح في عالم الأضواء بدون الصبر.
قالت أماندا ممازحة: استخدم بعض من نصائحك لنفسك.
و قد رأته ينفجر غضباً دون سبب يُذكر و هو يعمل في مشغله.. قال منتقداً نفسه: أسمح لشيء من المزاج الفني بالسيطرة عليّ لأنني عبقري.. أما سوان فلم تكن قادرة على العمل بدون كسر أداة باهظة الثمن كلما حدث ما لا يعجبها.. علمتها كيف تسير و كيف تتكلم و اشتريت لها الثياب, علمتها كيف ترتديها.. كانت علاقتنا بريئة في ذلك الوقت.. لكن..
حملت تنهيدته ندماً حقيقياً: أعتقد من الطبيعي أن يصبح رجل و امرأة حبيبين ما داما دائماً في صحبة بعضهما بعضاً.. ثم انطلقت في علمها, و علمي معها.. و رغب الجميع في أن تعمل معه. لكن ثقتها العمياء بأحكامي كانت تعني أن تكون لي مهمة إبعاد أسماك القرش و النسور عنها.. و هذا ما سبب لي المتاعب من كل نوع لأننا بدأنا تنحرك في اتجاهين مختلفان و كانت هي معتمدة عليّ كلياً.
- ليس في اتجاهين مختلفين كلياً بكل تأكيد! فالتصوير و عمل العارضة يتفقان.
- أوه.. أجل! كان عملها.. الإعلانات و التصوير الدعائي المتهور. أما أنا فكنت أميل إلى تصوير الوجوه, و بتّ مع الوقت مطلوباً أكثر فأكثر و هذان اتجاهان مختلفان.. و لكننا كنا بحاجة إلى قاعدة ننطلق منها.. و كانت هي بحاجة إلى من يعتني بها و بأمورها.. هكذا.. تزوجنا.
سألت بهدوء: هل أحببتها؟
- حب؟ كلمة غريبة.. تغطي وراءها أشياء كثيرة, و الحقيقة أنني لم أرغب قط في تحليلها.
تلقت أماندا هذه الصدمة.
- منع الزواج الحيوانات المفترسة من محاولة افتراسها.. صدقي أو لا تصدقي.. كانت سوان في ذلك الوقت خجولة و لطيفة, لذا عشنا لحظات رائعة..
سرح في عالم خاص به للحظات: وقعت المشاكل في وقت لاحق.. حين فقدت حاجتها إليّ.. ثم في أحد الأيام بعد ثلاث سنوات من الزواج, دخلتْ إلى الشقة و أبلغتني بكل برود أنها حامل.
جمدت أماندا.. كيفن.. أب؟
- ثم أخذت تعلمني عن الترتيبات التي قامت بها لتجهض.. فذعرت..و حدث بيننا شجار فاق كل الشجارات السابقة قلت لها أشياء مجنونة مثل<< لن تقتلي أبني أيتها الساقطة المجرمة!>> فردت من قال إنه ابنك؟ عندئذٍ وقفت مشدوهاً أحاول استيعاب ما قالت, ثم راحت تقول لي أنني ساذج لأنني صدقة أنها كانت وفية لي..

ضحكت في وجهي و قالت إن هناك ثلاث رجال قد يكون أحدهم هو الأب.. فتحتُ لها الباب.. خرجتْ منه.. و صفقته خلفها!و أقفلت الباب! حاولت اللحاق بها و لكن فكرت ما الفائدة؟ دع ال***** تفعل ما تريد فكفاني منها ما رأيت.. و لكنها عادت بعد ثلاثة أيام و هي أشبه بالميتة بعد إسقاط الجنين.
صمت مرة أخرى فعقدت أماندا ذراعيها حوله و شعرت بألمه.
- لم أكره قط أحداً كما كرهتها في تلك اللحظات. طردتها.. لتأخذ معها بعد الطلاق كرامتي واحترامي لنفسي و الإيمان بأي امرأة.. و قرفي من نفسي. ثم قررت المجيء إلى لندن.. كان لدي عروض كثيرة لذا لم يكن القرار متهوراً كما يبدو.
- و هل رأيتها كثيراً منذ ذلك الوقت؟
- إنها تحط عليّ كالعملة الفاسدة بين الوقت و الآخر حاملة معها مشكلة من نوع ما.. و هي في الأغلب مشكلة مادية.. في الوقت الراهن تعيش عيشة جيدة و لكن إيراداتها تقل كلما تقدم بها العمر.. كنت أحل لها مشكلتها فتبتعد مجدداً. لم يعد في قلبي حقد تجاهها.. و ما الفائدة؟
و لكنني بشكل من الأشكال نصف مسؤول عما وصلت إليه. و الحقيقة أنها ما تزال تعتمد عليّ في كثير من الطرق و أنا أساعدها بأفضل ما أستطيع..
الغريب أن الرجل يشعر حتى بعد الطلاق بالمسؤولية نحو المرأة خاصة إذا كانت ضعيفة.
تمتم: أماني..
ارتدت تواجهه سامحة له بكل إرادتها أن يقربها منه.. ضمها إليه أكثر فأكثر و عندما سمعته ينطق باسمها عقدت ذراعها حوله.. القبلة التي وضعها على رأسها كانت بعيدة كل البعد عن أي رغبة جسدية و كأنه بها يبحث عن الطمأنينة الروحية التي تحتاجها هي أيضاً.. و تلاشت كل مخاوفها.. و عادت إليها ثقتها بنفسها.
وصل كايس بعد ثلاث أسابيع من زواجها بكيفن و هو يلوّح بإحدى يديه ورقة تحتوي على موعد بدء تمارينها و باليد الأخرى بمجلة رماها على حجرها.
قال: حسناً حلوتي.. لقد أنصفك عزيزنا كيفن بلا شك.. لديه قدرة خارقة على التقاط زبدة ما في شخص ما.. أتمنى ألا يوجه تلك العدسات إلى وجهي أبداً, لأنني أخشى ما قد يكتشفه.. إنه شيطان خطير.. سأتفقد العمة روزي التي لا تبحث عما هو مخبأ في الإنسان لأنها مشغولة بأشياء أكثر إفادة, كخبز الكيك و أشياء أخرى.
تركها في جو عابق بعطر رجالي, بحثاً عما يشبع ضرسه الحلو.


التقطت المجلة و راحت تقرأ الاسم الشهير على غلافها المصقول. تذكرت أن المقال الذي سينشر عنها موعده هذا الشهر.. و أنها بسبب ذلك المقال قابلت كيفن. لامست ابتسامة خفيفة شفتيها و فتحت الغلاف بلهفة لترى كيف صورها كيفن.. ثم استوت جالسة تحدق إلى صورتها الملونة وعدم التصديق على وجهها. فهمت أخيراً ما كان كايس يقصد قوله.
قال صوت عميق من خلفها: مادونا الفضية.
انتفضت أماندا ذعراً لأنها لم تنتبه له عندما دخل. اعترضت عليه: لا تنعتني بهذا.
مد يده يلتقط المجلة و تأمل عمله للحظات طويلة. ثم تقدم إليها و ضمها من الخلف.. و دفع المجلة أمامها:
- انظري إليها.
عندما نظرت أماندا التوى ثغرها بسخرية.
كان الفستان الأحمر القاتم الذي ارتدته عندما التقط لها هذه الصورة غالي الثمن و محتشماً و كان شعرها منسدلاً حول كتفيها.. لقد استخدم كيفن الأنوار بمكر بحيث التقط أكثر خصلات شعرها اشقراراً فشعّت كالحرير الأصيل. أما عيناها الزرقاوان القاتمتان فكانت تحدقان من وجه هادئ فاتن.. و لاح على ثغرها التواء بسيط سري يظهر أن شيئاً ما يجري وراء قناعها الساكن.
أجل.. إنها تبدو كلوحة مادونا.. لكن هناك شيء آخر.. شيء أكثر فتنة له علاقة بابتسامتها.
قال بهدوء: أمضيت ليال طوالاً أتساءل عما كان يدور في رأسك في اللحظة التي التقطت الصورة.. كان ذلك في عينيك و في ابتسامتك الغريبة على شفتيك, و جعلتني عجرفتي أرغب في معرفة الأسرار التي كنت تفكرين فيها.
- لكنك لم تسألني يوماً.
- صحيح.. أظنني كنت خائفاً من الرد.
قالت بصوت رقيق: كنت أفكر فيك.
- فيّ أنا..؟
هزت رأسها: إنه التجاذب المهلك.. نظرة واحدة و وقعت في فخك.
أضافت في سرها: بل وقعت في حبك.. هذا هو السر وراء تلك الابتسامة.
تمتم مجدداً: أنا.. ألم تعجبك الصورة؟
- إنها.. جميلة.
- بل أنتِ الجميلة! فكل ما فعلته هو البحث عما هو أساسي فيك.. ذلك الجزء الصغير الذي تحاولين إخفاءه عن العالم.
ابتسمت بحنان لعينيه العقيقيتين: هذا ما قاله كايس.. قال إنك مبدع في التقاط أسرار الجمال في شخص ما.
ارتفع حاجباه دهشة: حقاً؟ إذن لديه إحساس و بعد نظر أكثر مما كنت أظن.
- شكراً لك صديقي القديم.
إنه صوت كايس الذي علا من الباب و الذي تقدم و كأنه مالك المكان.
- هل تُصدق حظ رجل جائع؟ العمة روزي لم تخبز قطعة بسكويت! كان يجب أن أعرف أن حظي سيء منذ البداية.. كيفن يفتن أفضل ممثلة لدي و يخطفها إلى القفص الذهبي و العمة روزي لا تترك علبة بسكويت محشوة, لضيف غير متوقع.. و ذلك الكلب الغبي يحاول عضي!
بدا غاضباً بحيث اضطرت أماندا للتقدم إليه و عناقه..
أضاف: بل لا أراني قادراً على الحصول على قبلة ترضية من فتاتي المفضلة بدون أن يراقبنا أحد. المكان السيئ يعطي ذبذبات سيئة, و يفسد جهاز التلقي..و هو سيء للهضم.. سيء..
ارتفع صوتان دفعة واحدة: اصمت كايس!
أخذت أماندا دور البطولة في المسرحية . و عادت إلى المنزل مشرقة فرحة تبحث عن كيفن لتخبره.. فسألها: ما موضوع الرواية؟
كان قد عقد ذراعه حول كتفها وهما يخرجان من مشغله بعدما أرسل معاونيه إلى منازلهم.
منتديات ليلاس
- عن الارستقراطية الفرنسية الحديثة حيث لا يزال الزواج المدبر سائداً,ألعب دور ابنة الوحيدة لكونت ثري على وشك أن تتزوج من ثري يفوقها ثراء و لكنها لا تطيق منظره.. فهو متعجرف و متحفظ بطريقة متعالية و هو متأكد من قبولها و هذا ما يجعلها تغلي غضباً في أعماقها.
دخلا إلى المطبخ و هناك حضرت اماندا القهوة, أما كيفن فجلس إلى المائدة.
تبرز الرواية الضغط الذي يُمارس على البطلة من قبل عائلتها و مقاومتها لهم.
- و هل ينتهي بها الأمر للزواج به؟
- أجل.. إنما لهدف شريف.. و ذلك بعدما أركعت المتعجرف الشيطان على ركبتيه.. إنها مسرحية ذكية جريئة و فيها الكثير من الحركة التي تسيطر على المشاهد.
- و من سيلعب دور البطل المتعجرف؟
- ماتيوس آشلي.
راقبت كيفن و هو يتحول من مستمع كسول إلى زوج متملك غيور.
- آشلي شخص خليع!
- و هذا ما يقال أيضاً عن كيفن لوكهارت.
سأل: هل هناك مناظر خليعة؟
- في عمل مسرحي؟ أنتَ تمزح! كاتبها بارع لذا لن يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب الذي يسعى إلى الإثارة لضمان النجاح.
- سأحذره.. فمن المشهور عنه أنه لا يألو جهداً في إقامة علاقة مع الممثلة البطلة في مسرحياته.. و سأحذره قبل أن يبدأ المحاولة.
اعترضت قائلة: لن تقدم على شيء كهذا.
ثمّ هدأ غضبها و لكنها رغبت في إثارة النمر الهاجع قليلاً..
- ما دمت قادرة على السيطرة على غوريلا ضخم مثلك فسيكون ماتيوس آشلي مجرد لعبة.
استقام كيفن ببطء و راقبته و هو يرتد لمواجهتها بعينين صفراوتين ضيقتين.
- بم نعتني؟
- غوريلا... كبير... ضخم...
ثم ضحكت بتوتر و هي تراه يقف و مدت يديها أمامها بتوسل... و قالت ضاحكة:
- لا.. كيفن.. لم أعن هذا.. صدقاً.. كنت أمزح, مجرد مزحة!
أمسك بها عند الباب, فصرخت.. قال: أردت اصطحابك إلى الخارج لتناول العشاء, لكنني غيرت رأي..و سنبقى هنا لأريك ميزات الغوريلا.
مررت لسانها على شفتيها: حاضر كيفن.
ارتفع حاجباه الذهبيان سخرية: هل أسمع رنة خضوع المرأة في صوتك؟
- أجل كيفن.. فالقرود الضخمة الذهبية هي نقطة ضعفي, و أنا خجولة من الاعتراف بهذا.
- و ماذا عن القرود الكبيرة السوداء الشعر مثل ماتيوس آشلي؟ أهي نقطة ضعف أخرى لديك؟
رفضت الرد و نظرت إلى وجهه بعناد ساخر.
حذرها برقة: سأجبرك على الاعتراف أماني.
ردت في سرها: و أنتَ قادر على هذا.. و هو ما أنتظره..و شدت فمها بقوة.
كيفن محب مستبد, يحب السيطرة عليها بدقة الخبير المتمرس و هو يظهر لها أبعاداً جديدة من حبهما مع كل لحظة تمر.. كان حساساً, خيالياً, و قبل كل شيء صبوراً.. لم يكن ظالماً أو أنانياً.. علمها كيف تعرف نفسها بشكل كامل, و راح حبها يزهر كزهرة نادرة.
مضى الشهران التاليان و هما في نعيم و سعادة مع أن أياً منهما لم يعترف للآخر بالحب.. فلم يكن يبدو الآن مهماً.. فهو موجود بدون التصريح به.. هو مرأيٌ كلما تبادلا النظرات. أما الجميع فكان يرى هذا الحب, و يبتسم معرفة به..ثم شاع في جميع الأوساط خبر زواج المتألق اللامع كيفن لوكهارت بالجميلة الشهيرة أماندا هاموند.
تتابعت حياتهما برتابة و تجانس. كانت أماندا تذهب إلى التمارين المسرحية كل صباح و كان كيفن يذهب إلى مشغله و لكنهما كانا يطهوان الطعام معاً و يسهران معاً و يتكلمان عن متاعب يومهما و هما يحتسيان القهوة أو الشاي..
مرت الأيام بسهولة و هناء, و لم يكن هناك ما يعكر صفوهما إلا البدء بمسرحيتها.. و هذا يعني العمل ليلاً.. فهي لا تعرف كيف سيتقبل كيفن الأمر.. فلم يسبق أن تباحثا هذا الموضوع و لكن عليهما يحثه قريباً.
اليوم هو عيد مولد كيفن.. و ليس في نيتها إفساد اليوم بمناقشة ما هو جاد.. اليوم بالذات سيقام حفل صغير بالمناسبة, يحضره كيفن و كايس و العمة روزي و أماندا بالتأكيد.. عندما كانت تستعد شعرت بالإثارة طفولية تسري في عروقها.. وحدها حفلات عيد الميلاد تحمل هذه الإثارة في هذه الأيام.. إنها فكرة قالب الحلوى و كل ما يرافق الحفل من بهجة.. و سعادة مراقبة المحتفى به وهو يفتح هداياه.
وصل كايس باكراً قبل خروج كيفن من مشغله.. و في هذا الوقت كانت أماندا في الطريق لتسأل العمة روزي إن كانت بحاجة إلى مساعدة...
رن جرس الباب فصاحت: سأفتحه أنا.
فتحته فوجدت كايس بالباب و هو مرتد سترة سهرة بيضاء براقة, و قميصاً أسود.. كان معه هدية كبيرة مبهرجة الألوان يحملها في يد و في الأخرى باقة زهور.
شهقت: أوه.. هذه لي؟
أخذت الزهور منه و راحت تتنشق عبيرها بسرور مصطنع, فهي تعرف أن هذه الزهور للعمة روزي.. فكايس من أخلص متذوقي طعامها.. لكنها لا تستطيع مقاومة ممازحته.
تورد بشدة.. و بدا مرتبكاً للحظة, ثم حاول بجهد جمع نفسه و قال مبتسماً: بالطبع هي لك حلوتي! أعني لمن قد تكون غيرك؟
ومض المكر في عيني أماندا و هزت رأسها: لا..! أستطيع معرفة الحقيقة من النظر إلى وجهك كايس.. لقد أخطأت التقدير.. و لأنك لطيف لم ترغب في تخيب أملي.
بدت الراحة على محياه و لكنها أردفت: إنه عيد مولد كيفن و هذا يعني أنها له.
فقد المسكين توازنه مجدداً و قال: لكن..
- كيفن يحب الزهور.
- حقاً؟
- صدقني.. إن قدّمت له الزهور تأثر كثيراً.
و كأنما سمع اسمه فقد ظهر كيفن في منبسط الدرج في الأعلى و راح ينظر إليهما. رفع كايس رأسه إليه ثم هز كتفيه باستسلام.. وضع اللفافة على الطاولة ثم صعد الدرج و قدّم باقة الزهر لكيفن.
- ميلاد سعيد.
أجفل كيفن: لي.. أنا؟
أخذ الزهور و نظر إلى وجهه المتردد ثم نظر بعينين ضيقتين إلى وجه أماندا الذي تبدو عليه البراءة.. هز كتفيه العريضتين و تمتم: زهور...هه؟ شكراً كايس.. تأثرت كثيراً.
و قال لأماندا: عشر دقائق فقط... سأستحم و أنضم إليكم... كايس رجل دمث الأخلاق.. أشير بذلك إلى باقة الزهور! سأذهب لأضعها في الماء قبل أن تذبل.
ابتعد و هو يصفر سعيداً, و لكنه كان يبدو سخيفاً و هو يحتضن باقة الزهور الكبيرة

 
 

 

عرض البوم صور gagui   رد مع اقتباس
قديم 02-09-08, 03:52 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63027
المشاركات: 289
الجنس أنثى
معدل التقييم: gagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 207

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
gagui غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : gagui المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

إعدام الحب


تأخر كيفن نصف ساعة قبل أن ينضم إليهما.. كانا جالسين حول المائدة ينتظران قدومه فدخل مرتدياً قميصاً حريرياً عاجياً و سروالاً بلون الشوكولا . و كان يمسك بين يديه مزهرية نحاسية فيها زهور مزينة بأجمل طريقة و أروعها.. قدمها إلى العمة روزي مقبلاً إياها و شاكراً ما بذلته من عناء في التحضير لعيد ميلاده.
قالت العمة روزي بفخر: ما أجملها عزيزي كيفن!
قال كايس: خُدعت.
قالت أماندا: أنا التي خدعت!
ابتسم كيفن مبدياً أسنانه البيضاء, أما العمة روزي فأفسحت مكاناً لآنية الزهور في نهاية المائدة و هي لا تدرك معنى النكتة الدائرة بين هؤلاء الثلاثة.
كان ذلك مثالاً سارت عليه الأمسية. بعدما أكل الجميع و امتلأت بطونهم, قدمت له العمة روزي هديتها التي هي كنزة جميلة محبوكة يدوياً كلفتها بلا ريب شهوراً من الكدح بأصابعها المريضة.
ارتداها كيفن و أصر على بقائها مع أن وجهه تورد بسبب وجود التدفئة المركزية ثم قدم كايس هديته الحقيقية في صندوق مربع عميق, جعلت رقاب النسوة ترتفع فضولاً لرؤية ما في داخلها.
صاحت أماندا حالما رأت ما في الصندوق: لم ألعب هذه اللعبة يوماً! هلا لعبنا بها بعد تنظيف المائدة؟
سألت العمة روزي: أهي كالمونوبولي عزيزي؟
قال كيفن: لا.. بل تشبهها و لكنها لعبة بحاجة إلى معلومات عامة.
خاب أمل العجوز: أو.. كنت أحب اللعب بالمونوبولي .. و لكنني غير بارعة في المعلومات العامة.
قال كيفن: ستستمتعين بها.. إنها تدعى لعبة المطاردة, و هي مسلية لكنها تتطلب معلومات عامة.
جاء دور أماندا لتقدم هديتها التي وضعتها بوقار أمامه.. جلست و القلق يساورها.. و بدا أن الجميع يشعرون بأن شيئاً ما على وشك الوقوع. ران الصمت في الوقت الذي كان كيفن يفتح هديته.. كان كيفن جاداً, حركاته بطيئة, و كأنه يخاف أن ينظر إلى ما في العلبة الطويلة المستديرة. ألقى نظرة على وجه أماندا الشاحب فلاحظ أنها تجلس و يداها مضمومتان في حضنها و أنها تتجنب النظر في عينيه.. و فتح غطاء العلبة.
ساد صمت طويل مقطوع الأنفاس, فيما كيفن ينظر إلى ما في العلبة بوقار.. ثم سحب الهدية بعناية فائقة و وضعها على الطاولة ليراها الجميع.
صاح كايس بأنفاس مقطوعة: يا الله أماني.. أين وجدتها؟
ردت بتوتر: إنها واحدة من مجموعة محدودة.
لم يقل كيفن شيئاً.. كان عليها أن تقدمها له و هما بمفردهما فهي هدية محض شخصية.
- اشتراها صهري بناء على طلبي.. من نحات في رودس.
و كـأنما لم تستطع أماندا السيطرة على نفسها فمدت يدها تمرر أصابعها على التمثال الذهبي بدءاً من الرأس المتكبر نزولاً إلى الصدر الرائع فالقدمين المنفرجتين في خطوة متعجرفة فوق صخرة مصقولة.
ذكرت اسم التمثال الرائع.
- إنه كالوسوس حامي رودس.
كادت تقفز منتفضة حين مد كيفن يده يمسك بأصابعها, و يضغط عليها بشدة قبل أن يرفعها إلى شفتيه..لم تستطع النظر إليه فالخجل غلفها كلياً.
قالت: إنه أحد عجائب الدنيا السبع الذي كان يشرف على مدخل الميناء بساقيه الضخمتين.. أقامه أهل رودس تخليداً لذكرى نجاتهم من حصار دام اثني عشراً و خصصوه للإله هيليوس, إله الشمس الوثني..
و كانوا يؤمنون أن رودس لن تتعرض للأذى ما دام منتصباً, و قد بقي واقفاً سبعين سنة ثم هدمته هزة أرضية.. إنه رائع.. أليس كذلك؟
قالت العمة روزي: إنه يشبهك أليس كذلك عزيزي كيفن؟
رد كيفن موافقاً بصوت أجش: أجل.. إنه أجمل هدية تلقيتها في حياتي.. شكراً لك أماني.. سأحافظ عليه و كأنه كنز ثمين.
أرادت أن تقول: إنه هدية حبي! لكنها عرفت أن من الخطأ الاعتراف بهذا.
دعك كايس ذقنه مفكراً ثم تمتم: زكاري كافلوس هو من نحت هذا التمثال.. فهو مشهور عالمياً في نحته لأشياء كهذه.. ثمنه مرتفع أماني.
ضحكت أماني لتخفف من توترها. ما زالت يدها في يد كيفن و عرفت أنه يريد منها أن تنظر في عينيه.. و لكن خديها كانا متوردين, و في عينيها قلق و خجل لهذا احتاجت إلى شجاعتها كلها لترفع عينيها إليه.
بدا وقوراً جداً.. لكن عندما نظرت إلى عينيه الصفراوين تحولتا إلى عقيق قاتم خطفتا أنفاسها بسبب الرسالة الصامتة التي رأتها فيهما. رفع يدها مجدداً و قبّل كفها.. و كرر: شكراً لك.
التفت إلى كايس: فلنلعب لعبة المطاردة.. بإمكان أماني مساعدة العمة روزي في تنظيف المائدة.
اتهمته صائحة: متعصب! شوفيني!
شكلوا فريقين للعب, النساء ضد الرجال.. كان الرجلان واثقين أنهما سيمسحان البلاط بأماندا و العمة روزي و لكنهما لم يستطيعا الصمود أمام سيدة عجوز اكتسبت معلوماتها العامة من سنين طويلة, معلومات تعلمتها و في لا تدري أنها تعرفها.
ربحت السيدتان اللتان رفعتا أيديهما حبوراً.. بعد ذلك غادر كايس المنزل و توجهت العمة روزي إلى النوم..
اقتادها إلى غرفتهما و ذراعه حول كتفها و تمثال كولوسوس في اليد الأخرى.. وفي هذا الوقت كانا يتجادلان عن هوية من ربح الحرب العالمية الثانية: تشير شل أم جون واين.
لكن ما إن أدخلها إلى غرفتهما حتى عانقها بحنان غير معقول جعل قلبها يرقص جذلاً.
قال يمازحها و يده على خصرها: كالوسوس.. هه؟
تمتمت: أنتَ إله الشمس بالنسبة لي.
تنهد و قال بصوت مرتجف: تُشعرين الرجل بأنه مميز.. تعالي فأنا أشعر أنني باق خالداً ما دمت معي.
ياله من اعتراف بالحب.. لكن ليس الحب الذي تريد..
قالت: غدا موعد أول تمرين بالملابس الكاملة.
انتهى أول تمرين بالملابس, و كانت أماندا مرهقة.. فقد جرت جميع الأمور بالمعكوس, فما أكثر ما نسيت من الجمل التي كان عليها قولها. و ما زاد الطين بلة المشاكل التي حدثت في ديكور المسرح و الأبواب التي لم تنفتح و الإضاءة التي لم تظهر في الوقت المناسب و الوعاء الفضي الذي وقع على قدم ماتيوس آشلي الذي أخذ يعرج و هو يخرج من المسرح غاضباً.
أوقفت أماندا سيارتها الصغيرة أمام المنزل و جلست تسند رأسها إلى الوراء متنهدة بقوة.. فقد كانت مرهقة أشد الإرهاق و معدتها تتقلص و هو أمر سيلازمها حتى موعد افتتاح المسرحية, أما أعصابها فكانت متوترة توتراً يجعلها غير قادرة على الحراك. جمعت أغراضها و ترجّلت من السيارة متعبة.. و لم تفكر إلا في الجلوس في حوض الحمام الواسع في جناحها.. لذا كانت ابتسامتها للعمة روزي هشة.
رفعت عينني متعبتين و قالت: مرحباً حبيبتي.. أما زال كيفن في مشغله؟ أنا متعبة.
بدت العجوز متوترة الأعصاب بشكل غريب.
- هل من خطب؟
همست روزي: إنها هنا! تلك المرأة!
أحست أماندا بالبرد يغزو كيانها.. فثمة شخص واحد تشير إليه العمة روزي بتلك المرأة.. زوجة كيفن.. السابقة.. ماذا تريد من كيفن هذه المرة؟ شعرت برغبة في التحري عن الأمر.
- أين هما؟ فوق؟
هزت العجوز رأسها نفياً و أشارت إلى غرفة الاستقبال التي نادراً ما تستخدم: هناك.. كان عنده بعض اللباقة ليبعدها عن جناحكما.. إنهما في الداخل منذ ساعة و أكثر.. لقد تجاوزتني و كأنني خادمة.. يا لتلك السيدة المتعجرفة الحقيرة..
وضعت أماندا يداً لتهدئ روع العجوز المضطربة: لا بأس عزيزتي.. سأنضم إليهما.
بذلت أماندا جهداً لتجمع أحاسيسها المتوترة و لكنها أخيراً توجهت إلى غرفة الاستقبال و وقفت لحظة أمام الباب لتنظر إلى سروالها الرياضي الأبيض و إلى القميص الأزرق الشاحب, ستشعر بلا ريب بأنها أقل شأناً أمام العارضة الجميلة.. رفعت ذقنها تستحضر كل تدريبها القاسي الذي تتطلبه مهنتها, ثم رفعت شعرها إلى الوراء و أرسلته كالستارة على كتفيها و فتحت الباب و خطت بهدوء إلى الداخل.
صدمها الجو التوتر السائد.. كانا واقفين في وسط الغرفة يتحدثان بصوت منخفض أجش و لكن سرعان ما توقفا ما إن رأياها.
قالت ببراعة الممثلة المشهورة: مرحباً.
توجهت مباشرة إلى كيفن و رفعت نفسها لتطبع قبلة سريعة على خده و هذا ما تفعله دائماً لدى وصولها.. و لكنها وجدته كلوح من خشب.. لم يلتفت حتى.. فأحست بألم كبتته أمام المرأة الأخرى.. ابتعدت عنه متوردة الوجه و ارتدت إلى سوان التي تراقبها باستغراب.
قالت بلطف: أنتِ سوان بلا ريب.. عرفتك من وجهك.. تسرني مقابلتك.
مدت أماندا يدها و وسعت ابتسامتها, فهزت المرأة الأخرى رأسها الأنيق التصفيف و لم تتحرك لتصافح اليد الممدودة.. بعد لحظة توتر أنزلتها أماندا إلى جانبها و قالت تعرف عن نفسها:
أنا أماندا هاموند لوكهارت.. يبدو أن كيفن قد أحسن التصرف.
أضافت في سرها: و بأكثر من طريقة.. لأنه لم يعترف حتى الآن بوجودها.
قالت المرأة السمراء: سمعت بك.
جاء صوتها هامساً أملس فشعرت أماندا و كأنها أفعى تتسلل إلى بشرتها.. رفّت رموشها الطويلة فبانت عينان سوداوان غريبتان اشتهرت بهما.. راحتا تطوفان بأماندا ثم ارتدت إلى كيفن.. و تمتمت:
أعتقد أن عليّ الذهاب في الوقت الحاضر.. اتصل بي حبيبي.. بعدما.. تدبر أمورك هنا.
أجفل كيفن بحدة.. كان ملء الجو التوتر.. انتظرت المرأة رد كيفن الذي بدا غير قادر على النطق بكلمة واحدة أما أماندا فنظرت إليه بغضب حائر.
قاطعت أماندا الصمت مضطربة: اسمع.. يبدو أنني قاطعت شيئاً.. خاصاً.. سأترككما بمفردكما ثانية.. أعذراني على تطفلي.
ارتدت بحدة و توجهت نحو الباب و هي غير قادرة على التنفس.. و كانت صفعات الغضب و السخط و الإذلال تحط عليها.. ألمْ يكفها هذا اليوم و مشاكله حتى وجدت جواً مضطرباً و امرأة تنظر إليها من وراء أنفها الجميل؟ هذا وحده كاف ليفور الدم في كيانها.. عندما كانت تهمّ بإمساك قبضة الباب عاد كيفن إلى وعيه و أوقفها.
- لا!
بدا صوته متحجراً كحبل مشدود يحتك بالخشب فأثر صوته في أعصاب أماندا بالطريقة عينها.. ثم أردف بصوت هادئ بعض الشيء: لا أماني.. أرجوك انتظري..
ارتدّ إلى زوجته السابقة: سوان؟ سأتصل بك..هه؟
كأنه يتوسل المرأة الأخرى أن تفهم! فعاد الغضب يصفع أماندا مجدداً.. فأضاف بصوت أجش بسبب تردد سوان كورتيز: أرجوك.
راحت العينان السوداوان تنتقلان ما بين كيفن و أماندا, ثم هزت كتفيها النحيلتين و سارت بعدم اكتراث.
إنها فعلاً مذهلة الجمال.. دمها اللاتيني أكثر بروزاً في وجهها المثير الغاضب و ثغرها المطلي بلون الدم.
استسلمت بهدوء قائلة: حسناً.. تعرف مكان إقامتي حبيبي.. سأنتظر سماع صوتك.
ارتدت و سارت في حركة رشيقة و على وجهها قناع من النصر الساخر جعل أماندا تبتعد عن الباب قبل أن تصل المرأة الأخرى إليه.. ابتسمت سوان كورتيز بسبب هذه الحركة, ثم خرجت بهدوء من الغرفة تاركة وراءها جواً مشحوناً لم تشهد أماندا مثله قطّ.
وقفا كصنمين يصغيان إلى وقع أقدام سوان.. ثم انفتح الباب الأمامي وانغلق.. عندئذٍ أطلقت أماندا نفساً طويلاً لم تكن تدري أنها تحبسه.
قالت ببرود: حسناً.. ما كان هذا؟
لم يرد كيفن. نظرت إليه فإذا هو ما يزال في وسط الغرفة يحدق إلى ما لا شيء. بشرته الرمادية تدل على أن ما حدث قبل دخولها أفقده توازنه المعتاد.
إنها تؤثر فيّ.. قالها مرة.. أحست بنذير شؤم يأتي مع الذكرى.. لقد أثرت سوان كورتيز بكل تأكيد فيه اليوم.
دلكت جبينها بيد مرتجفة ثم دنت من كرسي جلست عليه بحذر.
تحرك أخيراً و تقدم إلى إبريق القهوة الكهربائي فسكب لنفسه فنجاناً.. كانت يده ترتجف و هو يرفع الفنجان إلى فمه. سألته بهدوء: ما الأمر كيفن؟
لم يرد.. بل اقترب من النافذة فحجب جسده الضخم نور الخارج. قال فجأة بحيث أجفلها: وصلت هذا الصباح من نيويورك.
- لتعمل هنا؟
هزّ رأسه نفياً: بل لتراني.
همست: هكذا.. إذن.
بدا أنه استجمع قواه إذ ارتدّ لينظر إليها, ثم تقدم ليجلس قبالتها:
اسمعي أماندا.. سأحاول شرح أمر ما بدون.. لا أعرف كيف أبدأ..
تلعثم مرة أخرى فضمت أماندا يديها معاً, و اشتدت أصابعها.
- لقد تكلمنا مرة عن زواجي بسوان.

هزت رأسها إيجاباً.
- تعرفين أنني وجدت صعوبة في تخليص نفسي من زواجي بها.. و تعرفين أنني أشعر تجاهها بالمسؤولية.
راقبته أماندا و كأنها لا ترى شيئاً مما حولها.
- أخبرتك بشأن عملية الإجهاض؟
هزت رأسها إيجاباً.. و لكن حدسها أنباها بأنه على وشك أن يدمر حياتها.
- هي تقارب الثلاثين الآن.. و عملها يكاد يأفل. عمل العارضة جيد ما دام مظهرها جيداً.. و سوان تذبل. في العام المنصرم قابلت رجلاً.. إيطالياً ثرياً و وقعت في حبه. طلب منها الزواج, فسبحت في السماء السابعة و وجدت أن مستقبلها بات في أمان مع رجل تحبه و تظن أنه يحبها.
صمت قليلاً, فقالت أماندا: يسرني أن تجد أخيراً من تحبه.
هز رأسه: ليس الأمر هكذا.. كان كل شيء يسير جيداً.. ثم أدخلت فجأة إلى المستشفى بسبب ألم في الزائدة الدودية.
قالت مشفقة: أنا أسفة كيفن.. لا شك أن ذلك محنة..
هز رأسه مجدداً, و عادت نظرة الألم: كانت المسألة أخطر من هذا.. بعدما معاينة دقيقة تبين.. تبين..
و لم يستطع إكمال جملته.. فمدت يدها إليه و لكنه ابتعد قبل أن تلمسه و وقف يبتعد متوجهاً إلى النافذة:
تبين أن عندها عيباً.. عملية الإجهاض.
ابتلع ريقه: عملية الإجهاض دمرت كل فرصة لها للحمل مجدداً.
- يا للمسكينة! يا لصدمتها!
أردف كيفن: تخلى عنها.. ذلك النذل القذر رافضاَ الزواج بها لأنها لن تنجب له أطفالاً! فحطمها هذا و تركها مذهولة عدة أشهر. عملت, نامت, و عملت المزيد, ثم انهارت أخيراً..
صمت مجدداً ثم قال بفظاظة: لم أعرف بهذا كله.. لم تخبرني شيئاً.. كنا دائماً.. على اتصال.. مع ذلك لم تخبرني شيئاً. كنا مقربين.. اللعنة!
أصاب غضبه أماندا بنفاد صبر.. ما يقوله قصة تراجيدية حزينة.. و لكنها تعرف أنه لم يتطرق إلى لب الموضوع.
وقفت لتواجهه بعناد, و سألت: إلى أين يقودنا هذا كيفن؟ أفهم تكدرك.. و الله أعلم أن لا أحد من البشر يحب سماع بؤس شخص أخر.. مهما كانت الظروف.. و لكنك لا تسرد عليّ ما تسرد بغية اطلاعي على مأساتها بل هناك أكثر من هذا.. فما هو؟
ارتدّ بعنف و وضع فنجانه من يده بقوة: لقد أعدمت.. انتهى أمرها! ذهب مستقبلها العملي و خبا جمالها و ولىّ مستقبلها, لقد دمّرت أحداث الماضي فرص سعادتها.. إنها بحاجة إليَّ! و أنا.. و أنا لا أستطيع أن أدير ظهري لها.. لا أستطيع!
وعت أماندا أن الأمور تكاد تصل إلى النهاية.
التوى ثغرها بمرارة و قالت ساخرة: و هذا يعني ماذا.. بالضبط؟ هل دعوتها لتقيم هنا معك؟ أهذه هي المسألة؟ دعوت سوان إلى هنا و تريد مني أن أرحب بها بذراعين مفتوحتين؟
- أنا أطلب منك الطلاق أماندا لأستطيع الزواج منها مجدداً.
- ماذا؟
حدقت إليه بذهول كامل.. و راح الصمت يطبق على أذنيها اللتين لم تصدقا ما سمعته.
نظر كيفن إليها باكتئاب و كرر بلطف شديد: سأتزوجها مجدداً.
سرى في أوصال أماندا برد شديد و هزت رأسها رافضة تصديق ما تسمع.. و لكن كيفن نظر إليها بعينين متألمتين رافضاً سحب كلامه الذي انتزع الحياة من جسدها.
تنفست بهمس مرتجف: لا.. أنتَ لا تعني هذا حقاً.
امتدت يده بتوسل و قال بصوت أجش: أنا أسف.
قالت و هي تحاول إيجاد عذر له: أنتَ مرهق.. أنتَ لا تعني ما تقول! لن تفعل هذا بي.. بنا معاً!
لا جواب.. لا شيء سوى وجه منهك يرفض التراجع.
أردفت بصوت مرتعش: لقد لفقت عليك أدواراً! رواية رائعة! و أنتَ.. أنتَ تشعر بالصدمة و الرهبة, و هذا حقك! و لكنني لا أصدق أنك على هذه الدرجة من السذاجة و الرقة بحيث تذهب بعيداً إلى هذا الحد..
- أرجوك.. حاولي فهمي أماندا..
- إنها كاذبة فاسقة مخادعة متآمرة.. و أنتَ تعرف هذا.
و لم يحاول الدفاع عن المرأة الأخرى بل وافقها الرأي: إنها كل ما وصفتها به.. و لكنني ساهمت في ما أصبحت عليه أنا الذي أوصلها إلى ما هي عليه و يجب عليّ تحمل النتائج.
لا يمكنه أن يفعل هذا بها! لا يمكنه أن يعرّضها لكل هذا! ارتفعت يدها إلى رأسها و غطّت عينيها المتألمتين, ارتدت مبتعدة غير قادرة على الوقوف لكنها عادت تنظر إليه بحد, و لكنك تحبني!
تصلب كيفن: لم أستخدم هذه الكلمة قطّ.
- أنتَ تحبني! و أنت زوجي!
ابيضّ وجهه: أريد منك الموافقة على الطلاق لأتزوجها.
نظرت إلى وجهه ملياً لتستوعب الحقيقة المكتوبة عليه.. التوى ثغرها و تحوّل وجهها الجميل فجأة إلى خطوط قاسية.. فقالت لتهزأ من نفسها: لماذا تزوجتني؟ هل الزواج لعبة؟
ارتفع صوتها مع ارتفاع ألمها و برقت عيناها بسبب دموع لاحت في مآقيها.
منتديات ليلاس
أضافت: أحببتها دائماً! بل لم تشعر قط تجاهي بشيء حقاً! كل ما كان عليها أن تفعل هو أن تدخل إلى هنا.. و..
قاطعها بصوت أجش: لا تقولي هذا أماندا.. تعرفين أنني لست هكذا.. أنا..
صاحت: لا أصدق أنك قادر على إيقاع مثل هذا الألم بي!
اهتز جسمه كله بسبب العذاب الذي رآه في وجهها, حدق مذهولاً إلى الدموع المتساقطة على وجنتيها و تأوه بصوت مخنوق: أماني.. إنها عاقر.. عاقر! ألا تفهمين حبيبتي؟ لو أوقفتها عن الخروج ذلك اليوم.. و لو خرجت و راءها و منعتها من الإجهاض لما تدمرت حياتها هكذا! طالما أدرت حياتها.. كل ناحية منها! و لم يكن من حقي سحب هذا الدعم في تلك اللحظات الحاسمة!
صاحت: لكنه لم يكن طفلك! كانت خائنة غير مخلصة للقسم الذي كنت أنتَ تقدسه! كانت تحمل طفل رجل آخر.. ثم تخلصت منه و كأنه ثوب قديم بال لم تعد تريده! كيف تلوم نفسك لمجرد شعورها بالندم على ما فعلت؟
جادلها متعباً: لا يهمني طفل من كان! تعلمت أن تتكل عليّ في كل شيء مدة أربع سنوات.. و لا أستطيع أن أتجاهل أنني السبب في ما حصل لها!
سألت بألم: و ماذا عني؟ وعما تفعله بي؟
- أنتِ قوية أماني.. و ستعيشين.. أما فهي فلا.. هي غير قوية أبداً لذا عليّ الإمساك بيدها مجدداً.
نظرت إليه عبر ضباب دموعها السخية.. و ردت لها الهزيمة نظرتها.. فاستسلمت و هبطت كتفاها اللتان سرعان ما رفعتهما مجدداً, لأن الكبرياء تغلبت على كل شيء آخر.
قالت بصراحة و ذقنها مرفوع: أنتَ غبي كيفن.. أنتَ تحبني و تنوي رمي كل شيء عرض الحائط بسبب فورة ضمير ستزول مع الصباح حيث ستشعر بالفراغ و الدمار كما أشعر الآن.. حسناً.. هذا حقك.. و لا حق لي في مناقشة قرارك.. لأنك لم تسمح لي قط بمناقشتك.. لكن عندما تصدمك الحقيقة و تدرك خطورة ما فعلت لا تسع إليّ بحثاً عن العزاء عندي.. لأنك لن تجده عندي أبداً.. سأذهب الآن لأوضب أغراضي. أما الطلاق فأنا موافقة عليه.. أرسل إليّ الأوراق متى شئت لأنني لن أقف حجرة عثرة..
سارت شامخة الرأس و لكنها رجت ربها ألا تنهار ساقاها من تحتها.
- أماندا..
انتفضت و لكنها لم تتوقف بل همست: على الأقل اتركني و كرامتي كيفن.. لقد بترت مني كل شيء آخر.
و خرجت من الغرفة.
غروب الحب
كانت أماندا توضب حقائبها حين ظهر كيفن بباب غرفتها.. استند بيديه إلى الباب منهك الوجه متألماً, متوتراً.. بدا رجلاً مشتتاً عاطفياً..
تجاهلته أماندا و راحت تنقل من الخزانة إلى الحقيبتين المفتوحتين فوق السرير.
لم تغير ثيابها.. و لم تستحم كما وعدت نفسها.. كان شعرها الأشقر الشاحب يلعب دور ستارة تخفي وجهها البارد الخالي من الدم.
لم يتكلم كيفن و لم يتحرك, بل وقف هناك يسدّ الباب بجسمه الضخم المتوتر و عيناه ضيقتان شاحبتان تبرقان بشكل غريب, و هما تلاحقان كل تحركاتها و هي توضب أغراضها. كان الجو مشحوناً بشيء لم يسبق أن شعرت بمثله إلا مرة واحدة حين قتل والديها.. و كان وضعاً طالما تمنت ألا تواجهه مرة أخرى. إنه وضع يبطئ الأحاسيس و يخدر الأعصاب بحيث يحتاج المرء إلى تركيز عميق لمجرد القيام بأبسط الأعمال.. في أعماقها كانت تشعر بالبرودة فمشاعرها مغطاة لأنها لا تستطيع التعرض لمزيد من الألم.
ما إن أنهت توضيب حقيبتين حتى أخذت حقيبة زينتها الصغيرة و حملتها إلى الحمام و هناك تابعت مهمة توضيب أغراضها الخاصة.
أصبح كيفن خلفها و كان صامتاً مكفهر الوجه يراقبها و كأنه رجل مصمم على أن يشهد استنزاف حبهما حتى النقطة الأخيرة.
لم تنظر إليه و لو لمرة, ما إن أنتهت حتى حملت الحقيبة إلى غرفة النوم متجنبة أي احتكاك به.. كانت أعصابها ترتجف بشكل خطير لأنها تعرف أن أي احتكاك به قد يطلق خيوط السيطرة التي تتمسك بها.
أغلقت الحقائب بقوة أجفلتهما معاً.. و لكن كيفن تماسك و دنا منها يريد أن يحمل الحقيبتين الثقيلتين عن السرير.. و لكنه ارتدَّ محبطاً أبيض الوجه حين ارتدت إليه أماندا و كأنها قطة شرسة.
قالت من بين أسنانها: لا تلمسها! لا تلمس أبداً ما يخصني! لقد نجحت في تلويث كل شيء.. كل شيء! فابتعد عني! سأتصرف بنفسي.. كما فعلت دوماً.
ثم ارتدت عامدة متعمدة عن وجهه الشاحب و تقدمت إلى حيث تمثال كالوسوس واقفاً شامخاً. انتزعته من مكانه و نظرت إليه باشمئزاز.
- يا إلهي.. أماني..
لكن توسله لم يلق آذاناً صاغية, فقد ارتدت و التمثال في يدها.. أما هو فضاقت عيناه.
هل يظن أنني سأحطم رأسه به؟
رفعت التمثال عالياً ثم رمته من النافذة.. فتعالى صوت تناثر الزجاج.. و وقفت أماندا مسمرة هادئة تنتظر سماع الصاروخ الذي سيتحطم على أرض الشرفة الحجرية في الأسفل.
قالت بهدوء: هذه مشكلة الآلهة المصطنعة, ليس لها روح.. تقف جامدة فيما هي من الداخل فارغة, جوفاء, تأخذ كل شيء بشراهة و لا تقدر على العطاء.
رفعت حقيبتها ثم ألقت نظرة أخيرة مريرة على كيفن الذي كان يتكئ على الجدار قرب الحمام و وجهه مستند إلى ذراعه و جسده كله يرتجف.
خرجت من الغرفة و هي تكافح للوصول إلى الأسفل بسبب هذه الحقائب.. لاحظت العمة روزي واقفة بباب شقتها قلقة, لكنها رفضت الاعتراف بوجودها.. رمت الحقيبتين في صندوق السيارة ثم عادت إلى المنزل و جلبت ما تبقى من متاعها.
وجدته في الغرفة يقف قرب النافذة المحطمة, و يداه مشدوتان إلى جنبيه يحدق إلى التمثال الملقى على الأرض في الأسفل, مقطوع الرأس.
جمعت بقيت أغراضها ثم خرجت مرة أخرى بدون أن تقول كلمة.. و عندما كانت تسير في الرواق سمعت صوت عظام تضرب الخشب, ثم تحطم الزجاج.. عرفت أن كيفن يحطم ما تبقى من النافذة بيده.
كانت العمة روزي قد تحركت إلى أسفل درجها و نظرت إلى أماندا شاحبة قلقاً.
- ماذا حدث أماني؟
وضعت أماندا أغراضها أرضاً و ابتسمت لها, فاغرورقت عينا العجوز بمزيد من الدموع. ابتلعت أماندا غصة بؤس كانت تحاول جاهدة استيعابه, و حضنت جسد العمة الصغيرة بقوة.
- لا تتكدري حبيبتي.. هذا ما يريده كيفن.. و هذا هو المهم في النهاية.
في لهجتها مرارة كبيرة.. و لكنها لم تكن قادرة على التصرف بطريقة أخرى.
حاولت الابتعاد لكن العمة العجوز تعلقت بها.

- ماذا حدث؟ لماذا ترحلين؟ لا أظن كيفن يسمح برحيلك..
قاطعتها: لا تضيفي شيئاً آخر..
وضعت شفتين باردتين على خد العمة روزي.. ثم همست:
فليسامحه الله عمتي روزي.. أما أنا فلن أسامحه أبداً.
ثم التقطت بقية أغراضها متجاهلة بكاء العمة روزي و صوت التنفس العميق الأجش,الذي أعلمها بأن كيفن الواقف فوق أمام النافذة قد سمع ما قالته.
تركت أماندا المنزل بدون أن تلقي نظرة إلى الخلف. و لكنها أخذت شيئاً واحداً أرضاها و هو توسل كيفن الحزين الذي أطلقه قبل مغادرتها غرفة النوم. لقد قال: لا تذهبي أماندا.. أرجوك لا تذهبي.
وصلت إلى شقتها فوجدت كايس هناك يستند إلى الجدار قرب بابها.. استقام حين شاهدها.
قالت: كيف..؟
- اتصلت بي العمة روزي.
آلمها ألا يكون كيفن من اتصل به.
- ادخلي.. سأجلب الحقائب من السيارة.
أعطته مفاتيح السيارة ثم فتحت باب شقتها بأطراف مخدرة, و دخلت. ارتجفت أماندا و عقدت ذراعيها حول صدرها و راحت تتنقل من غرفة إلى الأخرى و هي تشعر بالبرد و الجفاف من الداخل.
- وضعت أغراضك في غرفة نومك.
جاء صوت كايس المتأني الحذر من خلفها.. فارتدت إليه مبتسمة ابتسامة حزينة.
- فكرت في فنجان شاي.. نعم هذا ما تحتاج إليه.. فنجان ساخن لذيذ من..
- أماني..
شدت عينيها و أغمضتهما بقوة:
- أماني.. أماني.. أماني! يا ألهي أكاد أصاب بالغثيان من سماع هذا الاسم.
أتنفض جسمها كله ثم أجهشت بالبكاء.. فتقدم كايس بقلق نحوها. مدت يديها نحوها توقفه و قالت بضعف:
- أرجوك كايس.. أشكرك على مجيئك كما أشكرك على اهتمامك.. و لكن هلا ذهبت الآن؟ فأنا بحاجة للانفراد بنفسي.
ران صمت قصير, ثم صدم صوته طبلتي أذنيها فقد عاد مرحه المتأصل إليه.
- طبعاً حبيبتي.. لا مشكلة.. لا مشكلة.. إنسي أن كايس العجوز قد أظهر وجهه أبداً!
لقد جرحته وهذا ما آلمها, أضاف: سأذهب.. و لكنني راجع في وقت لاحق.. لا يمكن أن أزعج السيدة.. فالليلة الكبيرة قريبة, و هي بحاجة للراحة.
- كايس!
- حسناً.. حسناً.. أنا أسف! انظري.. انظري.. أنا ذاهب.. لقد ذهبت!
و خرج تاركاً وراءه صمتاً بارداً, أما أماندا فارتمت فوق الكرسي و دفنت رأسها بين ذراعيها على مائدة المطبخ.
لاقت المسرحية نجاحاً باهراً اهتاج النقاد, و أحبها المشاهدون.. و الأهم أن أماندا وجدت أنها قادرة على دفن حزنها في الشخصية التي تلعبها.
كانت تمثل في الأمسيات و تعود إلى المنزل لتناول عشاء خفيف.. ثم تمضي الليل و هي تتقلب و تتلوى لتبعد عنها الألم الذي تشعر به..
و كانت تتوقع في كل يوم وصول أوراق الطلاق لتوقعها, و لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.
ثم رأته في الأسبوع التالي على العرض جالساً في مقدمة المسرح في المقعد الأول من الصف الثالث.
ثم تستطع أماندا معرفة ما الذي لفت نظرها إليه بالضبط.. ربما هي مشاعرها المجروحة أو سوء حظها القديم الذي أجبرها على النظر إلى الصالة من موقعها على المسرح حيث يمكن لها أن ترى الصفوف الأولى التي تضيئها أنوار المسرح الأمامية.. ولكنها رأته فتلعثمت بالكلمات التي كان عليها قولها و هي تمثل.
في الليلة التالية كان هناك أيضاً في التي تلتها ثم التي بعدها في المعقد ذاته و المكان ذاته..و كان حجم جسمه يبرز كثيراً بحيث تعجز عن تجاهل وجهه الذهبي المشرق الذي تخفيه ظلال و الأنوار الخافتة.
مضى أسبوع على هذا العذاب الغريب ثم قررت أخيراً أنها لن تستطيع الاحتمال أكثر.. و ظهر مرة أخرى تلك الليلة التي كان أداؤها فيها ضعيفاً جعل أفراد الفرقة يتأففون. في اليوم التالي أرسلت له مذكرة وصلت إليه في مشغله تطلب فيها الامتناع عن الحضور إلى المسرح لآن وجوده يفسد أداءها.
و من تلك الليلة انقطع عن المجيء و لكن مقعده ظل فارغاً.. و كأنه شاهد ضريح حبهما الميت.
لم تعرف لماذا جاء.. و لكنها رفضت التفكير في دوافعه, و قد سبق أن أرسل لها ليلة الافتتاحية بطاقة يقول فيها:<< حظاً سعيداً.. كيفن>>, مع باقة جميلة موضوعة في آنية خزفية عرفت أنه من رتبها.. لكن عدا هذا, لم يكن هناك اتصال بينهما, و لم يحدثها كايس عنه قطّ مع أنه يزور العمة روزي دائماً.
في الأسبوع السابع على عرض المسرحية و بالتحديد بعد ظهر الأربعاء سمعت رنين جرس باب شقتها.
فتحت الباب ثم وقفت تنظر فاغرة فاها إلى الزائر. سألها صوت ساخر:
- هل لدى السيدة اللطيفة شراب لمسافر متعب؟
صاحت: بيدروس!
و ارتمت بين أحضانه.. تحتضنه و كأنه الحياة رُدّت إليها.. راحت تضحك, و تكاد تبكي, و تصيح:
- من أين أتيت؟ أين آيرين؟ ماذا فعلتما ببيير؟ أوه.. ما أروع أن أراك!
قال متذمراً بلطف: مهلك, مهلك حبيبتي! كوني لطيفة و توقفي عن شد ثيابي هكذا.. البذلات الإيطالية غالية الثمن هذه الأيام.
كان بيدروس فيرغوس رجلاً يضع السلطة و الثراء حول كتفيه كالعباءة.. جسده الطويل مخلوق لارتداء الثياب المتقنة الفاخرة.. مع ذلك فهو يبدو خطيراً حتى وهو يرتدي جينزاً عتيقاً و تيشرت.. شعره قوي سميك أسود و لكن مع فودين فضيين أما عيناه فأشبه بالمخمل البني.
دخلا إلى شقتها و البسمة تعمّ وجهها: قهوة؟
- يونانية؟
- طبعاً.
- إذن.. أجل, أرجوك. فأنا بحاجة إليها بعد هذا السفر الطويل.
جلس بيدروس و كأنه في بيته, أما أماندا فراحت تحضر القهوة ثم جلست إلى جانبه.
قال: أنا هنا في لندن في زيارة سريعة, و لكن آيرين لم تأت معي بسبب...
أجفلها صمته فرفعت عينيها.. و لكنه ابتسم يطمئنها:
- لا.. لا.. أنها ليست مريضة.. كيف يقول الرجل هذا بدون الابتسام كالأبله؟ إنها تتوقع طفلنا الثاني.
صاحت أماندا: طفل؟
و حضنته مجدداً, و لكنها توقفت في الوقت المناسب قبل أن تفسد بذلته بالقهوة..
- أوه بيدروس.. هذا رائع! فتاة.. أصر على أن تكون ابنة أختي ذهبية الشعر زرقاء العينين لتدير رجال عائلة فيرغوس حول أصبعها.
ضحك بيدروس: إنه مطلبي أيضاً.. لكنها, وهي العملية دائماً, تقول إن هذا بيد الله و يجب أن أرضى بما يريد.
لكن المرح فارقه بعد قليل و بدا متجهماً: آيرين قلقة عليك عزيزتي.. عندما أخبرتها بما حدث معك ارتاعت و خافت عليك و أرادت المجيء لمواساتك و لكن وضعها منعها.. و ها أنا أرى أن معها الحق في قلقها عليك فقد فقدت بضعة كيلوات و أرى الدوائر السوداء كما أرى أن الابتسامة التي ترسمينها على وجهك ابتسامة تعب.. لذا أخبريني كيف حدث كل هذا.. زواج خاطف ثم انفصال غريب.
أليس هناك علاج للقلب المكسور...
- أنا بخير حقاً بيدروس.. قل لآيرين أن لا داعي للقلق.. فما أكثر ما تفشل الزيجات.
- نعم كثيراً ما يحدث ذلك.
- يجب أن تقول لها أنني على ما يرام..
انقطعت لبرهة عن الكلام ثم أضافت: تبين لي و لكيفن أننا ارتكبنا غلطة.. و اكتشفنا أننا نرغب في أشياء مختلفة.
سأل بيدروس بلطف: مثل ماذا؟
تنهدت: الحب.
- الحب؟!
كان صهرها يخوض الموضوع بحذر شديد, فهو يعرف قوة كبرياء عائلة هاموند.. و أماندا كآيرين, تستطيع بسهولة أن تقلب حباً قوياً إلى كراهية شرسة لا تلين, و لديه الخبرة في هذا التحول السريع و يعرف كذلك طباع العائلة التي نادراً ما تظهر, لكن حين تظهر يصبح بإمكان صاحبة هذا الطبع صعق أي رجل حيث يقف. و لهذا يخوض الموضوع بحذر.
- خلته يحبني مع أنه لم يستخدم تلك الكلمة يوماً.
قال بيدروس ساخراً: بكل تأكيد عزيزتي.. فلننصف كيفن, لأنني واثق أنني تلقيت انطباعاً بأن الحب بشرق كالشمس عليكما معاً؟
- لا تكن غامضاً في كلامك معي بيدروس, أنا و أنتَ نعرف تمام المعرفة ما ميزة كلمة الشمس.
- أجل, إنه تمثال خاص برونزي مغطى بالذهب الخالص و هو كما يقول الإنكيز يكلف ثروة, و قد طلب سراً من أفضل نحاتي رودس.
ردت متجهمة: كانت إشارة لا جدوى منها..
- إعلان الحب أماندا.. إن لم يرد كيفن على الحب بلطف فهذا لا يعني إلغاء الرسالة.
- لقد طردني.
انتفض بيدروس...
أضافت: من غير سابق إنذار. في يوم كان كل شيء رائعاً كاملاً.. و في اليوم التالي ذهب كل شيء و ما زلت غير قادرة على تصديق ما جرى.
سألها بحدة: و هل ارتكبت خطيئة ما؟ أم جرحته و أغضبته ليعاملك بمثل هذه القسوة؟
تخلص من فنجان القهوة و ارتدّ بحدة ليواجهها و يقول بلهجة آمرة: أجيبيني أماندا! ماذا فعلت لتستحقي مثل هذه المعاملة؟
أحست أماندا أن سيطرتها التي تفرضها على مشاعرها انهارت فجأة.. و الدموع التي طال احتباسها انطلقت.
قالت بمرارة: أنا التي أحببته.. هذا كل شيء.. تمثالي الذهبي الكبير كولوسوس! لقد تجرأت على الوقوع في حب إله الشمس الإغريقي, بيدروس. و لقد أوضح وضوح الشمس رأيه بي!
تمتم بيدروس بصوت أجش: أماندا.. لا تظلمي نفسك هكذا.
أردفت بصوت كسير: حظك تعس أماني.. عشت معك فترة ممتعة و لكن هذا لن يحدث بعد الآن.. أطلب منك الطلاق لأتزوج سواك.
أغرقت في البكاء أما بيدروس فضمها بين ذراعيه بحنان.. انفتحت أبواب السد و راحت تسرد عليه كل القصة المؤسفة و دموعها على وجنتيها.
أصغى بيدروس الذي بان عليه الغضب.. فذلك الولاء اليوناني الأزلي للعائلة يضج في رأسه و يجعله راغباً في الانتقام.
ثم قال بحدة: سأقتله!
عرفت أنه قادر على ذلك, فصاحت مجفلة: لن تقدم على شيء كهذا.
- لن أقتله بيدي, فعلى رجل في مثل مركزي أن يكون كتوماً في مثل هذه الأمور.
- بيدروس..
- سأجعله يتألم قليلاً.. إذن.
- إنه رجل بعيد النظر يرى ما لا يراه الآخرون إلا في ما خصّ زوجته السابقة.. فمعها لا يستطيع رؤية كذبها القديم!
- قد يصبح ضمير الرجل عبئاً لا يحتمل عزيزتي.. خاصة حين يريد قلبه إبعاده في اتجاه مضاد.
- و هذا الضمير هو الذي يكسب دوماً.. أهذا قصدك؟
- لا.. ليس هذا قصدي. ربما يقاوم كيفن بشراسة رغبات قلبه.. و جرحك عميقاً في سياق هذا أماندا.. لكن هذا لا يعني أن الضمير هو الذي يربح دائماً.
تذكرت صدى توسله المشبع بالألم عندما كانت راحلة فاعترفت بأن بيدروس على حق فيما قاله.
أضاف: هل أرسل إليك أوراق الطلاق لتوقعيها؟
- حتى الآن لم يرسلها و أنا أستغرب ذلك.
- و هو إلى الآن لا يقضي أوقاته مع زوجته السابقة.
- و كيف عرفتَ ذلك؟
- لأنني يا عزيزتي جعلته شغلي الشاغل.
- يا لتصرفك المثالي! و من أعطاك الحق في التدخل بشؤوني؟
- حقوقي واضحة.. أنا قريبك الذكر الوحيد.
انتفخ كبرياء: آيرين قلقة عليك! و صديقك العزيز كاسدي قلق عليك.. و أنا قلق عليك! فحالتك المثيرة للشفقة تثبت أن لقلقنا ما يبرره!
راحت تذرع الغرفة ذهاباً و إياباً: سأعيش.
- أجل.. ستعيشين.. أسلافك المتكبرين يطالبونك بهذا.. و لكنهم لا يطالبونك بدفن نفسك في عملك و تجاهل فرصة البدء بحياة جديدة و علاقة جديدة!
كيف تفكر في رجل آخر و كيفن لا يفارق تفكيرها لحظة؟ احتضنت نفسها بشدة متمنية لو أن بيدروس موجود الآن في جزيرته رودس المحبوبة.
هز كتفيه: ما زال كيفن بمفرده مع سيدة عجوز طيبة و كلب مخيف المظهر.
- و ماذا يعني هذا.. بالضبط؟
- هذا يدل أنه رغم عذاب الضمير الذي يشعر به غير قادر على المضي في هذا...
- ربما رفضته! الضعفاء, الخنوعون, المطيعون الذي يضحون بأنفسهم لا يرقون كثيراً للنساء.. و أنتَ تعرف هذا!
- حقاً؟
ردت: أجل.. حقاً.
في هذه المرة لم يتمالك نفسه إذ اندفع يقهقه بصوت عال حتى شعرت أماندا بالإهانة, ثم علق:
- هذه هي فتاتي التي أعرفها! عرفت الآن أن روحك القتالية لم تتخل عنك حتى الآن.. سأكون مستريحاً الليلة بصحبتك على العشاء!
وقف.. هو ليس أقصر من كيفن بكثير.. أضاف بصوت كسول:
- لا أطيق تناول العشاء مع الجثث أماندا, إنها تضجر.
قالت تؤنبه: إيها المتعجرف..
جعلها تبتسم في الوقت الذي كانت فيه على استعداد لضربه.. قال موافقاً بعدم اكتراث: أعرف.
و رمى ذراعه حول كتفيها و اتجه معها إلى الباب:
- و ماذا يمكن أن أكون و أجمل امرأة في العالم تحبني؟
- تحايلك عليّ عن طريق أختي لن ينفعك.
عانقته بحب و حرارة ثم ارتدت عابسة في وجهه:
- أتساءل عما إذا كانت آيرين على معرفة بضعفك نحو الممثلات فأنا شخصياً أجد الأمر وقاحة!


* * *

 
 

 

عرض البوم صور gagui   رد مع اقتباس
قديم 02-09-08, 03:53 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63027
المشاركات: 289
الجنس أنثى
معدل التقييم: gagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 207

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
gagui غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : gagui المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

يركع عند قدميها


اتصل كايس بها قبل أن تغادر المسرح.. و دعاها بدون مقدمات:
ما رأيك بتناول العشاء في المطعم المجاور للمسرح.
أجابت مازحة: ليست فكرة صائبة لأنني أفضل عليها دعوة إلى العشاء في مطعم فخم مع رجل جذاب لا يفوق فتنته سوى جاذبيته السمراء.
بعد صمت قصير انطلق يسأل بسرعة: من و أين و كيف؟
- من؟ هو غريب أسمر طويل.. أين؟ في أحد المطاعم الفخمة. أما كيف.. تمّ الموعد عبر الهاتف.
شعرت بخفة قلب لأول مرة منذ أسابيع, فتذمر كايس:
- أي نوع من الأجوبة هذا؟
- إنه الجواب الوحيد الذي ستتلقاه مني. و الآن يجب أن أذهب لئلا أتأخر..
قال كايس بإصرار: و العشاء؟
و كأنه يقول إنه لم يصدقها, فهو يعرف أنها لم تذهب إلى أي مكان برفقة أي شخص له المواصفات التي سردتها.
رفضت: آسفة.. لأنني الليلة يا صديقي الوسيم محجوزة.
بهذا الرد أقفلت الخط, أخيراً عادت إليها ابتسامتها الماكرة.
جاء بيدروس إلى غرفة ملابسها بعدما شاهد المسرحية و كان التأثر بادياً على وجهه.
- أرى أنك تعلمت قيمة الكلام الذي يحرك العواطف يا عزيزتي أماندا.
جلس على كرسي ينوي ألا يفقد صبره بانتظارها.
نظرت إليه عبر المرآة: تشير إلى أن أدائي السابق كان يفتقر إلى عناصر محددة من قبل؟
- لا.. بل أظنك اكتسبت خبرة كاملة مما سبق, و من عناصر جديدة.
فهمته: آه.. نحن المسرحيون كالاسفنجة التي تعيش على سواحلكم بيدروس. لدينا قدرة على استيعاب كافة الخبرات التي تحب الحياة أن ترميها علينا.
عادت تنظف وجهها من المساحيق المسرحية. أما بيدروس فأخذ يراقبها بتكاسل و هو متمدد على الكرسي, كأنه في منزله.
سرّحت شعرها بحيوية و نشاط, ثم عقصته على قمة رأسها بأصابع لا تتردد.
قال بيدروس بهدوء: المؤلف رجل ذكي.. التقط بشكل صحيح عدم صلاحية الزواج المدبر هذه الأيام.
شعرت بالتوتر لأنها لم تفكر في هذه العقدة من قبل:
- طبعاً! لكن شعبكم ما زال يمارس هذا التقليد البدائي.
و نهضت عن طاولة الزينة مبتسمة و أضافت: مع ذلك, لم تسمح لهم بمعاملتك بمثل هذه الطريقة. أذكر أن عائلتك اغتاظت كثيراً عند ظهور آيرين في حياتك!
- آه.. لكن كما تشير رواية المسرحية لا يمكن لأحد أن يربي أولاده بحسب الثقافة العصرية والمفاهيم الاجتماعية الحالية ثم يتوقع منهم الخنوع إلى تقاليد الأسلاف.
- اختار لك والداك فتاة يونانية ثرية و جميلة.. أليس كذلك؟
تناهت إلى مسمعيها ضحكته, و هي خلف الستارة تغير ثيابها:
- إنها ابنة أشرس منافس لأبي.. سوداء الشعر والعينين.. و القلب أيضاً! مدللة أنانية, و كانت شرسة في الحصول عليّ لسجني في شبكتها المسمومة.. و قد لزمني وقت طويل و دروس قاسية لأقنعها و أقنع عائلتينا أنني لن أقع ضحية خططهم الغبية.
- و هل جرحوا آيرين؟
- لقد حاولوا.
جعلتها لهجته ترتجف, و أردف: لكنهم لم يتجرؤا على هذا مرة أخرى.
أجل فلا شك أنه لقّنهم دروساً لم ينسوه. عندما خرجت من وراء الستارة التي ارتدت وراءها ملابسها نظر إليها صهرها بإعجاب, و وقف بهدوء و قال لها مادحاً: أنا محظوظ حقاً بشقيقة زوجة مثلك.
انحنت له تلقي عليه تحية مسرحية: شكراً لك.. سيدي الكريم!
قال متنهداً تنهيدة تراجيدية: أرى أنني مضطر إلى حمايتك الليلة!
كان المطعم مكتظاً في مثل هذا الوقت من الليل.. لكن الذوق السليم و التخطيط الذكي تمكنا من وضع مسافة بين الطاولات.. أجلسها بيدروس مبتسماً ابتسامة قلق بسبب نظرات الاهتمام التي تتلقاها أماندا.. ثم همس في أذنها و هو يقف خلفها: هذا هو ثمن الشهرة.
ردت: أنا لا أُحسد على هذا.. فجزء من نجاح الممثل هو أن يكون معروفاً.. و لكنني لست معروفة جداً بحيث يحتشد الناس من حولي أينما ظهرت علناً.
نظر بيدروس حوله و هو يجلس, و قال: إن ذلك لأمر مثير للغضب.
عندما كانا يتحدثان عن موضوعهما المفضل آيرين و بيير, اتسعت عينا أماندا فجأة لأنها رأت بيدروس ينظر بذهول و يصمت. ضاقت عيناه قليلاً و هما تلاحقان شخصاً ما لم يكن ظاهراً لها من موقعها. ثم ارتسم تعبير غريب على وجهه الأسمر قبل أن يميل إلى الأمام و يرفع يدها عن الطاولة بينهما.
- أماندا.. أعتقد إن لم أكن مخطئاً أن رجلاً معيناً ضخم الجثة له قسمات و وجه إله الشمس دخل المطعم للتو و هو يبحث عن شخص محدد.
ابتلعت ريقها و همست: كيفن؟
هز بيدروس رأسه بوقار.. أما أماندا فاقشعرّ بدنها بسبب إحساسها بنظرات كيفن تنصب عليها.
هون بيدروس عليها: هدئي من روعك أماندا.. يرتدي هيليوس درعه الذهبي للدفاع عن نفسه.. لذلك, يتوجب عليك أن تحذي حذوه.
غضت طرفها و حاولت السيطرة على اهتياجها.. و تمتمت: لن يأتي إلى هنا.. بالتأكيد؟
- يؤسفني أن أقول أنك مخطئة عزيزتي لأنه سيصل ليفرض نفسه على خلوتنا.
- اللعنة.
نظر بيدروس متعجباً: أستغرب قدومه إلى هذا المطعم الذي قصدناه الليلة.. إلا.. بالطبع إذا كنتِ تتناولين الطعام في هذا المطعم دائماً.
- لا تمزح معي بيدروس.. تعرف أنني نادراً ما أتناول الطعام في أماكن كهذا.
قال بيدروس بصوت راضٍ: إذن.. هيليوس موجود هنا عمداً. للكولوسوس جواسيس في مخيمك يمررون له المعلومات عن تحركاتك؟ هل أخبره أحد أن غريباً جذاباَ دعاك إلى هنا فأجبره بهذا الخبر على الخروج من مخبئه ليلقي نظرة على منافسه؟
ردت أماندا هامسة: يا لخيالك الخصب بيدروس! لك حقاً أكثر..
قاطعها بهدوء: فكري ملياً في الأمر عزيزتي.. فلا أظنه جاء إلى هنا ليستمتع بعشاء في وقت متأخر.
سحبت نفساً مرتجفاً و تمتمت: كايس!.
كادت تصب بحراً من الكلمات و الشتائم على كايس و لكن الظل الذي وقع على طاولتهما جعلها تمتنع عن ذلك ثم توترت أحاسيسها ما إن عرفت أنه كيفن.
قال بصوت فظ: مرحباً أماني..
ارتجفت يدها في يد صهرها الدافئة الآمنة.. و شعرت بتورد غادر يسري في بشرتها.. و لكنها ردت بصوت فظ: كيفن!
لم تستطع إجبار نفسها على النظر إليه و لو كلفها هذا حياتها.. عمَّ التوتر الصمت المطبق و لكنها ظلت تنظر إلى الطاولة, و كيفن واقف مسمر إلى جانب كرسيها, و بيدروس غير متأثر كعادته يراقب بعينيه الماكرتين هذين الوجهين المتوترين.
كسر كيفن الصمت, فأجفلها: كيف.. كيف حالك؟
رسمي جداً.. متمدن! رفع التوتر ذقنها إلى الأعلى بكبرياء, فردت ببرود: بخير.
لكنها أفسدت برودها عندما نظرت إليه بشوق, و لعل أكثر ما صدمها التغييرات البائنة على وجهه و هي دلائل تشير إلى أنه رجل يحرق شموعه في إرهاق نفسه.. بدت عيناه أكثر اسوداداً مما تذكر و هما تفتقران إلى ما كان فيهما من بريق, أما خداه فمجوفان بطريقة جعلت بنية عظام الوجه الجميلة تبدو بارزة بدل أن تكون منمقة بعناية.
قال بصوت جاف: أحتاج إلى مكالمتك على حدى.
طاف عيناه في الغرفة فإذا أكثر من نصف الحاضرين ينظرون إليهما.. فكل من يقرأ مقالات الإشاعات في الصحف سمع بأمر طلاقهما الوشيك.
أضاف حين لم ترد: بضع دقائق أماندا.. لا أطلب منك سوى بضع دقائق على انفراد.
- لا..


رفضت بطريقة لا تلين و قالت: ليس بيننا ما يقال.
تمتم بصوت فظ: خمس دقائق فقط.. أعطيني خمس دقائق من وقتك فقط..
قال صوت يبدو عليه الخجل الزائد عن حده: أعتقد أن السيدة قالت لا.
التفت كيفن إلى بيدروس فاشتعلت عيناه بنار الغضب.
همهم كيفن بكلام غير مفهوم ثم ما لبث أن تصرف تصرفاً غريباً أذهلها فقد جثا على ركبتيه إلى جانبها غير عابئ بالمتفرجين الفضوليين.. أو بأي شيء آخر و هو يقرب وجهه من وجهها:
- حباً بالله أماندا.. اسمحي لي بأن أشرح لك.
نصحته ببرود: أرسل إليّ رسالة.. فقد سبق أن اختبرت شرحك.. و لن أوقع نفسي بالشرك مرة أخرى.
- أريد إخبارك بأمر سوان.. أنا..
قاطعه بيدروس: و من هي سوان؟
قالت أماندا لصهرها بصوت حاد: إنها زوجته.
قال كيفن بنفاد صبر: زوجتي السابقة أماندا..
قال بيدروس بلهجة من راعه الخبر: عزيزتي..! هذا كثير..!
نظر كيفن إلى بيدروس بحدة قاتلة وقال عابساً: من هذا الأخرق؟ أحد حراس كايس؟ إنه يبدو كالحارس.
أخبرق! نظرت أماندا بقلق إلى صهرها لترى كيف تلقى الإهانة.. و لكنه بدا و يا للذهول متسلياً بما يرى.
وضع كيفن يده على ذراعها, و قال بإلحاح: أتركيه أماني..و تعالي معي لنستطيع..
صاحت غاضبة: ارفع يدك عني.. ألم تتعلم شيئاً من الأدب الاجتماعي؟
أنزل يده عنها و لكنه ظل ينظر إليها يأسر نظرها: تخلصي من هذا الرجل الضخم لنتحدث..
كادت تستسلم.. كادت تضعف أمام توسلاته و ألمه الأسود.. لكن بيدروس تدخل مهدداً كيفن وهذا ما جعلها تمد يدها لمنعه, فأذعن و امسك يدها الممدودة و رفعها إلى شفتيه.. التفت كيفن بسرعة و نظر إليه نظرة متوحشة جعلت أماندا تقفز خوفاً . حدث كل شيء في ثوان قصيرة, لذا لم تفهم ما يحدث حتى رأت وميض المكر في عيني بيدروس الذي تعمّد إثارة كيفن.
قال كيفن بخشونة: تخلصي منه أماندا!
و زاد العنف حولهم بشراسة حتى أحست أن نبض قلبها يزداد عنفاً.
صاحت و هي تنظر إلى ما حولها باضطراب: لا.. اذهب من هنا! أنتَ تحرجني!
صاح كيفن بغضب: هو الذي يسبب الحرج! من أين التقطته؟ إن كنت ِ تبحثين عن بديل لي أماني, فحباً جدي شخصاً أكثر...
قاطعه بيدروس بصوت جاد لا يشوبه المزاح: لو كنت مكانك سيد لوكهارت لأخذت حزري و أنا أذكر رأيي فيك..فلست رجلاً يقبل.. الانتقاد... بهدوء.
لسعه صوته الهادر كالسوط.. مع أنه بدا غير متأثر بالعداء البادي على الرجل الآخر.. أضاف برقة خطيرة..
- دعني أوضح لك نقطة صغيرة.. حجمك الضخم لا يرهبني.. و سأكون مسروراً بوضع بضعة شقوق في هذا الوجه الرقيق.
ران صمت قصير و لكنه كان أشبه بالصراخ, عندئذٍ أدرك كيفن هوية الشخص الذي يهينه فهز رأسه بقوة متمتماً: بيدروس فيرغوس.. أنتَ فيرغوس العظيم بشحمه و لحمه.
- و أنا لا أرحب بك على طاولتي.. أرجوك.. ابتعد سيد لوكهارت قبل أن أطلب منهم رميك خارجاً.
توسلت أماندا بصوت مرتعش: بيدروس...
من الغريب أن قساوتها مع كيفن شيء, و الجلوس بلا حراك تاركة بيدروس ينفذ تهديده شيء آخر.
- أرجوك.. دعني..
ارتفع حاجباه الأسودان بسخرية باردة: أهذا هو زوجك المصون الذي طردك من حياته و كأنك امرأة فاجرة؟
انتفضت أماني بألم..فتمتم كيفن لاعناً من بين أسنانه المشدودة: لا تنعتها بالفجور..
- أعرف ذلك.. و لكنك أنتَ من عاملها بهذه الطريقة مع أنها زوجتك.. ولكن إن لم تفهم معنى قولي لأماندا, فسأشرح لك بالضبط قصدي قبل أن تخرج من هنا.
مال الأسمر بقسوة, فشعرت اماندا بالغرفة تميد بها.
- لم أقل أن شقيقة زوجتي امرأة فاجرة بل ذكرتها ببساطة أنك عاملتها و كأنها كذلك.. لقد أذللتها بما فيه كفاية.. سيد لوكهارت.. لذا لم تعد بحاجة إليها.. أسرع بمعاملات الطلاق لتتحرر منك أما الآن فاخرج من هنا!
- تلقى كيفن كل هذا بدون أن يتحرك, ثم ارتد ّببطء لينظر إلى أماندا التي كانت تحني رأسها الفضي و قال بهدوء:
- - تعرفين أنني قادر على قتله أماندا.. تعرفين أنني قادر على صرعه لو أردت.. لن أرحل من هنا قبل أن تطلبي مني أنتِ ذلك.. أرجوك أن تصغي إلي!
- قالت بحدة: ارحل من هنا كيفن.. بيدروس مصيب. لم أعد أريدك .. دعنا ننفصل إلى الأبد.
- - أحبك.
- نظرت إليه بعينين ملؤهما الكره:
- - تأخرت كثيراً باعترافك.. عد إلى ضميرك المقدس اللعين, كيفن.. فاُنا لم أعد أريدك أو أريد ضميرك!
- شحب وجهه و راح يتفرس بوجهها الجميل بتهجم فعلمت أنها أصابت منه مقتلاً أخيراً.. استجمع شتات نفسه ثم وقف ببطء, فأشاحت وجهها عنه و شعرت بألم يعادل الألم الذي يشوبه.
- أجفلتها يده التي وضعها على كتفها و تشنج جسمها دفاعاً و لكن لم يكن هناك أي دليل على العداء بل مجرد لمسة حنان مؤلمة في لطفها..
- قال بهدوء:
- - حسناً أماني.. أتمنى لك السعادة حبيبتي.
- تمتم بيدروس فقطع الصمت الثقيل الذي حل بعد ذهاب كيفن:
- - لم أفكر قط أنك قادرة على أن تكوني ظالمة في قسوتك و لم أحسبك ممن يتعطشن للانتقام.. لم تتركي لي شيئاً.. أتدركين هذا؟.
- لا شيء.. نقطة بيضاء.. هذا ما تركه لها.. و قد احتاجت إلى شهرين من المرارة لتفهم ماذا تعني كلمة < لا شيء> .. إنها تعني صفحة بيضاء من الحياة يجب أن تبداً في كتابتها مجدداً.. فإن ندم الآن على أفعاله, فهذه مشكلته..
- قبلت موعداً مع ماتيوس آشلي ..و بهذا اكتشفت أن صورة معبود النساء تخبىء وراءها رجلاً رقيقاً لطيفاً..
- قال لها:
- - لعبت دور بطل شرطة في مسلسل تلفزيوني, لقد أمضيت سنتين كاملتين لأقنع الناس بتقبلي ممثلاً جاداً بعد أدواري التلفزيونية.. في تلك الفترة نادراً ما عملت لذا ذعر وكيل أعمالي و خشي أن ينسى الناس وجهي لهذا جعلني أظهر في المدينة مع كل ممثلة مرغوبة, و من هنا اكتسبت سمعتي الشائنة.
- - و ثبت لك أن هذا أصعب احتمالاً من الصورة التلفزيونية.
- - أستطيع العيش مع كل شيء شرط أن تستند الأدوار إلي.. كهذا الدور الذي ألعبه معك الآن.
- تفرست أماندا بوجهه الجذاب و وجدت أنها تنظر إليه بمنظار جديد.. إنه رجل تربى كما يبدو تربية قاسية.. مع ذلك لاحظت باحترام عميق أنه قادر على تحويل كل تلك القسوة إلى التكبر الذي يحتاج إليه في تمثيل الدور الذي يمثله حالياً.
- أسرّت إليه بخجل:
- - طلب مني التمثيل في مسلسل تلفزيوني في أمريكا السنة الماضية.. و لكنني رفضت التفكير في الأمر.. اكتفيت من الأفلام التي صورتها هنا.. و من كل الوهج الزائف الذي يظهر معها..المشهد يخسر شيئاً من معناه بطريقة ما حين تضطر إلى إعادته ست مرات..
- - بل أسوأ من هذا.. على الأقل للفيلم الطويل بداية و عقدة و نهاية أما..
- قاطعته أماني: إنما ليس بالترتيب ذاته دائماً.
- - هذا صحيح.. لكن المسلسلات التلفزيونية المنفصلة الأحداث تبدو و كأنها لا تنتهي.. لذا يكهرها المرء مع الأيام.. لكن المال و الشهرة يخدران الأعصاب..
- ضحك فبادلته أماني الضحك.
- أصبحت صداقتها متينة و لكن أماني أوضحت له منذ البداية أنها لا تريد ما هو اكثر من صداقة معه فتقبل هذا و قال بصراحة:
- - أعرف قصة انفصالك عن كيفن لوكهارت, و أعرف ما هو الإحساس في استعادة العافية بعد زواج انتهى بكارثة.
- ثم أخبرها باختصار عن تجربة فاشله عانى منها:
- - كانت أكبر مني سناً.. و لم تكن جميلة بشكل مميز, و لكنني وقعت في حبها و عاملتني كصبي مراهق.. حدث ذلك منذ سنوات و ها أنا الآن سعيد لأنها ضحكت علي و أخرجتني من حياتها..
- و لكن في ذلك الوقت...
- مد يده و قال بعفوية:
- - إذن صديقان أماني, لا أكثر و لا أقل.
- شعرت أماندا أخيراً أنها تتغلب على محنتها.. مع أنها بين الحين و الأخر تضيع في موجة من الحزن و الألم.
- وجدت أنها تفكر في المستقبل من جديد بوضوح أكثر و تناقش مع كايس ما ستفعله بعد انتهاء المسرحية التي سيدوم عقدها سنة.. اما ذلك الرجل الذهبي الضخم فأخذ يأفل من عقلها.
- ظلت المسرحية تستقطب الجمهور.. و كانت تشعر أنها باقية هكذا إلى أمد طويل..لذا كان هناك فرصة كبيرة لتجديد عقدها, و إلا فلسوف تنتقل إلى رواية مختلفة أو عمل مختلف, كما تشاء
- إنها مرة أخرى حرة لتتخذ القرار دون التفكير بأحد.. و هذا ما جعلها تشعر بالراحة.
- ثم حدث ما هو غير متوقع.. و رمى راحة بالها التي عملت جاهدة لأجلها إلى العذاب مجدداً.


* * *

 
 

 

عرض البوم صور gagui   رد مع اقتباس
قديم 02-09-08, 03:56 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63027
المشاركات: 289
الجنس أنثى
معدل التقييم: gagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداعgagui عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 207

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
gagui غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : gagui المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

رحلة العذاب
استيقظت أماني صباح الأحد على رنين جرس الهاتف الذي لم ترحب به.
جرت نفسها من السرير و خرجت مترنحة من غرفة نومها و تمتمت بتذمر, فيوم الأحد هو يوم عطلتها الوحيد من المسرح.. كانت ليلة أمس قد بقيت حتى الثالثة صباحاً في ناد للرقص افتتح حديثاً برفقة ماتيوس و عدد من أفراد الفرقة.. لذا لم تكن في مزاج رائق و هي ترد على الهاتف.
كان الخط مشوشاً في أذنها فلم تسمع شيئاً في البدء ثم جاء صوت عميق أجش ثقيل اللكنة يسأل : أنسة هاموند؟
منتديات ليلاس
- أجل..تتكلم.
- آه.. أماندا هذا أنا.. ستيفانوس فيرغوس.
إنه والد زوج آيرين... جعلتها الدهشة تستقيم و تنتزع نفسها من النعاس.
سأخبرك خبراً سيئاً, فشقيقتك و ابني تعرضا لحادث سيارة.
أحست أماني ببرود شديد و همست:
- أختي و بيدروس؟
لم تستوعب.... إنه الشعور الذي يشعر به المرء حين يصاب بصدمة.
- هل أصيبا بأذى؟
قال الصوت العميق بحزن:
- هذا ما أخشاه يا عزيزتي... السيارة التي كانا فيها انحرفت عن الطريق عندما تجنب ابني صدم طفل... بيدروس غائب عن الوعي و لم يستيقظ حتى الآن, و لكن إصابته غير خطرة على مايبدو.. و لكن يؤسفني أن أخبرك أن
إصابة آيرين أخطر.
جف اللون من وجه أماني.. فمدت يدها الأخرى طلباً للدعم من جدار قريب ... آيرين مصابة
همست و هي غير قادرة على رفع صوتها أكثر:
- إلى أي مدى إصابتها خطرة؟
قال والد بيدروس بصوت أجش:
- نعتقد أنها ستفقد الطفل الذي تحمله.. و لديها بعض العظام المكسورة..لكن المشكلة الإصابة الداخلية هي التي تزعج الأطباء.. يؤسفني يا عزيزتي أن أكون أنا من ينقل إليك الخبر.
أجبرت أماندا نفسها على التركيز.
- متى وقع ذلك؟
وقعت الحادثة في الساعة التاسعة صباحاً.. أعتذر لأنني تأخرت بالاتصال بك أماندا.. و لكنني أردت التأكد من الوقائع قبل الأتصال.
فيما كانت هي نائمة بأمان في سريرها , كانت أختها آيرين و زوجها في المستشفى!
- هل وقعت الحادثة في أثينا؟
تنهد العجوز و كأنما يلوم نفسه:
- أبكيتك عزيزتي.. أعذري عجوزاً مشوش التفكير.. أكلمك من أثينا أما أبني و عائلته ففي رودس..
كان بيدروس و آيرين في طريقهما إلى الكنيسة هذا الصباح.. و أنتِ تعرفين كيف تكون الطريق إلى ليندوس غادرة بعد عاصفة صيفية عنيفة.. ركض طفل أمام السيارة فلمَّا حاول أنبي مراوغته انحرفت السيارة و انقلبت وعلق بيدروس في داخلها و لكن آيرين للأسف سقطت منها إلى الخارج..و..
لم يستطع أن يتم الجملته و ران صمت مؤلم رهيب.
سألت بخوف: ماذا عن بيبرس؟
- لم يكن معهما لحسن الحظ فقد بقي في الفيلا مع مربيته....و لكنه الآن مضطرب, و أنا و زوجتي على وشك السفر إلى رودس.. لا أعرف كيف أعبر لك عن مدى أهمية قدومك في أسرع وقت ممكن.
همست: آيرين
- أجل.. هذا ما أخشاه.
أغمضت أماني عينيها و قالت بصوت أجش: أنا قادمة في أسرع وقت ممكن...
قاطعها العجوز اليوناني الذي بذل مجهوداً جباراً ليأتي صوته إيجابياً.
- قمت ببعض الترتيبات...وضعت طائرة تحت تصرفك.
سمّى لها مطاراً خاصاً خارج لندن. فدونت الاسم و العنوان بيد مرتجفة. أضاف العجوز:
- ستكون الطائرة جاهزة للإقلاع في الساعة الثانية بتوقيتكم.. فإن لم تتمكني من الوصول إليها فاتصلي بالمطار ليسطيع الطيار تغيير موعد طيرانه..هل فهمت أماندا؟
- أجل...أجل.
بذلت جهداً لتظهر بمظهر المرأة المسيطرة على صدمتها.
- جيد... ستجدين سيارة بانتظارك في رودس ستقلك مباشرة إلى المستشفى.. و إن احتجت لشيء, أي شيء اتصلي بي..
أعطاها عدة أرقام هاتفية لتتصل به عليها, سجلتها أماني بسرعة..ثم تمتم بحزن:
- لشقيقتك منزلة خاصة في قلبي أماندا.. كان ابني محظوظاً حين التقاها ... أنا...نحن...ندعو اللّه ليشفيها.
كلماته هذه إن دلت فإنما تدل على مدى الخطر الذي فيه أختها.
خدرتها الصدمة و جعلتها تتهاوى على الكرسي غير قادرة على الحراك و لكنها استطاعت التفكير في أمر.. عليها أن تتصل بأحد قبل أن تحضر حقائبها....
خطر كايس ببالها فهبت لتتصل به.. قال لها بصوت ملؤه السعادة:
- مرحباً حلوتي! إلى من أدين بهذا الشرف؟ فأنا أعرف أن فتاتي المفضلة تغرق بالنوم صبيحة الأحد.
قالت بهدوء: تلقيت لتوي أخباراً سيئة.
و أسرعت تذكر له بعض المعلومات.
- أنا بحاجة إلى إعلام المخرج بأمر سفري.. يجب عليه تدريب بديلتي قبل يوم الأثنين.. موعد العرض.
زالت الضحكة من صوته:
- هذا أمر سهل أماندا.. دعي الأمر لي أما أنتِ فجهزي نفسك فسأكون عندك في تمام الواحدة لأقلك إلى المطار...
ردت بصوت مليء بالتأثر:
- أنتَ عزيز كايسي.. و لا أدري ما قد أفعل بدونك.
- ستعيشين لأنك أمرأة قوية و تذكري في الوقت عينه ان شقيقتك مثلك, لذا ستنجو من الخطر و تعيش...
هزتها ارتعاشة شوق و همست بصوت أجش في الهاتف:
- كايس... كيفن... هل تستطيع.........
و أسكتت نفسها ثم أردفت بهدوء:
- لا يهم... أراك في الساعة الواحدة شكراً حبيبي.
تمتم : لا مشكلة أماني! لا تقلقي على شيء هنا... سأكون معك في أسرع وقت ممكن.
تساءلت بذهول: لماذا ذكرت له اسم كيفن؟ أعادت السماعة إلى مكانها بيد مرتجفة... ما الذي جعلها تذكر كيفن؟
سارت الساعة من الحادية عشرة و ما فوق ببطء لا يطاق... و في هذا الوقت وضبت حقيبة واحدة وضعتها قرب باب الشقة, ثم استحمت و ارتدت بزة خفيفة قطنية تنورتها طويلة و وضعت فوق ملابسها سترة متقنة التفصيل مصنوعة من القماش ذاته لها اللون نفسه...و وضعت بعض المكياج على وجهها أملاً في إخفاء بعض الإجهاد من وجهها, ثم جلست تترقب وصول كايسي بوجه هادئ من الخارج مع أنها من الداخل ترغب بيأس في الرحيل من هنا.. لتفعل شيئاً.. تريد أن تفعل أي شيء على البقاء هنا جالسة وسط التفكير و القلق و الخوف.
ما إن قرع الجرس حتى هبّت من مكانها متنفسة الصعداء. و يبدو أن كايس وصل قبل ربع ساعة من موعده فهرعت تفتح الباب.
لكن لهفتها سرعان ما خبت, لأنها وجدت كيفن عند عتبت دارها.
- مرحباً أماندا.
- كيفن...
ارتفعت يد مرتجفة إلى فمها لتخفي صوتها المخنوق الذي صدر عنها قبل أن تخز الدموع عينيها الواسعتين....ثم
ارتمت عليه تبثه بؤسها الذي كبتته منذ تلقت المكالمة من اليونان. تلقاها كيفن متمتماً....و راح يضمها بشدة و يهزها كطفلة لأنه شعر بالعذاب الفظيع الذي يسري في جسدها النحيل.
أخذ يهدأ روعها بحنان زاد من كربها:
- لا بأس عليك.......لا بأس أماندا.. سيكون كل شيء على ما يرام .... سترين.
أثرت كلماته فيها فتعلقت به بدون خجل و سمحت له بإدخالها إلى الشقة و أقفل الباب و راءه.. كان يضمها إليه باكية.
أنهت قصتها شاكية:
- أنا خائفة! آيرين كل ما لدي! لا يمكنني تحمل خسارتها! لا أستطيع.......
- أنا زوجك أماندا... سأكون دائماً موجوداً متى احتجتني.
كان فمه دافئاً على جبينها.... لكنها سرعان ما ابتعدت عن الجنة الدافئة:
- لا.......
ردّت كلماته إليها ثقل الواقع أما هو فتركها متفهماً معنى الكلمة الوحيدة السلبية.
نظرت إليه بوجه متجهم و سألته:
لماذا... لماذا أنت هنا.. كيفن؟
لم يرد للحظات... عندئذٍ مسحت أماني عينيها من الدموع بمنديل لئلا تضعف أمامه, ثم رفعت بصرها إليه... عرفت من أنفاسه غير المستوية أنه يريد أن يتحدث عن أشياء لا تريد سماعها.... ليس الآن.... ليس و هي..........
- اتصل بي كايس الذي ظن انك ستكونين ممتنة لدعمي... لذا ها أنا ذا. و قد أكدت له أنني سأعتني بك خير عناية ريثما ينهي هو مشاكل خاصة . هل هذه هي حقيبتك؟
- أرسلك كايس؟
ثم تذكرت ما كادت تقول له عبر الهاتف فتورد وجهها...إفٍ لكايس.. إنه أدهى من أن تخدعه.. نظر كيفن إليها مدققاً يتساءل عما يدور في هذا الرأس و عما جعلها تتورد هكذا... نظرت إلى الحقيبة التي أصبحت في يده
- أجل.. أجل هذه هي.
أمسك ذراعها: إذن هلا ذهبنا! هل الجواز و كل ما تحتاجينه في حقيبة يدك؟
- أعتقد هذا.
- إذن فلنذهب... سيارتي في الخارج.. يجب أن نتحرك إذا كنت ترغبين السفر في الوقت المناسب.
لكن كلامه جعلها تقف مذهولة:
- أنتَ قادم معي إلى اليونان؟
تحولت العينان الصفراوان إلى لون عقيق قاتم.....
- أنتِ بحاجة لي أماني.. قد لا تعرفين هذا و لكنك بحاجة إلى من يساعدك في هذه الفترة.
تغضن وجهها الشاحب مجدداً و فقدت قدرتها في السيطرة على نفسها... و امتدت يدها البيضاء المرتجفة بدون أن تعي لتلامس صدره..
تتحسس ضربات قلبه المنتظمة.... لتشعر بدفئه و بالطمأنينة. ابتسمت بحزن و هزت رأسها باستسلام صامت.
همست بصوت ثقيل: شكراً لك.... شكراً لك كيفن.
ابتلع ريقه بحدة و قال و كأن محنتها تؤلمه:
- لا تشكريني.. لآنك غير مدينة لي بشيء... بشيء أبداً.
أغمضت أماني عينيها و اسندت رأسها إلى المقعد خلفها بطريقة أظهرت مدى إرهاقها... أما كيفن فقاد السيارة بصمت و مرت خمس دقائق تقريباً قبل أن تفاجئه بوضع يدها على ركبته:
- شكراً لك على أي حال كيفن... وجودك معي يعني الكثير لي.
لم يرد.. و كأن الموقف الجاد أزال كل خلاف بينهما و كان أن تقبل الهدنة بكل ما فيها من توتر.
كانت الرحلة طويلة متعبة .. و لم تستطع الطائرة الفخمة المريحة أن تجعل الساعات الخمس تمضي بسرعة و لكنهما حطا في المطار حيث سارت المعاملات بسرعة كبيرة فاسم فيرغوس قادر على إزالة أية عقبة مهما كانت,
ثم لمّا خرجا من المطار وجدا طائرة باستقبالهما.
كان الظلام قد بدأ يرخي سدوله و بدت السماء اليونان في الساعة العاشرة ستارة من المخمل الكحلي القاتم المرصعة بالألماس...
كان الهواء دافئاً يداعب بشرة المرء كلمسات الحبيب, ارتجفت أماندا برقة بسبب الصور التي يرسمها الطيف الجالس قربها عن غير وعي منه.
سألها و قد لاحظ ارتجافها: أتشعرين بالبرد؟
هزت رأسها نفياً و ابتسمت ابتسمامة غريبة.
طوال الرحلة كان لطيفاً هادئاً يدخل الطمأنينة إلى نفسها و لكنه لم يحاول مرة أن يخرجها من شرودها أو يكلمها إلا إذا كلمته.. و ظل موضوع الحديث بعيداً عن كل ما هو شخصي بينهما و لو من بعيد, و اعتمدت على دعمه تقريباً بدون خجل و تعلقت به كطوق نجاة كما كان يوماً لها.
كانت يده ممسكة يدها الآن بخفة و دفء و قوة فشدت عليها بلطف تطمئنه أنها على ما يرام و ظلت الكلمات بينهما قليلة.
و أدركت أماني أن ترددها في الكلام هو تحضير ذاتها لما قد يقابلها.. فقد شغل قلقها على آيرين و بيدروس تفكيرها.. أما انهيارها أمامه في لندن فبدا أنه حدث منذ زمن طويل.
مرت السيارة برقة في المنتجعات المكتظة بالناس في ايكسيا و ترياندا ثم بدأت تتسلق بهما الطريق المحفور على جانب التل الصخري الذي يحجب بلدة رودس عن الأنظار.. كان البحر من جانب واحد ينكسر على الصخور بتكاسل.
حملتهما السيارة إلى أعلى .. و أحست أماندا بمرافقها يتحرك إلى جانبها و لاحظت الاستغراب و الشهقة التي ارتفعت منه ما إن رأى مدينة رودس القديمة أما الأنظار.
وقفت قلعة رودس بكبرياء فوق تلة تكاد تصل إلى السماء جدرانها الحجرية القديمة مضاءة بفخامة ملوكية.. قالت:
- هذا قصر السيد الكبير.. رودس مزيج ملون من دزينة مختلفة من الحضارات, بعضها قديم. و لكن جميع الحضارت تركت بصمتها على الجزيرة.
أبطأت السيارة سيرها عند مفترق طرق تتدفق فيه السيارات من مختلف الاتجاهات.. ثم انعطف السائق ببراعة ليقودهما إلى أحدث جزء في المدينة حيث توجد المستشفى.. غاب القصر مجدداً عن الأنظار وراء صفوف من الفنادق الحديثة و المقاهي المنتشرة على الأرصفة العريضة و عاد تاريخ المدينة القديمة إلى عصور غابرة أمام المباني الحديثة التي لا يتجاوز عمرها مئة عام.
سألت أماني بلمسات مرح سريعة: جلبت معك آلة التصوير؟
رد مبتسماً: و هل يمكنني التحرك بدونها؟
تنهدت بأسى و اعترفت:
- أحب هذه الجزيرة.. أحب ناسها و أساطيرها و جو الغموض السحري فيها.. لذا أكره العودة إلى هنا و الحزن في قلبي..
اختنق صوتها و هي تردف:
- ما أكره الحزن و الألم! ليتهما يختفيان إلى الأبد عن جميع خلق الله.......
لم يقل كيفن شيئاً لكن يده اشتدت على يدها فاطمأن قلبها.
قال السائق: وصلنا سيدتي.
ما إن نظرت من النافذة حتى عاد التوتر إليها.
خرج كيفن من السيارة أولاً ثم ساعدها على الترجل و سار معها نحو أبواب المستشفى.
همست بصوت ملؤه العذاب: لا أريد الدخول.
إنها تخاف ما قد يطالعها في الداخل...مرة أخرى وضع كيفن ذراعه على كتيفيها و شدها إلى دفئه ليدعمها و يسندها.
ما إن دخلت حتى كان أول شخص تراه ستيفانوس فيرغوس الذي بدا متعباً منهكاً.. ما إن وقع بصره عليها حتى ارتسمت ابتسامة متوترة على قسمات وجهه القاسية و دنا منها طويلاً شامخاً كأبنه المتكبر.
وصل أليها ليحتويها في عناق قصير:
- أماني.. عزيزتي.. وصلت بسرعة.
سألت بخوف: آيرين؟
سارع يطمئنها: ما زالت معنا أما الطفل.. فقد رحل.
و خزت الدموع عينيها و لكن كيفن أسرع إليها. نظر إليه ستيفانوس بفضول لأنه لم يعرف على ما يبدو شيئاً عن زواجها.
- كيفن لوكهارت, سيدي.زوج أماندا.
نظر إليهما الرجل مستغرباً و كأنه يتساءل لماذا لم يعرف بأمر هذا الزواج.. ثم صافحه بحزم:
- يسرني التعرف إليك سيد لوكهارت.
ثم عاد ليهتم بها: لم تستعد أختك وعيها, و لكن الأطباء متفائلون و هم يقولون إنها تجاوزت مرحلة الخطر .
سألت بلهفة: و بيدروس؟
انحنى رأس الرجل العجوز على كتفيه:
- استردّ وعيه.. لكنه.. حسناً.. تعالي سندخل لنراه.. إنه يتمشى في ممرات المستشفى كالمعتوه وهذا ما يقلقني.. هلا ساعدته و أدخلت الراحة إلى قلبه...
ساروا في ردهة المستشفى الهادئة, يحيط بأماندا رجلين طويلين رشيقين.
و أخذ الرجل العجوز يقول لها:
تعرض بيدروس لبعض الجروح في وجهه.. أخبرك بالأمر لئلا تصابي بالصدمة.. لكنها جروح سطحية, إلا أن الارتجاج الذي تعرض إليه الدماغ هو ما يقلق الأطباء خاصة و هو يرفض ان يستريح.
ما إن رأت أماني جسم بيدروس الذي كان يدفن رأسه بين يديه حتى صرخت و هرعت إلى الأمام تاركة الرجلين يراقبانها بتهجم و هي تجثو على ركبتيها إلى جانب زوج أختها تحيطه بذراعيها بكل حنان.
كان مشهداّ مؤثراً.. المرأه الشابة النحيلة تحتضن اليوناني الضخم إلى صدرها, اما هو الذي كان في حالة يرثى لها من الكرب فأخذ يشدها إليه يدفن وجهه في شعرها الأشقر.
ظلا هكذا فترة يستمدان القوة من بعضهما البعض, ثم رفع بيدروس رأسه و اخذ يتكلم بسرعة و ألم إلى أماني التي ظلت راكعة تتلمس جروح صهرها و هي تصغي إلى ما يقول.
لمس ستيفانوس ذراع مرافقه و قال بهدوء:
- نحن متطفلان على ما أعتقد.. تعال سيد لوكهارت سنذهب إلى مكان نشرب فيه القهوة.
عندما ابتعد وقف بيدروس متعبأ و شد أماني معه.. و سارا ببطء إلى الباب المغلق الذي تستلقي فيه آيرين وراءه في سرير مرضها.. كان الواحد منهما متعلقاً بالآخر.. و لم يكن اليوناني المتشامخ يجد غضاضة في الاستناد إلى قوة المرأة الضعيفة التي تمسك به.
وقف بيدروس خلف أماندا و هي تتمسك بحديد قائمة السرير بقوة,تنظر إلى آيرين الشاحبة الراقدة.
كانت ضمادة بيضاء سميكة تخفي شعرها الجميل و تغطي نصف وجهها و رأت إحدى ذراعيها ملفوفة باللصوق من ا لرسغ حتى الكتف, فيما الأخرى تبدو ضعيفة مسترخية.. و كان قفص بلاستيكي يبعد الغطاء عن ساقيها, عرفت مما قاله بيدروس و هما في الممر أن ساقيها مصابتان كثيراً.. و لكنهما غير مكسورتين و الحمد لله...
قال بيدروس بصوت متألم: يعتقد الأطباء أن حالتها استقرت الآن, و لكنها اعتقدوا لساعات....
لم يستطع إتمام جملته و تكسر صوته, عندئذٍ مدت أماندا يدها و غطّت يده المستريحة على كتفها.
أضاف: لا يعرفون كم ستبقى غائبة عن الوعي.. تدل الكدمة على رأسها على ارتجاج في الدماغ و لكن جمجمتها سليمة من أي كسر و هم يرون أن سبب غيبوبتها هو رد فعل طبيعي من جسمها و لتبقى هادئة حتى يتماثل جسدها للشفاء.
همست: تبدو مريضة جداً... و عاجزة.
- لكنها تقاوم.
أحس بيدروس أن أماني بحاجة إلى ما يطمئنها.
- أنها قوية, لا تخاف حين تقاتل من أجل شيء تريده..
مضت ساعة قبل أن تترك أماندا سرير أختها و لم تبتعد إلا بناء على إلحاح صهرها الذي جلس على كرسي قريب من زوجته ممسكاً يدها الغير مصابة, أما اماني مخرجت من الغرفة مرهقة.
في الخارج, كان ستيفانوس غيرغوس ينتظر بمفرده.
نظرت إليه بعينين متعبتين ثم أجابها بلطف عندما سألته عن كيفن:
- ذهب عزيزتي.. عاد إلى لندن.. يقول أن التزاماته تجبره على العودة. إنه زوج صالح أماندا.. و هو رجل يقدر مشاعر الناس.. يطلب منك الاعتناء بنفسك.
همست بصوت حائر: ذهب؟ كيفن ذهب؟
سببت نظرة ستيفانوس المتجهمة التي ملؤها الشفقة تفككها و نظرت إليه بذهول ثم أجهشت بالبكاء.
البحث عن الشمس
مرت الأيام العصبية الثلاثة ببطء شديد.. كانت الساعات تمر ببطء لا يطاق و عاشت أماني في هذه الفترة بؤس الانتظار و الترقب.
أمضى بيدروس كل أيامه في المستشفى مع زوجته, يجلس إلى جانب السري , يتحدث إليها, و يقلق و يشتم راعداً بانفجارات عصيبة,ثم ينام مضطرباً حين يجبرونه بالقوة على الاستلقاء في غرفة مجاورة..فيما بينهما.
كانت أماني و ستيفانوس يتناوبان البقاء معه, أما السيدة فيرغوس فكانت تعتني بالصغير بيير الذي هو أصغر من ان يفهم ما يحدث.. لكنه كان يشعر بتوتر أقاربه و يعرف أن غياب والديه غير عائد إلى قيامهما برحلة عمل أخرى و كان يتعلق بأماندا حين تكون في الفيلا.
قالت السيدة فيرغوس بحزن: السبب هو شبهك بأمه.. أنه يراها فيك لذا يتعلق بك.. الأطفال مخلوقات حساسة.. و نحن نميل إلى نسيان هذا وقت المحن.
كانت أماني مضطرة إلى الاستكانة و عدم التفكير في الأسباب التي دفعت كيفن للرحيل..و كأن الصراع آيرين مع الموت عرّى كل تلك المشاعر, و لم تعد تعرف ماذا تريد أو ماذا تحتاج منه.. كل ما كانت تعرفه هو أن ذهابه ترك فسحة فارغة في داخلها, تجد صعوبة في التوافق معها.
استيقظت آيرين في اليوم التالي.
كانت أماني معها. تجلس في الكرسي إلى جانب السرير.. تتحدث بهدوء إليها و هي فاقدة الوعي تبثها همومها و أفكارها المرتبكة. كانت غارقة في ثرثرتها فلم تلاحظ الجفنين الشاحبين يرتفعان أو العينين الزرقاوين تحدقان أليها.
تناهى ألى مسامع أماني صوت متلعثم:
- أماني.. ماذا تفعلين هنا؟
هبّت أماندا واقفة تلثم الخد الشاحب الذي لم يضمد.
ارتفعت اليد غير المصابة إلى رباط رأسها:
- أين أنا؟ ماذا حدث؟ أين.... أين بيدروس؟ أماني..!
ارتفعت يدها لتمسك ذراع أماني.. ثم نظرت بخوف أعمى بان في عينيها.
.... أين هو؟؟
- إنه بخير! بخير حبيبتي! إنه نائم في الغرفة المجاورة.. كنا قلقين عليك و كم بذلنا من الجهد ليلوذ إلى النوم. لكنه على ما يرام.
- تمتمت آيرين: انقلبت بنا السيارة.....
- أجل حبيبتي.
- و امتدت يدها خلسة إلى جرس الاستدعاء فوق السرير, قلقة لأنها رأت أختها تحاول معرفة التفاصيل إصابتها.. و لا شك أنها ستسأل السؤال الحتمي بين لحظة و أخرى.. و هو سؤال لن ترغب في الرد عليه.
- أضافت : وقعت الحادثة قبل أربعة أيام.
- اتسعت عينا أيرين: أربعة أيام؟ كنت خلالها مستلقية هنا؟
- ابتسمت أماني ممازحة: يا لك من أمرأة كسول!
استرخت آيرين إلى الوسائد تغمض عينيها لحظة, تمرر لسانها على شفتيها الجافتين.. فضغطت أماني الجرس مرة أخرى بشدة و راقبت أختها و هي تشحب مجدداً.. و تهمس:
- جرعة ماء..
- ردت أماندا: بالتأكيد.
- كان عليها التفكير في هذا من قبل.. استقامت مبتعدة لتقدم لها بعض الماء.
- - فقدت الطفل؟
- ولم يكن سؤال... بل تقرير أمر واقع.
- ارتجفت يد أماني : أجل حبيبتي... و أنا أسفة.
- عادت إلى السرير تدس يدها تحت كتف أختها و ترفعها لتشرب.. أذعنت آيرين و لم يبدُ عليها أثر للكرب... و لكن عندما رفعت آماني عينيها إليها. انفطر فلبها بألم بسبب نظرة البؤس التي علت وجهها.
- قالت بضعف: أماني هلاّ استدعيت بيدروس؟
- أعادتها أماني بلطف و قالت بصوت مواسٍ: حالاً حبيبتي.
- قبلت خذها مجدداً و وقفت.
- كان بيدروس نائماً بكامل ثيابه على سرير المستشفى و شعره الأسود مشعث, و بشرته البيضاء تحت لونه الأسمر.. دنت أماندا منه بصمت و لامست كتفه برقة.
- استيقظ منتفضاً و فتح عينيه الحمراوين و نظر إلى أماني
- قالت: استيقظت آيرين.
هبّ عن السرير بحركة واحدة و لكنه ترنح قليلاً:
- يجب أن اذهب إليها...
أوقفته و هو يتحرك نحو الباب: بيدروس انها..... إنها تعرف.
اكفهر وجهه المتعب و هبطت كتفاه للحظة و لكنه عاد فاستقام و تحرك برشاقته العادية نحو الباب.
اتصلت أماني بكايس بعد أسبوع من رحيلها.. و كان أول سؤال طرحه:
- كم سيطول غيابك؟
- و كم أعطوني فرصة؟
- أسبوعين.. يجب أن تشكري نجم سعدك حلوتي... فبديلتك ليست على المستوى المطلوب.. مع ذلك أستطيع تمديد فرصتك أسبوعاً.
فهمت أماني ماذا يرمي إليه... فلو كانت بديلتها بارعة, لبقيت أماني خارج المسرحية... فعلى ممثل المسرح ألا يتعرض لمشاكل شخصية أثناء عرض المسرحية...و الواقع أنها أخلت بشروط العقد لذا كان يحق لهم قانونياً إبدالها نهائياً.
تحدثا قليلاً و كان كايس أكثر من راغب في سرد كل ما له من علاقة بأخبارالمسرح, ثم حين توقف قليلاً ليلتقط أنفاسه سألته بعفوية:
- هل رأيت العمة روزي؟
كرهت نفسها بسبب شوقها و يأسها لكيفن..و لكنها لم تستطع إخراجه من افكارها منذ مجيئه إلى شقتها...و كان رحيله السريع من المستشفى قد تركها مذهولة.. لقد كان كالرجل الذي وقعت في حبه أول مرة خلال رحلة عذاب, لطيفاً مراعياً لمشاعرها, يسهل لها الأمور قدر المستطاع...ثم..ذهب.
ران صمت قصير..ثم قال كايس بطريقته الغريبة التي يستخدمها حين يعتقد أنك تعرف امراً لا تعرفه:
- أنها في ديفون.. أرسلها كيفن مع بعض أقرانها من العجائز في عطلة اماهو فمسافر.. تعرفين أنها تكره البقاء بمفردها في ذلك المنزل الكبير, حلوتي!
- ألم يخبرك ذلك الشرير بالأمر؟أعتقدت أنه عائد إلى لندن معك.. فقد كتب لي لائحة بطول ذراع بأسماء الأشخاص الذين يجب أن ألغي لهم مواعيده معه في الشهر القادم.. ليتني أستطيع السفر مثله...
- حاولت أماني فهم ما يقوله, إنه يبدو و كأن .. لا.. أنها تفهم الأشياء من كلامه ليست موجودة فيه! إنها مجرد أمنيات!هل كيفن في....
- قالت بحذر: لم أشاهد كيفن منذ وصولنا إلى هنا قبل أسبوع.
- - لا؟ أمر غريب.. لقد وصلتني بطاقة بريدية منه بالأمس فقط يقول أنه يصور التاريخ و أن كاميرته تلتقط المشاهد بمفردها.. و قال إنه يفكر بتغيير اختصاصه و التوجه إلى تصوير المشاهد التاريخية بدل الوجوه...
- قال...
- همست بأنفاس مقطوعة: مازال هنا معنا؟؟؟؟
- سرت في أوصالها رعدت إثارة.
- - لقد ذكر لي صهرك, و قال إنه استعار منه مركبه و إنه يفكر في القيام بجولة حول الجزيرة.
- بيدروس يعرف أن كيفن هنا! وقفت أماني مشدوهة كعمود شمع غير قادرة على فهم رأس
- اللغز من قدمه.
- - قال.......
- - وداعاَ كايس.... سأتصل بك, لأعطيك موعداً محدداً لعودتي.
- و وضعت السماعة من يدها, تهتز كورقة شجرة.. تفكيرها يتطاير في كل اتجاه, تشعر بتعاقب الدهشة والبهجة ثم الغضب والشك و.......
- مع إثارة صادمة أسرتها في دوار مربك إلى أن تقدمت السيدة فيرغوس لتربت على كتفها مما جعلها تجفل.. و سألتها باستغراب:
- - هل أنتِ بخير اماندا؟
- ردت مترددة :
- - أنا لا أظن هذا.. أنا..
- صمتت قليلا لتجمع شتات نفسها
- - أتعتقدين أن بيير سينزعج إن تسللت إلى الخارج لساعة أو أكثر؟ أريد التحدث إلى بيدروس.
- جاء الرد:
- - لن يمانع بالتأكيد... إنه مع جده الآن... يصطادان السمك. لماذا لا تذهبين ؟ استخدمي السيارة و لكن رجاء قوديها بحذر.
- ركضت أماني إلى الباب و عيناها تشتعلان بطاقة لم تظهر فيهما منذ سمعت بحادثة أختها.
- استغرقت الرحلة إلى رودس ساعة, فالطرقات في الصباح تزدحم...
- في هذا الموسم يتنقل بيدروس من الفيلا إلى المدينة عن طريق البحر...
- أوقفت السيارة قرب المستشفى,و سارت و هي تدرك أشياء لم تلحظها منذ وصولها إلى رودس الحبيبة: الحرارة على على بشرتها, الشمس على شعرها الأشقر, الحيوية في خطوتها و هي تسير, و تدفق الدم في شراينيها... فكرت بذهول.. لقد عدت إلى الحياة... كيفن هنا في رودس!
- لكن ما إن دخلت إلى غرفة أختها الخاصة حتى تحولت إثارتها إلى قلق... فدوافع كيفن المحيرة أعادت كل دفاعاتها التي بنتها ضده في الأشهر الأخيرة.
- سألتها آيرين: ماذا تفعلين هنا اليوم؟
- كان بيدروس نصف جالس و نصف مستلقٍ على السرير إلى جانب زوجته... يبدو متكاسلاً غير مهتم بالمشهد الحميّم.
- قالت أماني ممازحة: أريد استعارة زوجك...
- نظرت إليها ايرين بعناد: فتشي عن رجل آخر فهذا الرجل محجوز.
- امتدت يدها تمسك الذراع السمراء إلى جانبها بتملك فابتسم بيدروس و رفع يدها إلى شفتيه يلثمها.
- بدت أيرين أفضل حالاَ بعد نزع الضمادات و الكدمة خفت , و لكنها مازالت غير قادرة على أن تحمل أي وزن ثقيل على ساقيها, و ستبقى ذراعها مضمدة لأسابيع... لكنها تبدو أكثر فأكثر الأخت التي تحبها أماندا.
- سألها بيدروس بكسل: من أقلك إلى هنا عزيزتي؟
- - جئت وحدي.
- و نظرت إليه بعجرفتها الخاصة, لأنها عرفت ما يدور في خلده...
- لقد أصبح مجنوناً من فكرة قيادة السيارة منذ الحادثة.. فغير مسموح لأماني أو لأمه بالجلوس وراء مقود السيارة... حتى الآن, أذعنتا له لأنهما لا تريدان زيادة مخاوفه.
- - رغبت في سرقتك من أختي فركبت المرسيدس و قدتها إلى هنا!
- - للغداء؟
- هزت رأسها بشوق:
- - في تلك الترافيرنا قرب ميناء مندراكي.
- كانت الموائد هناك منتشرة فوق المرجة حتى جدار الميناء, تظللها مظلات ملونة لإبعاد حرارة الشمس.
- تنهدت آيرين متأسفة و قالت بصوت متذمر:
- - أريد مرافقتكما.
- قالت أماني بحزم: لا يمكنك هذا... أريد رجلاً... و رجل واحد فقط ينفعني.. لقد استأثرت به بما فيه الكفاية.
- حاولت آيرين عدم التبسم: لكنني أملكه!
- قال بيدروس بتكبر مزيف: عزيزتي... لا أحد يملكني.
- ارتدت إليه و قالت بتحدٍ: أحقاً؟
- نظر إليها عابساً, أما أماني فراحت تراقب تعابير وجهه تلين تدريجياً لتتخذ تعبيراً مختلفاً كل الاختلاف ثم لاحظت زوال الألم من عيني آيرين... فقالت مازحة:
- - أعد أن اردّه لك حالما أنتهي منه.
- تنازلت آيرين: حسناً في هذه الحالة...........
- قررا السير على الأقدام لأن المكان قريب... بيدروس معروف كثيراً في الجزيرة لذا استغرقت المسافة وقتاً أكبر فكلما سارا خطوة كان يضطر للوقوف ليتلقى التهاني بنجاته من الحادثة و التمنيات للزوجة الجميلة بالشفاء.

ما إن وصلا الترافيرنا حتى كانت أماني تبتسم متعبة بسبب عدد المرات التي توقفا فيها.
جلسا على مائدة منفصلة قليلاً عما تبقى من الموائد ثم سرعان ما جاء صاحب الترافيرنا شخصياً ليصافح زائره بترحيب حار.
أخبرها بتعالٍ: نحن شعب صادق منفتح القلب أماندا . انظري حولك و انظري كيف يتشبث مواطنيك الأنكليز بحقائبهم خشية أن يسرقها أحد
بما أنها لم ترغب ألتحدث في هذا الموضوع فحولت الدفة الحديث إلى الطعام.
- سأتناول إحدى السلطات الشهية التي تشتهرون بها.
قال بيدروس محذراً بحزم:
- ستأكلين ما يقدمة بالوس لنا... أو حضري نفسك لعظة يونانية ملؤها الغضب.
ما وصل إليها كان حلماً فقد صفّ أمامها قطعة من لحم الضان السميكة الندية التي وضع قربها الخضار المطهوة .. تلاها ألذ طبق حلوى ذاقته في حياتها! طبقات من قطع الدراق الطازج و آيس كريم على شكل سندويش بينهما فريز طازج.. و كريما مخفوقة طازجة على قمة الطبق فوقها حبات الكرز...
شهقت أماندا: لن أكل كل هذا؟
قال بيدروس بعدم تصديق: سنرى.
و كان مصيباً و كانت مخطئة. كان يضحك عليها حين ارتدت إلى الوراء ممتلئة معدتها حتى التخمة و نظرت إليه بمكر:
- أنت شيطان شرير بيدروس فيرغوس. أخرجتك لتناول غداء خفيف فإذا بك تحشوني بالطعام و كأنك تحضرني للذبح.
رفع نظره إليها بجد: ربما تخبريني اماني لماذا أبعدتني عن زوجتي الحبيبة هه........
فقدت أماني روحها المرحة كذلك.. فقد استحوذت الآن على كامل اهتمامه.. لم تعد متأكدة مما تريده منه... جادلت نفسها: إن كان كيفن في الجزيرة فلماذا لم يحاول الاتصال بها, إن هذا الأمر بحد ذاته رسالة... أليس كذلك؟ و هذا ما جعلها منقسمة بين أن تسأله أم تمتنع عن السؤال.
تمتمت: أنا واثقة لو انك جلست هنا بما فيه الكفاية لمرّ بك كل سكان رودس في النهاية.
- و هل تفكرين في الجلوس هنا لو ظننت أن شخصاً معيناً يمر بك؟
ماكر كالعادة.. لقد ضربها على الوتر الحساس بدون مراوغة ... ارتدت تنظر إليه بحزن.. أيمر به شيء دون أن يشعر به؟
سحبت نفساً عميقاً , ثم قالت و هي تحاول إبعاد تفكيره عن أي شيء أخر:
- حين تفكر بكل التعقيدات التي وقعت و ما كان يمكن ان يقع بسبب الحادثة يجب أن نحمد الله لأن أختي ما تزال قادرة على الحمل مرة آخرى.
مرت بوجهه ومضة ألم..
ازداد صوته عمقاً و أصبح أكثر لطفاً: و هل أنتِ... قلقة عليها,عزيزتي؟
عرف بيدروس انها أدارت دفة الحديث بلباقة إلى اتجاه آخر... فتنهدت باكتئاب:
- قلقت عليها فترة...و هذه حالنا جميعاً..لا.. كنت أحاول فقط المقارنة بأنانية, و لا علاقة لهذا بآيرين.
لا بد أن زوجة كيفن تحطمت تحطماً كاملاً بعدما دمرت عملية الآجهاض المتعمدة فرص الحمل مجدداً..
و أنا أشعر بعدم الراحة لأنه لزمني حادثة أيرين لأفهم هذا.. أفهم لما كان كيفن قلقاً على سوان.
قال بيدروس بحذر: ماذا تحاولين القول أماندا؟ أنك نادمة لأنك لم تسمعي دفاعه؟؟
قالت بقسوة: لقد سمعت دفاعه بيدروس... و لكن ما قلته قبل قليل لا يغير واقعة أنه فضل سوان علي..
لدي مشاعري كما تعرف! و لن أقبل أن أكون الثانية بعد أية أمرأة!
أخذ بيدروس وقته للأجابة و راح يتأمل القوارب و المراكب الراسية على رصيف الميناء, قبل أن يرتد إليها و يرد.
- هل تذكرين يا عزيزتي يوم زرتك في لندن و بحثنا معاً موضوع الرواية التي تلعبينها.
هزت رأسها: الزواج المدبر.
- لقد ذكرنا شيئاُ عن مشكلتي في مواجهة موقف مماثل مع عائلتي المتمسكة بالتقاليد..المرأة الشابة التي كان أهلي قد اختاروها لي,سالي, كبرت وهي تتوقع أن تكون زوجتي.. كنت بالنسبة لها من أملاكها مع أنها لم تكن تحبني!
هز رأسه بقسوة:كنت قاسياً, وقوياً, مستقلاً و هذا ما لا يصلح لها...لأنها بحاجة إلى رجل تستطيع أن تحكمة.. طبيعتها غير بعيدة عن طبيعتي لهذا كنا نتصادم على عامة المستويات.. عندما ظهرت آيرين في الصورة و رأت أن ما تعتقده من ممتلكاتها يُسلب منها قاتلت لتتمسك بي بكل سلاح متوفر لديها..
و لم يهمها عدم كوني الرجل المناسب لها و لم يهمها رفضي إياها مهما كلف الأمر.. و انطلقت تفسد الأمور بيني و بين آيرين و كادت تنجح في هذا... و لو لا بعض الأمور التي لفتت اهتمامي لما تزوجنا أبداً.
فقد ثبتُ إلى رشدي بعدما هربت آيرين إلى انكلترا, و توسلت إليها أن تسامحني لأنني صدقت أكاذيب التي لفقت و لكن..
قاطعته سائلة: لا يمكنك مقارنة وضعك يومذاك بوضع زوجة كيفن السابقة! فلم تكن سوان بحاجة إلى الكذب و الغش لتجعل كيفن يأكل من يدها الصغيرة الحلوة.. ما كان عليها سوى أن تتلاعب على ضميره الحساس.
- لكن هل أنتِ متأكدة من أنها لم تكذب أو تغش و لم تستخدم كل الخدع المتوفرة لديها لتفسد زواجكما؟
- لم أفكر في الأمر من هذه الجهة.
- أن أفراد عائلة هاموند لا يغفرون أبداً.. هل تركت لكيفن فرصة ليشرح لك لماذا امتنع عن إرسال أوراق طلاقكما حتى الآن.. لو كان يريد الزواج بها لما تأخر حتى هذا الوقت.
- ربما لم يعد راغباً في الشرح.. إنه هنا أليس كذلك؟ يستمتع بعطلة لطيفة في مكان ما من الجزيرة...و لا يهتم أبداً برؤيتي!
قال بيدروس برضى: آه..! لكن لو مرّ بهذه المائدة بعد دقيقة و عرض عليك أن يشرح موقفه فهل ستقبلين الإصغاء إليه؟
تمتمت عابسة: ربما.. لو أراد كيفن شرح الأمر لأصغيت إليه.. أجل..
- و ستعترفين أنك مدينة له بتلك الفرصة.
- أدين له؟ أنا لا أدين له بشيء؟
- أنتِ مدينة له بالوقت عزيزتي, لقد تخلى عن وقته ليرافقك إلى هنا عندما احتجت إليه.. و مثل هذا الدين بحسب العرف اليوناني أمر لا بدّ من ردّه.
ردت ساخرة: لكنني زوجته و لا أظن أن مرافقته إياي تضحية.. و لو افترضنا أنني مدينة له فأين هو لأردّ له دينه؟
ابتسم بيدروس بسبب حدة دفاعها عن نفسها: و من قال لك أنه ما يزال في الجزيرة؟
- كايس.. تكلمت مع كايس هذا الصباح.. و ذكر لي هذا الحديث.
- فهرعت إلي لتقولي لي أنك تغلبت على كبريائك العنيدة.
ضحك ضحكة مثيرة فأردفت غاضبة:
- لقد ذكر كايس شيئاً عن استعارته لمركبك, لذا افترضت أنك تعرف مكانه.
- لو كنت أملك هذه المعلومات فماذا كنت ستفعلين بها؟
نظرت أماندا إلى المرفأ والثورة و الغضب على وجهها.. ثم ارتدت تواجه صهرها:
- لو كان هنا لذهبت أبحث عنه.
- لماذا؟
ردت : لماذا؟
و تخلت عنها كل دفاعاتها, تاركة خلفها امرأة ضعيفة متألمة:
- لأنني... لأنني بحاجة إليه... لأنني.... أريد... أريده.
اغرورقت عيناها الجميلتان الزرقاوان بدموع الضعف, و أضافت متمتمة:
- لأنني... أحبه.
مرت لمسة حنان على وجه صهرها و امتدت يده تضغط على يدها معتذراً. سألته همساً: أين هو بيدروس؟
اشتد اسوداد عينيه في وجه متجهم كئيب. انتظرت أماني و قد توقف تنفسها.. أما بيدروس فبدا و كأنه يقوم مع معركة مع نفسه... ثم هز رأسه و تنهد بعدم رضى.
قال اخيراً: لا أستطيع إخبارك عزيزتي.. عندما قابلته لآخر مرة كان يفكر في ركوب الناقلة التجارية إلى كوس لقضاء بضعة أيام في زيارة الأماكن السياحية.. و لكنني سأقوم بتحرياتي أماندا.. و ما إن أجده حتى أخبرك

 
 

 

عرض البوم صور gagui   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أماني, أحلام, ميشيل ريد, eye of heaven, دار الفراشة, michelle reid, روايات مكتوبة, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات احلام الرومانسية, روايات رومانسية, رواية
facebook




جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t89372.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 10-05-10 07:38 AM


الساعة الآن 11:30 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية