لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-06-08, 09:12 AM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 74176
المشاركات: 493
الجنس أنثى
معدل التقييم: وردة الياسمين عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 39

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وردة الياسمين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : arewa المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

حبيبتي ارجوكي تكمليها بسرعه عجبتني كتير ونريد نعرف التكمله يا عسل

 
 

 

عرض البوم صور وردة الياسمين   رد مع اقتباس
قديم 29-06-08, 07:50 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45653
المشاركات: 214
الجنس أنثى
معدل التقييم: arewa عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 30

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
arewa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : arewa المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

5- النبضات الهائمة



- كيف كان موعدك ؟ هل استمتعت بوقتك ؟
رددت سارا ببلادة : " موعدي ؟ " .
- الى السينما مع مايك . لا تقولي لي بأنك نسيت الأمر ؟
وضحكت إيرين وهي تلتقط مئزرا ثم أضافت :
- ربما هناك شخص آخر يشغل ذهنك ... كطبيبنا الوسيم نيال , مثلا؟
- لا طبعا . لا تكوني سخيفة . كل ما في الأمر أنني لم أفهم ما قصدته .
وعضت سارا على شفتيها وهي ترى نظرة إيرين , وتمنت لو أنها لم تتسرع بهذا الشكل لإنكار ماهو مجرد دعابة . لكنها أنكرت بعنف لأن في ما قالته إيرين شيئا من الحقيقة .
وتنهدت وهي تلتقط مئزرا آخر , واعترفت لنفسها بأسف بأنها لا تكاد تتذكر شيئا من سهرتها مع مايك داوسن , حتى أنها لا تتذكر اسم الفيلم الذي شاهداه . فقد احتل نيال جيلسبي تفكيرها كله , على مدار اليومين الماضيين , من لحظة استيقاظها صباحا , وحتى خلودها الى النوم مساءا .
لقد مضى يومان على حادثة لقائها الأخير بنيال . ولم تطلع سارا أحدا على الأمر , كما لم تكن لتفعل ذلك , خصوصا بعدما قالته إيرين لتوها .
كانت في إجازة منذ ذلك الحين , وقد أمضت وقتها في تنظيف منزلها الصغير المميز بشرفته . وشعرت , بطريقة ما , بالراحة بعد زيارتها تلك الى منزل نيال التي شوشت أفكارها . وقد توصلت في الليلة الماضية الى الى حل يقضي بأن تبتعد عنه لفترة من الزمن . وسيكون الأسبوع القادم فرصة سانحة لذلك , إذ ستستلم المناوبة ليلا لمدة خمسة أيام , ولن تصادفه غالبا , مما يمنحها بعض الوقت لتنظيم حياتها وتتوقف عن التفكير فيه طوال الوقت . لكنها أدركت الآن أن إقصاء نيال عن ذهنها لن يكون بهذه السهولة .
- حسنا , لا أظننا سنواجه أي مشاكلة حقيقية عدا عن ازعاج " تريشا " . فهي لم تتوقف عن الشكوى منذ أحضروها الى هنا .
فضحكت سارا وتبعتها الى داخل الغرفة , مصممة على أن تركز تفكيرها على عملها . نظرت المرأة الشابة المستلقية على السرير اليهما وما لبثت أن لوت شفتيها منزعجة .
- قلت لكم إنني أريد حقنة المسكن . فلماذا لم تعطوني إياها ؟
قالت إيرين :
- طلبت من الدكتورة " بيتل " أن تأتي لتفحصك , يا تريشا . وهي ستطلب من طبيب البنج أن يعطيك الحقنة إذا كنت تريدينها .
ردت تريشا بحدة وهي تحملق فيهما :
- طبعا أريدها . ولماذا أتحمل العذاب ؟
تقدمت سارا من السرير لتفحص مدى اتساع رحم المرأة . فوجدت أنه لم يصل بعد الى الثلاثة سنتيمترات , مما يعني أن المخاض ما زال في مرحلته الأولى , وأن الطلق سيكون قصيرا ومتباعدا قبل أن يتسع الرحم بما يكفي لولادة الطفل .
قالت تخفف عنها :
- كل شيء طبيعي يا تريشا . وإذا كنت تشعرين بحاجة ماسة الى مخدر , فأنا واثقة من أن الدكتورة " بيتل " سترضى بإعطائك . على أي حال , تعلمين أنه إذا ما خدر القسم الأسفل من جسدك , فلن تشعري بالطلق أليس كذلك ؟
حدقت تريشا فيها ببرودة , وأجابت :
- أعلم طبعا , فأنا لست غبية . ولهذا أريدها ! ألا يكفي أن هذا الطفل في أحشائي حتى يكون علي أن أتألم أيضا ... ؟
سكتت فجأة ثم صرخت :
- آوه ه ه ... افعلا شيئا من أجلي . أليس هذا هدف وجودكما هنا ؟
فرفعت إيرين حاجبيها قائلة لسارا :
- سأتصل مرة أخرى بمينا .
أومأت سارا تحاول أن تهدىء تريشا . ولم تكن هذه بالمهمة السهلة لأن المرأة كانت مصممة على تصعيب الأمور وتعقيدها . وتوالى الطلق , فشعرت بالراحة عندما جاءت الدكتورة مينا بيتل ووافقت على استدعاء طبيب البنج .
اتصلت سارا بالطبيب وإن كانت , على غرار إيرين , تفضل عدم اللجوء الى المخدر , الذي يراد منه ألا تشعر المرأة بالألم , ولكنه يمنعها من التجاوب مع الطلق بعد أن تفقد الإحساس بالقسم السفلي من جسمها .
على أي حال , عندما ترفض المرأة الاصغاء الى آراء الآخرين , يضطر الفريق الطبي الى النزول عند رغبتها , والعمل وفقا لرأيها .
وكان حقن هذه المرأة بالمخدر أشبه بالكابوس . فقد تعاونت إيرين وسارا معا كي تمنعا تريشا من الحركة أثناء حقنها بالإبرة بين فقرات العمود الفقري . ووجدت صعوبة في الاستلقاء على جنبها بسبب حملها , فلم تكف عن الصراخ وإطلاق الشتائم أثناء محاولتهم تقديم العون لها .
وعندما انتهى الأمر , تنهد طبيب البنج " جون ريدواي " , بارتياح , وقد ارتسمت على ملامحه الأحاسيس والأفكار التي يأبى الإفصاح عنها أمام المريضة .
وضحكت سارا عندما رأته في الممر خارج الغرفة , فراح يعبر عن تعاطفه معها لما ستواجهه مع هذه المريضة . لوحت بيدها وهو يتوجه نحو المصعد , لكن ابتسامتها ما لبثت أن بهتت عندما فتح باب المصعد ليخرج منه نيال . ومضت لحظة تلاقت فيها عيونهما , لحظة واحدة فقط , شعرت أثناءها أن حياتها كلها اختصرت فيها .
بدا وكأن عينيها تعلقتا بجاذبية خارجة عن سيطرتها . وحين حول عينيه مسرعا نحو الاتجاه المعاكس , شعرت وكأنها سقطت من السماء الى الأرض .
أخذت نفسا عميقا , وأدركت , فجأة أنها كانت قد حبست أنفاسها , وأن أعصابها توترت والحرارة سرت في كيانها . حتى إذا ما عادت الى الغرفة مضطربة , أفلت الباب من يدها فانصفق بعنف .
- هل أنت بخير يا سارا ؟
ظهر الاهتمام في صوت إيرين فجعلها تتخلص من السحر الذي أسرها . وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهته , أدركت معها صعوبة التصرف بشكل طبيعي .
قالت وهي تلقي على تريشا نظرة تحمل معنى خفيا :
- أنا بخير , شكرا .
ضحكت إيرين , وهي تركز انتباهها على المريضة بعد أن اطمأنت الى حسن سير الأمور . ودنت منها سارا لتساعدها آملة أن تتمكن من ذلك .
هنالك خطأ ما ... أمر غير عادي يحدث لها . وقد بدأ ذلك منذ رأت نيال جيلسبي للمرة الأولى . ويزداد هذا الأمر سوءا يوما بعد يوم .
***
- انه صبي , يا تريشا . طفل جميل . هل تريدين حمله ؟
وانهت سارا ربط سرة الطفل ثم قدمته الى امه .
- آه لا ! ألا ترينه لزجا ومنتفخا ؟
وأغمضت تريشا عينيها وكأن منظر طفلها أثار اشمئزازها .
شعرت سارا برغبة مفاجئة في الإمساك بها وهزها بعنف , لكنها سيطرت على شعورها هذا . إن الولادة تؤثر في كل امرأة , ومن الخطأ أن تدين تريشا وهي في هذه الحالة من الإنهاك وتوتر الأعصاب .
لو كان معها أحد أثناء المخاض لأفادها ذلك , ولكن سارا لم تر أي شخص معها منذ أحضرتها سيارة الإسعاف . مما جعلها تتساءل عن مكان والد الطفل , وعما إذا كانا منفصلين . وهل هذا يفسر موقف تريشا من الطفل ؟
منتديات ليلاس
تنهدت لهذه الفكرة , ثم حملت الطفل الى الطاولة وأجرت له الفحوصات اللازمة , من وزن وقياس وطول ومحيط الرأس وسجلت التفاصيل في ملفه , فيما راح يتأملها برزانة المواليد الجدد , وكأنه عرف كل هذا من قبل .
ابتسمت سارا وهي تتحدث اليه برقة , ولاحظت محاولته للتركيز على وجهها . وكانت قد أعدت حوضا مليئا بماء دافىء لتحممه , فضحكت حين رأت وجهه يتغضن بعد أن غمرته بالماء برفق . وراحت تكلمه برقة :
- هيا ياحبيبي . أنت تحب ذلك , فهو أشبه برجوعك الى بطن أمك .
فقالت إيرين من خلفها :
- ربما أحسن . تخيليه مرتبطا بها لمدة تسعة أشهر .
فقالت سارا مؤنبة , وهي تكتم ضحكتها :
- هل هذه طريقة مناسبة للحديث عن الأم الجديدة ؟
فتنهدت إيرين وأجابت :
- آه , لا . لكنها الحقيقة . لقد خطر في بالي مرارا أن أصفع تلك السيدة الشابة , لا سيما عندما رأيت الطفل الرائع الذي أنجبته .
- بعض النساء يتلهفن للحصول على طفل بصحة جيدة مثله .
وأخفضت صوتها الى حد الهمس وهي تضيف :
- وضعت جويس بيننغ جنينها . وقد حضر الدكتور جيلسبي خصيصا ليكون بجانبها .
سألتها سارا بهدوء :
- هل هما بخير ؟ أعني جويس والطفل سام ؟
- بألف خير . سمعت أن المخاض لم يكن سهلا ولكنك تعرفين جويس , فقد تغلبت على ذلك . وطلبت هي وزوجها , أن ينفردا بالطفل لبعض الوقت قبل أخذه لاجراء الاختبارات اللازمة .
- وهل وافق نيا ... الدكتور جيلسبي على ذلك ؟
صححت سارا كلامها , وحاولت أن تتجاهل النظرة التي رمقتها بها إيرين .
- نعم , لماذا ؟ تبدو عليك الدهشة ؟
هزت سارا كتفيها , فقالت :
- آه , لاشيء . لكنه , في أول يوم عمل له هنا , عنفني لأنني لم ألتزم بالتعليمات حرفيا قبل أن أعطي الطفل لأمه .. أعني بالنسبة للوزن والقياس وغيره .. ويدهشني أنه سمح لجويس بذلك .
فضحكت إيرين وردت :
- استنادا الى معرفتي بك , أتصور أنك شرحت له وجهة نظرك في هذا الموضوع . ولعلك حاولت اقناعه بها .
ابتعدت إيرين عندما أخذت تريشا تنادي من سريرها بكآبة , طالبة جرعة ماء . فأنهت سارا غسل الطفل . محاولة تجاهل الزهو الذي شعرت به لاحتمال أن نيال أخذ بوجهة نظرها ..
تنهدت وهي تجفف الطفل بحذر , ثم وضعت حول معصمه وكاحله بطاقة تحدد هويته , من تراها تخدع ؟ إذا قرر نيال أن يخالف القوانين المتبعة في هذه الحالة , فالسبب يعود الى حالة جويس الخاصة , ولاعلاقة لها هي سارا هاريس , بالأمر .
***
- إنه رائع الجمال , يا جويس .
مررت جويس أُنمُلتها على خد سام . فتجاوب للمستها وأدار رأسه نحوها وقد رفع عينيه الى أعلى , يفتش بنهم عن الطعام .
- هممم ... إنه يعرف ما يريده , أليس كذلك ؟
وضحكت جويس وهي ترفعه من سريره وتقبل رأسه الأشقر . كانت أعاقته واضحة في انحراف عينيه وتسطح قسمات وجهه , لكن سارا أدركت أن أمه اعتادت هذه الفكرة أثناء حملها .
كانت جويس شديدة الاهتمام بصحة سام لأنه منغولي . فهؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل مختلفة , في القلب وفي تكوين الأمعاء . لذا تلهفت سارا لمعرفت نتيجة الاختبارات , فسألتها , عندما فتحت قميص نومها لإرضاعه :
- كيف حاله , يا جويس ؟
- بأحسن حال . عاد الدكتور جيلسبي منذ وقت قصير ليعلمني بأن كل شيء طبيعي , من الناحية الجسدية على الأقل .
وابتسمت جويس وهي تضع سام على صدرها لإرضاعه .
- هذا حسن . لابد أن هذا الأمر قد أراحك .
- نعم . فقد كنت أنا ورالف , قلقين للغاية .
وتنهدت جويس وهي تتأمل سام الذي راح يرضع بنهم . وتابعت تقول :


- قد يظهر العيب لا حقا فلعله أصم , كمعضم الأطفال أمثاله . كما لا نعرف الى أي مستوى يمكنه أن يتعلم .
قالت سارا مشجعة :
- شهدت طرق تعليم أمثال سام من الأطفال تقدما ملحوظا .
والتفتت حين سمعت الباب يفتح , وشعرت بدم حار يتدفق في عروقها حين رأت نيال في الباب .
- هذا بالضبط ما قاله الدكتور جيلسبي .
وضحكت جويس وهي تنقل نظرها بين سارا والرجل الطويل الواقف في الباب ثم أضافت :
- اتراكما متفقين على ذلك ؟
فقال نيال باسما وهو يتقدم نحو السرير , رامقا سارا بنظرة ممازحة:
- لا أدري ماذا تعنين , يا جويس , ما الذي أقحمتني فيه يا سارا ؟
- كنت أخبر جويس بأن طرق تعليم الأطفال المنغوليين قد تطورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة .
وارتجفت قليلا , محاولة تجاهل البهجة التي تملكتها حين يتحدث اليها بلهجتة الدافئة تلك , وتابعت تقول : " يبدو أنك قلت لها الشيء نفسه .
رد بهدوء : " هذا صحيح " .
وابتسم لها يضيف :
- فكرة واحدة في رأسين , أليس كذلك ؟
أدركت أن ما دار بينهما مجرد حديث قصير , لكن , مع ذلك , شعرت وكأنهما يتشاركان لحظة ذات دلالة عميقة .
ضحك وأضاف وهو يلتفت الى جويس قائلا :
- هناك طرق عديدة اليوم لمساعدة الأطفال المنغوليين على إكمال حياتهم بشكل طبيعي .
لم تسمع سارا جواب جويس . فقد اعتذرت بسرعة وخرجت من الغرفة باذلة جهدها للسيطرة على شعورها بخيبة الأمل الذي كاد يسحقها . ماذا جرى لها ؟ ولم هذا الشعور بالاحباط الذي تملكها لأن نيال لم يعن شيئا بتلك الملاحظة ؟ هل كان يقول الشيء نفسه لأي زميل له .
- أتراني قلت شيئا أزعجك , يا سارا ؟
استدارت بسرعة عندما سمعت صوت نيال خلفها . كان الممر معتما بعد أن خففت الأنوار بسبب الدوام الليلي , وتساءلت عما إذا
كان هذا السبب الذي جعلها عاجزة عن قراءة تعابير وجهه .
- لا . طبعا لا .
وضحكت ضحكة رنانة متوترة بحيث لم تكن مقنعة , فرأته يقطب حاجبيه .
- اسمعي يا سارا . إذا كان هناك ...
وسكت فجأة عندما توقف المصعد وخرج منه ممرض يدفع العربة التي استلقت عليها تريشا , بغية نقلها الى القسم . وتنبهت سارا لنظرة التأمل التي بدت على وجه صديقتها حين رأتها مع نيال , ولم تستطع احتمال التفكير في الأسئلة التي ستطرحها عليها لاحقا ! فقالت بسرعة :
- أنا ... علي أن أذهب . علي أن أطمئن الى أرييل قبل أن أعود الى الطابق السفلي , إذ يبدو أن الكثير من العمل ينتظرنا الليلة .
لم يحاول نيال أن يستبقيها وهي تسرع مبتعدة , ولكن لماذا يفعل ذلك ؟ طرحت على نفسها هذا السؤال ساخرة , فإنجازها لعملها بكفاءة هو كل ما يهمه .
وقفت خارج الغرفة حيث خصصت لأرييل ممرضة على مدار الأربع وعشرين ساعة . تنهت الى أن التفكير في نيال سبب لها بعض الألم وقررت التوقف عن ذلك . فقد بذلت ما يكفي من الجهد , للبحث في أعماق نفسها بما عقدت العزم عليه سابقا , أي تركيز تفكيرها على عملها .
لسوء حظها صادفت نيال الليلة , لكن كان عليها أن تدرك حقيقة الأمور ... فنيال جيلسبي زميلها في العمل فقط لا غير . ومدت يدها تدير مقبض الباب وهي تتمنى لو تقتنع بكل ذلك !
رفعهت الممرضة المخصصة للسهر على أرييل , رأسها عند دخول سارا , وهمست قائلة :
- هل جئت لفحص مريضتنا ؟
- نعم , كيف حالها ؟
أجابتها سارا همسا لئلا تزعج المريضة النائمة , ثم أمسكت بملفها ولم تتفاجأ حين رأت أنها لا تزال تعطى حقن الفاليوم في الوريد منذ يومين للحد من تأثير الإرجاج .
- هذا حسن . إنها أفضل حالا مما توقعته لها , عندما رأيتها للمرة الأولى . كانت المسكينة في حالة يرثى لها حينذاك . لكن ضغطها جيد , ولم تعد تنتابها نوبات التشنج .
فتثاءبت الممرضة ثم ضحكت , وقالت :
- في الواقع , لقد أعجبني العمل هنا . إذا احتجتم الى ممرضة خاصة مجددا , فضعوني في رأس القائمة ! لقد دهشت حين اتصلوا بي . فأنا أعرف الميزانية المحددة لهذا الغرض , وكلفة الممرضة الخاصة مرتفعة جدا والشخص الذي أقنع الإدارة بدفع أجرة ممرضة من الوكالة , شخص غير عادي دون شك .
أومأت سارا , وقد حارت في الجواب , ثم أعادت وضع الملف على حافة السرير وخرجت من الغرفة . نظرت الى الممر فلم تر أثرا لنيال . وتنهدت بعمق وهي تفكر في ما قالته الممرضة عن غير قصد . كان كلامها صحيحا , فنيال جيلسبي ليس شخص غير عادي في الواقع , وهذا جزء من مشكلتها .

***
هتفت سارا بحيرة وهي ترى الفتى السائر في الممر :
- كدت لا أعرفك .
كانت في طريقها الى غرفة الممرضات عندما رأت جيسون صديق إرييل . وقفت تطيل النظر اليه ولم تستطع منع نفسها من التعجب للتغيير البادي عليه بعدما اغتسل وارتدى ملابس نظيفة , فلم يعد ذاك الفتى الرث المظهر الذي رأته منذ بضعة أيام . كما اختفى ذلك الشعر الأشعث المتشابك الخصلات وحل محله هالة من الشعر الجعد البني الفاتح مضفية عليه مظهرا غريبا . أما الأوشام والقرطان في أذنيه فبدا وكأنه عاجز عن التخلص منها .
ومع ذلك , كان هذا تحسنا كبيرا يعكس استعداده للقيام بأي تغيير كي يتمكن من رؤية أرييل وإبنته .
سألته سارا وهي تسير الى جانبه في الممر :
- ماذا تفعل هنا في هذا الوقت الباكر ؟ لن تتمكن من رؤية أرييل الآن فهل جئت لترى " ستار " .
فقال بابتسامة عريضة ممزوجة بشيء من الخجل , وكأن تبدل مظهره يزعجه :
- نعم . لقد سمحوا لي بحملها في الأمس , لدقيقة واحدة فقط . وقالوا لي إنني إذا ما جئت باكرا فقد يسمحون لي بإطعامها .
فقالت سارا مشجعة :
- هذا حسن . إن وجودك مفيد جدا لتحسن صحة ستار . لقد اطمأننت عليها أثناء الليل , فأخبرتني الممرضات أن صحتها في تحسن مستمر .
ووقفت خارج العناية الفائقة لتتأمل من خلال الزجاج الأطفال المرضى , وكان عددهم خمسة . كانت ستار في حاضنة قرب النافذة فابتسمت سارا وهي ترى مدى تحسن مظهرها .
ففي الأيام الأولى , كانت ستار تتغذى من خلال أنابيب وضعت في أنفها , وهاهو جلدها قد فقد احمراره وأصبح لونه طبيعيا تقريبا لأنها اكتسبت بعض الوزن . كما أصبحت تتنفس الأوكسجين بانتظام عبر أنابيب دقيقة في أنفها . ولم تكن ترتدي سوى حفاض وقد لفت بمنشفة لتحفظ حرارة جسمها ووضعت على رأسها قلنسوة , رأت سارا من تحت طرفها خصلة

شعر حمراء فضحكت مسرورة , وسألت :
- ممن ورثت ابنتك الشعر الأحمر ؟
فرد باختصار : " من أمي " .
- وهل تعلم بأمر ستار ؟
- لا . فهي لن تهتم بذلك .
بدا التمرد في عينيه لكنه لم يستطع إخفاء ألمه , حين أضاف :
- لم تعد تهتم بكل ما أفعله منذ تزوجت من جديد .
وابتسم لها بتوتر ثم توجه الى الجرس يقرعه .
تنهدت سارا وهي ترى الممرضة تدخله الى الغرفة , ثم تابعت طريقها في الممر . تبا لمثل هذه الأم إذا ما صح كلام جيسون ! فهي لا تستطيع العيش بعيدا عن أسرتها بهذا الشكل , وبالرغم من أن والديها يعيشان في الطرف الآخر من البلاد , إلا أنها واثقة من أنهما سيساندانها حالما يشعران بحاجتها اليهما ...
شهقت حين اصطدمت بجسد صلب , أمسك بها على الفور بعد أن كادت تقع وقال : " هل أنت بخير؟ " .
- أظن ذلك ...
وأخذت نفسا عميقا , لكن هذا المقدار من الهواء لم يكفها , لأنها بكل بساطة تحدق في وجه نيال جيلسبي القلق . ووجدت نفسها تتساءل عما إذا كان على الأرض كلها ما يكفي من الهواء ليهدىء أعصابها وأنفاسها المتسارعة .
راح قلبها يتخبط بين ضلوعها , وهي تجاهد لتتمالك نفسها , تخلصت من يده المحيطة بخصرها وقالت :
- آسفة ... لم أرك .
- هذا ما لاحظته .
ارتجفت سارا إذ سرت القشعريرة في جسمها . وأدركت على الفور أن نيال شعر بردة فعلها إذ سألها بصوت متهدج بعث الاضطراب في نفسها .
- أظنك ستغادرين الآن بعد أن أنهيت عملك ؟
- ن ... نعم .كانت ليلة حافلة , وأنا أتطلع بشوق الى سريري في البيت .
وحاولت أن تبتسم مضيفة :
- آسفة على اصطدامي بك بهذا الشكل . يجب أن أنتبه لخطواتي في المستقبل .
فقال بفروغ صبر , وقد ظهر على وجهه تعبير غريب :
- اسمعي يا سارا , أنا ...
- سارا ! هذا رائع . لقد أدركتك .
سكت نيال فجأة حين رأى مايك متجها نحوهما بسرعة . ولا حظت سارا أن وجهه عاد ليكتسي قناعه المعتاد . وما إن وصل مايك حتى أخذ ينقل نظراته بينهما مترددا :
- عفوا , لم أقصد قطع حديثكما , لكنني كنت أتساءل عما إذا كنت تريدين أن أقلك الى بيتك , يا سارا .
- نعم , شكرا يا مايك . هذا عظيم .
استطاعت بشكل ما , أن تحافظ على هدوء صوتها , لكن نبضات قلبها تسارعت بعنف . رمقت نيال بنظرة سريعة , متسائلة عما كان سيقوله قبل هذه المقاطعة . لكن ملامحه الجامدة لم تفصح عن أي شيء وهو يعتذر منهما بهدوء ليتركهما وحيدين .
- هل أنت جاهزة ؟ إذا كانت ليلتك متعبة كليلتي , فلا بد أنك متلهفة للوصول الى بيتك .
- هذا صحيح . هيا بنا , إذن .
واتجها نحو باب الخروج , وعندما انطلقت بهما الدراجة في شوارع المدينة أغمضت عينيها وهي تتساءل مرة أخرى عما كان نيال سيقوله ... وتنهدت متعبة , وقد أدركت أنها عادت الى ما كانت عليه من قبل , فصممت على أن تتوقف عن التفكير فيه طوال الوقت .

 
 

 

عرض البوم صور arewa   رد مع اقتباس
قديم 29-06-08, 07:53 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45653
المشاركات: 214
الجنس أنثى
معدل التقييم: arewa عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 30

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
arewa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : arewa المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

5- النبضات الهائمة



- كيف كان موعدك ؟ هل استمتعت بوقتك ؟
رددت سارا ببلادة : " موعدي ؟ " .
- الى السينما مع مايك . لا تقولي لي بأنك نسيت الأمر ؟
وضحكت إيرين وهي تلتقط مئزرا ثم أضافت :
- ربما هناك شخص آخر يشغل ذهنك ... كطبيبنا الوسيم نيال , مثلا؟
- لا طبعا . لا تكوني سخيفة . كل ما في الأمر أنني لم أفهم ما قصدته .
وعضت سارا على شفتيها وهي ترى نظرة إيرين , وتمنت لو أنها لم تتسرع بهذا الشكل لإنكار ماهو مجرد دعابة . لكنها أنكرت بعنف لأن في ما قالته إيرين شيئا من الحقيقة .
منتديات ليلاس
وتنهدت وهي تلتقط مئزرا آخر , واعترفت لنفسها بأسف بأنها لا تكاد تتذكر شيئا من سهرتها مع مايك داوسن , حتى أنها لا تتذكر اسم الفيلم الذي شاهداه . فقد احتل نيال جيلسبي تفكيرها كله , على مدار اليومين الماضيين , من لحظة استيقاظها صباحا , وحتى خلودها الى النوم مساءا .
لقد مضى يومان على حادثة لقائها الأخير بنيال . ولم تطلع سارا أحدا على الأمر , كما لم تكن لتفعل ذلك , خصوصا بعدما قالته إيرين لتوها .
كانت في إجازة منذ ذلك الحين , وقد أمضت وقتها في تنظيف منزلها الصغير المميز بشرفته . وشعرت , بطريقة ما , بالراحة بعد زيارتها تلك الى منزل نيال التي شوشت أفكارها . وقد توصلت في الليلة الماضية الى الى حل يقضي بأن تبتعد عنه لفترة من الزمن . وسيكون الأسبوع القادم فرصة سانحة لذلك , إذ ستستلم المناوبة ليلا لمدة خمسة أيام , ولن تصادفه غالبا , مما يمنحها بعض الوقت لتنظيم حياتها وتتوقف عن التفكير فيه طوال الوقت . لكنها أدركت الآن أن إقصاء نيال عن ذهنها لن يكون بهذه السهولة .
- حسنا , لا أظننا سنواجه أي مشاكلة حقيقية عدا عن ازعاج " تريشا " . فهي لم تتوقف عن الشكوى منذ أحضروها الى هنا .
فضحكت سارا وتبعتها الى داخل الغرفة , مصممة على أن تركز تفكيرها على عملها . نظرت المرأة الشابة المستلقية على السرير اليهما وما لبثت أن لوت شفتيها منزعجة .
- قلت لكم إنني أريد حقنة المسكن . فلماذا لم تعطوني إياها ؟
قالت إيرين :
- طلبت من الدكتورة " بيتل " أن تأتي لتفحصك , يا تريشا . وهي ستطلب من طبيب البنج أن يعطيك الحقنة إذا كنت تريدينها .
ردت تريشا بحدة وهي تحملق فيهما :
- طبعا أريدها . ولماذا أتحمل العذاب ؟
تقدمت سارا من السرير لتفحص مدى اتساع رحم المرأة . فوجدت أنه لم يصل بعد الى الثلاثة سنتيمترات , مما يعني أن المخاض ما زال في مرحلته الأولى , وأن الطلق سيكون قصيرا ومتباعدا قبل أن يتسع الرحم بما يكفي لولادة الطفل .
قالت تخفف عنها :
- كل شيء طبيعي يا تريشا . وإذا كنت تشعرين بحاجة ماسة الى مخدر , فأنا واثقة من أن الدكتورة " بيتل " سترضى بإعطائك . على أي حال , تعلمين أنه إذا ما خدر القسم الأسفل من جسدك , فلن تشعري بالطلق أليس كذلك ؟
حدقت تريشا فيها ببرودة , وأجابت :
- أعلم طبعا , فأنا لست غبية . ولهذا أريدها ! ألا يكفي أن هذا الطفل في أحشائي حتى يكون علي أن أتألم أيضا ... ؟
سكتت فجأة ثم صرخت :
- آوه ه ه ... افعلا شيئا من أجلي . أليس هذا هدف وجودكما هنا ؟
فرفعت إيرين حاجبيها قائلة لسارا :
- سأتصل مرة أخرى بمينا .
أومأت سارا تحاول أن تهدىء تريشا . ولم تكن هذه بالمهمة السهلة لأن المرأة كانت مصممة على تصعيب الأمور وتعقيدها . وتوالى الطلق , فشعرت بالراحة عندما جاءت الدكتورة مينا بيتل ووافقت على استدعاء طبيب البنج .
اتصلت سارا بالطبيب وإن كانت , على غرار إيرين , تفضل عدم اللجوء الى المخدر , الذي يراد منه ألا تشعر المرأة بالألم , ولكنه يمنعها من التجاوب مع الطلق بعد أن تفقد الإحساس بالقسم السفلي من جسمها .
على أي حال , عندما ترفض المرأة الاصغاء الى آراء الآخرين , يضطر الفريق الطبي الى النزول عند رغبتها , والعمل وفقا لرأيها .
وكان حقن هذه المرأة بالمخدر أشبه بالكابوس . فقد تعاونت إيرين وسارا معا كي تمنعا تريشا من الحركة أثناء حقنها بالإبرة بين فقرات العمود الفقري . ووجدت صعوبة في الاستلقاء على جنبها بسبب حملها , فلم تكف عن الصراخ وإطلاق الشتائم أثناء محاولتهم تقديم العون لها .
وعندما انتهى الأمر , تنهد طبيب البنج " جون ريدواي " , بارتياح , وقد ارتسمت على ملامحه الأحاسيس والأفكار التي يأبى الإفصاح عنها أمام المريضة .
وضحكت سارا عندما رأته في الممر خارج الغرفة , فراح يعبر عن تعاطفه معها لما ستواجهه مع هذه المريضة . لوحت بيدها وهو يتوجه نحو المصعد , لكن ابتسامتها ما لبثت أن بهتت عندما فتح باب المصعد ليخرج منه نيال . ومضت لحظة تلاقت فيها عيونهما , لحظة واحدة فقط , شعرت أثناءها أن حياتها كلها اختصرت فيها .
بدا وكأن عينيها تعلقتا بجاذبية خارجة عن سيطرتها . وحين حول عينيه مسرعا نحو الاتجاه المعاكس , شعرت وكأنها سقطت من السماء الى الأرض .
أخذت نفسا عميقا , وأدركت , فجأة أنها كانت قد حبست أنفاسها , وأن أعصابها توترت والحرارة سرت في كيانها . حتى إذا ما عادت الى الغرفة مضطربة , أفلت الباب من يدها فانصفق بعنف .
- هل أنت بخير يا سارا ؟
ظهر الاهتمام في صوت إيرين فجعلها تتخلص من السحر الذي أسرها . وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهته , أدركت معها صعوبة التصرف بشكل طبيعي .
قالت وهي تلقي على تريشا نظرة تحمل معنى خفيا :
- أنا بخير , شكرا .
ضحكت إيرين , وهي تركز انتباهها على المريضة بعد أن اطمأنت الى حسن سير الأمور . ودنت منها سارا لتساعدها آملة أن تتمكن من ذلك .
هنالك خطأ ما ... أمر غير عادي يحدث لها . وقد بدأ ذلك منذ رأت نيال جيلسبي للمرة الأولى . ويزداد هذا الأمر سوءا يوما بعد يوم .
***
- انه صبي , يا تريشا . طفل جميل . هل تريدين حمله ؟
وانهت سارا ربط سرة الطفل ثم قدمته الى امه .
- آه لا ! ألا ترينه لزجا ومنتفخا ؟
وأغمضت تريشا عينيها وكأن منظر طفلها أثار اشمئزازها .
شعرت سارا برغبة مفاجئة في الإمساك بها وهزها بعنف , لكنها سيطرت على شعورها هذا . إن الولادة تؤثر في كل امرأة , ومن الخطأ أن تدين تريشا وهي في هذه الحالة من الإنهاك وتوتر الأعصاب .
لو كان معها أحد أثناء المخاض لأفادها ذلك , ولكن سارا لم تر أي شخص معها منذ أحضرتها سيارة الإسعاف . مما جعلها تتساءل عن مكان والد الطفل , وعما إذا كانا منفصلين . وهل هذا يفسر موقف تريشا من الطفل ؟
تنهدت لهذه الفكرة , ثم حملت الطفل الى الطاولة وأجرت له الفحوصات اللازمة , من وزن وقياس وطول ومحيط الرأس وسجلت التفاصيل في ملفه , فيما راح يتأملها برزانة المواليد الجدد , وكأنه عرف كل هذا من قبل .
ابتسمت سارا وهي تتحدث اليه برقة , ولاحظت محاولته للتركيز على وجهها . وكانت قد أعدت حوضا مليئا بماء دافىء لتحممه , فضحكت حين رأت وجهه يتغضن بعد أن غمرته بالماء برفق . وراحت تكلمه برقة :
- هيا ياحبيبي . أنت تحب ذلك , فهو أشبه برجوعك الى بطن أمك .
فقالت إيرين من خلفها :
- ربما أحسن . تخيليه مرتبطا بها لمدة تسعة أشهر .
فقالت سارا مؤنبة , وهي تكتم ضحكتها :
- هل هذه طريقة مناسبة للحديث عن الأم الجديدة ؟
فتنهدت إيرين وأجابت :
- آه , لا . لكنها الحقيقة . لقد خطر في بالي مرارا أن أصفع تلك السيدة الشابة , لا سيما عندما رأيت الطفل الرائع الذي أنجبته .
- بعض النساء يتلهفن للحصول على طفل بصحة جيدة مثله .
وأخفضت صوتها الى حد الهمس وهي تضيف :
- وضعت جويس بيننغ جنينها . وقد حضر الدكتور جيلسبي خصيصا ليكون بجانبها .
سألتها سارا بهدوء :
- هل هما بخير ؟ أعني جويس والطفل سام ؟
- بألف خير . سمعت أن المخاض لم يكن سهلا ولكنك تعرفين جويس , فقد تغلبت على ذلك . وطلبت هي وزوجها , أن ينفردا بالطفل لبعض الوقت قبل أخذه لاجراء الاختبارات اللازمة .
- وهل وافق نيا ... الدكتور جيلسبي على ذلك ؟
صححت سارا كلامها , وحاولت أن تتجاهل النظرة التي رمقتها بها إيرين .
- نعم , لماذا ؟ تبدو عليك الدهشة ؟
هزت سارا كتفيها , فقالت :
- آه , لاشيء . لكنه , في أول يوم عمل له هنا , عنفني لأنني لم ألتزم بالتعليمات حرفيا قبل أن أعطي الطفل لأمه .. أعني بالنسبة للوزن والقياس وغيره .. ويدهشني أنه سمح لجويس بذلك .
فضحكت إيرين وردت :
- استنادا الى معرفتي بك , أتصور أنك شرحت له وجهة نظرك في هذا الموضوع . ولعلك حاولت اقناعه بها .
ابتعدت إيرين عندما أخذت تريشا تنادي من سريرها بكآبة , طالبة جرعة ماء . فأنهت سارا غسل الطفل . محاولة تجاهل الزهو الذي شعرت به لاحتمال أن نيال أخذ بوجهة نظرها ..
تنهدت وهي تجفف الطفل بحذر , ثم وضعت حول معصمه وكاحله بطاقة تحدد هويته , من تراها تخدع ؟ إذا قرر نيال أن يخالف القوانين المتبعة في هذه الحالة , فالسبب يعود الى حالة جويس الخاصة , ولاعلاقة لها هي سارا هاريس , بالأمر .
***
- إنه رائع الجمال , يا جويس .
مررت جويس أُنمُلتها على خد سام . فتجاوب للمستها وأدار رأسه نحوها وقد رفع عينيه الى أعلى , يفتش بنهم عن الطعام .
- هممم ... إنه يعرف ما يريده , أليس كذلك ؟
وضحكت جويس وهي ترفعه من سريره وتقبل رأسه الأشقر . كانت أعاقته واضحة في انحراف عينيه وتسطح قسمات وجهه , لكن سارا أدركت أن أمه اعتادت هذه الفكرة أثناء حملها .
كانت جويس شديدة الاهتمام بصحة سام لأنه منغولي . فهؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل مختلفة , في القلب وفي تكوين الأمعاء . لذا تلهفت سارا لمعرفت نتيجة الاختبارات , فسألتها , عندما فتحت قميص نومها لإرضاعه :
- كيف حاله , يا جويس ؟
- بأحسن حال . عاد الدكتور جيلسبي منذ وقت قصير ليعلمني بأن كل شيء طبيعي , من الناحية الجسدية على الأقل .
وابتسمت جويس وهي تضع سام على صدرها لإرضاعه .
- هذا حسن . لابد أن هذا الأمر قد أراحك .
- نعم . فقد كنت أنا ورالف , قلقين للغاية .
وتنهدت جويس وهي تتأمل سام الذي راح يرضع بنهم . وتابعت تقول :
- قد يظهر العيب لا حقا فلعله أصم , كمعضم الأطفال أمثاله . كما لا نعرف الى أي مستوى يمكنه أن يتعلم .
قالت سارا مشجعة :
- شهدت طرق تعليم أمثال سام من الأطفال تقدما ملحوظا .
والتفتت حين سمعت الباب يفتح , وشعرت بدم حار يتدفق في عروقها حين رأت نيال في الباب .
- هذا بالضبط ما قاله الدكتور جيلسبي .
وضحكت جويس وهي تنقل نظرها بين سارا والرجل الطويل الواقف في الباب ثم أضافت :
- اتراكما متفقين على ذلك ؟
فقال نيال باسما وهو يتقدم نحو السرير , رامقا سارا بنظرة ممازحة:
- لا أدري ماذا تعنين , يا جويس , ما الذي أقحمتني فيه يا سارا ؟
- كنت أخبر جويس بأن طرق تعليم الأطفال المنغوليين قد تطورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة .
وارتجفت قليلا , محاولة تجاهل البهجة التي تملكتها حين يتحدث اليها بلهجتة الدافئة تلك , وتابعت تقول : " يبدو أنك قلت لها الشيء نفسه .
رد بهدوء : " هذا صحيح " .
وابتسم لها يضيف :
- فكرة واحدة في رأسين , أليس كذلك ؟
أدركت أن ما دار بينهما مجرد حديث قصير , لكن , مع ذلك , شعرت وكأنهما يتشاركان لحظة ذات دلالة عميقة .
ضحك وأضاف وهو يلتفت الى جويس قائلا :
- هناك طرق عديدة اليوم لمساعدة الأطفال المنغوليين على إكمال حياتهم بشكل طبيعي .
لم تسمع سارا جواب جويس . فقد اعتذرت بسرعة وخرجت من الغرفة باذلة جهدها للسيطرة على شعورها بخيبة الأمل الذي كاد يسحقها . ماذا جرى لها ؟ ولم هذا الشعور بالاحباط الذي تملكها لأن نيال لم يعن شيئا بتلك الملاحظة ؟ هل كان يقول الشيء نفسه لأي زميل له .
- أتراني قلت شيئا أزعجك , يا سارا ؟
استدارت بسرعة عندما سمعت صوت نيال خلفها . كان الممر معتما بعد أن خففت الأنوار بسبب الدوام الليلي , وتساءلت عما إذا
كان هذا السبب الذي جعلها عاجزة عن قراءة تعابير وجهه .
- لا . طبعا لا .
وضحكت ضحكة رنانة متوترة بحيث لم تكن مقنعة , فرأته يقطب حاجبيه .
- اسمعي يا سارا . إذا كان هناك ...
وسكت فجأة عندما توقف المصعد وخرج منه ممرض يدفع العربة التي استلقت عليها تريشا , بغية نقلها الى القسم . وتنبهت سارا لنظرة التأمل التي بدت على وجه صديقتها حين رأتها مع نيال , ولم تستطع احتمال التفكير في الأسئلة التي ستطرحها عليها لاحقا ! فقالت بسرعة :
- أنا ... علي أن أذهب . علي أن أطمئن الى أرييل قبل أن أعود الى الطابق السفلي , إذ يبدو أن الكثير من العمل ينتظرنا الليلة .
لم يحاول نيال أن يستبقيها وهي تسرع مبتعدة , ولكن لماذا يفعل ذلك ؟ طرحت على نفسها هذا السؤال ساخرة , فإنجازها لعملها بكفاءة هو كل ما يهمه .
وقفت خارج الغرفة حيث خصصت لأرييل ممرضة على مدار الأربع وعشرين ساعة . تنهت الى أن التفكير في نيال سبب لها بعض الألم وقررت التوقف عن ذلك . فقد بذلت ما يكفي من الجهد , للبحث في أعماق نفسها بما عقدت العزم عليه سابقا , أي تركيز تفكيرها على عملها .
لسوء حظها صادفت نيال الليلة , لكن كان عليها أن تدرك حقيقة الأمور ... فنيال جيلسبي زميلها في العمل فقط لا غير . ومدت يدها تدير مقبض الباب وهي تتمنى لو تقتنع بكل ذلك !
رفعهت الممرضة المخصصة للسهر على أرييل , رأسها عند دخول سارا , وهمست قائلة :
- هل جئت لفحص مريضتنا ؟
- نعم , كيف حالها ؟
أجابتها سارا همسا لئلا تزعج المريضة النائمة , ثم أمسكت بملفها ولم تتفاجأ حين رأت أنها لا تزال تعطى حقن الفاليوم في الوريد منذ يومين للحد من تأثير الإرجاج .
- هذا حسن . إنها أفضل حالا مما توقعته لها , عندما رأيتها للمرة الأولى . كانت المسكينة في حالة يرثى لها حينذاك . لكن ضغطها جيد , ولم تعد تنتابها نوبات التشنج .
فتثاءبت الممرضة ثم ضحكت , وقالت :
- في الواقع , لقد أعجبني العمل هنا . إذا احتجتم الى ممرضة خاصة مجددا , فضعوني في رأس القائمة ! لقد دهشت حين اتصلوا بي . فأنا أعرف الميزانية المحددة لهذا الغرض , وكلفة الممرضة الخاصة مرتفعة جدا والشخص الذي أقنع الإدارة بدفع أجرة ممرضة من الوكالة , شخص غير عادي دون شك .
أومأت سارا , وقد حارت في الجواب , ثم أعادت وضع الملف على حافة السرير وخرجت من الغرفة . نظرت الى الممر فلم تر أثرا لنيال . وتنهدت بعمق وهي تفكر في ما قالته الممرضة عن غير قصد . كان كلامها صحيحا , فنيال جيلسبي ليس شخص غير عادي في الواقع , وهذا جزء من مشكلتها .

***
هتفت سارا بحيرة وهي ترى الفتى السائر في الممر :
- كدت لا أعرفك .
كانت في طريقها الى غرفة الممرضات عندما رأت جيسون صديق إرييل . وقفت تطيل النظر اليه ولم تستطع منع نفسها من التعجب للتغيير البادي عليه بعدما اغتسل وارتدى ملابس نظيفة , فلم يعد ذاك الفتى الرث المظهر الذي رأته منذ بضعة أيام . كما اختفى ذلك الشعر الأشعث المتشابك الخصلات وحل محله هالة من الشعر الجعد البني الفاتح مضفية عليه مظهرا غريبا . أما الأوشام والقرطان في أذنيه فبدا وكأنه عاجز عن التخلص منها .
ومع ذلك , كان هذا تحسنا كبيرا يعكس استعداده للقيام بأي تغيير كي يتمكن من رؤية أرييل وإبنته .
سألته سارا وهي تسير الى جانبه في الممر :
- ماذا تفعل هنا في هذا الوقت الباكر ؟ لن تتمكن من رؤية أرييل الآن فهل جئت لترى " ستار " .
فقال بابتسامة عريضة ممزوجة بشيء من الخجل , وكأن تبدل مظهره يزعجه :
- نعم . لقد سمحوا لي بحملها في الأمس , لدقيقة واحدة فقط . وقالوا لي إنني إذا ما جئت باكرا فقد يسمحون لي بإطعامها .
فقالت سارا مشجعة :
- هذا حسن . إن وجودك مفيد جدا لتحسن صحة ستار . لقد اطمأننت عليها أثناء الليل , فأخبرتني الممرضات أن صحتها في تحسن مستمر .
ووقفت خارج العناية الفائقة لتتأمل من خلال الزجاج الأطفال المرضى , وكان عددهم خمسة . كانت ستار في حاضنة قرب النافذة فابتسمت سارا وهي ترى مدى تحسن مظهرها .
ففي الأيام الأولى , كانت ستار تتغذى من خلال أنابيب وضعت في أنفها , وهاهو جلدها قد فقد احمراره وأصبح لونه طبيعيا تقريبا لأنها اكتسبت بعض الوزن . كما أصبحت تتنفس الأوكسجين بانتظام عبر أنابيب دقيقة في أنفها . ولم تكن ترتدي سوى حفاض وقد لفت بمنشفة لتحفظ حرارة جسمها ووضعت على رأسها قلنسوة , رأت سارا من تحت طرفها خصلة شعر حمراء فضحكت مسرورة , وسألت :
- ممن ورثت ابنتك الشعر الأحمر ؟
فرد باختصار : " من أمي " .
- وهل تعلم بأمر ستار ؟
- لا . فهي لن تهتم بذلك .
بدا التمرد في عينيه لكنه لم يستطع إخفاء ألمه , حين أضاف :
- لم تعد تهتم بكل ما أفعله منذ تزوجت من جديد .
وابتسم لها بتوتر ثم توجه الى الجرس يقرعه .
تنهدت سارا وهي ترى الممرضة تدخله الى الغرفة , ثم تابعت طريقها في الممر . تبا لمثل هذه الأم إذا ما صح كلام جيسون ! فهي لا تستطيع العيش بعيدا عن أسرتها بهذا الشكل , وبالرغم من أن والديها يعيشان في الطرف الآخر من البلاد , إلا أنها واثقة من أنهما سيساندانها حالما يشعران بحاجتها اليهما ...
شهقت حين اصطدمت بجسد صلب , أمسك بها على الفور بعد أن كادت تقع وقال : " هل أنت بخير؟ " .
- أظن ذلك ...
وأخذت نفسا عميقا , لكن هذا المقدار من الهواء لم يكفها , لأنها بكل بساطة تحدق في وجه نيال جيلسبي القلق . ووجدت نفسها تتساءل عما إذا كان على الأرض كلها ما يكفي من الهواء ليهدىء أعصابها وأنفاسها المتسارعة .
راح قلبها يتخبط بين ضلوعها , وهي تجاهد لتتمالك نفسها , تخلصت من يده المحيطة بخصرها وقالت :
- آسفة ... لم أرك .
- هذا ما لاحظته .
ارتجفت سارا إذ سرت القشعريرة في جسمها . وأدركت على الفور أن نيال شعر بردة فعلها إذ سألها بصوت متهدج بعث الاضطراب في نفسها .
- أظنك ستغادرين الآن بعد أن أنهيت عملك ؟
- ن ... نعم .كانت ليلة حافلة , وأنا أتطلع بشوق الى سريري في البيت .
وحاولت أن تبتسم مضيفة :
- آسفة على اصطدامي بك بهذا الشكل . يجب أن أنتبه لخطواتي في المستقبل .
فقال بفروغ صبر , وقد ظهر على وجهه تعبير غريب :
- اسمعي يا سارا , أنا ...
- سارا ! هذا رائع . لقد أدركتك .
سكت نيال فجأة حين رأى مايك متجها نحوهما بسرعة . ولا حظت سارا أن وجهه عاد ليكتسي قناعه المعتاد . وما إن وصل مايك حتى أخذ ينقل نظراته بينهما مترددا :
- عفوا , لم أقصد قطع حديثكما , لكنني كنت أتساءل عما إذا كنت تريدين أن أقلك الى بيتك , يا سارا .
- نعم , شكرا يا مايك . هذا عظيم .
استطاعت بشكل ما , أن تحافظ على هدوء صوتها , لكن نبضات قلبها تسارعت بعنف . رمقت نيال بنظرة سريعة , متسائلة عما كان سيقوله قبل هذه المقاطعة . لكن ملامحه الجامدة لم تفصح عن أي شيء وهو يعتذر منهما بهدوء ليتركهما وحيدين .
- هل أنت جاهزة ؟ إذا كانت ليلتك متعبة كليلتي , فلا بد أنك متلهفة للوصول الى بيتك .
- هذا صحيح . هيا بنا , إذن .
واتجها نحو باب الخروج , وعندما انطلقت بهما الدراجة في شوارع المدينة أغمضت عينيها وهي تتساءل مرة أخرى عما كان نيال سيقوله ... وتنهدت متعبة , وقد أدركت أنها عادت الى ما كانت عليه من قبل , فصممت على أن تتوقف عن التفكير فيه طوال الوقت .
***

 
 

 

عرض البوم صور arewa   رد مع اقتباس
قديم 29-06-08, 07:55 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45653
المشاركات: 214
الجنس أنثى
معدل التقييم: arewa عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 30

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
arewa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : arewa المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

6- عندما ينطفىء الحلم ..

لم تستطع سارا أن تنام رغم ارهاقها . استلقت في سريرها وراحت تتقلب لأكثر من ساعة , قبل أن تعود وتنهض ثانيا , إذ لم تجد فائدة من محاولة النوم وذهنها مشغول . ولعل نزهة قصيرة سيرا على الأقدام تغيرها .
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة بقليل عندما خرجت لتسير في الطريق المؤدي الى النهر . توجهت نحو الحديقة العامة الصغيرة وملعب الأطفال الذيكان خاليا في تلك الساعة . جلست على أرجوحة هناك , وأخذت تتأرجح ببطء وقد اكتشفت أن هذه الحركة اراحت أعصابها . أغمضت عينيها وزادت من سرعة الأرجوحة , وابتسمت فيما الهواء يعبث بشعرها .
لعلها متوترة الأعصاب وتحتاج الى اجازة , فقد أمضت وقتا طويلا في العمل ولم تخرج للترفيه عن نفسها بأمور بسيطة كالتأرجح مثلا . عندما كانت تنتهي من عملها , كانت تملأ أوقات فراغها بمهمات جادة . ولم تعد تتذكر متى أمضت يوما كاملا من دون أن تفعل شيئا , فلا عجب أن تشعر بالإرهاق .
منتديات ليلاس
زادت من سرعة الأرجوحة وهي تفكر في ما عليها أن تفعله في الإجازة .. ربما ستتمشى أو تسبح , أو تستلقي طوال النهار لتقرأ وتشرب القهوة ..
زادت من سرعة الأرجوحة بعد أن أسعدتها هذه الأفكار . تمسكت بالسلاسل بقوة وقد شعرت وكأنها عصفور يحلق في الجو . وضحكت بصوت عال , إذ أثار هذا التفسير الذي وجدته لتصرفاتها الغريبة مؤخرا ارتياحها . إنها تحتاج الى عطلة , وهذا كل مافي الأمر .
- إن لم تنتبهي ستصلين الى الشمس , وعندها ستحترق أجنحتك .
أعادتها الى الواقع تلك اللهجة المازحة وفاجأها ذلك الصوت العميق.
فتحت عينيها ونظرت الى نيال جيلسبي مذهولة , فرأته يستند الى أحد أعمدة الأرجوحة وقد ارتسم على وجهه تعبير جعل قلبها يخفق بعنف .
أوقفت الأرجوحة وراحت تبحث جاهدة لتجد ما تقوله , أنما استحال عليها ذلك . وعجزت عن الكلام حتى تنبهت الى أنه يمسك بأدير , فسألته وقد جف حلقها :
- هل ... هل ستطيرها ؟
- نعم .
ونظر الى الطائر فخيل الى سارا أن في صوته خشونة لم تلاحظها قبل لحظات , ظهرت وهو يقول :
- لم أستطع أن أنام ففكرت في أن أتمشى قليلا في الهواء الطلق .
ونظر اليها وقد تألقت عيناه الخضراوان , وهو يضيف :
- وهل عجزت عن النوم أنت أيضا , يا سارا ؟
لـ ... لا .
تجنبت عينيه وهي تنزلق عن الأرجوحة , مطلقة ضحكة قصيرة لتخفي بها أحاسيسها , وأضافت :
- لا أدري لماذا , فقد كنت متعبة للغاية .
- أعرف ما تعنين .
وتنهد نيال تنهيدة عميقة , ثم سوى غطاء رأس الطائر الجلدي قبل أن يعود وينظر اليها . وبدا الإنهاك جليا في عينيه وهو يقول :
- أحيانا يكون المرء مرهقا للغاية ومع ذلك لا يستطيع طرد الأفكار التي تزعجه من ذهنه .
وصفت هذه الكلمات شعورها بدقة , ومع ذلك أحست بأنه يلمح لأمر آخر ألا وهو
جزهما عن النوم . شدت على اصابعها وهي تتساءل عما يعنيه , وتلهفت الى أن تسأله , لكنها خافت من ردة فعل سلبية :
- تبدو فلسفة غريبة , أليس كذلك ؟
وضحك برقة وكأنه يلطف الجو . ثم أكمل :
- كما أن هذا الصباح أجمل من أن نضيعه سدى . هل تودين مرافقتي وتجربة قدرتك على تطيير هذه السيدة الصغيرة ؟
- أنا ؟ آه , لكنني لا أستطيع ! علي حقا أن أعود ...
سكتت وقد شعرت برجفة تتملكها حين رأت الدفء يختفي فجأة من وجهه .
- المعذرة . لن أستبقيك أكثر من ذلك . لابد أن داوسن يتساءل أين عساك تكونين .
- أين عساي أكون ... ؟
وشعرت سارا بوجهها يشحب , عندما فهمت فجأة ما يعنيه , وقالت بسرعة :
- آه , لقد أقلني مايك الى بيتي وحسب . ليس ... ليس بيننا ...
وسكتت حين أدركت الورطة التي ستوقع نفسها فيها إذا ما تابعت كلامها .
- فهمت .. يبدو أن استنتاجي خاطىء .
وكان صوت نيال من الاتزان بحيث نسب القشعريرة التي تملكتها الى الإرتباك .
أتراه ظن حقا أنها ومايك حبيبان ؟ أخذت تتساءل عن هذه المسألة وهي ترتجف . ثم أدركت , بقلب منقبض , أن المظاهر قد تكون خادعة , لكنها , على أي حال , لا ترضى بتصرف كهذا , لا سيما أنها تعتبر مايك مجرد صديق لها ... وشعرت أنها عاجزة عن شرح كل هذا لنيال في تلك اللحظة .
- حسنا , يجب أن أعود الى المنزل , الكثير من العمل ...
وعضت على شفتيها وهي تراه يرفع حاجبيه , فأدركت , من دون أن تنظر الى عينيه , مدى ضعف حجتها . فلو كانت نائمة , كما يفترض بها أن تفعل , لما تمكنت من القيام بكل هذه الأعمال الهامة.
وحاولت التفكير في عذر أكثر اقناعا , فلم تجده . عندها , قالت مكرهة :
- يمكن للعمل أن ينتظر .
- هل أعتبر ذلك موافقة منك ؟ هل ستأتين ؟ تعالي يا سارا . احزمي أمرك .
وضحك حين لاحظ ترددها وقال مداعبا :
- اطمئنك الى أن سمعتك ستكون في أمان لأننا لن نكون وحيدين .
- لن نكون وحيدين ؟
رددت ببلادة وهي تنظر اليه مشوشة الذهن واضطرب قلبها حين رأت ابتسامته التي أنارت وجهه فجعلته يبدو , فجأة , أصغر سنا واكثر وسامة .
راحت نبضات قلبها تتسارع وهي تلحظ بعض الأمور الأخرى .
فقد استبدل بذلة العمل الرسمية بملابس بسيطة , كما فعلت هي , وارتدى بنطلونا من الجينز وكنزة تبنية اللون . ولم تسىء ملابسه البسيطة الى جاذبيته , وفكرت بقنوط أن مامن شيء يسيء اليها .
أدركت أنها تحدق فيه من دون أن تتمكن من تحويل عينيها عن جسمه الرياضي القوي . ثم رفعت عينيها الى كتفيه العريضتين . ولاحظت أنه لم يحلق ذقنه قبل أن يخرج فبدا مظهره مهملا , لا سيما مع تلك الخصلة المتدلية على جبينه .
وكان هذا وجها آخر لنيال جيلسبي , الذي أحاطت به هالة من الرجولة البدائية , بعد أن نزع عنه تلك البذلة الأنيقة وربطة العنق المميزة وتخلى عن مظهره المتحفظ , فأيقظ فيها مشاعر خطرة أخافتها . ولم تحول نظراتها عنه إلا بعد أن رأته يتأملها مطولا . ولم تستطع ضبط الرعشة التي سرت في جسمها وهي تسمعه يقول ممازحا :
- ستكون أدير حارستك , يا سارا . صدقيني . لن تشعري بالأمان مع أحد بقدر ما ستشعرين معها .
- لم أتصور لحظة ...
وسكتت حين رمقتها عيناه بنظرة باردة برودة النهر الجاري قربهما , ولكن ابتسامتة كانت حنونة بحيث أشاعت الدفء في كيانها .
- كنت أمازحك , يا سارا ... فهل سترافقينني ؟ أرجوك , أنا واثق من أنك ستستمتعين بذلك . وليس هناك ما هو أحب إلى قلبي من قضاء هذا الصباح معك ومع أدير .
وهل بإمكانها أن ترفض الآن ؟
- لا بأس , سأرافقك وشكرا .
وابتسمت محاولة تجاهل أحاسيسها ومتسائلة باضطراب عن سبب تأثير نيال عليها بهذا الشكل .
شعرت بالراحة عندما التفت وأشار الى النهر بمودة غير متكلفة هدأت من مخاوفها . إنه صباح رائع , وتود فعلا أن ترى أدير تطير . فلم ستفسر تلك الدعوة بأكثر مما تحمله من معنى ؟
- سنتابع سيرنا على ضفاف النهر إذا كنت لا تمانعين فهنالك موقع جيد يمكننا أن نستخدمه لتطيير أدير منه . المكان ليس بعيدا من هنا.
- حسنا هذا يناسبني .
سبقته الى النهر , وسارت في الإتجاه الذي أشار إليه . حين ضلق الطريق , وأحالت أغصان الأشجار المتدلية فوقهما أشعة الشمس الى وهج مخضوضر . لم تعد تسمع خرير النهر , فشعرت وكأنهما أصبحا فجأة في عالم صغير خاص بهما .
تابعت سارا السير , وأحاسيسها ترافق ذاك الرجل السائر في أعقابها , ولعل السبب يعود الى رهافة حسها . وبدا الشذا الحاد للطحالب والأعشاب التي تنبت بين الصخور أكثر حدة مما عهدته.
ترى ألاحظ نيال كل هذا هو أيضا ؟ أخذت تتساءل وهي ترتجف .. أتراه أصبح على غرارها يرى الأشياء بوضوح أكثر من السابق ويشمها ويسمعها ؟
- إذا استدرت نحو الشمال , بعد ذلك الدغل مباشرة تجدين دربا يؤدي الى التل , وهذه وجهتنا .
- ها قد وصلنا .
لفت انتباهها الى طريق بين الأشجار .. سحبت نفسا عميقا واستدارت نحو الدرب من دون أن ترى أمامها . وفي نهايته كشفت الأشجار عن موقع عال فسيح , فشقت سارا طريقها صعدا , متعمدة عدم رؤية يده الممدودة لمساعدتها . ثم قفزت على العشب , وأرغمت نفسها على الابتسام وهي تلتفت إليه , فخفق قلبها بسرعة لأنها قرأت التعبير المرتسم على وجهه , ورأت ذلك الشوق الغريب الذي جعل الشرر يتطاير من عينيه .
سألته بصوت أبح وقد هزها المنظر الممتد أمامها :
- هنا في الأعلى , أليس كذلك ؟
وعادت لتحدق الى أعلى التل حيث التقت خضرة العشب بزرقة سماء ايلول , وحاولت السيطرة على عاصفة المشاعر المتخبطة في داخلها . اتراه حقا نظر اليها بتلك الطريقة ... بمثل ذاك ... الشوق ؟
- نعم فتيارات الهواء في هذا الموقع أقوى لبعده عن الأشجار وبذلك ستتمكن أدير من الطيران على العلو الذي تريده .
كانت لهجته عادية . ولو كانا في ظروف أخرى لاعتبرت نفسها مخطئة في تفسير ما رأته على ملامحه .. لكن في هذه اللحظات , أنبأها حدسها أن كلماته البسيطة هي مجرد غطاء لمشاعره الحقيقية.
قد يتصرف نيال ببرودته المعتادة , لكنه يخفي تحت الثلج نارا لاهبة ! وصاح بها عقلها محذرا ... الخطر ... الخطر ..
- هل أنت قادمة , يا سارا ؟
توقف والتفت الى الوراء حين أدرك أنها لا تتبعه , فأخذت سارا نفسا عميقا . كانت الشمس تسطع بقوة ,فمنعتها من رؤية تعابير وجهه , لكن هذا لم يعد يهمها . إنها تعي ما رأته وسمعته , وأخافها هذا بعض الشيء لأنها تجهل كيف عليها أن تتصرف . فهل عليها أن تضع حدا لذلك منذ الآن , وأن تسير مبتعدة من دون النظر الى الوراء .أتدير ظهرها للخطر ؟ أليس هذا الطريق الصواب ؟
نعم إنه هو . لكن من المؤسف ألا تستطيع أن تسلك هذا الطريق , وألا تجد أحيانا حلا آخر سوى القفز الى جوف النار ... وتخاطر بالاحتراق !
- هناك أنظري فوق رؤوس تلك الأشجار ... نعم !
هتفت سارا بابتهاج عندما حلقت أدير فوق الأشجار . حبست أنفاسها وهي ترى الطائر يحوم فوق الرؤوس لينقض بعد ذلك نحو الأرض بخفة . وعندما ارتفع مجددا , شهقت سارا لأنها لاحظت في مخالب أدير , فأرة أو ما شابه حملتها الى الأجمة لتلتهمها .
قالت بصوت خافت :
- ما أغرب هذا . كيف استطاعت أن تراها من ذلك العلو .
- لا أدري . هذا ما يحيرني أنا أيضا على الدوام .
وضحك نيال لحماستها وأضاف :
- إذا ألا يستحق هذا حضورك الى هنا ؟ وهل أنت نادمة على عدم عودتك للقيام بالأمور الجوهرية من غسيل وكي وغير ذلك ؟
ضحكت للمرح الظاهر في صوته , وأجابته :
- أبدا , فقد كان رائعا . لا أتذكر صباحا استمتعت فيه بهذا القدر .
- هذا حسن .
وابتسم لها ابتسامة عريضة أخيرة قبل أن يستدير لينادي الطائر ليعود إليه .
أخذت سارا تنظر إليهما مبتسمة . فما قالته كان صحيحا , فقد أمضت ساعتين رائعتين , أحست خلالهما ببهجة عارمة , إذ لم يزعجها نيال بكلمة أو نظرة , إذا استثنت حقيقة وجوده قربها يوترها . وراحت تتساءل عما إذا بالغت في تفسير ما حدث .
نبذت الفكرة من ذهنها عندما عاد ليضع الغطاء على رأس الطائر ويستدير نحوها ، قائلا :
- حسنا , أظن أن من الأفضل أن نعود . علي أن أعاين مريضتين عصر هذا اليوم , لهذا لن أجرؤ على التغيب عن المدرسة أكثر .
ضحكت لكنها دهشت لما قاله , وسألته :
- أستعود الى العمل الآن بعد أن أمضيت هناك الليل بطوله ؟
هز كتفيه ثم سوى وقفة أدير على ذراعه وأجابها وهو ينزل عن التل .
- ليس من العدل أن نهمل المرضى .
فقالت برقة :
- لكن ليس من العدل أيضا أن تعمل ليلا نهارا . لا يمكنك أن تمضي حياتك كلها في العمل , يا نيال .
توقف قرب الدرجات , ثم وقف ومد لها يد المساعدة . كان ذهنها مشغولا بما يقول ولكن ما إن صعدت الدرجات حتى سقطت الى الأمام .
- حذار .
حذرها نيال صارخا , لكن صرخته ضاعت بسبب الزعقة التي أطلقها الطائر حين انزلق من مكانه بعد أن مد نيال يديه ليمسك بسارا . ساعدها على النزول ثم انحنى ليتأمل وجهها المرتاع وأخذ يزيح الخصلات المتبعثرة على وجهها ويسألها بلهفة :
- هل أنت بخير ؟ هل أصابك أي أذى ؟
- نعم , أنا بخير , ولم أصب بأذى .
ضحكت ضحكة مرتجفة وقد تسارعت دقات قلبها رعبا لقربه الشديد منها وهي تحس بأنفاسه الدافئة تلفح خدها .
حاولت أن تبتسم وهي تنظر اليه , لكن الابتسامة ما لبثت أن جمدت على شفتيها عندما تشابكت نظراتها مع نظرات نيال , وبدا وكأن العالم توقف عن الحركة . وسمعت صوتها ينطق باسمه من دون أن تدرك , فارتجفت تأثرا :
- نيال ... وحبست أنفاسها وهي ترى عينيه تظلمان ومن دون أن تدري التقت شفاههما في قبلة متلهفة ... فصدرت منها أنة خفيفة , وقد شعرت بدوار وحاولت أن تحلل ما يحدث لها, وبتردد تسللت يدها بنعومة لتداعب عنقه وتتخلل أصابعها شعره فقربها منه وهو يتحسس جسدها بنعومة أحست بعدها أن كل خلية من جسدها تشتعل لهفة إليه . وصدرت عنها تمتمة بالغة الرقة , ولم تدر هي نفسها إن كانت تعبر عن إحتجاج أم عن سرور . شعرت به يتوتر وقد أحس بترددها .
- آه يا سارا !
بدا وكأن اسمها ينبض بحزن حلو مر , وهو يخرج من بين شفتيه , لكن لم يتسن لها الوقت لتحلل ما يكمن وراء هذا الحزن .
بردت صرخة أدير المفاجئة السحر الذي تملكهما , وجعلت نبضات قلب سارا تتسارع . جمدت عيناها حين التقتا بعيني نيال ...
وعندما رأت العذاب في عينيه , سرت قشعريرة في جسمها , وشعرت بالألم يعتصر قلبها . هل ندم نيال على ما حدث الآن ؟ أيمكن ذلك ؟
قال لها بصوت خشن :
- آسف يا سارا . لم أقصد أن أعرضك للأذى .
بدا الندم في صوته , مما جعلها تشكك في مشاعره .
وأخذت نفسا مرتجفا لتمنع نفسها من البكاء . لا لن تفعل .
- لا تقلق يا نيال . لم أصب بسوء , والأمر لا يستحق الذكر . ألا توافقني الرأي ؟
هزت كتفيها من دون اكتراث , وتساءلت أين عثرت على هذه القدرة على الكذب فيما قلبها ينسحق ويدمى ؟
ومضت لحظة صمت , التمعت عيناه بعدها , وبدا فيهما غضب أذهلها . ثم استدار وتقدمها على الدرب من دون أن ينطق بكلمة واحدة أخرى .
تبعته سارا بصمت من دون أن تحاول فهم سبب غضبه . ما أهمية ذلك الآن ؟ لقد أدركت حقيقة شعوره نحوها وهذا جل ما كانت تحتاج الى معرفته .
لقد ندم نيال على لحظة الضعف تلك لأنه ما زال يحب المرأة التي خذلته . فأسفت لأنها لم تفكر في ذلك قبل أن تعرض نفسها لهذه المذلة الحقيقية , وتفضح مشاعرها وضعفها .
***
- ما الذي يجري هنا ؟
طرحت سارا السؤال وهي تدخل الى القسم , ونظرت حولها لتستوعب الموقف . كانت جويس ديننغ جاثمة على سريرها تبكي وتهز سام . وراح الطفل ينوح بصوت عال , وقد شعر بحزن أمه كما يفعل الأطفال غالبا .
وضعت سارا يديها على وركيها واستدارت نحو الأمهات الأخريات وقالت :
- حسنا انني أنتظر . أريد أن أعرف ما يجري .
وأجابت تريشا حين رفضت أي من المرأتين الأخريين الكلام .
- ماذا يجري برأيك ؟ لا نريد أن يصاب أطفالنا بالعدوى ! لا يحق لكم أن تضعوه هنا بين أطفالنا الطبيعين .
تريثت سارا قبل أن تجيبها .. فربما هناك عذر لمثل هذا التعصب , لكن لا يمكنها أن تتقبله أبدا . ونظرت شزرا الى كل امرأة بدورها , قبل أن تعود وتلتفت الى تريشا التي تكهنت بأنها المحرضة على هذه الثورة .
- سام طفل منغولي . وهي حالة غير معدية , ولا يشكل أي خطر على غيره من الأطفال في هذا القسم أو في غيره .
قالت تريشا :
- هذا ما تقولينه أنت . إن وضع هذا الطفل هنا جريمة . هذا ما قاله " غاري " الليلة الماضية . وقال أنه سيعالج هذه المسألة حتى وإن عارضت أنت ذلك , فهو لا يقبل بوضع طفل معاق مع ابنه .
التفتت سارا نحو جويس المسكينة فما هو شعور المرأة التي تواجه هذا النوع من التعصب ؟ وعادت تنظر الى تريشا التي بدا على ملامحها كل ما عانته من غضب وإحباط منذ الصباح :
- لا يمكنني إلا أن أكرر ما سبق أن قلته لك .. لا خطر على أي من الأطفال في هذا القسم . يعاني سام من خلل وراثي وهذا ليس ناتجا عن مرض , ولذا فهو لا يعدي . مفهوم ؟
واستدارت لتنظر الى جويس , وتقول لها :
- لم لا تأتين معي , يا جويس ؟ سأعد لك كوبا من الشاي . دعيني أحمل سام عنك .
- لا .
وتشبثت جويس بالطفل , ثم وقفت ونظرت في أنحاء الغرفة قبل أن تسير نحو الباب من دون أن تضيف أي كلمة أخرى .
تبعتها سارا , وقد سرها أن ترى الخجل باديا على وجه المرأتين الأخريين . هذا ما ينبغي أن يحصل , ولا عذر لمثل هذا التصرف في عصرنا الحالي .
- اجلسي يا جويس ريثما أضع إبريق الشاي على النار .
وقادت جويس برفق الى كرسي في غرفة الممرضات , ثم جلست بقربها تحضر الشاي .
فرحت حين رأت المرأة تتمالك نفسها , ووضعت سارا الكوب على منضدة قربها وهي تبتسم لها مشجعة , وقالت :
- لم يفهمن الأمر , جويس مع أن هذا ليس بعذر , أليس كذلك ؟
- آه , لا أدري .
وحاولت جويس أن تبتسم ثم أضافت :
- أظن أنه من الطبيعي أن يقلقن . وهذا مضحك لأنني كنت أعلم أن هذا قد يحدث , ومع ذلك تأثرت حين أخذت تريشا تتأفف من وجودي معهن .
- لقد أدركت أنها المحرضة . ولا يمكنني سوى الاعتذار . لو كان لدينا فكرة عما تخطط له , لما وضعناها معك في القسم نفسه .
- الذنب ليس ذنبك يا سارا , ولا ذنب تريشا كما أظن . لقد أثار هذه المشكلة الشاب المدعو " غاري " . لقد رأيته ينظر الى سام شزرا عندما جاء لزيارتها في الليلة الماضية . وكان واضحا , حين ذاك , أنه يخطط لشيء ما أظن أنه علي أن أعتاد على الأمر .
وتنهدت الأم وهي تمرر يدها على وجنة سام المتوهجة وأكملت :
- يطلق الناس التعليقات على الدوام علي أن أتعود على ذلك , وألا أتأثر . فسام إبننا رغم إعاقته ونحن نحبه جدا .
وقفت سارا وقالت :
- هذا هو المهم إذن . والآن , ماذا نفعل ؟ هل تريدين البقاء في ذلك القسم يا جويس ؟ أم تفضلين الانتقال الى قسم آخر ؟
- جزء مني يريد مني أن أبقى هناك إذ لا أريد أن يساورهن الظن بأنني أخجل بسام , بينما الجزء الآخر يأبى التعرض لمزيد من الاستياء .
- دعيني إذن أهتم بأمر نقلك . فهذا أفضل لك ولسام على المدى الطويل . ولست بحاجة الى الشعور بالاستياء حاليا .
تركت جويس تنهي كوب الشاي , وذهبت للبحث عن إيرين لتطلعها على ما حدث . وعندما قصت عليها ما حصل , هزت إيرين رأسها بعدم تصديق , وقالت :
- هل تصدقين أن هناك أشخاصا بهذا الجهل ؟ مسكينة جويس , أظنها على حق حين قالت إن السبب هو زوج تريشا ذاك . فإحدى العاملات في قسم الجراحة النسائية قالت الليلة إنه سيء الطباع للغاية .وهذا واضح فهو ترك تريشا عندما كانت حاملا في شهرها السادس , وراح يخرج مع فتاة أخرى , كما قيل لي . ولكن هذه العلاقة لم تدم , فقد تخلت عنه تلك المرأة بعد أن اكتشفت سوء طباعه . ولهذا عاد الى تريشا .
فتنهدت سارا , وعلقت :
- ولهذا توافق على كل ما يقول . فهي في حاجة ماسة إليه , مما يجعلها تفعل كل ما يسره .
- هذا محتمل جدا , ومع ذلك , لا يفيدنا . فأنا أحاول تأمين مكان أنقل جويس إليه . لقد استقبلنا خمس حالات جديدة عصر اليوم . وهناك امرأتان في قسم التوليد حاليا .
فضحكت سارا , وقالت :
- انها تخمة حقيقية بالأطفال . وهم يولدون دوما في أيلول .
ضحكت الاثنتان . وأخيرا , قالت إيرين :
- ماذا لو وضعنا جويس مع أرييل ؟ فقد تحسنت حالتها كثيرا وأشك في أن يحدث ذلك أي مشاكل . وهو السرير الوحيد الخالي حاليا . لا أريد وضع جويس في قسم آخر لتثار هذه القضية مجددا , وتحدث تريشا المزيد من المشاكل .
فقالت سارا : " تبدو فكرة صائبة " .
- علي أولا أن أناقش الفكرة مع الدكتور جيلسبي الذي ما يزال في مكتبه لذا سأتصل به , إلا إذا شئت أن تفعلي ذلك بنفسك .
ابتعدت عنها سارا خشية أن تفضح مشاعرها . ففكرة التحدث الى نيال , مرة أخرى , بعد كل ما حدث هذا الصباح من ارتباك بينهما فاقت قدرتها على الاحتمال .
فأجابت متصنعة المرح : " سأترك لك هذا الشرف يا إيرين . الآن سأذهب وأتحدث الى جويس وأطلعها على فكرتنا " .
تركت إيرين لتجري اتصالها , لكن فكرة العمل مع نيال في الأسابيع التالية أقلقتها . قد ينسى هو ارتباكهما ذاك , لكن هل تستطيع هي ذلك ؟ورفعت يدها تتلمس وجهها , وقد أحست بطعم الدموع على وجنتيها , فانقبض قلبها .
لن يكون من السهل عليها أن تنساه .

 
 

 

عرض البوم صور arewa   رد مع اقتباس
قديم 29-06-08, 07:57 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45653
المشاركات: 214
الجنس أنثى
معدل التقييم: arewa عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 30

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
arewa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : arewa المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

7 - البداية


- هذه آخر ليلة لنا , وعندما نعود الى العمل ,ستكون تريشا جاكسون قد رحلت . فيا للروعة !
ضحك الجميع . أما سارا فأعادت فرشاتها الى حقيبتها وابتعدت عن المرآة حيث تمشط شعرها قبل توجهها الى العمل .
- لقد رأيت " آن باكستر " عند دخولي فأخبرتني أن بعض المشاكل قد حدثت في قسم تريشا عصر اليوم . يبدو أن غاري الشهير راح يصرخ ويتوعد . لم أعرف الأسباب لأن "آن" كانت مشغولة .
تنهدت إيرين وهي تعلق سترتها , وقالت :
- نعم . لقد سمعت بالأمر أنا أيضا . رفض غاري وجود رجل مولد في القسم فأخذ يصيح ويطلق الشتائم .
قالت سارا :
- ما زال هناك أشخاص لا يتقبلون فكرة وجود رجل مولد , ومع ذلك لا يهتمون مثقال ذرة عندما يعالج زوجاتهم أطباء رجالا . أظن أن التغلب على تحاملهم هذا يتطلب سنوات . وهذا شيء مؤسف حقا , لأنك لن تجدي من هو أرق وألطف من " ديف تيرنر " . والنساء اللاتي يولدهن لا يبخلن بالثناء عليه , على أي حال ماذا حصل في النهاية ؟ ومن استطاع حل الأمور ؟
فأجابت إيرين :
- نيال جيلسبي . لقد عنف غاري بشكل لا ينسى .
فقالت سالي بمكر :
- هذا المدعو غاري مزعج جدا . والحمد لله أن الدكتور جيلسبي موجود , ولكن متى لم يكن موجودا ؟ إنه لا يغادر المستشفى , صباحا , ظهرا , ليلا ... يبدو أنه بحاجة الى امرأة تحول ذهنه عن العمل بحنانها وحبها وعنايتها ... ولا تظني أنني ألمح الى أي شيء , يا سارا .
وضحكت الممرضات وما لبثن أن خرجن معا ورافقتهن سارا , لئلا تتنبه الأخريات الى الشاعر التي أثارتها فيها تلك الفكرة . لقد بين لها نيال جيلسبي بوضوح أنه لا يأبه لمشاعر الحب والحنان والرعاية التي يمكنها أن تمنحه إياها .
ولكن , لحسن الحظ , لم يكن لديها الوقت الكافي لتفكر في هذا الأمر , إذ دخلت القسم مريضتان في الوقت نفسه تقريبا . ولم تكن حالة المرأتين تبشر بالخير نظرا لصعوبة حالتهما وكانت" مينا بيتل " في العمل فالتفتت بذعر وقالت :
- لا يمكنني أن أصدق أن حالتين مماثلتين تحصلان في الوقت نفسه. مظهر هانا جارفيس لا يعجبني أبدا , فهي تنزف كثيرا . سأخضعها لفحص دم شامل لأعرف ما بها .
قالت سارا :
- لا يوجد أحد في قسم الأشعة أثناء الليل . إنه وضع غير مقبول . أعني أن الحالات الطارئة لا تحدث فقط أثناء النهار . نحن بحاجة لإجراء الفحوصات على مدى الأربع وعشرين ساعة .
فقالت مينا : " أعلم ذلك . إنها مسألة ينبغي النظر فيها . ربما يمكن لنيال أن يعالجها . إنه في مكتبة , يمكنك الاتصال به وشرح الموقف له , يا سارا . كما أريد أن تبقى هانا جارفيس هادئة على أمل أن تستقر حالتها مع أنني أشك في ذلك , أما بالنسبة الى المريضة التي أحضرتها "ديدري روبرتس " , فأظن أن لا مناص من إجراء عملية قيصرية , فوضعية الطفل غير طبيعية وقد فقدت ماء الرأس منذ مدة , إن الطلق لديها قوي ولكن يبدو أن الحالة تتقدم , ولا أريد المجازفة بالضغط على حبل الخلاص لئلا أقطع عنه الأكسيجين بعد أن جف السائل الذي يحميه " .
- طبعا .
حافظت سارا على ثبات صوتها بينما هرعت مينا مبتعدة . وتنهدت وهي تدخل المكتب لتجري الاتصال . ما كانت في ظروف أخرى لتتردد . لكنها شعرت بالاضطراب لأنها مضطرة للتحدث الى نيال.
رفع السماعة على الفور ، وشعرت بقلبها يضج ألما وهي تسمع صوته : " جيلسبي " .
فقالت بحذر لئلا يلاحظ مدى الصعوبة التي تلاقيها في الكلام :
- أنا الممرضة هاريس . طلبت مني الدكتورة بيتل أن أتصل بك . لدينا مريضة مهددة بالإجهاض , وترى الطبيبة أن علينا إجراء فحص دم شامل .
- وهل هناك مشكلة في ذلك ؟
كان صوته حياديا جدا , فتساءلت عما إذا كان يتذكر رحلتهما الى ضفة النهر منذ أيام . ولا بد أن فكره لم ينشغل بهذا الأمر مثلها , فشدت هذه الفكرة من عزيمتها , وأجابت بأدب وبرودة :
- قسم الأشعة لا يعمل ليلا يا دكتور جيلسبي .
- لا بد أن هناك تدبير احتياطيا لهذا النوع من الطوارىء .
وبدا الغضب في صوته , لأن لديه مريضة في خطر , وعمله يفرض عليه الاهتمام بمرضاه .. وهو يبذل في سبيل عمله كل ما في وسعه . ألم يقل لها إن عمله هو حياته ؟ وقد بدأت تفهم الآن ما كان يعنيه .
فقالت بهدوء : " أعتقد أن بإمكاننا استدعاء فني الأشعة عند الضرورة القصوى . مع أن هذا مرفوض من قبل الإدارة لارتفاع كلفته " .
- فلتذهب الكلفة الى الجحيم . وما فائدة المعدات إن كنا لا نستخدمها عند الحاجة .
أظهر صوته عاطفة دفينة جياشة , فأغمضت سارا عينيها . فكم تمنت لو يظهر لها بعض هذه العاطفة في حياته الخاصة . فيا ليته يهدم الحواجز , لتتمكن من اقناعه بأن الحب ليس بالضرورة تجربة مؤلمة !
- سارا .. أما زلت معي على الخط ؟
غمرت السعادة قلبها حين لاحظت الاهتمام في صوته , لكنها ما لبثت أن تذكرت أن سبب اهتمامه هذا يعود الى أنهما لم يجدا حلا بعد لهذه المسألة .
ابتلت اهدابها بالدموع , لكنها أرغمت نفسها على التركيز على ما يقوله وليس على ما تريد أن تسمعه , وقالت له :
- نعم , طبعا . ماذا تريد مني أن أفعل , يا دكتور ؟
بقي صامتا للحظة وكأنما أحس بكآبتها فحيره أمرها . ثم جاء صوته واضحا , مهنيا باردا ليثبت لها أن أمرها ثانوي مقارنة مع أمر مريضاته :
- سأحل هذا الموضوع بنفسي أيتها الممرضة . قولي للدكتورة بيتل إنني سأتخذ الترتيبات اللازمة . شكرا .
قطع الخط , فوضعت السماعة ببطء وبقلب مثقل . وبدا لها أن كل شيء قد قيل وانتهى .
***
اهدئي ... يا هانا . لا بأس عليك , كل شيء سيكون على ما يرام , يا حبيبتي .
وجلست سارا على حافة السرير , تضم المرأة بين ذراعيها . وجدت نفسها عاجزة أمام حزن هانا , فجل ما استطاعت أن تفعله هو أن تخفف عن المرأة قدر إمكانها , وكان هذا قليلا للغاية في نظرها .
أثبت فحص الأشعة أن هانا قد فقدت جنينها . لكن لسوء الحظ , بقي جزء كبير من المشيمة في الرحم بعد الإجهاض , ويجب إخراجها الآن بأسرع ما يمكن ليتم تجنب المضاعفات .
- هيا امسحي عينيك .
وناولت سارا المرأة الباكية منديلا ورقيا , والتفتت حين سمعت الباب ينفتح , ثم حولت عينيها على الفور عند رؤية نيال .
تقدم الى السرير مباشرة ووقف ينظر الى هانا بعطف بالغ , قائلا :
- أنا آسف , يا هانا , كنت أتمنى أن نفعل شيئا لمساعدتك , لكن الأوان قد فات .
أجابت المرأة والدموع لا تزال تنهمر من عينيها :
- أعرف هذا . لقد أخبروني بأن الطفل قد ... مات .
فقال برقة فائقة :
- هذا صحيح . والآن علينا تنظيف الرحم من بقايا المشيمة .
سنعطيك مخدرا ولن تشعري بشيء .
- هل حدث هذا بسبب شيء قمت به يا دكتور ؟ لقد ذهبت الى السباحة اليوم فهل هذا هو السبب ؟
وبدا على ملامحها الحزن والشعور بالذنب وهي تضيف :
- ظننت أن هذا سيفيدني ويقويني .
فأجابها نيال بهدوء :
- لا . كان هذا سوء حظ وحسب , يا هانا . أمر لا يمكننا التحكم به للأسف .
ظهر الإعياء في صوته , فألقت سارا عليه نظرة سريعة , متسائلة عن ومضة الألم التي ارتسمت للحظة على ملامحه . كانت تعرف مدى تعاطفه مع مريضاته , لكن هذا التأثير بدا شخصيا ...
تخلصت من تلك الفكرة الغريبة , وعادت بفكرها الى ما يجري مصممة على التركيز عليه . ووجه نيال الحديث اليها قائلا :
- ستتوجه هانا على الفور الى غرفة العمليات . سأقوم بالعملية بنفسي وأريد منك أن تساعديني , يا أخت هاريس , من فضلك .
- بكل تأكيد .
واحتضنت سارا هانا للمرة الأخيرة مشجعة , ثم وقفت وقالت :
- سأجهز كل شيء .
- شكرا .
وغادر نيال الغرفة تاركا إياها تعد المريضة للعملية . كانت المهمة سهلة , لكن سبب قيامها بها كان أكثر إيلاما .
وصل كريس زوج هانا , قبل دخولها الى غرفة العمليات مباشرة , وقد كان في رحلة عمل , فعاد مسرعا عندما اتصلت به هانا في فندقه . تركتهما سارا وحيدين لدقائق ليخفف أحدهما على الآخر الحزن الناجم عن فقدان الطفل . أما هي فلم تستطع الاعتياد يوما على الجانب المأساوي الحزين من عملها .
منتديات ليلاس
توجهت الى مكتبها لتحضر ملف هانا ولتمنحهما فرصة الاختلاء ببعضهما بعضا . وعندما فتحت الباب دهشت لوجود ديدري روبرتس وهي قابلة خارجية , هناك . نظرة وحيدة الى وجه ديدري جعلتها تدرك أن خطبا ما قد حدث . وتمنت ألا يكون الأمر متعلقا بالمرأة الحامل التي أحضرتها ديدري منذ بعض الوقت , تلك التي وضعية طفلها غير طبيعية .
أغلقت الباب ثم سألتها : " هل أنت بخير , يا ديدري ؟ " .
فأجابت هذه مكشرة : " هذا هو المفروض . على الأقل ما زلت كما أنا ! " .
- ماذا تعنين ؟
- إنه الدكتور جيلسبي . لقد اتهمني بعدم الكفاءة .
وحاولت ديدري أن تبتسم , لكن سارا لاحظت أنها مستاءة , ولا عجب من ذلك .
اعتمد مستشفى " دالفرستن " كغيره من المستشفيات نظاما يسمح للقابلات الخارجيات بإحضار مريضاتهن الى المستشفى للتوليد فقط.
فتمضي الأم بضع ساعات في المستشفى لتعود بعد ذلك الى بيتها . إذا ما كانت والطفل بصحة جيدة .
وكانت سارا قد قابلت ديدري مرات عدة من قبل , بحكم هذا النظام , وقد أعجبت بعملها . ولم تستطع أن تفهم سبب هذا الاتهام الذي وجهه نيال لها , فسألتها باضطراب :
- وما الذي جعله يقول ذلك , يا ديدري ؟
- " أنجيلا مواري " التي أحضرتها . كنت أعرف حالتها , لكن الدكتور جيلسبي لم يمنحني الفرصة لأشرح له وضعها بدقة . بل أخذ يتكلم بطريقته الحادة تلك . ولو كلمني بغضب لكان ذلك أفضل .
فهمت سارا ما عنته بكلامها . إذ لم يمض وقت طويل على معاملة نيال لها بمثل هذا الاستياء الجليدي ...
وتحول فكرها فجأة الى تلك اللحظات على ضفاف النهر . وقتذاك لم يكن باردا .
- ماذا حدث إذن , الليلة ؟ هل كنت تعلمين أن الطفل سيولد بعجيزته؟
- نعم . وقد شرحت لأنجيلا أن عليها أن تنتقل الى المستشفى , رغم أنها تفضل الولادة في البيت . ربما كان علي أن أصمت وأفاجئها بالخبر , عند ذالك ما كنا لنواجه هذه المشكلة .
فضحكت سارا , وقالت :
- يبدو عنيفا نوعا ما . هل أفهم من ذلك أن السيدة مواري لم تكن تريد الحضور الى المستشفى ؟
فتأوهت ديدري , وأجابت :
- هذا تلطيف للواقع . فقد أمضت وقتا مريعا في المستشفى عندما أنجبت طفلها الأول . فذاك الذي قصدته لا يقيم وزنا لرغبات الأم , بل ينفذ الأمور وفقا للنظام المفروض ودون سؤال . هذه المرة , أرادت أن تلد في البيت ولم يكن هناك مشكلة حتى أدركنا وضعية الطفل مقلوبة .
- وهل حاولتم أن تديروا الطفل ؟
- نعم , في الأسبوع الماضي , حاول الطبيب ذلك . لكن الطفل عاد تالى وضعيته السابقة بعد ذلك بساعات . عند ذلك , قلت لأنجيلا إن عليها أن تأتي الى المستشفى وإنها لن تمكث فيها سوى بضع ساعات لكنها لم تكن سعيدة بذلك , ولهذا لم تتصل بي الليلة إلا بعد أن فقدت ماء الرأس .. ربما ظنت أنه كلما اقترب موعد الولادة , كلما امكنها أن تبقى في بيتها . على أي حال , عندما رأيتها أدركت أن الطفل في محنة , لذا أحضرتها الى هنا في أسرع وقت ممكن .
- لقد فعلت ما بوسعك , يا ديدري . فأنت ما كنت لتعلمي أنها ستقدم على مثل هذه الحماقة .
- أعرف هذا ! لكن الدكتور جيلسبي لم يعطني فرصة لأشرح له ما جرى . على أي حال , كانت النهاية جيدة , فقد أنجبت أنجيلا طفلة وهما معا بخير , وأظن أن هذا هو الأهم .
- طبعا .
وافقتها سارا ,وإن اعتبرت أنه من غير الإنصاف أن يعاملها نيال بهذه القسوة من دون أن يكون الذنب ذنبها .
بعد خروج ديدري , جلست لتحضر أوراق هانا . وحين أنهتها توجهت الى غرفة المريضة لترافقها الى غرفة العمليات .
كان نيال يغسل يديه عندما دخلت مع هانا لرؤية طبيب البنج . وعندما دخلت غرفة غسل اليدين سألها بهدوء : " كيف حالها ؟ ".
- لا بأس .
وراحت تغسل يديها وساعديها وتعقمهما قبل أن ترتدي ثوب الجراحة وهي تقول :
- لقد وصل زوجها , وسيحضر عمليتها الى النهاية .
- هذا حسن . إنها بحاجة الى من يساندها حاليا . وأظن أنه علينا أن نقدم لهما النصح إذا أرادا ذلك . فقد نساعدهما على التغلب على حزنهما .
- طبعا . هناك نظام جيد وضعه الدكتور هندرسون , يقدم الدعم في حالات كهذه .
وترددت سارا وهي تتساءل عما إذا كان عليها أن تذكر له مدى انزعاج ديدري روبرتس . ويبدو أنه تكهن بأن هنالك ما يزعجها , إذ سألها :
- هل هناك ما تودين قوله ؟
وعندما لم تجب على الفور , رفع حاجبيه وأضاف :
- هيا , انطقي يا سارا . لعلك ممرضة ممتازة , لكنك لا تحسنين إخفاء شعورك .
احمر وجهها , ولم يرقها أن يقرأ أفكارها , فحولت عينيها عنه , قائلة :
- ديدري روبرتس منزعجة جدا بسبب ما قلته لها . ويبدو أنك لم تمنحها الفرصة لتشرح لك الوضع بدقة .
فرد بخشونة :
- وماذا هناك لتشرحه ؟ فما من عذر لتعريض المريض للخطر .
قالت بحدة وقد أزعجها رفضه الاستماع إليها :
- هذا ليس عدلا . كانت أنجيلا مواري تعلم أن وضعية طفلها غير صحيحة , ومع ذلك أصرت على عدم الحضور الى المستشفى ولم تتصل بديدري إلا بعد أن فقدت ماء الرأس , فلم تستطع ديدري القيام بشيء حيال هذا الأمر .
- وهذا دليل آخر على أنه لا ينبغي تشجيع الحوامل على الولادة في بيوتهن . وما الفائدة من هذه المخاطرة التي لا ضرورة لها ؟
واستدار متجهما الى غرفة العمليات فوضع بذلك حدا لهذا الحديث .
تبعته ببطء , متسائلة عما يجعله متصلب الرأي بهذا الشكل .
وتنهدت بكآبة حين استقرت نظراتها على رأسه من الخلف . كانت تشعر بأنه لن يخبرها حتى وإن سألته , فهذا يعني أنها تجتاز الحدود التي أشادها بينه وبين العالم .
- حسنا لقد فعلتها أخيرا ! وسأصبح في العشرين من أيلول , امرأة حرة .
ألقت سارا المجلة من يدها , حين دخلت إيرين غرفة الممرضات وهي تعلن ذلك . كانت ترتاح قليلا , فرفعت حاجبيها تنظر الى صديقتها وقالت :
- أعترف أن كلامك يحتاج الى بعض التفسير , تعالي وفسريه لي ..
فقالت إيرين ضاحكة :
- آه , هذا سهل . لقد قدمت استقالتي لتوي ... أو بالأحرى تركتها على الصينية أمام الرئيسة , إيلين روبرتس , لتراها في الصباح . لم آخذ إجازة هذه السنة , مما يعني أنه بإمكاني الرحيل بعد اسبوعين .
فقالت سالي غرين وهي تتمطى :
- يالك من محظوظة .
فردت إيرين : " سأمضي النهار بكسل , ولن يكون علي أن أتعامل مع أناس كتريشا ... آه , يا للبهجة ! " .
فضحكت سارا وعلقت :
- أنت تعلمين أنك تعشقين كل دقيقة تمضينها هنا يا إيرين . على أي حال , إذا كان هذا ما تريدينه , فحسنا فعلت . لكننا لن نتركك ترحلين من دون وداع , ولهذا سنقيم لك حفلة أو ما شابه .
فقالت إيرين في بانتصار:
- لقد وضعت برنامجا . ما رأيكن لو ذهبنا الى بلدة " دلفرستون " لحضور موكب المشاعل السنوية ؟ يقيمونه عادة في ثاني أو ثالث سبت من شهر أيلول . وهو توقيت مناسب , وبعد ذلك سنعود الى بيتي للاحتفال !
أجابت هيلين بلسان الجميع :
- هذا رائع . لقد سمعت عن موكب المشاعل لكنني لم أره قط .
فقالت سارا : " أنت لا تعرفين ما فاتك . لم أحضره سوى مرة واحدة , وهو رائع وستعشقينه " .
قالت إيرين مشيرة الى صديق هيلين : " نعم , وكذلك بوب " .
ثم أضافت : أحضريه معك أيضا , فالجميع مدعو ...
وسكتت فجأة ثم ابتسمت وهي تنظر الى الباب وتقول :
- مرحبا يا دكتور جيلسبي . لم ألحظ وجودك . كنا نتحدث عن حفلة تقاعدي .
- إذن فقد اتخذت قرارك يا إيرين ؟ سنفتقدك كثيرا .
سمرت سارا عينيها على بقايا الشاي في فنجانها وحاولت تجاهل الرعشة التي تملكتها لوجود نيال في الغرفة . لم ترفع بصرها حتى وهي تسمع خطواته تدنو منها . وأحست به حين وقف خلفها وإن لم يلمسها , فتسارعت نبضات قلبعا حتى آلمتها . ولكن يا لحماقة تصرفها ! فنيال لا يهتم لأمرها حقا , ولعل دعوته لها لمرافقته ذلك الصباح لم تكن سوى رغبة آنية , لم يشأ أن تفوته ... كان نوعا من الضلال المؤقت من طرفه . اما الحقيقة فهي أنه لا يكترث لأمرها شأنها في ذلك شأن كافة النساء .... ما عدا تلك المرأة التي أذته في الصميم , وتركت بصماتها على قلبه .
- ماذا قررت للاحتفال بتقاعدك ؟
كان في صوت نيال اهتمام ودود برَّد جو التحفظ الذي نشأ عن ظهوره المفاجىء .
فانبرت سالي تقول بروحها المرحة المعتادة :
- اقترحت علينا إيرين الذهاب الى " دلفرستون " لمشاهدة موكب المشاعل وبعد ذلك الذهاب الى بيتها لتقيم لنا حفلة السنة .
ضحكن جميعا وكذلك فعل نيال .
- يبدو لي مشروعا جيدا . هل الدعوة مفتوحة ؟
كان صوته هادئا , لكن سارا أحست بنبرة متوترة تختبىء وراء كلماته الرقيقة تلك . وتملكتها رغبة ملحة في النظر إليه , لكنها تمكنت من كبحها . فما الفائدة من النظر الى شيء غير موجود ؟
وأجابت إيرين على الفور :
- طبعا . وآمل أن تحضر , يا دكتور جيلسبي . إذا لم تشاهد الموكب من قبل , فأعلمك أنه يستحق فعلا الرحلة , وأهلا وسهلا بك في بيتي , فيما بعد , لحضور الحفلة .
- شكرا واقدر دعوتك هذه .
ولم يضف أي كلمة أخرى , فلم تفهم سارا ما إذا قبل الدعوة إم لم يقبلها واستقام في وقفته فشعرت ببرودة مفاجئة تنتابها .
- لن أفسد عليكم استراحتكم . على أي حال , أود أن أعلمكم أنني اعتذرت من ديدري روبرتس . وربما يعلم بعضكن أنني تسرعت قليلا في إنتقاد معالجتها لحالة أنجيلا مواري . وقد أدركت الآن أن اللوم لا يقع على ديدري , وأكدت لها أني أثق بمهارتها المهنية ثقة مطلقة .
وابتسم لهن ابتسامة رقيقة ثم غادر الغرفة بهدوء كما دخل .
عبرت سالي غرين عن دهشة الجميع بقولها :
- حسنا , هذا تغيير جدير بالتسجيل ! ماكنت لأتوقع أبدا أن يعترف الدكتور جيلسبي بخطئه .
ثم تنهدت بلهجة مسرحية وأضافت :
- أواه , إنه ساحر ومثير وهو أقرب الى الكمال , أليس كذلك ؟ إنه وسيم , يكرس نفسه لعمله وجذاب للغاية ... ما يجعلني أتمنى لو أنني لست متزوجة وسعيدة في زواجي .
ضحكن قبل أن يتابعن وضع الخطط لقضاء السهرة .
أصغت سارا الى ثرثرتهن لكنها لم تشارك فيها . كان جزء من قلبها شعاع مريح دافىء . إذا ما تمكن نيال من الاعتراف بخطئه فهذا يعني أنه غير ميؤوس منه كليا . ولعله سيفهم أنه قد يكون مخطئا أيضا في حكمه على أمور أخرى , كرفضه إقامة علاقة حميمة مع أية امرأة, مرة أخرى ...
- يبدو عليك الرضا , يا سارا هاريس . ما الذي تخططين له ؟
-لا شيء .
وضحكت سارا , متجاهلة نظرة عدم التصديقالتي رمقتها بها إيرين . لم تكذب . إذ لم تضع خطة فعلية . وذلك الشعاع الخافت الدافىء لم يصل الى هذا الحد , بعد . ولكنه أمر يستحق التفكير ... إنه البداية وليس النهاية المحتومة .

 
 

 

عرض البوم صور arewa   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, دار الفراشة, جينيفر تايلور, jennifer taylor, روايات, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية, سيد الصقر, tender loving care
facebook



جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t82248.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Ask.com This thread Refback 19-08-15 10:53 PM
Untitled document This thread Refback 26-04-10 10:05 PM


الساعة الآن 08:55 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية