لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-02-18, 09:24 PM   المشاركة رقم: 876
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



نزل من السيارة وركض فورا جهة الجسد المرمي على مقربة

منها ، الصرخة كانت لامرأة لكن عقله لم يستوعب بعد أن يكون

صدم امرأة حقا ! في هذا الوقت وهذا المكان والقرية المحافظة

بشدة فهو يستبعد حتى أن يكون رجلا ! جثى على ركبتيه حيث

الحقيقة التي لم يخفيها نور سيارته والقمر المستدير في السماء

وهو ينظر بصدمة للشعر الغجري الأشقر الطويل الذي غطى

نصف ذاك الجسد النحيل متناثرا حوله ونزلت نظراته المصدومة

لليدين شديدتا البياض والواضح بشكل ملفت للنظر وكأنه يريد

التأكد أكثر من أنها فتاة ... لكن أين ذهب سواد الجنوبيين

الحالك! هذه حتى بياض بشرتها فاقهم إنها بيضاء بشكل

ممرض! نظر خلفه ثم للفتاة الملقاة أمامه مجددا وأمسك رأسه

بيديه ففوق ذاك الفتى أزرق العينين الأخرس على ما يبدوا

والذي فر به من عقر ومعقل آل غيلوان ها هو يقف أمام مصيبة

أخرى وهو من عليه أن يكون في غرير قبل الفجر ليخرج

شقيقته من هناك كما وعدها .


عاد جهة سيارته الحوض وتوجه لصندوقها الخلفي فورا وصعد

له بقفزة سريعة وفتح الحبال عن الفراش الذي كان يضعه هناك

وبداخله بطانية خفيفة ووسادة يتركهما فيه احتياطا دائما لأنه

أحيانا يغادر بها من هنا حتى نجيران ويتركها هناك بعدما

يركب الحافلة من هناك ، فتح باب صندوق السيارة الجانبي كما

تم تصميمها وعاد جهة المرمية مكانها غائبة عما حولها تماما

ومرر يديه من تحت ذاك الجسد برفق تخترق أصابعه تراب

الأرض اللين كي لايؤذيها وليس يعلم ما الضرر الذي وصل

له جسدها ، رفعها عن الأرض برفق وتوجه بها ناحية السيارة

بخطوات سريعة نظره على طريقه كي لا يتعثر ويقع بها أو

يوقعها فيزيد حالها سوءا على السوء الذي ليس يعلمه حتى

الآن ، وضعها برفق في صندوق السيارة وتوجه من فوره

للجالس في الأمام وقال ناظرا لحدقتيه الزرقاء المحدقة به

وكأنه يعلم أساسا إن كان سيسمعه أم لا

"هل تبقى معها في الخلف أو تعرف القيادة فتقود أنت ؟ "

وحمد الله حين فتح ذاك الشاب بابه ونزل من السيارة فعلى

الأقل هو أخرس وليس أبكم فلعل ليلته العجيبة هذه تنتهي

بسلام ... ليلة الشواذ الغريبين هذه حتى أنه انتابه الشك أنه

في جنوب الحالك فعلا ! صعد خلف المقود وتحرك من هناك

يحاول السير بطريقة مستقيمة تابثة من أجل الموجودة في

الخلف والإسراع قدر الامكان ذات الوقت كي لا يندم على تأخره

إن كان سيكون السبب في موتها أو تضررها بشكل مستديم ،

ما يطمئه أنه لم يرى دماءً حتى الآن رغم أن حوادث الاصطدام

يموت صاحبها أغلب الأحيان دون أن تنزل منه قطرة دم بسبب
النزيف الداخلي وأقل ما قد يتعرض له هو الكسور لكن ما

يطمئنه أيضا أن الأرض ترابية زراعية ورخوة فسرعة

السيارة عليها مهما كانت لن تكون كسرعتها على الطرق

المعبدة واصطدام جسدها بالأرض سيكون أقل ضرار ، لكن

هذا أيضا لا يستدعي الطمأنينة التامة فسيارته كانت مسرعة

وهي خرجت أمامه فجأة .

شد قبضتيه على المقود واستغفر الله متنهدا بعمق مغمضا

عينيه قبل أن ينظر لطريقه مجددا وجل ما يخشاه أن يقحم نفسه

في مشكلة لا نهاية لها خاصة أنها فتاة من صدمها وفي هذا

الوقت ، لكنه لم يكن ليتركها ويفر هاربا لن يستطيع فعلها أبدا

وقد تموت ولن يعلم عنها أحد ويحمل هو ذنبها ليوم القيامة ،
كان أهون عليه أن يسجن أو يلبس تهمة ولا أن يتركها

بعدما صدمها وإن كانت هي من ظهرت أمامه فجأة .

نظر للخلف وللجالس قرب تلك الجثة التي لم تفارق الحياة

بعد فكان جالسا عند رأسها ينظر للفراغ شعره الأسود الناعم

متدلي على جبينه تتلاعب به النسائم وعاد بنظره للأمام وتنفس

بعمق ، نحول جسد ذاك الشاب رغم طوله لا يستطيع معه تقدير

عمره الحقيقي لكنه موقن من أنه لم يبلغ العشرون عاما بعد هذا

إن اجتاز الخامسة عشر أساسا ، يحار في قصته ومتشوق فعلا

لمعرفتها فمن يكون وما كان يفعله هناك في أراضي وحوش

الجنوب كما نعتهم بعض العمال أمامه فأفراد تلك القبيلة وتلك

العائلة وأبناء عمومتهم تحديدا يخشى حتى الطير من التحليق
فوق أملاكهم فهل هذا الشاب يعيش هناك ؟ لما كان مطاردا إذا

ومن هذا الذي كان يلحقه وهو على قدميه ومطارده يقود السيارة

كما فهم ولاحظ ! جل ما يخشاه أن يمسكوهما معا وحانت حينها

نهايتك يا يمان .

نظر له مجددا وليس يعلم ما الذي يشده له يشعر بأنه يعرفه وبأنه

يفهم ما يدور في داخله وإن لم يعرفه ! عاد بنظره للأمام قبل أن

يرجع به سريعا للخلف ينظر بصدمة للذي بدأ بمسح دموعه قبل

أن يدفن عيناه في كفه ومن حركة كتفيه علم بأنه كان يبكي !!

هل الفتاة تقرب له وعرف من تكون ؟ لكنه لم يراه ينظر لها

مطلقا فهل بسبب من كان يهرب منه أو ما حدث له وقت

هروبه !

عاد بنظره للأمام وتمتم متنهدا بأسى

" يا رب لتمضي هذه الليلة على خير فقط هذا ما أريده "


*
*
*

نقل نظراته بين عينيه ولم يعلق وكأنه تاه تماما في ليلهما الأسود

العميق الغامض فقال مطر بجدية

" ماذا قلت يا قاسم موافق على شرطي الوحيد أو ينسى كلانا

الأمر تماما ؟ "

أبعد نظره عنه حدقتاه تتحرك بضياع للأسفل وكأنه دخل متاهة

مع نفسه فاستحثه الجالس أمامه قائلا

" لا يطول صمتك يا قاسم فالاختيار بيدك وبكلمة نعم

أو لا فقط "

رفع نظره له مجددا وقال

" لا تصعب الأمر عليا يا مطر بما تقوله "

قال بجدية محدقا في عينيه

" أنا لم اصعب عليك شيئا ... تيما ابنتي ولن أريد لها إلا ما

سيكون في صالحها إن اليوم أو بعد أعوام ونحن نتحدث عن

أمر قد لا يحدث أبدا لكن إن حدث ستكون ملزما بتنفيذ شرطي

يا قاسم أو سآخذ ابنتي منك حينها ورغما عن كليكما "

قبض الجالس أمامه على أصابعه بقوة وقال

" مطر أنا أريد ابنتك زوجة لي وأنت تعلم أن ما ..... "


قاطعه قائلا

" أعلم يا قاسم ولا تحاول أن تغير رأيي ولا شرطي لأني لن أفعل

وتحت أي ضغط كان وأعتقد أن ذلك من حقي يا ابن عمتي "

تنفس بعمق مفمضا عينيه فهذا الرجل لا يعطيك فرصة ولا

لتتشاتجر مع عقلك وتتعاقد مع قلبك وتلقي بنفسك للهاوية فهو

يرى الجميع مثله القرار لا يأخذ لديه ثوان معدودة ولا يتراجع أو

يندم عليه فيما بعد ومهما حدث ، نظر له وقال دون تردد

" موافق "

ابتسم وقال

" إذا بقي أن نأخذ رأيها وهذا ستتركه لي ولن تتحدث عنه معها

يا قاسم ولا بتلميبح حتى اخبرك أنا بقرارها "


نظر له بصدمة تبدلت للاستغراب تدريجيا يتنقل بنظره بين عينيه

يحاول ترجمة ما يعني بكل ذلك وما فهمه سريعا أنه عليه أن

يبتعد عنها حتى تقرر لكن لما ؟ هو كان يريد التحدث معها عن

سوء التفاهم بينهما أولا بل وكل تلك العقبات التي وضعها بنفسه

بينهما والآن .... قاطع الجالس أمامه أفكاره كما نظراته تلك قائلا

" أريد وعدا يا قاسم "


فنظر للسقف ونفخ الهواء المسجون في رئتيه من شفتيه بقوة

قبل أن ينظر للأسفل ممررا أصابعه في شعره يتكئ بمرفقه على

الطاولة أمامه فقال الجالس أمامه مجددا يقطع عليه من جديد

فرص الحوار مع نفسه

" لست أطلب أمرا صعبا يا قاسم وأريدها أن تقرر من نفسها

بعيدا عني وعنك وموافقتك على هذا شرط إلزامي "


رفع نظره له وقال فاردا كفه

" لم تترك لي خيارات أخرى .... أعدك لن أتحدث معها في الأمر

فلا تماطل أنت يا مطر في أخذ رأيها "


ابتسم ابتسامة جانبية وما أن كان سيتحدث رن أحد هواتفه

مقاطعا له فنظر له عاقدا حاجبيه ونظرات الجالس أمامه تتبعه

باستغراب وهو يقف مجيبا

" أجل ما بكم ؟ "

كانت نظراته تراقب التبدل الواضح في ملامحه فعلم أنه ثمة

مصيبة ما حدثت أو ستحدث عما قريب ! بل هذه ليست من أي

نوع على ما يبدوا فلم يرى هذا التجهم في ملامحه سابقا وفي كل

ما مر بهم وهم في بلاد المهجر هناك ! راقبته نظراته المتوجسة

وهو يتحرك نحو النافذة بخطوات بطيئة وقد تخللت أصابع يده

الحرة شعره الأسود الكثيف وقال بجمود لم يغطي أبدا القلق في

نبرته المبحوحة المميزة

" ابقوا خلفها ولا تغب سيارتها عن ناظركم مفهوم "


فصل بعدها الخط معهم وأجرى اتصالا آخر والجالس خلفه وقف

هذه المرة ولازال ينظر لقفاه بقلق وقد بدأ بضرب قبضته على

إطار النافذة أمامه وكأنه بركان على وشك الانفجار وقال بعد

برهة لمن يبدوا بأنه أجاب عليه سريعا

" أبلغوا الوحدة الرابعة والسادسة في القوات الجوية الحربية

بالاستعداد فورا وخلال ساعة والفرقة مئتين مشاة بتطويق

اليرموك خلال ساعتين أيضا وانتظروا أي أوامر أخرى مني ..

سأكون عندكم خلال وقت قصير "


وما أن التفت للخلف نظر للذي وجده في وجهه وقد أمسكت يده

بذراعه قائلا بجدية

" مطر تعقل ولا تتهور في فعل أي شيء دون تفكير فتلك ليست

عادتك ، ضرب اليرموك بدون أسباب منطقية ولا تنسيق وبدون

انذار مسبق لمن فيها معناه حرب وشيكة قد لا تنتهي أبدا "

سحب ذراعه منه قائلا بحدة


" لا أحد أعقل مني الآن ولم ترى جنون مطر شاهين بعد فليحدث


ما أتوقعه فقط وسأحرق اليرموك حرقا بالمدافع "


وتحرك مجتازا له وقد استدار معه ولم يترك لهم الذي فتح الباب


ودخل أي مجال لا لمغادرة الذي وجده أمامه ولا ليتحدث الواقف


خلفه هناك وهو يمسك بذراع مطر وفي يده هاتفه وقد مده له


قائلا ببطء مريب


" زيزفون اتصلت تريد التحدث معك يا مطر وتبدوا لي ليست


بخير "


نظر له بصدمة وهو من يعلم بأن حلقة الوصل بينهما شخص


ثالث ولا هاتف لديها ولم تفعلها سابقا ! سحب الهاتف من يده


دون أن يسأل أو يعلق بشيء ووضعه على اذنه قائلا


" زيزفون ماذا حدث ؟ "


ليصله ذاك الصوت الهامس المرتجف بسبب البكاء فورا


" مطر .... شقيقي ...أأين إسحاق ؟ أنقذه يا مطر أرجوك


إنه في خطر "


عقد حاجبيه ناظرا للفراغ وقال


" حسنا اهدئي يا زيزفون سيكون كل شيء على ما يرام هو


على اتصال دائم بنا و..... "

قاطعته ببكاء لم يسمعه يوما في صوتها ولم يراه في عينيها


طوال معرفته بها ورغم كل ما مرت به


" وأنا أشعر به يا مطر ... شقيقي ليس بخير إنه خائف .. خائف


وبشدة ووحيد ، مطر أرجوك لا تتخلى عنه لا تجعلني أفقده


أيضا "


رفع نظره بالواقف أمامه ينظر له بتوجس وقال


" حسنا سأتكفل بالأمر أقسم لك يا زيزفون وسيكون بخير


لا تقلقي أنتي اهتمي فقط بما هو موكل إليك "


وصله صوتها مباشرة


" لا تحاول التحايل عليا يا مطر أنا أشعر به كما أثق بك أيضا "


وأنتهت المكالمة عند ذلك فأبعد الهاتف عن أذنه ينظر له


بوجوم وقال الواقف أمامه ينظر له بفضول


" ما بها ! لما تتصل على غير العادة ؟ "


مد له هاتفه قائلا


" قم بكل ما يلزم بخصوص الرقم فهو لوقاص وسنغير رقمك


قبل الصباح "


وابتعد متوجها لطاولة مكتبه وأخرح هاتفا آخر منها على


اقتراب دجى نحوه قائلا


" مطر أنا سألتك ما بها ؟ "


رفع نظره من الهاتف في يده له وقال

" قالت بأن إسحاق ليس بخير وأنت تعلم أنهما توأمان مرتبطان

ببعضهما بشدة خاصة زيزفون ناحية شقيقها وعلينا أن نأخذ


حديثها بعين الاعتبار فلن يكون مبنيا على الأوهام أبدا "


تجدمت نظرات دجى المصدومة عليه بينما بدأ هو بالاتصال برقم


هاتفه ويكرر ويعيد وعلى غير العادة هو لم يراسله فهذه طريقة


تواصلهم وهو لا يتصل به إلا نادرا وكان يرسل بإشارته فورا


فيتبادلا الرسائل ..... قبض أصابعه على الهاتف الذي كان ينظر


لشاشته وصوت طنين الاتصال فيه لا يزيد أجواء ذاك المكان إلا


توترا وقد شغل مكبر الصوت لأنه لن يحتاج لوضعه على أذنه ،

تكرر الرنين مرة اثنتين ثلاثة وعلت الوجوه الصدمة حين انفتح


الخط وخرج من ذاك الجهاز الأسود المسطح صوت رجولي خشن


غاضب


" من أنت ؟ "


تبادلت تلك الأحداق نظرات صامتة مصدومة قبل أن يرتفع ذاك


الصوت مجددا بحدة " تكلم من أنت ؟ أنت سيد هذا الجاساوس


أليس كذلك ؟ جهز كفنه إذا فهو ميت "


وانقطع الاتصال فارتفعت نظراته المصدومة للذي اقترب منه


وأمسك بياقة قميصه قائلا بحدة


" مطر ماذا حدث لابن شقيقتي ؟ أجب الآن "


أبعد يده عنه قائلا بضيق


" أنا هنا معك ما يدريني ما يحدث هناك "


مرر دجى أصابع يديه في شعره وقال ناظرا له بضياع


" قال جاسوس أي أنهم اكتشفوا أمره أي أنه ... "


لكمه في صدره بقبضته صارخا بغضب


" أنت السبب يا مطر تحمل النتائج إذا وأولها ما سيحدث


لزيزفون إن فقدت شقيقها "


سند يده على الطاولة ونظر للأرض أنفاسه تخرج كالإعصار


قبل ان يرفع الهاتف مجددا واتصل بمن أجاب فورا فقال مباشرة


" حددوا موقع الرقم الذي اتصلت به الآن وسريعا فهو متحرك


ويبدوا في سيارة "


وما أن سمع كلمة حاضر سيدي رمى الهاتف من يده على


الطاولة وخرج من هناك بخطوات سريعة متجاهلا الذي سار خلفه


مناديا له حتى كان في الخارج وأمام سيارته فوقف أعلى عتبات


الباب وأشار له بسبابته قائلا بحدة


" مطر لا تنسى بأنك حين اخترت تكبيلي عن فعل أي شيء بأنك


المسؤل عن أبناء شقيقتاي وأولهم زيزفون التي رميتها هناك في


حالتها تلك ثم شقيقها الذي سلمت عنقه لعائلة غيلوان بيديك


وستتحمل النتائج "


نظر له وقال بضيق


" عمي لما لا تتوقف عن رمي الكوارث على عنقي فكل واحد


منهما اختار ذلك لنفسه بنفسه وأصر عليه وما أردت إلا ما في


صالحهما فأنت تعلم أي حالة فيها كل واحد منهما "


صرخ فيه بغضب من فوره ملوحا بيده


" أخبرني الآن إذا أين هو إسحاق وما الذي سيستفيده مما


حدث ؟ "


وجاءه الرد الغاضب بالمثل فورا

" الآن علي فعل أمر واحد فقط وهو أن أوقف جنون ابنتك قبل


أن تضيع نفسها وغيرها والمتهم أنا حينها بالطبع "


وركب سيارته ضاربا بابها خلفه وانطلق من هناك هاتفه على


أذنه تاركا الذي يشتعل هناك واقفا مكانه قبل أن يستدير عائدا


من حيث خرج ووجد أمامه الواقفة عند الباب تمسك يدها بإطاره


تراقبه بعينين باكية فتوجه نحوها فورا وشدها لحضنه يخفي فيه

بكائها وعبراتها هامسة


" ما بها والدتي ؟ متى ستنتهي همومهما جدي ؟

متى سيشعران بي ؟ "


قبل رأسها وقال ماسحا على شعرها


" حين يقرر والدك أن يتوقف عن إيذاء نفسه قبلها بالطبع


يا تيما "


ثم أبعدها عن حضنه وأمسك وجهها وقال ناظرا لعينبها


" تيما توقفي عن إيذاء نفسك أنتي أيضا فحربهما هذه لن تنتهي


حتى يقررا كليهما ولن يهتم أيا منهما بدموعك هذه "


حركت رأسها برفض هامسة بعبرة

" لا أستطيع جدي لما تطلبون ما هو فوق استطاعتي ؟

ألست تشعر بها وتغضب من أجلها لأنها ابنتك ؟


فكيف بي أنا ابنتها وابنته أيضا ؟ "


لم يعلق على ما قالت وقد حضنها من كتفيها بذراعه وسار بها


جهة ممر غرفتها يضم رأسها ويدفن وجهها ودموعها في صدره


مجتازان الواقف هناك تراقب عيناه التي وحده في ذاك المكان


محروم من الاقتراب منها ... من وحده المحرمة عليه وحضنه


يرتجف شوقا لدفن دموعها فيه .


*
*
*


وصل مستشفى البلدة وأوقف السيارة أمام بابه المفتوح ودخل


راكضا يبحث بنظره في الممرات الفارغة قبل أن يصرخ مناديا


" هل من أحد هنا ؟ ثمة حالة طارئة "


فانفتح أحد الأبواب نهاية الممر وخرج منه رجل بمعطف طبي


تتبعه فتاتان وركضوا نحوه فأشار لهم وهو يسير أمامهم


" إنها فتاة صدمتها في بداية الأرض الزراعية وهي في سيارتي

في الخارج "


فركضوا جميعهم هناك ونظر باستغراب ما أن وصلوا فلم يجد


الفتى الذي تركه هناك ولم يهتم أيضا بالبحث عنه فمؤكد


سيواصل هروبه من مطارديه أو أنه يخشى أن يعرفه أحد هنا

وهذا جل ما يخشاه أن يكون ساعد مجرما على الفرار رغم أنه

موقن من أنه ليس ثمة من أكثر إجراما من تلك العائلة


ليطاردوا مجرما أكبر منهم .


وصلوا السيارة وفتح لهم صندوقها من الجانب فمد ذاك يده جهة


شعرها المغطي لوجهها فورا فأوقفته تلك اليد التي أمسكت


برسغه ودفعها له قائلا بحزم


" لما تكشف عن وجهها ؟ "


نظر له بضيق وقال


" لأشبع عيناي بجمالها فما رأيك ؟ أريد أن أتأكد من أنها


لازالت حية "


أشار لها برأسه قائلا بضيق

" ها هي أمامك تتنفس بوضوح ، أنت تريد رؤيتها ومن


تكون ليس إلا أفلا تستطيع الانتظار قليلا حتى تدخلوها ؟ "


نظر له مستوي في وقوفه وقال بضيق أكبر


" ولما سأتعب نفسي وأنا أعرف من تكون ؟ أنا أعرفها من


دون أن أراها فأسعفها أنت لأرى ؟ "


وغادر المكان غاضبا وتلك النظرات الحانقة من ورائه تتبعه ...


نظر للواقفتان قربه وقال


" انقلوها هيا ماذا تنتظران "


نظرتا لبعضهما قبل أن تنظرا له مجددا وقالت إحداهما


" ذاك الذي غادر هو الطبيب فمن سيعاينها ؟ "


لوح بيده قائلا بضيق


" أي طبيب هذا الذي لا يفكر سوى في الكشف عن وجه امرأة


قد تكون بين الحياة والموت ؟ "


لم تعلق أي منهما تتبادلان النظرات الصامتة فنظر حوله قبل أن


ينظر لهما قائلا بذات ضيقه


" أين أقرب مستشفى كبير من هنا ؟ "


قالت إحداهما رافعة كتفيها


" في إحليل إنها تبعد عن هنا مئة وعشرون ميلا تقريبا "


نظر لها بصدمة قبل أن يبعد نظره عنها متنهدا بضيق ... مئة


وعشرون ميل أي أكثر من ثلاث ساعات قيادة وفي طرقات


أغلبها وعرة وهذه السيارة لن تسلك نصف الطريق قبل أن


تتوقف متعطلة ، نظر لهما مجددا وقال


" لابد وأنه ثمة سيارة إسعاف هنا ، حتى متى سنقف نتفرج


وهي شبه ميتة هكذا ؟ "


قالت الأخرى وكأنهما متفقتان عليه


" سيارة الاسعاف الوحيدة هنا نقلت حالة ولادة متعسرة من


ساعة تقريبا ولن تصل هنا قبل خمس ساعات "


أشار لها بيده وقال بنفاذ صبر


" لنبحث عن أحد ينقلها إذا ؟ أي المنازل أقرب إلى هنا يملك


صاحبه سيارة جيدة ؟ "


نظرتا لبعضهما ولم تعلقا فقال ينقل نظره بينهما


" ما بكما ؟ هل سألت سؤالا لا جواب له ؟ "


قالت التي وجدت الشجاعة لتنطق وتقولها


" لا أحد سيأخذها ... لا تتعب نفسك "


نظر لها بصدمة وقال باستهجان


" ماذا ...؟ ولما أهي من عمال غيلوان أيضا ؟ "


حركت شفتيها بامتعاض قائلة


" بل هي ابنتهم "


نظر لها بصدمة لم يجتازها بسهولة ... ابنة عائلة غيلوان !


مرر أصابعه في شعره ونظراته لازالت شاخصة في الفراغ فما


سر هذه العائلة تخرج له من كل مكان ! لا يستبعد أن تكون


نهايته أيضا على يديهم ختام الأمر وكأنه وجد هنا فقط ليواجه


مشاكلهم ، نظر لذاك الجسد والشعر الأشقر في سيارته ... عائلة


غيلوان !! من أين لعائلة من عمق الجنوب بشعر أشقر كهذا !


بل كيف سيتصرف الآن وما معنى ما قالته بأنه لا يستطيع أحد


أن .... !! التفت للخلف فجأة حين صاحت إحدى الممرضات


بمفاجأة


" فجر !! "


فنظر عاقدا حاجبيه للتي اقتربت من مجال الإنارة أكثر والتي لم


تخفى نظرات الدهشة في عينيها كما الاستغراب في عينيه ففي


أبعد أحلامها لم تتخيل أن يصطاد مخططها هذا الشاب تحديدا


ومن تمنته سابقا لا سواه ! أن يخرج لهم من العدم فقط لينقذها .

اقتربت مسرعة ناحية الذي التفت جهة الواقفتان خلفه قائلا


" أهي طبيبة ؟ "


قالت التي ركضت نحوها


" لا لكنها بخبرة الأطباء "


وتبعت نظراته المستغربة التي لحقت بهما أيضا جهة الموضوعة


في السيارة بلا حراك وقد بدأت تلك فورا بقياس نبضها فقال ناقلا


نظره بينهن


" نريد سريرا لا يمكن نقلها للداخل بطريقة قد تؤذيها "


نظرت له التي وضعت لها يدها بجانب جسدها قائلة


" يوجد سرير لكن كيف سنصعد به من عتبات الباب ؟ "


اقترب ناحيتهم قائلا


" أنتم فقط أحضروه وسنرفعه رفعا للداخل "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:27 PM   المشاركة رقم: 877
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




مرر أصابعه في شعره مشبكا يديه عند نهاية عنقه يستند بمرفقيه

على ركبتيه ونظره على الهاتف الموضوع على الطاولة أمامه

فوق تلك الجريدة لا يفهم من منهما سيتحدث أولا الصورة أم

الشاشة الالكترونية المسطحة أم الطاولة ذاتها وليس يفهم أيضا

ما هذا الذي يفعله ويحدث له ! لم ينم البارحة ولم يغادر شقته

حتى الآن ولم يعد يعلم أهذا هو أم شخص آخر ليس اليوناني

تيموثي فالكون ولا العربي تيم كنعان ! ليس يذكر متى آخر مرة

تلك التي شعر فيها بأنه شخصيتان مختلفتان فلطالما أجاد الدورين

.. أجاد الازدواج في شخصيته وبحرفية فإن أراد أن يكون الفتى

المحارب كان وإن إراد أن يكون الطبيب الذي يتعامل مع

مخلوقات بحجم كفيه كان كذلك ولم يعد يذكر متى بات يتعثر ما

بين شخصيتيه هاتان ؟ منذ عرف تلك الفتاة الانجليزية أم منذ

دخلت العربية حياته مجددا وأصبح أداء الدورين أشد صعوبة

مما تخيل .


أغمض عينيه وتنفس بعمق وهذه عادة جديدة اكتسبها أيضا

ضمن لائحة طويلة ولازال هناك المزيد فهو لم يجرح امرأة

واحدة البارحة بل اثنتان وكأنه وجد هكذا ليفعل ذلك فقط فما

ذنب تلك الانجليزية إن كانت عاشت في بيئة وعالم لا حدود فيه

لما تريد فعله ولا شيء أسمه ممنوعات ولا محرمات لتواجه

قسوته بل ووقاحته وهو يخبرها أولا بأنه لا يحتفل بالمشروبات

مثلهم وكان رد فعلها متفهما جدا

( أفهم هذا تيموثي فعملك لا يسمح بذلك ولا في أيام العطل لأن

أدمغتكم عبارة عن صناديق أسرار مرفوض فتحها أبدا )

فكان عليها تقبل الأولى لكن الأخرى كانت أقسى من أن يتفهمها

ذاك العقل الانجليزي محدود التفكير وباتت تلك العبارة الحانقة

تتكرر ( لما عليك أن تكون يونانيا ونصفك الآخر انجليزي ولما

عليك أنت وحدك أن تتمسك بمعتقدات اليونان بل والقدامى من

اليونان وترفضني بكل قسوة تيموثي فمن حقنا أن نحتفل

بخطوبتنا لوحدنا بعيدا عن كل تلك الأعين )


وليست تعلم بأنه ليس كلاهما بل عربي شرقي يرفض أن يلمس

غيره امرأته لا قبله ولا بعده وأنه مسلم تربى على شعار واحد

حتى أصبح شابا

( ما ليس لدينك ليس لك يا تيم وليس ثمة مسميات أخرى

للحرام )

عبارة اشترك فيها أكثر شخصان صنعا تيم كنعان .. والدته ومطر

شاهين .. وكأن أحدهما لقنها للآخر فأي طريقة تلك التي لن

تكون قاسية كما تريد تلك الفتاة ولا يجرحها برفضه لما أرادته

هي منه ورفضته الأخرى وهو يكاد يتسوله منها في أقسى

لحظات ضعفه كتيم كنعان وكتيموثي فالكون .. لحظات استطاع

أن يكرهها فقط بعد أن ابتعد عنها ولم ينتابه ذاك الشعور الكريه

الحارق وقت وجودها بين ذراعيه .

ضرب بيده مجسم قطعة الشطرنج أمامه ليتدحرج على الأرض

مصدرا ضجيجا من ذاك النوع الصلب في صمت المكان الذي

رفض ولا فتح نوافذه فلا ضجيج بعد يكفيه ما يضج به دماغه

فهو يغلي دون توقف ومنذ متى في ليلة البارحة لا يذكر.


ارتفعت نظراته الحادة جهة باب الشقة وصوت رنين الجرس

المثبت بجانبه يجتاح المكان وبقوة ودون توقف فنقل نظره منه

لهاتفه وكأنه يبحث عن جواب لدى أحدهما لما يخرج الرنين من

الشيء الخطأ ؟ هذا الجهاز هو ما يفترض به أن يحدث هذا

الضجيج لا ذاك ولم يكن يعلم أن ما كان ينتظره من ذاك الجهاز

الرقمي قادم له من الباب أيضا فماذا توقع مثلا اتصال من شبكة

المباحث في المطار ليخبروه بأنها حجزت رحلة ما للوطن ؟

اخطار من جامعتها بأنها لم تصل لمدرجات قاعة محاضرتها حتى

الآن ؟ أو أنه ينتظر أمرا آخر يحاول فقط تجاهل تفسيره !

لكن أن يصل أحدهم لباب شقته ذاك ما لا يجد له تفسيرا ولن
يصدق أن تكون هي من فعلتها وجاءت لتنفث نيران غضبها به

فتلك ليست شخصية ماريه هي رقيقة في كل شيء حتى في طرق

تعذيبها تستخدم الرقة فقط وتترك فريستها تتلوى في ألم عذاب

الضمير أو ألم طعنة خفية لا يشعر بها خصمها حتى توقعه تماما

وذاك ما حدث معه طوال ليلة البارحة وهو يتذكر كل كلماتها تلك

ليقع عليه عقابها الأول ثم مشهد عيناها الباكية تتراقص تلك

الخصلات البنية أمام عينيها ووجهها وتلك النظرة التي قرأ فيها

أمرا واحدا واضحا وجليا ( أنت لست لامرأة غيري ) قالتها

عيناها وإن رفض لسانها قولها لتودعه فقط بتلك العبارة

المدمرة ( ليس هكذا )


أجل ليس هكذا ماريه أنا أعلم وما كنت لأقتلك بتلك الطريقة لكنك

لم تتركي لنا خيارا سوى أن يقسوا أحدنا على الآخر لتحتفضي

أنتي بكبريائك وأنا بسطوة قراراتي فتحول كل واحد منا لمتهم

في نظر الآخر .


وقف متأففا من ذاك الأسلوب الفض في اجتياح عزلة الآخرين

فلم يعرف أحدا طوال مكوثه هنا يضغط زر الجرس لأكثر من

مرتين ويغادر إن لم يفتح له الباب وكأن الشيطان حين يسرق

تعاليم ديننا من عقولنا تباعا يأتي بها هنا لأناس لن تستفاد

منها في شيء وتلك هي لعبته للأسف والمؤسف أكثر في الأمر

أننا نعلم ، ما أن وصل الباب توقف الجرس عن الرنين فجأة فعلم

أنه ثمة أمر ايجابي حدث اليوم أخيرا فتجاهل فتحه والتحقق ممن

كان خلفه وعاد جهة الأريكة التي كان يجلس عليها ورفع سترته

وهاتفه فعليه المغادرة الآن فبإمكانه أن يصل للمنظمة متأخرا

لكن لا يمكنه أن لا يذهب مطلقا .


*
*
*

نظر لساعته ثم للغرفة المغلقة أمامه ووقف مجددا وبدأ بالتحرك

في ذاك الممر الطويل بتوتر فمنذ علم بأن تلك المرأة من عائلة

غيلوان وهو يستشعر وجود مصيبة في الطريق ونصف عقله

يقول له غادر هذه البلدة ولا ترجع لها مجددا فمن يعلم بأنه أنت

من كان هنا والنصف الآخر يرفض ذلك وبقوة فهل سيتخلى عنها

وهو من صدمها ؟ عليه أن يطمئن على حالتها أولا وأنها بخير

وأن يساعد في نقلها من هنا إن دعت الحاجة ثم يقرر فهذا

المستشفى وإن كان صغيرا فتجهيزاته حديثة نوعا ما ويمكنهم

تقدير خطورة حالتها على الأقل .


عاد بخطوات شبه راكضة نحو باب الغرفة الذي انفتح فجأة

ونظره على التي خرجت من هناك وقال بتوجس

" كيف هي حالتها ؟ علينا التصرف إن كانت تحتاح لأن ننقلها

من هنا "
نظرت له الواقفة أمامه ومن حاولت جهدها أن تخفي حماسها

وسعادتها بأن كان هو تحديدا من صدمها وجلبها إلى هنا ولم يفر

تاركا إياها خلفه فنظرتها له لم تخب أبدا ومتأكدة من أنه

الشخص الأنسب لابتلاع الطعم فما أن سمعت من تلك الممرضة

ما حدث في الخارج وكيف تشاجر مع الطبيب تأكدت من أنه

الرجل المناسب لها ومن سينتشلها من الشارع ومن مصيرها

المجهول بل ومن همومها ومن عائلة غيلوان بأكملها فذاك

الطبيب بالفعل تعمد أن يراها أولا ويتأكد من أنها هي ولازالت

تذكر المرة الوحيدة التي زارتها فيها هنا خلسة وقد رآها وقتها

ومنذ ذاك اليوم لا يتوقف عن سؤالها عنها بطرق ملتوية غالبا

وما أن سئمت منه وأخبرته بأنها من تلك العائلة ليرحمها لأنهم

ذوي سيط مرتفع حتى مع من يعملون هنا وليسوا من الجنوب

فتنحى جانبا ذاك الجبان رغم معرفته بقصتها والتي تعمدت ذكرها

أمامه لعله يفكر فعلا في الارتباط بها لكنه جبان كغيره وكسابقيه

أما هذا رمادي العينين فمتأكدة من أنه لن يتهرب بل ولن يهرب

من باقي مخططها وشهامته لن تسمح له بالتخلي عنها وإن كانت

ابنة شعيب غيلوان نفسه وليست حكاية معقدة وفتاة لم يستطع

أحد نسبها لأحد سوى عبد الجليل غيلوان ابن عمومتهم وشقيقة

ابن شقيقهم فبعد انضمام هازار شقيقها لجيش ابن شاهين ثارت

ثائرة أبناء غيلوان على تلك العائلة الصغيرة وبعد رحيله معه

وقت اختفائه ازداد الحقد ناحيتهم حدة وأصبحوا جزء منبوذ من

القرية من خالف الأوامر أو تلك العقوبة المفروضة عليهم عوقب

وبأبشع الطرق أما هذا فقد جلب أحد عمالهم دون أن يهتم أو

يخاف والآن تشاجر مع الطبيب فقط لأنه كان يريد الكشف عن

وجهها بل ولم يفر هاربا كغيره حين علم أنها ابنة تلك العائلة أي

أنه لن يتخلى عنها بل وضميره الذي لم يشيع بعد سيجعله يسير

على خطتها حرفيا .


قال بريبة ما أن طال صمتها وتحديقها الغريب به

" لما لا تتكلمين يا آنسة هل وضعها سيء ؟ هل ماتت ؟ "


أشارت برأسها نفيا بسرعة وقالت

" لا لكن ثمة .... "

ونظرت خلفها للممرضة التي خرجت ثم عادت بنظرها له

وقالت مشيرة بيدها للباب خلفه

" هل نتحدث في مكتب الطبيب "


نظر ورائه بديهيا ثم لها وقال

" حسنا "

فتحركت من فورها مجتازة له وفتحت الباب ودخلت وانتظرته

حتى دخل وأغلقت الباب خلفهما ، مخالفة لكنها تحتاجها فلا

تريد لأحد أن يسمع ما ستقوله وقد تكون ردة فعله عنيفة أو غير

متوقعة ويخرج صوته وتسمع احداهما ما سيقولان وينتشر من

قبل أن تظهر شمس الصباح في تلك البلدة الصغيرة التي يعرف

فيها الجار متى عطس سابع جار له ، ومن نعم الله عليها أن ذاك

الطبيب اختفى من هنا فهو من كانت تخشى أن يفسد الأمر فهي

كان بإمكانها الكشف عنها بدلا عنه وهذا ما يحدث مع حالات

النساء دائما إلا إن استدعى الأمر تدخله لكنها خشيت أيضا من

أن يغالط ما ستقول أو أن يصر على التدخل فهي تعلم بأنه سيفقد

عقله الصغير حين سيراها كما حدث تلك المرة وهذا الشهم

الجالس أمامها الآن خلصها من جميع المعوقات وكأنه يحيك

الخيوط حول نفسه وليس على العنكبوت سوى التهامه فقط .


تنفست بعمق وقالت ناظرة لعينيه المحدقتان بها بقلق

" الحوادث المشابهة هنا لا يتضرر فيها المصاب بشكل بليغ

جدا بسبب طبيعة المكان فلا طرقات داخلية معبدة تسرع عليها

السيارات ولا أرصفة تحطم عظام من يصطدم بها بقوة لكن

الأمر لا يخلوا دائما من الكسور والرضوض والخدوش "

قال بشيء من الأمل

" تعني أنها بخير وكل ما في الإمر رضوض وكسور ؟ "


نظرت للأسفل قبل أن تنظر له مجددا قائلة

" حسنا هذا بعض من كل ... ثمة كسر في عضمة الحوض

وهو كسر مزدوج ولا يعد أمرا خطرا لكنه يحتاج لعناية قبل

أن يشفى ، هذا غير الرضوض والجروح البسيطة طبعا "


قال مبتسما

" حمدا لله ... أنا على استعداد للتكفل بمصاريف علاجها وسأجلب

سيارة لنقلها للمستشفى هناك إن كان الأمر ضروريا وسأتحدث

مع عائلتها أيضا وتنتهي المشكلة "


قالت من كان عليها تحطيم ذاك التفاؤل فلا حل غير ذلك وليغفر

الله لها

" لكن المشكلة لن تنتهي هناك يا سيد "


نظر لها باستغراب فتابعت من فورها

" المشكلة تكمن في التمزق العرضي الذي سببه ذاك الكسر "


قال بحيرة

" تمزق .... !! تمزق في ماذا ؟ "


نظرت لأسفل ولحركة سبابتها على ورقة الكشف تحتها وقالت

بتردد

" اممم ... حقيقة الأمر كنت أتمنى أن يكون الطبيب هنا ليشرح

لك هذا لكني مضطرة لإبلاغك به بنفسي "


ورفعت نظرها له وتابعت فورا

" كما تعلم الكسر كان في عضام الحوض و.... "


عادت الكلمات تخونها مجددا وذاك الاحمرار الطفيف يزحف

لخديها فقال يستحدثها

" وماذا ؟ ما بها ! "


تنفست بعمق قبل أن تقولها ودفعة واحدة

" الفتاة فقدت عذريتها "

وقف على طوله وصرخ ناظرا لها بصدمة

" فقدت ماذا ؟ "

نظرت له للأعلى وقالت بضيق

" أخفض صوتك قليلا يا هذا وكن شهما في التكتم على الأقل

حتى تجد الفتاة لنفسها حلا "


رفع يديه جانبا وقال بضيق

" حل ماذا هذا الذي تتحدثين عنه ؟ ما الحل الذي ستجده لنفسها

برأيك ! بل وكيف يحدث هذا في كسر عضام الحوض ؟ لا أرى

هذا يحدث في الحوادث المشابهة ! "


قالت بضيق مصطنع

" يمكنك أخذ الصور والفتاة حيث تريد والنتيجة ستكون واحدة

فلا شيء يضطرني للكذب عليك ويمكنك الاستعانة بطبيب عظام

ليشرح لك كيف حدث ذلك في هذه الحالة وطبيب نساء أيضا

ليشرح لك كيف تسببت بفقدانها لما لا يمكن إصلاحه بل وأنهيت

صلاحيتها تماما "

أشار بيده خلفه وقال بحدة

" هي من خرجت أمام سيارتي ... أنا لم أكن المخطئ "

قالت بضيق ناظرة لعينيه المحدقتان بها بضياع

" أجل ها قد تغير حديثك وأنت من كنت مستعدا لتحمل كل شيء

قبل قليل "

انهار جالسا على الكرسي وحضن رأسه بيديه ينظر للأرض قبل

أن يمسح وجهه بكفيه مستغفرا الله ، لا يريد أن يتلاعب الشيطان

بأفكاره عن سبب تواجدها في ذاك المكان ليلا لوحدها وأن تكون

متعاونة مع هذه الطبيبة للهرب من مصيبة ما بتوريطه بها فهي

خيرته بعرضها على أطباء آخرين وما كانت هنا إلا لأن الطبيب

غادر وبسببه وليس بسببها .

وصله صوتها الجاد منتشلا له من دوامة أفكاره

" يمكننا الانتظار حتى الصباح وعودة الطبيب وهو سيفحصها

مجددا رغم أني أنصحك بأخذها لطبيب خارج هذا المكان كي لا

تصبح ملهى لحديث الناس هنا "

وكانت قد بددت شكوكه حول أن تكون كاذبة بما قالت فرفع رأسه

ونظر لها وقال

" يمكنك كتابة تقرير طبي بالحادث وبأنه السبب وانتهى الأمر

أليس كذلك ؟ "

قالت ساخرة

" تقرير طبي هنا وفي الجنوب ! تلك وحدها تعد فضيحة فكيف

مع فتاة بقصتها التي لو تعلمها لتمنيت أن قتلتها وأنت تدهسها

بسيارتك "


عقد حاجبيه قائلا

" قصة ... !! أي قصة تلك ؟ "

قالت من فورها " لست أعرف الفتاة كثيرا لكن قصتها يعلمها

الجميع وأي ظلم ذاك الذي تعرضت له فهل أنت على استعداد

لسماعها وإيجاد حل لها أم لا أتعب نفسي بحديث ستجده فقط

حجة لتهرب "


استوى جالسا وقال بضيق

" ماذا تضنين بي مجرم درجة أن لا أتحمل مسؤلية ما كنت سببا

فيه وبأي شكل كان ؟ "

أخفت ابتسامتها المتحمسة بشق الأنفس فلم يخب ظنها بهذا

الشاب أبدا ولن يرعى تلك المسكينة أحد مثله حتى يعود شقيقها

على الأقل ، ضمت يديها فوق الطاولة تحتها وبدأت بسرد قصتها

عليه من قبل أن تولد وتجنبت ذكر ما حدث البارحة لأنه يفترض

بأنها لا تعلمه ، كان أملها يتصاعد تدريجيا كلما رأت نظرات

الشفقة في عينيه فهو حتى الآن لا يفكر بالفرار على الأقل ، وما

أن أنهت حديثها تنفست الصعداء فهي أمسكت نفسها بصعوبة

عن البكاء أمامه كي لا يشك بها ، وكادت أن تقفز جهته وتقبل

رأسه حين همس بضياع

" يا إلهي كيف تعامل هكذا بحق الله ! ما ذنبها هي فيما حدث ؟ "

ولم تستطع أن تمسك ابتسامة الامتنان التي خصته بها فهو على

الأقل لم يقل تلك الجملة المعهودة التي يذكرها كل من يسمع

قصتها لأول مرة

( أعوذ بالله هذا نتائج الزنا والحرام لقيطة لا يحتمل المرء ولا

النظر لها )

رغم أنها مسجلة وقانونيا ابنة ليحي غيلوان المتوفى قبل ولادتها

بأعوام طويلة وذاك كان أقسى فصل كتبه أبناء صفية غيلوان

في تاريخها أن نسبوها لابن عمهم وزوج عمتهم وسجلوها بسم

شقيقهم زوج والدتها وضاع نسبها مع دمائها وتحولت لفتاة

مشوهة يرفض الجميع الاقتراب منها كي لا تلوثهم وزاد على كل

ذلك نبذ عائلتها لها ولشقيقيها ثم نبذ الجميع لهم تباعا ، لكن

هذا والجالس أمامها الآن كان أول من رأت تلك النظرة في

عينيه ... نظرة من يعرف معنى الظلم ومعنى أن تحمل ذنب أمر

لا يد لك فيه ولم تختره لنفسك ، شخص آخر غيره ما كان ليكون

موقفه هكذا وكانت ستورطه مع شعيب وأشقائه ليجبروه عليها


لكن هذا لا تراه يحتاج لذلك وإن احتاج الأمر فستفعلها دون تردد

فمهما كانت ردة فعله حينها وكانت حياتها قاسية معه لن تكون

أقسى عليها من الشارع ومن الوحوش البشرية .

ارتفع نظرها معه وهو يقف وقد نظر حوله قبل أن ينظر لها

ويبدوا ضائعا ولا يعرف ما يقول ولا يقرر وليست تلومه أبدا

ومستعدة لانتظاره حتى الصباح ليرتب أفكاره فهي متأكدة من

أنها ستصب نهاية الأمر لمصلحة تلك المسكينة اليتيمة ، راقبت

عيناها بلهفة الذي مرر أصابعه على لحيته الخفيفة وصولا لشعر

قفى عنقه قبل أن ينظر لها وقال

" عليا المغادرة الآن فأنا من غرير غرب الهازان وشقيقتي

تنتظرني هناك وكان يفترض أني أكاد أصل لها ، سأرجع في الغد

وسأتحدث مع عائلة الفتاة ونرى الحل لكل هذا وسأمر للاطمئنان

عليها فهي ستحتاج للبقاء هنا لفترة بكل تأكيد ؟ "

وقفت وقالت بملامح غطاها الوجوم كما خيبة الأمل تظنه يبحث

عن الحجج ليرحل ثم لن يعود

" ما ستفعله خيار لك وحدك فلا أحد يمكنه التحكم في ضمائر

الناس وأنا لن أتكلم عن الأمر وجل ما أخشاه أن يعلم أبناء

عمومتها وحينها لن تخفيك عنهم أي أرض في العالم "

حرك رأسه برفض وقال ببعض الضيق

" أنا أعلم ما عليا فعله وليس خوفا منهم وقسما أني سأرجع

فقط عليا حل مشاكل أخرى تنتظرني فلا تتهوري بقول شيء قبل

أوانه ولا للفتاة نفسها "

وغادر من هناك نظراتها تتبعه كما ابتسامتها الواسعة وما أن

خرج مغلقا الباب خلفه حتى قفزت في مكانها صارخة ترفع

قبضتها قائلة بضحكة

" ما أروع حظك يا مايرين "

وغادرت الغرفة أيضا مسرعة فما فهمته من حديثه وكان واضحا

جدا بأنه يسير معها على المخطط تماما بل وأكثر من ذلك بكثير

حتى أنه لا يريدها أن تعلم بأنها لم تعد فتاة ، خرجت من الغرفة

ودخلت للغرفة المقابلة لها فورا وتوجهت للنائمة على السرير

وحضنتها بقوة قائلة بسعادة

" ها قد وجدنا منقذك يا مايرين ولن تصدقي أ.... "

قاطعتها التي صرخت متألمة مما جعلها تقفز مبتعدة عنها وخرج

همسها متألما تمسك ذراعها بقوة

" فجر لقد آلمتني "

مسحت على شعرها وعلى طرف وجهها بيديها ونظرت لعينيها

المجهدة وقالت بسعادة وعيناها قد اغرورقتا بالدموع

" وأخيرا يا مايرين ثمة من سينقذك من الشارع "

نزلت تلك الدمعة اليتيمة من طرف عينها وهمست بحزن ومرارة

" وأي عجوز أو مجنون هذا الذي وجدته لي ؟ "

ضحكت من فورها قائلة

" عجوز !! قولي سيد شباب الجنوب ... بل والبلاد بأكملها ولن

أصف لك ملامحها ولا جسده فستريه بنفسك قريبا وكل ما

سأخبرك عنه بأنه أكثر الرجال شهامة قابلتهم في حياتي وأنبلهم
أخلاقا وليس من الجنوب أيضا "

وجلست أمامها تسرد عليها ما حدث متحمسة ولا أحد يعلم بأن

من خرج من هناك كانت ثمة مصيبة أخرى في انتظاره وهو يقف

في سور المستشفى الصغير ينظر حوله لمكان سيارته الخالي

تماما منها يمسك رأسه بيديه ففي تلك السيارة وضع كل ما بقي

له من مال فمن أين سيجد من يوصله لنجران الآن وفي هذا

الوقت المتأخر ليصل لغرير ولمنزلهم هناك ولشقيقته التي

تنتظره وكأن المصائب قررت الاجتماع عليه دفعة واحدة .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:30 PM   المشاركة رقم: 878
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



انفتح باب الحمام وخرجت منه التي وقفت مستندة بيدها على

إطاره وبجانب وجهها على تلك اليد تنظر بصمت للذي تغلب

جنونه على قلبه وعقله وكل شيء ولحق بها بعد معركة كبيرة

معهما ولم يجد هناك سوى مربيتها التي لا تعلم أكثر مما يعلمه

غير أنه ثمة شخص توصل له رسائل منها ليست تعلم من يكون

ولا إن كانت تلك الرسائل له أم لغيره ولا تستطيع ذكر ذاك السر

له أبدا فاكتفت بالوقوف بقربه ينتظران من طال بقائها في الداخل

ولم تزده فوق عذابه سوى عذاب .

وقف مكانه ولم يستطع أن يبعد عيناه عن تلك العينان المجهدة

من البكاء في مشهد لم يراه سابقا وكان يجزم بأنه لن يراه يوما

فكانت تلك النظرة ملؤها تساؤل ودعم في صمت بل ورجاءات

صامتة بأن ترحمه قبل نفسها وكأنه يبوح لها بما في داخله دون

أن ينطق به لسانه مما جعلها هي من تعلن الهزيمة وترخي

جفناها مبعدة تلك الأحداق الزرقاء عن عينيه ومدت له هاتفه وفي

صمت وما أن تقدم نحوها وأخذه منها تحركت من هناك مجتازة

له وتوجهت لسريرها جلست على حافته وفتحت درج الطاولة

بجانبه وأخرجت علبة من أدويتها وفتحتها وسكبت في يدها ما

يزيد عن عشرة أقراص ورفعت كأس الماء بيد مرتجفة لتوقفها

تلك الأصابع الرجولية التي التفت حول معصمها وأخذ الكوب

منها ووضعه مكانه فقبضت أصابعها على الأقراص في راحة

يدها حين أراد أخذها منها أيضا وقالت بضيق تحاول سحب

يدها من قبضته

" اتركني وشأني ماذا تريد أيضا ؟ "

فتح أصابعها بالقوة لتتناثر تلك الأقراص على الأرض تحتهما

وقال بحدة ناظرا لعينيها

" توقفي عن إيذاء نفسك والانتقام منها يا زيزفون "

نفضت يده عنها صارخة في وجهه

" أريد أن أموت هل يريحك هذا ؟ لما ستهتم إن عشت أم مت ؟

اتركني وشأني يا وقاص ... أنا أكرهك وأكرهكم جميعا لما

لا تفهم هذا ؟ "

نظر لعينيها بصمت أنفاسها تخرج بقوة وكأنها بذلت آخر ذرة

مجهود لديها وهي تصفع إنسانيته قبل مشاعره بقسوتها تلك

وكالعادة تعامل مع الأمر بصبر لم يعد هو يعرفه في نفسه

وانحنى للأرض وبدأ بجمع الأقراص فتأففت التي رفعت قدميها

عن الأرض واندست تحت لحافها وغطت حتى رأسها وقالت

بجمود من تحته

" أريد أن أنام .... اتركوني وحدي "

فوقف على طوله لم تترك نظراته جسدها المختفي عنه بكامله

والتفت برأسه للتي لامست كتفه بيدها وهمست له

" لنخرج "

فنظر للمنكمشة في سريرها مجددا وتنهد بعمق مغمضا عينيه ثم

أعاد الأقراص لعلبتها ووضعها في الدرج حيث كانت وخرج خلف
التي ما أن كانا في الخارج أغلقت الباب ورائهما وهمست

ناظرة لعينيه

" لقد نامت فجرا بدون مهدئات ولا أدوية "

نظر لها باستغراب فتابعت بأمل كسير ونظرة حزينة

" لم تفعلها سابقا وكانت أحرص مني على أن لا تنام من

دونها وإن بقيت من دون نوم "


أبعد نظره عنها ونظر للفراغ بشرود يحاول ترجمة وفهم ما حدث

فهل حديثها ومهما قل عند البحر السبب أم جلوسها هناك ؟ لابد

وأن يكون الخيار الأول لا محالة ! نظر لها حين قالت مجددا

" صحيح أنها أفاقت مفزوعة وصارخة لكن يبدوا بسبب كابوس

أو شيء لم يكن كسابقيه أبدا حتى أنها أفاقت ما أن أجلستها "

مرر أصابعه في شعره ونظر جانبا قبل أن ينظر لها وقال

" كوني بجانبها ولا تتركيها وأنا لن أغادر المنزل حتى تستفيق

حسنا ؟ "


أومأت إيجابا وغادرت من عنده عائدة للغرفة مجددا نظره يتبعها

وقد بقي معلقا بالباب المغلق لوقت قبل أن يتنهد بعمق ويغادر من

هناك ووجهته باب المنزل الذي وقف خارجه وفتش هاتفه أولا

وكما توقع لا أثر للرقم الذي اتصلت به ، اتصل بمن سيساعده في

هذا فورا وقال ما أن أجاب عليه وهو ينزل عتبات الباب

" مايسون أريد مساعدتك في معرفة رقم مسح من هاتفي "

قال من في الطرف الآخر فورا

" أنا في الخدمة سيادة وكيل النيابة أحتاج فقط جهازك لأطبق

عليه البرنامج وسأخرج لك بمكالماتك جميعها "

وتابع بضحكة خفيفة

" فقط لا تكن زوجتك موجودة وتكتشف تلاعبك من ورائها "

وختم جملته بضحكة عالية فابتسم الذي سار وسط الحديقة قائلا

" لما على الجميع أن يكونوا منحرفين مثلك ؟ ما أن أخرج من

المنزل سآخذ الهاتف لك اتفقنا ؟ "

" بالتأكيد وأنا لن أغادر حتى تأتي فلا تتأخر .... وداعا "

نظر للهاتف في يده سائرا جهة نافورة الحديقة حتى وقف أمامها

يشعر بأنه يحمل لغزا سيكشف أخيرا ليعلم ما سر دموعها تلك

وحزنها العميق والنظرة التي أهدتها له وقت خروجها من الحمام

ولم يعرفها في عينيها سابقا أتبعتها فورا بعبارتها الغاضبة تلك

مصرحة بكرهها له بطريقة لم يشعر بأنها قاسية كما الآن !

دس هاتفه في جيبه متنهدا بحيرة من كل شيء وأولهم نفسه

ونقل نظره فورا لمياه النافورة المتموجة والمياه المتناثرة حولها

وظهرت فورا صورتها أمام عينيه حيث المكان نفسه الذي جلست

فيه البارحة وذاك الشيء الذي كان في راحة يدها تنظر له وكأنه

جزء من روحها تنتزعه من أعماق ألمها ثم تخلصت منه في مياه

النافورة !! وما كان ليتوقع أن ترميه هكذا بعد كل ذاك الاهتمام

الذي خصته به فما سيكون ذاك !


نظر للذي سار من خلفه وقال

" ردولفوا أطفئ المضخات وأفرغ النافورة "

نظر له الذي وقف مكانه باستغراب قائلا

" لكنها نظيفة وتم تغيير مياهها بالأمس سيدي "


قال من فوره

" أعلم وأريد إفراغها الآن وتأكد من المصافي أولا ثم توجه

لغرفة التحكم ، أريدها فارغة في أقصر وقت "

أشار له بحسنا وتحرك من فوره ودار حولها دورة كاملة قبل أن

يختفي من المكان تاركا الواقف هناك مكتفا يديه لصدره يراقب

بصمت انحسار المياه بطريقة شعر بها بطيئة مملة رغم سرعة

سحب المضخات لما فيها حتى أصبح يرى أرضيها الرخامية

الملونة بوضوح وما أن فرغت تماما دار حولها تراقب نظراته كل

قطر وزاوية فيها حتى كان عند المصفاة الثالثة ووقف عاقدا

حاجبيه باستغراب ينظر لخاتم الزواج الفضي الرجالي الذي يكاد

ينزلق من بين فتحات المصفاة فرفع قدمه لداخل النافورة ومد

يده له وأمسك طرفه بطرفي سبابته وإبهامه وأخرجه برفق حتى

أنفاسه توقفت مع ما يفعل يخشى أن يقع منه وحينها لن يجده

أبدا ، سحبه برفق حتى أخرجه وأداره ليكون في راحة يده وقبض

عليه أصابعه فورا وهو يخرج قدمه من النافورة وكأنه يخشى أن

يقع منه في أي مكان ولا يعرف سره وما يكون هذا فهل لزوج ما

لها ! لكن مستحيل لكان ثمة أوراق ثبوتية وخاصة في محاكمتها

فلمن سيكون ! فتح راحته ورفع الخاتم بأصابع يده الأخرى

ونظر له من الداخل فورا وكما توقع كان ثمة كتابة حفرت داخله

كان اسم ( إسحاق ) بالعربية وتاريخ يعود لتسعة عشر عاما

أي قبل ولادتها بعام ... أي أنه سيكون تاريخ زواج والدها .

شد قبضته عليه مجددا ونظر جهة نافذة غرفتها من قصرهم وإن

كانت لا تظهر له من هناك لأنها في الطابق السفلي وجل تفكيره

في السبب الذي جعلها تتخلص منه إن كان يخص والدها

والبارحة تحديدا ! نظر له وشد قبضته عليه أكثر وقد عاد بنظره

هناك .... أتعلم بأنه كان يراقبها من شرفة غرفته ؟ أفعلت هذا

عمدا ليجده ! لكن لما ! أثمة رسالة تريد إيصالها له ؟ دسه في

جيب بنطلونه الجينز وأخذته خطواته السريعة فورا عائدا من

حيث جاء ودخل ووجهته هذه المرة جناح جده وطرق بابه حتى

سمع صوته آذنا له بالدخول ففتحه ودخل ووقع نظره فورا على

الذي كان يلبس ربطة عنقه واقفا أمام المرآة فهو يخرج لشركته

هذا الوقت ، أغلق الباب واتكأ عليه بظهره وكتف ذراعيه لصدره

قائلا

" جدي هل يمكن أن أطلب أمرا لا تردني فيه ومن دون شروط

هذه المرة ؟ "


نظر له الواقف هناك نظرة شاملة قبل أن يعود لفعل ما كان يفعله

قائلا

" ألا تفكر في الخروج لعملك أم ماذا ؟ "

تنفس الواقف هناك بضيق وقال بهدوء

" جدي أنا لا أطلب منك أمرا إلا وتلبيه لي ومنذ صغري "

قال الذي رفع رأسه يعدل ياقته وببرود

" لأنك لا تطلب دائما ولا تطلب أمرا تافها أبدا "

قال من فوره

" إذا قل كما كنت تقول : أرد ضرارا السلطان خائبا ولا أردك "

نظر له حينها وقال بجمود

" ذاك حين كنت وقاص الذي أعرفه "

فك ذراعيه وشد قبضتيه بجانب جسده وقال بجدية

" وأنا هو جدي .. أنت من لم تعد ضرار السلطان الذي أعرفه

منذ دخلت زيزفون بيننا "

دار له بكامل جسده وقال بضيق

" ماذا تريد يا وقاص ؟ "


قال مباشرة

" خاتم زواج جدتها الموجود لديك منذ وفاتها "

نظر له نظرة فهم منها الرفض قبل الصدمة فقال بهدوء محدقا

في عينيه

" أنا أعلم بوجوده لديك منذ كنت في الخامسة عشرة فافعلها من

أجل زيزفون مرة واحدة جدي فوحدها التي لا تفعل شيئا من

أجلها أبدا بل و..... "

قاطعه بحدة

" هل ستعلمني كيف أكون عادلا مع حفيدتي يا وقاص ؟ "

فقال مباشرة ودون تردد

" أنت لست عادلا معها أبدا "

" وقاص لا تغضبني منك "

كان يفترض بتلك الصرخة الغاضبة أن تجعله يصمت تماما لكن

ذلك لم يحدث وهو يواجهه بقوة

" بل سأفعل كلما كنت ظالما معها فأنا أصبحت لا أعرفك جدي

وكأنه ليس أنت "


كان سيتحدث والغضب يرسم خطوطا واضحة في ملامحه لولا

أوقفه ليس نظرة الصدمة في عيني الواقف أمامه فقط بل

والصوت الأنثوي الصارخ ببكاء الذي وصله مثله بوضوح

فلحق فورا الذي قفز فاتحا الباب وراكضا بصرخة عالية
" زيزفووووون "


*
*
*


مد رأسه بين الجالسان أمامه في السيارة وصرخ ينظر للطريق

ولأضواء السيارة الخلفية المسرعة على مبعدة منهم

" أسرع يا شعيب إنه يهرب منا ؟ فتى وبتلك الخردة ولا تستطيع

أن تدركه ! "

صرخ فيه الجالس أمام المقود بالمثل

" ألا ترى كيف كان بعيدا ؟ لو تصمت قليلا يا زكريا فستجد عنقه

بين يديك "

ضرب براحة يده على مسند رأس الكرسي أمامه وقال بحدة

" سحقا للطفل إن أفلت منا فسيفتضح أمرنا "

قال نوح

" لست أفهم ما الذي أنت خائف منه هكذا فكل ما يعلمه بأن اسمك

بشير وبأنك شقيق والدته ؟ هو لن يعلم شيئا عنك بل وما يعلمه

حقيقي فعلا "

لوح بيده بينهما قائلا بضيق

" وما يدريك بأنه لم يسمع شيئا مما قيل ؟ ثم أنت لم ترى ما

رأيته ونظرة الرعب تلك في عينيه ما أن علم من أكون ، لما لم

يركض لي وارتمى في حضني لأني خاله ؟ حتى أنه نطق .. اجزم

بأنه تحدث أي أن خرسه ذاك تمثلية فقط وما أكده الهاتف الذي
وجدناه مرميا أرضا حيث وجدنا آثار السيارة خلف الصهريج ثم

الشخص الذي اتصل به ولا أرقام مسجلة في ذاك الهاتف وكأنه

جديد "

قال شعيب بحدة ينقل نظره منهم للطريق

" ما أريد معرفته الآن لمن تلك السيارة وما كانت تفعل هناك ؟

لابد وأنه أويس فعلها مجددا واستأجر ملحق منزلهم لأحدهم

ودون علمنا "

قال الجالس في الخلف وهو يرجع لما يعنيه من الأمر فقط

" ما أريد أنا معرفته من وراء ذاك الفتى إسحاق ؟ إن كان مطر

شاهين ووصل له قبلنا فاستعدوا للأسوء القادم لكم "

قال نوح من بين أسنانه

" ذاك المتسلط منذ عاد للبلاد وأعمالنا جميعها شبه متوقفة ،

حتى الأوراق والجوازات المزورة التي كنا نبيع منها المئات

أصبح يسرب منها العشرات فقط وبالخفية والخوف والترقب

وحتى أذرعنا في البلاد فقدنا أغلبهم بسبب جهاز مكافحة الفساد

الذي أنشأه ذاك الفاشل مؤخرا ، إنه كابوس بات يجثم على

صدور الكثيرين وإن لم يتخلصوا منه سريعا فسيتخلص من

الجميع ... إنها حرب بقاء "

قال شعيب من فوره وملوحا بيده

" متمردي صنوان لو يحكموا عقولهم فقط ويوزعوا أسلحة

اليرموك على الناس هناك وتبدأ الحرب بينهم وبينه سنتحرك نحن

أيضا حينها ونتعاون معهم وسيصبح السلاح في أيدي أبناء
الجنوب جميعهم ونثبت أن زوجته تلك وابنته منها والتي يخفيها

عن الاعلام حتى الآن من سلالة المدعو دجى الحالك وتصبحا في

أسرنا حتى يخسر كل شيء كأسلافه وأرقص رقصة النصر حينها

يا ابن شاهين "

وأتبع كلماته بضحكة عالية توجتها ابتسامات الإنتصار من

مرافقيه وأخرج هاتفه حين علا رنينه في جيبه وقال ما أن

فتح الخط

" أتصل بك من ساعة يا امعة ما كل هذا النوم ؟ "

" اتصل بي ر.... "

قاطعه من قبل أن ينهي حديثه وهو يدوس على الفرامل أكثر

" أجل أجل أعلم فماذا حدث معكم هناك "

" أمسكنا الخط الشمالي كما طلبت لكن الشباب انسحبوا فثمة

سيارات للقوات الخاصة والصاعقة دخلت المكان قبل دقائق "

شتم بحقد قبل أن يرمي الهاتف من يده على مقدمة السيارة قائلا

بضيق

" كما توقعت يا زكريا ها هو ابن شاهين في الموضوع "

نظر له نوح بصدمة قبل أن يقول بغضب

" سحقا له يزرعه بيننا من أعوام ولا نعلم ؟ وها قد اكتشف

هوية زكريا وأن له صلة بنا وأنه نفسه خاله بشير وإن وصل له

أضاع علينا كل شيء "

صرخ الجالس في الخلف مشيرا بسبابته للطريق

" أجل ... أجل ... ها هو زد السرعة يا شعيب سيارته تفقد
توازنها وقد تقع من المنحدر وهذا ما يجب أن يحدث فعرقل

مسارها وأوقعها به "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:32 PM   المشاركة رقم: 879
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




نزل السلالم راكضا حتى كاد يقفز جميع عتباته في خطوة واحدة

أو يقفز من أعلاه فإما أن يصل هناك أو يموت فصوت ذاك

الصراخ الذي ضرب قلبه قبل أذناه أفقده ما تبقى من صوابه ،

وما أن وصل لآخره دار حوله في الهواء ممسكا نهاية سياجه

وركض جهة ممر غرفتها بالكاد يستطيع رؤية أي شيء أمامه

حتى وصل الباب ودفعه بقوة ودخل يتبعه الذي بالكاد استطاع

اللحاق به وأنفاس كل واحد منهما تسابق الآخر ليتسمرا مكانيهما

ينظران بصدمة للتي كانت تمسكها مربيتها بذراعيها بقوة من

خصرها وهي تصرخ باكية تحاول الفكاك منها وما أن وقع نظرها

على اللذان اجتاحا المكان مدت يدها جهة الواقف مواجها لها

تماما صارخة ببكاء

" وقاص أرجوك إنه يموت .... وقاص افعل شيئا "

لكن الصدمة شلته عن فعل أي شيء وهي تناديه باسمه أي ليس

نومها السبب وتراه فعلا وليس شخص آخر ! تراه وترى شيئا

آخر يجهل ما يكون وهي في وعيها التام !

وفي تلك اللحظة انفكت يدا التي تركتها ودموعها تنزل مع بكائها

بعدما اطمأنت بأنه ثمة من سيحميها من كل شيء حتى نفسها
لكنها لم تتحرك من مكانها كما كانت تريد قبل قدومهما بل نزلت

على الأرض على ركبتيها تشد رأسها بيديها صارخة فركض

ناحيتها الذي فقد تعقله حينها كما فقد قدرته على الحركة قبل قليل

وجثى أمامها على ركبتيه أيضا قبل أن يجلس أمامها وأمسك

ذراعيها وقال صارخا يحاول رفع جسدها ورأسها له

" من هذا الذي يموت يا زيزفون ...! ماذا تقصدين بهذا ؟ "

فرفعت نظرها له وأمسكت قميصه بقبضتها وبدأت بضرب صدره

بقبضتها الأخرى وصرخت ببكاء ناظرة لعينينه

" وقاص قسما أنه يموت أرجوكم الرحمة ... أرجوك "

فلم تفعل شيئا حينها سوى أنها دمرت وقاص فوق ما هو مدمر

أساسا وأسقطت آخر حصونه بمنظرها ذاك الذي كان كفيلا بجعل
الجدران تنطق لكنه ليس جدار ولا حتى أي بشر أمام هذه المرأة

تحديدا .. وكل ما فعله ذاك البشري حينها أن شدها لحضنه

وطوقها بذراعيه يدفن بكائها في صدره يشعر بعبراتها تدمر

أضلعه وبلا رحمة وقال بوجع يتكئ بخده على رأسها يغمض

عينيه بقوة

" زيزفون ارحمي نفسك وارحميني قبلك .... زيزفون توقفي

عن فعل كل هذا بي "


وما كان أمامه من شيء آخر يفعله من أجلها وهو يجهل حتى

عما تتحدث ومن هذا الذي هي عاجزة حتى عن الوصول له وكأن

كل ما كانت تريد فعله أن تصل له هو وتستنجد به لكن ما في يده

يفعله ؟ ماذا غير دفنها وسط أضلعه يستمع لكلماتها من بين

عبراتها سكاكين تخترق قلبه

" يموت يا وقاص ... إنه يموت ... سأخسره أيضا ... قسما

سأخسىر كل شيء إن خسرته يا وقاص "

فكانت فقط تبكي وتبكي وتستمر في الهذيان يشدها لحضنه ضاربا

عرض الحائط بكل شيء وحتى الواقف خلفه ينظر لما يحدث

أمامه بصدمة وعدم استيعاب ولا أحد منهم يعلم بأن ثمة ما يقطع

الأميال والقارات لا يحتاج لتقنيات حديثة ولا اتصالات أو أقمار

اصطناعية ... أمور تتعلق بالقلوب .. بالأرواح المترابطة في كل

شيء فحتى الأقرب منهم هناك لم يكونوا ليروا أو يشعروا بتلك

السيارة التي كانت تتهاوى من أعلى المنحدر تنقلب حول نفسها
قبل أن تصل القاع تدمر معها قلبها ومشاعرها .. ماضيها بقايا

عائلتها وأجمل ما في عالمها الكئيب ، ولا أحد يرى أو يفهم ولا

يملك شيئا ولا الذي يدفنها في حضنه يشدها لصدره بقوة ومن

وحده طلبته واحتاجت مساعدته حتى فيما تعلم بأنه عاجز عن

فعله وذاك أكثر ما بات يقتله .



*
*
*


بدأت سرعة سيارتها بالتباطئ تدريجيا وكأن أفكارها هي من

تتحكم بمقودها أيضا حتى وجدت نفسها تقف بها على جانب

الطريق واتكأت بجبينها على ساعديها الملتفتان حول المقود

تحاول أن تتنفس بهدوء .. أن تفكر بهدوء وأن تحسب كل شيء

بروية وهدوء والسؤال الذي جعلها تتردد في كل ذلك

( ماذا إن حدث ما لم تكن تتوقعه ؟ )


ماذا إن كانت ورقة المساومة الجديدة ؟ هل سيهتم فعلا بأن يقدم

التنازلات من أجلها ؟ آستريا كانت مقابل حرب الثنانيين والعرب

فماذا سيحدث مثلا إن تحولت هي لرهينة لديهم ؟ لا شيء طبعا

فلا أحد يعلم بأنها من الحالك وبأنها ابنة عم مطر شاهين وأنه قد

يتنازل عن أي شيء من أجلها .. ليس الوطن ليس الحرب

والدماء والدمار هي تعرفه جيدا وقالها لها في الماضي

وبوضوح : الوطن قبل كل شيء حتى عائلته ، فلما تتردد إذا

وهي من تعلم بأن جبران لا يخلف وعوده ... لكن جبران

الماضي تغير لم يعد كما كان حتى أنه قرر تدمير حياتها في

الماضي دون أن يهتم رغم أنها اعترفت له حينها بأنها تحب

زوجها وراضية تماما عن حياتها معه لكنه لم يهتم بتحطيمها من

أجل ماذا ؟ من أجلها وهو يعلم بأنه لن يحصل عليها ؟ لكن أتتركه

للموت .. للضياع أكثر بسببها ؟


رفعت رأسها ونظرت لهاتفها المرمي على الكرسي بجانبها حين

علا رنينه مالئا صمت تلك السيارة المغلقة وللاسم الذي يضيء

شاشته باستغراب ... هذه تيما لما تتصل بها الآن وفي هذا الوقت

! لن يكون ثمة مكروه أصابها لما كانت اتصلت بها فهل سيكون

شخص آخر ؟ كرهت ذاك الشعور الكريه الذي جعل ضربات قلبها

تنفعل بشكل مرير ففيما سيعنيها إن كان ثمة مكروه أصاب ذاك

الرجل ولما ستتصل بها هي ؟ جزء من عقلها كان يرفض أن

تجيب عليها لكن النصف الآخر كان يؤيد ذلك وبشدة فهي لم

تكلمها اليوم لم تسمع صوتها ولم تبدأ يومها وتنهيه به كالعادة

وكانت ممتنة لها بالفعل لأنها لم تفعلها فمزاجها كان أسوأ من أن

تتحمل سماع اسمه منها أو أن تدافع عنه أمامها فستنفجر بكل

ما يشتعل بداخلها حينها بالتأكيد ، هي لا تنكر بأنها لم تجتز تلك

المسألة حتى الآن وأنها أكبر عقبة في علاقتهما ويبدوا عليها أن

تتأقلم مع ذلك فهي كما قال عنها والدها لن تقتنع بغير أفكارها

تلك أبدا ومهما حدث .

حسمت أمرها ورفعت الهاتف وأجابت عليها فوصلها ذاك الصوت

الرقيق الحزين فورا

" أمي هل كنت نائمة ؟ آسفة إن أزعجتك لكني مشتاقة لك ولم

أستطع النوم من دون سماع صوتك "


ابتسمت بحزن هامسة

" وأنا كذلك بنيتي وأردت الاتصال بك اليوم لكني لم أجد وقتا "

وصلها ذات ذاك الصوت الحزين فورا

" المهم أنك بخير أمي وأني أسمع صوتك ... كوني بخير من

أجلي أمي أرجوك فيكفيني أن أعلم أنك بخير وإن لن أراك

مجددا "

شعرت بتلك الغصة في صدرها من مجرد فكرة أن لا تراها

مجددا وأن تفترقا ولأي سبب كان وذاك كان الخيط الذي

انقطع في قرارها المتردد ذاك فقالت مباشرة

" تيما لما هذا الكلام الآن بنيتي أنا بخير ما الذي يجعلك

تفكرين هكذا ؟ "

همست ببحة بكاء

" لست أعلم ما بي أمي سوى أني أحبك أكثر من كل شيء فأنت

ووالدي أغلى ما أملك في الوجود وأخشى أن أخسر أيا منكما

وسيكفيني من الحياة أن أعلم أنكما فيها فقط "

تنفست بعمق مغمضة عينيها وهمست بخفوت " ليحفظه الله لك

تيما وهيا نامي لا تسهري هكذا مجددا "

" حسنا أمي وداعا الآن .... أحبك "

قبضت أناملها على الهاتف فيها وأنزلته لحضنها تكابد الدمعة

السجينة في تلك الأحداق السوداء تشعر بالضياع في أفكارها

يتعاظم ويتعاظم .. وطال الصمت وتحديقها في الفراغ قبل أن

تتخذ قرارها النهائي وشغلت سيارتها وتحركت من هناك ، لم

تختر طريق العودة ولا طريقا تعود بها جهة العمران بل طريقا

فرعيا دخل بها لمدينة لم تزرها منذ متى لا تذكر ؟ منذ وفاة

والدها شراع ؟ بل قبل ذلك بكثير ... بكثير جدا ، أجل منذ استلم

هو رئاسة البلاد وانتقلوا جميعهم لحوران ولم تجد الجرأة لزيارة

هذا المكان مجددا فكيف بعد وفاة والدها الذي رباها أيضا وليست
تفهم حقا ما دفعها لفعلها الآن وفي هذا الوقت تحديدا ؟

أوقفت سيارتها أمام سور المنزل الواسع المرتفع ونزلت ودفعت

البوابة الحديدة بيدها ودخلت مجتازة له لتتسابق الدموع لملئ

مقلتيها سريعا تتذكر أول مرة دخلت هذا المكان بعد عودتها من

الحالك بل بعدما طردها ذاك الرجل من حياته وأرسلها مع عمه

وكأنها خرقة بالية لم يكلف نفسه ولا عناء أن يرميها بنفسه أو

يعتذر منها قبل ذلك ... دخلت هنا ذاك اليوم تجر أمنياتها الميتة

مع حركة قدميها الكسيرة تحمل قلبها المحطم في صمت الأموات

لتتلقفها تلك الذكريات وتدمر ما تبقى منها وهي ترى كل مكان

جمعها وشقيقها الوحيد ومن رحل وترك لها كل تلك الأماكن

والذكريات .. هنا لعبا .. هنا ركضا وهناك سقطت ورفعها على

ظهره بل وفي ذاك المكان تحديدا كانا يختبئان حتى يغلبهما

النعاس لأنهما كسرا أحد مجسمات رماح الخشبية فيفران من

العقاب رغم يقين كل واحد منهما بأن تلك المدللة الصغيرة

سيأخذ الكاسر العقاب عنها فلا يد تمتد عليها مهما فعلت .

مسحت دموعها بظهر كفها واستندت بيدها على جذع إحدى

الأشحار وفكت حجابها فلم يعد يمكنها التنفس هكذا فستختنق

وتختنق حتى يموت جزء آخر من داخلها ، هذا ما كانت تشعر به

كلما فقدت شيئا وذاك ما شعرت به حين مات الكاسر ثم حين

رماها ذاك الرجل للأقاويل ولقلبها الخاوي المحطم ورحل ثم حين

أخذ ابنتها منها ولتختم مأساتها بموت من كانت تجزم بأنها

ستفقد حياتها إن فقدته وستموت إن تلقت يوما خبر موته فلما لم

يحدث ذلك ؟

لما هي على قيد الحياة حتى الآن !

أيكون توالي الصدمات قبلها السبب ؟

هل عليها أن تشكر ذاك الرجل على هذا ؟

على تحطيمها حتى لم يعد يمكن لشيء آخر ومهما عظم أن

يجعلها تنهار أو تفقد حياتها .


شدت أناملها في قبضة واحدة على الجذع وأنزلت رأسها للأرض

وأغمضت عينيها بقوة وتقاطرت تلك الدموع ... دموع الألم

والخذلان دموع الطعنات المتتالية وبلا رحمة وعقلها يعود لسرد

كل ما حدث اليوم بل وسافر بها لأبعد من ذلك بكثير وهي تتذكر

كل ما حدث قبل أربعة عشر عاما وتحديدا بعد عودته من سفره

ذاك فما أقسى انكشاف الحقائق الموجعة حين يكون وجع

انجلائها أشد من أوجاع إخفائها عنك .. أبعد ما كان قد يتوقعه

عقلها أن يتهمها بخيانته أن شكه فيها وصل لذلك ومع من مع

شقيقها ! مع من تربت معه منذ طفولتها فأي صور تلك التي

سيكون صورها له عقله عن الحبيبان اللذان كانا يعيشان معا

وعن خيانتها المستمرة له معه ..... لكن لماذا ؟ لما لم يرى

مشاعرها اتجاهه وحبها لهم كأشقاء وهي من لم تتهمه بالمثل

رغم سماعها لصوت تلك المرأة بأذنيها وعملت بنصيحته التي

لم يعمل بها هو

( تريثي واسألي أولا وتأكدي قبل أن تحكمي عليه )

لا تصدق أن جبران فعل كل ذلك وهي من أخبرته بنفسها بأنها

تحبه وقانعة تماما بحياتها معه ! لماذا يدمر حياتها معه هكذا ؟

هل يعاقبها معه أم يعاقب نفسه معهما ! ثم ماذا ...؟

يرمي بنفسه للهلاك وللموت بسببها زاعما أنه من أجلها !

يحارب رجلا يعلم بأنه أقوى منه وسيهزم على يديه لا محالة

ليحملها هي ذنب كل ذلك لباقي عمرها ؟ .


تحركت من هناك تدوس تلك الأفكار بخطواتها لتطردها كما فعلت

وكانت تفعل طوال تلك الساعات القاسية التي مرت عليها سجينة

غرفتها تحاول أن تجد مسوغات للواقع أن تستنتج أمورا أخرى

تغير كل تلك الأفكار بل وتمحوها تماما لكن ذلك لم ينجح ..

لم ينجح أبدا فالواقع أقسى من أن تغيره الأوهام والأمنيات .


سارت بخطوات بطيئة تاركة كل ذلك خلفها كذاك القماش الأسود

الذي حملته الريح من كتفيها ورائها وانتهى به الأمر عالقا

بأغصان الأشجار اليابسة حتى وصلت باب المنزل ، وقفت أمامه

ومسحت بكفها على خشبه القديم المقسم لمضلعات بارزة تراقب

نظراتها الدامعة بحزن جميع تفاصيله وكأن طفولتها لازالت

محفورة فيه فبواسطته تعلمت والكاسر الأعداد وكان جبران من

اخترع لهما تلك اللعبة وكان كل واحد منهما يسابق الآخر في

حفظ أعداد أكثر منه ليرتفع بالباب أكثر وكانت هي من وصلت

لرقم عشرة قبله واحتج هو لأنه أكبر منها بعام ولأن جبران طبعا

ساعدها كي لا تخسر وتبكي بينما تلقت هي الحلوى والهدايا من

الجميع ، وصلت أناملها لقطعة معينة فيه ومررت أظافرها

المقصوصة في حافتها وسحبتها بقوة فسقطت فورا وتبعها صوت

رنين ذاك المفتاح الذي كانا يخفيانه تحته وكان سرهما الصغير

فقد سرقه الكاسر وخبأه تحته بمساعدتها طبعا ليستطيعا الدخول

حين يقررا العودة من المدرسة من قبل الذهاب لها فكان كما

يسميه والدهما : فاشل وتعلم شقيقتك كيف تكون فاشلة مثلك .


رفعت المفتاح من الأرض وغرسته في فتحة الباب بالكاد تستطيع

رؤية مكانه فيه من بين كل تلك الدموع وما أن انفتح بدفعة من
يدها وتسلل النور داخله ممتدا حتى ذاك الكرسي الهزاز الذي

تحرك بتلقائة مصدرا ذات ذاك الصوت الذي دفن في ذاكرتها

لأعوام ركضت نحوه فورا وجثت على ركبتيها أمامه ورمت

نفسها عليه تدفن دموعها وعبراتها الموجعة فيه لتملأ صمت ذاك

المكان الخالي المظلم معبرا عن الفقد عن الضياع عن الوحدة

وعن الشوق لمن لن نراه ونجده أبدا ما حيينا .. عن أقسى أنواع

الفراق ... فراق الموت والأموات ، لكم تحتاجه الآن في كل وقت

وفي كل شيء .. لأن تسمع صوته المليء بالعاطفة وهو يقول

لها مبتسما بدفئ

( أنت أقوى من عقبات الزمن يا غسق ، أنت قوية وشجاعة لا

تحتاجين لشيء ولا لأحد لتكوني امرأة كذلك )


ولازالت تذكر حتى الآن كيف حكى لها عن والدتها وذاك كان بعد

فراقها عن ابنتها وقد أخبرها ولأول مرة عن علاقته بها وعن أنه

أحبها رغم انعزالها عنه ورغم انغماسها في حزنها على زوجها

وعلى مصير ابنتها وأن طوال فترة زواجه بها لم يناما معا

كزوجين حقيقيين سوى مرة واحدة وبطلب منه هو احترمت هي

فيه رغبته كزوج وقد أقسم بعدها أن لا يقربها إلا إن أرادت هي

ذلك وبعد وفاتها تركت له حزنا عميقا وجهه لها هي لابنتها التي

تركتها له بعدها وكيف استطاع أن يدفن كل ذلك في حبه لها

واهتمامه بها فلم يعد يشعر بذاك الفراغ والحزن ففهمت رسالته

فورا وأصبح بالفعل ابن شقيقها وأحب فقيد لديها هو المتنفس

لكل ما فقدته لكن ذلك لم يعوضها فقدها له .. لا شيء أبدا ولا

رؤية ابنتها من جديد فكيف للحي أن يأخذ مكان ميت كيف ؟ لما

تركها وحيدة هكذا من دونه وحتى والدها الحقيقي لا تستطيع

الوصول له إلا إن رضخت وتنازلت وداست على قلبها وجرحها

وألمها فبقي هكذا حسرة في قلبها .. حسرة جديدة قد تنتهي

بفقدانها له أيضا ومن دون أن تراه فالموت لا يسأل ولا يستأذن

ولا يراعي الاشتياق واللقاء .

امتدت بها الدقائق وهي مكانها هناك تبكي على ذاك الكرسي كما

لم تبكي أبدا حياتها فذاك القناع المزيف سقط بفقدانها له وما عاد

قلبها الكسير يحتمل المزيد من الألم من الفقد ومن الفراق لذلك
لم تستطع أن ترى أحد أشقائها وأحد أبناء شراع يموت أيضا

وأن تكون هي السبب وبأي شكل كان وأن يكون الحل بيدها

ولا تحاول فعل أي شيء لكنها فشلت في هذا أيضا .

هذه هي غسق شراع ... أجل هذه هي حقيقتها التي لا يعلمها

أحد .. المرأة القوية المناضلة التي تحصل على كل ما تريد ..

ابنة شراع صنوان والتي ولدت ابنة زعماء أجمل نساء صنوان

والأنثى التي ذكر اسمها في كل مكان في البلاد المقسمة

آن ذاك ...

تزوجت زعيم الحالك وحملت في أحشائها طفله وحتى حين تركها

تحولت لابنة رئيس البلاد مالكة مملكة كاملة بما فيها إن تمنت

شيئا حصلت عليه .. تلك هي غسق التي حسدها الكثيرين وعلى

مر أعوام لكن الحقيقة عكس ذلك تماما فهذه هي غسق

الحقيقية.. الموجودة في هذا المكان المظلم الكئيب تطارد

ذكرى ما ضاع منها ولن يعود أبدا ... مجهولة النسب رغم

معرفتها من تكون ... من تركها الرجل الذي أحبته بكل ما عرفته

الأنثى من مشاعر فنبذها بتهمة خيانة ثم اعترف بها على نفسه

وأمام الجميع بل وبعدما أعادها زوجة له وكأنه يتفنن في قتله لها

ليظهر الآن أن كل ذلك مجرد كذبة كبيرة صدقتها هي قبل الآخرين

ومن قبل أربعة عشر عاما ... فقدت والدها المزيف ولم تستطع

الوصول لوالدها الحقيقي ... خسرت ابنتها وحين وجدتها لم

تجدها ... هذه هي غسق دجى الحالك للأسف ... هذه هي غسق

الحقيقية لم تحصل يوما على ما تمنته وعاشت تفقد فقط ...

تفقد وتفقد وتفقد حتى استنزف الفقد روحها ومشاعرها وأحلامها

وتركها جوفاء لا تصلح سوى لتكون تمثال زينة يمتع الناظر له

ولا يستفاذ منه في شيء .

وقفت تمسح دموعها بباطن كفها كطفلة لم تجد من يمسح تلك

الدموع ولا من يهتم لبكائها فاختارت ترميم نفسها بنفسها

وتوجهت للسلم المظلم المغطى بالأتربة وصعدت درجاته بالكاد

تستطيع ساقيها أن تحملانها حتى وصلت لغرفة معينة ما كانت

لتختار غيرها في ذاك المكان وذاك الوقت تحديدا .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:34 PM   المشاركة رقم: 880
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


تبعتهم منذ وقت بسيارتها ولا أحد منهم يفهم كيف تحول


مسارهم من شقة ذاك الكنعاني للمستشفى ؟

كان اتصالا من كين وبكلمات مختصرة

( ماريه تعرضت لحادث واصطدمت سيارتها بإحدى

الأشجار وهي في المستشفى الآن )


جعلهم يغادرون المبنى الذي اجتاحوه لهدف كل واحد يراه في


الآخر وذاك الأصبع لم يبتعد عن الجرس حتى يئس صاحبه من


أن يكون مبتغاه هناك فاكتفى بضرب الباب بقدمه بغضب قبل أن


يشتعل أكثر مما كان بعدما علموا عنه وزميل لمارية يبلغ كين

بأنه وجد سيارتها مصطدمة بشجرة في طريق كامبيردج ولأنه

كان أمام قاعة المحاضرات لم يستطع فعل شيء سوى الاتصال

بوالدها ليصبح كل واحد منهم لقمة سائغة لتأنيب الضمير فما


كان عليهم تركها تغادر ولا أن ينخدعوا بقوتها اللحظية تلك


وصمودها ولامبالاتها رغم يقينها من أنه ليس ثمة قوى مزيفة


لدى تلك الفتاة فهي إن بكت لا تهتم لوجود أحد ولا السبب في


بكائها وإن تمسكت بقوتها العجيبة تلك لا تتخذ ذلك كقناع أبدا


ومتأكدة من أنها كانت تتوقع ما حدث وإن بشكل مختلف وسيكونا


تحدثا عنه البارحة .


نقلت نظراتها بين الواقفان قربها وتلك الملامح المتجهمة وكأن


كل واحد منهما يحمل نفسه ذنب ما حدث لكن المذنب ليسا هما


فقط وليس وحدهما بل جميع من عرف ماريا هارون ... جميعهم


أذنبوا في حقها وختامهم ذاك الهازاني الذي لو كان أمامها الآن


لقتلته لا محالة فمتى سيلتفت لها من حولها ؟ متى سيشعرون


بها ويفهموا بأنها ترى في ذاك الشاب ذاتها .. ماضيها ..


حاضرها ومستقبلها البعيد وأن محاربته لن تخدم ماريه في شيء


فهي تحتاج فقط أن تتعلم أن تعيش من دونه أن ترى سعادتها في


أشياء كثيرة بعيدة عنه أن تتخلص من كل شيء داخلها متعلق به


حتى طفولتها ، وذاك الشيء لن يستطيع تحقيقه سوى رجل آخر


وهذا ما هي موقنه من أن ماريه لن ترضاه أبدا وإن مات ذاك


الشاب وفقدته للأبد وليس موجودا في الحياة تراه وتسمع اسمه .
انتقلوا ثلاثتهم جهة الذي فتح باب الغرفة وخرج منها نظراتهم


المتوجسة تكاد تلتهمه لتتعاقب تنهدات الارتياح المتفاوتة حين


قال مبتسما


" الحادث لم يكن قويا وهي بخير ... بعض الرضوض فقط


وستشفى سريعا ، هي فقط لم تستعد وعيها بشكل جيد ولا تعي


فعليا لما حولها بشكل كامل وتحتاج لأن تبقى هنا ليومين


لتتحسن ونعيد الكشوفات والصور مجددا لنطمئن أكثر "


وغادر بعدما قال

" حمدا لله على سلامتها "


وابتعد مغادرا وما أن كانت ستتكلم لتطلب منهما أن يغادرا وتبقى


هي معها شهقت لا إراديا وهي ترى الذي خرج من آخر الممر


لتجعل شهقتها تلك الواقفان أمامها يلتفتان فورا قبل أن يتبادلان

تلك النظرات التي يتهم بها كل واحد الآخر بفعلها ويبدوا أن كل


واحد منهما مثلها تماما لم يتوقع وجوده هنا ويبحث عمن أخبره


فلم تستطع إزاحة نظراتها عنه وجميع تلك التعهدات بالنيل منه


ما أن تراه طارت أدراج الرياح وهي تراه يتوجه نحوهم بخطوات


واسعة واثقة متفجرة رجولة في أدق تفاصيله زادته تلك الملابس


التابعة للمنظمة التي يعمل ضمن حقولها هيبة كما زادتها رهبة


منه كالعادة وليست تفهم بسببه أم بسبب تلك الملابس السوداء


والحذاء الجلدي الطويل الثقيل وحتى الحزام المشدود حول خصره


النحيل يروي حكاية معقدة من العنف الذكوري المسيطر فبلعت


ريقها لا تحسد المدعوة ماريا أبدا سوى على هذه الوسامة

والرجولة أما باقي ما يتعلق به فلا تتمناه لأي أنثى ولا عدوتها


الغبية المدعوة ( إيلا ) .


كانت تنظر له وتعلم أنه ثمة أمر واحد فقط قد يختفي بعد قليل


وهو السلام الرائع المحيط بالمكان خاصة مع تلك النظرة في


عينيه وقد وقف أمامهم ونظر لوالدها تحديدا وكأنه لوحده في


المكان وحرك رأسه بتلك الطريقة التي لا يتقنها سواه وهو


يقول بحدة


" من هذا الغبي الذي تركها تخرج لوحدها وتقود سيارتها ؟ "


كم شعرت حينها برغبة متوحشة في لكمه على وقاحته تلك ففوق


ما فعله يأتي ليتهمهم بالتخاذل ناحيتها وهو على ما يبدوا يعلم


جيدا سبب ما هي فيه وبأنها ستكون علمت بأفعاله ؟ .


شهقت تمسك فمها بيدها حين تحقق ما حلمت به واقعا لكن


ليس بقبضتها هي بل الواقف على يمينها ومن تعامل معه قبل


قليل وكأنه شيء لا وجود له ولم يكن سوى من يفترض بأنه


والده الرافض تماما للاعتراف به ومن استطاعت قبضته


أن تجتاح تلك الهالة الرجولية المسيطرة لتصل لذاك الفك


الصلب ، وقبل أن يفيق الجميع من صدمتهم بما حدث وأن يفكر


ذاك في رد الدين كما ظهر جليا في نظراته السوداء كان جسد


والدها الأسبق وهو يقف حاجزا بينهما يحاول فقط إبعاده وهو


يتوقع رد فعل معادي منه لن يأمن عواقبه خاصة وأن من لازال


يشد قبضته بقوة صرخ فيه دون اكتراث لما فعل وما تقوله عينا


المواجه له


" هل أرضيت غرورك الذكوري هكذا ؟ أهذا ما كان ينقصك كرجل


أن تجرح امرأة تحبك ؟ "


ورغم محاولات والدها المضنية لمنع أي اشتباك بالأيدي بينهنا إلا


أن تلك اليد القوية امتدت لياقة الواقف أمامه والتفت أصابعه


حولها بقوة رغم أنه لم يحرك ساكنا ينظر له بغضب يشبه غضبه


ودوى ذاك الصوت الرجولي الصارخ


" أنت آخر رجل يتحدث عن جرح امرأة يا شاهر كنعان ..


آخر من يتجرأ على الدفاع عن النساء وآخر من يتهم غيره

بقتل إحداهن "


ليصرخ ذاك بالمثل لا يهتم مطلقا ولا بقبضته الملتفة حول ياقة


سترته وكأنه هو ابنه وليس العكس


" والدتك كانت تعلم ، كانت من رفض ووافق واختار .. تلك هي


الحقيقة واقتنعت بها أم لا يا تيم فتلك مشكلتك لكن ماريه لا


ومادمت اخترت غيرها فستطلقها وإن مرغما "


فأمسكت حينها الواقفة بينهم فمها بيدها تعلم جيدا ما عاقبة من


يتجرأ على ذكر كلمة طلاق أمام هذا النمر البري فهو لم يتقبلها


ولا من ماريه نفسها وجن جنونه ودخل منزلهم لأول مرة بسبب


ذلك ، وذاك ما حدث فعلا وما خشيته كان واقعا وهو يدفع والدها


بجسده بقوة وكأنه لا يساوي شيئا حين دفع قبضته للأمام بقوة


ليصدم ظهر والده بالجدار وقرب وجهه منه ومن ملامحه


الجامدة وصرخ فيه بغضب أسود


" إن كنت تريد أنت أن تتحول حياتك لجحيم فاسعى لذلك وفكر


أن تنفذه ... ماريه زوجتي حتى تموت أتفهمون هذا ؟ زوجتي


رغما عن الجميع وحتى عنها هي نفسها "


تحركت حينها يده لتصل لياقة سترته أيضا وشده منها قائلا بحدة


يحاول دفعه عنه بقوة


" زوجتك وتخطب غيرها ؟ تدمرها وبلا رحمة ثم تناديها


بزوجتك ؟ حرر الفتاة منك يا ابن شاهر كنعان ثم اعبث مع

الانجليزيات كما تريد يا عديم المسؤلية "


ولم تزد عبارته تلك سوى ذاك السواد في عينيه اشتعالا وبات


ما يخشاه الواقفان قربهما واقعا ويده الأخرى ترتفع في قبضة


مشدوة بقوة جعلت عم والدته يتدخل مجددا محاولا إمساكه عن


فعلها وضرب والده وهو من يعلم كغيره بأنها لن تكون الأخيرة ،


وما أن أمسك برسغه نفضه عنه بقوة كادت توقعه وهو يصرخ به


يحاول أن يتوازن دون أن يفلته


" توقف يا تيم فهو والدك فوق كل شيء "


فاستل يده منه بعنف صارخا


" ليس والدي ولا أنتم عائلتي ولن أعترف يوما بأشخاص تركوا


والدتي تموت متخلين عنها وبكل دم بارد "


فك شاهر نفسه وياقته من قبضة أصابعه صارخا


" وما الذي تفعله أنت الآن ؟ تتخلى عن زوجتك ... تقتلها


وتتركها يا ابن والدتك ؟ "


فأبعد هو أيضا حينها يده عنه بحركة عنيفة وقال متوجها لباب


الغرفة المغلق


" هل ما تريده أن أثبت لك العكس ؟ ولهذا أنا هنا "


ليقف أمامه هذه المرة العنصر الصامت في المجموعة والتي


وقفت بينه وبين ذاك الباب ترفع ذراعيها صارخة بغضب "


الطبيب قال بأنها متعبة ولم تتعافى بعد فاتركها للألم الجسدي فقط


وابتعد عنها هذه الفترة فهي تلقت خبرك الرائع بصمود ورمتك


خلف جرحك لها فاتركها وشأنها لبعض الوقت على الأقل حتى


تتخلص من بقاياك "


كانت تعلم بأنها تلعب لعبة أخطر منها لكنها ترفض وبشدة أن


يأخذها من هناك عنادا في والده وما قال فقط .. أن يرميها في


النار التي اختار أن يعيش فيها هناك فينهيها وللأبد بقتلها شيئا


فشيئا .. ذاك ما لم تختاره ماريه لنفسها وعليهم منعه من فعله


الآن وبعدما فقد كل هذا معناه لديها ، لكن مصيرها وكما توقعت


لم يكن أفضل من سابقيها وهو يمسك ذراعها قائلا من بين أسنانه


" ابتعدي عن طريقي فأنا لا أريد أن تمتد يدي على امرأة

أخرى "


ورماها جانبا وكأنها شيء لا يساوي وزنا لتجد في الكرسي


المثبت بالأرضية الرخامية منقذا لها من السقوط أرضا تراقب


نظراتها الحانقة الذي فتح باب الغرفة بقوة ودخل وصرخت به


دون اهتمام لما سيفعله بها أيضا


" ماريه لم تعد تريدك لما تريد أن ترى ذاك واقعا أمامك يا


متعجرف فكما تركتها من أجل أخرى ستفعل هي ذلك يوما تأكد


من ذلك يا كتلة الغرور "


وتنفست بقوة تستوي واقفة تنظر بغضب للذي خرج من الغرفة


يحمل بين ذراعيه من لا تعي مما يجري حولها شيئا يدفن وجهها

في صدره فوقفت أمامه مجددا مستمرة في الصراخ في وجهه

" لما لا تفكر لمرة واحدة بعقلك وليس بالشر المستوطن


داخلك ؟ "


وتلقفت أنفاسها الغاضبة غير مبالية بنظراته السوداء القاتلة

تلك كما لم يكن ثمة ردود أفعال ممن تركهما خلف ظهره ولا

بمنعه أو منعها فإن جهل أحدهما فالآخر يعلم جيدا ما تكون ابنته

ومن تكون تلك الشقراء نصف العربية التي رباها ويعلم جيدا

عنادها وجنونها ولم يرفض ذلك يوما في شخصيتها لتستطيع

الأخذ بحقها حيث عاشت وستعيش مستقبلا وواثق بأنها من

ستفعل ما عجزا هما على فعله بيديهما وذاك ما حدث فعلا ولم

تقصر هي فيه أبدا وقد عادت للصراخ في وجهه مشيرة له

بسبابتها

" ليكن معلوما لديك فقط بأن هذه التي تمارس سيطرتك وغرورك

عليها ليست كما تراها ويصورها لك عقلك وبأنك خسرت ثقتها

وستستمر في خسارتها فتخسرها وتخسرها حتى تنتهي من

داخلها أو تنهيها من الوجود ولن يبكي فقدها غيرك حينها ...

لا أحد عداك لأنك أكثر منها تحتاجها "


تلت كلماتها تلك لحظة صمت عميقة مخيفة قبل أن يضرب الواقف

أمامها بقدمه وحذائه الثقيل الأرض تحته صارخا فيها بالمثل

" ابتعدي عن طريقي وتوقفي عن قول الترهات قبل أن أضربك

بهذا وافقدك قدرتك على الانجاب ما حييتِ "


لتلجمها كلماته تكلك من جرأتها وقد حولتها لتمثال جامد وهو

يجتازها بخطواته الواسعة الغاضبة وكالمتوقع تماما حدث ما يريد

وما أراد ورغما عن الجميع فالتفتت مع حركته تنظر لقفاه تزم

شفتيها بغضب وهو يغادر بها ضاربا حتى قوانين ذاك المستشفى

عرض الحائط ، وما أن اختفى عند نهاية ذاك الرواق التفتت

خلفها مجددا ونظرت للواقفان يراقبان مكان اختفائه أيضا

بنظرات تفاوتت بين الاستياء والتجهم وقالت بضيق

" لما لم تمنعاه ؟ أيرضيكما ما يفعله بها ؟ "

لكن كلامها ذاك لم يجد ردا من كليهما وأحدهما يشيح بوجهه

جانبا في صمت والآخر يغادر المكان أيضا بصمت يشبهه

فضربت بقدمها الأرض متأففة باحتجاج وتوجهت جهة إحدى
النوافذ الممتدة على طول ذاك الممر ووقفت تراقب الذي خرج

من باب المستشفى وتوجه لمواقف السيارات وغادر من هناك

بما أتى من أجله بل وترك عمله ولثاني مرة في تاريخه بسببه

وبسبب رسالة وصلت هاتفه تخصها مجددا وإن كانت هذه

المرة ليست منها كسابقتها .

وضعها في السيارة وغادر من هناك يثبتها حاضنا لها بذراعه

ونظراته الجامدة الجوفاء والخالية من أي تعبير لم تفارق الطريق

أمامه .. يكره أن يقارن بما فعل ذاك الرجل بوالدته ..

يكره أن يُنظر له كما نظر هو لذاك الرجل حين التقاه أول مرة

اكتشف فيها أنه على قيد الحياة ليشعر حينها بوالدته تموت من

جديد وأن مأساة طفولته تعرض أمامه بجميع تفاصيلها


وبأقسى مما كانت وعاش ، أخفى ذقنه وشفتيه في ذاك الشعر

البني الحريري يقبل بصمت رأس النائمة في حضنه ونظره

لازال على الطريق أمامه يتحكم في حركة المقود بيد واحدة

وتلك العبارة تتكرر أمامه رغم محاربته المستميتة لها

( خسرت ثقتها وستستمر في خسارتها فتخسرها وتخسرها

حتى تنتهي من داخلها أو تنهيها من الوجود ولن يبكي

فقدها غيرك حينها ... لا أحد عداك لأنك أكثر منها تحتاجها )

ركن سيارته في المواقف الخاصة تحت البناية ونزل وأنزلها

يحملها بين ذراعيه وصعد بها السلالم ودخل شقته ضاربا

بابها خلفه بقدمه وأخذها لغرفته فورا ، يتصرف بجنون

أجل يعلم .. لا يفكر في العواقب والنتائج .. أجل ولن يهتم أيضا

ولن يبالي ، وضعها برفق على السرير وجلس ثانيا ساقه تحته

وأبعد خصلات شعرها عن وجهها ومرر ظهر سبابته برفق على

الكدمة الحمراء الخفيفة تحت جفنها قبل أن يقبض أصابعه بقوة

مشيحا بوجهه عنها وتنفس بعمق مغمضا عينيه ووقف وتوجه

للنافذة ووقف أمامها تراقب عيناه السماء الصافية من خلف

زجاجها المعتم وأحداث البارحة تتقاسمه كالفريسة وهو يتذكر

الرفض القاسي لكليهما وذبح كلاهما للآخر ودون رحمة ...

ألم يترك الخيار لها وهي اختارت ؟

ألم ترفضه وبكل بساطة فماهذا الذي يحدث الآن وما سبب ما

فعل !

لما ترك كل شيء خلفه وسارع لها ما أن علم بما حدث ؟

لما هي هنا لماذا .... ؟

مرر أصابعه في شعره بعنف واستدار من فوره وتوجه لباب

الغرفة وأغلقه بالمفتاح وسحب الأريكة الثقيلة بقوة حتى ألصقها

به وعاد جهة ذاك السرير الواسع والنائمة فوقه لازالت لا تعلم

شيئا عما يحدث حولها ، استلقى بجانبها مستندا بمرفقه وأمسك

ذراعها بيده الأخرى وسحبها لحضنه وطوقها بذراعه ودس

وجهها في عنقه وأصابعه في شعرها الناعم ووجهه في خصلات

ذاك الشعر هامسا من بين أسنانه

" غاضب منك ماريا .. لو تعلمين كم غاضب منك ومن

نفسي قبلك "


*
*
*

وقف أمام باب الغرفة ينظر للسرير الذي يتوسطها تحت تلك

النافذة الزجاحية بل تحت ضوء القمر المتسلل لا بل للنائمة فوقه

تحضن تلك الوسادة البيضاء بقوة تخفي وجهها فيها ..

الكفيلة وحدها بجعل قلبه يمر بجميع انفعالاته في ذات الوقت ..

تراقب عيناه ونظراته التي لجأت لسرير والدها الذي رباها

ولوسادته الباردة لتهرب لهما من كل شيء حتى ممن كان سيفقد

عقله لا محالة إن وصلت لذاك المكان الذي كانت تنوي الذهاب له
، كان يعلم بأن منعها بالقوة أمر لن يصعب عليه ولكان الحرس

الذين وكلهم بمراقبتها ما تركوها تجتاز أول مدينة بعد العمران

لكنه يعلم أيضا بأن ذلك سيزيد الوضع سوءا وستراه مذنبا أكثر

من السابق فتركها رغما عنه تواجه حقيقة من كانت على استعداد

للمغامرة بحياتها كي لا يفقد هو حياته ثم يخرجها من هناك ومن

بين عيني ذاك القذر ، كما أمل أيضا بأنها أذكى من أن تنطلي

عليها حيله وأن تحسب الأمور بشكل آخر لذلك اتصل بابنتها

وطلب منها أن تتحدث معها فتيما ستكون آخر ما قد يدفعها

للتعلق بالحياة وبعالمه وإن من أجلها .


أخذته خطواته للداخل نظره لا يفارق ذاك الجسد ولا حين انحنى

ورفع سترتها السوداء الطويلة المرمية أرضا قرب السرير

ووضعها على طرفه برفق لازالت تقوده خطواته نحو نظراته

نحو ضربات قلبه الذي كان يصرخ شوقا واحتياجا نحو التي

اختارت كل شيء حتى الجماد وذكرى الراحلين عليه بينما لا

يستطيع هو اللجوء لغيرها وحتى من قسوة الجماد وذكرى

الراحلين عنه .

جلس برفق قرب رأسها مولية ظهرها له كل ما يظهر منها طرف

وجنتها التي لم يخفيها شعرها الحريري الطويل ولا تلك الوسادة

التي تخفي ملامحها عنه ويدها وأناملها الرقيقة تحضن ذراعها

العاري تلفهما بقوة حول تلك الوسادة نائمة بسكينة تتنفس

بهدوء وكأنها لم تنم يوما ، رفع يده ولامست أصابعه شعرها

ببطء ونعومة حتى غاصت في سواده الكثيف ورفع تلك

الخصلات لوجهها يستنشقه مغمضا عينيه وكأنه لم يعرف رائحة

الأشياء يوما تستشعر شفتيه نعومته التي عذبه الاحتياج لها كلما

حاصرته همومه طيلة الأعوام الماضية وكلما اشتاق لأن يشعر

بالراحة .. بالطمأنينة وبأن كل شيء في العالم يسير على ما

يرام .


ترك تلك الخصلات لتنزلق من أصابعه بنعومة واقترب منها ببطء

سامحا لقبلاته بالاكتفاء وإن جزئيا منها وبأن تنال كل ما ستحصل

عليه وهو ينتقل بها من وجنتها لكتفها فذراعها العاري نزولا

لأناملها الرقيقة يقبلها واحدة واحدة يحاول فقط إبعاد يديه عنها
وبشق الأنفس قبل أن يتصلب جسده فجأة وقد لفت انتباهه الخاتم

في يدها الأخري ..

خاتم الزواج الذي ألبسها إياه سابقا ولم يراه في أصبعها بعد ذاك

الحفل مطلقا ! هل اختارت ارتدائه الآن تحديدا لتصل به هناك

لذاك الرجل لتخبره بأنها متزوجة وبأنها ملك له ..؟

للرجل الذي يقاتل باستماتة ليسلبها منه ؟

أهذا ما كانت تنوي فعله !

دفن وجهه في خصلات شعرها المتناثرة خلف عنقها واستلقى

ببطء خلفها وطوق جسدها وتلك الوسادة وكل شيء مرتبط بها

بذراعه يدفن وجهه في ذاك الليل الحالك أكثر يقبله بشغف

باحتياج بشوق فها هنا يجد مطر شاهين نفسه يجد ملاذه من كل

همومه ويجد المتنفس لكل ما يؤرقه ... يجد مطر الذي تركه هنا

قبل أن يغادر مبتورا من كل شيء حتى مشاعره لتبتلعه تلك

الدوامة وكل تلك الأعوام ولتعلمه معنى الفقد والاحتياج ...

لم يتخيل يوما أن قربها سيكون عذابا أقسى حين سيحرم منه

مجددا حتى دخل البلاد تلك الليلة بعد وفاة شراع صنوان بأيام

ونام هذا الجسد في حضنه مجددا واختبرت شفتاه ملمس تلك

الشفتين الناعمة من جديد وشعرت يداه بملمس التي علمته نعومة

جسدها أنه ثمة مسميات أخرى للحرير الطبيعي الذي يتحول

لإدمان لا يشبه غيره أبدا ، ظن أن الشوق قد ينطفئ حينها لكن

الابتعاد مجددا بعدها لم يزده إلا عذابا فكان رجوعه للوطن من

جديد خياره الذي ما كان لعقله أن يتغلب على قلبه ومشاعره

فيه .


دفن وجهه في شعرها أكثر يحاول فقط تمالك نفسه كي لا يتهور

أكثر وتشعر بوجوده من بين نومها العميق الذي يتمسك به

جسدها باستماتة بعدما افتقده لأيام فهو مثلها تماما يحتاج لأن

ينام .. أن ينام نوما حقيقيا لا تحسده همومه عليه فهو لم يعرفه

منذ حرم من تطفلها ليلا عليه تجتاح حتى نومه لتجد مكانا لها فيه

فكانت توقظه وتحرمه النوم لتنام هي ، تتالت قبلاته لشعرها

وعنقها يتذكر تلك اللحظات التي لم ينساها يوما وهي تتعمد

إيقاظه ليلا ورغما عنه أحب ذلك أم كره لأنها استفاقت ولم

تستطع النوم ولا تريد البقاء مستيقظة وحدها وعليه أن يسمعها

وهي تتحدث حتى تنام ، عشق مشاغبتها له وعشق تمنعه عن

الاستيقاظ متعمدا لتستخدم أساليبها الأنثوية في إجباره على فعل

ما تريد ، بل يذكر تحديدا تلك المرة التي انقلب فيها على بطنه

وأخفى وجهه في الوسائد تحته رافضا الانصياع لجميع

محاولاتها لإجباره على ما تريده فلم يشعر سوى بجسدها الذي

احتضن ظهره ويداها تتسللان تحت خصره وتلك القبلات الناعمة

تعبث بعنقه مدمرة حصونه بلا رحمة قبل أن تهمس قرب أذنه

بذاك الصوت الرقيق الناعم

( أرني كيف ستنام وتتركني الآن )

وكان عليه فقط أن يقاوم بما تبقى لديه قبل أن يسقط صريعا وتلك

القبلات تبحث عن مكانها في عنقه وصولا لنحره وتلك الأنامل

الرقيقة الناعمة تجد مسارا لها تحت قميصه القطني الضيق

لعضلات معدته المسطحة المشدودة فينتهي الأمر بأن تصبح هي

تحته وهو من يتوعدها لا هي فتبتسم له تلك الابتسامة الكفيلة

بإشعال أعتى الرجال ودك حصونه وتهمس بجملتها المعتادة تلك

( المهم أن تستيقظ حتى أنام أنا )

فيحصل كل منهما على ما يريد بل وليحصلا على أمر واحد

أراده كليهما ... حيلة ماكرة كان عليه أن يفهمها من أول مرة لا

من الثانية فليس ثمة من توقظ رجلا ليتحدث معها لأنها لم تستطع

النوم بل ولمرتين في ليلة واحدة ...

بل هي أساليب النساء في نيل ما لا يقلنه مباشرة لكن هذا لم

يسمع عنه سابقا فثمة نساء يجدن أفكارا لجذب الرجل للسرير

لكن أن يجذبنه من نومه فهذا ما كانت تنفرد به تلك المشاغبة

عن غيرها كما كل شيء فيها .

رفع رأسه وجسده وسبقته قبلاته الخفيفة لوجنتها يتمنى فقط أن

يدفن وجهه في تلك الوسادة ويجد مبتغاه ويصل لتلك الشفتين

يفكر بأسى ما كان سيكون رد فعلها إن لعب ألاعيبها في الماضي

وسرقها من نومها ؟ يعلم بأنه سيكون الرفض وسيكون ذات رد

فعله هو حين حاولت فعلها بعد عودته من سفره المشؤم ذاك

حين رفضها وبكل قسوة بعدما بادلها قبلاتها المشتاقة المتلهفة

تلك ليجعل عقابه لها أقسى مما كان عليه ... كان كل ذلك له

ملكه يكاد يحسد نفسه عليه فلا رجل غيره امتلكه قبل أن يفقد كل

ذلك وكل شيء فما الذي أفقده إياه ... ؟ المدعوا جبران أم أبناء

غيلوان أم الوطن وخشيته من أن يحارب صنوان ويفقد مشاعرها

نحوه بل ويفقدها بجميع تفاصيلها وللأبد ؟ وفي النهاية

.... فقدها ... فقدها ومهما اختلفت الأسباب والمسميات فقد

أفقد نفسه إياها لكي تكون موجودة في الحياة وإن لم تكن

له ... فقط ليعلم بأنها في مكان ما لازالت له ولازالت بخير.


تراجع عن كل تلك الأفكار المجنونة وعاد للاكتفاء بأن يشعر

بوجودها في حضنه وأن يستشعر قربها فقط وليحضى هو

أيضا بنوم يشبه نومها فهذا ما يحتاجه بالفعل وأكثر من أي
شيء .


*
*
*


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 11:38 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية