لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-17, 09:07 PM   المشاركة رقم: 441
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


حبيباتي الفصل طويل جدا وبقسمه على ثلاث أجزاء
لهذا رجاء لا أحد يرد بعد ردي هذا لما تنزل أكمل تنزيل الفصل

حتى ماتفصل ردودكم بين أجزاء الفصل

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 18-10-17, 09:15 PM   المشاركة رقم: 442
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



الفصل العاشر

المدخل :

بقلم / برد المشاعر



فتحت الباب بهدوء وأدخلت رأسها تنظر أولا إن كانت مستيقظة

أم لا وابتسمت وهي تراها تمسك بكتيب الدليل الخاص بجامعتها

الجديدة فدخلت وأغلقت الباب وتوجهت نحوها قائلة بضحكة

" كيف وجدت الوضع على الورق؟ "

نظرت لها بعبوس متمتمة

" ثمانية ألاف طالب ويزيد !! ما كل هؤلاء البشر ؟ "

قفزت أمامها على السرير ضاحكة وقالت

" ومساحة الجامعة تسع كل ذلك ويزيد فلا تنسي أهميتها كإحدى

أفضل الجامعات في العالم "

ثم رفعت شعرها للخلف متابعة بحماس

" هل تصدقي أن نسبة القبول فيها تصل إلى ستة بالمئة فقط !!

هذا وهي تحوي كل هذا العدد ! أنتي محظوظة فعلا بأن كنت

ضمن طلابها فهم يقبلون ألفي طالب فقط من عشرون ألف متقدم

سنويا ، هذا ولم تتقدمي للامتحان أي طالبة مع مرتبة الشرف ،

كما أنك اخترت تخصصا سيساعدك كثيرا في استثمار أموالك

مستقبلا "

نظرت للورقة في يدها وتنهدت بصمت فهي لم تختر هذا التخصص

ولم تفكر فيه مطلقا وهو لا يشبه تخصصها هناك البتة وكانت

ستعترض لكنها فكرت بأنه الخيار الأنسب بالفعل من أجل مستقبلها

بما أنها ستكمل حياتها وحيدة ، ثم هي لا تريد التحدث معه ولا

مناقشته في أي أمر ، رفعت نظرها للجالسة أمامها حين قالت

بذات حماسها

" شقيقي كين يدرس هناك لينال درجة الماجستير وهو أحد أعضاء

اتحاد طلبة الكلية ، إنه من أكثر الاتحادات الطلابية نشاطا في الساحة

السياسية في بريطانيا ويشرف على معظم الانشطة الترفيهية في

الكلية كما أنه ثمة مجموعة إعلامية متكاملة تتبع له يصدر عنها

صحيفة أسبوعية وتدير إذاعة خاصة بها وقناة تلفزيونية أيضا "

قلبت أوراق الكتيب قليلا في يدها ثم نظرت لها مجددا وقالت

" تعرفين الكثير عنها ! "

ضحكت وقالت

" أخبرتك أن شقيقي من والدتي طالب مهم فيها بل ومهووس

بنشاطاته هناك ولم يكن يتوقف عن الحديث عنها وقد أخذني

لزيارتها أيضا ، شعبيته كبيرة هناك لقد أصابني الحول بسبب

التعرف على كل ذاك العدد من أصدقائه "

تنهدت بحزن متمتمة

" ليتك تدرسين هناك معي ، لن يكون الانسجام هناك سهلا "


سحبت الورقة من يدها وقالت

" هذا هو سبب مخاوفك فتوقفي عن قراءته وسيعجبك المكان

ما أن تدخليه صدقيني وسأكون معك في أول يوم لك هناك هل

يرضيك هذا ؟ "

قالت مبتسمة

" أجل يرضيني على الأقل أتعرف على المكان الضخم ذاك أولا "

ضحكت ونظرت جهة الطاولة فماتت ضحكتها وقالت بانبهار

" واااو مارية ما هذا ؟ "

وقفزت فورا جهتها ورفعت الهاتف الموجود هناك قائلة بعدم

تصديق

" هذا موديل العام في الهواتف المحمولة وثمنه مرتفع جدا

يقتنيه الأغنياء فقط ، متى خرجت لشرائه ؟ "

نظرت جهة النافذة وهمست بابتسامة ساخرة

" بل كان ظمن الأغراض التي وصلت "

لم تعلق على ما قالت تقلب الهاتف بإعجاب من مميزاته الحديثة ،

فتحت سجل الأسماء المخزنة فكان ثمة رقم واحد فقط مسحل بإسم

( تيم ) فحركت شفتيها بامتعاض ونظرت لملحقات الرقم وفتحت

الرسالة الوحيدة فكان فيها

( راسليني إن احتجت شيئا بخصوص الجامعة(


فرمته على الطاولة قائلة بضيق

" ما أسخفه من رجل متعجرف لم يكلف نفسه بقول اتصلي بي ،

لو كنت مكانك لتطلقت منه فورا "

أنهت جملتها تلك وتنفست بعمق تنظر للتي تهيم بنظرها جهة

النافذة بنظرة جامدة خالية من أي تعبير وهذا ما شجعها على قول

ما قالت ، تحركت وجلست أمامها مجددا قائلة

" ماذا حدث بشأن المصرف هل اتصلت بهم ؟ "

كتفت ذراعيها لصدرها وتنفست بعمق متمتمة ونظرها لازال هناك

" نعم وكان الرقم مطابقا لجميع الأوراق في المغلف ، كل شيء تم

بيعه تحول لأموال وضعت هناك ولم ينقص منها شيئا وتوقيع

محاميه هناك المدعوا أويس كان موجودا في جميع الأوراق "

قالت الجالسة أمامها باستغراب

" تعني أن كل هذه الأغراض والثياب وحتى الهاتف المحمول

ليس من مالك أنتي؟ "

حركت رأسها بنعم دون أن تعلق ونظرت للأسفل فتنهدت ساندرين

قائلة بعبوس

" هي من ماله إذا ؟ "

غاردت حينها الجالسة أمامها السرير وقالت

" ما رأيك في زيارة المكتبة مجددا ؟ أنا لم أراها جيدا المرة

الماضية "


قفزت من السرير قائلة

" جميل وأنا أحب ذاك المكان كثيرا فدعيني أغير ثيابي فقط "

وخرجت من فورها ونظراتها تتبعها حتى أغلقت الباب خلفها

فنقلت نظرها جهة الهاتف المحمول والمرمي فوق تلك الأوراق

ثم رفعت رأسها للأعلى تسجن الدموع في مقلتيها الواسعة

رافضة أن تنزل مجددا وتذكرت عبارتها تلك

( لو كنت مكانك لتطلقت منه فورا )

وابتسمت بألم ... لا تفهم لما الجميع يرى أن طلاقهما هو حلها

الأمثل ! فهل الجميع على صواب ووحدها المخطئة ؟


*
*
*

كانت جميع تلك الأوراق تمرر إليه وجميع البنود يناقشها وكأنها

جزء من أعماله اليومية التي يحفظها عن ظهر قلب وليست

جداول لأول مرة يراها مليئة بالأرقام ككراسة طفل منظم يتعلم

الرياضيات ! وكيف ستستغرب ذلك وهو من كانت أذرعه تحظر

جميع اجتماعاتهم ونقاشاتهم كجزء من ذاك الاجتماع وكأكبر

داعم لمملكتهم ولصمودها كل هذه الأعوام رغم النقد والطعن

والمحاربة التي كانت تتلقاها من الرافضين لمبادئها وللقضايا

التي كانت تدافع عنها ، دعم لم تتخيل يوما أن يتحول لنكبة

تلون حياتها بالسواد وحمل ثقيل عليها البحث عن بدائل له

لتتخلص منه .

رفعت نظرها مجددا جهة الجالس في الطرف المقابل من رأس

الطاولة والذي كان منتبها مع ما تقوله كل واحدة منهن رغم

يقينها من أنه يعلم بأن هذا ليس سبب اجتماعهم ذاك لكن أي

واحدة منهن لم تكن لتخمن ذلك ومن لم يستغربن وصول مبعوث

من الوزارة بعد رفض مديرة جمعيتهم القاطع لحضور الاجتماع

لكن أن يحضر هذا الرجل خصيصا ! أن لا يكلف غيره ولا الوزير

نفسه فهذا ما لم تتوقعنه والأعين تحدق به وكأنها تعيش حالة

ذهول قد أصبحت مبالغا فيها .

أشاحت بوجهها جانبا من جديد تتنفس أنفاسا كالسعير ، لا تفهم

هؤلاء النسوة لم يرين رجلا من قبل أم ماذا ؟ أليست اثنتان منهن

متزوجات وثلاثة مطلقات كرهن الرجال بجميع أجناسهم على حد

قولهن ! أم لا يرين خاتم الزواج الذي لا يحاول إخفائه البته يزين

يده اليسرى ؟ همست من بين أسنانها

" حمقاوات "

فلم ينتبه لذاك الهمس سوى الجالسة بجانبها والتي كانت وحدها

البعيدة عن ذاك الرجل وعن كل ما يحدث في تلك الغرفة ، ابنة

خالتها التي لا ترى إلا أنها أجبرتها على المجيء عبثا وأنها

أبعد ما يكون عما يقال في ذاك الاجتماع

" أرى أن مديرتكم لها أراء أخرى فيما قيل "

عادت بنظرها مجددا حيث صاحب النظرة الماكرة الموجهة

لعينيها تحديدا ... صاحب الصوت الجهوري بنبرته المبحوحة

والكفيل وحده بأن يجعل الجميع ينتبه له ، لا بل جميع الأعين

باتت تحدق بها ذاك الوقت وكأنهن اكتشفن حينها فقط وجودها

هناك وبدأت الأعين تحدق بمظهرها الذي لم يتغير رغم دخول

ذاك الرجل ! الشعر الحريري المتدلي على كتفيها كستارة سوداء

والذراعان العاريتان شديدتا البياض تتمسك بصمت الجدران حولهم

تشد قبضتاها بقوة فوق الأوراق تحتها تفرغ فيهما غضبا يشتعل

داخلها قد تستطيع إخفائه عن الجميع إلا عن الجالس هناك وقد

سحبت ذاك النفس العميق المستاء لصدرها بقوة مبرزا مفاتنه

من تحت ذاك القماش الحريري وبدأت الأسئلة تتقاذف بين تلك

الأعين والنظرات والتفسير بات وحده الأقرب للحقيقة ، أحنت

رأسها تتكئ بجبينها على راحة يدها وأصابعها البيضاء الرقيقة

تتخلل تلك الغرة التي بدأت تتحرر من قوس الشعر تخفي غرسها

لأسنانها في شفتها بقوة آلمتها غضبا من كل شيء حولها وأولهم

الجالس هناك والذي دفع كرسيه حينها ووقف مظهرا ذاك الطول

والجسد المتناسق مجددا وقد تحرك من مكانه حول الطاولة

بخطوات واسعة والأعين تتبعه باستغراب حتى وقف خلفها

مباشرة وشعرت بملمس يديه على بشرة ذراعيها فأغمضت

عينيها تخفي ذاك الارتجاف في جسدها لشعورها بملمس يديه

مجددا بعد كل هذه الأعوام وتنهدت بضيق فها هو ما كانت تخشاه

قد حدث بل وسريعا جدا ، وما لم تكن تعلمه بأنه كان يخبئ لها

الأكثر من ذلك بكثير حين انحنى قليلا متجاهلا شهقتها المكتومة

وهو يلف ذراعيه حولها وقبل خدها من فوق ذاك الشعر الحريري

مما جعل الأعين تجمد مكانها من الصدمة وهم ينظرون لهذا

المشهد وللرجل الذي يزيد من شد ذراعيه القويتان حول ذاك

الجسد النحيل الرشيق يهمس في أذنها مبتسما بكلمات تمنت كل

واحدة منهن لو تسمعها ، صدمة لم يخرجهم منها سوى رفعه

لنظره جهتهن قائلا بابتسامة مائلة

" هلا انفردت برئيستكم قليلا ؟ "


*
*
*

نظرت له بصدمة واقفة مكانها وكأنها لم تفهم بعد اللغة التي كان

يتحدث بها أو لم تصل المعلومة لدماغها ... يطردها !!

ليس الإهانة تعني فهي لن تستغرب ذلك منه لكن ما لا تستطيع

تصديقه أن يخرجها من سجنه وسجن شقيقها الليلي الذي عاشت

فيه كل عمرها دون أن يرف له جفن ولا أن يتساءل أين ستقضي

ليلتها هذه أم أنه يراقبها أيضا ؟ لا ... لا تضن ذلك فهو ومهما

حدث لن تعنيه كما شقيقها ومتيقنة من أنه لن يتمنى لها إلا السوء

والأسوء ولن تستبعد حتى أن يكذب على الذي سيصدقه بسهولة

ويكذبها هي .

حملت أكياسها كما كرامتها معهم فهي لن تترجاه لتركها هنا حتى

تستلم سكنها الجديد وإن نامت على رصيف الشارع وهذا أول ما

أعلمه لها هذا الرجل وسريعا جدا أن غيسانة التي تذل نفسها من

أجل المال والمأوى قد اختفت وللأبد .

أدارت ظهرها له مرفوعة الرأس عامدة ليوقفها صوته البارد
المتعجرف

" ومفتاح سيارتي أيضا "

كتمت غضبها كما غيظها وحقدها ورمت الأكياس من يديها بقوة

وفتحت حقيبتها وأخرجته منها ثم نزعت منه علاقة المفاتيح التي

تحمل اسمها ورمته على الأريكة وحملت أكياسها وغادرت من هناك

دون أن تسأل أو تنطق بحرف وتركته واقفا مكانه مكتفا ذراعيه ينظر

لها بجمود ولم تسمع منه كلمة تراجع وإن كانت غاضبة كما توقعت

ولا حتى ( عودي هنا أيتها الخسيسة ) بل لم ينطق بحرف حتى

خرجت ! نظرت خلفها مفزوعة حين ضرب باب الشقة الخشبي الثقيل

بقوة رجل حروب كاد معها أن يسقط قلبها أرضا فبصقت جهة الباب

متمتمة " سحقا لأمثالل "

ثم أنزلت كتفيها متنهدة بعجز فأين ستذهب الآن وما ستفعل ؟

لا صديقات لديها سوى فآبيانا التي تسكن هنا معها وأنجيلا التي

لن تستطيع زيارتها وقضاء الليلة عندها بسبب زوجها فهو يعمل

في الكنيسة وأفكاره متزمتة وسيعرضها لتحقيق طويل ونهاية

الأمر سيطلب من صديقتها أن تصرفها بأدب وأي أذنب في طرد

الشخص علانية ؟

شدت على أسنانها بقوة هامسة

" وهل ترك لي ذاك الشقيق فرصا لأكون صداقات ؟ هما صديقتان

فقط يعلم أن الانحراف ينحرف يسارا حين يصل عندهما "

توجهت جهة عتبات السلالم المؤدية للسطح وصعدتها حتى

المنتصف ووضعت أكياسها هناك فلا حل أمامها فحتى عمها

سافر أيضا ولا أقارب لها غيرهم فقط خالة والدتها التي تسكن

في أقصى الريف ولا يمكنها الوصول لها ولا رؤيتها ومنذ طفولتها

لم تحب الواحدة منهما الأخرى وكانت تتنقدها في كل شيء وتصفها

بالمدللة الغبية فكيف الآن وتلك الخالة أصبحت عجوزا فهي لم

تراها منذ جنازة والدتها ولن تنسى تلك العبارة التي قالتها لها

( الموت يفترض أن يكون موعظة لضعاف النفوس ولمن لا دور

لهم في هذه الحياة علهم يتحولون لطاقة إنتاجية وأن يعتمدوا

على أنفسهم )

تأففت وجلست على إحدى تلك العتبات الرخامية تطرد كل تلك

الذكريات من دماغها فهي لن تلجأ لها في جميع الأحوال ولا

لغيرها فلا مال لديها لطلب سيارة أجرى ولا نقود للمبيت في

أحد الفنادق فقد أنفقت جميع ما تملكه من أجل شراء الثياب ،

سحبت أحد الأكياس جهتها ووضعته تحتها وجلست عليه فلم

يعد يمكنها تحمل برودة الرخام تحتها فالجو يبرد ليلا حد التجمد

وهي لبست ملابس ربيعية خفيفة نهارا من أجل تلك المقابلة .

وما أن مر بعض الوقت حتى أصبحت جميع تلك الثيات ملتفة

حول جسدها المرتجف من البرد تحاول تدفئته ولو قليلا لتستطيع

النوم فهي لم تنم منذ الصباح الباكر


*
*
*


ازدادت ابتسامتها الساخرة اتساعا وهي تنظر للذي رفع نظره

لوجهها ببطء شديد حتى التقت نظراتهما فرفعت ذقنها ونظرت له

نطرة لم تحكي الكره والحقد فقط بل وأعوام طويلة من الألم

والمعاناة ، ولم تستغرب نظرته الجامدة آن ذاك وأن لا يصدر

عنه أي ردة فعل فرجل كضرار سلطان لن تتخيل أن يخونه ذكائه

بذاك الشكل المخزي وأن لا يفهم حقيقة صوت المرأة الذي سمعه
في الهاتف ما أن يكون هنا ويطلع على حقيقة ما حدث ولا أن يفكر

للحظة أن حفيده المبجل ذاك قد يخطئ مع امرأة وإن رآه بعينيه في

حضن إحداهن ، وما صمته عن كل ما حدث هنا منذ قليل إلا ليقينه

من أنها تسمعهم مثله تماما ، وإن كان يتخيل بأن ما حدث يؤثر

بها فهو مخطئ كل الخطأ فما شهدته حياتها أسوأ وأفظع من هذا

بكثير ، لم تعتاد يوما على أن تعامل بلطف .. برقة .. بعطف منذ

تركت حضن جدتها ومن ثم ذاك المنزل وتلك العائلة الصغيرة ،

لذلك هي لا تعرف أن تحب أحدا لأنها حرمت ذلك كل عمرها ..

لا تصدق أحدا ولا تثق بأحد ... ذاك الموجود بين أضلعها مات

وانتهى منذ تركها هذا الرجل وقبلها جدتها ووالدها ....

( ابن الزنا ) هذا ما ألصقه به قبل أن يختفي من حياة تلك المرأة

التي توجوها وابنها بذاك اللقب وبجدارة ليحمل ابنها اسم والدها

ويصبح شقيقها في نظر القانون بدلا من ابنها فأي مهزلة تلك

وأي تاريخ ؟

لن يفهم هذا الرجل ما عاناه ذاك الابن ووالدته من قبله وهي

تطرق أبواب الناس تبحث عن أي شيء تفعله لتسد حاجتها وهي

تحمله في أحشائها ويرفض الجميع أن تتخطى عتبة تلك الأبواب

كما رفضت كل حياتها أن تتسول قوتها أو تأخذ صدقة من أحد

فاختارت أن تعمل في أراضي الحالك تحفر التراب بيديها فوق

حملها وتعبها وجوعها لتقتات القليل ، صبرت وعانت وتحملت

الكثير كل ذلك بسبب الجالس أمامها الآن من كان سبب دموع

والدها قبل أن يموت بساعات وهو يدعوا على نفسه بالموت ،

عبارة وجدتها ضمن الأوراق التي كتبتها جدتها بخط يدها ولن

تنساها ما عاشت ( زيزفون ليست من حق رجل تسبب بتمني ابنه

للموت قبل أن يأتيه بساعات ودموعه تسقي لحيته )

" ليس لأني أشبه جدتي بالتأكيد فلست أعتقد بأن ضميرك قد

آلمك يوما "

خرجت من صمتها مجددا لتصفعه الصفعة التالية دون رحمة ولا

خوف ، وما الذي بقي لها تخشاه وتخافه ... ؟ لا شيء ولا أحد

فهي خسرت حتى نفسها ولم يبقى إلا الموت ومرحبا به متى شاء ،

رفعت ذقنها أكثر وقالت بابتسامة ساخرة

" أشبهها أليس كذلك وفي كل شيء ؟ أشبهها قبل أن تدمرها

وتحولها لعجوز لم تصل العشرين عاما بعد "

تحولت الزرقة في مقلتيها لغيوم رمادية قاتمة وهمست بحقد

" قبل أن تحولها لفاجرة في نظر الجميع ، قبل أن تحكم على

ابنها بالنبذ كلقيط وقبل أن ترمي بابنته للوحوش أليس كذلك ؟ "

لم يعلق مثلما لم يزح نظراته الثابتة عن عينيها وذاك كان آخر

ما يعنيها فهي لا تريد سماعه وليس يعنيها ما سيقول فلا مبررات

تشفع له مهما قال وتعلم أنه لن يفعل ذلك وليست تهتم فكل ما تراه
أمامها ذاك الوقت السبب الأول لعذابها ولكل ما قاسته منذ ولدت

وحتى اللحظة ... ترا جحيما فقط تشعر به يشتعل في جوفها مدمرا

كل ما فيه ، رفعت السكين من أمامها ورفعت معصم يدها الأخرى

وغرست رأسه في طرفه تشد على أسنانها بصمود وتنظر له بكل

ما عنته كلمة كره في قواميس اللغات وهمست وهي تخرجه وقد

سالت قطرة دماء حمراء على ذاك الساعد الثلجي

" قسما أن تذوق كل ذلك يا ضرار سلطان وأن تتمنى الموت الذي

تمناه ابنك قبل موته وأن تجرب دموعه تلك وأن تذوق ما أذقته

لجدتي ولي ، سأفعلها وإن قطعت أطرافي ورميت بي في الشارع ...

لن أموت تأكد من ذلك وسآخذ بحقهم جميعا وأولهم أنا "

وقفت بعدها وغادرت المكان بخطوات بطيئة كروح طليقة كشبح

امرأة ظهر من الماضي ورحل له والدماء بدأت ترسم بقعا قانية

خلفها تتسرب من رؤوس أصابعها وليست تهتم لها فأنثى مثلها

آخر ما بات يعنيها هو أن تموت .

"جدتك من كذبت بشأنك كي لا آخذك منها "

وقفت مكانها ما أن وصلتها تلك الكلمات والتفتت بكامل جسدها

ناحيته تنظر للجالس مكانه منزلا رأسه للأسفل وقد شكل الظلام

النسبي ظلا أسودا على وجهه فلا يظهر منه سوى أنف عائلة آل

ضرار الارستقراطي المستقيم ... لكن المعضلة ليست هنا بل في

النبرة الهادئة التي تحدث بها وجعلتها تتجمد مكانها ! ضرار

سلطان عنوان القسوة والجبروت ! من لم تسمع له صوتا إلا

آمرا أو غاضبا وحازما منذ دخلت هذا المنزل ومع الجميع في

كل خروج لها من جناحها السابق متسللة !! شدت قبضتها بقوة

لتتقاطر تلك الدماء من مفاصلها وقد وصلها صوته مجددا حين طال

صمتها

" أرادت الاعتناء بك فلم أرغب في حرمانها منك "

ابتسمت بسخرية ابتسامة تشبه الموت البطيء قبل أن تتحول

لقهقهة أنثوية مرتفعة وهي ترفع رأسها للأعلى مما جعله يرفع

رأسه وينظر لها ، كانت ضحكة أقرب للشر والحقد والكراهية

منها للسخرية أو حتى القسوة ، توقفت فجأة وأنزلت رأسها

ونظرت له وقالت تشير لنفسها بسبابتها

" هذه أنا فماذا عنها هي ؟ ماذا عن ابنك منها ؟ "

ثم أشارت لوجهه وتابعت بحقد

" ألم تعلم الحقيقة ؟ ... ألم تصبح بريئة أمام عقلك المريض

وبالدليل القاطع فلما ذهبت تبحث عن حفيدتك فقط ؟ عن نسلك ..

عن مجدك وتركتها هي للجوع والموت والحروب "

أشارت له أكثر بسبابتها الملطخة بالدماء وصرخت بعنف

" لن يرضيني فيك سوى أن تموت كما ماتت هي أمام عيناي

وأن تموت كما مات ابنها أمام عينيها "

وتابعت وقد أشارت لنفسها تضرب بطرف سبابتها على صدرها

ضربا

" وأن تموت كما مت أنا أمام نفسي قبل الجميع ... قسما أن يحدث

ذلك وأنا ابنة اسحاق ابن نسيبة الخماصية "

غادرت بعدها المكان بذات تلك الخطوات البطيئة الخافتة انثى تسير

كفراشة بيضاء في أروقة ذاك المنزل الواسع لكن ما تخلفه بعدها

دماء ودموع تقاطرت من طرف فكيها فمن قال أن الكره والحقد

مجرد وحش إن حررته تخلصت منه للأبد ؟ لا ذلك ليس صحيحا

فالوحش في داخلها بات أضخم وأعظم وأقوى وما كان فتح القفص

عنه سيخرجه ولا حتى بدمارهم جميعا .

وصلت غرفتها وهي تستند بكل ما مرت به قرب بابها ولازالت تلك

الدموع الصامتة تسقي وجنتيها وثيابها والأرض تحتها ، تمسكت

بطرف الطاولة منحنية للأسفل قليلا ويدها الأخرى تمسك ياقة

فستانها المفتوح بقوة فحتى الهواء أصبح يشح على رئتيها ...

الظلام يتسلل للمكان شيئا فشيئا والدخان الأسود يملأ المكان ...

الأرض ليست ذاتها ! الجدران اختفت والبرد يشتد ! حتى المكان

تغير تماما ... أخشاب محترقة تربة مبللة بالأمطار وروائح عفنة

بشعة ! رفعت رأسها قليلا تتحرك حدقتاها بذهول واتسعت عيناها

الزرقاء الدامعة بذعر وهي تنظر لصاحب الثياب الرثة والملوثة

بالرماد الواقف هناك .... صاحب الابتسامة البشعة الكريهة التي

زادت خطوط وجهه المظلمة عمقا وقسوة وهو يمد يده ناحيتها

وبصوته الخشن الكريه

" تعالي يا زيزفون ، هيا يا صغيرة ... أنتي بأمان معي أنا فقط

فلا أحد غيري يحبك ويهتم بأمرك ... هيا تعالي "

" كااااااااااذب "

صرخت فيه بأعلى صوتها وبدأت برفع قطع تلك الأخشاب ورميه

بها تصرخ مهددة له وهو يقترب منها ضاحكا دون أن تصيبه أي منها


*
*
*
وقفت مبعدة يديه عنها ما أن اغلق الباب خلف آخر الخارجات

من ذاك المكان والتفتت ناحيته قائلة بغضب

" ما هذا الذي تفعله يا مطر ؟ وما الذي جاء بك هنا ؟ "

مد يده لقوس الشعر ونزعه محررا بذلك باقي غرتها التي تناثرت

حول وجهها فورا ورماه على الطاولة وقال ببرود

" بما أنه لا وجود لشيء في قاموسك يخصني يحمل مسمى النوايا

الحسنة فالسؤال الأول لا جواب له عندي ، أما الآخر جوابه لديك

فما الداعي لهما ؟ "

شدت قبضتيها بقوة وغضب وهمست من بين أسنانها

" متعجرف "

همس لم تتخيل أن يصله ولم تهتم أيضا حين علمت بذلك فهذا

هو لم تغيره السنين لازال الرجل الذي يتنفس غرورا وكبرياء ..

كتلة من السيطرة والاعتزاز بالنفس مثلما لازالت هي ذاتها الغبية

مبعثرة المشاعر .. لازالت الحمقاء الجاهلة بالرجال فقط حين تقف

في مواجهة هذا الرجل مثلما لازالت الغيورة البلهاء التي ترفض

اقتراب النساء منه حد الجنون ، فلما وحدها من تشعر ووحدها

تعاني وهي فقط من يوجد وسط أضلعها قلبا أحمقا ؟ كانت تلك

الأفكار تدور في رأسها دون توقف تنظر لعينيه بغضب ليس منه

فقط بل ومن نفسها قبله فالموت أرحم لها من أن ترتمي في

حضنه مجددا مهما اشتاقت له واحتاجت لدفئه وحنانه ، تحرك

نحوها ما أن انتقلت نظراتها من عينيه لصدره العريض فابتعدت

متراجعة للخلف وقالت بضيق

" فقط لأني تربية شراع صنوان لكنت أهنتك أمامهم "

زادت خطوتين للوراء حين اقترب أكثر دون أن يعلق حتى

التصقت بالجدار وقالت بأمر

" مطر ابتعد عني "

صرت على أسنانها بغضب مكتوم حين ارتفعت ضحكته مالئة

المكان وسند يده بجانب رأسها على الجدار وقال بابتسامة جانبية

ناظرا لعينيها القريبتان منه

" لست أصدق أنك تخافين اقترابي يا غسق "

نظرت لحدقتيه السوداء مباشرة وقالت بقوة وإن زائفة

" لست أخافك بل لا أريد "

أبعد حينها نظره عن عينها ورفع رأسه عاليا ونظر للسقف فتنفست

بقوة وعمق ، تعلم أن عبارتها تلك جارحة وودت لو أضافت حرف

الكاف لآخر كلمة فيها ليكون الجرح أعنف وليعرف معنى الرفض

الذي عاملها به لأعوام بل ومن قبل رحيله من البلاد لكنها لازالت

تربية شراع صنوان مثلما لازال هو زوجها ... حقيقة لا مناص

منها وإن كرهتها .

عاد بنظره لعينيها مجددا وقال بقسوة

" لن أسمح لجنونك أن يدمر العمران يا غسق ، لن أسمح لك بأن

تقطعي كل تلك الأرزاق وتشردي العائلات المحتاجة لها فقط لتثبتي

غرورك ولتنتقمي من مطر شاهين ، توقفي عن الجنون وفكري في

مصلحة الجميع "

قالت بإصرار

" ليس ما أفعله جنونا ولا يحق لك التدخل فيه ، أنا لا أريد أموالك

ولا دعمك ومملكة الغسق ستستمر وثمة الكثيرين غيرك على

استعداد لدعمنا "

ضرب كفه على الجدار بجانب وجهها وصرخ فيها

" لدعمكم أم لدعمك أنتي يا غسق ؟ غبية أنتي أم تدعين ذلك فقط ؟

هل فكرت في سبب قبول عروض المساعدة تلك ؟ "

شدت قبضتيها وقالت بضيق

" لأننا ندافع عن قضية حقيقية ولأنهم المستفيدون ماديا أيضا

بل وإعلاميا "

صرخ فيها مجددا وقد بدأ يفقد أعصابه وبروده درجة الخروج

عن السيطرة

" هراء ... أي منافع مادية هذه التي تتحدثين عنها وأرباحهم ستكون

مضاعفة إن استثمروا تلك المبالغ في أماكن أخرى وهم سيقدمون

نصف تلك العائدات كهبات للعائلات المحتاجة ؟ لا يخبرك عقلك

يا غسق أنه ثمة من يضع مالا في مكان ويمكنه استثماره بأرباح

مضاعفة في مكان آخر ، الهبات والحملات التبرعية وغيرها لا تكلف

كل هذا .. لا أحد يدفع المال كهبة لغيره .. ليس الجميع يحمل قلبك

أنتي "

هي من أبعد نظرها عنه هذه المرة وليس لأن كلماته جرحتها بل

لأن قربه منها بهذا الشكل بدأ يبعثرها تدريجيا .. رائحة عطره ..

جسده .. ملامحه القريبة وأنفاسه الغاضبة المداعبة لوجهها ، هي

ليست ندا لحرب كهذه تعرف نفسها جيدا لكنها لن تستلم لعواطفها

مجددا ، أغمضت عينيها دون شعور منها حين شعرت بملمس

أصابعه على ذقنها وقد أدار وجهها ببطء جهته مجددا وكأنه

استطاع قراءة ما يدور في ذهنها ، رفعه له ينظر لملامح وجهها

الفاتنة التي لم تغيرها السنين ، سحب نفسا قويا لصدره وأخرجه

ببطء وقد أغمض عينيه لبرهة هامسا لنفسه

( يا حر صبرك عليها يا مطر )

تسللت أصابعه لفكها يشعر بملمس بشرتها الناعمة وخصلات

غرتها الحريرية تداعب ظهر أصابعه وقد بدأت أنفاسها تفقد السيطرة

فكانت كمغناطيس جذبه بقوة وسريعا وقد أحنى رأسه يمينا لخدها

وما أن شعرت بملمس شفتيه فتحت عيناها مجفلة فوضع أصبعه

على شفتيها وهمس بأمر " اشششش "

ثم أدخل يده الأخرى في جيبه وأخرج منها شيئا رفعه أمام

نظراتها المصدومة وضغط على شفتيها بسبابته أكثر ما أن

حاولت التحدث مجددا وهمس بصوت رجولي عميق حازم

" لا تتحدثي أو قسما لن أرحم هذه الشفتين مني قبل نصف ساعة "

فلاذت بالصمت فورا تشعر بخديها يشتعلان احمرارا بسبب ما قال ،

أدار خاتم الزواج حتى كانت قطعة الألماس المتوهجة تلك في

الأعلى وقال ناظرا لعينيها

" أثبتي لي ما قلته سابقا يا غسق "

نقلت نظرها منه لعينيه وهمست بأحرف قطعتها أنفاسها
" م ج ن و ن "

ابتسم من فوره وهمس ناظرا لعينيها

" لن يلمس رجل شعرة منك وأنا حي أتنفس يا غسق فليفهم

الجميع ذلك "

كان عليها تجاوز كل ذلك بسهولة .. ابتسامته .. تملكه الرجولي ..

وسيطرته الفريدة من نوعها .. فالحرب حربها ولن ترضى بأن

تخسرها أبدا ، قست ملامحها الجميلة وقالت بضيق

" حدد أغراضك من هذا فيبدوا أنها كثيرة "

خرجت منه ضحكة صغيرة مكتومة وقد قبض على الخاتم في يده

ومد يده الأخرى ليدها ورفعها وألبسها إياه ثم رفعها لشفتيه

وقبلها ناظرا لعينها ثم مررها تحت ذقنه قائلا

" كلاهما يؤدي لذات النتيجة فليثبت كل واحد منا ما يريد "

أثارت لمسته تلك حواسها بقوة وأنهكتها من الداخل فاحتاجت لكل

ذرة قوة وصمود لتقاومة وهي تسحب يدها منه قائلة بضيق وإن

كان قلبها يئن بين أضلعها

" بعد عرضك الوقح اليوم أمامهم وذاك الخاتم في يدك لن يكون

لهذا أي داع "

أمسك بيديها وأدارهما خلف ظهرها ولم تجدي مقاومتها له شيئا

فقد استطاع تثبيتهما بيد واحدة فقط للخلف وحاصرها بجسده

الرجولي القوي واتخذت الحرب معه منحى آخر تماما وهذا ما

كانت تتوقعه وتخشاه وها قد حدث ، هي الحمقاء السبب فيه

فقد سمحت لمشاعرها الغبية أن تظهر للسطح ، اتكأت برأسها

للأعلى على الجدار خلفها فتدرجت بحركتها تلك غرتها الحريرية

للخلف وشدت على أسنانها حتى كادت تحطمها حين ارتفعت

أصابعه لقميصها الحريري وفك أول زر فيه ونظر لعينيها قائلا

بابتسامة جانبية

" تعلمين جيدا أن ما حدث هنا لن تخرجه سيدات إدارتك فتوقفي

عن المراوغة "

ضربت رأسها للخلف قليلا مع حركة يديها المقاومة محاولة

الفكاك ودون نتيجة فهمست بضيق من بين أنفاسها

" لازلت تلعب بغير نزاهة يا مطر "

لمعت عيناه بسخرية وقال وأصابعه تفتح الزر الآخر

" لمعلوماتك إذا أن النزيه مع النساء هو من يخسر دائما "

أغمضت عينيها لبرهة هامسة بتوعيد

" مطر لا تفتح على نفسك بابا أنت من سيكون الخاسر فيه "

ابتسم بتسلية وكأنه وصل لما يصبوا له منذ البداية وهو إخراج

غسق الماضي من جديد وهذا أكثر ما بات يعشق فعله ، أدخل

أصبعيه في ياقتها المفتوحة متعمدا لفتح الزر الثالث واقترب

من أذنها هامسا

" متأكدة من أنك أرضعت ابن شقيقك عاما كاملا ! "

عضت طرف شفتها بقوة وأحنت رأسها تغمض عينيها بشدة حتى

لامس جبينها صدره وباتت في حضنه رغما عنها ، كانت من

الضعف أن اقتربت من الهاوية وكادت أن تترجاه بضعف ليتركها

لولا تلك الطرقات القصيرة على الباب قبل أن يفتح فجأة مما

جعله يبتعد عنها بحركة واحدة سامحا للهواء بالتسلل لرئتيها

مجددا تدفعه وتخرجه بقوة وقد بدأت تعيد سريعا إغلاق أزرار

قميصها ثم ترتيب خصلات غرتها تنظر للأرض هربا من الواقفة

هناك والتي كان سهلا عليها أن تدرك أي وضع ذاك الذي كانا فيه

كما أن تلون وجهها وحمرة الخجل جعلتهما يدركان بسهولة أنها

فهمت ما يجري فنظرت للأسفل وقالت بتوتر

" ماذا بشأن الاجتماع يا غسق فالسيد سليمان وشريكاه من

المفترض أن يكونوا هنا بعد نصف ساعة من الآن "

وهذا كان ما خططت له أن يحظروا النصف الآخر من الاجتماع

بعد أن توضح لمجلس إدارتها الوضع الجديد والخطط المستقبلية

لكن الواقف بجانبها الآن والذي يضغط بقوة على أصابع يدها حيث

ذاك الخاتم أفسد كل شيء وها هو يذكرها الآن بالتحدي الذي

أجبرها على خوضه والتراجع فيه يعني الخسارة وهذا ما لن ترضا

به أبدا ، حاولت سحب يدها منه مجددا ولم ينجح الأمر فتأففت

بصمت وقالت مكرهة

" اعتذري منهم "

ترك حينها يدها وتحرك جهة الباب حتى وصل عند التي تنحت

بكل أدب للداخل ليخرج فوقف ونظر خلف كتفه حيث الواقفة

مكانها وقال موجها حديثه للموجودة قربه

" أفهمي ابنة خالتك أن ما تنوي فعله ليس في صالح الجميع

وأولهم هي وأن لعبة المال أكبر من أن تخوضها امرأة "

وغادر من فوره كما دخل كتلة من الكبرياء وعاصفة من العنفوان

الرجولي ... رجل وكأنه وجد فقط ليكون بطلا من الخيال لا ينافسه

في تلك الرجولة أحد بقدرته على إثارة العواطف وقدرته على

الاستفزاز برجولته الفياضة .

تبعته بنظراتها حتى خرج ثم نظرت للواقفة مكانها عند الجدار

وقالت متنهدة

" آه غسق بربك كيف جعلته يتزوجك ؟ رأيت رجلين بالأسفل

وما أن علمت أنهما من رجاله كدت أفقد وعيي بسبب شخصيتيهما ...

ما هذا بحق الله ؟ "

ثم تحركت من مكانها واقتربت منها ما أن سحبت الكرسي وجلست

عليه وقد دست رأسها بين يديها ترفع بأصابعها الشعر الذي تناثر

مع حركتها للأسفل ، جلست في الكرسي المجاور لها وأمسكت

بكتفها قائلة

" غسق ما الذي حدث بينكما ؟ متى تزوجتما مجددا ! "

خرج صوتها الهامس بسخرية دون أن ترفع رأسها

" تزوجنا !!! نحن لم ننفصل يا جليلة لنتزوج ، غسق قدوة

مطلقات مملكة الغسق ليست مطلقة ... تصوري !! "

مسحت على شعرها وقالت بابتسامة تخللت ذاك الصوت الحزين

" لن يليق بك رجل غيره يا غسق ولن يفهمك رجل إلا مثله ،

لن تتصوري ما قيل عنه بعد خروجنا من عندكما ، لو كنت

مكانك لاقتلعت ألسنتهن قبل أعينهن "

رفعت رأسها ونظرت لها وقالت بضيق

" لا أعلم لما تدافعون عنه جميعكم ؟ لما لا ترون ما فعله بي ؟

هل لأنه مطر شاهين تمسح له الزلة تلو الأخرى ؟ "

وقفت الجالسة أمامها مجددا وقالت بأسى

" بل لأنه رجل يتمسك بامرأة وأمثاله قليلون في هذا الزمن "

ثم غادرت ونظراتها الحزينة تتبعها حتى خرجت ، لو تعلم فقط

ما يحدث معهما ! نظرت

للخاتم في يدها ونزعته بعنف ووقفت وغادرت المكان أيضا وكل

ما تحاول فعله نسيان ما حدث في ذاك المكان بجميع تفاصيله ،

سندت يدها على طاولة مكتب سكرتيرتها حين سرت تلك الرجفة

في عمودها الفقري وجسدها يتجاوب لا شعوريا مع ذكرى

لمساته ، رفعت غرتها بعنف هامسة من بين أسنانها

" الوقح "

ثم رفعت نظرها بالجالسة خلف المكتب تنظر لها باستغراب وقالت

" أريد أن يرتب الحفل السنوي ليكون نهاية هذا الأسبوع ، سنجمع

خلاله حلفائنا الجدد يا راوية فأريد اهتماما شديدا بالأمر "

حركت رأسها بالموافقة فورا وقالت

" سنعمل جميعا من أجل ذلك كوني مطمئنة سيدتي "

غادرت من عندها جهة مكتبها تشد قبضتها على الخاتم فيها

بقوة وضربت الباب خلفها هامسة

" سنرى إذا يا ابن شاهين من منا الكاسب نهاية الأمر "


*
*
*

شد قبضتيه على المقود بقوة وبالكاد يرى الطريق أمامه بسبب

الأمطار وحركة مساحات السيارة كل ثانية فبالرغم من أنهم في

فصل الربيع إلا أن تلك المناطق الريفية في طريقه لا تتوقف

الأمطار فيها تقريبا حتى فصل الصيف ، لولا أهمية حظوره هناك

ما غادر ، يشعر بأنه يحتاج لأن ينام باكرا هذه الليلة فأمامه عمل

كثير في المحكمة صباحا كما أن بقائه في ذاك المنزل أصبح خانقا

له ، يشعر بأنه يبتعد عن جميع من في تلك العائلة وينفصل عنهم

وكل واحد منهم ينتقده بطريقته ويراكمون الأخطاء ثم يرمونها

عليه ... الجميع على صواب وهو المخطئ حتى نجيب وجمانة ،

بل وحتى وقوفه في صف زيزفون بات خطأ بشعا ، لم يعد يفهم

أحدا منهم فإن وقف مع المظلوم أصبح ظالما وإن وقف ضد المذنب

صنفوه مذنبا ! أمور حتى في القضاء لم يمر بها يوما فسحقا

لقوانين البشر وزوايا نظرهم المحدودة ، ابتسم بسخرية وهو

يتذكر لقائه بزوجة والده وقت خروجه صباحا من غرفة زيزفون

حين قابلته بتلك الابتسامة الساخرة الكارهة قائلة

" أرى أن قدميك قد اعتادتا على الركض خلفها حيث تكون ؟

زوجتك في الأعلى يا وقاص فابتعد عن زوجة ابني الذي يكون

شقيقك إن نسيت ذلك "

ضرب بقبضته على المقود وشتم بهمس فها هو يتهم بالخيانة

مجددا ، لا يرغب في شيء الآن أكثر من مغادرة ذاك المنزل

وبشكل نهائي ... فقط يحررها منه ويتحرر هو من زوجته تلك

ثم سيبتعد وللأبد فقد سئم لعب دور الابن المثالي والزوج

المراعي المضحي والمذنب الوحيد ... رجل المهام الصعبة

والمخطئ وقت لا يجدون شماعة لأخطائهم ، سئم المثالية بجميع

أنواعها ويريد أن يتحرر بالفعل أن يعيش كبائع مجلات أو ساعي

بريد على ذاك السجن المرفه القاتل .

نظر جهة الكرسي بجواره ولشاشة هاتفه المحمول الذي ارتفع

رنينه فوق صوت ارتطام المطر بنوافذ السيارة وعقد عاجبيه

مستغربا فلما ستتصل الآن ؟

مد يده لهاتفه سريعا فهو سبق واشترى لها واحدا تخفي أمره

عن الجميع لتستخدمه وقت الضرورة فقط فلن تتصل به الآن عبثا !!

ما أن فتح الخط ووضعه على أذنه حتى وصله صوتها الباكي

ومن قبل أن يتحدث " سيدي ... تعالى بسرعة ... أرجوك قبل

أن تؤذي نفسها "

رمى الهاتف دون حتى أن يستفسر منها عن أي شيء وأدار

مقود السيارة بقوة كادت أن تنزلق معها عن الطريق المبلل

ويفقد حياته للأبد ، لا يعلم ما حدث لكنه يعرف جيدا معنى أن

يكون الشخص نزيلا لمصحة نفسية لوقت طويل ثم لا يعيش

بعدها إلا على المهدئات درجة أن لا يستطيع النوم إلا بها ، كيف

تجاهل بأنها المرة الأولى التي تخرج فيها من عزلتها وتحتك

بالعائلة ؟ كيف نسي تلك النظرات التي كانت توجهها لجده ؟

لا يمكنه أن يتخيل أن يكونا تواجها ؟ أيعقل أن تكشف سرها

أمامه أيضا ! فماذا حدث ماذا ... ؟!

ضرب بيده على المقود شاتما بهمس " تبااا ... "

وزاد من سرعته متجاهلا أي مخاطر قد تنجم عن ذلك ولا يرى

هدفا أمامه إلا الوصول وعبارة واحدة تتكرر في عقله

( قبل أن تؤذي نفسها ... قبل أن تؤذي نفسها )

فلما وهي لم تفعلها سابقا ! زاد من ضغطه على المكابح

وسيارته تبتلع الطريق مسرعة حتى وصل ولا يعلم كيف ولا متى

كل ما يعرفه أنه أصبح أمام باب المنزل أخيرا فنزل وضرب باب

السيارة خلفه ودخل راكضا وتوجه جهة غرفتها فورا ، فتح

الباب على اتساعه ووقف يتلقف أنفاسه ينظر بصدمة للغرفة

التي كانت وكأن إعصارا مر عليها وللواقفة وسطها تبكي ممسكة

فمها وعبراتها بيدها قبل أن ينقل نظره جهة باب الحمام المغلق

حيث الصراخ والبكاء قبل أن يتحول لأنين باكي عند الباب فشد

قبضتيه ورفع رأسه عاليا مغمضا عينيه بقوة يسمع الألم

والوحدة والضياع في ذاك الأنين المؤلم ، يرى ما فعله الجميع

بتلك الفتاة التي قاست الظلم من الجميع وما خفي يبدوا أعظم ،

أنزل رأسه ونظر للواقفة قرب نافذة الغرفة المغلقة وصرخ

يشير بإصبعه جهة الباب

" ماذا حدث ؟ ما الذي حدث معها ومن سجنها هنا ؟ "

أنزلت يدها لصدرها وقالت ببكاء

" لا أعلم سيدي أقسم لك فقد دخلت بسبب صوت صراخها ووجدتها

تحطم الغرفة وكانت يدها مجروحة وتنزف ، كانت ستؤذيني أنا أيضا

إن لم أسجنها هناك "

لفت حينها انتباهه بقع الدماء وتتبعها بنظره حتى باب الغرفة

وخرج مسرعا يسير حيث أوصلته ووقف مصدوما ينظر للجالس

في المكان الذي تركه فيه والذي رفع نظره من يديه على الطاولة

له فهمس مصدوما

" جدي !! "

ورافق تلك الكلمة صمت مبهم غريب لا يخترقه إلا أنفاسه القوية

اللآهثة ، نظر لبقع الدماء الكثيرة على الأرض وصولا لمفرش

الطاولة ثم عاد بنظراته المصدومة للجالس هناك وهمس

" ماذا حدث ؟ ماذا قلت لها ؟ "

وصله ذاك الصوت الأجوف الحاد في آن معا

" أنت الذي ما جاء بك الآن ألست على موعد مهم ؟ "


أشار للطاولة وقال بضيق

" هذا هو موضوعنا جدي وليس ما أعادني هنا فما الذي قلته لها ؟

ماذا حدث هنا ؟ "

ضرب بقبضة على الطاولة صارخا بعنف

" وقاص ابتعد عنها وتوقف عن التدخل في شؤونها ، كم مرة

سأقول هذا ؟ "

رمى أصبعه في الهواء وصرخ أيضا

" لن أتوقف عن التدخل في كل ما يعنيها فزيزفون ابنة عمي

الذي لم نراه يوما ولا والدته ، يكفيها ما عانت لنزيدها نحن

وأولنا أنت جدها "

وقف على طوله وصرخ فيه بغضب

" قلت ابتعد عنها يا وقاص لأنها ميتة ... هي جثة في جسد

امرأة ولن تجد لديها ما تبحث عنه أبدا فهي لن تعطي شيئا

لا تملكه "

حرك رأسه بعدم تصديق وهمس

" أنت أيضا تتهمني بذلك ؟ لا أعلم أنتم كيف تفكرون ! "

قال بجمود

" لن يفهمك أحد مثلي فأنا من رباك يا وقاص فابتعد عن زيزفون

لأنها فقدت كل شيء وفاقد الشيء لا يعطيه أبدا فاقتنع بأنها

انتهت من الوجود مند أعوام "

شد قبضته بقوة أمام وجهه وشعر بمرارة لم يعرفها يوما ! لما

يشعر بأنه ثمة ما حدث لها ولا يعلمه ؟ ما سر نبرة المرارة في

صوت الواقف هناك رغم إخفائه لها بجموده ؟ لما يشعر

بمشاعره تنزف معها ! هل سيصدقون جميعهم وهو الكاذب ؟

لما يحدث هذا معك يا وقاص لما !! لما لا تكون مجرد مشاعر

إنسانية ناحية امرأة من دمك ؟ فما حدث معها ويحدث ليس

بالهين أبدا ، أشار له بسبابته قائلا بغضب

" جميعنا مسؤولون عن ذلك وأولهم أنت يا جدي ، أنت من تركتها

وتخليت عنها فلن يداوي الجراح أحد الآن ولن أغفر لك أبدا إن

حدث لها أي شيء ، وأنا خارج من هنا معها يوم تغادر هذا المنزل

حية كانت أو ميتة وليعتبره الجميع عشقا أو ما كان يكون "

أنهى سيل كلماته الغاضبة تلك وغادر المكان بخطوات ثقيلة

ووقف ما أن اجتاز الباب ينظر للواقفة هناك ترتجف باكية وقد

همست بعبرة

" سيدي أرجوك تعال ستقتل نفسها لا محالة "

ركض أمامها من فوره وهي تتبعه حيث صوت الصراخ وتحطم

الزجاج الذي كان يقترب باقترابه ، دخل الغرفة ونظر جهة باب

الحمام حيث مصدر أصوات تناثر قطع الزجاج المحطم والصراخ

الأنثوي الباكي

" أبعدوه عني ... قلت ابتعد الآن "

نظر ناحية الواقفة خلفه عيناه محتقنتان بالغضب وجفناه

محمران من كبت كل ذاك الألم والمشاعر ، مد يده لها وقال بصوت

آمر أجوف كئيب

" أعطني المفتاح "

حركت رأسها برفض وتراجعت للخلف خطوة تقبض عليه في يدها

وقالت بإصرار

" لا ذلك ليس حلا ... عليكم جلب طبيبها المختص فورا فهذه

الحالة لن يخرجها أحد منها غيره "

تحرك ناحيتها واستله من بين أصابعها بالقوة رغم مقاومتها

الرافضة له وصرخ بها ما أن أخذه منها

" لن يدخل لها أي طبيب ولن توصف بالجنون مجددا ، لن أعطيهم

تلك الفرصة أبدا أتفهمين هذا ؟ "

توجه بعدها جهة الباب المغلق متجاهلا شدها لذراعه ورجاءاتها

الباكية

" سيد وقاص أنت قد تؤذيها أو تؤذي نفسك بهذا ، اجلبوا لها

طبيبها أرجوكم ... ليرحمها أحدكم لما لا شفقة في قلوبكم أبدا "

تجاهلها مخلصا ذراعه من قبضتها وفتح الباب ودخل مغلقا

له خلفه


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 18-10-17, 09:19 PM   المشاركة رقم: 443
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




ملأت الدموع عينيها الواسعة فأسدلت رموشها الكثيفة للأسفل

بحركة من جفنيها لتخفي كل ذاك الألم فيهما عن الواقف أمامها

وهمست ببحة

" أرجوك سيد مطر أنت لا تعلم ما يعني الأمر لي قبل رماح "

وصلها صوته الجاد والذي ميزته تلك البحة الرجولية العميقة

" متأكد من أنك لم تخبريني الحقيقة كاملة وليس من حقي سؤالك

ما لا تريدين قوله ، قد أخدمك في مطلبك الثاني أما الأول فيلزمني

معرفة تفاصيله قبل كل شيء كي لا أظلم أحدا دون علم والخيار لك "


رفعت عيناها وحدقتيها البنية الواسعة به مجددا وقالت بحزن

" حقق لي المطلب الثاني فقط إذا وسأكتفي به "

تنفس بعمق ودس يده اليمنى في جيب بنطلونه وقال

" أعدك أن أفعلها يا جليلة ، وفكري أنتي فيما قلت أيضا فيمكنك

ورماح البدء من جديد ، هو يحتاج امرأة مثلك بقربه الفترة القادمة "

أشاحب بوجهها جانبا تمرر طرف سبابتها تحت رموشها تمسح

الدمعة التي تحاول التمرد عليهم وهمست بألم

" ليس ذلك بإمكاني سيدي صدقني فلست من قد تداوي جراح

رماح بل من ستزيدها سوءا أقسم لك "

رفع رأسه قليلا عن النظر لمستوى جسدها القصير متنهدا بعجز

وكان سيغادر لولا أوقفه صوتها الرقيق الحزين المنخفض

" لا تتخلى عنها سيدي فهي عانت كثيرا منذ كانت طفلة "

التفت لها بكامل جسده مجددا ونظر لعينها بصمت فأنزلت رأسها

هربا منه وحياء بسبب ما تتحدث عنه لكنها تعلم بأن فرصة رؤية

هذا الرجل والتحدث معه قد لا تتكرر أبدا ، تكسر صوتها الحزين

وهي تهمس

" آسفة فلست أعني التدخل في خصوصياتكما لكنها أقرب لي من

الشقيقة ومنذ كنا طفلتان ، غسق لم تعرف السعادة الحقيقية منذ

علمت أنها مجهولة العائلة والنسب ولم يستطع أحد ولا عائلة الزعيم

شراع أجمعهم أن ينسوها تلك الحقيقة القاسية ، لم أتوقف يوما

عن لوم نفسي بسبب دخولها أراضيك في الماضي لأني من أخذتها

لمنزل جدتي وساعدتها لتغادر من هناك جهة حدودك ، لو أن الزمن

يرجع بي للوراء ما فعلتها أبدا لأني السبب فيما وصل له حالكما حتى

اليوم واللحظة ، لولا فعلتي تلك ما كانت عرفتك ولا أنجبتما ابنة ولا

افترقت عنكما ، لست أعلم كم سأحطم أيضا من الموجودين حولي

يوما بعد يوم "

توقفت عن الكلام تمسح رموشها مجددا تسجن عبرتها في حلقها

وتجهل الابتسامة الخفيفة التي تغلبت على الملامح الجادة للواقف

أمامها حتى قال

" هل يرضيك إن قلت أني تمنيت أن فعلتها وأدخلتها حدودي منذ

كانت طفلة "

رفعت نظراتها المصدومة به وقد عادت الدموع لملئ حدقتيها مجددا

وهمست ببحة

" لما تركتها إذا ؟ ولماذا تتركها بعيدا عنك حتى الآن ؟ "

قال بابتسامة جانبية محدقا في عينيها

" نحن نختلف عنكن كثيرا يا جليلة ، القسوة قد تتغلب على تصرفاتنا

لتصل لمشاعرنا فنعبر عنها بخشونة إن غضبنا وإن جرحنا وحتى إن

أردنا الاعتذار لذلك تجديننا نعول دائما على الاختلاف بيننا "


أنهى جملته تلك ثم أدار ظهره لها وقال مغادرا

" لا تخبري ابنة خالتك بهذا كي لا تكرهك أنتي أيضا "

وابتعد عنها ونظراتها الحزينة المغشوة بالدموع تتبعه .. تتبع ذاك

الجسد الطويل المتناسق والخطوات الواسعة الواثقة ولازالت يده

في جيب بنطلونه يرتفع بسببها طرف سترته السوداء الفاخرة ،

همست بابتسامة صغيرة صادقة تخللت تلك الملامح الحزينة

والدموع المسجونة في حدقتيها الواسعة

" رجل وإن جرح الأنثى يعرف كيف يداوي جراحها أنت يا ابن

شاهين وأمثالك في زمننا قلة "

وما أن ابتعد عنها أكثر انكشف لها الواقفان هناك في انتظاره

وتحديدا الذي كان ينظر لها مباشرة فشعرت بالقشعريرة تسري

في جسدها فذاك الرجل كان يحدق بها كلما انكشفت لها تلك

الجهة وهي تحدث زعيمهم وكأنه يتخيل مثلا أن تؤذيه ؟ تؤذي

من وهي ابنة صنوان ذات الجسد القصير الضئيل أمام أجسادهم

المخيفة والتي لم تأخذ من قبيلة والدتها المنحدرة من حدود

الحالك سوى العينان النجلاء الواسعة ! إن كان رجاله بكل تلك

الهيبة والحظور القوي فمن الأحمق الذي سيفكر في أن يؤذي من

يكون زعيمهم !!

تحركت من مكانها قليلا جهة طاولة موظفات الاستعلامات هربا

من نظرات ذاك الرجل بينما وصل من تركها خلفه حيث الواقفان
ينتظرانه ومن دخلا برفقته ، وقف أمامهما ونظر جهة الواقف

يساره وقال

" ستغادرا الآن لحوران ... عمير أريدك أن تترأس من سيستقبلون

ابن شراع في المطار وتهتم بسلامته حتى يصل منزل شقيقته "

قال وهو يحرك رأسه محاولا النظر لما ورائه هناك

" بالتأكيد ... كن مطمئنا "

التفت الواقف أمامه للخلف ونظر لما كان ينظر ووقع نظره فورا

على الواقفة عند طرف الطاولة المستديرة توليهم جانبا واحدا

من جسدها تمسح عيناها بمنديل ورقي وحقيبتها مفتوحة أمامها ،

أخرجت منها هاتفا محمولا وتحركت من هناك تضعه على أذنها

تحدث أحدهم ، عاد بنظره للواقف أمامه والذي قال ونظره

لازال هناك

" من هذه التي أوقفتك كل ذاك الوقت ؟ "

نظر مطر للواقف معهما والذي ضحك من فوره وقال

" ليت بشر معنا فقط لأبدع فيك بلسانه الرائع "

نظر له عمير بطرف عينه نظرة حانقة وقال مطر ببرود مغادرا

جهة الباب الزجاجي الواسع

" تلك زوجة رماح شراع يا عمير فتوقف عن التحديق بها فورا "

تبعاه من فورهما وقال عمير وقد خرج ونظره لازال لما تركه

في الداخل

" ولما زوجته كانت تبكي ؟ "

لم يعلق مطر بينما ضحك تميم وقال وهو يقف للحارس الذي فتح

له باب السيارة

" صام الرجل دهرا متعمدا ثم اشتهى طبق غيره "

قال عمير ببرود وهو يجلس في كرسيه

" تصمت أنت أفضل لك ولي يا بشر النسخة المطورة "

تحركت سيارتهما على صوت ضحكة تميم بينما قال عمير

ناظرا حوله

" الزعيم مطر لن يغادر الآن ؟ "

فتح الجالس بقربه حاسوبه المحمول وقال وهو يضع السماعات

على أذنيه

" قال أنه ثمة مشوار آخر لديه داخل العمرآن "

وتابع بضحكة صغيرة ونظره على الشاشة أمامه

" يبدوا أنه سيرجع لمكتب أميرة جمعية النساء تلك مجددا ،

سلبت عقله الرجل !! "

كتف عمير ذراعيه لصدره ونظر جهة النافذة متمتما

" بل غادرت سيارته خلفنا مباشرة أي ثمة مكان آخر ذهب إليه "


*
*
*




عاد الجالس أمامه للضحك مجددا حتى أن الموجودين حولهم

في المقهى انصب اهتمامهم جميعا ناحيته فتجاهله بعدما رماه

بنظرة باردة ونظر جانبا ، معه حق يضحك عليه ويسخر منه

وهو من كان يتنفس ثقة بأن مخططه لن يخيب أبدا ونسي بأن

والدته ابنة شاهين الحالك ولن يكون أدهى منها ، لا يصدق ما حدث

ولا يمكنه استيعابه وهي ترميه بتلك القذيفة الحرارية وكأنها

تهديه زهرة ! هل فعل كل ذلك وخطط ونفذ لينتهي لهذه النهاية ؟

في أي عرف وقانون يزوجوه بطفلة ؟ هو المحامي الذي يفترض

بأنه يترافع عن أصحاب القضايا المشابهة يفعلها ! لا وبكل برود

تخبره بأن عائلتها وافقوا وأن زواجه سيكون قبل موعد زواج

شقيقه ولن تقيم له حفل زفاف ... بالطبع لن تفعلها فكيف ستقدم

تلك الطفلة للناس وأي ثوب زفاف هذا الذي ستلبسه لها ؟ إلا إن

كان ثوب بثينة حين كانت في العاشرة وسيكون حينها مهرجانا

للضحك وليس حفلا .
نظر للجالس أمامه والذي عاد للضحك مجددا ما أن نظر له وقال

بضيق

" لما لا توفر هذا الضحك لنفسك ؟ يعجبك وضعك كثيرا سيد أويس ...

يا ابن عائلة غيلوان "

وقف حينها الجالس أمامه وحمل حقيبة حاسوبه ولازال يحتفظ

بابتسامته وقال

" لن آخذ كلامك هذا على محمل الجد وأنصحك بأن تفعل ما قلت

لك فهو حلك الوحيد إن كنت تفكر حقا في مصلحة الفتاة قبلك ولا

تكن أنانيا "

وغادر عند آخر كلمة قالها تاركا الجالس مكانه يكاد ينفجر غضبا

من نفسه وندما على ما تفوه به منذ قليل فهو وبكل بساطة لم يستطع

أن ينفس غضبه في والدته فاختار صديقه ليعيره بحاله ، وقف متأففا

وأخرج بعض النقود من محفظته ثم أعادها لجيبه بعدما رمى تلك

الأوراق النقدية على الطاولة وحمل هاتفه وغادر من هناك أيضا ،

كان يفكر في أن يتصل بيمان فوحده من سيجد حلا لهذه المعظلة

الصعبة وإن صارحه بحقيقة ما حدث وكل تلك التمثلية وسينهي

الأمر بمعرفته لكنه قرر زيارته شخصيا فسيكون الحديث معه

مباشرة أفضل رغم أنها ما أصعبها على نفسه أن يقول له بأنه اتخذ

شقيقته حجة ليتهرب من إلحاح والدته على تزويجه


*
*
*

رمى آخر قطعة ثياب في حقيبته وانحنى عليها بركبته وبدأ

بإغلاق سحابها العريض متجاهلا نظرات الجالسان هناك

وهمساتهما الغير مفهومة ممتزجة بابتسامات وضحكات

رجوليه منخفظة ، إن كان خاله دجى ولا يمكنه التغلب على

لسانه فكيف إن اجتمع وخاله صقر ؟ لا يراهما إلا نسخة واحدة

وأن أعان الله من يجتمعان عليه ، أغلق حقيبته بعد جهد متأففا

بضيق فلم يعرف يوما شيئا يدعى ترتيب فكيف بحقيبة !!

استقام في وقفته ممسكا خصره بيديه ناظرا للجالسين متحاديين

على الأريكة وكما توقع بادر خاله صقر بالحرب عليه قائلا

" أخبرنا على الأقل إن وجدت ضالتك التي تخرج للبحث عنها

في باريس كل يوم أم ستسافر بدونها ؟ "

نظر فورا وبضيق للجالس بجانبه والذي رفع يديه باستسلام

قائلا بضحكة " لم أفعل شيئا هو سألني عن سبب تغيبك يوم

أمس فأخبرته أنك قلت بأنه ثمة ما عليك البحث عنه قبل

مغادرتك ، من حقي هذا أم ليس من حقي ؟ "

سحب الحقيبة لتنزل للأرض مصدرة صوتا قويا لارتطامها بها

وقال ببرود " حمدا لله أن واحد منكما فقط من سأقيم معه هناك "

ثم أولاهما ظهره وغادر الغرفة وتركهما ضاحكين ، نظر صقر

للجالس بجانبه وقال

" ما به ابن شقيقتك مستاء هكذا وكأنه يرجع هناك مرغما ؟ "

ضرب ذاك على فخذيه ووقف قائلا
" لا أعلم .. ثم هو عابس طوال الوقت تقريبا ، كان موافقا على

العودة ولا أراه يعترض الآن ... الأمر يبدوا حساسا جدا ويرفض

الحديث عنه !! "

وقف صقر أيضا قائلا بابتسامة

" أقطع ذراعي إن لم يكن في الموضوع امرأة فلا شيء يذهب

بعقول هؤلاء الفتية تربية مطر شاهين غيرهن "

ثم نظر له وقال قبل أن يعلق

" لا أراه مقتنعا حتى بالبقاء في منزلنا ويحترم فقط رغبة مطر "

حرك دجى رأسه موافقا وقال

" لذلك قال بأنها ستكون فترة قصيرة جدا ثم لا تنسى أن له

عائلة في جنوب الحالك ... جدتان وأعمام وعمات لا يمكنك أن

تحصي عددهم وهو ابن شقيقهم المتوفي والذي لم يروه منذ

اختفى خلف الحدود فتيا ولن يعجبهم أن يقيم عند عائلة والدته

وإن كان أحد رجال مطر شاهين "

تنفس صقر بعمق وأمسك خصره بيديه معلقا " بل لا أراه سيستقر

عند أي منا وهذا ما قاله مطر عنه وبأن قاسم رجل اعتاد أن

يعيش معتمدا على نفسه مستقلا كما بنا نفسه بعيدا عن جميع

أموال عائلة الشاهين طيلة الأعوام الماضية وأنا مع ما قال

رغم أن معرفتي به لم تتعدى الأيام القليلة "

حرك دجى كتفيه وقال

" حسنا على كل حال هو في السادسة والثلاثين الآن ومؤكد

سيستقل ويتزوج "

وتابع مبتسما بمكر ينظر بطرف عينه للذي دخل الغرفة مجددا

" وسيجد في فتيات أعمامه أصنافا مختلفة فنساء جنوب الحالك

أخذن صفات الحور سوداوات الشعر والعيون "

وضحكا معا فاقترب الواقف هناك من حقيبته وسحبها معه

وقال مغادرا

" إن انتهيتما من تفاصيل مستقبلي فعلينا أن نغادر الآن "

ضحكا مجددا وغادرا خلفه ونزلوا للأسفل حيث كان على ثلاثتهم

أن يفترقوا هناك .. اثنين مسافران وآخر أمامه أيام أخرى في تلك

البلاد قد تمتد لما هو أبعد مما يتمنى الجميع ، تعانقوا مودعين

له وأمسك صقر بكتفه قائلا

" أريد أن نراك سريعا بيننا يا دجى "

ربت على ذراعه مبتسما وقال " سلم لي على ابنتي وحفيذتي ...

خاصة تلك نسخة والدها المصغرة "

قال صقر من فوره

" أجب على اتصالات تيما فهي اتصلت بي البارحة ولم أستطع

التهرب منها إلا بصعوبة ، ينتابها الشك في أن رحلتي من أجل

رؤيتك "

تنهد دجى وقال
" قد لا تراني مجددا أبدا لذلك لن أغامر بسماع صوتها الباكي

فستجعلني أسافر لها فورا تلك الدمية الجميلة ، بلغها فقط أني

أحبها وسأراها قريبا "

صوت فتح قاسم لباب السيارة وإغلاقه ليضع حقيبته جعل حديثهما

ذاك ينتهي ثم ركب السيارة قائلا

" على هذا الحال ستلحق بنا طفلتكم تلك هنا "

ضحك صقر وركب قائلا

" لا تسخر من طفلتنا تلك فإن رأيتها ووالدتها ستحار من

ستتزوج منهما ، هذا إن خرجت من تحت يدي مطر حيا طبعا "

انطلق بالسيارة متمتما ببرود

" ومن يقدر على امرأة ليتزوج بنصفها "

ضحك صقر قائلا

" سأحتفظ بتعليقك هذا حتى تراها ثم سأذكرك به "


*
*
*


دخلت المنزل وضربت الباب خلفها بقوة تعبر فيها عن غضبها

الذي لم تنفس عنه بعد ووقع نظرها على الواقف عند باب

المجلس ينظر لها نظرة لم تستطيع فهمها فقالت بريبة

" أين هي تيما؟ "

أمال شفتيه وقال ببرود

" تسجن نفسها في مجلس الرجال "

تقدمت نحوه ورمت حجابها وسترتها على الأريكة وقالت

ببرود مماثل

" وما هذه اللعبة الجديدة التي تلعبانها ؟ من يجدالكنزالمفقود؟ "

تمتم بعبوس متضايقا من انتقادها لهما

" بل لن ألعب معها مجددا بعدما تغلبت عليا ثلاث مرات في لعبة

الأحاجي "

وتابع ينظر لها بريبة ما أن تغيرت نظرتها للاستغراب

" والدها كان معها هنا منذ قليل "


تبدلت ملامحها للغضب فورا وهذا ما كان يخشاه والقادم سيكون

أسوأ بالتأكيد وهذا ما حدث بالفعل حين صرخت بانفعال

" وما الذي يفعله هنا ؟ "

تمتم الكاسر ينظر لها بخوف

" هو ليس هنا الآن قلت أنه كان .... "

صرخت فيه مجددا

" لا يهم كان أو لم يكن فما يريده ذاك الرجل بها وهي كانت

معه بالأمس؟ وكيف لأولئك الحرس الأغبياء أن يسمحوا بدخوله

دون إبلاغنا "

عض باطن شفته ولم يعلق فلن يستطيع أن يقول لها أنه ليس ثمة

من يستطيع الوقوف في وجهه في أي مكان في البلاد فكيف

سيمنعه الحراس ! لأنه يعرف النتيجة جيدا إن هو تفوه بهذا ،

قال بهدوء وكأنه يحاول امتصاص غضبها

" المهم الآن أن تيما في الداخل وترفض أن تخرج ولسنا نعلم

ما دار بينهما جعلها تتصرف هكذا "

تحركت ناحية الباب وطرقته منادية " تيما افتحي الباب أو فتحه

الحر..... "

انفتح الباب حينها ومن قبل أن تنهي جملتها وكأنها تنتظر فقط

أن تسمع صوتها ، وقفت أمامهما بعينين محمرتان من البكاء

تكتم عبراتها في حلقها درجة أنها لم تعد تستطيع التنفس جيدا

فأمسكت الواقفة أمامها بكتفيها وقالت

" تيما ما بك؟ ما الذي أخبرك به والدك يبكيك هكذا ؟ "

رفعت لها يدها مقبوضة دون أن تعلق ثم فتحت أصابعها كاشفة

عما كان فيها ودموعها عادت لتتقاطر فوقها وظهر خاتم الزواج

الفضي في راحتها وهمست ببكاء

" ترك لك هذا "

نظرت له في يدها بصدمة لبرهة قبل أن تخطفه منها وترميه بقوة

دون أن تكترث ولا للمكان الذي وصل إليه وصرخت فيها

" لا يفترض بهذا أن يجعلك تتصرفين هكذا ، للجحيم هو وخاتمه"

صاحت فيها الواقفة أمامها في المقابل قائلة ببكاء

" لا أمي توقفي عن الدعاء عليه"

ثم تركتها وتوجهت حيث سمعت صوت رنين ذاك الخاتم ونزلت

على الأرض ولازالت في بكاء مستمر تحاول إخراجه من تحت

الأريكة متجاهلة التي صرخت من خلفها بغضب

" توقفي عن مطاردة الأوهام يا تيما وتوقفي عن رؤية ذاك

الرجل كمثالي فلا أحد غيره دمر كل ما كان يفترض أن يكون

جميلا بيننا وأنتي لا تتوقفين عن الوقوف في صفه كالحمقاء "

أنهت جملتها الغاضبة تلك تتنفس بقوة تشد قبضتيها حتى تكاد

تمزقهما ونظرها على التي وقفت على طولها وبدأت تحاول دفع

الأريكة باكية فتحركت بخطوات واسعة غاضبة وصعدت السلالم
وتركتها


*
*
*
نقلت نظراتها الحزينة بين الجالس على الكرسي مشبكا أصابعه

ومتكئا بمرفقيه على ركبتيه ينظر للأرض للنائمة على السرير

يداها مقيدتان بمنديل قماشي ورغم أن عيناها مغمضتان وغائبة

عما حولها تماما إلا أن تنفسها كان يلهث بلا انتظام وكأنها تركض

دون توقف ، وهذا حالها من وقت أو منذ حقنها بحقنة المهدئ تلك ،

تنهدت بأسى ونقلت نظرها في الغرفة التي عادت مرتبة كما كانت

وبمساعدة الجالس أمامها الآن وبطلب منه ، لم يشرح لها السبب

لكنها استطاعت معرفته من نفسها وهو إخفاء ما حدث هنا ولن

تستغرب هذا منه فهو آخر من تتوقع أن يثير الشكوك حولها مجددا

لكي تعامل معاملة المجانين من جديد ، لا تصدق أن رجلا مثله

وفي مركزه وبحجم الثروة التي يملكونها وكل تلك الخادمات يرفع

بيديه قطع الزجاج من الأرض ويمسك المنشفة وينظف بها الجدران !!

كم مرة تساءلت هل هذا الشاب ابن لهذه العائلة فعلا ؟ آآه ليته فقط

هو من تزوجها وليس ذاك المتوحش .

نظرت لها مجددا ومسحت على شعرها وقبلت جبينها متمتمة بحزن

" لا أبكى الله عينيا فقدك يا صغيرتي"


" ما سبب ما حدث معها ؟ "

نظرت فورا لصاحب ذاك السؤال والصوت الرجولي الهامس الجالس

قربها ولازال نظره للأرض ، السؤال الذي كانت تنتظره وتتوقعه منه

في أي لحظة ، لاذت بالصمت لوقت حتى رفع رأسه ونظر لها

فهمست بتلعثم

" لا أعلم سيدي أقسم لك "

استوى في جلسته وقال بحزم

" ومن يعلم إن لم يكن أنتي ؟ "

ضمت يديها لصدرها وقالت بخوف

" لم آتي إلا على صوت صراخها لأن غرفتي بجانبها و..... "


قاطعها بضيق

" ليس ما حدث هنا أعني بل السبب الأساسي لتلك الحالة ومؤكد

تفهمينني جيدا "

حركت رأسها بالنفي متمتمة

" ليس لدي ما قد يفيدك "

سوا جلسته ونظر لها مباشرة وقال

" قولي ما تعرفينه مهما كان "

رطبت شفتيها بلسانها ونظرت للنائمة على السرير ، مسحت

على شعرها وهمست بحزن

" سامحيني يا زيزفون "
نظرت بعدها له قبل أن تنظر للأسفل تضم يديها في حجرها وقالت

بهدوء حزين

" كانت أول مرة رأيتها فيها في المستشفى ، تم توظيفي للعناية

بها خصيصا ولم أصدق نفسي وقتها وأنا أراها أمامي لأول مرة

كانت طفلة تجلس في زاوية الغرفة تضم ساقيها بذراعيها بقوة ،

نظرت لي يومها نظرة لن أنساها ما حييت ... كانت نظرة ضياع

ووحدة وفقد ومنذ ذاك الوقت أقسمت أن لا أتخلى عنها أبدا ،

تحدث معي طبيبها قبل أن أراها وكل ما شرحه لي كان حالتها

والنوبات التي تصيبها ، قال بأن حالتها تحسنت كثيرا وبأنها قد

لا تصاب بها مجددا ، كنت أهتم بأدويتها كما أوصاني تماما

وبدأت أحاول إخراجها من عزلتها تدريجيا ومنحتني ثقتها وإن

بعد جهد ووقت ، أذكر كانت مرتان فقط خلال تلك الأعوام جميعها

التي أصيبت فيها بنوبة مشابهة وفي كلا المرتين كانت بسبب

نومها من دون أدويتها ، كانت تصرخ بهلع وهي نائمة وحين

تستفيق لا تخرج من تلك الحالة ، كانت وكأنها ترى أحدهم

وتتحدث معه ولا تراني أمامها مهما حاولت التحدث معها ،

كانت مرعوبة تبكي وتصرخ وترمي بكل ما تصله يداها وفي

كلا المرتين كان طبيبها من يحضر مع الممرضة لتهدئتها ،

كان ثمة رجل يأتي لزيارتها .. فقط ذاك الرجل الذي لم أراه يوما

لأنه كان يدخل ويخرج بسرية تامة ، حتى هي لم تذكر اسمه

أمامي أبدا ، هو من اهتم بها ووفر كل ما تحتاجه ، حتى تلك

الفيلا الريفية الرائعة كانت له ، أرسل معلمين لها في جميع

اللغات والتخصصات تقريبا ، حتى الرسم هوايتها المفضلة كان

ثمة معلم يشرف بنفسه عليها ، لم يزرها أحد غير ذاك الرجل

أبدا طيلة كل تلك الأعوام ، بقي ماضيها مبهما بالنسبة لي لليوم

لا تحب التحدث عنه بل قلما تتحدث عن أي شيء ولا عن ألمها

أو وحدتها أو حزنها ، لا تراها إلا صامته شاردة الذهن وكأنها

منفصلة عن العالم حولها ولازالت تعيش مع أطياف ماضيها ،

لم أراها ضعيفة يوما ولا منهزمة سوى تلك المرتين الشبيهتان

بهذه وحين تستفيق كانت لا تتحدث عما حدث لست أعلم نسيته

أم تتعمد أن لا تتحدث عنه "

" ألا تعلمين من يكون ؟ "

رفعت نظرها له وقالت

" لا فلم يكن مسموحا لي برؤيته "

قال مباشرة

" الشخص الذي تراه في حالة الا وعي أعني "

حركت رأسها بالنفي وقالت

" أقسم لست أعلم سيدي لكنت أخبرتك فوحدك من أراه يهتم

بأمرها ولن تؤذيها أبدا "

وقف على طوله ونظر لوجهها لبرهة لتلك الملامح الجميلة الشاحبة

المرهقة وتنهد بعمق ثم انحنى ناحيتها وفك المنديل عن يديها وقال

مغادرا

"اتصلي بي إن حدث أي شيء "

*
*
*
استيقظت على صوت رنين هاتفها فابتعدت عن الجدار تمسد

عنقها بيدها فهي لم تشعر بالراحة أبدا ولم تنم جيدا وكيف تنام

وترتاح وهي تنام جالسة تحيط بها الجدران الباردة من كل مكان !

وقفت ورمت عنها كل تلك الثياب التي كلفتها مبلغا ماليا كبيرا

ولم تنفعها بشيء ولا أن تزودها ببعض الدفء ، دستها في

الكيس بعشوائية ولم تعد تهتم ولا لتجعدها ثم أخرجت هاتفها

من الحقيبة تكيل السباب والشتائم لرجل واحد لم تتوقف عن

شتمه منذ أعوام بل ومنذ عرفته ، نظرت باستغراب للرقم على

الشاشة ثم رفعت كتفيها بلا اكتراث وأجابت فوصلها ذاك الصوت

الأنثوي الرقيق

" الآنسة جيسي أليس كذلك ؟ "

ولم تترك لها المجال لا لأن تجاوب أو تعلق وقد قالت مباشرة

" معك مكتب السيد كروس وهو يطلب رؤيتك هذا الصباح "

ابتسمت من فورها ابتسامة واسعة وقالت

" حقا يطلب رؤيتي الآن ؟ "

وماتت ابتسامتها فجأة وقد قالت

" ألم تخبريني أنه سيتصل بي بنفسه؟ ما تغير في الأمر! "

قالت تلك من فورها وبشيء من البرود

" أظن أن الأمر لن يكون مختلفا فأنتي ستقابليه في جميع الأحوال ،

هل لديك سيارة أم نرسل لك إحدى سيارات الشركة ؟ "

مطت شفتيها بحنق من نفسها وليس من أحد وتمتمت

" بل أرسليها لي "

نظرت بعدها للهاتف بصدمة وقالت بضيق

" لم تكلف نفسها ولا قول كلمة وداعا تلك المتعجرفة "

دست هاتفها في الحقيبة ونزلت السلالم ترتب شعرها هامسة بسخرية

" ستعرف حجمها قريبا تلك الغبية حين سآخذ أنا مكانها "

خرجت للخارج فلفحتها فورا برودة الصباح ففركت كفيها ببعضهما

ونفختهما ليدفئا قليلا ، لأول مرة في حياتها تستيقظ باكرا هكذا ...

لا بل منذ انتقل ذاك المتوحش للعيش معهما وهي لا تعرف نوما

مريحا ، تمتمت تفرك كفاها مجددا

" لا بأس جيسي ستتخلصين منه قريبا ، بل أنتي تخلصت منه

بالفعل بعدما طردك "

ابتسمت بانتصار ابتسامة سرعان ما تلاشت للعدم وهي تنظر

للشاحنة الحمراء الضخمة التي وقفت أمامها وقد فتح سائقها

الباب قائلا

" صباح الخير آنستي يمكنك الصعود لأوصلك لمبنى الشركة

الرئيسي"

فغرت فاها صارخة فيه بصدمة

" توصلني أين يا هذا !! "

ابتسم قائلا

" الآنسة كلوديا طلبت أن يقلك أحدنا هناك وأنا في الخدمة آنستي "

صرت على أسنانها بقوة حتى كادت أن تحطمها وضربت الأرض

بقدمها وصرخت به

" ومن أخبرك أن منزلي هنا ها ؟ أنا لم أخبرها عن عنواني "

رفع كتفيه وصرخ من الأعلى قائلا

" أخبروني من هناك ومؤكد علموا بذلك من المعلومات الموجودة

في ملفك ، بسرعة آنستي الجو بارد ، يمكنك الاتصال بوكالة تأجير

لطلب سيارة أجرى إن أردت "

تأففت وأمسكت بالمقبض الحديدي البارد وصعدت متمتمة بخنق

" وهل من خيار آخر أمامي .... سحقا لذاك الرجل "

وما أن استقزت جالسة مكانها وضربت الباب خلفها حتى قال

الجالس خلف المقود مبتسما

" أي رجل تعنين ؟ لا يكون السيد كروس لأنه لن يعجبني ذلك

فجميع من يعمل في شركته يحبه حتى من لم يروه يوما "

وضعت حقيبتها في حجرها بعنف قائلة ببرود

" ليس سيدك أعني كن مطمئنا بل من سيكسر السيد كروس

أنفه بالتأكيد "

وما أن انطلقت الشاحنة بهما حتى تمنت الموت كما لم تتمناه

سابقا وهي تري نظرات سكان ذاك الحي الراقي لها وهي تركب

ذاك الشيء المخيف بعدما كانت تتنقل في سيارة فاخرة متى وحيث

شاءت ، همست من بين أسنانها متجاهلة تلك النظرات المشمئزة

" ستندم على كل هذا يا ابن كنعان وقل جيسي قالت "


*
*
*
طرقت الباب طرقتين وفتحته ودخلت ووقع نظرها فورا على

الجالسة فوق السرير مكتفة ذراعيها لصدرها تنظر للفراغ أمامها

ولازالت بملاسبها سوى من السترة السوداء المرمية أرضا ، لا تفهم

ما الذي تعبر عنه تلك الملامح الجميلة الشاردة ؟ الحزن أم القهر

أو الغضب أم جميعهم معا ! تنهدت بحزن واقتربت منها وجلست

على حافة السرير بقربها وقالت ناظرة لعينيها

" غسق نفث نيران غضبك من ذاك الرجل في ابنتك لن يفعل

شيئا سوى تعقيد الأمور "

لم تنظر لها ولم تتحدث ومن أنفاسها التي باتت تخرج قوية علمت

أنها تكتم غضبها فقالت دون تراجع وبلهجة أشد هذه المرة

" تيما تبكي دون توقف ولاتردد سوى بأنها تحبك وبأنها لا تفضل

والدها عليك أو تنحاز له ، تخيلي أن والداك موجودان الآن وأن كل

واحد منهما في مكان ما سيكون شعورك ؟ ألن تتمني أن يجتمعا ؟

ألن تسعي لذلك لأن استقرار العائلة هو حلم كل شخص ؟ لما

تحملي ابنتك نتائج أفعال هي لم تفعلها ؟ "

نظرت حينها لها وقالت بضيق

" الذنب ليس ذنب تيما بل ذاك الرجل الذي يعلم جيدا سبب

ما يفعله وبلسانه قال أن ابنته خارج كل ما بيننا ثم يأتي هنا

ويترك خاتمه الصدئ ذاك لديها فما معنى ما فعله ؟ "

همست جويرية تحاول تهدئة انفعالها

" لكن ابنتك لم تفهم هذا من حديثك يا غسق هي .... "

قاطعتها وقد رمت يدها في الهواء فتحرك طرف شعرها الأسود

الطويل مع حركتها وعانقت تلك الغرة الحريرية جزئا من

وجهها تتحرك مع أنفاسها الغاضبة وهي تصرخ بعنف

" لن يكسرني بأي شيء عمتي لن يفعلها ... حتى والدي لن أراه

إن كان الثمن أن أرجع له وسأعيش بحسرتي لباقي ما حييت

فأنا خلقت للحسرات "

أمسكت ذراعيها وقالت بحزن ناظرة لعينيها المليئة بالدموع التي

ترفض تحريرها وجفناها يشتعلان احمرارا

" أنتي تؤذي نفسك بهذا يا غسق وابنتك معك ، ارحمي قلبك

الصغير وقلبها "

حينها انسكبت تلك الدمعة وتكسر صوتها وهي تهمس ضاربة

بقبضتها جهة قلبها

" هذا عمتي ... هذا إن كان سيذلني له أقتلعه من مكانه "

مسحت بكفها على وجنتها تشعر بقلبها ينزف مع تلك الدموع

التي أعلنت التمرد عليها وهي تتابع وكأنها تفرغ كبت الأعوام

الماضية جميعها ولا تزال تضرب على قلبها بقبضتها

" لما لا يشعر به ؟ لما يوجد هذا هنا عمتي أخبريني ؟ لما يختاره

كورقة ضدي ؟ ما الذي يريد أن يوصلني له .... الجنون ؟ "

ضمتها لصدرها فورا وتركتها تبكي هناك فقد كان بإمكانها أن

تفهم فورا أنها مرت بضغط نفسي كبير ، لا تفهم ولا تعلم

ما يكون لكنها تعرف صغيرتها هذه جيدا وما فهمته أنه اتخذ

عواطفها كورقة ضغط وليس يعلم ذاك الرجل أن الأنثى المجروحة

هي أشد النساء عنادا وتهورا وأن آخر ما قد تفكر فيه هو الاستسلام ،

ضمتها لها أكثر تقبل رأسها وليس بإمكانها ولا الدعاء عليه فهي

أكثر من يعلم بأنه وحده من يتربع على عرش هذا القلب الصغير .

ابتعدت عنها تمسح دموعها لحظة ما انفتح باب الغرفة ببطء

فنظرتا كلتيهما للتي وقفت تتكئ بطرف رأسها على إطاره تنظر

لتلك العينان السوداء باكية فمدت لها يدها هامسة ببحة

" تعالي يا تيما "

فانطلقت جهتها من فورها وارتمت في حضنها تبكي بصمت قبل

أن تهمس من بين عبراتها

" آسفة أمي أقسم أ..... "


قاطعتها تضمها لها بحنان

" أفهمك يا تيما أنتي من فهمني بشكل خاطئ ، كنت مستاءة

فقط حبيبتي "

وامسكت لسانها عن الكثير مما كانت تريد قوله فعليها فعلا أن

لا تسمح لذاك الرجل أن يدمر علاقتها بابنتها ، هو سبق وقال

أن تيما خارج ما بينهما وهي تعلم بأنه رجل أبعد ما يكون عن

الكذب والغش فهو لا يتوانى عن كشف أوراقه وهذا ما فعله منذ

البداية لكنه متلاعب .. أكبر متلاعب عرفته ولن يتغلب عليها

بألاعيبه أبدا فغرضه من كل هذا ليس ما جعل ابنته تفهمه بل

ليؤكد لها هي بأنه على الاتفاق الذي دار بينهما صباحا فكل ما يهم

ذاك الرجل أن يثبت نظرياته وأن يعزز غروره ولن تصدق أبدا

أنه يفعل ذلك ليعيدها زوجة له وهو من سبق وتركها لأعوام

طويلة دون أن يهتم مرتميا في أحضان تلك المرأة .

أبعدتها عنها ونظرت لوجهها وبدأت بمسح الدموع عن خديها قائلة

" تيما أنتي تنظرين للأمر فقط من منظور أنك ابنة لكلينا ترفض

الاقتناع بأن اجتماعنا معا أمر مستحيل ، لو تحاولي فقط أن تقنعي

نفسك بهذا فستتغير نظرتك للأمر وستشعرين بالراحة فأنتي سبب

كل هذه الدموع يا تيما وليس نحن "

حركت رأسها برفض ودموعها تعود للنزول مجددا فتنهدت الجالسة

أمامها بضيق متمتمة

" ابنة والدك كيف سيتركك العناد "

ابتسمت رغم دموعها وبكائها ونامت في حضنها هامسة بحزن

" بل ابنتكما كليكما وأعند منكما أيضا "

تنهدت بعجز ومسحت على شعرها تقبله من حين لآخر في صمت

وقد وقفت عمتها وغادرت مبتسمة لها تشجع علاقتهما القوية رغم

كل ما تمران به ، وما أن أغلقت الباب خلفها ابتعدت عنها ونظرت

لعينيها قائلة برجاء وعيناها مليئتان بالدموع مجددا

" أمي هل تفعليها من أجلي فقط هذه المرة أرجوك "

نظرت لها بضيق وكانت ستتحدث فقاطعتها برجاء باكي تحضن

يدها بكلتا يديها وتضمها لصدرها بعدما وضعت فيها ما كانت

تقبضه في إحداهما

" أمي لن أطلب منك العودة له ولا مسامحته فقط هذا أمي أرجوك

أن لا ترميه فوالدي تركه لك وليس لي "

تنهدت بضيق وقبضت أصابعها على ذاك الخاتم هامسة

" إن وعدتني بالتوقف عن البكاء فورا "

قبلت خدها مبتسمة من بين حزنها ودموعها ووقفت خارج

السرير فنظرت لها للأعلى وقالت

" وعدتك أن نخرج معا وتأخر الوقت فهل نتركها لوقت آخر أو

يقوم الكاسر بأخذك بدراجته النارية ، صحيح أن قيادته مجنونة
لكنك ستستمتعين برفقته "

قبلت خدها مجددا وقالت مغادرة الغرفة

" بل سأنتظرك أنتي "

" تيما "

وقفت مكانها عند الباب والتفتت لها ما أن نادت عليها فمدت

لها بذاك الخاتم قائلة

" خذيه معك وأعطيه لوالدك "

عادت ناحيتها وأخذته منها بعدما قبلت خدها للمرة الثالثة ،

كانت تريد سؤالها عن الكثير لكنها تراجعت فيبدوا أن الأمر

رسائل مشفرة بينهما لا يمكنها فهمها ، وتلك هي حقيقة الأمر

فلم يكن ذاك الخاتم سوى رسالة قبول لتحديهما السابق


*
*
*

جرب الاتصال به مجددا وبلا فائدة فأرسل له يضغط أصابعه

بقوة على الأحرف

( أجب يا جبان )

والنتيجة ذاتها فأرسل مرة أخرى

( ليس المال ما سأحاسبك عليه لكن كن رجلا وعند كلمتك

يكفي ما حدث لها كل هذه الأعوام )

تأفف بعدها ضاغطا زر إغلاق الهاتف حين لم يصله منه أي

جواب ورفع جسده للأعلى متكئ برأسه على ظهر الكرسي

المتحرك مغمضا عينيه ومر طيفها أمامه فورا وعيناها الباكية

وهي تترجاه في آخر مرة رآها فيها قبل الحادث قائلة ببكاء

وهي تمسك يده بيديها
" رماح أنتما لن تفعلا كل هذا بي ... رماح أخبره أن جليلة

تعفيه من الوعد البائس ذاك وحرر نفسك مني "

شد قبضتيه بقوة وهمس من بين أسنانه ولازالت عيناه مغمضتان

" ممن سأطلب الغفران ومن ؟ ليتك مت مع والدك يا رماح "

أخرجته اليد التي أمسكت بكتفه من كل ما كان فيه فنظر عاليا

لصاحب تلك العينين السوداء الحادة والملامح الجدية حين

تحركت شفتيه الحازمة وقال ببرود

" هل لديك مشكلة مع صاحب ذاك الرقم ؟ "

نقل نظره بين عينيه بصمت دون أن يجيب ، رجل يعلم من أي

نوع هو وإن لم يعرفه إلا من ساعات .... الذكاء والفطنة والقوة

بل والقسوة التي تحملها تلك العينين لا يكون صاحبها إلا كما سمع

عنه بالفعل ولن يكون إلا من سيعلم ذاك الرجل درسا لن ينساه.

" كنتما صديقين أليس كذلك ؟ "

ابتسم بسخرية أقرب للمرارة ولم يعلق أيضا.... صديقان .. !

قل أقرب للشقيقين ... من ضحى بالكثير من أجله بل وبأغلى

ما كان يملكه وبأثمن ما خسره ومن أجل صديق ...!

همس يشد قبضته بغضب مكتوم

" افعلها إذا من أجلها هي وليس من أجلي يا تيم "

ابتسم الواقف فوقه ببرود وقال

" كن على ثقة إذا من أنه سيتمنى لو لم يعرفها يوما "

شد بعدها على كتفه وقال بجدية ناظرا لعينيه المحدقة به للأعلى

" كن شجاعا يا ابن شراع وأنا موقن من أنه لن تكسرك إعاقة

حمقاء"

ابتسم له من فوره وقال

" رجل مثلك قد يفهم ما أمر به الآن وإن لم يجربه وليس ابن

شراع من يتغلب عليه ذلك ، تأكد من هذا ياابن كنعان "

كانت ابتسامة جانبية صغيرة تلك التي ارتسمت على شفتيه ودس

يده في جيبه قائلا " لا يمكنك إحصاء تلك المرات التي كدت فيها

أن أفقد أحد أطرافي أو حتى حياتي لكن الرجل لا يموت إلا كاملا

يا رماح تذكر هذا جيدا "

اومأ له برأسه موافقا وقال مبتسما

" كما أن البطل الحقيقي يظهر بعد موته يا تيم "

ابتسم له بدوره ابتسامة ودود .. ابتسامة حقيقية هذه المرة ثم

ربت على كتفه وغادر من هناك يتحدث بهاتفه قائلا

" جيد كل شيء جاهز أخبر توماس أن دورهم قد حان "


واختفى مبتعدا بخطواته الواسعة الواثقة لازالت تراقبه نظرات

الجالس هناك وقد همس بإعجاب

" من المؤسف أن بطلا مثلك لن يسجل التاريخ بطولاته إلا بعد موته

يا رجل عائلة كنعان هازان "


*
*
*
خرجت من عندها وعادت جهة غرفتها فعليها أولا محادثة خالها

رعد ، وصلت للداخل وأغلقت الباب خلفها فمنذ اتصلت بمنزل

والدها وأخبرتها الخادمة أن عمها صقر قادم اليوم وبرفقته

ضيف سيقيم عندهم لبعض الوقت فقط وأنه لا أحد منهم يعلم من

يكون لم تعد تستطيع الانتظار هنا ولا دقيقة ... جدها دجى لن يكون

ثمة أحد غيره سيسافر عمها صقر شخصيا من أجله لفرنسا ومن

سيقيم لديهم ولا أحد يعرفه لذلك عليها أن تتحدث معه سريعا ،

أمسكت هاتفها واتصلت به فأجاب بعد قليل قائلا بابتسامة " يبدوا

أنني سأندم على إعطائك رقم هاتفي "

مدت شفتيها بعبوس متمتمة " هذه المرة الأولى ! "

وصلتها ضحكته فوراً وقال " أمزح فقط فلا تغضبي ، بما أخدم

ابنة شقيقتي الجميلة "

نظرت جهة الباب بحزن وقالت بصوت منخفض

" أريد العودة لحوران اليوم خالي رعد أتفعلها من أجلي ودون

أن يعلم أحد "

ساد الصمت من جانبه فقالت برجاء قبل أن يقول ما تعرفه جيدا

" ستتفهم والدتي الأمر وسأتحث معها من هناك ولن تغضب كما

سأقوم بزيارتها قريبا .... أرجوك خالي رعد أنت ستفعلها من

أجلي أليس كذلك ؟ قسما أن الأمر مهم ولا يمكنني قوله لها الآن

وصلها صوت تنهده الواضح وقال

" أمري لله ... كوالدتك تماما حين كانت في عمرك تعرف كيف

تخرج بما تريد "

ابتسمت بحنين خالطه الكثير من الحزن فهي تشتاق لها وإن

كانت بقربها .. تشتاق لتلك الأيام التي لم تعرفها فيها ، همست ببحة

" وماذا عن الآن "

ضحك من فوره وقال

" الآن هي تفعل ما تريده ولا تحتاج لألاعيبها تلك ، سأكون أمام

المنزل مقربة غروب الشمس وسأجدك في انتظاري اتفقنا ؟ "

حركت رأسها موافقة وقالت

" بالتأكيد فلا تنسى أنت أن توصي الحراس بالتكتم كالمرة الماضية "

ضحك قائلا

" أمري لله كنت أعلم بأنني سأندم على الكثير بعدما عرفتك

يا ابنة غسق ... وداعا الآن "


أنهت الاتصال مودعه له وحضنت الهاتف مغمضة عينيها تدعوا

الله أن يوفقها فيما تريد فعله ، وقفت بعدها وغادرت الغرفة

وتوجهت للغرفة المجاورة لها فتحت الباب قليلا وأدخلت رأسها

تنظر مبتسمة للجالس على طرف السرير يمسك بين أصابع يده

اليمنى سهما أحمر الرأس صغير ويغمض إحدى عينيه ويصوبه

جهة حلقة التصويب المعلقة على الجدار ويمسك أسهم أخرى في

يده اليسرى فابتسمت على منظره ذاك وهو يحاول تعيين مسار

السهم قبل رميه ثم فتحت الباب أكثر ودخلت ووقفت أمام تلك

الحلقة المعلقة وأغمضت عينيها قائلة

" إن كنت غاضب مني فارمني بإحدى سهامك الآن لتكون غفرت لي "

ابتسم الجالس هناك وقال

" ابتعدي يا حمقاء أو غرسته في جبهك الصغيرة بالفعل ولن

نأخذك للطبيب ليخرجه لك فها قد حذرتك "

وصعت كفها على عينيها وقالت مبتسمة

" لا يهم إن كنت ستسامحني"

ضحك بصمت وقال

" احتفظي بجمالك أفضل لك يا ابنة مطر فقد تقابلي زوج

المستقبل قريبا ويغير رأيه بسبب السهم"

كتمت ضحكة تغلبت عليها وقالت ولازالت تغمض عينيها بكفها

" وما نفع أن أتزوج وشقيقي غاضب مني ، ثم لا تقلق فلن

أقابل أحدا "

حرك رأسه بيأس منها مبتسما وقفز بخفة ووصل عندها بخطوات

خافتة وقبل جبينها قائلا بابتسامة

" أنا لم أغضب منك يا شقيقتي لأسامحك "

أبعدت يدها وقفزت حاضنة له وتعلقت بعنقه قائلة بسعادة والدموع

تملأ عينيها الواسعة

" شكرا لك يا شقيقي الرائع "

أبعدها عنه قائلا بضحكة

" لا تفرحي بهذا كثيرا فأنا لم أفعلها إلا لأني لا أريد أن أزفك
لزوجك والسهم منغرس فيك "

ضحكت كثيرا وسحبت الأسهم من يده قائلة

" اتركني أجرب هذا إذا "

استلهم منها قائلا بضيق

" لا لن أسمح لك بأن تتغلبي علي في هذه أيضا "

قفزت على ظهره ضاحكة تحاول أخذهم منه وهو يحاول ابعادها

شاتما من بين ضحكاته



*
*
*


مرر أصابعه خلال شعره الأسود الغزير متكئ بمرفقيه على

سياج الشرفة ينظر للأرض الخضراء تحته ولبريق ضوء الفجر

ينعكس على سطع قطرات الندى المتسابقة فوق تلك الأوراق

المتراقصة برفق مع النسيم الخفيف ، أغمض عينيه ببطء ومر

أمامه فورا ما حدث منذ ساعات قليلة وما لم ينساه لحظة ليتذكره ...

بكائها .. صراخها المذعور واستنجادها بجدتها فقط من بين

الجميع . .كانت كما أخبرت عنها مربيتها تماما ترى شخصا أو

شيئا يرفض عقلها أن يرى غيره مهما حاول الموجودين حولها ،

وأي شخص سيقترب منها أو يلمسها ستظنه ذاك المجهول ، فتح

عينيه وتنفس بعمق ممرا كفه على صدره حيث لازال يشعر بها

هناك في حضنه .. حيث أنهكها الصراخ وتمكن منها التعب نهاية

الأمر من شدة مقاومته ، حيث أفرغت آخر شحنات غضبها

ووجهت آخر ضربات من قبضتيها ، بل حيث سكبت تلك الدمعات

الأخيرة وحررت العبرات القليلة وحيث استسلمت تقريبا نهاية الأمر ،

ضغط بيده على أضلعه متنفسا بعمق وأغمض عينيه لبرهة وهو

يتذكر همسها هنا .. أجل هنا باسمه قبل أن تفقد وعيها تماما

وكأنها أدركت أنه هو نهاية الأمر .

وقف على طوله وأمسك بيديه السياج النحاسي البارد منحن قليلا

ورفع نظره حيث شروق الشمس تداعب النسائم الربيعية خصلات

شعره الأسود القصير وياقة قميصه الأبيض المفتوحة وكل ما يحاول

ترجمته وفك رموزه هو كلام جده المبهم والذي لايزال يدور في

عقله حتى اللحظة

( قلت ابتعد عنها يا وقاص لأنها ميتة ... هي جثة في جسد امرأة

ولن تجد لديها ما تبحث عنه أبدا فهي لن تعطي شيئا لا تملكه )

( فقدت كل شيء وفاقد الشيء لا يعطيه أبدا فاقتنع بأنها انتهت

من الوجود منذو أعوام )

حرك رأسه برفض وهمس من بين أسنانه

" ليست ميتة .. كل شيء نفقده يمكننا استعادته إلا الحياة نفسها

وهي حيه ... حيه تتنفس أمامي "

أدار بعدها للشمس ظهره ودخل من باب الشرفة يغلق زري

قميصه المفتوحتين ورفع سترته المرمية على السرير وغادر

الغرفة فلا وقت أمامه ولا للاستحمام وتغيير ملابسه فعليه أن

يكون في لندن بعد أقل من ساعتين ، خرج مغلقا باب الغرفة وراءه

لحظة ما انفتح باب آخر وخرجت منه التي كانت تحمل حقيبة ثياب

صغيرة في يدها ، نظرت له بحزن وقالت

" وقاص سأغادر من أجل الجراحة اليوم ، كنت أتمنى فعلا أن

تكون معي وبجانبي .. أنت لا أحد غيرك "


ابتسم بسخرية وقال ناظرا لعينيها

" لو أردت رضا وقاص فعلا ما أجريتها يا جمانة ، وبعد أن نلت

ما تريدينه انسي وقاص للأبد "

ملأت الدموع عينيها وقالت بضيق

" لما تضع اللوم عليا دائما ؟ لما تتعمد أن لا تفهمني وترفض

ما فيه سعادة كلينا ؟ "

أشار لها بسبابته وقال بضيق أشد

" أنتي ... أنتي يا جمانة من دمر ما بيننا وأنتي من كان السبب

في أن لا يكون بيننا شيء من أساسه ، كم مرة أخبرتك أن ما

تبحثين عنه لا يعنيني وأن ما يخبرك به عقلك المريض أبعد ما قد

أفكر فيه "

وتابع بغضب وقد أشار بإصبعه جانبا

" النساء الرشيقات الشقراوات الفاتنات أمامي في كل مكان وحتى

داخل مكتبي إن كنت أريد ما تهلوسين به وكم مرة شرحت

وقلت وأعدت أن ما يعنيني في المرأة داخلها .. عقلها .. وأن

لا تكون هامشية ساذجة غبية تحركها عواطفها أو أهوائها ،

قلت وكررت وأعدت كالببغاء لأعوام وكنت وكأنني أتحدث لجدار

أصم بل لو كنت أتحدث معه لفهم ذلك ورحمني ، لو كنت أهتم

بما تفكرين فيه ما تزوجتك منذ البداية ومن دون أن أراك لأن

القشور الزائفة هذه آخر ما يعنيني "

تدحرجت دمعتها على خدها الممتلئ وقالت باستياء

" معك حق فأنت لم تكن تسمع ما.... "

صرخ فيها بغضب مسكتا لها

" يكفي سئمت من سماع هذه الأسطوانة لثلاثة أعوام متثالية ،

ها أنتي ستحصلين على ما تريدينه لتجدي ما تبحثين أنتي عنه

لكن ما يريده وقاص فيك لن تغيره الجراحة أبدا يا جمانة ، وتذكري

فقط أن لا تلومي إلا نفسك يوم ستبكين ندما على إقحامها في لعبة

إهدار المال ورضى الله هذه التي ستدخلينها "

أنهى جملته الغاضبة تلك ثم توجه جهة باب الجناح وخرج ضاربا

له خلفه بقوة دون أن يترك لها مجالا ولا لتعلق على ما قال تاركا

إياها وحقيبتها التي تسقيها دموعها وقد صرخت باكية وإن لم

يكن يسمعها

" لن تفهمني أبدا يا وقاص ، لن يفهمني رجل مثلك يملك كل شيء

ولا يعيره أحد "


*
*
*


نزلت من الشاحنة تنفض ثيابها متأففة وتشعر بأنها لحظات

وستبكي ففوق الإذلال والغبار والأدخنة تأخرت كل هذا الوقت

بسبب سير هذا الوحش في الطرق المزدحمة ولا يمكنها حتى

الاستحمام وتغيير ثيابها ، صرخت منادية تنظر جهة الشاحنة

المبتعدة

" عد إلي هنا أخذت ثيابي معك يا أحمق "

ولا من مجيب ولا حياة لمن تنادي وهي لا ترى سوى نقطة

حمراء تبتعد شيئا فشيئا فنفضت حقيبتها تشتم شخصا واحدا

ورجلا واحدا ككل مرة ، توجهت بعدها جهة مبنى الشركة

ودخلت وتوجهت جهة المصعد فورا متجاهلة موظفة الاستقبال

التي كانت تناديها فلا ينقصها الآن أن تشرح سبب دخولها وهي

ليست ضمن موظفي الشركة ولا موعد مسبق مسجل باسمها فلن

تستبعد أبدا أن تطرح تلك الشقراء أرضا إن هي تحدثت معها وأن

تفرغ غضبها بأكمله فيها ، وصلت مكتب السكرتيرة التي ما أن

رأتها نظرت للساعة في معصمها ثم لها وقالت بنزق

" تأخرت كثيرا ، ساعة كاملة منذ اتصلت بك "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" ما الذي كنت تتوقعينه وأنتي ترسلي لي تلك الشاحنة ؟

أن تطير بي مثلا وتوصلني في ثواني ؟ "

رمقتها بنظرة غاضبة وكأنها تكتم مكرهة ما تريد قوله ثم أشارت

بالقلم في يدها للكرسي أمام مكتبها قائلة بامتعاض

" يمكنك الجلوس هنا فالسيد كروس لديه ضيف مهم لن يغادر

قريبا لأنه دخل منذ لحظات قليلة فقط "

تجاهلتها رافعة أنفها وتحركت جهة الأريكة الجلدية السوداء

المقوسة المحاذية للواجهة الزجاجية المطلة على نهر التايمز

ورمت حقيبتها هناك وارتمت هي أيضا عليها نائمة فوقها

وقد تناثرت تلك الخصلات البنية المموجة حولها وحضنت

الوسادة المربعة الشكل الصغيرة قائلة

" أيقظيني حين يغادر ضيفكم المهم ذاك "

وأغمضت عينيها فور متجاهلة تلك النظرات الحانقة التي كانت

ترميها بها فهي تحتاج فعلا لأن تنام في مكان دافئ كهذا وفوق

شيء لا يشبه تلك الأرضية الصلبة الباردة وإن كانت مجبرة على

النوم بشكل مقوس هكذا .

" هيه أنتي "
تأففت ورفعت خصلة من شعرها عن وجهها وفتحت عين واحدة

فقط تنظر للواقفة فوقها تمسك خصرها بيديها بتنورتها القصيرة

التي لم تعد تخفي شيئا لوقوفها فوقها فتمتمت ببرود

" أجل هذا هو دور السكرتيرات الأساسي "

قالت الواقفة فوقها بضيق متجاهلة تمتماتها تلك

" هذا ليس مكانا للنوم يا آنسة ولن يعجب السيد كروس هذا

المنظر أبدا إن خرج ورآك وسيوبخني أنا وليس أنتي ، ثم

ماسيكون مظهر الشركة إن دخل أحد العملاء ووجد هذا ..... "


قاطعتها بحنق وقد عادت للجلوس

" وفري خطاباتك لنفسك ها قد جلست "

فتأففت تلك وغادرت دون أن تضيف شيئا وعادت لعملها بينما

احتضنت هي الوسادة وانزلقت على الأريكة المريحة قليلا وأتكأت

برأسها جانبا وأغمضت عينيها ، ورغم وضعيتها الغير مريحة إلا

أنها استسلمت للنوم سريعا بسبب دفئ المكان ولم تشعر بمرور

الوقت ولا ما يجري حولها ولم يخرجها من عالمها المظلم الدافئ

ذاك سوى ذاك الصوت الأنثوي المزعج

" هيا استيقظي "

فتحت عين واحدة تفرك الأخرى بيدها وتثاءبت مطولا ثم نظرت
حولها ليلفت نظرها باب المكتب الذي اختفى خلفه ذاك الكتف

العريض تغطيه بذلة سوداء يمكن معرفة نوع قماشها الفاخر من

بعيد ، كان ذلك فقط ما رأته من بين رموشها الكثيفة وهي بالكاد

تفتح تلك العين الواحدة وعلمت مما رأته بأنه لن يكون عجوزا

كما توقعت ، هبت واقفة على طولها ما أن استوعب عقلها

ما يجري وقالت ترتب خصلات شعرها

" هل غادر ضيف السيد ؟ "

شتمت هامسة ثم قالت بضيق

" لما لم توقضيني قبل أن يخرج السيد كروس من مكتبه "

رمقتها بنظرة حادة وعادت جهة طاولتها قائلة بضيق

" لم آذن لك بالنوم لأوقظك ، السيد ينتظرك في مكتبه "

نظرت لها بحنق ولم تعلق ، ليست تفهم كيف يوظفون واحدة

وقحة مثلها في هكذا وظيفة وشركة ؟ سحقا لها بسببها وضعت

في هذا الموقف السيء ، لم تكن تريد للقائها الأول بذاك الرجل

أن يكون هكذا وأن يراها وهي نائمة منحنية الرأس كالبلهاء

واللعاب يسيل من فمها المفتوح ، تأففت بحنق ورمت كل تلك

الأفكار من رأسها ونظرت لثيابها ترتبها ثم توجهت جهة الباب

التي تركه شبه مفتوح خلفه رافعة الرأس عمدا وهي تجتاز

الجالسة خلف مكتبها حتى دخلت وغاب نظرها فورا في المكتب

الفخم بتصميمه المبهر وقد ارتكز ديكوره الرائع على خشب

الزان الذي غطى حتى الجداران الخلفي والجانبي ، واجهة زجاجية

تطل على أجمل مناظر المدينة وأثاث جلدي أسود فاخر وإضاءة

خفيفة مصدرها المصابيح المدمجة مع ديكور السقف الأبيض

المخالف للون الجدران والأرضية الخشبية منسجما مع قطعتي

الأثاث البيضاء الوحيدة هناك ، حتى اللوحة الجدارية تنم عن

ذوق ذكوري فخم وذكاء حاد ، دار نظرها في المكان بإعجاب قبل

أن يستقر على الكرسي الجلدي خلف طاولة المكتب العريضة

والذي كان ظهره الطويل مقابلا لها لا يظهر من الجالس عليه

سوى ذراعه وساعده والساعة الفاخرة في معصمه لإتكائه بمرفقه

على مسنده يثبت هاتفا على أذنه ويبدوا يتحدث مع أحدهم ، ضحك

من بين كلمات قليلة همس بها لم تفهمها فارتسمت لا شعوريا

ابتسامة واسعة على شفتيها ، رباه ما أجمل ضحكته ! يبدوا أن

هذه الوظيفة ستحمل الكثير من المتعة برفقة هذا الوسيم المميز

كما تجزم من دون أن تراه ،

فتحت حقيبتها بسرعة وأخرجت مرآتها ونظرت لشعرها ووجهها

ثم أعادتها سريعا ونظرت مجددا للذي تحرك بالكرسي قليلا في

مكانه دون أن يظهر لها منه شيء وتحدث مع من في الطرف

الآخر بالفرنسية فعقدت حاجبيها باستغراب ، ألم تسمع هذا

الصوت سابقا ؟ هل يخيل لها أم أن شبح ذاك الرجل أصبح

يطاردها في كل مكان ! ركزت نظرها على يده الممسكة لذاك

الهاتف وبدأ مستوى الإدرينالين يرتفع في جسدها بشكل مخيف

وهي تنظر بإمعان لخاتم الفضة الرجالي المحفور والمرصع بحجر

كهرمان أحمر كبير في أصبعه فشعرت بالخدر يصعد من ساقيها

لباقي جسدها ببطء قاتل تحاول تكذيب ما يحاول عقلها ترجمته ،

ومن دون أن يكون أمامها مجال أوسع لأن تفكر وتحلل وتفسر

دار ذاك الكرسي نحوها في حركة واحدة سريعة ووقف من كان

يجلس فوقه ينظر مبتسما بسخرية خالطها الكثير من الانتصار

لعينيها الخضراوان الشاخصتان فيه بذهول .. شفتاها المنفرجتان

من الصدمة ووجهها الذي سحبت الدماء منه تماما فتحول

لتمثال حجري شاحب ، رمى الهاتف من يده على الطاولة أمامه

وقال بذات ابتسامته الساخرة

" مرحبا بك في عالمك الجديد آنسة غيسانة شاهين الحالك "


*
*
*

وصل عند سياج مزرعة منزلهم ونزل من السيارة ووقف مستندا

بظهره عليها بعدما اتصل بيمان ليخبره بأنه أصبح هنا ، ما طمئنه

أن يمان أخبره بأنه أيضا يريد رؤيته فورا ومن صوته علم أن

الموضوع لم ينل إعجابه وهذا ما سيسهل عليه مهمة شرح

الأمر له ، ومن الطبيعي أن تكون تلك ردة فعله وأي شخص آخر

غيره سيفعل مثله وهم يقررون تزويج شقيقته التي تحتاج هي

لمن يعتني بها ويربيها لا أن تكون زوجة وأم ، ما أن رآه

خارجا من فتحة السياج حتى أجفل ينظرله بصدمة وهو يسير

نحوه بخطوات واسعة فرفع قبضتيه قائلا

" يمان لا تتهور واتركنا نتحدث أولا "

لكن المتوجه نحوه لم يكترث لما كان يقول بل وصل عنده

وفاجأه بأن حضنه بقوة تاركا إياه فاغر فاه ليس من احتضانه له

وهو يتوقع هجومه الغاضب بل من دموعه التي لم يراها يوما !

من صوت نشيجه الباكي وهو من لم يبكي ولا في أقسى الظروف

ومنذ عرفه !! ضمه بقوة أكبر قائلا

" شكرا لك يا أبان ، أنت لا تعلم ما فعلته ... أنت قدمت لي

معروفا لن أنساه لك ما حييت يا صديقي ، لم أكن أتخيل أن حبك

لي وصل لأن تريد مناسبتي ، شقيقتي أمانتك يا أبان هي قاست

في حياتها ضعف عمرها بكثير ومتأكد بأنها لن تظام بعد الآن "

أغمض عينيه بقوة ولم يعرف بما يعبر وما يقول ..... يمان الذي

لم يترجاه يوما ! من لم يطلب منه شيئا أبدا تنزل دموعه الآن

امتنانا له ! تذكر الشجار الذي دار بينه وبين والدته صباحا وشعر

بهول الأمر وهو يتذكر تحديدا سؤالها الغاضب

" تريدها فعلا يا يمان أم كنت تكذب ؟"

شعر بأنه وجد المخرج أخيرا فقال من فوره

" بلى كنت أكذب بل كانت حجة فقط لأنك ترفضين الاقتناع برأيي "

أشارت له بإصبعها قائلة بحزم

" ستتزوجا إذا ورغم أنفك وستعيش بيننا كابنتي بثينة وأعز ولن

يعترف بها أحد زوجة لك فأرني من منا رأيه الصواب وادفع ثمن

أكاذيبك لوحدك "

وغادرت من هناك بعدما رمته بكل تلك القنابل وتركته يشتعل

غضبا لا يستطيع التعبير عنه فنظر للواقف مكانه عند الباب

والذي قال بضيق

" كم مرة قلت لا أحد منكم يغضبها ؟ تحمل نتائج أفعالك الآن "

وتابع وهو يجتازه متوجها للسلالم

" ولا أراك رابحا بتخليصك من مسؤليتها فلا تفرح كثيرا بذلك

فلا أقسى على قلب الرجل من أن يحرم مما يحل له "

ابتعد عنه وخبأ عيناه في يده منحني الرأس وقال ببكاء

" كسرة ظهري هي يا أبان من أجلها أتحمل الذل والمهانة

وضياع مستقبلي ، لو تعلم أي معروف هذا الذي قدمته لي "

لم يستطع تحمل أكثر من ذلك وكادت عيناه أن تدمع لبكاء

صديقه المقرب فأمسك ذراعيه وقال

" لما لم تخبرني يا يمان ؟ لما كنت تخفي كل هذا عني؟ "

مسح عينيه هامسا بحزن

" بماذا كنت سأخبرك وبما كنت ستساعدني؟ بأن شقيقتي ذات

الثلاثة عشرة عاما تعمل لدى والدها وزوجته كخادمة ؟ بأنها

تقوم بواجبات من هن فوق العشرين عاما؟ بأنها حرمت من

دراستها ومن رؤية الناس أو بأنها نامت ليال وليالي على البلاط

البارد في الشتاء القارس دون غطاء وجسدها بأكمله كدمات

بسبب الضرب وأن كل ما كنت أستطيع فعله من أجلها هو تغطيتها
في غفلة عنهما ؟ هي من كنت بسببها سجين هذا المنزل والمنفى

الذي تدمر فيه مستقبلي والآن أصبح بإمكاني التحرر منه "

شد على كتفه وخانته الكلمات مجددا بل حمد الله أنه لم يتحدث معه

أولا ويكسره فوق كسره من عائلته بل من والده عزوته وسنده ،

فهم الآن لما كان يرفض مساعدته له بأن يعمل معهم ، وفهم لما

درس ذاك التخصص المتدني وهو المتفوق دائما ، وعلم السبب

الذي كان يجعله حزينا وشارد الذهن طوال الوقت ... وخلاصة

الموضوع أنه أصبح مجبرا على الموافقة والصمت ، أخرج له

منديلا من جيبه أخذه منه فورا وبدأ بمسح دموعه فأمسك

بذراعه وسحبه جهة السيارة قائلا

" تعالى إذا أمامنا بعض المشاوير الهامة وأولها مكتب شركتنا "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 18-10-17, 09:37 PM   المشاركة رقم: 444
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


أمسكت يدها بقوة فمسحت تلك على شعرها الأسود القصير وقالت

" جمانة عليك أن لا تتوتري فالأمر بسيط جدا وسنكون معك خلال

ساعتين أو أقل"

أشارت برأسها بحسنا وأغمضت عينيها ببطء فعليها بالفعل أن

تكون قوية فهذا ما حلمت به وأرادته من اليوم الذي رأت فيه

وقاص ... اليوم الذي أصبحت فيه زوجته أو تلك اللحظة التي

دخل فيها غرفتهما وهو هناك .. لن تنسى ذاك اليوم ما عاشت

وهي ترى أمامها ذاك الشاب الذي فاق أحلامها البسيطة بألآف

المرات وهي من كانت تتمنى وإن زوج أقل منها بكثير ..

لم تجرب الحب يوما ولم تعرف نظرة الإعجاب في عيني رجل

درجة أنها وافقت على ذاك الزواج التقليدي ولم تعترض على

رفضه أن يراها أو يتحدث معها قبل الزواج ، كانت تتخيله رجلا

قصيرا بدينا مثلها لا شعر له حتى فوجئت بالحقيقة الفاجعة وهي

ترى أمامها أجمل رجل لبس البذلة السوداء الأنيقة وقعت عيناها

عليه وأكثر رجلا عرفته أناقة وثقة ، رجل يملك ابتسامة لم ترى

مثيلا لها وملامح تحاكي جذوره العميقة ، ومنذ ذاك اليوم كرهت

نفسها وجسدها وشكلها وأصبحت ثقتها في نفسها تتراجع من

السيء للأسوء يوما بعد يوم كلما كانت معه في مكان ما ورأت

تلك النظرات الموجهة ناحيتها وسمعت تلك التعليقات المتفرقة

عنهما ، فلا قصر جسدها البدين يناسب جسده الطويل الرشيق

ووقفته الواثقة ولا ملامحها العادية تتناسب وملامحه الأرستقراطية

الجذابة وكأنهما النقيظ تماما فبدأت علاقتهما بالتدني وصولا

للقاع وبدأت تبحث عن الحلول البديلة .. مكياج صاخب لتظهر

أكثر جمالا وملابس بأثمان أبهض لعلها تغطي كل ذاك النقص

لكن الأمر لم يكن يزداد إلا سوء وبدلا من نعتها بالبدينة القبيحة

باتت تنعت بالمهرج ذو الأنف الأحمر ، فتحول هوسها لوصفات

التنحيف وأصبحت تحرم نفسها الطعام لساعات بل ولأيام أحيانا

فنجح الأمر أخيرا وخسرت بعضا من وزنها وعندها ظهرت

المشكلة الأسوء فذاك الجسد الممتلئة المشدود أصبح مترهلا

قبيح المنظر وجميع عبارات التشجيع التي كانت تسمعها من

البعض بأن جسدها أصبح أفضل وبأنه عليها أن تستمر في ذلك

كانت تطير أدراج الرياح ما أن تنظر للجسد الموجود تحت تلك

الملابس والذي يراه شخص واحد ليس من ضمن جميع أولئك

المادحين لما أصبحت عليه فكرهت جسدها الجديد أيضا والذي

رغم عودته كما كان لم يتخلص من كل تلك الترهلات التي دمرت

معالمه الأنثوية بشكل شبه نهائي وأصبحت الفجوة تكبر أكثر

وتشكيها يكثر ونفوره منها بالتالي يزداد حتى قرأت إعلانا

عن تلك الجراحات التجميلية وأصبح هوسها هو البحث عنها

وخوض تلك التجربة التي ستجعلها أنحف من دون ترهلات ولا

مشاكل . لا تنكر أن تلك الفكرة كانت السبب الرئيسي في الفجوة

الأعمق بينهما فبينما كانت هي تصر عليها باستماثة كان هو

يرفضها وبإصرار حتى أصبحت شجارتهما شبه يومية ، منذ

عرفت وقاص عرفته رجلا خلوقا مثقفا حظاريا يفهم ما عليه

قبل أن يطالب بما له فحتى علاقتهما الخاصة كان يهتم فيها

بأن يرضيها كأنثى وإن لم يحصل هو على ما يرضيه فكان يهتم

بها هي قبل نفسه لكنها ليست غبية لذاك الحد درجة أن لا تفهم

أنه لم يتجاوب معها يوما برغبة منه .. بشغف بشوق وليس

مراعاة لها فقط ، أنه لم يحبها يوما كما يعشق الرجل الأنثى وكما

تمنت هي أن تكون علاقتهما ، قد لا تنكر أنها السبب كما قال ليلة

البارحة لكن الذنب ليس ذنبها وحدها فهو أيضا كان يعلم ما الذي

قد يحسن علاقتهما تلك ورفضه ، كيف يريد منها أن ترضى

وتتأقلم وتثق بنفسها كما يقول كيف ؟! كيف لها أن تمحوا تلك

الصورة من دماغها لتلك المرأة الفاتنة التي دخل يحملها بين

ذراعيه ؟ المرأة التي امتلكت كل ما تفتقده هي وتتمناه ، كيف

تنسى ذاك الجسد الرشيق بلون الشمع النقي ؟ تلك الملامح

الجميلة الهادئة والعينان الزرقاء الواسعة والنظرة القوية

الواثقة التي زادتهما جمالا والشعر الأشقر الذي كاد أن يغطيه ؟

كانت بالفعل النصف المفقود من الصورة التي وقف فيها وقاص

وحيدا لأعوام ... حقيقة قتلتها في أعماقها وإن كانت تلك المرأة

زوجة شقيقه وابنة عمه الخرساء فالأعمى فقط من لا يلاحظ

أن اهتمامه بها فاق حدود الدم والقرابة رغم أنها أكثر من يعرف

دفاعه المستميت دائما عن القضايا الإنسانية وحماية الضعفاء ...

لكنها امرأة بل فاتنة متكاملة ليست تعلم لو لم يكن يعيبها ذاك

الصمت التام ما كانت ستجد فيها عيبا !!


مسحت بظهر كفها الدموع التي تسربت من عينيها لحظة أن

تجمعت الممرضات حول سريرها وسحبنه بها فنظرت حيث

اللتان تركتهما خلفها تبتسمان لها مشجعتان ولم تتركهما

نظراتهما حتى دخلوا بها غرفة العمليات حيث أصبحت محاطة

بثلاثة أطباء يتناقشون حول جسدها وكأنه قطعة كعك فاسدة

عليهم إعادة تصنيعها وتدويرها من جديد ... لا يستر جسدها

العاري شيئا سوى تلك الحلقات الخضراء المنتشرة على بشرتها

بسبب ذاك القلم البارد في يد أحدهم ، فهل هذا أول ما كان

يرفضه وقاص ؟ أغمضت عينيها برفق وتنهدت بعمق فلن تدع

شيئا يقف في طريق تحقيق حلمها ولا حتى الموت


*
*
*

نظرت للهاتف الذي عاد للرنين مجددا ولاسم ( تيم كنعان )

يضيء شاشته ثم نظرت للجالسة أمامها وهمست بتهديد

" لا تجيبي أو اقتلعت عينيك "

ابتسمت بسخرية وكتفت ذراعيها لصدرها ونظرت جانبا ،

ولا هي تريد أن تجيب ، ألم يطلب أن تراسله فقط فلما يتصل بها ؟

كان أرسل رسالة أيضا ، بل عليه أن لا يتعب نفسه بقول

ما سيقول فهي تعلمه جيدا .

بعد اتصال آخر تجاهلته أيضا سكن المكان تماما فقالت ساندرين

ناظرة له بينهما

" يبدوا أنه يئس من المحاولة "

وتابعت بامتعاض وقد نقلت نظرها للجالسة أمامها

" سيجعلك تندمين على تغيبك عن الجامعة أعرف الهازانيين جيدا

متفنون في التعذيب والقهر النفسي "

نظرت ليديها في حجرها وقالت ببرود

" هي دراستي وأمرها يخصني وكان عليا انتظارك لنذهب معا ،
أنا لم أخطئ في شيء "

كتمت ساندرين ضحكتها وقالت

" قد لا يكون هذا ما يريده وسيغدقك برومانسية حالمة طوال الليل "

وما أن أنهت عبارتها تلك رفعت يديها أمام وجهها وقالت بضحكة

" لا تنظري لي هكذا أنا أمزح فقط "

وقفزت في مكانها ما أن رن هاتفها في جيب قميص بجامتها

فأخرجته فورا ونظرت لشاشته ثم انقلبت للخلف ضاحكة وقالت

من بين ضحكاتها

" إنه رقم هاتفه ، قسما سأصيبك بالجنون يا ابن الهازان "

حركت الجالسة أمامها رأسها بيأس منها وهي تعود للجلوس

مجددا قائلة

" ويعرف رقم هاتفي أيضا ذاك اللوح الجليدي ؟ "

همست المقابلة لها ببرود " لا تجيبي "

رفعت تلك الهاتف أمام وجهها وقالت بابتسامة ماكرة

" بل سأفعلها فهل تأتيني الفرصة للنيل من هازاني وأتركها ؟ "

تنهدت الجالسة أمامها بعجز وفتحت هي الخط متجاهلة تحذيرها

وما أن وضعت الهاتف على أذنها وصلها ذاك الصوت الرجولي

البارد العميق بنبرته القوية الواضحة

" أين هي ماريا "

عضت طرف شفتها وحركت كفها أما وجهها ثم أبعدت الهاتف

وهمست للجالسة أمامها

" أعانك الله على هذا ماريااا "

وضحكت بصمت لتعمدها نطق اسمها بطريقته بينما كتفت

الجالسة أمامها ذراعيها لصدرها وأشاحت وجهها جانبا بعبوس

فأعادت الهاتف لأذنها وقالت ببرود

" في غرفتها طبعا "
"
لما لا تجيب على هاتفها ؟ "

أتاها السؤال التالي كسابقه وكأنه لم يهتم لجوابها ذاك فوضعت

يدها حاجزا بين شفتيها والهاتف وهمست بضيق

" البائس !! "

قبل أن تبعدها بسرعة وقالت بضيق تمسك خصرها بيدها

" لا أعلم فأنا في غرفتي ، قد تكون نائمة أو ماتت "

نظرت بعدها للهاتف بصدمة وقالت

" قطع الاتصال !! الوقح ابن الوقحة "

قالت الجالسة أمامها معترضة بضيق

" لا تشتمي والدته "

ضحكت وقالت

" آسفة المهم مسموح لي أن أشتمه هو "

أشاحت بوجهها جانبا من جديد وتمتمت بأسى

" ولا هو أيضا "

ضحكت مجددا وقفزت جهتها وحضنتها تحيط عنقها بذراعيها

وقالت ضاحكة

" ويل قلبي من الذين يعشقون ويغضبون في آن معا "

وابتعدت عنها ما أن عاد الهاتف المرمي تحتها على السرير

للرنين مجددا ونظرت لشاشته ثم وقفت خارج السرير وقالت مغادرة "

أجيبي ماريه قبل أن يتصل بوالدي وحينها ما سيخلصنا من مناصر

الهازانيين ذاك "

وخرجت من الغرفة ونظرها يتبعها حتى أغلقت الباب خلفها ،

نظرت بعدها للهاتف الذي عاود الرنين بإصرار ورفعته ببطء

وكأن ثمة ما يمنعها من فعلها وهي من تمنى ذاك الشيء الغبي

في داخلها طيلة اليومين الماضيين أن يتصل بها لكن الحمقاء

تبقى حمقاء دائما ، تنفست بعمق وفتحت الخط ووضعت الهاتف

على أذنها ولأن ما واجهها كان الصمت التام من الطرف الآخر

همست تقاوم ضربات قلبها المجنونة كي لا يظهر التوتر في صوتها

" أجل يا تيم"

" ماريا لما لا تجيبي ؟ "

شعرت بالدموع الحارة تملأ عينيها وبقلبها يعتصر ألما وهي تسمع

صوته ، ذات الصوت الذي سمعته وعرفته .. ذات ذاك الرجل الذي

قفزت صورته فورا أمام عينيها ما أن سمعت صوته ، وعلمت يقينا

حينها بأنها تحترق شوقا اليه ، أغمضت عيناها العسليتان المليئتين
بالألم ببطء وصمتت قليلا قبل أن تهمس بنبرة هشة

" كنت في الحمام "

وصلها صوته الحازم مباشرة

" لما لم تداومي في الجامعة ؟ القوانين في ذاك المكان صارمة

وتختلف عن التي اعتدت عليها هناك وهم لا يتهاونون في هذا أبدا "

مسحت الدموع من رموشها بظهر كفها وتمتمت ببرود

" علم "

غزى الضيق نبرة صوته بوضوح وهو يقول

" ما معنى هذا ماريا ؟ "

تنفست بعمق وأرغمت نفسها على أن تقول بجمود

" معناه حسنا سأداوم ابتداء من الغد "

" لما أنتي غاضبة ؟ "

كان صوته لا يزداد إلا حدة فعضت شفتها بقوة ومالت على

الوسادة تخفي وجهها فيها تشتمه بين طياتها هامسة كي لا يصله

ما تقول ... غاضبة !! ويسأل لما أيضا ؟ رباه ما الحل مع هذا الرجل ؟

جلست مجددا ورمت الوسادة بغضب وبدأت ترتب شعرها الذي تبعتر

بسببها وقد وصلها صوته

" ماريا تسمعينني ؟ "

غرست أصابعها في غرتها تشدها للخلف وقالت

" أسمعك تيم ولست غاضبة .. مما سأغضب مثلا ؟ "

تمتم بكلمات يونانية لم تستطع فهمها وكانت المرة الوحيدة في

جميع مكالمته تلك التي لم يتحدث فيها بحزم فتمنت لحظتها لو

أنها لا تستطيع أن تتحدث لغة غيرها لتعلم ما هذا الذي لا يريد

أن تفهمه وليس توبيخا أو أوامر صارمة ، قال بعدها مباشرة

" اذهبي لجامعتك ماريا لا أريد أن يصلني إخطار آخر لتغيبك "

تركت أصابعها خصلات غرتها لتتساقط على وجهها وتنهدت بضيق ..

هل سيصله أي إنذار يخصها من الجامعة ليوبخها بشأنه كالطفلة ؟

سحقا لحظها السيء ، همست باستسلام " حاضر "

قال مباشرة

" إن احتجت شيئا أخبريني ... وداعا "

وأنهى الاتصال فارتمت على السرير والهاتف لازال في يدها

تنظر له بحزن أمام وجهها ، أغمضت عينيها برفق تسجن بين

رموشها تلك الدمعة الحزينة هامسة بضعف

" أحتاج ... !! هل تعرف معنى هذه الكلمة حقا يا تيم ؟ "


*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 18-10-17, 09:39 PM   المشاركة رقم: 445
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


فتح باب الغرفة بعد طرقتين خفيفتين ووقع نظره فورا على الجالسة

فوق الفراش الوحيد فيها تحضن ساقيها مخبئة وجهها فيهما وتبكي

بصمت فدخل وأغلق الباب خلفه وتوجه نحوها ، جلس أمامها ومسح

بيده على شعرها قائلا بحنان

" يمامة لما كل هذا البكاء أخبريني ؟ "

خرج له صوتها تخنقه عبراتها المكتومة

" لا أريد أن أتزوج ، لما ترفض أخذي من هنا يا يمان ؟

لما تصمت عن كل ما يحدث يا شقيقي "

شعر بقلبه يتمزق ألما فهذه المرة الأولى التي تلومه فيها على

ما يحدث معها بل ولأول تسأله ذاك السؤال الذي قتله صمتها

عنه لأعوام ، مسح دمعة تسللت من رموشه ورفع رأسها لتنظر

له وقال ناظرا لتلك الأحداق الرمادية الواسعة والعينان التي

أجهدها البكاء

" يمامة أقسم يا شقيقتي أنك لن تكوني أفضل حالا من زواجك

بأبان ، هو صديقي منذ كنا فتية وأعرفه جيدا كنفسي ووالداه لم

أرى من في طيب أخلاقهما فلما تبقي للفقر والضرب والتعب هنا ؟

أقسم لو كنت أعلم أنك ستضامي هناك لخرجت بك من هنا الليلة

لكنك قاصر وفي عهدة والدنا قانونيا وسيرجعك بسهولة ولن يغفر

لك ذلك أبدا ، يمامة هل ترفضي أن تعيشي كأميرة تخدمك الخادمات

بدلا من أن تكوني خادمة ؟ هل ترفضي فرصة لأن تدرسي كما كنت

تحلمين دوما ؟ أنتي بنفسك قابلت والدته وتحدثت معها أليس كذلك ؟ "

حركت رأسها إيجابا وهمست ببحة بكاء

" نمت تلك الليلة أبكي وأنا أتخيلها والدتي التي لم أراها يوما "


مسح دمعة أخرى تمردت على عزيمته الرجولية وقال وقد بدأ

بمسح دموعها عن خديها الصغيران أمام كفه

" وهي ستكون لك كوالدتك يا يمامة تأكدي من ذلك يا شقيقتي "

عادت دموعها للتسرب من رموشها الكثيفة وقالت بعبرة

" لكن الرجال مخيفين ، هو سيضربني كما يفعل والدي مع

خالتي وسيشتمني دائما كما يفعل معها "

ابتسم من بين حزنه على أفكارها الصغيرة كحجمها وكعالمها

الصغير الذي سجنت فيه وقال

" ليس جميع الرجال كوالدي يا يمامة وأضمن لك أبان أكثر من

نفسي بأن يده لن تمتد عليك يوما ، ثم هو طمئنني أن زواجكما

لن يكون حقيقيا في الوقت الحالي وستعيشين وسط عائلته

كفرد منهم "

مسحت طرف عينها بظهر كفها وهمست ببحة

" ما تعني بحقيقي ؟ "

غرس أصابعه في شعره ونظر للأسفل يخفي ضحكته الصامتة

عنها ثم نظر لها وقال مبتسما

" يعني أنه ليس وقت شرح هذا لك الآن وأنه ليس وحدك من

سيتحرر من هذا المنفى بزواجك بل وأنا أيضا "

نظرت له بصدمة وقالت

" ستخرج من هنا وللأبد ؟ "

أومأ بنعم وقال

" سأبحث عن مستقبلي وعن يمان الحقيقي فلم يعد ثمة شيء

هنا يضطرني لتحمل ما قاسيته معهما "

ارتمت في حضنه وقالت باكية

" ستتركني أيضا يا يمان ؟ ماذا إن كان أولئك سيئين أيضا ؟ "

مسح على شعرها وقبل رأسها وقال

" لا تخافي يا يمامة ففي تلك الحالة سآخذك منهم فلن يقف حينها

ولا القانون في وجهي لأنك ستخرجين من وصاية والدي "

ثم أبعدها عنه وأمسك وجهها ونظر لعينيها قائلا

" يمامة لا تخبري أحدا بما أخبرتك به اتفقنا ؟ "


أومأت برأسها موافقة وهمست بحزن

" ومتى ستأتي لأخذي من هناك ؟ "

ضحك وضمها لحضنه قائلا

" متى ما رأيت أنتي أنك مظلومة ومهانة هناك اتفقنا ؟ "

همست بحزن تدس نفسها في حضنه الدافئ

" اتفقنا "


*
*
*



" هيا زيزفون ليس سوى كوب حليب ساخن ستشعرين بالانتعاش

بعد شربه "

أشاحت بوجهها جانبا وقالت بضيق

" لست أحتاج لشيء ساخن ، أشعر بجسدي يشتعل "

وضعت الكوب من يدها وقالت

" هل أحضر لك كوب عصير بارد ؟ "

حضنت ساقيها أكثر وقالت بضيق أكبر

" لا أريد خالتي توقفي عن معاملتي كالأطفال "

جلست على طرف السرير قربها وقالت بحزن تنظر لنصف وجهها

المقابل لها

" لكنك لم تأكلي شيئا اليوم يا زيزفون ، السيد وقاص اتصل مرتين

يسأل إن تناولت الطعام "

نظرت لها وقالت بحدة

" توقفي عن ذكر اسمه أمامي ، لا أريد سماع أسمائهم جميعا ولا

رؤيتهم "

تنهدت بيأس منها ومن عنادها ثم وقفت حاملة الكوب معها لتعيده

للمطبخ للمرة الثالثة بعدما فقدت الأمل في أن تقنعها وإن بشربه

لوحده .

" ما الذي حدث البارحة قبل أن أغيب عن الوعي ؟ "

وقفت مكانها مصدومة ما أن سمعت سؤالها ذاك فهذه المرة

الأولى التي تسأل فيها عن حالتها تلك حتى خيل لها أنها كانت تتذكر

كل شيء ما أن تفيق لذلك لم تكن تسألها ! التفتت لها بكامل جسدها

تمسك الكوب الخزفي بكلتا يديها ونظرت لها لبرهة بصمت وهي

غائبة بنظرها لأغطية السرير البيضاء تحتها لازالت تحضن ساقيها

اللتان يغطيهما اللحاف القطني الفاخر وقد جمعت شعرها الأشقر

الطويل في جانب واحد ليستقر في حجرها تحمل ملامحها الجميلة

الشرود والضيق والاستياء في آن معا ، تنفست بعمق وقالت ما

سبق وأوصاها الطبيب به

" وجدتك هنا مغميا عليك ، لست أعلم عما تتحدثين تحديدا
يا زيزفون ؟ "

وضغطت بأصابعها على الكوب حين ابتسمت الجالسة فوق السرير

بسخرية وقالت دون أن تنظر لها

" تكذبين يا خالة ! لأول مرة منذ أعوام أكتشف هذا فيك "

شعرت بالمأزق الذي أوقعت نفسها فيه وانتبهت حينها فقط أنها

ذكرت اسم ذاك الشاب واتصاله فقالت تنقذ الموقف

" ولما سأكذب ؟ السيد وقاص سأل فقط إن أنهيت عشائك

معهم البارحة و .... "

قاطعتها بضيق ناظرة لعينيها

" ها أنتي تكذبين مجددا ، أنا لم أسأل عما قال ذاك الرجل فتوقفي
عن إيقاع نفسك في كذباتك المتعاقبة "

تنهدت باستسلام فكيف فاتها أن عقل هذه الجميلة الشقراء لا يترك

شيئا دون تفسير ، لم تستطع أن تعلق على ما قالت ليس لأنها

حاصرتها بل لأنها لم تترك لها مجالا لذلك وهي تتابع بذات

ضيقها الحانق

" لما طلبت منه المجيء خالتي ؟ لماذا فعلتها ؟ "

فتحت فمها لتتحدث وعلى لسانها ألف تبرير غير الحقيقة لكنها

سبقتها قائلة

" لا تكذبي مجددا فهو قال أمامي البارحة بأنه سيغادر بريستول

من أجل موعد مهم فما سيرجعه إن لم يكن قد علم بما يحدث هنا ؟

ولا أحد غيرك سيفعلها "

حاولت التحدث مجددا لكن نظرات النكران في عينيها فضحتها

أمام الجالسة هناك والتي قالت بحدة وقد لمعت عيناها باستياء

تشد بقبضتيها على قماش اللحاف بقوة

" لا تنكري خالتي فلازلت استنشق عطره في جسدي حتى اللحظة "

تنهدت حينها الواقفة مكانها باستسلام فلا مجال للنكران بعد كل

هذا فهي تجهل ما حدث البارحة خلف الباب الذي أغلقه بعد

دخوله لكنها كانت تسمع صراخه محاولا التحدث معها وتهدئتها

قبل أن يتحول كل ذلك لكلمات هادئة يطمئنها بها بأنها بأمان وأنه

بقربها ثم خروجه بها يحملها بين ذراعيه فاقدة للوعي تماما ،
مثلما تذكر الجالسة هناك آخر ما حدث معها ولأول مرة منذ أعوام

ومنذ عرفت تلك الحالة التي تستفيق منها لا تذكر شيئا سوى أن

دوامة ذاك الماضي المظلم المخيف قد ابتلعتها تماما .. لا ترى

شيئا لا تسمعهم ولا تتذكر لاحقا سوى ذاك البشع وصوته الكريه

لكنها هذه المرة تذكرت .. تذكرت وجه ذاك الرجل وحضنه وحرارة

جسده .. إبعاده لخصلات غرتها عن عينيها وملمس أصابعه على

وجنتها يهمس لها بدفئ ( أنتي بخير يا زيزفون صدقيني )

لون الغضب حدقتيها الزرقاء حين تذكرت كل ذلك وآخره دموعها

الصامتة التي سكبتها على قميصه فصرخت فيها بعنف

" كنت تركت زيزفون المجنونة تقتل نفسها أفضل ألف مرة من

أن تستجدي شفقة حفيذ ضرار سلطان ذاك "

ارتجف الكوب بين يديها حتى كاد أن يقع منها وقالت بحزن

" أنتي لست مجنونة يا زيزفون ، وأنا كنت أمام خيارين وحيدين

إما أن أتصل به أو أخبر سيد المنزل ليتصلوا بطبيبك ففضلت

الخيار الأول كي لا يتهموك بالجنون "

صرخت فيها مجددا تحرك يدها بغضب

" أنا مجنونة في نظرهم في جميع الأحوال ، لا أريد شفقتهم هذا

فقط ما أرفضه أما بشاعة أفعالهم فاعتدت العيش مع أسوء

منها لأعوام "

قالت من فورها

" ما كنت لأتركك تتأذي ومهما كانت النتائج يا زيزفون لأني لن

أسامح نفسي أبدا بعدها "

أشاحت بوجهها عنها باستياء وعادت لإحتضان ساقيها

متمتمة بضيق

" ليتك تركتني قتلت نفسي وما فعلتها "

اعتصر الحزن والألم قلبها وقالت بهدوء حزين

" زيرفون لا تغضبي مني صغيرتي أقسم أن خوفي عليك كان السبب

الوحيد وراء اتصالي به و ... "


" أريد أن أبقى لوحدي "

قاطعها صوتها البارد وعبارتها اليتيمة تلك فتنهدت بحزن وغادرت

من هناك مغلقة الباب خلفها وما أن وصلت بهو المنزل الواسع

وقفت مكانها تنظر للذي قطع طريقها يحمل حقيبته في يده ويبدوا

دخل المنزل للتو ، قال من فوره ناظرا للكوب في يدها

" هل تناولت شيئا ؟ "

حركت رأسها بالنفي وقالت ما أن تحرك ليجتازها

" لا تتعب نفسك سيدي ولا تدخل لها وهي غاضبة منك فهذا

لن يزيد الأمور إلا سوءا "

نظر لها عاقدا حاجبيه وقال

" غاضبة لما ؟ "

حركت رأسها بعجز قائلة

" ليس منك وحدك بل ومني أيضا فقد اكتشفت أني اتصلت بك

وأنك كنت هنا البارحة "

ثم أبعدت نظرها عنه وتابعت بحزن تخلله الكثير من الأسى

" هي لا تثق في الناس بسهولة ولم يسبق وغضبت مني سابقا

كما أن غضبها بشع لا يزول بسهولة ولن أستبعد أن لا تغفر لي

أبدا ، هي وحيدة حتى بوجودي وها قد عزلت نفسها عني أيضا "

تنفس بضيق وتحرك مجتازا لها مجددا فأمسكت بذراعه وقالت

برجاء

" لن يجدي حديثك معها نفعا سيدي صدقني وأيا كان نوعه ، هي

تحتاج لأن تكون لوحدها لبعض الوقت ، أنا أكثر من عاش

معها ويعرفها "

نظر لها بصمت فتابعت

" الدواء الذي أحضرته معها بعد عودتكما يكفيها لبعض الوقت

فيبدوا أنه مكمل غذائي جيد وسأقنعها فيما بعد لتتناول شيئا ولو

يسيرا أعدك "

حرك رأسه متنهدا بضيق وغادر وتركها واقفة هناك فتنهدت

متمتمة تراقبه مبتعدا

" لو أعلم فقط بأي عين تراك تشبههم ؟ "



*
*
*

ما أن تركها سلك الاتجاه الآخر ووجهته هذه المرة كانت مكتب

جده ، طرق الباب وفتحه ودخل ووقف مكانه ما يزال ممسكا

لمقبضه بيده ونظره على الذي وضع سماعة الهاتف مكانها

ونظر له قائلا

" ادخل وأغلق الباب "

قال ببرود ونظره يتبعه وهو يدور حول طاولة مكتبه

" إن لم يكن الأمر مهما اتركني أنام أولا فأنا لم أنم البارحة "


جلس على الكرسي ووضع يديه على الطاولة أمامه وقال بأمر

لا نقاش فيه

" ادخل يا وقاص ... أعلم أنك لم تنم وأنك كنت تعمل طوال النهار

وما اتصلت في طلبك إلا لأن الأمر الذي أريدك من أجله مهم أيضا "

تنهد باستسلام متنفسا بعمق ثم أغلق الباب وتوجه جهة الكرسي

المقابل لطاولته ، وضع حقيبته وجلس في صمت فقال ضرار بجمود

عاقدا حاجبيه

" ظننتك حفيدي وقاص الذي أعرفه جيدا وأنك ستفكر في أن

تعتذر عما تفوهت به البارحة من حماقات "


نظر لعينيه مباشرة وقال بعناد

" لن أعتذر عن شيء مما قلته لأني لم أخطئ معك فيه ولازلت

عند كلمتي وبقائي في هذه العائلة والمنزل مرتبط ببقاء زيزفون "

قال المقابل له بضيق

" ما هذا الهراء الذي تتفوه به يا وقاص ؟ هل سنمسك عنها

أقدار الله إن حانت ساعتها "

قبض أصابع يده التي كان يريحها على طاولة المكتب وقال بضيق

" لن أرضى بالعيش وسط عائلة قانونها الظلم والجور على يتيمة

وحيدة هي جزء منها ، إن كانت غريبة عنا ما رضيت بذلك فكيف

بها هي ؟ لم تربني على هذا يا جدي ولم أختر المحاماة إلا بسبب

ما غرسته في داخلي من تلك المبادئ "

كانت عبارته تلك كمن سكب الماء على النار أخرسته تماما لوقت

لكنه يعرف جده جيدا لن يهزمه بسهولة فقد حدث ما توقع وقال

بذات ضيقه

" لن تعلمني كيف أنصف حفيدتي يا وقاص وأنا من لم أظلم أحدا

منكم ، ثم يا سيادة المدعي العام يا مناصر المظلومين زوجتك

هي الأحق بما تقوله وأن توليها اهتماما بسيطا وأنت لم تفكر

ولا في زيارتها أو الاتصال بها بعد خروجها من غرفة العمليات "

وقف على طوله وقال بغضب

" أجل فهي خرجت للتو من جراحة خطيرة على القلب وهي

الآن بين الحياة والموت "

صرخ فيه من فوره

" هي تحاول جهدها لتغير حياتكما من أجلك أنت فقط ، ثم أليس

هذا الحل الوحيد ليكون لديك طفل "

شد قبضتيه بقوة وقال بغضب

" لا تتعب نفسك بانتظاره لأنه لن يأتي "

وحمل حقيبته ما أن أنهى جملته الغاضبة تلك وغادر ليوقفه الذي

وقف من خلفه قائلا بحدة

" وقاص انتظر فحديثنا لم ينتهي بعد "

قال بضيق ولازال يوليه ظهره

" أي حديث عن جمانة لا طائل منه ، فعلت ما تريدون وتريد وانتهى "

صرخ فيه من فوره

" لا تتحدث معي وظهرك لي يا وقاص "

رفع رأسه عاليا وتنفس بعمق ثم التفت له بكامل جسده وقال

مستجلبا كل ذرة هدوء متبقية في جسده وإن كان تأثيرها على

ضيقه ضعيفا

" آسف جدي لم أقصد ذلك فإن كان حديثك عن جمانة فأوقفه

عند هذا الحد فقد انتهينا منه سابقا "

جلس مجددا وقال ببرود

" بل نجيب ... ابحث عن مكانه بمعرفتك فهو مختف تماما منذ

حديثي الأخير معه "

شد أصابعه على مقبض الحقيبة في يده وقال بضيق

" أجل فيبدوا أن مشاعره جرحت من توبيخك درجة أن هجر المنزل

والبلاد ! اتركه سيأتي من نفسه كالعادة مدلل والدته حد الإفساد ذاك "

قال ضرار بضيق أشد

" هو شقيقك في جميع الأحوال يا وقاص وتغيبه الطويل وراءه

مصيبة دائما فاستخدم معارفك في الشرطة للبحث عن مكانه

دون شوشرة وفضائح "


قال ببرود مغادرا من هناك

" من أجلك فقط يا جدي لكن زيزفون خط أحمر فليفهم ذلك جيدا "

" وقااااص "

وقف عند الباب يمسك المقبض بيده لم يفتحه بعد على صوت جده

الصارخ من خلفه متابعا بغضب

" لن أعيد ما قلته في كل مرة ، أخبرتك أنه لن يكررها مجددا فلا

أريد أي مشاكل بينكما بسبب امرأة فينتهي بكما الأمر قاتل ومقتول "

شد أصابعه على مقبض الباب بقوة وأغمض عينيه لبرهة ولا يعلم

لما ظهرت أمامه فورا تلك اللوحة ... القمر ... البحر والغروب

والمرأة الجالسة على الأرجوحة ، لا يمكن لزيزفون أن تكون كتلك

المرأة مهما امتلأ قلبها بالحقد ناحيتهم ، لا يمكنه تصديق ذلك ولا

تخيله وفي جميع الأحوال نجيب لا يتمسك بها إلا من أجل مصالحه

الشخصية ليس من أجلها كامرأة ، أدار مقبض الباب وفتحه وقال

وهو يخرج

" أقسم إن مد يدا عليها مجددا أن يموت هو وفي السجن أيضا "


*
*
*
ما أن أضاءت شاشة هاتفها باسمه حملت حقيبتها وغادرت

غرفتها والمنزل دون أن يشعر بها أحد ، لا تريد أن تودع والدتها

لأنها ستضطر لأن تشرح لها سبب مغادرتها المفاجئ كما أنها

سترجع في أقرب وقت وستحكي لها حينها عن كل شيء ، وبما أن

ساكني ذاك المنزل منشغلون منذ ساعات في التحضيرات لوصول

رماح المفاجئ والعمال يجهزون غرفته وكل ما سيساعده على

التنقل هناك ويعملون على قدم وساق في كل مكان في المنزل

سهل عليها أن تتسلل دون علمهم ، كانت متلهفة لرؤيته أيضا

واستقباله معهم لكن ما ينتظرها في منزل والدها هناك أهم حاليا

ثم ثمة أوامر صارمة أن لا تبكي إحداهن ما أن تراه مراعاة

لحالته النفسية وهذا ما لن تستطيع أن تعد به أحدا وأولهم نفسها .

ركبت السيارة وأغلقت الباب خلفها وتحركا فورا مغادرين تلك

المدينة البيضاء المضيئة ، لم تكن رحلة مغادرتهما تشبه رحلة

قدومها أبدا وليس لأن الظلام قد بدأ يلف الأماكن حول سيارتهما

المسرعة على الطريق المعبد بل لأنها تعلم بأن الجالس بجانبها

بعيدا جدا عنها بأفكاره وليست تلومه أبدا فبعد ساعات قليلة

سيلتقي بشقيقه الذي كادوا يفقدونه مع والدهم وقد رجع مقعدا

عليلا فما أقسى تلك الإعاقة على قلب الرجل .

واختارت هي أيضا الصمت التام تسبح مع أفكارها الكئيبة

وما تنوي فعله وهل سينجح الأمر فعلا ويساعدها جدها أم لا .

" هل تظنهما يرجعان يوما كما كانا في الماضي ؟ "

خرجت من صمتها بل وكسرت كل ذاك الصمت المميت متراجعة

عن فكرة ترك كل واحد منهما مع أفكاره وكأنها تحاول الهرب

من أفكارها تلك بما هو أسوأ منها وهو التحدث عنها علنا .

نظرت للذي نظر لها باستغراب من سؤالها المبهم وقالت بحزن

" والدتي قالت أن اقنع نفسي بوضعهما هكذا لكن ذلك مستحيل

فأنا أنام وأصحو على حلم رؤيتهما معا "

ابتسم وعاد بنظره للطريق قائلا

" مادام والدك مصمما على ذلك فكوني مطمئنة فلا أعند من غسق

إلا ابن عمها "

تمتمت بعبوس ولازالت تنظر له

" متى ذلك ؟ "

ضحك من فوره وقال

" لا أظنه سيكون قريبا "

نفضت يديها في حجرها ونظرت جهة النافذة قائلة بضيق

" لما ؟ لماذا يكون والداك موجودان وليسا معا ؟

إن كان أحدهما ميتا أو كلاهما لعذرتهما ، حتى أنهما لازالا زوجين "

عاد للضحك مجددا وقال

" واجتهدي إذا فأنتي حلقة الوصل الوحيدة بينهما "

نظرت له وقالت باستياء

" كيف ووالدي كلما تحدثت عن الأمر أمامه قال أني خارج

ما بينهما ويمنعني من التحدث معها عن كل ذلك ووالدتي

إن نطقت حرفا أمامها غضبت واتهمتني بأني أنحاز له وأدافع

عنه ، أي أنهما يخرسانني فورا من قبل أن أتحدث "

نظر لها بطرف عينه وقال مبتسما

" وأين عقل الأنثى ؟ والدتك كانت أدهى منك بكثير في سنك "

نظرت جهة النافذة مجددا وهمست بعبوس

" أي عقل أنثى هذا الذي سيتغلب عليهما ! لما يحدث معي هذا ؟

بل معها هي قبلي ؟ "


قال رعد مبتسما

" لا تستغربي ذلك فدماءها اختلطت بعائلة شراع الفاشلون

بالإجماع في الزواج والحب "

نظرت له باستغراب وقالت

" جميعكم !! "

ضحك ونظر لها قبل أن يرجع بنظره للطريق قائلا

" أجل والوقائع أمامك تتحدث ... شقيقي الكاسر رحمه الله تزوج

من امرأة خلف حدود الحالك ولم يعيشا معا إلا أياما قليلة وحين

غامر لإخراجها من هناك ماتا معا ، رماح عشق امرأة خلف حدود

الهازان ورفض أن يسلك مصير الكاسر ثم تزوج بغيرها ولا هو

مع هذه ولا تلك .
جبران دمر نفسه وجميع ما حوله بسبب امرأة يعلم أنها ليست

له ولن تكون له أبدا ، والجالس بجوارك الآن ليس بأفضل

حالا من ثلاثتهم فلن تكسر والدتك القاعدة أبدا وانتظري أنتي

دورك القادم أيضا "

تقوست شفتاها تنظر له بعبوس فنظر لها وضحك فورا على

شكلها فقالت بضيق

" ما هذا الفأل السيء ؟ "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقال

" لنرى إذا إن كنت ستكسرين القاعدة ، ولا تنسي أني حذرتك "

نظرت جهة نافذتها وارتسم الحزن مع العبوس على ملامحها

وصورة تلك الملامح التي طبعت في ذاكرتها ولم تنساها يوما

ظهرت أمامها وكأنها تراها الآن وهمست

" لا يحتاج الأمر فقد علمت مسبقا "

علا صوته المتفاجئ قائلا

" أوووه يبدوا أن صغيرتنا الحسناء تملك سرا صغيرا في قلبها "

نظرت له بصدمة وتمنت أن قطع لسانها ولا تفوهت بما تفوهت به

لكن أوان الندم قد فات ، ضيقت عينيها وقالت تهاجمه بالمثل

" ورجل السياسة رعد شراع أيضا يبدوا أنه يملك سرا ما

فقصتك الوحيدة التي لم تشرحها لي واعترفت بنفسك أنه

ثمة امرأة "

قال بضحكة

" لن أستغرب هذا من ابنة مطر وغسق ، إن أفشيت سرك

سأخبرك بسري أيضا ما رأيك ؟ "

همست تنظر له بضيق

" محتال هل تحاصرني لتهرب ؟ "

حرك كتفه قائلا بابتسامة

" الحرب خدعة "

قالت مباشرة

" وإن قلت ؟ "

نظر لها وقال مبتسما

" أقول أيضا "

حركت حدقتيها بتفكير وأغرتها فكرة أن تعرف سبب عزوفه

عن الزواج حتى الآن .. السبب الذي يجهله حتى المقربون له

لا بأس إن أخبرته فهو لن يفشي سرها بالتأكيد مادام تكتم

عن نفسه كل هذه الأعوام ، ثم هي لا تملك الكثير لتخبره به

وستنتصر عليه نهاية الأمر ، قالت تشبك أصابعها بتوتر

" حسنا هو شاب قابلته مرتين فقط "

نظر لها بطرف عينه قائلا

" لا تكذبي يا ابنة مطر أو سأشي بك عنده "

ضربت كتفه بقبضتها قائلة بضيق

" لم يربني مطر على الكذب ثم ها أنت منذ الآن تهدد بإفشاء

السر فكيف سأثق بك أو حتى بصدق كلامك "

قال مبتسما

" حسنا أنا آسف آنستي ولن أكذب ولن أفشي سرك "

قالت ببرود

" دورك أخبرني الآن كل شيء "

ضحك وقال

" هذا فقط وتريدي أن تعرفي عني كل شيء ! "

قالت باستياء

" لأنه لا شيء غيره لكنت أخبرتك به فأنا لا أعرفه .. لا أعرف

اسمه أو من يكون ، فقط هو عربي يتحدث ذات لهجة بلادنا

تقابلنا مرة في لندن والأخيرة في فرنسا وفقط انتهى كل شيء "

نظر لها لبرهة وقال

" هذا فقط يا تيما ؟ هذا لا يسمى حبا مطلقا "

هربت من نظراته ونظرت ليديها في حجرها وقالت بحزن

" أنا لم أقل أني أحبه ، أنا لم أعرف شبانا يوما ولم أتحدث مع

شخص غريب قبله لكنه فعل من أجلي أمرا عظيما جدا ، لقد

أنقذني ذات مرة مما كان سيدمر مستقبلي بأكمله وكاد أن يموت

من أجلي ، أعلم أني لن أراه مجددا لكني سأبقى ممتنة له

ما حييت ولن أتوقف عن لوم نفسي لأني كنت حمقاء ولم

أشكره وأعتذر منه حين تقابلنا مجددا "

وصلها صوته الهادئ ما أن توقفت عن البوح عما سجنته داخلها

حتى كاد يقتلها

" الحياة مفارقات ودروب متشابكة يا تيما وقد تلتقين به مجددا

وتشكريه وتعذري منه "

حركت رأسها بالرفض ونظرت جهة النافذة هامسة بحزن

" لا أعتقد ذلك ، ثم من الأفضل لنا أن لا نجتمع مجددا فثمة ما

سيقف حجر عثرة بيننا للأبد "

قال مبتسما

" ها قد عدنا للألغاز المبهمة وإخفاء الحقائق "

نظرت له وقالت بعبوس

" ذاك لن أخبر به أحدا أبدا وإن قتلوني فالموت أرحم لي .

هيا دورك الآن ولا تتهرب "

ضحك وقال ونظره على الطريق

" حسنا ... هي فتاة ثنانية عرفتها حين أقمت لفترة في قراهم

وكنت مصابا حينها وهي من اهتمت بي ، تعاهدنا على أن نجتمع

مجددا وأن لا يكون أي منا إلا للآخر وانفصلت قبائل ثنان بعد

توحيد البلاد وسجنوا تلك الحبيبة عني خلف حدودهم حتى اليوم ...

وهذا هو فقط "

كانت تنظر له بصدمة حتى أنهى حديثه ثم قالت

" من قبل أن توحد البلاد تنتظرك ؟ لكن لما لم تذهب لها وإن

تختطفها منهم اختطافا "

ابتسم بحزن وقال ونظره لازال على الطريق أمامه

" الأمر أكثر تعقيدا من أن يكون حله اختطافها والهرب بها

وإن لآخر العالم يا تيما لأن نتائجه كانت ستكون سيئة ليس

علينا فقط بل وعلى البلاد بأكملها "

قالت باستغراب

" ولما ؟ "

نظر لها ثم للطريق وقال مبتسما

" وهذا سري الذي لن أخبرك به أبدا أيضا ، وها أنا أنتظر والدك

وما قد يفعل بشأن ذلك فوحده من تثق به تلك القبائل وتوافق

ما يقول لكني أراه منشغل بنفسه وزوجته العنيدة تلك عني

ولا حل أمامي سوى انتظاره "

أنزلت كتفيها وتنهدت بأسى متمتمة

" آمنت بأن حظي لن يختلف عنكم أبدا "

ضحك كثيرا ولم يعلق وعاد الصمت ليخيم على أجواء السيارة

مجددا وكأن كل واحد منهما احترم صمت الآخر وسفره في

ذكرياته البعيدة ، اتكأت بطرف جبينها على النافذة مكتفة ذراعيها

لصدرها تراقب ظلال الأشجار المتراكضة في الظلمة وغابت مع

تلك الذكريات الوحيدة البعيدة ، أغمضت عينيها برفق ما أن

تسارعت تلك النبضات المجنونة في قلبها وهي تتذكر حضنه

وذراعيه التي طوقتها تضمانها إليه بقوة ليحميها من الموت

مقدما نفسه له بدلا عنها ، فتحت عينيها مجددا لتسمح لتلك

الدمعة اليتيمة بالتدحرج على وجنتها وهمست بحزن وخفوت

لا يسمعه أحد غيرها

" ابتعد عني قدر استطاعتك يا هذا لأنك إن اقتربت لن أستطيع

أنا الابتعاد "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 05:58 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية