لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-05-08, 11:30 AM   1 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الظبي والجزيرة


زادت ظلمة الليل باختفاء القمر وازدادت النجوم تألقا وبهاء. وامتلأ المكان بشذى الزهور ورافينا واقفة وحيدة في الشرفة المطلة على البحر تستجمع شجاعتها لتبدو مرحة في الحفل فبعد قليل تتدفق جحافل الناس الى فناء الدار وتضاء المصابيح وتبدأ جوقة الموسيقى بالعزف. ارتدت رافينا ثوبا رائعا لم تجرؤ السؤال عن صاحبته وانما وجدته على فراشها في غرفة برج الفارس وزاد الثوب من تألق سحر عينيها وابرز فتنة وجهها وانتظرت في عصبية حتى يراها مارك وسمعت وقع خطواته الهادئة تعبر ارضية الشرفة حتى وقف بجوارها وامسك برسغها وادارها نحوه لينظر اليها ولم تتفوه بكلمة عندما راحت عيناه تتأملان مظهرها في ثوب الجزيرة.منتديات ليلاس
قال:
" كم انت فاتنة ولكن ارجوك ان تبتسمي الثوب يخص جدتي وقد طرأت لي فكرة انه يناسبك "
وبدت الدهشة في نظرات رافينا وقالت:
" هل تقصد ان لانونا سمحت لي بارتدائه؟ "
تلألأت اسنانه وسط وجهه البرونزي في ابتسامة وقال:
" ليست لانونا...انما جدتي السلتية ديلمزا التي كانت تتحلى بصليب وهي ترتدي هذا الثوب "
حكت اصابعه عنقها وهو يثبت حوله السلسلة الذهبية التي تحمل الصليب المرصع باللآلئ واستقر الصليب على صدرها ولمسته رافينا فأحست الدفء الذي بقي فيه من يد مارك. فتمتمت قائلة:
" كم هو جميل. شكرا لك يا مارك لانك سمحت لي بارتدائه هذه الليلة "
" انا اعطيته لك "
" ولكن...."
ووضع مارك اصبعه فوق شفتيها ليمنعها من مواصلة الحديث وقال:
" لم يرتده احد سوى ديملزا وقد قدمه لها جدي عندما جاءت الى هنا "
وشعرت رافينا فجأة بالدموع تحرق مآقيها فقالت:
" مارك احيانا تبدو رحيما للغاية "
وعرفت يداه طريقهما الى وسطها وقال لها:
" ولكني في اغلب الاحيان ابدو قاسيا اليس كذلك؟....كم احب ان تقبليني يا رافينا "
ووقفت رافينا على اطراف اصابع قدميها وكانت تنتعل خفي ديملزا الاسودين وقد زينا بشرائط وردية ثم مست شفتاها خد مارك غير المشوه وفجأة شعرت به يتوتر فقد ادرك انها لا تستطيع ان تحتمل لمس ندوبه لأن التفكير في لمسها كان يثير الرعب في قلبها. واحكم قبضة يده حول وسطها فمالت برأسها الى الوراء وزادت عيناها الخضراوان اتساعا عندما مال بوجهه نحو وجهها وظنت انه سيقبلها ولكنه قال:
" كان يجب ان يكون الحفل تنكريا...ما رأيك لو انني غطيت وجهي؟ "
انطلقت من بين شفتيها صرخة قائلة:
" مارك...لم اقصد..."
ولكن قاطعها قائلا:
" وجهي يفزعك...كما افزع تلك الطفلة التي خرجت من المدرسة "
" كفى...."
" افزعك ولكنك ستتعلمين كيف تعيشين معه مثلي"
وانسحب وقد ثبت ربطة عنقه وارتدى سترة سوداء وقميصا ابيض اللون ثم قال:
" تعالي..من الافضل ان نهبط لمقابلة الناس الذين وصلوا فالحفل اوشك على الابتداء "
وكان الفناء حاشدا بالناس رجالا ونساء يرتدون افخر ثيابهم يحدوهم المرح والضحك وبدا حب الاستطلاع في عيونهم عندما ظهر مارك في الفناء بصحبة عروسه الشابة فصاحوا:
" مرحبا بك في منزلك يا بدرون جئنا للاحتفال بالزواج السعيد "
واقبل عدد كبير منهم لتحية رافينا. البعض يضغط على يدها والبعض يقبلها واحست ان ابتسامتها تجمدت على شفتيها ازاء الطريقة المتكلفة التي تنظر بها النسوة اليها وادركت انهن يقمن بمقارنتها بالعروس التي سبقتها ووقفت الى جوار مارك. كانت دوناتا واحدة منهن مشرقة ذات وشاح يكسو شعرها الاسود مثل لون بشرة مارك اما هي فشعرها احمر اللون وبشرتها شاحبة. شعرت رافينا بالتوتر وودت ان تبكي. واحست بالمهانة من الصورة التي تعرض بها على الجميع ولكن سرعان ما
زايلتها هذه المحنة عندما اقبل الخدم يحملون اللحم الذي تنبعث منه رائحة الشواء والخبز واطباق المكرونة

والزيتون والجبن والطماطم والفاكهة وقناني الشراب الاحمر والابيض وملئت الكؤوس وشرب الجميع نخب البادرون وعروسه وهم يرددون قائلين:
" مبروك...فالتباركما السيدة العذراء "
واجبرت رافينا ان تجلس بجوار دونا جوكاستا وعدد من صديقاتها وانهلن عليها بالاسئلة العديدة وكانت لانونا تقوم بترجمة فحواها لرافينا التي اجابت عنها افضل اجابة وكم كانت سعادتها عندما بدأت رقصة الترانتيلة.
لم تشاهد رافينا الرقصة من قبل وشعرت بعد لحظة بسحرها وخاصة بعدما بدأ الرجال يتسللون الى داخل الحلقة التي عقدها بعضهم وشرعت الموسيقى تسارع في وقعها وبدأت الفتيات في نداء اسماء الشبان الذين يعجبن بهم. وكانت فتاة فاتنة تقف بالقرب من رافينا عندما التقطت زهرة من شعرها والقت بها الى راقص خبير في الرقصة فأمسك بالزهرة ووضعها بين اسنانه البيضاء وترددت ضحكات لم يسبق لرافينا ان سمعتها كانت ضحكات اناس يشتغلون بجد واهتمام ويلعبون بحماسة شديدة وتجري في عروقهم حرارة الشمس الساخنة والريح العاتية وجمال الجزيرة المتوحش.
وعندما انتهت الرقصة بدأ الراقصون يرطبون حلوقهم باحتساء الشراب بينما كان عازف الجيتار يشدو بأغنية عاطفية وكانت رافينا تراقب كل ما يجري فرأت مارك يتحدث الى بعض رجاله...ربما كانوا هم هؤلاء الذين سارعوا الى اطفاء السنة الحريق التي كانت امتدت عليه. كانت رافينا تحاول ان تتوارى في الظلال بينما كان مارك يدور بنظراته بحثا عنها وكشف المصباح عن الصرامة التي ارتسمت على ملامح وجهه. قال له احد الرجال بصوت عالي:
" بادرون يجب ان نذهب لصيد السمك عندما يحين الوقت. اه يجب ان نصطاد بالرمح حوتا رهيبا "
قال رجل اخر ضاحكا: " الرجل صياد وعليه ان يجد فريسته "
لطم الرجل الاول ظهر الرجل الاخر وقال:
" انت تتكلم عن النساء وتقارن بين صيدهن وصيد السمك. ان صيد النساء افضل رياضة للرجال لانه في الحقيقة ليس من السهل ترويضهن. ما قولك يا بادرون في ان المرأة في ان المرأة الايفة اشبه بالمعكرونة الخالية من الصلصة "
اجابه ماركوهو يبحث بعينيه عن رافينا:
" المرأة التي لا تتشاجر معها ثمنها يقل. انها تحتل قلب الحياة وحيثما توجد الحياة لابد من نشوب معركة "
ضحك الرجال وراحت عيونهم تتفحص النساء في ثيابهن الملونة وكانت هالة من الكبرياء والصراحة تحيط بهن دون ادنى لمحة من خضوع في سلوكهن. وتقدمت فتاة فأزاحت الوشاح الذي يغطي رأس رافينا ومررت اصابعها فوق وجنتها وهي تتمتم: " سيدتي العاشقة "
وكشف صوت الفتاة المرتعش عن المكان الذي اختبأت فيه رافينا فأضطرت هذه ان تتسلل من مخبئها وتقف في دائرة ضوء المصباح وفي الحال رأها مارك وعندما اقترب منها احست بأنفاسه تلفح عنقها وكان طويلا اسمر اللون يحدق فيها بنظرة تنبئ الجميع بأنها ملك له.
سألها بصوت ساخر:
" هل استمتعت بالحفل؟ كما ترين الرجال يرقصون مع زوجاتهم وسيبدو الامر غريبا لو اننا لم ننضم اليهم في رقصهم "
وجذبها الى حلبة الرقص وكانت الرقصة لا تعدو ان تكون خطوتين بسيطتين ولكن رافينا كانت تتعثر في رقصها وفجأة اطبقت اصابع مارك على وسطها وهمس في اذنها بقسوة:
" هل تكرهين لمة يدي كثيرا؟ "
وضغطت وجنته على وشاحها الذي يغطي شعرها وبدت همسته امام الجميع انه محب لها وله بها فأغمضت رافينا عينيها حتى لا ترى المصابيح والمرح الذي ارتسم على وجهه وقالت:
" انني احاول يا ماركان ابدو عروسا سعيدة في الحفل. انها لا تكاد تكون غلطتي اذا لم يستطع قلبي مشاركتهم "
وتوقفت الموسيقى عن العزف وحانة اللحظة التي يقدم فيها الناس للبادرونسيتا هدية الحظ السعيد. هؤلاء الناس توافدوا يحدوهم حب الاستطلاع لرؤية عروس البادرون ويشعرون بالشفقة نحو هذا الرجل الذي قاس كثيرا من مأساته وهو الان يعيد بناء حياته مع عروس جديدة شابة. تجمع الناس حول العروسين وتقدمت فتاة تفوهت ببعض الكلمات الخجلة وقدمت لها هدية غير مألوفة وكانت الهدية ظبيا منقطا بعيون واسعة وسيقان طويلة وكان دور رافينا ان تقوم على رعايته وتدليله. ربت مار على اذني الظبي وقال مبتسما:
" من اين حصلت عليه؟ "
تقدم احد الفلاحين وانحنى امام رافينا وقال:
" ابني الفلاح اتى به من رحلة بحرية كان يقوم بها سيدي البادرون زوجتك يبو على وجهها تعبيرات ذات مغزى والظبي يجب ان يكون ملكا لها .
هز حديثه مشاعر رافينا وقالت له:
" اشكرك..اخبرهم يا مارك كم انا ممتنة بهديتهم "
مست يده كتفها واحست بالدفء يسري خلال بلوزتها الحريرية فقال لها:
" انه في وسعهم ان يشعروا بسرورك...يا عزيزتي "
قالت: " الف شكر "
وانفرجت شفتاها عن ابتسامة وقورة وكانت عيناها ممتلئتين بالدموع بينما تشعان بشعور الامتنان والخجل لانها استطاعت ان تعقد صداقتها مع اهل ساردينيا الذين يتصفون بالطبية. وكان الوقت يشير الى منتصف الليل عندما بدأت الجموع تستقل عرابتها او تمتطي دوابها عائدة الى ديارها. وكانت تصيح وهي تودع العروسين قائلة:
" وداعا...ليلة طيبة "
وبدأ وقع الحوافر يخفت تدريجيا وهي تبتعد عن المنزل واطفئت المصابيح واحدا تلو الاخر ووجد البادرون وعروسه نفسيهما وحيدين في فناء الدار. واستند مارك الى شجرة سرو وراحت عيناه تلاحظان الطريقة التي يقبع بها الظبي على ذراع رافينا وكأنه طفل صغير فقال لها:
" يبهجك هذا الظبي الوليد...اليس كذلك؟ "
قالت:
" لم امتلك شئ يبهجني مثل هذا الظبي وانني افكر في اختيار اسم يناسبه وافضل ان اطلق عليه اسم (بامبو) اذا لم يكن هذا الاسم يعني شيئا "
قال مارك بكسل:
" يبدو الاسم غريبا. علينا ان نجد له مأوى في الاسطبل. هناك يمكن ان يعقد صداقة مع مهر يتيم "
حملا الظبي ووضعاه بجوار المهر الذي اجفل وصهل واراد مارك ان يهدئ من روعه فربت عليه بيده وسطع اضوء من مصباح معلق فكشف عن الندوب التي بدت واضحة في يديه. وتطلع اليها مارك فرأها تحدق في هذه العلامات الرهيبة وادرك انها اثارتها وتطلعت عيناها الى عينيه فشاهدت فيهما الرغبة متأججة فقال لها:
" هل تحبين ركوب الخيل؟ "
" اجل قليلا ". قال:
" غدا ستمتطين جوادا معي لنقوم بجولة سويا. اما الليلة....."
وصمت قليلا ثم واصل حديثه:
" اما الليلة فسوف تتعلمين كيف تعيشين مع وجهي ولمسة يدي التي قد تحرق جسمك "
وقبل ان تشرع في التحرك لف ذراعه حول وسطها وبدأت خطواته تغادر الاسطبل وهو يحملها ليمر من تحت البهو المؤدي الى المنزل الغارق في الصمت. والان اصبحا وحيدين تماما بعدما انتهت الحفلة وشعرت رافينا بضربات قلب مارك تدق وهو يرتقي درجات السلم ليصل بها الى برج الفارس. كانت يداه قويتين وهما ممسكتان بها وشعرت انه ليس هناك اي سبيل للهرب منهما.
واخيرا وصلا الى الباب فدفعه بقدمه فانفتح وكانت القناديل المعلقة بجوار الفراش مضاءة وتلقي بظلالها المتوهجة على الاغطية المطرزة التي تكسو السرير الكبير وتتطلعت ببصرها الى الفراش ثم الى الوسادتين عندما انزلها مارك عن ذراعيه لتقف على قدمها.
ترنحت رافينا من جراء المرح الذي استمتعت به وشراب الجزيرة الذي انتشت به ولانه حملها على ذراعيه الى غرفة العروس بمقصد لا يخطئ معناه ولم تشعر الا ويدها تمسك بأحد اعمدة السرير وتاجها الاحمر يهوي من فوق رأسها ووشاحها يتهدل من فوق كتفيها. وشخصت ببصرها نحو مارك فامتلأت عيناها بالخوف من هذا الغريب الاسمر الذي يعد زوجها وهو ينظر اليها بعينين سوداوين تحترقان بلهب مكبوت. قال لها بهدوء:
" لم يكن من شروط الاتفاق ان نعيش منفصلين. انت تعرفين بنوده قبل زواجنا ولابد انك ادركت معنى كل كلمة من كلماته. انني اريد زوجة "
وابيضت اصابع يدها وهي تقبض على عمود السرير ثم قالت:
" لكي انجب لك ولدا...اه اجل اعرف الشروط يا مارك ولم يراودني الامل يوما بأنك سوف تعدل عنها بل لم اتوقع ذلك منك "
" هل كنت تتوقعين ان تجدي عاشقا؟ "
واجهت عينيه وهي تقول:
" طبعا انا لست طفلة يا مارك انا اعرف ان في وسع الرجال الشعور بالرغبة دون الاحساس بالحب "
منتديات ليلاس


سألها:
" اي رجل علمك هذا؟ "
اجابت:
" المرأة تعرف اشياء كثيرة من دون حاجة الى ان تتعلمها "
وتركت شعرها يتهدل حتى وصل الى مستوى قلبها بينما كان مارك يخطو خطوة كبيرة نحوها ويقبض على رسغها ثم يقول لها:
" هل تظنين انني لا اعرف انك تشيرين بذلك الى رودري برينين وانك مازلت تهتمين به الى الان؟ "
سألته:
" وكيف لي ان اقول انني لا اشعر بشئ؟ كيف لي ان انسى السنوات السعيدة؟ "
فاشتدت قبضة مارك على رسغها وكأنه يبغي تحطيم عظامها فنظرت اليه ورأت في عينيه صورة لكل ما فعله به رودري اذي شاطرها اسعد ايام الطفولة وسنوات المراحقة وحفلات الرقص التي دعاها اليها وهو متألق في زيه العسكري ولكنه كان يبدو ضعيفا في حين ترى مارك قويا لا تنثني قناته. قالت له:
" اننا نحكم على الناس من زاوية شخصية بحته فأنت تكره رودري وانا ادرك...."
فقاطعها مارك قائلا:
" انا لا افهم كيف يمكن ان تحبيه! "
وتوقف قليلا عن الحديث فرأت وجهه كالثوب الابيض وعينيه الغاضبتين تعكسان نظرة الم ثم اردف يقول:
" كلما نظرت اليك ارى برينين في عينيك وكلما اختلينا سويا اراه يشاركنا الغرفة "
فقالت له:
" لانك تحاول دائما ان تتذكر اسمه في حديثنا. هل من المحتم عليك ان تبدو قاسيا هكذا يا مارك؟ الا تظن ان رودري قاسى هو الاخر الشئ الكثير؟ "
" انني اتوقع ان يصحو ضميره. هل عاد الى انجلترا لان ضميره دأب على مطاردته ورأى ان بغرق دوي الحادثة بين ذراعيك؟ "
صمت مارك وعندما اقترب منها سطع ضوء المصباح فوق صفحة وجهه ثم اردف يقول:
" هذه الليلة سوف تنسين رودري سوف تنسين كل انسان في الوجود الا انا"
انصتت رافينا اليه ولم تستطع ان تتفوه بكلمة وكان الصمت مطبقا وهي واقفة تتطلع اليه والى عينيه السوداوين كسواد الليل الذي غاب فيه القمر واحاط المنزل في كنفه. وكان البحر صامتا واشجار السرو ساكنة وألسنة الغضب والالم تتوهج في عينيه. واخيرا...قالت شيئا. هل تفوهت بأسمه؟...كل ما تعرفه ان الارض اختفت من تحت قدمها عندما حملها على ذراعيه واخفى الندوب في لهب شعرها الداكن.

******

هل كان مارك صادقا عندما اخبرها في اليوم التالي بوجود بعض المشكلات في احد مصانع الحمضيات وضرورة ذهابه الى هناك لحلها؟ لم تستطع رافينا ان تقرأ شئ في عينيه بعد ان استيقظت من نومها واكتشفت وجوده بجوارها وشعرها الاحمر ملفوف حول عنقها.
رحل ماك قبل الظهر وفي المساء وصلت رسالة تخبرها بأنه سوف يتغيب يومين او ثلاثة وارخت رافينا عينيها وهي تتناول طعام الغذاء مع جوكاستا حتى لا ترى مدى الارتياح الذي غمرها لغياب مارك. انه ارتياح يبعث على الاسترخاء للتخلص من التوتر المستمر الذي يثيره وجود مارك وفي وسعها الان ان تستكشف الشاطئ الذي يقع تحت المنزل. الحياة تدعوها الى الارتماء في احضانها ورافينا تعشق البحر وخاصة انها سباحة ماهرة. وكم كانت ممتعة تلك العطلات التي امضتها على الشاطئ بصحبة جاردي...ورودري.
حاولت ان تسدل الستار لتمنع عقلها من التفكير في رودري ولكنه كان دائما يقتحم خلوتها بطريقة تجعلها تحس بأنه يفكر هو الاخر فيها فتنهدت واحست ان دونا جوكاستا تراقبها بحدةوسألتها:
" هل تفتقدين وجوده؟ "
فتطلعت رافينا اليها ووجدت عيناها مسلطتين عليها:
" هل تقصدين مارك؟ "
" ماركوس؟ اجل! ومن سواه؟ هل هناك شخص اخر غير زوجك تفكرين فيه؟ "

واكتنف سؤالها شك حاد فقد كانت رافينا تعرف ان الجدة تراقب حياتها طوال فترة غياب حفيدها وربما طلب منها ان تراقبها عن كثب. قالت رافينا بحرص:
" اشعر بالحنين للوطن. هذا كل ما في الامر. كل انسان ما عدا مارك يعد غريبا علي وغدا سأعتاد على بيتي الجديد "
تجهمت جوكاستا:
" انني ادير هذا المنزل منذ ماتت دوناتا ولن يطول بك الزمن حتى تكوني قد تسلمت مفاتيحه مني "
قالت رافينا بتأكيد واضح:
" انا..انا لا اريد المفاتيح. انني سعيدة بأن ادع لك تدبيير امور الكازا. انني لا اريد ان اقلب وضع الامور او تغييرها "
سأ لت الجدة العجوز:
" لماذا؟ الأنك لا تحاولين الاهتمام به؟ "
وكان هذا الرأي قريبا من الحقيقة وكانت رافينا سعيدة عندما تحولت لتناول قطعة من الكعك المغطى بالكريمة وبعد الغذاء استأذنت من دونا جوكاستا في الانصراف للقيام بكتابة بعض الرسائل وبعدما استجمعت اعصابها بكتابة رسالة الى جاردي تخبره فيها عن سعادتها في المنزل الذي تحيط به اشجار السرو ووصفت له الحفل الذي اقيم احتفالا بزفافها والقرية التي تقع.........
ثم راحت تكتب رسالة الى رودري ولكنها ما كادت السطور تبلغ منتصفها حتى كورت الخطاب في قبضة يدها والقته في نار المدفأة فقد رأت انه لم يعد لديها شئ تضيفه الى ماقالته له في يوم زفافها فهي تعرف تماما ان سلامة صحة جاردي تتوقف اساس على السرية التامة لكل ما حدث واذا اعترف رودري لابيه بأنه قتل ابن مارك فمن المحتمل ان النبأ سيؤدي الى قتل جاردي.
وفي صباح اليوم التالي توجهت الى مكتب بريد القرية لتبعث برسالتها ثم اتخذت طريقها على الدرب المؤدي الى ساحل البحر وعندما بلغت الشاطئ وجدته مهجورا فتخلصت من خفها وجرت الى الامواج المتكسرة لتستمتع ببرودة الماء فشعرت لاهدوء والطمأنينة. وفجأة قطع عليها خلوتها صوت نباح كلب صغير مبلل بالماء اخذ يتسلل من بين الصخور ليقترب منها ويقف امامها ساكتا مشدوها مثلها. وتحول نباحه الى هرير قصير. قالت له:
" حسنا...انا لست اخشاك. وانت بالتأكيد لا حاجة بك الى ان تخشاني "
وهمد الهرير وبدأ الكلب يتقدم منها وهو يهز ذيله. كان كثيف الشعر تتهدل خصلات من فوق عينيه. شكله يدعو الى الضحك وهو مبتل وهذا النوع من الكلاب تحبه رافينا اشد الحب.
سألته:
" من اين اتيت؟ "
ومدت له يدا حانية فأحنى رأسه واخرج لسانه ليلعق يدها بينما راح ذيله يتأرجح بقوة وفجأة سمعت رافينا صوتا ينادي:
" تيو! "
كان الصوت اتيا من وراء الصخور فتطلعت باتجاهه ورأت رجلا ينسل من بين الصخور عاري القدمين, شعره مجعد, نحيل القوام, يرتدي سروالا ضيقا ازرق اللون وتتراقص مدالية على صدره الاسمر العاري. واستطاعت نظراته الجريئة ان تلتقط كل صغيرة وكبيرة من مظهر رافينا ثم استقرت اخيرا على شعرها الذي استحال لهيبا عندما سقطت عليه اشعة الشمس وراحت الريح تعبث بخصلاته فوق كتفيها.
قال الشاب وهو يقترب منها وقد انفرجت شفتاه عن صفين من الاسنان البيضاء:
" عثرت على صديق لك يا تيو...اليس كذلك؟ "
صمت قليلا ثم قال بالايطالية:
" صباح الخير سنيوريتا "
ثم اردف يقول بالانجليزية وكأنه يعرف شخصية من يحدثها:
" كيف للانسان ان يعرف مبلغ سعادته في هذا الصباح عندم يعثر على صديق فوق رمال الشاطئ "
تأملته رافينا مليا ولكنها لم تستطع ان تتذكر انها رأته في حفل الامس. كان لديه ذلك النوع من النظرات التي لا يستطيع المرء نسيانها. وتقدم منها وانحنى انحناءة خفيفة وقال:
" يجب ان اقدم لك نفسي انا ستيليو فابريزي لا ادري ان كنت قد سمعت عني ام لم تسمعي انني يا سنيورا رسام "
وفي الحال تذكرت رافينا الاسم ولكنها شعرت بعينيه تدغدغانها حين تحدثت لتقول له:
" هل تقوم بطلاء البيوت يا سنيور؟ انه عمل مثير اظن ان بيوت البحر الابيض التي طليت بالالوان اصبحت شيئا فريدا اذ انها تنسجم جيدا مع اشعة الشمس والبحر

ضحك الرسام بمرح وقال:
" من الغرور ان ادعي بأنني احظى بشهرة كبيرة. انت العروس الجديدة وسوف تنسجمين بدورك مع اشعة الشمس والبحر وكان ظني ان تكوني شقراء باردة ذات نظرة نافذة ومقلقة "
قالت بهدوء:
" انني اسفة ان اخيب تقديرك يا سنيور فابريزي "
قال وعيناه تأسران عينيها:
" لم يخب ظني بل اعتبر نفسي سعيد الحظ لان اجد فيك الشخص الجدير برسمه. ان صور عرائس اسرة دي كورزيو رسمها مشاهير الفنانين وعندما سمعت ان مارك دي كورزيو قد تزوج ثانية قررت ان اتي والقي نظرة على على عروسه "
قالت لتسأله:
" اواثق انت ان زوجي سوف يختارك لرسم صورتي؟ "
رأت رافينا فيه الجرأة والشجاعة واحست انه من السهل عليها مسايرته وهو في ذلك مختلف عن مارك الذي يموج عامل الخوف دائما في اعماقها معه وتدرك تماما انه متحجر القلب وتبدو قسوته على وجهه. وانتشلها الرسام من تفيرها حينما قال:
" مارك دي كورزيو رجل مشهور وحيث انني اقيم في فيلا صغيرة تقع على الساحل الزمردي فانه سوف يستدعيني لرسم صورة زيتية لعروسه البريطانية "
" انا من مقاطعة ويلز يا سنيور "
وجال ببصره نحوها متفحصا فشاهد شعرها الاحمر وعيناها الخضراوين وشموخها وهي تقف بين الامواج المتكسرة والزبد المتطاير يتناثر خلف شعرها. قال لها متمهلا :
" اجل ارى فيك سحرا اخاذا ومن دواعي السرور ان ارسمك يا سنيورا دي كورزيو "
قالت:
" انني افترض جدلا ان مارك سوف يستدعيك لرسمي "
قال الرسام بصوت يشوب الكبرياء نبرته:
" لا انتظر عودة زوجك حتى اسأله القيام برسم صورة لك فقد اعتدت الا استأذنه عندما يعجبني منظر طبيعي اخاذ يدفعني الى رسمه. فما بالك عندما ارى امرأة جميلة! "
" اكاد اكون جميلة يا سنيور..."
قال مبتسما:
" اذا دعينا نقول انك فاتنة مثيرة. ما رأيك في ساردينيا هذه الجزيرة التي نطلق عليها نحن الايطاليون هذا الاسم. انها تشبه الخف "
اجابت:
" انني اجدها جذابة نقية من كل فساد. ولو كنت فنانة لتوقعت الا اقاوم اغراءات الجمال "
قال:
" عروس لا تقاوم الاغراءات "
وتطلع اليها الرسام الشاب بنظرة يشوبها حب الاستطلاع, نظرة دفعتها الى البحث عن خفها الذي تركته في منتصف الشاطئ فقامت لاحضاره.
وعندما سار الى جوارها رأت فيه رجلا قوي البنيان ولكنه ليس في طول مارك وفي لحظة تجسدت فيه صورة رودري وهو يسير الى جوارها.
واخيرا قال لها ستيليو:
" حلقة الصندل التي يتعلق بها اصبع القدم هل هي مؤلمة؟ "
ولوهلة لم تستطع رافينا ان تدرك المعنى الذي يعنيه ثم عرفت انه يشير بطريقة مهذبة الى الحياة في الجزيرة والى كونها عروسا لرجل مثل مارك فتألقت عيناها ببريق اخضر عندما غمرتها اشعة الشمس فتوتر الفنان وهو يتطلع اليها. قالت له:
" اذا سألتني يا سنيور اذا كنت اشعر بالراحة في الكازا فانني سأجيب عليك بأن الامر سيستغرق من المرء بعض الوقت حتى يحس بالاستقرار في وطن غريب "
فقال متعمدا:
" لديك عينان جميلتان يا سنيورا ولكنني لا ارى اي نجوم فيهما "
سألته:
" هل تبحث عنها في وضح النهار...يا سنيور "
خيم الصمت عليهما ثم قال:
" يجب ان تشاركيني طعام الغداء لدي زورق صغير في المياه وراء الصخور ولدي سلة وضعت فيها مدبرة منزلي الوانا مختلفة من الطعام هل ترغبين في مشاركتي؟ "


تتطلع الى بصرها الموجه الى لسان الارض الداخل في البحر حيث برزجناح من الكازا وفكرت رافينا ان دونا جوكاستا تتوقع عودتها لتناول

طعام الغداء معها في الصالون وسوف تسألها عن المكان الذي قضت فيه كل فترة الصباح وعن الشخص الذي امضت معه كل هذا الوقت ولذا وجدت من الصعوبة ان تلبي دعوته لتناول الطعام معه ومع كلبه لذلك قالت له:
"شكرا حقا اني جائعة ولكن عبور الطريق الى الكازا يحتاج الى وقت " صوب الرسام بصره الى المنزل ورأى ستارات النوافذ مسدلة تحول دون دخول شمس الظهيرة الى غرفه والشرفة المطلة على البحر تبرز فوق الربوات ويبدو ان للمنزل مظهرا منيعا ومنعزلا وكأنه شيد ليبعد عنه اي طارئ غريب. تمتم ستيليو قائلا:
" لن يضيق زوجك اذا ما شاركتني طعام الغداء "
قالت:
" مارك في رحلة عمل "
" فهمت...ترك عروسه ليلهو قليلا...ما رأيك؟ "
قالت:
" لا اشعر بأي ضيق. مارك لن يدع عمله ينحدر الى الحضيض بسببي "
وكز ستيليو عل اسنانه وهو يقول :
" يا الهي...لو كان زوجك ايطاليا لن يدعك وحدك هكذا بل سيقضي حياته بصحبتك. لا يفارقك ليل نهار "
قالت:
" ما ارهب هذا واشبهه بالحجز الانفرادي انه السجن "
قال استيليو وكان صوته الاتيني يربت بحنان على لماته:
" انك سجينة الحب لا يسع الرجل العاشق الا ان يقول: اذا لم يكن عندي شئ غير باقة من الورد فانني سوف اقاسمك اياها! "
" انت شاعر يا سنيور فابريزي ولكنك بالكاد تتلاءم مع متطلبات الحياة اليومية. انا افضل ان يقتسم الرجل طعامه معي. لاني جائعة "
قال لها مؤنبا:
" انت تقولين عبارات تكاد تتفق مع لهيب شعرك والجواهر التي تتلألأ في عينيك "
" ان الشعر يتبدد اذا القي على مسامع امرأة جائعة. هل لديك قهوة في سلتك؟ "
قدم لها يده وهو يقول:
" دعينا نذهب وسوف ترين "
تسلقا الصخور وبلغا خليجا ارسى فيه ستيليو زورقا صغيرا في مؤخرته
محرك فنقل من الزورق سلة الطعام تحت شجرة وارفة الظلال وكانت السلة تحتوي على السجق والخبز والجبن والزيتون وشرائح الليمون وغيرها من الاطعمة المنوعة. وبعدما فرغا من الاكل احتسيا القهوة المكثفة وانتابهما شعور بالتخمة فطلبا الراحة. وكان الجو باردا حولهما بينما كانت اشعة الشمس تبعث الحرارة خارج لرقعة التي جلسا فيها.
قال لها فابرزي:
" يجب ان تتيحي لي الفرصة لرسم صورة لك يا رافينا "
" يجب ان استشير مارك في ذلك يا سنيور لانه تحدث معي بصدد رسم صورة لي لكنني لم اكن شغوفة بالفكرة "
ومال عليها استيليو يتفرس وجهها ثم سألها:
" ولم لا؟ انت خائفة من فنان فطن سوف يرى اشياء في عينيك تكشف عن امرأة غير سعيدة البتة؟ "
دفنت اصابعها في الرمل الناعم وودت ان تقول له انها سعيدة تماما ولكن ستيليو راح يربت على يدها. كان طيب القلب متفهما لعواطف الاخرين ويدرك ان الشقاء جزء من الحياة مما يجعل الناس موضع الاهتمام وخاصة بالنسبة اليه كفنان .
قال لها:
" ان الجو يكون اكثر برودة فوق سطح الماء. دعيني اصحبك بزورقي في رحلة بحرية. ان زوجك غائب عنك "
سحبت يدها من تحت يده وقالت:
" وهل تظن ان الفأر من حقه ان يلعب في غياب القط ؟"
ضحك ستيليو وبصره مصوب نحو شعرها الاحمر وقال:
"رافينا انك لست فأرا. انك تشبهين لوحة للرسام تيتان حيث تعكس العينان الحيوية والخجل انت تختلفين تماما عن دوناتا "


سألته:
" هل كنت تعرفها؟ "
شعرت رافينا بأنفاسها تتلاحق وهي تسأل عنها اذ سرعان ما تتمثل امام عينيها صورة المرأة التي احبها مارك عندما يبدأ اي شخص الحديث عنها .
اجاب فابريزي:
" التقيت بها في صحبة مارك في روما ولم يكن قد مضى على زواجهما فترة طويلة ورسم صديق لي صورتها في مرسمه. كانت مخلوقا جذابا

ذات عينين داكنتين وفم كالزهرة المتفتحة واخبرني صديقي الفنان انه كان مأخوذا بها عندما رسمها لانها تدعوك الى حبها وهي تعيشقصة حب "
خفضت رافينا عينيها وكأنها ترى بوضوح اشعاع جمال دوناتا فسألته:
"ماهو الانطباع الذي تركه مارك عليك في ذلك الوقت ؟ "
قال استيليو عن عمد:
" كان في صورة رجل له مهابة رومانية وهو جالس في مرسم ارنو. كان يدخن وكانت عيناه تشعان بالرضا وهو يراقب اللمسات الاخبرة التي يضعها الفنان لصورة دوناتا. اتذكر انه وزوجته كانا ينعمان بكل شئ يرغبان فيه. الجمال, الثروة, الحب ولم اشاهد اي ظلال للشقاء في عينيها او بادرة تشير الى انه وزوجته سيواجهان مأساة في ذلك اليوم "
نهضت رافينا واقفة على قدميها وراحت تنفض الرمال العالقة بثوبها القطني وقالت:
" بربك...لا تقل المزيد عنها خذني في الرحلة البحرية ارجوك "
وقطعا شوطا في عرض البحر حتى وصلا الى احد الجزر الصغيرة حيث يوجد كهف يمكن للزورق ان يندفع خلاله وكانت المياه تحت الزورق صافية وزرقاء يمكن من خلالها رؤية الاسماك وهي تقفز كالسهام .
ابتسم ستيليو وقال:
" هنا يجب ان ارسم صورتك وانت جالسة على الصخر مثل حورية تشدو اغنية "
قالت وهي تعبث بأصابعها في الماء:
" من المفروض ان اشدو بأغنية من اغنيات ويلز "
وعندما بدأت تغني ترددت اصداء الاغنية بين جنبات الكهف مما اثار الكلب تيو وراح ينبح نباحا اشبه بنحيب جنية ايرلندا التي فقدت عزيزا لديها فانفجر استيليو ضاحكا وبدأ يدير المحرك ويتجه ثانية بالزورق الى عرض البحر وكانت الشمس قد بدأت في المغيب عندما القى الزورق مرساه تحت المنزل واشتعلت الشمس بلهب قرمزي القى ظلاله على البحر واخذت سحب الصيف تستكين في الافق وعندما تطلعت رافينا الى مغيب الشمس ادركت عدد الساعات التي امضتها غائبة عن الكازا .
قال لها استيليو وهو قابع في زورقه:
" احب ان ابدأ غدا برسم الخطوط الاولى لصورتك "
وقفت على الشاطئ تلوح له بيدها وترسم على شفتيها ابتسامة وهي تقول له:
" لن استطيع. يجب ان استأذن مارك اولا "
سألها استيليو ساخرا:
" هل تخضعين دائما لاوامر زوجك ؟"
بدأ الجو يميل الى البرودة والسحب تلقي وشاحها على الشمس الغاربة وكانت رافينا تدرك ان الكآبة والانقباض قد يأتيان في ختام اليوم.
قالت له:
" انت تعرف ان مارك لم يعد الشخص الذي التقيت به في روما. ان من الكياسة ان تتحدث معه اولا...يا استيليو "
قال لها:
" سأمتثل لطلبك يا رافينا. الوداع "
" وداعا يا استيليو. وداعا يا تيو "
وتردد نباح تيو عبر الماء...بينما اخذ صوت المحرك يخفت تدريجيا عندما اخذ الزورق يبتعد عن الشاطئ واخيرا خيم الصمت. ولكنه صمت لن يطول امده فبعد لحظات سوف يبدأ المد وتتلاطم الامواج فوق الصخور فأدارت رافينا ظهرها للبحر واتخذت سبيلها الى المنزل. وارخى الليل سدوله فأضيئت مصابيح باب الفناء ودلفت الى المنزل على امل ان تتجنب لقاء دونا جوكاستا ولكن السيدة العجوز كانت تجلس على مقعدها بجوار المدفأة وقدماها الصغيرتان تستريحان فوق المقعد الصغير وعيناها الحادتان تتطلعان الى عقارب الساعة التي تشير الى الوقت الذي عادت فيه العروس الهاربة. سألتها:
" اين كنت طوال اليوم؟ "
اجابت:
" على الشاطئ "
كانت رافينا تقف وسط الصالة بقوامها النحيل وشعرها المشعث وثوبها الغضن وذرات الرمل عالقة بأطرافه واحست انها صغيرة امام الجدة. فراودتها الرغبة في الفرار ولكن هروبها كان يدينها بارتكاب جريمة وهي لا تشعر بأي جرم في تمضية الساعات بصحبة استيليو فابريزي فقد ساعدها على ان تخفف من الم ابتعادها عن وطنها وهي ممتنة له.
قالت الجدة:
" بابتيستا قالت انك كنت في صحبة رجل. ارسلتها للبحث عنك ما قولك؟ "
قالت رافينا بصوت يشوبه التحدي:
" بابتيستا تتمتع بحدة البصر التقيت على اشاطئ بصديق لمارك وهو السنيور فابريزي "


التقطت الجدة انفاسها وقالت متسائلة:
" الفنان ؟ "
اجابت رافينا:
" اجل "
" كل الفانون مرحون ولكنهم اشرار مع ذلك امضيت اليوم بكله معه؟ "
قالت رافينا:
" اغلب اليوم....وبصحبة كلبه "
ثم اتجهت لترتقي درجات السلم وهي تقول:
" انني متسخة وارغب في الاستحمام "
قالت السيدة العجوز:
" لحظة ارجوك...."
فاستدارت رافينا طائعة
" لن تري هذا الرجل مرة اخرى انني امنعك "
قالت رافينا وقد شاب الغضب صوتها:
" انا لست طفلة يادونا جوكاستا. ليس في وسعك ان تمنعيني من اقامة اي صداقة مع احد او تنصبي نفسك تنينا علي لمجرد ان مارك غائب عدة ايام عن البيت. انني لن انصاع لامرك "
" ماركوس تركك في رعايتي "
" هل طلب منك حبسي في البرج وان يقتصر طعامي على قطعة خبز وماء؟ حسنا لن انوي ان اكون سجينة في هذا البيت المظلم. سأتوجه غدا الى الشاطئ وارجو ان اجد سنيور فابريزي هناك انه يضحك دائما يا سنيورا انه ممتلئ بالحياة ويتطلع الى المستقبل ولا يعيش في الماضي كل وقته "
واخذت رافينا ترتقي درجات السلم بسرعة وعبرت البهو الى الفسحة المؤدية الى برج الفارس حيث كانت وجنتاها ساخنتين وقلبها يدق دقات متلاحقة وشعرت انها تكره مارك لانه اصدر اوامره للتجسس عليها كما تكره هذا البيت لذا قررت ان تقضي غدا اليوم بطوله في احضان الشمس والريح....وفي صحبة استيليو .



***نهاية الفصل الرابع***

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 12:03 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

5-أصدقاء أم عشاق ؟



شعرت رافينا باجهاد في اليوم الذي امضته على الشاطئ لذلك استيقظت اليوم التالي في ساعة متأخرة من النهار ورأت اشعة الشمس تملأ غرفتها وادركت انها نامت فترة طويلة. جلست على الفراش فوجدت صينية بجوار السرير وضعتها على ركبتها وصبت فنجانا من القهوة واكلت المربى والبيض بشهية واحست ان النهار ملك لها تفعل ما تشاء فان دونا جوكاستا لن تستطيع ان تجعلها سجينة غرفتها.
وبعد انقضاء ساعة اغتسلت رافينا وعقصت شعرها في تصفيفة ذيل الحصان وارتدت بلوزة وسروالا فبدت اكثر شبابا وعندما تطلعت الى المرآة تبادر الى ذهنها صورة دوناتا المعلقة في برج المادونا وتذكرت ما قاله لها ستيليو فابريزي عن مارك عندما التقى به في روما منذ ست سنوات. كان بهي الطلعة سعيدا بلا ظلال شقاء في عينيه.
راودتها الرغبة في ان تشاهد الصورة الان قبل ان تذهب الى الشاطئ واسرعت بفتح باب غرفتها فلم تجد احدا فالخدم منهمكون في تنظيف الدور السفلي ولن تحظى غرف الدور العلوي بالاهتمام الا فيساعة متأخرة من النهار وهذا يتيح لها فرصة التسلل الى برج المادونا دون ان يلحظها احد. انسلت من باب صغير في جدار برج الفارس ووجدت نفسها امام جسر حجري صغير يربط بين البرجين وكان برج المادونا يشبه برج الفارس في تصميمه فعثرت على باب صغير في الجدار قادها الى ممر معتم يتسلل اليه النور ضعيفا من نافذة ضيقة وكانت الغرفة التي عاش فيها مارك ودوناتا لا تختلف عن غرفة العروس التي يشغلها الان مع رافينا.
كانت غرفة دوناتا تكسوها الاتربة واسرار الماضي اصبحت رهينة اثاثها وتحفها والستائر المسدولة تطوي الهمسات التي دارت بين الجدران والسجادة صامتة صمت الدخان وهو يسعى هادئا والحائط يحمل صورة الفتاة التي عبدها مارك. لم تستطع رافينا ان تدرك ملامح زوجة مارك في البدية او الثياب التي ترتديها وكانت الشمعدانات مطفأة وهي قابعة تحت اللوحة والى جوارها علب الثقاب وتشير الى ان شخصا ما يأتي بينحين واخر ليشعلها ويقوم بتأمل اللوحة وسط السكون الهامس الذي يشيع في ارجاء الغرفة. اشعلت رافينا الشموع فألقت بأضواها على الصورة فرأت الثوب الذي ترتديه دوناتا كان يمثل عصر ميدتشي وقد تهدل في ثنايا رقيقة فأبرز قوامها النحيل وتناثرت اللألئ على شعرها الاسود وصفوف اخرى منها تحيط بعنقها الابيض الطويل. من الممتع ان يتأمل المرء صورتها بقدر المه لفقدها.
منتديات ليلاس

حملت رافينا شمعدانا واحست انها فقدت الاحساس بالزمن عندما راح تتأمل الفتاة التي منحت مارك نعمة السعادة لدرجة ان اي امرأة لم تستطع ان تشغل بعد رحيلها مكانها في قلبه او عقله او احاسيسه. كانت تبدو شابة ومارك في العشرين عند زواجهما. كانت دوناتا هبة من السماء.
التقت عينا رافينا بعيني دوناتا وفي لحظة رأت فيهما الحيوية والوعي والعداء لها. وفجأة سرى تيار من الهواء اطفأ اللهب المشتعل في الشمعة فتراقصت الظلال في الغرفة وعندئذ انتابها ذعر شديد فأسرعت الى الباب تبغي الهروب وادارت المقبض يمينا ويسارا ولكن الباب كان مغلقا بل موصدا ووقفت رافينا مذهولة ولم تصدق انها اصبحت سجينة البرج وان احدهم تسلل عبر الممر الضيق واغلق الباب عليها وهو يعرف انها هنا وحدها مع الصورة. تملكها الغضب وراحت تدق الباب بقبضة يدها مرة ومرتين حتى ادركت الا جدوى من محاولاتها وانها اصبحت سجينة لاحد سببين: اما لمعاقبتها على ما حدث بالامس او بهدف ارهابها.
ادارت ظهرها للباب واسرعت الى اقرب نافذة وازاحت الستارة جانبا وفتحت مصراعيها واطلت برأسها فوجدت ان المسافة طويلة بين البرج وفناء البيت الواقع تحتها. كانت عيناها الحزينتين وشعرها المتهدل يوحيان بأنها حورية سجينة البرج منذ مدة طويلة ولكنها تبحث عن طريقة للهروب او فارس يسرع الى انقاضها. ولكن ليس من منقض كان الفناء شاغرا والعمال في حدائق الليمون مختفين وراء الاشجار وكانت الريح تهب حول البرج وصرخات الطيور اشبه بصرخات السخرية لديها اجنحة تطير بها كما تشاء اما هي فسجينة هنا حتى يأتي احدهم ليطلق سراحها.
دونا جوكاستا سجنتها هنا او ارسلت بابتيستا المطيعة لتفعل ذلك انها ظل سيدتها التي لا تفارقها. سرت قشعريرة باردة في جسم راينا ولا تدري كم من الوقت مضى عليها وهي سجينة ولابد ان تمر ساعات طويلة قبل ان تطلق دونا جوكاستا سراحها من البرج انه مجرد درس تلقيه على عروس مارك لأنها تجرأت وتحدثت الى رجل وتحدتها بعزمها على مقابلته ثانية. تطلعت الى الجدران لعلها تجد سردابا سريا لاشك ان هذه الفكرة محتملة. فقديما في عصر غارات القراصنة كان الانسان يشيد بيته بحيث يضم غرفا سرية فيها تختبئ اسرته او يبني سردابا يساعدها على الهرب اذ ما فكر المهاجرون في اقتحام البيت وشرعت رافينا في الطرق على اماكن متفرقة من الجدار ولكن لم تكن هناك اي استجابة لطرقاتها او يدور اي اطار بارز ليفتح لها سردابا يساعدها على الهروب من الجدران السميكة.


دارت بعينيها في ارجاء الغرفة ووقع بصرها على المرآة فرأت نفسها ترتدي السروال والقميص الصبياني فلم تصدق انها زوجة مارك وبدا لها ان دوناتا مازالت تحتل مكانها كسيدة القصر اما الصورة التي تعكسها المرآة فهي لا تعدو ان تكون صورة طفلة شقية وقد قال لها مارك ذات يوم وهما يغادران رافنهول" انت ترتدين ثياب صبي وانا اتوقع ان اتزوج امرأة ".
وادارت باصابعها خاتمها الذهبي الذي يدل على زواجهما وعادت تتجول في الغرفة حتى وقفت امام النافذة حيث وجدت فيها فجوة عميقة فقبعت فيها كما يقبع القط المتفطر قلبه وبدت السماء الزرقاء ساخنة واشجار السرو داكنة وهي تناطح عنان السماء. كان الصباح جميلا فضحكت رافينا لانها احتجزت بهذه الطريقة الغريبة في خلال هذه الساعة المشمسة التي كان من المنتظر ان تقضيها مع ستيليو فابريزي وكلبه تيو ولابد انه حدث الشاطئ بأنها لا تتمتع بالحرية التي تبيح لها ان تنضم اليه في الشاطئ وتتمتع برحلة بحرية ولا يدري ان الابواب اوصدت عليها واصبحت سجينة.
فكرت في جاردي الذي يعتقد الان انها سعيدة عندما يتلو رسالتها التي تسلمها الان منها ولكن اي سعادة تتكلم هي عنها؟ كيف تجدها في مثل هذا البيت المسكون بالفتاة الفاتنة دوناتا وتحكمه سيدة عجوز كانت ترغب ان يتزوج حفيدها بفتاة من اختيارها. شعرت رافينا بوطأة السكون والوحدة تجثم على صدرها وبخوف مفاجئ من ان يمضي مارك غائبا لعدة ايام فتقع تحت رحمة تصرفات شاذة اخرى ومزيد من المؤامرات التي تثبط من روحها وتصبح في النهاية ظلا مطيعا مثل بابتيستا. عندئذ صرخت قائلة: " لا ".
وجرت نحو الباب لتتبين ما اذ كان مفتوحا ام مازال مغلقا ولكنها وجدته مؤصدا وشعرت برغبة في البكاء وبلعت ريقها وحاولت ان تعزي نفسها بأن دونا جوكاستا سوف تطلق سراحها حينما يحين موعد تناول طعام الغداء ولن تكون قاسية فتدعها سجينة حتى يحل الظلام وتسمع نعيق البوم .
اخذت وسادة من احد المقاعد وازالت الغبار عنها وهيأتها بحيث تستطيع ان تغمض عينيها عليها....وتعود القهقري الى رافنهول....اجل حيث توجد شجرة الدردار والارجوحة التي سقطت منها يوم دفعها رودري عاليا واحست بالسعادة عندما طارت عاليا ويغمرها الخوف في الوقت نفسه وصاحت به ضاحكة: " كفى ". ولكن رودري لم يأخذ بصيحتها وواصل

دفع الارجوحة حتى سقطت منها وسمعت صوتا يقول: " رافينا "
احست بفزع وشعرت بألم في ذراعها فقالت:
" او....رودري..."
انسحبت اليد فجأة من فوق رأسها بعنف واستيقضت تماما وهي فزعة عندما رأت ان الشخص الماثل امامها كان مارك وان الالم الذي احست به كان نتيجة ضغط كتفها فوق سور النافذة. قالت بدهشة:
"مارك! "
قال:
" انا اسف لازعاج احلامك الجملية "
دعكت رافينا ذراعها الخدرة واحست قليلا بالدوار:
" لقد..لقد خلدت للنوم "
سألها:
" ماذا تفعلين هنا ؟"
احست بعينيه تتأملان شعرها وسروالها الصبياني وشعرت ببرودة تسري في اوصالها وقالت له:
" اوصد احدهم علي الباب منذ ساعات مضت. جدتك فعلت هذا يا مارك ان اعرف ذلك تماما "
قال متجهما:
" اوصدت عليك الباب؟ الباب كان مفتوحا وفي وسعك ان تتأكدي بنفسك. لماذا تتوهمين ان دتي تفعل مثل هذا الامر معك؟ "
قالت:
" انا لا اتوهم شيئا. ان دونا جوكاستا تكرهني وتريد ان تخيفني "
بدت الدهشة وعدم تصديق كلامها على وجهه. سألها:
" اعتقد انك اتيت الى هنا من قبيل حب الاستطلاع . لم نعد نستعمل هذه الغرف فأصبحت اقفالها صدئة "
" اوصدوا الابواب علي وقرعت ولكنها لم تفتح "
سألها:
" ولكن اين كان المفتاح؟ "
" كل مفاتيح البيت مع دونا جوكاستا. اخبرتني ليلة امس انها بحوزتها وانها لن تعهد بها لأحد "

" هل سألتها عنها؟ "
تنهدت رافينا:
" بالطبع لم اسألها. لم نتشاجر بسبب ادارة الكازا وانما..."
اذن اخبريني عن سبب المشاجرة؟ "
" ذهبت الى الشاطئ وكنت انوي الذهاب اليو ايضا. هناك قابلت ستيليو فابريزي وخذني في ورقه وقمنا برحلة بحرية وعندما عدت الى المنزل سألتني جدتك اين كنت ولما اخبرتها امرتني بألا ارى سنيور فابريزي مرة ثانية وظننت انها شخص دكتاتوري فقلت لها بأنها لا تستطيع ان تمنعني من ان اعقد صداقات مع الاخرين. وهذا الصباح لابد انها رأتني اعبر الجسر المؤدي الى برج المادونا وانا واثقة تماما انها امرت بابتيستا ان توصد الباب علي حتى لا استطيع الذهاب الى الشاطئ "
" وهل اعددت الامر لمقابلة فابريزي اليوم ؟؟"
ووقع السؤال عليها مثل لسعة السوط وتذكرت ان الشخص الذي تتحدث اليه هو زوجها وان من حقه ان يعترض بشدة على ان تقيم اي صداقة مع الفنان الجذاب قالت بصوت مرتجف:
" اخبرني انه يريد ان يرسم رسوما تخطيطية لصورتي فقلت له يجب ان يسألك اولا "
احكم مارك قبضته وضغط بها على رسغها وبدأت الجهامة تزول تدريجيا من وجهه وقال:
" انا ممتن انك مازلت تتذكرين وجودي. سوف لا اغضب منك فأنت جديدة على اساليب معيشتنا وتعتبرينها قيدا على حريتك "
" اعتقد ان حبسي في البرج يعد قيدا لحريتي "
" لانونا واحدةمن اهالي ساردينيا ومن المحتمل انها ظنت بأن ما تفعله هو تأمين لسلامتك "
" مارك...هل من المعقول ان اعمال معاملة الطفل العاق لمجرد انني تناولت السجق والجبن مع سنيور فابريزي "
انت لست طفلة في نظر جدتي انت امرأة..بل زوجتي واهل الجزيرة يعتبرون لقاء رجل بأمرأة وحدهما انما لغرض واحد وهو ان يمارسا الحب "
صاحت قائلة:
" مارك هذا كلام غريب! في وطني يمكن للنساء والرجال ان يكونوا اصدقاء دون ان يكونوا عشاقا "
" انت الان هنا في وطنك يا رافينا "
اشتدت قبضة يده واقترب منها وهو ينظر الى عينيها مليا ورفع رأسها بيده الاخرى حتى تألق احمرار شعرها في ضوء الشمس الذي تسرب من خلال النافذة

" هل لي ان اذكرك بأن من حقي ان اكون الرجل الوحيد الذي يحتل كل تفكيرك؟ هل جئت هنا لرؤية الصورة المعلقة على الجدار؟ وهل كانت تحدوك الرغبة في معرفة ما اذا كانت دوناتا اجمل وادفأ واكثر انوثة منك؟ "
وحملها مارك بين يديه ولم تبدي اي مقاومة واتجه الى الجسر ثم اضاف:
" سأطلب من فابريزي ان يرسمك عرفته في روما قبل ان يصبح مشهورا في دنيا الفن. طبعا اخبرك بأننا التقينا هناك "
" اجل يا مارك انزلني من فوق ذراعك اشعر بالدوار وانا انظر حولي دون ان اتعلق بسور الجسر "
" تعلقيبي ضعيذراعك حول عنقي ايتها الساحرة الباردة "
ضحك مارك وترددت ضحكته في كبرياء وهما يسيران فوق الجسر. انه رجل قوي وقاس لا يلين مثل الارض التي يمتلكها ولا تستسلم بسهولة لليد التي تحرثها. وحتى هذه اللحظة كانت رافينا تحس بالخجل من ان تلمسه وتمنت ان يدعها تقف على قدميها حينما رأت شخصا يقف تحت المنزل ينظر اليهما فقالت:
" مارك...انظر سنيور فابريزي يتطلع الينا "
كان ستيليو يلوح لهما وشعرت بنفسها تحرر من ذراعه وهي تقول:
" يجب علي ان اذهب لاغير ملابسي وسوف انضم اليكم "
واسرعت عبر الجسر ودلفت الى رج الفارس واحست بالراحة عندما وجدت نفسها وحيدة في غرفتها وجذبت حبل الجرس لتستدعي الخادم وسألته ان يحضر لها ماء ساخنا وتعجبت ان مارك لم يمد بيته بأنابيب المياه الساخنة وسوف تتحدث معه في هذا الامر واجفلت عندما امتد تفكيرها الى نفسها كزوجة وان من حقه ان يملي عليها طلباته. عاد مارك الى البيت وفي هذه الليلة سيحاول ان يوقظها ليس من اجل ان تستجيب لهذا الخدر الغريب الجامح الذي نسميه الحب انما لتستجيب لهذا الجوع الذي يعربد في اعماقه وتكون ثمرته طفلا جديدا تلده له.
احضر الخادم الماء يتصاعد منه البخار وعندما خرج فضت ثيابها وراء الستائر وغسلت جسمها النحيل وتخلصت من التراب واحاطت جسمها بفوطة

منتديات ليلاس
ثم سارت الى خزانتها لتنتقي احد الاثواب لابد ان ستيليو سيبقى ليحتسي شرابا مع مارك وان يتبادلا الرأي حول موضوع الصورة وتحديد موعد الجلسات التي تقف فيها امام الفنان كانت ترغب في ان تظهر على لوحة

القماش في صورة ابهى من صورة دوناتا حتى تثير اعجاب الجميع بها.
ابتسمت رافينا وهي تتطلع الى نفسها في المرآة فرأت ساقين طويلتين ونحيلتين وقدمين باصابع طفل وذراعين لهما استدارة محببة وخصلات شعرها الاحمر تنسدل مثل ذوائب الهب فوق كتفيها الشاحبين. سمعت صوتا يأتيها من خلفها يقول:
" ياللأسف انني لا اسمح برسمك في مثل هذا الوضع الذي اراه الان "
سرت قشعريرة في اوصالها بينما كان مارك يعقد رباط عنقه عند باب الغرفة فهو الشخص الوحيد الذي يحق له التطلع اليها وهي في غرفة نومها.
قال لها:
" دعوت فابريزي لتناول طعام العشا معنا "
قال:
" هذا شئ جميل "
وامسكت بثوب اصفر اللون واكمام من الشيفون وكان مارك قد اقترب من المرآة ليثبت ربطة عنقه فسألها:
" هل تحبين احتسا الشراب في الشرفة المطلة على البحر؟ "
ثم تحول لمواجهتها واجفلت كعادتها من نظرة افتراسها التي تتلألأ في عينيه ورسمت ابتسامة على شفتيها حتى تخفي اجفالها وقالت له:
" وشيئا لنأكله. انني لا استطيع ان ابقى بدون طعام حتى موعد تناول العشاء. يكاد يغمى علي "
ضاقت عيناها وهو يسألها:
" الم تتناولي طعام الغداء؟ "
قال وهي تضحك:
" اخبرتك ان احدهم اوصد الباب علي وانا في البرج ولم يكلف نفسه حتى تقديم كسرة خبز او كوبا من الماء "
تقدم نحوها في خطوة حازمة وقال:
" رافينا انا اسف ان تفوتك وجبة طعام الغداء وهذه تجربة مثيرة للاعصاب ولن تحدث ثانية. سوف اتحدث الى جدتي بقسوة "
هزت رافينا يده وقالت:
" لا يا مارك سوف يزيد ذلك من عداوتها لي اذا ما تحدثت معها بعنف "
تجهم وهو يقول:
" عداوتها؟ هل تظنين الامر كذلك؟ "
قالت:
" وماذا يكون الامر غير ذلك؟ كانت ترغب في ان تتزوج فتات من سردينيا بدلا من ان تأتي بفتاة غريبة ربما فطنت ان زواجنا يا مارك لا يقوم على الحب "
حدق في وجهها وارتفع حاجباه فرأت فيه الرجل الذي اجبرها على الزواج دون ان يتفوه بكلمة رقيقة وجذبت نفسها منه وتحولت عنه لترتدي الثوب وسألته:
" كيف عرفت انني في البرج الاخر؟ "
قال:
" الستائر كانت مفتوحة. كان يجدر بك الا تذهبي الى هناك. الغرف كلها كئيبة ويجب ان تظل مغلقة سألقي عليها نظرة "
وفي اللحظة التالية غادر الغرفة بسرعة تاركا رافينا وراءه لترتدي ثوبها وتصفف شعرها في شينون وكانت فتحة الثوب تمتد ما بين كتفيها لتبرز نضارة بشرتها وعظمتي الترقوة. وراحت تتأمل نفسها في المرآة وقررت ان تزين صدرها بالصليب الذي اهداه اياها مارك. تحولت رافينا عن المرآة لانها رأت نفسها في صورة فتاة اشبه منها بالمرأة الناضجة التي يبحث عنها مارك لتنجب له الطفل الذي يتوق الى رؤيته ليمحومن ذاكرته ذكرى الطفل الذي فقده بقسوة.
اقبل ستيليو وعلى شفتيه ابتسامة ثم قبل يد رافينا وقال لها:
" التقينا ثانية يا دونا والسنيور زوجك اذن لي برسم صورتك ولا استطيع الانتظار طويلا "
حيا ستيليو مارك بابتسامة سريعة ثم قدم مارك مقعدا لرافينا لتجلس عليه بالقرب من ازهار البرتقال التي كست جدار الشرفة المطلة على الشاطئ. قال الفنان:
" ليست السنيورا موضوعا يسهل ابرازه على اللوحة ولكنني استمتع بالتحدي "
سأله مارك:
" لماذا لا تجدها موضوعا سهلا ؟"


ثم راح يتأمل مليا ثوبها الاصفر ويقارنه بلون نبتة البرتقال المرتعشة واشعة الشمس الحمراء التي تنعكس على شعرها ثم اردف يقول:
" يبدو لي ان زوجتي لديها الالوان التي تحوز اعجاب الفنان تيتان؟ "
قال ستيليو مؤيدا:
" تماما كما تقول. العينان تتغيران من خضرة البحر الى لون اشجار الغابة
الغامضة تبعا لتغير مزاج صاحبتها "
وشعرت رافينا بالخجل من الطريقة التي تناقش بها موضوع رسمها واحست بالارتياح عندما ظهر رينزو حاملا صينية عليها المشروبات والساندويتشات وفي اعقابه يسير الظبي بامبو فأقبلت عليه رافينا بفرح شديد. قال رينزو معتذرا:
" ظن نفسه كلبا كبيرا يا سنيورا فاقتفى خطاي هل اعود به الى الاسطبل ؟ "
ابتسمت رافينا وربتت على اذني الظبي وقالت:
" دعه لي يا رينزو...انه جذاب اليس كذلك "
قال مارك:
" لا يمكنك ان تتناولي الساندوتشات والظبي في حجرك. انظري انه يحك انفه في شعرك "
اشارت رافينا بأصبعها الى الظبي تحذره قائلة:
" اهدأ "
ثم التفتت الى مارك وقالت:
" سيكون رائعا متألقا مثل الذهب "
قدم مارك لها طبقا عليه ساندوتشات ثم التفت الى ستيليو وقال:
"هل تشرب كأسا يا سنيور فابريزي؟ "
قال ستيليو وهويتقبل الكأس:
" شكرا "
ثم تطلع الى رافينا والظبي واردف يقول:
" وجدت الان فكرة الصورة التي سأرسمها لك بينما الظبي يقبع في حجرك او ربما ادعه تحت قدميك "
" هذا اذا جلس فترة طويلة ساكنا. الا تشاركني تناول الساندويشات انها لذيذة "
كان مارك غارقا في مقعده ممسكا كأسه وهز رأسه بالرفض بينما استند ستيليو بظهره الى حائط الشرفة والقلق يتراقص في عينيه وتحدوه الرغبة في ان يبدأ العمل على قماشالرسم ويقول لنفسه: " انها فتاة جذابة كأي فتاة ايطالية" ولاحظ ضوء النهار وهو يبعث بأشعته على الشرفة في هذه اللحظة من وقت الاصيل وقال:
"هل تأذن لي يا سنيور بأن ارسم الصورة هنا في الشرفة. احس ان السماء والجبال تمثلان اروع خلفية لصورة رافينا "
تطلع مارك بعينيه الى رافينا وقال:

" يعجبني ثوبك يا رافينا. هل يمكنك ارتداءه عند رسم صورتك؟ "
" كما تشاء يا مارك "
قال ستيليو مقترحا:
" وشعرها مسترسل وقد تطاير قليلا مع مهب الريح "
راحت رافينا تراقب الشمس وهي تحترق في الافق وبعد قليل اقترحت الدخول الى البيت فقد احست بالبرودة تشيع الجو...قال ستيليو:
" لاشك انك تعرضت لرياح الجبل بعدما غابت الشمس "
قالت رافينا:
" هناك نار في مدفأة الصالون "
حملت رافينا الظبي وساروا جميعا الى الداخل وكانت ترجو ان لا تشاركهم دونا جوكاستا طعام العشاء وتحققت امنيتها واقبلت بابتيستا وقدمت ورقة لمارك وغادرت المكان قرأها بتجهم ثم القى بها في النار وسأل رافينا وضيفه ان يسمحا له بالانصراف لعدة دقائق. وخيم الصمت على الصالون لمدة وجيزة قطعه صوت تكسر الخشب المحترق في المدفأة. سألها ستيليو:
" كيف تسير اموركا مع البادرونا العجوز؟ "
نظرت اليه رافينا بتأمل وقالت:
" انها لا تسير سيرا طيبا. اصيبت بخيبة امل عندما تزوج مارك بأجنبية اظن انها كانت تعبد دوناتا وهي دائما تعقد مقارنة بيني وبينها "
قال ستيليو بهدوء:
" ليست هناك اي مقارنة "
ركعت رافينا على ربتيها فوق السجادة ومدت يدها تلتمس الدفء من نار المدفأة وقالت:
" اعرف ذلك. كانت دوناتا جميلة كما انها كانت تتمتع بكل اسباب الكياسة "
ساعدها ستيليو على الوقوف على قدميها وراح يتأملها على ضوء اللهب ثم قال لها:
"لكنك تتمتعين بجمال الروح يا رافينا في كمال المقياس ولديك جمال الجسم"

وجذبت نفسها من يده مذعورة كانت تخشى ظهور مارك المفاجئ فيراها على مقربة من الفنان المليح الوجه واردفت تقول:
" اريد ان نكون اصدقاء ومن المستحيل ان تتفوه بمثل هذه العبارات التي

لا يحبها مارك "
قال بهمس:
" هل اتظاهر بعدم وجود امس..فيه رأيتك اسعد حالا من اليوم هل تشعرين بالسعادة عندما يغيب زوجك عن البيت؟ "
واحست انه يطرق الحقيقة فقال له:
" ليس من حقك ان تقول اشياء مثل هذه. لقد سألك مارك ان ترسم لي صورة لا ان تقوم بدور محلل نفسي لي"
" الفنان يتعلم قراءة لغة العيون والعيون نافذة تطل على الروح. كم تمنيت ان تكون دروبنا التقت قبل ان يطرق مارك باب حياتك. اظن يا مادونا اننا انت وانا كنا سنعثر على الشئ الكثير الذي نستمتع به سويا "
قالت بحزم:
" اعتقد انك تجاوزت حدود كرم مارك انا لست واحدة من زبائنك التي تستهويها مغازلة فنان مليح الوجه مثلك واظن انه من الافضل ان نلغي جلساتنا :
قال بهدوء:
" سوف تندمين "
" اندم؟ ماذا تقصد؟ "
" اعتقد انك بحاجة الى صديق ولم افترض ابدا انك واحدة من النساء الاتي جلسن امامي. ان سعادتهن تبلغ درجة عالية عندما يقوم فابريزي برسم صور لهن ومغازلتي لهن ترضي غرورهن اما انت فشصية مختلفة تماما انا معجب بك واريد رسم صورتك لانك صورة للتحدي وادهشني كثيرا عندما اسائل نفسي هل في وسعي ان انقل الى القماش هذا السحر الذي اراه في عينيك وجوهر الحزن الذي يشوبهما وهل يمكن ان يكون الامر غير ذلك وانت شابه تعيش مع زوجها ويشاركهما الحياة شبح امرأة اخرى "
وتطلع كل واحد منهما الى الاخر حينما فجأة توهج لهب النار وكش لها الحقيقة واضحه فحاولت رافينا ان تبدو مثل المضيفة الفخورة ببيتها. قالت:
" هذه الغرفة جميلة اليس كذلك؟ "
وراحا يتبادلان الرأي حول النقوش المرسومة على السقفعندما رأت مارك يقبل عليها شاهدت مسحة من التجهم مرتسمة على جبينه وادركت ان دونا جوكاستا بعثت الضيق في نفسه ولكنه سرعان ما تخلص من مزاجه المنحرف وبدا جذابا وهم يتناولون الطعام وحاول ان يذكر رافينا كيف


استطاع ان يجذب اليه جاردي عندما كانا يتناولان الطعام في رافنهول وراح يسرد عليها قصص طريفة اشاعت في نفسها الضحك وجعلها تنسى ندوبه المخيفة فبدا لها ساحرا. اخذت رافينا تعبث باصابعها فوق حافة الكأس ولاح لها ان هذه الغرفة الكئيبة لم تشهد منذ فترة طويلة ضحكات مجلجلة كما تشهد الان ستيليو وهو يضحك بمرح. كان في ضحكه جذابا تتلألأ اسنانه وسط بشرته الايطالية وعليها ان تكون حريصة في الايام المقبلة على الا تظهر اعابها للرجل التي ستمضي معه في الشرفة اصيل كل يوم. استعد الفنان للرحيل فقالت له رافينا:
" احضر معك تيو سيفتقدك كثيرا بحضور وحدك هنا "
وجه ستيليو حديثه الى مارك وقال:
" زوجتك يا سنيور تتمتع بقلب حنون. انها تفكر ايضا في كلبي الصغير سأحضره معي احيانا بعد ذلك "
قال مارك " طبعا "
ثم وضع يده حول خصر رافينا وسقط نور مصابيح الباب فوقهما بينما ستيليو كان يستعد للجلوس خلف عجلة القيادة فالتفت اليهما وقال :
" وداعا "
وكان الليل ينبض بالحياة بصوت محرك سيارته ولكن الصمت خيم على المكان بعد رحيله كان الليل سانا الا من همس خافت يجوب بين اشجار السرو ووميض خفيف ينبعث من الازهار الغامضة التي تتبدل من اللون الازرق الى اللون الابيض عندما يرخي الليل سدوله .
تمتم مارك قائلا:
" الزهور مثل افكارنا تتغير مع مجيئ الليل انت صامتة يا رافينا وهذا يدعوني الى معرفة افكارك "
قالت:
" انا...انا ارجو ان تكون الامور قد استقرت في المصنع "

اجل...انتهينا من موضوع الالة الجديد. بعض العمال يتشككون من الالات الحديثة. الم اقل لك ان اهالي سردينيا يتمسكون دوما بالاساليب القديمة "
اصاب رافينا التوتر عندما شعرت بيده تتلمس شعرها فقالت:
" مارك...ارجو ان لا يكون قد نشب جدال بينك وبين جدتك "
اجابها ضاحكا:
" هل تتصورين اننا لم نتبادل الكلمات من قبل اننا نتميز بالعزيمة القوية وبالطبع الحاد في الجدال كل منا مولع بالاخر وسرعان ما ننسى ونغفر. اخبرتها ان السنيور فابريزي سيأتي الى هنا كل يوم ليقوم برسمك

فاتهمتني بالحماقة وسألتني ان اعهد برسمك الى فنان اقل شبابا وجاذبية من ستيليو "
وبحركة سريعة دار جسم رافينا حتى واجهته واحاط خصرها بذراعيه وقال:
" ان شرف بيت السردي يقوم على طريقه محافظته على زوجته "
قالت:
" لم اجد مشقة في فهمك ولكن ماذا تفعل لو انني خنتك هذا اذا اكتشفت الامر بنفسك "
وتلألأ نور المصباح في عينيه السوداوين وهما تتطلعان في عينيها ورأت في اغوارهما شيئا يخيفه وقال بهدوء:
" اذا تجاوز رجل حدوده معك سأحطمه سيفقد كل شئ ثمين لديه "
تطلعت رافينا الى وجه مارك ورأت نور المصباح يكشف الندوب الغائرة على صفحته والقسوة في كلامه فتراجعت الى الوراء واحست ببرودة تهز كيانها وخضرة عينيها تخفق عبر رموشها. سألته:
" هل ندخل البيت؟ "
قال: " اجل "
دخلا البيت واوصد الباب الكبير وراءه ثم امسك بيدها وسارا عبر الصالة التي تؤدي الى السلم فأحست بيده دافئة وقوية وهما يرتقيان الدرجات وذكرت الليلة التي حملها فيها مارك الى برج افارس والغضب يموج في اعماقه اما هذه الليلة فان مزاجه يبدو ارق وهو ممسك بيدها كأنه يخشى ان تهرب منه.


نهاية الفصل الخامس

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 12:22 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

6-أدونيس جواد أسود


وعد مارك رافينا ان يقدم لها جوادا يكون ملكا لها تمتطيه وقتما تشاء واختار لها مهرا اغبر ابوه ذو فحولة يركض بجنون عبر تلال سردينيا وكان المهر رقيقا استطاع ان يربط اواصر الصداقة بينه وبين رافينا. وكان ادونيس الاسود هو الجواد المفضل عند مارك وذات صباح هبطت رافينا الى الاسطبلات لتلهو مع المهر وعلمت من صبي السائس ان وعلمادونيس قد القي بصاحبه السابق ارضا ووطأه بحوافره. قال الصبي موضحا:
" ادونيس يحب الا يضربه احد بالسوط ومارك لا يحمل اي سوط ولهذا كان الجواد اليفا معه "
وقفت رافينا على باب حظيرة ادونيس تحمل قطعة من السكر في راحتها واشاح الجواد بأنفه ورفض ان يقبل الرشوة من شخص مازال غريبا عنه. ضحكت رافينا وقالت:
"ايها الشيطان المتنكر لشدة ما اتساءل اي شخص تريد ان يمتطيك؟ "
عندما كانت رافينا قاصرا تعيش تحت وصاية واحد من الفرسان كانت تستمتع بركوب الخيل وهي مازالت شابة صغيرة..تعلمته هي ورودري حتى اتقنته واصبحت الان تمسك بمقود الجواد وتقوده وهي ثابتة الجنان فوق السرج فاستحقت ان تكون فارسة ممتازة ونالت اعجاب مارك عندما رأها تمتطي برشاقة فوهبها المهر كدليل على تقديره لطريقتها في ركوب الخيل وادركت ان زوجها سردي لا يعبر عن اطرائه بالكلمات وانما هو رجل عملي.
وبينما هي واقفة تتأمل ادونيس باعجاب تناهى الى سمعها وقع حذاء يعبر فناء الاسطبل فاستدارت لترى مارك يرتدي سروال ركوب الخيل وقميصا ابيض اللون جعله يبدو اكثر شبابا ورياضيا في لباس الفرسان. وفي الحقيقة لم تعرف رافينا رجلا سليم البنيان دؤوبا مثل زوجها فهو يمضي ساعات طويلة يتفقد اعماله ويعكف في مكتبه على دراسة اوراقه الهامة حتى ساعات متأخرة كما انه يعمل على انجاز شؤونه المحلية بنشاط ملحوظ. ابتسمت وهي تشعر بالخجل يعتصر قلبها ثم قالت:
" صباح الخير..احاول ان اكسب صداقة ادونيس ولكنه يبدو خجلا مني "
" ارجو ان لا تكوني حاولت دخول حظيرته لقد اسيئت معاملته مرة فأصبح يشك في اغلب الناس "
قالت:
" اكره التفكير في ان يكون احد ألم مثل هذا الحيوان المتكبر "
ارتسمت ابتسامة على شفتي مارك وهو يدلف الى حظيرة ادونيس فناولته رافينا السكر الذي التهمه الزواج وهو يدفع عنقه في كتف مارك ثم وضع السرج على متنه واللجام في فمه وادركت تماما مدى التفاهم بينهما. انهما يقتسمان ألم الذكرى السوداء ويشتركان في الخطر الداهم الذي يتعرض له المرء اذا ما راودته فكرة الاقتراب منهما.
ثم سمعت وقع حوافر مهرها على ارض الاسطبل بعد خروجه من حظيرته

وقد اعد السرج على ظهره استعدادا لرياضة الصباح فأسرعت الى امتطائه وتألقت شمس الشروق فوق شعرها المتوهج وسرح المهر الذي انتصبت اذناه واهتز لجامه وكأنه يقول لراكبته ( هيا بنا... دعينا ننطلق ).
استدارت لترى ما اذا كان مارك قد امتطى جواده فتبينت انه قد استقر فوق ظهر الحصان وارخى حافة القبعة فوق وجهه الاسمر وغادرا فناء الاسطبل وانطلقا الى رحاب الريف. واحست رافينا بالحرية وهي تركض بجوادها عبر الارض الشاسعة رغم وجود مارك بجوارها. هناك سحر يكسو المكان في رائحة العشب وقطرات الندى التي فوق عيدان الحشائش وسيقان الاشجار الشوكية وبعد قليل سوف تستنزف الشمس بيد حانية الالوان من الحشائش والزهور البرية .
كان قلب رافينا يشدو بأغنية غريبة نصفها مرح ونصفها الاخر دهشة اذ احست انها قريبة من دنيا السعادة وخيل لها ان الريح تلهب سياطها فوق شعرها فانطلقت بجوادها تسابق مارك على ارضه التي يعرف فيها كل شبر وكل صخرة وكل شجرة زيتون وسألت نفسها: هل تريد الهروب منه؟.
والتفتت تنظر اليه فرأت ابتسامة تكشف عن اسنانه البيضاء وسط وجهه الاسمر وقد كبح جواده عن المضي في الجري تاركا اياها تعتقد ان في وسعها الهرب منه واندفعت قبعته لتسقط وراء رقبته فبدا لها في صورة قاطع طريق يتعقب خطاها وتولتها رعدة من الخوف سرت في اوصالها رعدة دفعتها الى ان تحث مهرها الى الاسراع وتشبثت ركبتاها بالسرج وهو يتخذ طريقه الى غابة الصنوبر الكثيفة وعندها تناهى الى سمعها صوت الحصى وهو يتناثر تحت وطأة حوافر ادونيس كان المهر قد بلغ الممر الطحلبي المؤدي الى داخل الغابة ثم شمت رائحة الراتنغ الصمغية المنبعثة من الاشجار ويبدو انها خدرتها هي ومهرها وحينما بلغت رافينا موقع جدول يتدفق فيه الماء عبر الغابة توقف المهر فجأة فاهتز جسمها فوق السرج
وانتابها دوار وتقطعت انفاسها ولفتها ظلال اشجار الصنوبر ونظرت حولها فرأت مارك في محاذاتها.
قالت لاهثة:
" هذا...هذا الماء اهو صالح للشرب يا مارك؟ "
قال:
" انه يتدفق من الجبال عذبا صافيا "
رمقته بنظرة سريعة ثم انزلقت بجسمها من فوق السرج واسرعت تركع

فوق ضفة الجدول واستخدمت راحتيها لشرب الماء وكان باردا كأنه مثلج وطفقت تستعذبه وهو يجري لذيذا عبر حلقها. سألت مارك وهو يترجل من على حصانه ويسند ظهره الى شجرة صنوبر:
" الا تشعر بالظمأ؟ "
قال:
" في وسعي ان احتسي قليلا من القهوة "
وشعرت انه يتطلع اليها وهي جالسة على حافة الجدول تجفف يدها ثم اردفت يقول:
" اتحبين الذهاب الى مطعم صغير اعرفه حيث نتناول طعام الافطار؟ انهم يصطادون السردين مباشرة من البحر ويعدونه مشويا او محشوا بالخضرة"
قالت:
" انا جائعة. ان ركوب الخيل يفتح شهيتي "
" انت تحبين ركوب الخيل...اليس كذلك يا رافينا ؟ "
قالت:
" لم امتطي جوادا رائعا مثل هذا المهر "
ورمقت المهر بشغف ثم اردفت تقول:
" احب رائحة الصنوبر انها نقية منعشة طلقة مثل ركوب الخيل السريع عبر الريح الباردة وكل شئ له لذعة قارصة "
وتطلعت الى مارك ورأت لمعان اسنانه وعلى شفتيه ابتسامة وادركت انهما وحدهما. انه زوجها ومع ذلك انه الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يدغدغ اعصابها وقد بدا جسمه واضحا لها انه عريض المنكبين وتتراقص الرغبة تحت قميصه الابيض واطرافه طويلة واضاف حذاءه الذي يصل الى ركبته سمة القوة الى هيئته وكان لابد لها ان تمر بجواره كي تصل الى مهرها فأخذ قلبها يدق وهي تنهض واقفة واتخذت سبيلها نحوه.
مد يده في تراخ وجذبها نحوه ونفذت يده الاخرى في اغوار شعرها المتطاير وفجأة اشتدت قبضته عليها وهو يتحدث اليها:
" قبلتك تبدو وكأن الثلج يسري في عروقك بينما تبدو النار في نظرة عينيك ما من مرة يا رافينا خلال الاسابيع التي امضيناها سويا شعرت بالدفء في قلبك "
قالت والبرودة تشوب صوتها :
" منحتك كل ما يمكنني ان اعطيك اياه. اذا كنت تريد الحب يا مارك كان
الاحرى بك ان لا تجبرني على الزواج منك "
سألها وفي صوته نبرة سخرية:
" هل كنت تصيغين السمع لي لو غازلتك بالطريقة التقليدية؟ ماذا كان تفكيرك عندما التقينا في المرة الاولى ؟ "
احست بنبضات قلبها تخفق قريبا من قلبه وادركت انه يشعر بهذه الدقات المجنونة حينما قالت له:
" كنت ارجو ان تذهب بلا عودة "
لمس وجهها وراح يتحسس العظام الرقيقة اسفل بشرتها الناعمة وسألها:
" كأن الشيطان قام بزيراتك اليس كذلك؟ هل كنت ابدو شيطانا امامك يا رافينا؟ هل بعثت الشقاء في نفسك ؟ منذ لحظة وجيزة كانت عيناك تتألقان "
قالت:
" انا...انا احب ان امتطي مهري. من الافضل ان تعطيني جوادا استطيع ان امتطيه جيدا ".
"لا بد انك تعلمت ركوب الخيل منذ طفولتك".
" اجل..جاردي كان دائما يعاملني وكانني ابنته،وما تعلمه رودري لم يكن ضنينا على به. ذهبنا سويا الى مدرسة تعلم ركوب الخيل".
"هل عشتما مع بعضكما البعض فترة ".
وتطلعت اليه، ولمحت القسوة في عينيه وقالت له:
" كما اخبرتك من قبل يا مارك انني لا استطيع ان امحوذكرى رودري من عقلي كما عرفته كان مرحا انيقا في زيه العسكري وجذابا "
قال مارك بنبرة مريرة متسائلا:
" جذابا؟ هيا بنا دعينا نذهب لتناول طعام الافطار "
وقاما بامتطاء الجوادين وقفلا عائدين من غابة الصنوبر وكانت الشمس دافئة وهما يمضيان في الممر المؤدي الى الفندق الصغير القائم فوق التل
المطل على الشاطئ وكانت جدرانه الخشبية بيضاء وسطحه منحدرا قليلا وله حديقة تناثرت فيها اشجار الكروم والجميز وشجرة توت كبيرة صفت الموائد تحت اغصانها. قادهما شاب خجول الى احد الموائد وكان يتحدث بانجليزية ركيكة سريع الحركة اطاح الحركة وهو يفرد الفوطة ويضعها على حضن رافينا وقال:
" اجل...اجل يا سيدي..سيدتي السردين طازجا من البحر مباشرة "
وظهرت في الحديقة شابة حافية القدمين ترتدي ثوبا قرمزي اللون وتحمل فوق كتفها سلة مملوءة بالسمك منحت مارك ابتسامة سريعة ورمقت
رافينا بفضول ثم قالت:
"صباح الخير يا سيدي هل اتيت لتتناول السردين المشوي كما كنت تفعل في الايام الخوالي؟ "
" اجل يا سانتوزا. احضرت زوجتي لتأكل الذ طعام افطار موجود في كل ساردينيا "
قالت سانتوزا:
" لطيف منك ان تقول هذا يا سيدي "
ومنحته الشابة انحناءة احترام وادهش رافينا جرأتها ونظراتها الضاحكة وقد اضافت بلوزتها الزرقاء وتنورتها القرمزية الحيوية لشبابها كما لاحظت انها تنظر الى مارك كما لو كان بينهما صداقة قديمة. حملت سانتوزا السلة الى الفندق وطلب مارك كوبين من اللبن ليحتسياه حتى الانتهاء من طهي السمك واتت سيدة عجوز بالكوبين وكانت ترتدي وشاحا اسود اللون فوق رأسها شأنها في ذلك كل جيلها المسن. قالت بالانجليزية:
" اتذكر يا سيدي عندما كنت تحضر ابنك معك هذا الصقر الشقي ليحتسي لبننا"....ثم اضافت بالايطالية:
" كوزي ايستا لافيتا "
ثم طفقت تجوب بنظراتها لتتأمل رافينا فأدهشها لون شعرها الاحمر وبشرتها البيضاء واردفت تقول بالانجليزية :
" انها قطعة رائعة الجمال لابد انها تدير رأس اي رجل ولكن من الافضل ان تقترن بواحدة منا "
وراحت تتمتم وهي تغادر المكان وتركت وراءها رافينا مدهوشة وسألت مارك:
" انها تعني...هكذا هي الحياة "
وكأنما الكلمات التي تفوهت بها العجوز اعادت الزمن القهقري وتذكر مارك بوضوح عدد المرات التي جاء فيها الى الفندق بصحبة فتاته ذات الشعر الاسود لتتناول معه طعام الافطار وبعد مدة كان يأتي معهما ابنهما الصغير...
الصقر الصغير الشقي. احتست رافينا رشفة من اللبن وراحت تبحث عن شئ تقوله...اوه لماذا اتى مارك بها الى هنا ؟ لماذا..... وهذا المكان يحمل ظلالا من الذريات وقد يحدث ان يسمع ضحكات طفل توارى وراء اشجار الكروم والجميز. قالت:
" مارك "
ولكنه قاطعها قائلا:
" كل شيئ على ما يرام رافينا. اشكرك على تلك النظرة التي تجول عينيك...الشفقة من اجل الطفل. كان يحلو له المجئ الى هنا والاختباء وراء الاشجار ورش الماء من النافورة العتيقة ولكن الذكريات لا يمكن محوها كما تقولين كما انه لا يمكن الاختباء منها. هاهي نتاليا تأتي بالسردين "
اقبلت رافينا على الطعام بشهية وهي تقول:
" لم اذق في حياتي مثل هذا السردين اللذيذ والخبز ما زال دافئا خرج لتوه من الفرن والزبدة تسيح من شريحته "
قال مارك:
" يبدو منظرك كتلميذة جائعة "
حقا كانت رافينا بشعرها المتطاير وقميصها المفتوح وهي ممسكة بقطعة الخبز المدهونة بالزبدة لا تكاد تبدو انها زوجة ولا يؤكد زواجها شئ سوى خاتم الزفاف الذي يزين يها اليسرى وادركت ان مارك يعقد مقارنة بينها وبين دوناتا. لابد انها كانت هادئة وفاتنة ورشيقة وشعرها الاسود ناعما وعيناها على استعداد لان تهبه ابتسامة خلابه وصوتها الناعم فيه سحر اغراء.
مسحت رافينا شفتيها ولابد انها كتمت الصرخة التي ندت من قلبها. لقد عرف مارك الحب ولكنه حرمها الفرحة الممتعة لهذه العاطفة كل ما لديه هو الرغبة فقط. سألها:
" ماذا تريدين الان ايتها العروس؟ هل تودين مشاركتي تناول فاكهة بيرسيفون ؟"
راحت تراقبه وهو يقطع الفاكهة مناصفة ورأت العصير يجري فوق يده التي كستها الندوب واردف يسألها:
" هل تعرفين اسطورة بيرسيفون؟ "
التهمت رافينا قطعة من الفاكهة اللذيذة وقالت :
" التقى بها ادونيس مصادفة وهي تقطف الزهور وحملها معه الى قصره. هل تسمح لي بعد مضية ستة شهور ان اعود الى عالمي مرة اخرى "
تطلع اليها مارك وقال:
" اذا كنت ترغبين في رؤية جاردي فلن اقف دون ذلك ولكن ان كنت ترغبين في رؤية رودري الجذاب فهذا شئ اخر "
" ارجوك هل من المحتم ان يدور حديثنا عنه ؟"
قفزت رافينا واقفة على قدميها واخذت تتجول بين اشجار الكروم والجميز

وكانت عناقيد العنب صغيرة ومرة وعثرت على عريشة تظلل مقعدا صغيرا من الحيد جلست عليه واخذت اصابعها تلوي بعنف منديلها ولم ترفع رأسها حينما اظلم المدخل بجسم مارك الفارع. قال:
" يجب ان نعود الى البيت "
وتذكرت بيتها في وطنها وتواردت الصور في عقلها عندما فكرت في العودة الى بيتها الى غرفتها في رافنهول بنافذتها الدائرية وشرفتها الممتدة وكتبها وخلوتها التي تطمئن اليها في احضان الجدران البيضاء .
قال لها : " تعالي "
وشعرت انها وقعت في شر ولا سبيل لها للخروج من العريشة الا الوقوع في احضانه فصرخت قائلة :
" اكرهك....لن اشعر بشئ سوى الكراهية نحوك والقلعة والريح التي تهز اشجار السرو انها تبكي في الليل لا شئ سوى النحيب في الكازا هل شعر هذا البيت يوما بالسعادة؟ "
قال لها:
" مازلت صغيرة "
وجذبها نحوه ولما حاولت ان تفلت هاربة من بين يديه شعرت بقوته تجذبها ثانية فقالت له:
" انت تحب ان تثبت لي انني لا استطيع الفرار منك. هذا ما تحبه...اليس كذلك؟ "
ضحك بمرح وجذب وجهها نحوه وتمتم:
" عيناك خضراوان وثائرتان "
اشاحت بوجهها وهي تقول:
" لا تفعل...."
وكانت تدرك انه يحاول تقبيلها فضحك ثانية وجرت يده التي تكسوها الندوب على طول شعرها الاحمر وقال:
" هيا بنا نعود ".
وصل ستيليو عقب الغداء ليواصل رسم صورة رافينا ولكنه بعد مضي ساعة القي بفرشاته وسار تجاه المائدة ليحتسي كوبا من عصير الاناناس المثلج الذي يحبه ثم قال بتجهم:
منتديات ليلاس
انني اتحدى يدي اليوم. هل ترغبين في كوب من العصير؟ "
هزت رأسها وهي تسترخي على سور الشرفة وقد تبين لهما ان الظبي لن يكون هادئا اثناء الرسم لذلك فضل ستيليو ان يرسمها وحدها بجوار السور وساعده ذلك على مواصلة عمله. القى عليها نظرة فاحصة طويلة ثم سألها:
" ماذا يزعجك؟ بدوت غريبة على الابتسامة. انني اصر ان ترسم ابتسامة الموناليزا على شفتيك وانا ارسمك "
قالت:
" المرء لا يستطيع دائما الابتسام انني...انني اشكو من صداع خفيف "
سار نحوها بقميصه الازرق الشاحب وتطلع اليها بعينين تتلألأ فيهما اضواء كهرمانية اللون وسألها:
" هل انت صادقة معي؟ ربما قلبك يسبب لك الما؟ "
اجفلت رافينا لنفاذ بصيرته ورأت ان عليها ان تكون حريصة مع ستيليو فهو شخص جذاب وعطوف وفي هذه اللحظة احست انها بحاجة الى قليل من هذا الحنان والى كتف تريح رأسها عليه لمجرد لحظات قليلة ولم تحتمل نظراته الغاوية التي تتلألأ في عينيه فأشاحت بوجهها بعيدا عنه وشخصت ببصرها نحو الجبال ومياه البحر التي تجري تحت البيت وكانت تنبض مثل نبض قلبها في موجات متتالية وكان الجومشبعا بالحرارة وكأن عاصفة تنذر بالقدوم.
قالت:
" الجو ثقيل يدفعني الى القلق "
لقترب ستيليو منها وقال:
" انها الرياح الشرقية الحارة التي تهب من افريقيا وهي تثير اعصاب اي شخص غريب "

قالت بحدة :
" كفى....يا ستيليو "
" اريد ان اقول انها اثارت اعصابك خلال الساعة الماضية. انت تعيسة يا رافينا وانا اعرف السبب "
ورسمت ابتسامة على شفتيها وهي تنظر اليه ثم قالت:
" لا تستطيع ان تعرف السبب بسهولة. ارجوك يا ستيليو اصحبني بجولة في السيارة "
قال والاضواء الكهرمانية تحترق في عينيه:
" على الرحب والسعة ولكن ماذا عن زوجك؟ "
" ان مارك في اجتماع مع صانعي الشراب ولن يعود قبل ساعات وانا اريد ان اشعر بالريح تلفح وجهي "
قال: " اذن هيا بنا "
امسك ستيليو بيدها ومثل اطفال المدارس انطلقا يهبطان درجات السلم ويخترقان الصالة ويغادران باب البيت. ولم يلحظ احدهما السيدة ذات الرداء الاسود وهي تتلصص عليهما واقفة في الرواق بنظرات تومض ومضا سريعا ثم هرعت لتفضي الى سيدتها بأن البادرونسيتا انطلقت تجري من البيت يحدوها مرح القبرة وهي ممسكة بيد الفنان الايطالي.
كان اون سيارة ستيليو اللوتس رماديا واخذت تسابق الريح عبر الطرقات التي تخترق الجبل وفي كل منحى كانت رافينا تمسك انفاسها وتشعر انها تطير في الهواء ولن تفكر في ركوبها مرة ثانية اما الان فهي ترغب ان تمتع نفسها وكان ستيليو يهلل كلما لفحته نسمات الهواء ويقول لها:
" انها منعشة اليس ذلك؟ "
ضحكت قائلة:
" انها رائعة من الافضل لك ان تكون سائقا لسيارات السباق "
قذفها بابتسامة سريعة وقال:
" ان الريح تلسع شعرك بالسيط. ما رأيك يا رافينا ان نتوجه الى الساحل..."
" لا..لا..انه بعيد جدا "
" ليست المسافة بعيدة وانت تركبين لوتي وفي وسعي ان اقدم لك شرابا مثلجا في مسكني وسأعود بك في الساعة السادسه. هل انت خائفة ؟ "
قالت ساخرة:
" منك..؟ "
" لا...وانما من زوجك "
ويبدو ان شيئا اعتصر قلبها ودفعها الشعور بالخوف من مارك الى التمرد فقالت بلا اكتراث:
" يمكنك ان تقدم لي شرابا باردا. انتظر...دعني افكر ثانية "
قاطعها ضاحكا:
" افلت الامر من يديك. لقد بلغنا الطريق المؤدي الى الساحل "
" كنت اود ان اقول انني افضل عصير البرتقال "
واخذت السيارة تطوي الطريق الناعم المحاذي للشاطئ وانقضت فترة قبل ان يرخي الخوف اصابعه التي نشبت اظافرها في قلب رافينا. كانت تدرك
انها ترتكب جرما تجاه مارك وقررت ان تخفي عنه زيارتها لفلا ستيليو ما يجهله مارك لا يسبب في قلقه...اخيرا وقفت السيارة امام فيلا رائعة الجمال تقع في ميدان يضم عددا من المنازل الفاخرة ورأت سلما ابيض اللون عربي التصميم يؤدي الى الشرفة كان المنزل يبعث على الشعور بالبهجة والمكان يناسب حقا فنانا غير متأهل. وضع ستيليو مرفقه على عجلة القيادة وسألها:
" حسنا...هل تدخلين الفيلا؟ "
قالت:
" كيف لي ان اقاوم "
وانزلقت تغادر السيارة واستدار هو من الجانب الاخر لينضم اليها وارتقيا السلم المؤدي الى الشرفة وفتح الباب ودخلا غرفة واسعة وباردة بها اريكة هلالية الشكل مكسوة بالقطيفة وبعض الزخارف النحاسية ودولاب للشراب فارسي التصميم ولوحات ايطالية تزين الجدران وولاعة على شكل بجعة فوق منضدة صغيرة.
قالت رافينا بابتسامة :
" انت مترف "
نظر اليها بجسارة وقال:
" كنت شابا محروما. ذقت الفقر والحرمان في مطلع حياتي. اجلسي من فضلك وسو اسكب لك شيئا "
قالت بخفة:
" اريد ان احتسي عصير البرتقال "
ثم جلست في احد المقاعد الوثيرة وامتزج لون فستانها الاصفر بلون قماش القطيفة البرتقالي الذي يكسو المقاعد ووضعت يدها على شعرها لتسوية خصلاته والقى ستيليو نظرة اليها قبل ان يتوجه الى دولاب الشراب وفتح احد مصراعيه وقال:
" لم يعد عندي عصير برتقال...الا تثقين بي؟ "
قالت:
" افضل ان احتسي مقويا ممزوجا بالثلج "
تطلعت الى خاتم الزفاف في يدها اليسرى ثم تفرست في ستيليو وسألته:
" هل تعيش وحدك هنا ؟ "
" اجل الا تشعرين بالاسف لي. هناك سيدة تأتي لتنظيف البيت وتلمعيه وتقوم بطهو الطعام اذا دعوت بعض الضيوف ولكني اعتدت ان اتناول عشائيفي المطعم "
قدم لها الشراب في كأس على شكل زهرة التيولب ثم سألته:
" دائما وحدك؟ "
جلس على الاريكة الهلالية الشكل ومد ساقيه حتى تقاطعا ورفع كأسه وقال لها:
" في صحتك..ان الرجل يعتاد على الوحدة ولكن يوجد علاج واحد لها. في اي حال هل ابدو لك انني من النوع الذي يستطيع ان يعيش حياة الرهبان؟ "
ابتسمت وهزت رأسها وقالت:
" كنت دائما اعتقد ان الايطاليون يتزوجون في سن مبكر ليكون لهم عائلات كبيرة "
قال:
" لكل قاعدة شواذ خذي نفسك مثلا انت فتاة جميلة...وتتزوج ضد رغبتها "
تجمدت الابتسامة على شفتيها وقالت :
" ما جئت هنا لنتحدث عن زواجي انما جئت...."
قاطعها قائلا:
" لتنسيه فترة. لا داعي للتظاهر معي رأيتك على حقيقتك وانا اقوم برسمك وكيف يكون شكلك عندما ينضم مارك دي كورزيو الينا ونحن على الشرفة في الكازا كأن الضوء يهرب من عينيك...وكأنك تتخلين عن نفسك "
وضعت كأسها على المنضدة وقفزت واقفة على قدميها وقالت:
" كفى ما جئت الى هنا لتقوم بتحليل زواجي او مناقشة مشاعري الشخصية ليس هذا من شأنك "
قال: " هل تظنين ذلك؟ "
ثم وقف بدوره ورأت سمة الجدية في نظراته ثم اردف يقول:
" التقين على الشاطئ وكنت جذابة والتقيت بك ثانية في بيت دي كورزيو ورأيت فيك فتاة تختلف تماما عن تلك الفتاة التي توجهت معي الى الكهف. في كل يوم منذ التقينا وانا احوال ان انقل الاضواء الضاحكة التي تتلألأ في عينيك الى اللوحة لكن هذا مستحيل! انها لم تعد هناك شئ غامض يحاول ان يقبعها"
وتجرع بقية الشراب ثم استطرد يقول:
" سيدتي هل تتصورين اني احمق؟ هل تظنين انني خبرت هذه الدنيا قليلا فلا ادرك حقيقة المرأة التعيسة عندما يقع بصري عليها؟ "
وهل تظن اني جئت الى هنا لتقدم لي العزاء؟ وهل هذا هو الاسلوب الذي يستجيب به زبائنك التعساء الى سحرك؟ "
قال لها:
" لكنك صرحت لي بأنك تعيسة "
وقام ليتناول سكارة ثم توجه ليغلق الابواب الزجاجية التي كانت تسمح بدخول نسمة حارة جعلت رافينا تلهث بأنفاسها ولما عاد وقف الى جوار كتفها شعرت بالتوتر ولم يكن سبب توترها خوفها من دافع غريزي منه وانما كانت تشعر بنوع من الود يضفيه عليها والحنان يعتبر اخطر عاطفة عندما تكون المرأة بحاجة اليه.
قالت:
" كل شئ يسوده الهدوء حتى جمع الحصاد هدأ والاشجار نسجت خيوطها بزرقة السماء الحارة "
تمتم قائلا:
" كم احب سماع بلاغة وصفك. لديك سمة تصيب المرء بالهوس لم اجدها من قبل في اي امرأة اخرى "
" هل عرفت نساء كثيرات يا ستيليو ؟"
" انا في الثانية والثلاثين من عمري وفنان له مكانته لابد ان يتعرف بالناس"
" انا اسفة انك تلقى المتاعب بسبب صورتي وربما تنفض يديك منها قريبا "

" يجب ان اتخلى عنك لأتخلى عن الرسم. لقد فتنت بجمالك يا رافينا ارجوك لا تغادري المكان انني لن المسك او اجبرك على مشاطرتي مشاعري انا اعرف انك فتاة وفية لزوجك حتى لو لم تشعري بالحب نحوه. ذات يوم...ربما...سوف تفضين لي بسبب زواجك منه "
تولتها رعدة خفيفة ربما كان السبب زمجرة الريح او وميضا في السماء دفعها الى ان تتراجع عن النوافذ وجعلها تقترب من ستيلو ليصتدما برفق. اغمضت عينيها واندفعت ذكرى جاردي الى عقلها. كان رقيقا وحانيا عليها واعتاد ان يقبلها على وجنتها حين عودتها من المدرسة طفرت الدموع من عينيها وانسابت على وجنتيها بينما كانت السحب تبرق خارجا وهدير المطر يتدفق من عنان السماء ويتطاير رذاذ منه على زجاج الابواب المفتوحة فسحبها بعيد واظلمت الغرفة وبدأ الهواء يهب بعنف. مسحت رافينا وجنتيها المبللتين وفتحت عينيها تشاهد العاصفة وقالت:
" ما كان يجدر بي ان اتي الى هنا. الى متى سيدوم هطول المطر وارغب

في العودة الى البيت يا ستيليو "
فنظر اليها مأخوذا وقال:
" لا استطيع ان اعود بك في مثل هذا الجو انت لا تعرفين كم هيسيئة طرق الجبل حينما يكسوها المطر اهدئي وكوني ظريفة ان المطر المنهمر لا يدوم طويلا وسأعود بك بأسرع ما يمكن "
راحت رافينا تقطع الغرفة جيئة وذهبا وهي تسائل نفسها: لملاذ وافقت على المجئ معه؟ ادركت انها اخطأت ووقعت في شراك العاصفة ويبدو ان غضب المطر لن يتوقف .
قال لها: " اجلسي "
وسكب لها شرابا طازجا احتسته وشعرت برأسها يسبح بخفة والحرارة تدب في اوصالها وزاد نحيب قلبها كانت خائفة على نفسها وعلى ستيليو.
قالت:
" مارك سيغضب. انني لن اخبره بمجيئي معك الى هنا "
مال ستيليو نحوها وقال:
" ماذا في وسعه ان يفعل؟ علام يغضب اذا علم الحقيقة..بأننا شربنا..بأننا تحدثنا..بأننا اصدقاء "
" من الصعب تعليل هذا التصرف "
" حاولي يا رافينا...دعيني افهم السبب الذي يدفع فتاة مثلك ان تعيش في خوف من رجل من واجبه ان يشعر بالحب نحوك وان يرغب في اسعادك "
حاولت ان تبتسم ولكن محاولتها باءت بالفشل.
سألها ستيليو:
" الا تخطئين فتتصورين الحب...جاذبية ؟"
قالت متسائلة:
" الحب؟! "
وحدقت في المطر المنهمر كأنه سياط تلهب ارضية الشرفة فسارع ستيليو الى غلق الابواب الزجاجية فتوقف تيار الهواء. قالت رافينا بهدوء:
" عندما يوجه القدر حياتك بقسوة يتوقف ايمانك بالحب. لم يطلب مارك مني حبي مطلقا ولم يسألني الزواج منه الا امتثالا لاسلوبه معي "
امسك ستيليو بيدها اليسرى وتحسس خاتم الزواج وقال:
" لماذا؟ الانك شعرت بالشفقة نحوه؟ الانك لا تحتملين ان تكوني سببا في ايلام رجل سبق ان لحق به اذى؟ رافينا ان زواجك منه يعد تضحية "
بدا وجهها في ضوء العاصفة مستغرقا في التفكير وعيناها مثل البرك



الموحلة بالطين. اجل انها تضحية ولا يمكن انكار هذه الحقيقة ومع هذا فانها لا تسمح لاستيليو ان يعزف على لحن حاجتها الى الحنان وعليها ان تحارب هذا الضعف الذي تشعر به في اعماقها والا سيصبح مصيرها الارتماء بين احضانه.
قالت:
" عندما كنت طفلة وكان المطر يحول دون خروجي اعتدت ان اردد اغنيى يا مطر...يا مطر...ارحل بعيدا وعد ثانية في يوم اخر. فهل تظن ان سحريسوف يفلح؟ "
قال واصابعه تقبض على اصابع رافينا:
"اعتقد ان هناك فرصا تتحقق فيه الامنية ولم يحدث ان التقيت شخصا في وسعه ان يلقي بسحره مثلما تفعلين "
وفي هذه اللحظة ترددت اصداء رنين اجراس الباب في ارجاء الفيلا وزمجرة الرعد وتألق البرق في عيني ستيليو عندما راح كل منهما يحدق في الاخر. كانت عيناها تنذران بهجوم مباغت تردد صداه عبر عيني رافينا "




***نهاية الفصل السادس***

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 08:07 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

7-ليلة العاصفة


سأل ستيليو متجهما:
" من يطرق الباب في مثل هذه العاصفة ؟"
ونهض واقفا عندما دق الجرس مرة اخرى واردف يقول:
" لابد ان اجيب على الطارق يا رافينا "
قالت: " بالطبع "
والتقت عيناهما وراودهما سؤال واحد فهز ستيليو كتفيه باستخفاف وخطا خطوات واسعة وارهفت رافينا سمعها علها تلتقط صوت الزائر حينما يفتح ستيليو الباب. وشعرت انها مذنبة فالاتهام الذي سيوجه لها ولستيليو بأنهما عاشقان. وان مارك جاء سعيا وراءها. وشخصت ببصرها نحو الباب حينما لاح لها شبح طويل بلله المطر وقد وقف عند المدخل وتحققت مخاوفها العميقة.
منتديات ليلاس

قال صائحا: " رافينا "
وكانت قطرات المطر تتساقط من فوق شعر مارك الاسود لتستقر على عينيه وطفقت نظراته تفحص جسمها النحيل الغارق في المقعد الواسع المكسو بالقطيفة. ولم تستطع رافينا ان تحرك ساكنا وتركزت عيناها على وجهه الصارم. لم تصدق عينيها في بادئ الامر ولكنها كانت حقيقة واقعة ان مارك جاء بحثا عنها .
سار الى الغرفة يتبعه ستيليو الذي بدا صبيا الى جوار مارك ونفر عصب في احد صدغيه عندما استدار ليواجه الرسام قال مارك بصوت بارد تشوبه مرارة الغضب:
" احب ان تقدم لي تفسيرا لهذا الموقف...ماذا تفعل زوجتي هنا؟ "
كسا المطر الشرفة ودقت الساعة معلنة الوقت كأنها تريد ان تنبه رافينا بأن مكانها في هذه اللحظة يجب ان يكون في بيتها وليس الاستكانة الى فنان فاسق. سألت مارك:
" ماذا تفعل هنا؟ هل رأني احدهم وانا اغادر الكازا مع ستيليو؟ هل جئت الى هنا لتأخذني بعيدا؟ "
رمقها بنظرة سوداء وقال:
" لا...تعطلت عربتي في مكان ليس ببعيد من هنا واعرف ان فابريزي لديه هاتف فجئت استأذن منه الحديث الى الكراج. ولم يكن لدي ادنى فكرة انني سأجد زوجتي مع السنيور "
مضت لحظة من لحظات الصمت التي تبدو فيها البراءة وكأنها اثمة ولم يقطع الصمت سوى صوت المطر المنهمر ولم تستطع رافينا ان تقاوم رغبتها في ان تختلس النظر الى ستيليو ولما حاول ستيليو الكلام بدت نبرته وكأنها تؤكد كل مظاهر الاثم. قال ستيليو:
" كان الجو شديد الحرارة والرطوبة فرأينا ان نقوم بنزهة في السيارة. انني السبب في دعوة رافينا الى المجئ الى هنا لتناول بعض المشروبات ولما وصلنا فاجأتنا العاصفة وحاولت ان اقنعها بأنه من الجنون قيادة السيارة عبر الجبال وسط هذا السيل المنهمر. لو ان العاصفة لم تحدث....."
قاطعه مارك قائلا:
" لكنت حملتها الى البيت دون ان اعرف انها كانت هنا بصحبتك "
ونظر الى رافينا بنظرات مبهمة مدركا انها كانت ستكتم ما حدث وعندما تقدم خطوة نحوها تراجعت والذعر يتملكها وكأنها تخشى ان يلمسها وقالت له بتحد سافر:
" هل نخلق من هذا الامر مأساه؟ احتسيت كأسا ولم يكن سوى مقو بالثلج "
ولمح مارك كأس التيوليب فوق المنضدة الواقعة الى جوار المقعد الذي تجلس عليه فالتقطها وراح يتشممها واعاد الكأس الى مكانه وسأل ستيليو:
" هل فرغت من رسم صورة زوجتي ؟ "
اجاب ستيليو:
" فشل الرسم فشلا ذريعا. ظننت في البداية ان رافينا موضوع سعيد يصلح للرسم ولكني الان عرفت انها امرأة تعيسة ولست استطيع ان انقل الى القماش حقيقتها. ليس في وسعي ان افعل المزيد من الرسم مثلما عجزت انت على ان تستحوذ على قلبها يا سنيور دي كورزيو "
واجه الرجلان كل منهما الاخر حينما تألق بريق ضوء عبر الغرفة فتطلع مارك اليه وقال ساخرا:
" هل تتصور انك استحوذت على قلبها ؟ انت تخدع نفسك يا سنيور. ان الرجل الذي يستحوذ على قلب رافينا بعيد من هنا. يمكنها ان تغفر له خطاياه والمرأة تستطيع ان تفعل ذلك من اجل الرجل الذي تحبه "
وتطلع ستيليو نحوها وبدت الحيرة في عينيه وقال:
" رافينا! "
قالت وهي تتطلع الى مارك:
" اريد العودة الى البيت. لن اخشى طرقات الجبل اتصل بالكراج هاتفيا ودعهم يصلحون سيارتك "
قال ستيليو بصوت حاسم:
" خذ سيارتي اليك المفاتيح سوف استأجر زورقا يحملني غدا الى الكازا لاجمع ادوات الرسم وسوف اعود بسيارتي الى بيتي "
وكان ستيليو يتحدى مارك في ان يقود السيارة اللوتس في خضم العاصفة ويخترق بها الطرقات التي تتعرض لانهيار التربة نتيجة للسيل المنهمر ثم انتقل ببصره الى رافينا وكانت عيناه جامدتين ولم تتفوه رافينا بكلمة. كانت واثقة ان مارك سوف يقبل التحدي اذ قال لستيليو:
" هل لك ان تعير زوجتي معطفا ؟ "
واحنى الرسام رأسه بالايجاب وغادر الغرفة ليحضر معطفا. وحرك مارك مفاتيح السيارة بيده وسأل رافينا:
" هل انت عصبية؟ "
وحملق فيها وبرق ضوء غريب في عينيه وقال:
" انا معجب دائما بشجاعتك الامر الوحيد الذي لا يمنع دهشتي هو ان فتاة لها مثل شجاعتك تقع في حب جبان "
وتوقف مارك عن مواصلة الكلام حينما عاد ستيليو وهو يحمل معطفا واقيا من المطر وكانت عيناه مضطربتين وقال:
" سنيور الا تمكث هنا حتى تهدأ العاصفة. هناك طعام في الثلاجة "
امسكت رافينا المعطف وقالت:
" ستيليو عندما يصدر مارك قرارا لتنفيذ امر ما فلا احد يمكنه ان يثنيه عن عزمه. اذا سألت يا مارك...كلا لن اتوسل شيئا...."
وسارت الى الباب وبدت نحيلة وهي ترتدي المعطف الفضفاض الطويل وقالت:
" الا نذهب يا مارك؟ سرعان ما يهبط الظلام "
واستمر هطول المطر بينما اخذت عجلات السيارة تغادر ارض الفيلا وحدقت رافينا بنظراتها عبر النافذة التي راحت المساحات تزيل الماء اللاصق فوق سطحها وكان مارك يمسك عجلة القياة بثقة تامة ولم يتفوه بكلمه وانما كانت نظراته مثبتة على الطريق الممتدة امامه. وسار بالسيارة نصف ساعة توقف بعدها عند مكان يجاور ارضا مزروعة بالحشائش يقع تحت الجبال ثم استدار نحو رافينا وتلألأء الضوء على وجهه المشوه بالندوب وقال بوحشية:
" لا استطيع ان افعل ذلك "
وتطلع الى يديه اللتين تقلصتا على عجلة القيادة فبدت الحروق واضحة واستطرد يقول:
" سيكون من الجنون في مثل هذه الليلة "
وتركز بصر رافينا فوق وجهه وادركت اي ذكرى مخيفة تسيطر عليه بضراوة وتحول دون مواصلة قيادة السيارة فقد تذكر دريستي حينما وقع في شراك تحطم السيارة الاخرى. وفجأة جذب المعطف عنها فبدا جسمها صغيرا وضائعا في ثناياه وقال لها:
" يجب ان نمكث هنا قليلا. لا...تذكرت الان يوجد كوخ راع على مقربة من هنا. تعالي يمكننا ان نتناول عشاء من لحم الضأن المسلوق اذا اسعدنا الحظ"
وراحا يقطعان الحقل بسرعة تحت وابل المطر المنهمر وقد التفت ذراعه حول وسطها بينما كان المعطف يتطاير في الهواء. ثم توقفا امام كوخ يتكون من غرفة مستطيلة لها قبة مخروطية الشكل كالصنوبر وعالج مارك الباب فانفتح بسهولة. كانت النار خابية ولا يوجد اي قدر فوق

المدفأة وكشف وميض البرق عن وجود اريكة خشبية عريضة عليها ربطة من فرو الغنم وكرسي مستدير بثلاثة ارجل وهراوة مستندة الى الجدار وهبت الريح فاهتزت لها الهراوة وسقطت على الارض مما دفع رافينا لان تقفز بعصبية.
قال لها مارك: " ادخلي "
وهو يشعل عودا من الثقاب. وطفق يتجول في الكوخ المهجور ورأى شمعة في فتحة زجاجية فأشعلها وتطلعت رافينا الى مارك وقد وقف يحمي لهب الشمعة بيديه من تيار الهواء .
قال لها:
" اقفلي الباب "
قالت وهي ترتجف:
" هل تنوي المكوث هنا؟ "
تركها ليغلق الباب بنفسه ثم قال:
" ليس هناك بديل لذلك في الوقت الحاضر. انه مكان غريب يصلح لايواء اثنين في ليلة عاصفة كهذه. يمكننا ان نشعل النار...هل تخشين من وجودك وحدك معي في حين واتتك الجرأة للذهاب بالسيارة وسط العاصفة؟ "

" انني اخاف من وجود الفئران "
قال بابتسامة ساخرة:
" فئران الحقل لا تؤذيك "
وعثر على كوة في الجدار وضع فيها الشمعة التي راحت تلقي بضوءها على مارك وهو يسعى نحو المدفأة ليوقد فيها نارا وقال:
" الخشب جاف وسوف يحترق جيدا تعالي يارافينا سوف نتمتع بدفء عائلي قبل ان ينبلجنور الصباح "
ودس يديها المضطربتين في جيوب المعطف فلم يحدث لها من قبل ان انفردت تماما بمارك حقا انه زوجها ومع ذلك فهو الرجل الذي يجعلها تشعر بالخجل وتدرك انها امرأة وانتابها الوهن فاستندت بجسمها الى الباب الذي كان يهتز تحت وطأة عصف الريح.
قال لها مارك:
" لا تقفي هناك في مواجهة تيار الهواء تعالي رافينا "
امتثلت لامره وكأنها مسلوبة الارادة واحست بيديه تلمسان شعرها.
فقال لها:
" شعرك مبتل من المطر. سأشعل النار حالا "

وكانت خصلات شعره تنسدل مبللة فوق عينيه واحست باغماءة خفيفة وعندئذ ادركت ما يريد منها في هذا المكان الغريب الذي يقع في البراري وعندما بدأت ساقاها تتهاويان قام سريعا يرفعها الى الاريكة وارقدها فوق فروة الغنم وازاح خصلات شعرها من فوق جبينها وقال:
" حسنا...انا لست غاضبا منوجودك مع فابريزي انت طفلة مسكينة ممزقة الاعصاب "
" مارك..."
" ولا كلمة...استريحي قليلا حتى اشعل النار "
وتوجه الى المدفأة وبدأ في قطع الحطب وراح يبحث عن ورقة في جيبه يضعها تحت الحطب حتى تساعد على اندلاع النار ولمحت رافينا انه يسحب خطابا من جيبه ويطلق زفرة حارة من صدره ثم كوره ووضعه تحت الخشب واضرم النار فيه وبينما كان الخطاب يحترف سمعت الحطب يصدر طقطقة وكان مارك يحدق في اللهب المشتعل وقد ران عليه السكون.
فجأة استوت رافينة جالسة على الاريكة وارادت ان تعرف فحوى الرسالة التي كانت تحترق في المدفأة. سألته:
" مارك ما هذا الخطاب؟ ارجوك انظر الي واخبرني "
انتصب قوامه مشدودا وعندما استدار كان قناعا اسود اللون يكسو وجهه وقال بصوت خلا منه الدفء:
" غدا اخبرك "
" كلا اخبرني الان "
ونظرت الى النار التي تحرق الرسالة وحولتها الى رماد واحست بدقات قلبها تتدافع بسرعة وقال لها مارك بخشونة:
" انه خطاب مرسل الى رودري برينين ععرت عليه في غرفتك منذ فترة. خطاب لم تبعثي به اوردت فيه مقابلتك له يوم زفافنا. هل اردد على مسامعك كلماته؟ "
رفعت رافينا يدها وتحسست رقبتها وسمعت صوت مارك رقيقا تشوبه نبرة خطرة :
" احترق الخطاب ولكن الكلمات لم تحترق. كانت تقول...( ارغب في رؤيتك مرة اخرى وانا لست اسفة حتى لو غضب مارك ان تلك الساعات التي امضيتها معك ساعدتني على مواجهة موقف بالغ الخطورة ان روابط الحب بيننا تتطلب السرية التامة انني اتعلق بها كلما احسست انني اغرق في عمق الماء الذي اتردى فيه... ) صمت ثم اردف يقول:

" هنا توقفت الرسالة...لم تحاولي اتمامها هل شعرت بانك لا تتحملين ارسال خطاب اليه في حين كنت تتوقين دائما الى صحبته؟ ان الكتابة عن تلك الساعت التي امضيتها معه يوم زفافنا لابد انها عذبتك حتى انك كورت الرسالة والقيت بها ولم يتطرق الى ذهنك ان زوجك قد يعثر عليها فيلتقطها ويفضها من باب الفضول "
حدقت رافينا ببصرها الى مارك وادركت سوء الفهم الذي التبس عليه عندما قرأ عبارة ( تلك الساعات التي امضيتها معك ) كلمات تحمل معنى واحد عند مارك فقد ظن انها ورودري عاشقان. لابد من سبيل لنفي هذه التهمة ولكنها رأت صورة المررة التي ارتسمت على فمه وانه على استعداد لان يزدري اي شئ تقوله وانتابتها رجفة حينما زمجرت الريح حول الكوخ.
فقال لها:
" انا اسف ليس لدينا اي طعام نأكله او شراب نحتسيه وخير لكان تكوني جائعة من ان نتورط في حادث على طريق الجبل "
وبحث مارك في جيبه ةاخرج علبة تبغ واستطرد يقول:
" ان واحدة منها سف تصيبك بدوار..هل يضايقك ان دخنت لفافة؟ "
قالت بصوت يشوب نبرة اليأس:
" لا..يمكنك ان تدخن "
اخرج سيكاره واشعلها ونفث الدخان دون ان يرفع بصره عن عينيها ولم تحتمل قوة نظراته التي تحاول ان تقرأ ما يدور في عقلها وسارت الى المقعد المستدير ذو الثلاثة ارجل وسحبته قريبا من النار وجلست عليه وراحت تدفء يدها. قالت:
" انا لست جائعة انما اريد احتساء كوبا من الشاي "
وتصاعدت حلقات الدخان في الهواء وكأنها علامات تساؤل وقال:
" لانونا سوف تقلق علينا. اماذا لم تمكثي في البيت. كان في وسعي ان اعود الى البيت وحدي لكن الامر لا يهم كثيرا "
قالت رافينا:
" سوف تغامر بحياتك؟ "
هز كتفه باستخفاف وقال:
" ولن اغامر بحياتك يا عزيزتي! لا تنظري بانزعاج لست بصدد ان اعلن مدى حبي لك. انت صغيرة ودريستي كان صغيرا والحياة حله حتى لو امتزج اللوز المر بالقرنفل "
سألته :
" هل كان دريستي يشبهك؟ "
لم يسبق لها ان طرحت عليه هذا السؤال من قبل ولكنها الان تشعر بدافع قوي لان تعرف ذلك وتطلعت الى وجهها وبالرغم من الندوب الرهيبة التي تشوه وجهه الا انه بدا لها انيقا في ضوء النار المشتعلة.
هز رأسه بالايجاب:
" اجل كان يشبهني يجب ان اريك صورته "
وشد على شفتيه وهو يخرج محفظته ويفتحها ويسحب منها صورة صغيرة ويناولها اياها. وراحت تتفحص صورة الطفل ذي الشعر الاسود عيناه تتلألأن مرحا, وصفحة وجهه تعكس صورة وجه ابيه قبل ان يصيبه الحادث. وطفقت رافينا تتأمل الصورة فترة طويلة وراحت تكافح الدموع التي اوشكت ان تنهمر من عينيها. الان فقط اركت السبب الذي يدفعه الى البحث عن الفتاة القريبة من قلب رودري ليجبرها على الزواج منه هو .
منذ ان بدأت الحياة منذ امنا حواء ومنذ عهد هيلين كان على المرأة ان تدفع الثمن ففي وسعها ان تتذوق المرارة مع حلاوة الحب وعندما اعادت له الصورة تلامسة ايديهما وتذكرت انهما وحدهما في الكوخ .
قال له:
" يبو ان الريح بدأت تهمد في الخارج "
ولكن العاصفة كانت لاتزال تصفق الباب فابتسمت بعصبية وطفقت تهز كتفيها باستخفاف.
قال مارك:
" انت متعبة اخلدي الى النوم ان الاريكة تصل للنوم. هي خشنة ولكنها نظيفة "
لم تنهض رافينا من فوق المقعد وسألته:
" ماذا عنك يا مارك؟ انا مستريحةهنا بجوار النار "
قال:
" الحطب اوشك على ان يذوب وعندما تخمد النار سيزداد البرد في المكان وافضل ان تتدثري وانت نائمة فوق الاريكة. تعالي "
ومد لها يدها ليساعدها على النهوض فقالت له بتردد:
" لا يمكنك الجلوس على المقعد انه منخفض وانت طويل "
" سأكون بخير...النساء يتمتعن بنعمة القلق "
قالت:
" اننا نستطيع ان نجلس سويا على الاريكة "
توردت وجنتاها بحمرة الخجل وكأنها عروس في ليلة زفافها واستطردت

تقول:
" لا تستطيع ان تتجول في الكوخ طوال الليل لن يطرق النوم اجفاني وانا اراك لا تقوى على الرقاد "
قال ضاحكا:
" هل انت الانسانة التي تفكر فيََََّ ؟"
وفجأة انتصبت ورفعها بذراع واحدة واستطرد يقول:
" لا استطيع ان اقاسمك الجلوس على الاريكة فسرعان ما ينتابك الذعر وحتى الان مازلت عصبية من لمسة يدي "
ادخت رافينا قدميها في فروة الغنم لتشعر بالدفء والقى مارك بأخر قطعة من الخشب في المدفأة وفي هذه اللحظة انطفأت الشمعة وعلى ضوء النار
المشتعلة عاد وجلس الى جوارها وجذبها الى كتفه وراحا يتطلعان الى النار الذي اخذ لهيبها يخبو تدريجيا. وبدأت اصوات الريح تتلاشى بينما استغرقت رافينا في النوم ورأسها مستقر فوق كتفه العريضه وامضيا ليلة غريبة وعندما استيقظت رافينا عند الفجر وجدت نفسها بين ذراعي مارك ووجها يتمتع بدفء عنقه وظنت وهي نصف حالمة انهما ببرج الفارس ولكنها ادركت الحقيقة عندما افاقت تماما ورأت كوخ الراعي وبقايا الرماد في المدفأة .
تركت بصرها يعود ليستقر على وجه مارك الذي ان مستغرقا في النوم وقد استند بظهره الى الاريكة ولما كان البرد الشديد قد زحف الى الكوخ اثناء الليل فانه جذبها بذراعه وضمها الى صدره ليلتمس الدفء فلم تشعر بأدنى خوف منه. والان ادركت فقط كيف يكون الرجل غير محمي وهو في قبضة النوم. كان شعره مشعثا وذقنه التي كساها الشعر زرقاء وقوية وشفتاه صارمتان ووجنتاه تبرزان التجاويف تحتهما اما ندوبه فلم تنتقل الى ابه وانما ورث عنه الكبرياء والعناد. تملكها الذعر فأسرعت تسبل رموشها عندما شعرت بذراعيه تشتدان حولها عندها بدأ يستيقظ واطلق زمجرة واستدار بوجهه وهمس قائلا:
" يا حبيبتي "
لم يسبق له استعمال هذه الكلمة من قبل نفدت من فمه ناعمة تشوبها الالفة والمودة وعرفت انه نصف حالم ولا يتفوه بها انسان الا للمرأة التي احبها ثم فقدها. فتح عينيه وتطلع الى رافينا وفي الحال بدت فيهما نظرة الحارس الذي يذود عن املاكه وفجأة تبين المكان الذي يحيط بهما فأطلق سراحها بسرعة وانتفض واقفا على قدميه وقال:
" يا له من مكان كئيب هيا بنا يا رافينا المطر قد توقف وحان الوقت كي

نعود الى البيت "
تركت رافينا الاريكة ومدت ذراعيها امامها ثم قامت بتسوية شعرها بيدها وقال:
" اشعر بالفوضى في مظهري "
وطفق مارك يجيل ببصره عليها ولاح التجهم في شفتيه ثم قال:
" يبدو عليك وكأنك امضيت ليلة مضنية فوق سطح قرميدة "
قالت ضاحكة:
" انظر الى نفسك "
وسبقته الى مغادرة الكوخ لتستقبل هواء الصباح. رأت السنة من اشعة الشمس في الافق وسمعت الطيور تشدو على الاغصان. سارا فوق الحشائش المبتلة ووجدا السيارة مغطاة بقطرات المطر. مسح مارك الزجاج قبل ان يتخذ مكانه وراء عجلة القيادة ويستقر الى جوار رافينا واتجها صوب اشعة الصباح المشرقة. بدأت نسمات الفجر تهب عبر النافذة وبدت الزهور متفتحة وامتزج شروق الشمس بأمواج البحر ليصنعا معا لوحة رائعة التكوين وعندما سألها مارك اذا كانت تحب ان يكشف غطاء السيارة ابتسمت موافقة والتقطت انفاسها عندما اخذ الهواء يداعب شعرها المتطاير. انهما يستحقان مثل هذه الرحلة الصباحية بعدما اقتسما سويا ليلة غريبة امضياها في الكوخ الكئيب وناما على اريكة خشبية.
وفجأة رأى مارك شجرة اقتلعتها الرياح من ارضها تعترض الطريق فأوقف السيارة سريعا وكان من الواضح انه لابد من المرور بمحاذاة حافة الطريق الشديدة الانحدار اذا ما فكر في ان يدور بالسيارة حول الشجرة. ومال نحو رافينا وفتح له الباب المجاور لها وقال:
" من فضلك اذهبي وحدك سيرا على الاقدام لن اعبر بالسيارة حول الشجرة ومعي راكب "
" ولكن يا مارك...."
" لن اناقش الامر "
ودفعها خارج السيارة واستطرد يقول:
" سيري حول الشجرة وانتظريني على بعد خطوات منها "
قالت:
" انت السيد "
وامتثلت لامره. لم ينسى مارك حطام السيارة الاخرى والمخاطر التي اجتازها ولن يجرؤ على ان يجتاز مخاطرة اخرى. وعندما سارت رافينا

واستدارت حول الشجرة تبينت ان المسافة التي ستعبرها السيارة بالغة الضيق وعلى مارك ان يجتازها بحذر شديد فقفز قلبها بين ضلوعها وراودتها الرغبة في ان تعود اليه وتتوسل له الا يخاطر بحياته وفي وسعه ان يترك السيارة مكانها ويغلق ابوابها ويطلب من ستيليو الحضور لاستعادتها من هذا المكان لكنها ما كادت تبدأ بالعودة حتى رأت مارك يدير محرك السيارة ويسير بها بين نهاية اغصان الشجرة وحافة الجبل .
تسمرت قدما رافينا وبدت كالتمثال الاصم لا يتحرك منها شئ سوى شعرها الاحمر المتطاير وتوقفت انفاسها وهي ترى السيارة تنسل من الممر الضيق لتنطلق الى الطريق الواسع وتتوقف الى جوارها ويفتح مارك لها الباب وينظر اليها نظرات متسائلة ويقول لها:
" ادخلي "
وقفت جاحظة العينين ولم تتصور انه يخاطر بهذه الطريقة فانتابها غضب شديد هزها من رأسها الى اخمص قدميها قالت له:
" لماذا تشدني الى حياتك؟ اذا كنت ترغب ان تعيش مع اشباحك فلماذا لم تتركني مع جاردي؟ انه سوف يهتم بي "
" رافينا......"
وراحت تبتعد عن السيارة ثم بدأت تجري في كل اتجاه ولم تكن تكترث بما قد يحدث وسمعت وراءها صوت خطوات تقتفي اثرها واحست بحشرجة في حلقه عندما اطبق مارك على عنقها وامسك بها:
" رافينا...انني اسف لاني افزعتك "
القت بنفسها عليه وقالت:
" انت لم تفزعني ولكنك اريتني كيف يبدوزواجنا في صرة مسرحية هزلية ساخرة جوفاء. لم يكن شيئا غير ذلك...ليس هنالك حب ولا عاطفة لاشئ البتة سوى الذكريات التي التي نحياها..اوه...لماذا لا تتركني وحدي؟ هل تعرف يا مارك ماذا فعلت بي؟ هل يهمك ذلك كثيرا؟ "
هزت رأسها وانعكست اشعة اشمس على شعرها فبدا متألقا بينما كانت عيناها قد فقدت ظلالهما واستطردت تقول:
" عرفت الان الى اي مدى تهتم بي لن اغفر لك...مطلقا "
وتخلصت منه...وعادت الى السيارة واستقرت في مقعدها ولم تعد ترى زرقة السماء او المياه الفضية للمحيط ولم تكلف نفسها مشقة التطلع الى مارك وهو يتخذ مكانه بجوارها ليقود السيارة. كان وجها باردا ولم تعد شفتاها ترتجفان تملكها تحفظ بارد فلم ترغب في التحدث او حتى سماع اي حديث. واحترم مارك صمتها وهو يتخذ طريقة الى منزل السرو

مرت الايام بعد ذلك خاوية فلم يأت ستيليو الى البيت وخلال النهار كانت تقوم رافينا بجولة حول القرية وترتقي التل حتى تبلغ قمته او تستلقي في تكاسل على الشاطئ وتسلمت رسالة من جاردي واجابت عليها فوصفت له كاسيل مونتي باستفاضة ولكنها كانت مقتضبة في الكتابة عن حياتها مع مارك وسوف يعزو سبب اقتضابها الى خجلها الطبيعي وفي ختام الرسالة بعثت تمنياتها الطيبة الى رودري ولن تستطيع الكتابة اليه بعد تلك الرسالة التي وقعت في يد مارك.
ولم يحاول مارك الاشارة الى الرسالة الناقصة ثانية وكانت تدرك انه قرأها مرارا قبل ان يلقي بها في النار وانه يقتبس منها عبارات كتبتها كاملة من بينها عبارة ( تلك الساعات التي امضيتها معك ). كيف تستطيع ان تقنع مارك بأن الحديث وحده هو الذي ملأ هذه الساعات التي امضتها معه.
اتخذت رافينا طريقها الى مكتب بريد القرية لتبعث برسالتها وفي طريق عودتها للبيت مرت بمنزل جلست بباه سيدة ترتدي شالا اسود اللون وتصنع احدى شرائط الزينة فتوقفت لتبدي اعجابها بالشريط وسألتها ان كان بوسعها شراؤه..دعتها السيدة الى داخل البيت لتلقي نظرة على عينات مختلفة من صنع يدها فاشترت باقة جميلة وزوج من الاساور. وقالت المرأة ان اسمها فيرتيويللا وطلبت من رافينا ابتسامة ان تمكث قليلا وتتناول فنجان من القهوة معها وكان ارتياد طرقات القرية جعلها تشعر بالظمأ فجلست الى مائدة تكسوها المرأة بوشاح من الحرير الازرق وانطلقت المرأة بسرعة تجول مطبخها الصغير وتعو بالفطائر لتقدمها لرافينا فكانت لذيذة.
قالت رافينا:
" يجب ان تعلميني طريقة عمل الفطائر اعتدت طهو بعض الاطعمة قبل زواجي ويجب ان اعيد المحاولة ثانية وتحدوني الرغبة في غزو المطبخ في الكازا ولكن دونا جوكاستا تدير كل شئ وانا لا احب ان اتدخل في شؤنها"
وحدقت فيرتيويللا في وجه رافينا وانتابتها الدهشة لهذا النبأ الجديد ثم قالت ببطء:
" انت تختلفين عن سينيورا دوناتا فهي كانت تدير كل شئ ولم تحاول ان

تشتري مني احد الشرائط لتزين بها ثوبها بل اعتادت ان تشتري ثيابها من روما وكانت انيقة ومحبوبة جدا "
قالت رافينا بهدوء:
" رأيت صورتها كانت فاتنة "
قالت فيرتيويللا:
" كانت تبدو سيدة عظيمة "
واحست رافينا بنبرة ساحرة في صوت فيرتيويللا كما ان نظراتها كانت تدعو الى التساؤل وفتحت المرأة صندوك سكائر موضوعا فوق المائدة وتناولت علبة اوراق الكوتشينة:
" انها سيدة عظيمة مثلك هل تحبين ان اقرأ لك طالعك؟ "
وضعت فيرتيويللا الورق وانكفأت الصور على وجهها فوق المائدة فدق قلب رافينا وهي تقول:
" انت تعنين انك تريدين قراءة حظي؟ "
هزت المرأة رأسها بالايجاب وبدت في صورة امرأة غجرية بوجهها الذي لفحته اشعة الشمس وشالها الاسود الذي يكسو رأسها وكانت عينيها مسلطتين على وجه رافينا وقالت لها:
" الا تخافين من قراءة الورق ومما قد يكشفه لك؟ والا يراودك الشك فيما يقوله لك؟ "
هزت رافينا رأسها بالنفي وقالت:
" ابدا انا سلتية وهذا معناه اني لا اسخر من السحر واؤمن بوجود اشخاص لهم القدر على قراءة الغيب "
" اذن اقلبي ثلاثة ورقات لتبدو صورها امامي "
امتثلت رافينا لطلبها وقامت مضيفتها بفحص الاوراق وكان الهدوء يسود البيت الامن بعض الاصوات التي تأتي من حفيف الحطب الموجود فوق السطح وبين لحظة واخرى كان الاتان يرفس المربط وكأنه يتململ من صحبته واخيرا قالت فيرتيويللا:
" اه...هناك احتفال ينتظرك يا سنيوريتا. هل ترين؟ هناك مهرج في اول ورقة وقع اختيارك عليها وهو مستغرق في الضحك. اجل احتفال...وقت طيب لك "
ابتسمت رافينا وقالت:
" ربما يكون احتفال مادري روزاريا الذي سنقوم بمشاهدته "
" انت والسنيور..."
" اجل. انه يرغب في ان نذهب الى هناك هذا العام "


هزت المرأة رأسها ثم ركزت عينيها السوداوتين على الورقة الثالثة وكأن الوقة الثانية لم تثر اهتمامها كثيرا وتمتمت قائلة:
" هناك طائر بأجنحة سوداء..اه انه نذير نحسيا سنيورا! من المحتمل ان يعني....."
وتمهلت قليلا لتفحص وجه رافينا التي سألتها:
" ماذا يمكن ان يعني؟ اجوك اخبريني "
راحت فيرتيويللا تخلط الورق ثم قالت:
" اوه. وقت غير سار ربما اخبار سيئة..اوه..ولكن هذا مجرد تسلية ويجب عليك ان لا تأخذي الامر باهتمام بالغ "
وقفت رافينا وقالت وهي شاردة الذهن:
" ابدا...يجب ان اعود الى البيت..اشكرك على شرائط الياقة والاساور ستبدو جميلة على ثوبي الاخضر "
وفي طريق العودة الى الكازا اخذت الافكار تطن في ذهنها حول ما قالته اوراق الكوتشينة وحاولت ان توحي لنفسها انها مجرد تسلية ولكنها ما كانت تقترب من منزل السرو حتى حلق طائر موحش اسود اللون في كبد السماء. كان نفس الطائر الذي رأته في الورقة التي قلبتها امام فيرتيويللا. وعندما دخلت فناء البيت وجدت مارك يقف في ظلال احدى فجوات المنزل ينفث لفافة تبغه فأسرحت نحوه وهي تمسك بالطرد الصغير الذي يحتوي على شرائط الزينة وقالت له:
" مرحبا "
وارادت ان يضع ذراعه حولها وان يطرد دفء رجولته البرودة التي تملكتها منذ لحظات وجيزة ولكنها كانت تشكو من البرودة نحوه لعدة ايام مضت ولم يبذل اي محاولة لكي يلمسها .منتديات ليلاس
سألها:
" اين كنت؟ "
" ذهبت الى القرية واشتريط بعض شرائط الزينة "
واحست بشئ يعتصر حلقها ويخنقها وبدا لها انه يدرك حاجتها الى الراحة ثم استطردت تقول:
" اشتريتها من سيدة تدعى فيرتيويللا جلست معها واحتسينا فنجان من القهوة "
قال وهو ينفض رماد السكارة:
" حسنا انا سعيد لانك اقمت علاقات صداقة مع بعض الناس "
ارخت رافينا جفنيها واحست بالدموع تطفر من عينيها فدخلت وعبرت

الصالة التي تؤدي الى درجات السلم وفي هذه اللحظة لم يبدو لها منزل السرو غريبا عنها او وحيدا فوق الجبال! "



***نهاية الفصل السابع***

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 08:16 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

8- خيانة في العيد


كانت اشجار الكروم مثقلة بعناقيد العنب وكان عصيرها حلوا ولكن رافيناه احست بمرارة عندما تذوقته لان العناقيد لم تكن معدة بعد لعصرها.
منتديات ليلاس
الجميز اينع فوق الاشجار وحدائق الليمون تفوح برائحة نفاذة كل شئ مفعم بالحياة يحمل رافينا على الهروب الى المغارة حيث تقرأ كتابا او ترطب اصابعها في النافورة وتتأمل مليا في المستقبل. واحيانا تمر بها ساعات تستمتع فيها بوحدتها قبل ان يقطع عليها خادم خلوتها ليدعوها الى تناول طعام الغداء او تناول الشاي مع زائر. وعندما تأتي زوجات شركاء مارك في العمل لزيارتها كن يلمحن لها انها تمتلك المقدرة على ان تسوس قياد رجل قهار مثل مارك وكانت تضحك قائلة:
" انني لا اقوى على ان اسوس مارك والا كنت مثل الهرة الصغيرة التي تحاول ان تروض نمر "
وكانت بعض النسوة يسألنها:
" وهل تطرق حديثه معك الى الكلام عن دوناتا؟ كانت فتاة جميلة ولكنها لم تكن هرة صغيرة "
ولم تشهد دونا جوكلستا مثل هذه الزيارات التي كانت تطرح فيها النسوة مثل هذه الاسئلة ولكنها كانت تحب ان تسمع مادار في هذه اللقاءات وتدعو رافينا من حيت لاخر الى صالونها لتتناول معها كأس من الشراب.
وفي احدى المرات كانت تهز كأسها وهي تستمع للحديث الذي دار بين رافينا وضيوفها ونظراتها مسلطة عليها ولكن رافينا هربت من نظراتها ليستقر بصرها على الشراب الذي يتراقص في كأسها وانتابتها رغبة مفاجئة في ان تمتطي جوادها وتنطلق به. اسرعت الى غرفتها بعد ان ودعت دوناجوكاستا وبدلت ثيابها وارتدت سروالا وقميصا وعقصت شعرها وطوته تحت قبعتها وبعد عشر دقائق امتطت صهوة جوادها وانطلقت الى رحاب الشمس التي كانت لا تزال تفيض على الكون بأشعتها.

كانت هذه الايام حارة وطويلة ولكن الريح كانت دائما تهب عبر السهل الواسع المعشب المطل على البحر وكان من دواعي البهجة ان يرتاض المرء بجواده ليتنسم الهواء النقي واحست رافينا ان الجواد يطير بخيلاء تحدوه سعادة لا تقل عن سعادتها وهو ينطلق الى رحاب الهواء الطلق حتى بلغا حدود السهل وعلى حين فجأة طارت قبعتها من فوق رأسها وكان لزاما عليها ان تترجل لتستعيدها ولكن الهواء حمل القبعة بعيدا حتى استقرت عند اكمة حشائش تقع على حافة المنحدر الصخري الشاهق وعندما انقضت على القبعة تمسكها بيدها لمحت عند المنحدر رجلا وفتاة يتجاذبان الحديث وكانت الفتاة ذات شعر اسود اللون يتطاير مع نسمة الهواء وتتحدث باهتمام شديد معه وفجأة احاطت عنقه بذراعيها ودفنت وجهها في وجهه ولم يدفعها عنه وانما اخذ يضمها الى صدره .
كان العشب يبدو اطول من الاثنين فركعت رافينا وراحت تحدق فيهما بعينين شابتهما برودة الثلج انها تستطيع ان تتعرف على الرجل في وسط اي زحام ولا يمكن ان تخطئ شخصيته وهو واقف مع الفتاة. نهضت رافينا وابتعدت وتذكرت اين رأت الفتاة التي كانت بين ذراعي مارك انها الفتاة الحافية القدمين التي شاهدتها في المطعم حيث قامت على خدمتهما بتقديم اطباق السردين. احنى الجواد رأسه يلتهم العشب وحينما اراحت رافينا رأسها على سرجه ادار رأسه ووهبها نظرة حنان وكأن بهجتها الموؤدة انتقلت اليه.
لم يكن شعورا بالغضب او بالصدمة هو الذي انتابها وانما شعور بالحزن لأن مارك اجبرها على الزواج منه بينما كان في وسعه ان يجد سعادته او ربما يستطيع ان ينسى ماضيه مع فتاة من بنات اهله ولدت وترعرعت هنا وتحب الجزيرة كما يحبها هو وتعرف تقاليد اهل ساردينيا وعاداتهم .
تنهدت رافينا وتنهد جوادها بدوره وادارت رأسه ليتخذ طريقه الى الكازاتشيبريسو عائدة الى المنزل مرورا بحقول الكروم واعتذرت عن الهبوط لغرفة الطعام لتناول الغداء وعللت اعتذارها انها تناولت بعض عناقيد العنب الفجة فأصابتها بألم خفيف في معدتها.
ترك مارك ربطة عنقه غير معقودة واقترب من فراشها وانحنى عليها وتحسس جبينها بيده وقال لها:
" انت تعانين من حمى خفيفة سوف استدعي لك الطبيب "
اجفلت وقالت:
" لا ارجوك لا تفعل يا مارك سأشعر بتحسن حالا. كل ما في الامر انني لا اشعر بأدنى رغبة بتناول الطعام "

قال مقترحا عليها:
" ربما وجبة خفيفة تناسبك "
هزت رأسها بالرفض لانها لم تكن تشعر بادنى شهية للطعام وكانت كل ما رغبت فيه هو ان يدعها وحدها والقى المصباح بضوءه عليها فبدت رافينا ضائعة وحزينة.
سألها:
" هل ترغبين في ان امكث بجوارك؟ "
ندت من فمها كلمة:
" لا...لا...سأكون بخير "
" ما بك يا رافينا؟ "
تطلعت اليه فرأت ربطة عنقه المحلولة وشعره الاشعت وبدا لها كأنه كان مستعجلا في ارتداء ملابسه وشعرت بطعنة نجلاء تخترق ظهرها عندما ابدى رغبته في المكوث معها وودت لو ابدت له احتقارها لرغبته في الوقت الذي يكرس فيه كل افكاره واشواقه للفتاة الاخرى .
قالت له:
" اريد ان انفرد بنفسي...اشعر بألم خفيف "
" لانك تناولت الحصرم ؟"
اشاحت بوجهها عنه ولكنه جلس الى جوارها على الفراش وامسك برأسها المتوج بالشعر الاحمر وانتشرت خصلاته فوق الوسائد البضاء وتلألأت عيناها الخضراوان وسط امتقاع لون وجهها.
سألها:
" لم كل هذا العبوس؟ هل قالت لانونا شئ اثارك؟ لدي انطباع بأن وشائج الصداقة بدأت تربط بينكما "
" هل من الضروري ان اقدم لك تفسيرا لكل حالة نفسية امر بها؟ الا تدعني انعم بالهدوء؟ "
" انت في حالة نفسية غريبه وهذا ما يقلقني يا رافينا "
" لا تبالي البتة يا مارك ولا تفسد طعام غدائك بأمري "
شاهدت نظرة عتاب في عينيه وتساءلت هل يجرؤ على ان يعاتبها؟
توسلت اليه قائلة:
" اتركني وحدي انا...انا لا احتمل ان يلمسني احد الليلة "
سألها بهدوء:
" ايهما تكرهين اكثر...ندوبي ام قبلاتي؟ "

وشعرت مرة اخرى بطعنة من الالم تخترق جسمها وارتسمت صرخة

مكتومة على فمها سرت في اوصالها فأطلق مارك صراحها وتركها ترقد ساكنة فوق الفراش ثم غادر غرفتها الى غرفته واغلق الباب وراءه بهدوء. ولم يقم بزيارتها ثانية وبعد نصف ساعة جاءتها صينية عليها شريحة من البطيخ وقطعة لحم وبطاطا والى جوار كل هذا رأت ورقة مطوية واحست رافينا باهتزاز اصابعها وهي تقوم بفضها فقرأت:
{ استدعيت في مهمة عمل وارجو ان اعود في نهاية الاسبوع مع موعد الاحتفال بعيد مادري روزاريا ربما نكون حينئذ في احسن حال . مارك }
حدقت رافينا في الخط الاسود الفاحم الواضح وضوح الفتاة ذات الشعر الاسود الفاحم التي كانت في احضان مارك وبهدوء سحقت الورقة كان يعلم تماما ان زواجهما يشوبه التوتر الحاد ومع هذا اجبرها للرضوخ لرغبته ورغم الشك الذي راوده في علاقتها برودري فانه هو السبب في ان حياتهما لا تطاق. تناولت طعامها دون ادنى احساس بمذاقه ثم جلست اتجاه النافذة وراحت تتطلع الى القمر وهو يعتلي قمة اشجار السرو وكانت اشعته الفضية والنجوم المتلألأة تغسل صفحة السماء كما تعني هي وحدتها !!!


* * * * * * *

استيقظت رافينا في صباح يوم العيد يحدوها الاحساس بالاضطراب والامل الذي يخالج كل شابة. انها سوف تستمتع بيوم كامل تهرب فيه من الكازا....يوم كله مرح وانطلاق. عاد مارك متأخرا في الليلة التي تسبق يوم العيد واستطاعت ان تسمع حركاته في الغرفة المجاورة لغرفتها وهو يفتح الدولاب ويسقط حذائه ربما نتيجة اضطرابه بقدوم اليوم التالي.
اخذت رافينا حماما وساعدتها وصيفتها في ارتداء ثوبا اخر من اثواب الجدة ديمليزا وكانت الوصيفة فرحة بالعيد وعلمت رافينا منها ان القرية بأسرها تنطلق الى التلال في هذا اليوم. كل اسرة تركب عربة مزينة اروع زينة ومزدانة بالشرائط الملونة وحت الاتان يكون مكسوا بالورد.
ابتسمت رافينا وقالت:
" اظن انه احتفال ديني "
" اجل يا بادرونسيتا. تتقدم صورة مادري روزاريا الموكب الذي يحمل المشاعل بينما يقوم الكاهن بتوزيع البركات على كل انسان ثم يبدأ المهرجون بأداء العابهم النارية على انغام الموسيقى .

ارى مدى لهفتك يا روزيتا على الذهاب الى هناك. هل سيذهب صديقك معك؟ "
توردت وجنتا روزيتا بحمرة الخجل وخفضت جفنيها وقالت:
" تونيو سيصحبني معه على ظهر جواده انها الطريقة التي يذهب بها المحبون الى الاحتفال "
قالت رافينا:
" ياله من تقليد جميل "
ثم فتحت صندوق مجوهراتها وتناولت صليبها ووضعته على صدرها فوق بلوزتها البيضاء ولاحظت وجود قرط كانت نادرا ما ترتديه اخذته وامرت روزيتا ان تقف ساكنة حتى تثبته في اذنيها فزاد تورد خدي الفتاة وهي تقول:
" بادرونسيتا....هذا القرط لي انا؟ "
" اجل..كم هو جميل في اذنيك. والان انطلقي واستعدي للذهاب الى الاحتفال مع صديقك تونيو "
امسكت الفتاة بيد رافينا وراحت تقبلها وقالت لها:
" انت طيبة القلب..انني سعيدة الحظ لانني اقوم بخدمتك يا بدرونسيتا "
" انطلقي الان ولا تجعلي صديقك يطيل انتظاره "
وهزت الفتاة رأسها لتشعر باهتزاز القرط المتلألئ في اذنيها وبابتسامة سعيدة اسرعت تغادر الغرفة وعندما ثببت رافينا الصليب حول عنقها تساءلت لماذا لا يحدوها الاحساس بأن تكون خالية البال مثل وصيفتها التي انطلقت الى الاحتفال بصحبة شاب يحبها.
كان الهدوء يسود الغرفة المجاورة وحدست ان مارك هبط الى الدور الارضي لتناول طعام الافطار وشعرت بطعنة الم لأنه لم يأت لرؤيتها وهي ترتدي ثوبها الجميل الذي قدمه لها. راحت تتأمل نفسها في المرآة الطويلة المثبة في الخزانة وحاز مظهرها على اعجابها. كان الثوب اخضر اللون بحافته اهداب قمحية اللون تلائم بشرتها اما شعرها فقد عقصته في تسريحة بديعة واشرأب عنقها من بين ثنايا فتحات البلوزة وتألقت عيناها بخضرة الجواهر وبالرغم من تجاهل مارك لها والاضطراب الذي اجتاحها الا ان عزمها اقر على الاستمتاع بكل لحظة من لحظات الاحتفال.
وتساءلت: هل تتوقع وجود ستيليو في الاحتفال؟ افتقدت مداعباته وتمنت ان تراه. وبشعور اشبه بشعور فتاة تعيش في اوائل القرن جمعت اطراف ثوبها في يدها واتخذت سبيلها وراحت تهبط درجات السلم ولم تقابل احدا في طريقها فالخدم نالوا اجازة للمشاركة في الاحتفال مما اشعرها بأن
منتديات ليلاس

الكازا اصبحت مهجورة. عبرت رافينا البهو ودلفت الى غرفة المعيشة حيث وجدت طعام افطارها معدا على المائدة...القهوة, والخبز, والعسل وتساءلت وهي تحتسي القهوة الى اي مكان توجه مارك الان..ربما يكون بصحبة لانونا التي ذكرت في الليلة السابقة بأنها كانت تحرص على مشاهدة الاحتفالات ولكن عظامها الان لم تعد تساعدها الان على مغادرة المنزل.
انتاب رافينا القلق فلن تستطيع المكوث اكثر في الكازا فانطلقت الى الفناء حيث وقفت تستمتع باشعة الشمس وراحت تتناول قطعة من الخبز المقدد عليه طبقة من العسل وبينما كانت تمسح شفتيها تناهى الى سمعها صوت حوافر حصان تقعقع في الارض ولاح الجواد ادونيس في الفناء وعلى ظهره مارك.
هز الجواد عرفه وبرزت عضلاته تحت سرجه المصنوع من الجلد الاسود وكان مارك يرتدي بنطلونا قصيرا اسود اللون وصديري مطرزا فوق قميص مكشكش واكدت حافة قبعته تألق عينيه. كان يبدو في كل شبر منه واحدا من اهالي سردينيا او فارسا متكبرا ينطلق للصيد بصحبة الصقور وكلاب الصيد.
قال مارك لرافينا:
" تعالي اصعدي واجلسي امامي فوق الجواد "
لم تكن هذه هي المرة الاولى التي تشدها عيناه وتسحرها وبحركة قوية رفعها واجلسها امامه واقشعر بدنها قشعريرة خفيفة مقترنة بسرور خفي وامسك بها بشدة بينما اخذ الجواد يبارح الفناء لينطلق الى عرض الطريق. وبعد لحظات اصبحا ضمن الموكب المرح الذي كان يسلك طريقه متجها الى الجبال حيث كنيسة مادري روزاريا وكانت البغال محملة بأكوام من الفراش والاطفال الهازجين والعربات المطلية باللونين البرتقالي والازرق. تطايرت اشرطة الزينة في الهواء وامتطا العشاق الجياد العربية الذين راحوا يطلقون اصواتهم بالغناء على انغام الات الاكورديون
كان المنظر كالحلم الجميل ورافينا تبدو كالطفل المأخوذ الذي لا يجرؤ على الحديث او الحركة خشية ان يتبخر سحر الحلم وشعرت بمارك يختلس النظر اليها ولم تقو على التفكير في الايام الثلاثة التي امضاها بعيدا عنها فكانت مأخوذة بسحر اللحظة التي تعيش فيها. وتطلعت اليه وغط رأسها بوشاح حريري تتقي به حرارة الشمس وقالت له:
" المنظر بديع اليس كذلك؟ انظر الى هؤلاء الصبية الاربعة الذين يمتطون البغال وهذه المرأة التي تحمل الطعام فوق رأسها...على فكرة يا مارك

نسينا احضار الطعام لنا "
وضحك مارك وبدا خالي البال مرحا ولم تستطع ان تمنع دهشتها من رؤية هذا التألق الذي لاح في عينيه وقال:
" قدمت زوجين من الغنم للحفل الذي سيقام هذا المساء واما عن طعام الغداء فاننا سنجد العديد من الناس الذين سيسارعون الى تقديم الفطائر والجبن والفاكهة ولا ادري كيف سنأكل كل ما سيقدمونه لها "
ازدادت عيناها عمقا وسوادا عندما راح يتفرس في رافينا ثم اردف يقول:
"لم اشهد الاحتفال منذ مدة واخشى ان يغمرنا الناس بكرمهم "
وبينما كان مارك يتحدث الى رافينا اطلت مرأة من عربتها وقالت:
" انه حدث جميل ان يشاركنا البادرون وزوجته هذا العام فالتبارككما مادري روزاريا "
" وانت ايضا يا سنيورا وزوجك الطيب واولادك الصغار "
واحست رافينا بذراع مارك وعندما تطلعت اليه رأت في وجهه هذا الجمال الاسمر الذي اشارت اليه السيدة فيرتيوللا يوم اشترت منها اشرطة الزينة اذ قالت:
" انه اشبه بأمير بل رجل تعشقه الفتيات! "
واليوم يبدو مارك للمرة الثانية وهو يرتدي الثوب السردي وعيناه فرحتان بين موكب الاطفال والجمال المتوحش للجبال كما رأت فيه رجلا لا يتحرق الى الانتقام لنفسه فرفعت يده المكسوة بالندوب في ايماءة تنم عن عاطفة وكأنها تريد ان تخفف من ذكرى الالم الذي اعتصر عظامه وبشرة يده التي احترقت ولم يتبادلا الحديث ثانية حتى توقف الجميع لتناول طعام الغداء في مكان يقع عند منصف الطريق المؤدي الى الجبل وما كاد مارك يرفعها من فوق الجواد ويهبط بها الى الارض حتى احاط بها العديد من افراد العائلات الذين راحوا يقدمون لهما الوانا من الطعام.
انها نزهة تتسم بالمرح جلسا على العشب وراحا يلتهمان الخبز مع شرائح اللحم والزيتون الاسود ويحتسيان كوؤس الشراب وكانت الاغاني تتردد على انغام الموسيقى عندما حان الوقت للعودة سارا الى حيث كان يقف ادونيس بجوار الجدول وشعرت بيدي مارك تكتنفهما قسوة خفيفة فندت منها صرخة قائلة:
" مارك! "
قال لها:
" ايتها الساحرة الصغيرة عيناك في خضرة اوراق الشجر يتلألأ فيهما سحر يحطم قبضتي او يحيلني الى تمثال اصم "


تلاحقت انفاسها عندما جذبها بعيدا عن الجواد واختفى بها وراء صخرة كبيرة تتاخم الجدول وهناك اجفلت وغطت عينيها بيدها ومال مارك نحوها وارتكز بمرفقه على الصخرة وراح يتطلع اليها وتهدلت خصلات شعره الاسود فوق عينيه حيث تألق فيهما حيوية الشباب المتوحش وقام بحل جدائل شعرها واخذ يلف خصلاته حول عنقها الابيض وسألها عن رودري من جديد فقالت مدافعة:
" هذا موضوع ليس له مكان في يومنا هذا ارجوك انسى امر رودري وانا سأنسى امر تلك الفتاة "
وتوقفت عن مواصلة الحديث عندما ضاقت عيناه وازدادت حده وسألها:
" اي فتاة تقصدين ؟ "
قالت:
" انت تعرف ما اعنيه. الجميع شرعوا في الاستعداد للرحيل وخير لنا ان نرحل معهم "
القت رافينا نظرة متعجلة على وجهه المتجهم وحينما خطا خطوة واحدة اخذت في الدوران حول الصخرة هاربة منه وسارت حيث كان يقف ادونيس وكان الناس مستعدين لقطع نصف المسافة المتبقية التي تؤدي الى الكنيسة فوق الجبل وكانو يرددون ان الريح وحدها هي التي تدق اجراسها وبلا تفكير اسرعت نحو الجواد ووضعت قدمها على الركاب وسمعت صرخة عاجلة:
" رافينا..."
ظنت انها صرخة غاضبة فأمسكت بعرف ادونيس ليساعدها على امتطائه عندها تراجع الجواد الى الوراء ليلقي بها عن ظهره وقد تعلقت قدمها بالركاب وشعرها اللامع يتجرجر على الارض. تعالت الصرخات تنبه الى الخطر المباغت فأسرع مارك الى الجواد الذي ارتفعت ساقاه الاماميتان عاليا فأمسك باللجام ليكبح جماحه ويهدئ من روعه وفي الوقت نفسه سارع شاب لانقاذ رافينا التي كانت تعض شفتيها من شدة الالم.
اطلق مارك صراح قدم رافينا من قبضة الركاب ولم تستطع ان تكتم صرختها من الالم الذي نجم عن التواء كاحلها فناولها البعض قليلا من الشراب وقام البعض الاخر يغمس قطعة قماش في ماء بارد ثم عصبوا بها الكاحل. ابعد مارك خصلات شعرها عن وجهها الشاحب ثم قال:
" سأعود بك الى البيت "
امسكت بذراعه وقالت:
" لا..انني اريد ان احضر العيد "

قال غاضبا :
" عيد سعيد "
بينما كانت الوجوه تطل من فوق كتفه تمتمت امرأة تسأل البادرونسيتا ان تركب معها ومع اطفالها عربة العائلة. حاولت رافينا ان ترسم ابتسامة فوق شفتيها المرتجفتين ثم قالت:
" ارجوك يا مارك تخلص من الاضطراب الذي يكسو وجهك انت تخفيني اكثر مما فعله ادونيس بي "
قال:
" كان يمكن ان يسحقك الجواد بحوافره. ماذا كنت تحاولين عمله؟ هل كنت عازمة على الهروب ثانية! "
عضت شفتها وقالت:
" مارك...كل واحد منا يعترض طريق الاخر "
" هل تعترضين طريقي؟ "
حدثته بعينيها الخضراوان قائلة:
" اذا كنت ترغب في ان اقول لك نعم اذن هي نعم "
قال مارك:
" يوما ما سوف اصفعك يا رافينا "
وكان احدهم يعرف الانجليزية فأطلق ضحكة خافتة كسرت حدة التوتر الذي ساد الموقف فرفعها مارك فوق ذراعه وحملها الى عربة يقودها اتان هزيل تتطلع من فوقها روؤس اطفال صغار دفعتهم امهم جانبا قائلة لهم:
" افسحو المكان للسنيور "
وقدمت بطانية لتجلس عليها رافينا ثم اردفت تقول:
" ضعي قدمك فوق هذه الوسادة..يا سنيورا "
ابتسمت رافينا في وجه الاطفال الاربعة وقالت:
" شكرا انتم اكثر طيبة مما كنت اتصور "
وراحت رافينا تتطلع الى وجه مارك وبعد بضعة كلمات تبادلها معها استدار وسار الى حيث يقف ادونيس الذي نكس رأسه نحو الارض ورأته يعتلي السرج وعندما جالت ببصرها في العربة رأت طفلة صغيرة ترفع يدها الى وجنتها وكأن عيناها تسألان رافينا سؤالا فأجابتها برقة:
" السنيور...زوجي جرح وجهه في حريق "
قالت الطفلة:
" مسكين وجهه "

واشاحت رافينا بوجهها عندما احست بالدموع تكاد تطفر من عينيها وطفقت تقول لنفسها: اوه يا مارك اريد ان افهم السبب الذي يشدنا الواحد للاخر والدافع الذي يدفع الواحد الى الابتعاد عن الاخر! .
اخذ الاتان يسعى ويرتقي الممرات في الارجاء دقت الاجراس التي نصبت في برج الكنيسة .
قالت ام الاطفال الاربعة:
" اوشكنا على الاقتراب من الكنيسة "
ولاحت لهم جدران الكنيسة والبرج المخروطي الشكل والابواب المفتوحة ورأت رافينا جوادا اسود اللون فوق التل وفارسه جالسا على ظهره في هدوء تام يقف وحيدا تكتنفه العزلة وقد نأى بعيدا عن ضجيج الموكب ودقات الترحيب التي تعلنها الاجراس. تساءلت رافينا وهي تراقبه فيم يفكر هذا الفارس وهو جالس هناك هل يفكر في اخر مرة شاهد فيها الاحتفال ام المرة الاولى التي حضر فيها لاحتفال بصحبة دوناتا لابد انهما جلسا سويا فوق السرج وهما يرتقيان الطريق المؤدي الى الكنيسة ولابد انه كان يهمس لها على انغام دقات الاجراس: احبك يا دوناتا...سأحبك دائما. وفجأة ادار رأس جواده واقترب من العربة التي توقفت عند جانب الطريق وقال:
" مرحبا بك في كنيسة مادري روزاريا. سندخل فيما بعد لنشعل الشموع. اخبرني كيف حال كاحلك؟ "
انزلق مارك من فوق الجواد وبادر الى مساعدتها على مغادرة العربة وسمعا سويا صوتا هادئا يقول: " هالو.. "
التفت مارك نحو صاحبة الصوت فوجد الطفلة الصغيرة تتعلق بالتنورة الحريرية التي ترتديها رافينا فابتسم لها وقال:
" يجب ان اخذ السيدة معي! "
فاهتزت الابتسامة على شفتي الطفلة وقالت: " أوه.."
مال بجسمه على الطفلة ولمس برقة خدها وقال:
" انت ترين يا صغيرتي ليس معي احد يشاركني الاحتفال بالعيد سأكون وحيدا عندما يطلقون العابهم النارية "
" ليس عنك اطفال يا سنيور؟ "
" لا..ليس عندي اطفال ولكن السنيورة زوجتي تريد ان تشاركني مشاهدة الالعاب النارية هل تسمحين لي بذلك؟ "
ابتسمت الطفلة الصغيرة وهزت رأسها بالايجاب وتركت يدها التي كانت ممسكة بالتنورة الخضراء وحمل مارك رافينا وحينما تطلعت اليه وجدت

الابتسامة غامضة من وجهه وتحولت الى كآبة. لا شك ان الامر لا يمكن تجنبه كان وجود طفلة ساحرة لابد ان تذكره بابنه الذي فقده وعندما لوح بيده عادت النظرة المظلمة الى عينيه وقال:
" تعالي...يجب ان نجد مكان نمضي فيه الليلة ونقيم فيه الفراش حتى يدرك الاخرون اننا حجزنا مكاننا. هل تعرفين انه من الضروري ان نمضي هذه الليلة في احضان التل؟ "
هزت رافينا رأسها بالايجاب ورأت المصابيح بدأت ترسل اضواءها ودقات الاجراس راحت تدوي وتتردد اصداءها فوق الجبال وتلمس كل قلب بلمسة ساحرة وبعد قليل سوف تشتعل الاف الشموع فتبدد الظلام الذي يسود مدخل الكنيسة ولابد من مرور موكب حاملي المشاعل الذي تتقدمه صورة مادري روزاريا ويحملها احدهم عاليا حتى يتاح للجميع رؤيتها وسوف تخترق الالعاب النارية كبد السماء وتقام الموائد وتعزف الموسيقى.
كانت التلال شاهقة الارتفاع حتى لامست قممها النجوم التي كانت اضواءها تتألق في عيني رافينا.






***نهاية الفصل الثامن***

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العروس الأسيرة, روايات, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير المكتوبة, the unwilling bride, عبير القديمة, violet winspear, فوليت وينسبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t79055.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
1- ط§ظ„ط¹ط±ظˆط³ ط§ظ„ط§ط³ظٹط±ط© - ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ط¨ظٹط± - ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط¹ط¨ظٹط± ط§ظ„ظ‚ط¯ظٹظ…ط© … - طھظ…ط«ط§ظ„ ط­ظˆط±ظٹط© ط§ظ„ط¨ط­ط± ط§ظ„طµط؛ظٹط±ط© This thread Refback 16-03-16 10:05 AM
ط§ظ„ظ‡ظ…ط³ط§طھ ط§ظ„ظ…ط´طھط¹ظ„ط© ظ…ظ† ط±ظˆط§ظٹط§طھ This thread Refback 29-08-14 05:22 AM
sosoroman's Bookmarks on Delicious This thread Refback 07-10-09 02:33 AM


الساعة الآن 08:17 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية