لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-01-16, 01:46 PM   المشاركة رقم: 96
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

وعليكم السلام ورحمة الله
ججي قد استفادت الكثير بالفعل من وجود كين بجوارها
ليس فقط فيما يقدمه لها من خبرات بخصوص المعارك التي تخوضها
لكن بنصائحه المتوازنة التي تغلب العقل على القوة
والقوة ليست في صالح ججي أبداً في مواجهة الرجال لأنها ستبقى أضعف جسدياً منهم
المفترض أن التلميح بخصوص هروب الأسرى واضح بشكل كبير
وسترين نتيجة ذلك في المعركة القادمة

****

خيالك الواسع جميل ويعطي أبعاداً أخرى للرواية
لو لم تكن الرواية كاملة بالفعل لاستفدت من تعليقاتكم وتخيلاتكم فيما يخص الأحداث القادمة
بإذن الله ستكون النهاية مرضية يا برد المشاعر فلا تقلقي
مشاعرك وانفعالاتك مع الأحداث أجمل ما يمكن أن أحصل عليه ككاتبة
ولذا أنا سعيدة بها فوق ما تتصورين
سأضع الفصل القادم حالاً..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 21-01-16, 01:50 PM   المشاركة رقم: 97
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل العشرون {أتون الحرب}


بعد أقل من أربعة أيام، استطاع الأكاشي أن يروا الجيش العظيم الذي ساقه الملك العربي فارس نحوهم مجتازاً السهول بعزم ودون تردد.. كان منظر تلك الجحافل التي احتلّت جانباً كبيراً من السهول في موضع لا يبعد الكثير عن موضعهم سبباً لإثارة بعض القلق بين الأكاشي.. لم يكن أحدهم يخشى الموت، كعادة الأكاشي، لكن الهزيمة مُرّة، وهم يشعرون أنهم يتجرعونها الآن قبل بدء الحرب بالفعل.. بدا أن الملك العربي قد اتخذ آخر وأكبر الوسائل التي يملكها لغزو الأكاشي والإطاحة بهم، جارّاً ما يقارب مائة ألف جندي عربي لهذه المعركة التي يعتبرها الكثيرون الأخيرة والحاسمة، وهذا أثار بعض التوجس في معسكر الأكاشي لم يغِب عن أعين القادة.. عندها تقدم هاكين واعتلى ظهر حصانه ليبدو واضحاً للناظر إليه وسط جموع الأكاشي التي تجمعت وسط المعسكر، فوقف مواجهاً الرجال، وأغلبهم رجال قبيلته، وصاح فيهم "مالي أسمع غمغماتكم وتساؤلاتكم عن جدوى هذه الحرب التي نحن موشكون عليها؟.. هل بدأت ثقتكم تتزعزع لرؤية بضع آلاف من الجنود العرب المتمترسين خلف دروعهم البراقة ومدافعهم الثقيلة؟.. هل أصبح الأكاشي يخافون على حياتهم وتدور أعينهم في محاجرها بذعر؟.. نحن لم نخُض المعركة بعد، وها أنتم تنهزمون قبل خوضها بالفعل.."
صمت الرجال بشيء من التردد والحرج وهم يتبادلون النظرات، فأضاف هاكين "إن كنتم تنتوون الانخذال في وجوه أعدائكم، فأخبروني بذلك منذ الآن.. سأسحب رجالي وأعود لمخيمي دون أن أخسر روحاً أو أفقد دابة مما نملكها.. وعندها، عليكم تحمّل الذل والخزي الذي سيلحقكم عندما يبسط الملك العربي سيادته عليكم وتصبحوا مجرد تابعين لمملكته وجزءاً متهاوياً من شعبه.."
قال أحد الرجال باندفاع "لا يرغب أحد الرجال بالهزيمة، ولا نرضى بسيادة أحدٍ علينا.."
فقال هاكين "إذن أثبتوا لي ذلك.. سُنُّوا سيوفكم، واستعدوا لهذه الحرب كما يفعل الأكاشي دائماً.."
ساد الصمت للحظات والرجال يتبادلون النظرات، ثم تجرأ أحدهم ليقول أخيراً "رغم كل ما تقوله، لا يمكننا أن نأمل بالفوز ومعنا تلك المرأة التي تظن نفسها رجلاً.. سنهزم شرّ هزيمة اليوم بالتأكيد.."
بدت الموافقة واضحة على عدد من الوجوه القريبة، فيما أضاف آخر "لقد أصبنا بالنحس بالفعل.. ها هو ستراك قد رحل ساحباً معه رجاله المكوّنين لثلث جيشنا السابق.. فما الذي سيجري لنا بعد هذا؟"
بدا الضيق والحنق واضحاً على الوجوه القريبة، فلم تتمهل ججي وهي تسرع لتقف قرب هاكين على ظهر الغبراء وتقول بصوتٍ واضح "لقد أصبحت زعيماً بموافقة رجال قبيلتي، ولا أظن أحداً يستطيع أن يصفهم بالضعف أو الخنوع أبداً.. بل هم من خيرة رجال الأكاشي.. ومنذ أصبحت زعيماً على قبيلة (أبناء الذئاب)، فإننا خضنا ثلاث معارك مع جيش الملك العربي.. ولم نهزم في أي معركة منها مهما كان عددنا.. ألا يدلكم هذا على عدم صحة القول بأن المرأة هي جالبة للشؤم في مثل هذه المعركة؟"
ثم صاحت "وأنا رجلٌ باعتراف قادور، الزعيم السابق لقبيلتنا والذي ساعد الأكاشي على الفوز في حربهم الأولى ضد الملك العربي.. فهل ستستسلمون لاعتقاداتكم وتنهزمون أمام خوفكم من المرأة، أم أنكم ستثبتون لي، ولأنفسكم، أنكم أقوى من مجرد كلماتٍ لا معنى لها؟.. هل أنا من ستتسبب بهزيمتكم، أم أنكم ستقتنصون الفوز بسواعدكم التي لا تعرف اليأس أبداً؟.."
بدا شيء من الاقتناع على الوجوه حولها، وبدت صيحات متفرقة تعلو قائلة "الأكاشي لا يهزمهم أحد.."
فنظر هاكين للرجال حوله وهو يهتف "يجب أن تكون الغلبة لنا.. ومن رحل، أو ينوي الرحيل، عن معسكرنا هذا فهو الخاسر في النهاية.. هذه معركة فاصلة، فإما أن يندحر الملك الفخور بجيوشه ويعود ذليلاً لمملكته قانعاً بهزيمته المذلة هذه.. وإما أن ينكسر الأكاشي ويعودوا لمخيّماتهم أذلاء، ويقبلوا المهانة التي ستصطبغ بها حياتهم وحياة أولادهم ما طال بهم الزمان.."
صاح الرجال بحنق "نحن لا نرضى الهزيمة.. ولا نرضى المهانة.."
تعالت الصيحات من جوانب عدة من المعسكر أمامه، فرفع هاكين سيفه عالياً ليجذب انتباههم، وصاح "إذن فلتكن هذه السهول هي مقبرة الجيش العربي.. ولو شربت السهول من دم هذا الملك فسترتدع بقية الشعوب عن التفكير بنا كلقمة سائغة لهم، وستكف عن التفكير بغزو هذه السهول مدى الأزمان.."
ازداد صياح الجيش الحماسي من حوله والأيدي ترتفع بسيوفها العريضة التي تعكس نور الشمس القوية.. فصاح هاكين ليعلو صوته على صوت الرجال من حوله "الملك العربي يحاول أن يوهم العالم أن الأكاشي ليسوا بالوحشية والقوة التي يعرفها الجميع.. يحاول أن يظهرنا بمظهر الضعيف الذي سينكسر عند أول لقاء.. لكننا سنثبت له أننا أكثر إرعاباً ووحشية من كل ما تتناقله الأنباء عنا.. فلنثبت له أننا الأقوى.. وأن الأكاشي لا يكسرهم إلا الموت.. والموت هو ما سيذوقونه.."
وصرخ بقوة "الموت للملك.."
تعالت الصيحات مرددة قول هاكين عشرات المرات وججي تردده معهم بقوة حتى بحّ صوتها.. انتابها الحماس وهي ترى هذه الجيوش التي لم تشهد مثلها من قبل من رجال الأكاشي يلتقون على أمرٍ واحد ويصيحون بصوتٍ واحد.. كان ذلك ما حلم به طاغار طويلاً، وما حاول قادور جاهداً تحقيقه.. وها هو يتحقق أمامها دون أن تتوقعه.. حتى لو لم يكن ولاء هذه الجيوش لها هي وحدها، لكن ما حققته حتى الآن يرضيها.. وما تسعى إليه ستناله مهما طالت الأيام.. وجلّ ما تسعى إليه هو دحر غزو الملك العربي والانتقام لمقتل أبيها وأمها.. أن تعود سهول الأكاشي حرة بيد أصحابها لا ينازعهم فيها أحد أبداً..

************************

عندما أشرقت شمس يوم المعركة، بدا أن تلك البقعة من سهول الأكاشي قد أصبحت ذات ثقلٍ نفسي ومركز حشدٍ من الانفعالات المتباينة التي حملتها الجموع العظيمة من الرجال في صدورهم.. عندما التقى الجيشان، لم يكن أحدهما يستطيع رؤية نهاية جيش العدو أو تقدير لمن ستكون الغلبة بنهاية هذه الحرب.. فمن جهة، كان جنود الملك فارس يحدوهم الأمل بالفوز لكثرة أعدادهم وحسن إعدادهم وامتلاكهم لذلك العدد الكبير من المدافع والعرادات التي تقذف الصخور الثقيلة، بالإضافة للبنادق والسيوف التي يحملها كل جندي من جنودهم.. ومن جهة أخرى، كانت الثقة طاغية على الأكاشي الذين لا يؤمنون إلا بقوة سواعدهم وجرأة خيولهم على خوض المعارك دون تردد.. لم يكن يهمهم العدد، ولم تكن آلات الحرب تلك تقلقهم، بل ما يقلقهم بالفعل هو انهزام جزء من الرجال عندما يشتد أتون المعركة، وأن ينسب ذلك الخذلان لهم جميعاً.. عندها لن يقدر أحدهم على رفع بصره في وجوه بقية رجال القبائل الأخرى مدى الحياة..
وقفت ججي بفرسها في موقع متوسط من الصف الأمامي للجيش برفقة تبريق وبقية رجالها، فيما أوكلت أمر العرادات التي أحضروها معهم لكين وأوكلت أمر حماية كين إلى مينار.. لم ترغب بزج هذين الإثنين وسط المعركة، فكين بخبرته البسيطة في القتال، ومينار بعمره الذي يتجاوز الخامسة والخمسين، سيواجهان صعوبة في خوض هذه الحرب بسهولة دون إلقاء نفسيهما في التهلكة.. ورغم أن مينار كان يحتفظ بقواه ومهارته في القتال، لكنه رضخ لإلحاح ججي بالبقاء مع كين وحماية العرادات من هجوم متوقع من الجنود للتخلص منها..
ساد الصمت هذه البقعة من السهول، رغم الحشود المجتمعة فيها، والفريقان يتواجهان بتحفز كبير بانتظار أن يبدأ أحدهما الخطوة الأولى.. كان الأكاشي بطبيعة الحال يتحرقون شوقاً للانقضاض على أعدائهم، فلا متعة لديهم تتفوق على متعة القتال والتطويح بسيوفهم العريضة ثقيلة الوزن واقتناص أرواح من يعاديهم مهما كانت هويته.. وفي الجانب الآخر، كان الجنود يقفون في صف ثابت بانتظار أوامر قادتهم دون أن يبدو أي حماس أو انفعال عليهم..
في البدء ساد صمت غريب في ذلك الموقع، ثم تعالى صياحٌ فج من جهة الأكاشي بدأ يتعالى شيئاً فشيئاً مصحوباً بالطرق على دروعهم بسيوفهم الثقيلة.. بدا واضحاً أنهم يهدفون لإثارة رعب الجنود بهذا الصياح، ورغم إدراك الجنود هذا الأمر إلا أن ثقة الكثيرين منهم قد بدأت تهتز قليلاً وهم يلحظون التماعة السيوف في الشمس والخوذات ذوات القرون التي اشتهر بها الأكاشي.. ونظراً لأن قلة من الجنود ممن واجه الأكاشي سابقاً قد عاد حياً، ومن عاد لم يكن يحمل حكايات سارة عن مواجهاتهم مع هذه القبائل التي يعدّها العالم همجية، فإن القلق والارتباك الذي بدأ يسري في صفوف الجنود يكون مفهوماً تماماً..
وبعد لحظات قصيرة، بدأ الأكاشي التقدم نحو أعدائهم باندفاع وسرعة دون أن يكف رجل منهم من إطلاق صيحاته أو تخفيف سرعة حصانه، فبدت الجموع التي تتقدم من الجنود ككتلة واحدة تثير الغبار باندفاع كبير لا يبدو أن شيئاً بقادر على إيقافه.. فصاح قادة الفرق في الجيش العربي بجنودهم "فليستعد حملة البنادق للإطلاق.."
كان حملة البنادق يشغلون الصف الأول في الجيش، وقد استعدوا بالفعل لتلقّي ذلك الهجوم بطلقات رصاصاتهم التي تطايرت بغزارة شديدة، فأصابت من أصابته وألقته من على ظهر حصانه، بينما تمكن البقية من ردعها بدروعهم المعدنية التي رفعوها أمامهم.. وفي الآن ذاته بدأ إطلاق المدافع الذي استهدف منتصف جيش الأكاشي، فكانت كل طلقة منها تسقط ما لا يقل عن أربعة رجال بأحصنتهم ليتجاوزهم البقية دون تردد.. ووسط رجاله، صاح تبريق بهم "لا تتوقفوا حتى تلتحموا بالعدو.. لن يتمكن الجنود من إصابتنا بمدافعهم ونحن وسط رفاقهم.."
لاحظ أن ججي تلكز الغبراء مندفعة مع البقية نحو جيش العدو الذي أصبح قريباً منهم، فصاح بها "مهلاً يا جام.. ابقَ بين رجالك ولا تندفع بهذه الطريقة.."
لكن ججي لم تتأخر وهي تندفع وسط صف الجنود الذين أفرغوا رصاصات بنادقهم سابقاً واستعدوا لجولة جديدة برصاصات جديدة.. فلم تتمهل ججي وهي تلكز الغبراء لتقفز فوق ذلك الصف وتدوس بعض الجنود، فيما طوّحت ججي سيفها في كل من تطاله وهي تدفع الغبراء لتتقدم بين صفوفهم مسببة تخلخلاً بينهم، وبانضمامها لعدد من الرجال الذين تقدموا بجرأة وسط جيش العدو، فإنهم كونوا فرجة بين صفوفهم تسمح للأكاشي بالاندفاع وسطها.. ولم يتردد أحد الرجال في اللحاق بهم بتشكيل مشابه لرأس السهم يخترق صفوف الجنود دون هوادة..
ورغم أن المدافع لم تتوقف عن قصف ما تطاله من جيش الأكاشي، لكن أولئك الرجال لم يتوقفوا ولو للحظة لرؤية خسائرهم وللسماح بالقلق والخوف من التسرب لنفوسهم.. ودون تردد، بدأ رأس السهم الذي يشكله الأكاشي بقيادة ججي وتبريق وغيرهما يتوغل أكثر فأكثر في صفوف الجيش العربي، وبدأ الشق الذي يفصل الجيش لقسمين يتسع أكثر فأكثر..
في ذلك الوقت، كانت ججي منشغلة بالمعركة التي سلبت حواسها كلها.. ضربت رأس أحد الجنود بسيفها ففصلته عن جسده، ولم تهتم للدماء التي أغرقت وجهها وهي تستدير لآخر فتطعنه بقوة في ظهره وتسقطه من فوق حصانه.. دفعت نفسها بين الجنود دون أن تعبأ بابتعادها عن رجالها وهي تصيب من تصيبه من الجنود القريبين، ولم تسلم هي أيضاً من بعض الإصابات التي أصابت ذراعها وساقها.. لكنها كانت تصد أغلب الضربات وتشق طريقها بعزم مخترقة صفوف الجنود حتى وجدتهم يتكاثفون حولها.. وقبل أن تتراجع، وجدت سيف أحدهم ينغرز في عنق الغبراء ليجبر ججي على الوقوف، فأطلقت الغبراء صهيلاً متألماً وهي تترنح وتميل جانباً لتسقط على جنبها بعنف.. أسرعت ججي تقفز بعيداً عن جسد الغبراء، ثم عادت إليها قائلة بجزع "ما الذي فعلتموه أيها الجبناء؟.."
لكن الغبراء انتفضت انتفاضة أخيرة قبل أن يهمد جسدها تماماً.. وقبل أن تجد ججي الفرصة لإظهار حزنها على رفيقة عمرها التي قضت ما يقارب ثماني سنوات تخدمها بإخلاص، وجدت سيفاً يطوّحه أحد الجنود نحوها.. قفزت ججي للخلف وهي تصدّ الضربة بسيفها، ثم انحنت ودفعت سيفها في عنق الجندي القريب قبل أن تتراجع بضع خطوات.. كانت لا تزال محاطة بالعديد من الجنود، ورفاقها بعيدون عنها، لكن لحسن حظها لم يكن حولها إلا المشاة من جيش الأعداء بعد أن تجاوزت الفرسان منهم في اندفاعتها السابقة.. لذلك لم يكن صعباً عليها أن تندفع نحو هؤلاء الجنود دون أن تخشى كثرتهم مقارنة بالتوتر العارم البادي في أعينهم، فرمت سيفها نحو أقربهم ليقطع سيفها الحاد يده من الرسغ.. عندها أسرعت ججي تتناول سيفه الذي سقط غير عابئة بصياح الجندي المتألم، وبسيفين في كل يد اندفعت نحو أعدائها تضرب وتصدّ ما يوجه نحوها من ضربات مثيرة ذعر الجنود القريبين الذين تراجع أغلبهم للخلف..
كانت مشاعر ججي قد تجمدت وما عادت تفكر إلا في القتل والتغلب على أعدائها بأي وسيلة كانت.. ما عادت تخشى مما قد يصيبها، وانصرف تفكيرها عما جرى لفرسها العزيزة ولما قد يجري لبقية رفاقها وهي تدفع نفسها دفعاً بين الجنود تقتل كل من تطاله يدها.. ولما قفزت نحو أقرب الجنود منها، رأته يسقط للخلف وهو ينظر لها بذعر وانهيار متناسياً السيف في يده والدرع في اليد الأخرى.. كان ذعره عنيفاً بشكل بدا لها يفتقر للمنطق، لكنها لم تحاول تحليل الأمر وهي تغمد السيف في عنقه وهو الموقع الوحيد المكشوف من درعه الحديدي.. ثم نهضت بسرعة لتصدّ ضربة من جندي آخر وتطوّح سيفها بيدها اليسرى نحو أقربهم إليها، عندما سمعت صياح أحد الجنود القريبين وهو يسقط بضربة رمح اخترقت درعه من الخلف وأسقطته ميتاً..
وجدت ججي في تلك اللحظة تبريق يقترب منها على ظهر حصانه برفقة عدد من الرجال، وقد تمكنوا من التخلص ممن يحيطها من الجنود وشكلوا دائرة حولها لحمايتها.. وسمعت تبريق يقول بصوتٍ يعلو على صليل السيوف ودوي المدافع البعيدة "ما الذي دفعك للابتعاد بهذه الصورة وحيداً؟.. ابقَ بين جنودك فلا نملك الفراغ لحمايتك في كل مرة.."
تساءلت ججي وهو يردفها خلفه على ظهر الحصان "ما الذي تطوّر في المعركة؟.. هل أرسل هاكين الإشارة؟"
أجاب تبريق بتوتر "ليس بعد.. ولا يزال فارق القوة بيننا وبين العدو كبيراً بوجود هذه المدافع وبعددهم الذي لا يزال يفوق أعدادنا.."
قالت ججي بحنق "لا يمكننا أن نستسلم الآن.. ما الذي يفعله هاكين حتى الآن؟.."
فأضاف تبريق "لا أدري.. لكن الهزيمة ستطالنا لو لم نتدارك الأمر ونهزم أعدائنا بأسرع وقت ممكن.."
كان الجنود قد استعادوا تنظيمهم وهجموا على الأكاشي الذين توسطوا الجيش بقوة، وفي الآن ذاته لاحظ الأكاشي ذلك العلم الأحمر الذي ارتفع على رمح أحد رفاقهم أعلى تلة قريبة حيث يقف هاكين مع رجاله ممن بقوا لمراقبة المعركة وتسييرها من بعيد.. ومع هجوم الجنود، وتلك العلامة التي تعني الانسحاب السريع، تراجع الأكاشي بشيء من السرعة محاولين تقليل الخسائر قدر استطاعتهم.. تراجعت ججي مع الرجال الذين أحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم وأحد الرجال يقول "لا تبتعد هذه المرة يا جام.. ابق بيننا لنتمكن من حمايتك.."
فقالت بتقطيبة "ليس عليكم الانشغال بحمايتي.. الحرب التي نواجهها أهم من الانشغال بأمر شخص واحد.."
علق تبريق قائلاً "هذا لا يعني أن نتجاهل أمر زعيمنا الطائش الذي لا يحسب حساباً لأي خطر.."
صمتت ججي دون تعليق هذه المرة.. وتساءلت في سرها إن كان لكل ما يفعلونه أي جدوىً في هذه الحرب..

************************

مع هجمة الجنود، تراجع الأكاشي بصورة سريعة وقد بدا أن أيديهم كلّت من تطويح تلك السيوف الثقيلة، وخفتت حماسة الأحصنة التي كانت تندفع سابقاً شاقة طريقها في صفوف الأعداء.. ومع تراجع الأكاشي، ازدادت حماسة الجنود الذين وجدوا الفرصة مواتية للقضاء على أعدائهم بضربة أخيرة ودحرهم بشكل كامل.. ورغم محاولة القادة ضبط فرق الجنود لئلا تندفع بشكل أعمى وسط الأكاشي، لكن السيطرة على الجنود كانت صعبة في تلك اللحظات واللهفة تغمرهم للتقدم بأسرع ما يمكن..
ومع تقدم الجنود، توقفت المدافع التي كانت تطلق قذائفها في مناطق عشوائية بين الأكاشي، خشية إصابة جنودها بنيران القذائف تلك.. وبذلك، بدأت فرجة واسعة تبدو بين صفوف الجنود الذين تقدموا بحماس وبين صف المدافع التي لا يقل عددها عن عشر، ومن خلفها عسكر الملك فارس وسط فرقة من أقوى جنوده وهو يمتطي ظهر حصان أبيض اللون..
راقب الملك فارس سير المعركة وسط جنوده بصمت، فيما قال أحد معاونيه بابتسامة ظافرة "هذا نصرٌ سريع سنحققه دون شك.. يبدو أن الحظ حليفنا هذه المرة.."
غمغم الملك "ربما.. لكن لمَ يبدو لي تراجع الأكاشي غير مقنع ؟.."
علق معاونه قائلاً "أتظنهم يقتادون جنودنا لفخ؟.. السهول منبسطة بشكل شبه تام، فما الفخ الذي هيأه الأكاشي لنا؟.."
قال الملك بتقطيبة "لا أدري.. لكن أصدر أمراً بتوقف تقدم الجنود.."
قال المعاون بقلق "لكن يا مولاي.. قد نخسر فرصتنا للقضاء على الأكاشي بضربة أخيرة.."
فقال الملك "خسارة فرصة خير من خسارة جيش بأكمله.. لو كان الأكاشي ينوون الهرب، فقد انتصرنا عليهم بذلك.. ولو كانوا ينوون الهجوم علينا بعد استعادة ترتيب جيشهم، فسنكون متأهبين للقائهم.."
لم يعترض المعاون هذه المرة وهو يتقدم لإلقاء أمره للجنود، عندما رأى بعضاً من جنوده الذين يقومون بإعداد المدافع يسقطون بضربة سهم يتفوق حجمه على حجم السهام المعتاده..
تلفت المعاون حوله بدهشة ليجد عدداً أكبر من السهام تشق الهواء وهي تقضي على عدد من الجنود في كل ضربة، مستهدفة الجنود الذين أوكلوا بالمدافع بالذات.. صاح المعاون وهو يتراجع بحصانه بسرعة "احموا الملك.. أبعدوه عن مرمى تلك السهام.."
تراجع الجنود بالملك للخلف بعيداً عن مرمى تلك السهام، فيما تلفت المعاون عابساً بحثاً عن مصدرها.. فمن موقع قريب، تخفيه الشجيرات الكثيفة، وضع الأكاشي العرادات التي يملكونها موزعة على مسافة محدودة، وربضوا بصمت بانتظار اللحظة المناسبة للتخلص من المدافع بالقضاء على الجنود الموكلين بها.. وباستخدام السهام الخشبية التي تتفوق على السهام العادية حجماً بعدة أضعاف، كانت العرادات تحصد عدداً من الجنود في كل ضربة والسهام تتطاير بغزارة من العرادات وبتتابع كثيف..
تتابعت الإصابات بين الجنود الذين حاولوا إدارة المدافع نحو ذلك الموقع للتخلص من العرادات بضربة واحدة، لكن الأكاشي لم يمنحوهم الفرصة لذلك وكين يقول لمن قربة من الرجال "لا تتركوا لهم الفرصة لاستخدام إحدى تلك المدافع.. بطلقة واحدة يمكنهم القضاء علينا بشكل تام.."
في تلك الأثناء، كان المعاون يقف قرب أحد المدافع صائحاً بجنوده "أطلقوا النار على تلك الشجيرات.. تخلصوا من هجوم الأكاشي بأسرع ما يمكن.."
كان الجنود يديرون المدفع الثقيل محاولين توجيه فوهته نحو الشجيرات التي يختبئ خلفها الأكاشي، عندما طار نحوهم سهمٌ مشتعل بسرعة كبيرة، وفور ارتطامه بالجنود تبعثرت المادة سريعة الاشتعال التي تحملها الجرة الفخارية بسرعة البرق لتنتشر النار في جماعة الجنود المحيطين بالمدفع دون هوادة.. تعالت صيحات الجنود في ذلك الجانب فيما حاول الآخرون إطلاق مدافعهم نحو العرادات دون الالتفات للإصابات التي أصابت رفاقهم.. ففي حمى المعركة، يكون الالتفات للجرى والمصابين نوعاً من الترف الذي لا يمكن تحقيقه..
صاح المعاون بجنوده وهو يتراجع بعيداً عن النيران والجنود الذين سقطوا يتلوون من الألم، فيما تطايرت السهام المشتعلة في جوانب المكان دون هوادة.. وقبل أن يتمكن الجنود من صدّ الهجوم بمدافعهم، تعالى غبارٌ من تلك الناحية المواجهة لهم مصاحبٌ لصوت حوافر تدك الأرض دكاً بحيث أثار انتباه الجميع.. تجمد الجنود في مواقعهم بصدمة وعدم استيعاب وهم يراقبون الوضع، فيما غمغم المعاون بصدمة "ما هذا؟......"
كان جلّ الجيش العربي قد تقدم مبتعداً عن هذا الموقع ملاحقاً الأكاشي الهاربين.. ومن موقع قريب من مؤخرة الجيش، ظهرت فجأة فرقة كبيرة من الأكاشي تقارب عشرة آلاف تتقدم بإصرار مثيرة الغبار في المكان لشدة ركضها وسرعتها.. وفي مقدمتهم، كان ستراك على ظهر حصانه رافعاً سيفه الطويل الذي يتفوق على سيوف البقية حجماً وضخامة.. فقال المعاون بشحوب "أهذه هي الفرقة التي أشاع الأكاشي أنها انسحبت؟.. أكانت تلك خدعة إذاً؟"
وصاح بالجنود وهو يتراجع إلى موقع الملك "احموا الملك.. اقصفوا هذا الهجوم.."
كان الجنود قد تمكنوا من توجيه أحد المدافع نحو الأكاشي، وخلال وقت قصير، كانوا قد جهزوا المدفع بقذيفة جديدة واستعدوا لإطلاقها، عندما فوجئوا بسهم مشتعل يطير نحوهم مسقطاً عدداً من الجنود المحيطين بالمدفع.. لكن آخرين قد تمكنوا من إطلاق مدفع آخر، فأطاحت القذيفة جانباً من الهجوم الذي استمر رغم ذلك متجاوزاً من سقط منهم أرضاً..
فصاح المعاون من جديد "أطلقوا المدفع مرة أخرى.."
قال أحد الجنود بارتباك "سيدي.. انظر خلفك.."
التفت المعاون بسرعة ليرى من بين الغبار المتطاير صفاً آخر من الخيول يتقدم من الجانب الآخر نحوهم، عندها أدرك المعاون أن ما نقله الجواسيس إليهم عن انسحاب ربع جيش الأكاشي كان خدعة بالفعل، وهدفهم واضح وضوح الشمس.. ها هم العشرون ألف رجلٍ يتقدمون من مؤخرة جيشهم لتطويقه وليسقط الجنود بين شِقّي الرحى، عندها صاح المعاون وهو يعود للملك "مولاي.. عليك الفرار من هذا الموقع.."
قال الملك فارس مقطباً وهو يراقب الخيول التي تقترب منهم بشكل حثيث "كيف يمكن ذلك؟.. أتعني أننا هزمنا بالفعل؟"
قال المعاون بتوتر "ليس هذا ما أعنيه.. لكن مع تقدم هذه الخيول منا، سيفصلوننا عن بقية الجيش، وسنغدو لقمة سائغة لهم.."
سمعوا في تلك اللحظة صياحاً يتعالى من مقدمة الجيش، واقترب منهم أحد الجنود على ظهر حصانه وهو يصيح "مولاي.. لقد عاد الأكاشي للهجوم علينا.. ومع هذا الهجوم القريب من الجانبين، فإن جنودنا قد أصبحوا في قبضة الأكاشي بشكل تام.."
قال الملك بسخط "كيف يمكن أن يُهزم مئة ألفٍ من الجنود بيد هؤلاء الهمج؟"
فقال المعاون بقلق "مولاي.. لا يمكننا أن نتحمل خسارتك أنت، فسيضيع الهدف الذي لأجله يقاتل الجنود.. عليك الابتعاد لموقع آمن، حتى يتمكن جنودنا من هزيمة الأكاشي بالفعل.."
نظر الملك للجانبين حيث اقتربت جحافل الأكاشي منهم وصياحهم يمتزج مع التماع سيوفهم التي يرفعونها بتهديد واضح لترسم لوحة تسبب التوتر لكل من يراها.. فقال الملك بحزم "سأفعل ذلك.. لكن عليك أن تقود الأمور بنفسك الآن.."
نظر له المعاون بتوتر وشيء من الصدمة، فيما أضاف الملك "ولن أرضى بالخسارة بتاتاً.. أتسمعني؟"
قال المعاون أخيراً "ثق بي يا مولاي.. سأبذل جهدي لننتصر هذه المرة.."
وصاح بالفرسان القريبين "رافقوا الملك لموقع آمن، واعملوا على حمايته بشكل تام.."
أدار الملك لجام حصانه، ولكزه مبتعداً عن هذا الموقع، فيما لحق به الفرسان وهم يحيطون به وعددهم لا يقل عن ثلاثين فارساً.. فأدار المعاون بصره فيمن حوله زافراً وهو مدرك أن فرصتهم بالفوز تتناقص مع مرور اللحظات.. ثم اندفع عائداً للجنود وهو يصيح بهم "ادفعوا الأكاشي بعيداً.. بادروا أنتم بالهجوم ولا تسمحوا لهم بأن يغلقوا الحلقة حولكم.."
أطاعه الجنود وهم يندفعون نحو ذلك الهجوم الجديد بكل قوة.. لكن رجال ستراك المتعطشين للقتال بعد طول انتظار قد تمكنوا من دفع هجوم الجنود بكل قوة وهم يتقدمون بخط طويل مائل حتى التقى طرفاه برجال الأكاشي الذين ينتمون للقبائل الأخرى بالفعل.. وفور أن اكتملت الحلقة المحيطة بجيش الجنود، بدأت المذبحة بالفعل.. فمن كل الجهات، بدأ الأكاشي بالقتل والنحر وفصل الرؤوس بكل سرعة ودون تردد.. حوصر الجنود بشكل تام رغم كل محاولاتهم، ورغم مقاومتهم، كان الأكاشي يتقدمون منهم بثبات وإصرار، وتوحدوا في عمل واحد وهدف واحد، وكأنها يدا رجل واحد، لا أيدي ما يقارب ستون ألفاً من الرجال.. ورغم تساقط الجثث بغزارة، صاحبتها جثث بعض الأكاشي الذين تمكن الجنود من اصطيادها، لكن الرجال لم يتوقفوا أو يخامرهم تردد فيما يفعلونه.. فحياتهم، وحياة أبنائهم، وماشيتهم التي هي أغلى ما يملكونه، وخيامهم، بل تاريخهم ومستقبلهم كشعب ذو كبرياء لا يوازيه شعبٌ آخر.. كل هذا وأكثر كان على المحك في هذه الحرب، بينما لم يكن الجنود ليخسروا أكثر من حيواتهم، ولم يكن الملك ليخسر أكثر من جنوده وأمواله التي يمكن تعويضها.. لذا كان الفارق مهولاً بين عزيمتي الفريقين، وكانت اندفاعة الأكاشي قوية لا يمكن ردعها رغم تصايح قادة الفرق ومعاون الملك الذي استلم الأمور بعد ابتعاد الملك فارس..
لكن لم يلبث المعاون أن صمت للأبد مع ضربة رمح أصابته في مقتل، ولم يبقَ إلا الصراخ والصياح المرتعب، والجثث المتناثرة التي لا تكف عن نزف دمائها بغزارة، والأعين الملتمعة بحماس أقرب للوحشية في عيون الأكاشي بلا استثناء..
ومن موقعه فوق مرتفع صخري يقع على شيء من المبعدة من ساحة المعركة، وقف الملك فارس يراقب المعركة التي تحولت لمذبحة خالصة في لحظات قليلة.. راقب جثث جنوده التي تساقطت رغم مقاومتهم المستميتة، وغمغم بغيظ لا يحمل أي رائحة ندم أو أسىً لمن مات بسببه "تباً لهؤلاء الهمج.. ألا يمكن كسرهم بأي وسيلة كانت؟.."
قال أحد الفرسان بتوتر "لمَ لمْ تسمح لنا بالمشاركة في هذه المعركة يا مولاي؟.. نحن فرقة خاصة ذات تدريب عالٍ، ويمكن لكل فرد منا أن يقضي على خمسين رجلاً من هؤلاء الرعاة، ونحن أكثر خبرة بالتأكيد من فرق الجنود ذات التدريب والخبرة الأقل شأناً.."
قال آخر باستياء وهو يراقب ما يجري "كان من المفترض أن نبدأ بنزال زعماء تلك القبائل بشكل فردي.. وعندما نتخلص منهم، وهذا ما سيحدث دون شك، سيغدو الخلاص من رعاياهم أسهل بالتأكيد.."
جزّ الملك فارس على أسنانه للحظات، ثم قال بصرامة "لا.. دوركم لم يحِن بعد.. لكنه سيحين قريباً.."
وأدار حصانه مغادراً وهو يضيف بغضب عارم "قريباً جداً بكل تأكيد.."
لكز حصانه ليركض متجاوزاً ذلك المرتفع وطاوياً السهول في الاتجاه الآخر يتبعه الفرسان بصمت ودون اعتراض.. فابتعدت تلك الفرقة الصغيرة دون أن يلتفت الملك فارس خلفاً ولا لمرة واحدة بعدها..

************************

مع تهاوي آخر جندي من جنود الملك فارس، كان صياح الأكاشي فرحاً بالنصر يصمّ الآذان كعادتهم.. اعتاد الأكاشي على التعبير عن فرحهم وغضبهم وكافة انفعالاتهم بأوضح صورة ممكنة، وهو ما يثير دهشة الناظر إليهم في العادة.. تعالى الصياح وآلاف الحناجر تردده بلا انقطاع لوقت طويل، فيما اندفع بعض الرجال لممارسة طقسٍ مهم بعد نصر كهذا، وهو يتمثل في تقطيع بعض الجثث والتهام جزء من أعضائها الداخلية مثل القلب أو الكبد، موقنين أن هذا سيمنحهم القوة للنصر على أعدائهم في كل مرة دون شك..
وقفت ججي بصمت تتأمل ساحة المعركة التي سادها اللون الأحمر والدماء الغزيرة تتشربها الأرض بسرعة وشراهة.. لم يكن مثل ذلك المنظر ما يثير مشاعرها، لكنها تعشق النصر وما يتبعه من شعورٍ بالفخر للمكان الذي تنتمي إليه.. وفي كل مرة تقف فيها في مثل هذا الموقف، تراودها الأفكار عن حالها لو لم يكسر قادور قوانين الأكاشي التي تحرّم على المرأة حمل السيف وركوب الخيل.. في كل مرة تراودها الأفكار عن حالها لو ظلت مجرد امرأة بين جموع النساء اللواتي يبقين في المخيمات بقلق بانتظار أخبار الرجال في مثل تلك المعارك.. وفي كل مرة تشعر بسرور لأنها ليست معهم في مثل تلك الأوقات..
ومن بين الصياح المتعالي حولها، والنصر يرسم ابتسامات ظافرة على الوجوه القريبة، وجدت ججي ستراك يقترب منها بسيفه الذي يقطر دماً، وفكه الذي ينافس سيفه في الدماء التي تغرقه، وقال بتعجب "مالي أراك لا تفعل ما يفعله البقية يا جام؟.. عند النصر، لابد للأكاشي التهام أجزاء من أعضاء أعدائهم وهو طقس مهم من طقوسنا.. ألستَ رجلاً؟.. أم أن قلبك المرهف لا يحتمل ذلك؟.."
نظرت ججي لابتسامته الساخرة، لكنها لم تشعر بأي غضب لرؤيتها وهي تبتسم معلقة "لا أظنني أحمل قلباً مرهفاً بعد أن أكلت قلب أبي للوصول للزعامة.."
وأضافت وهي تراقب الرجال من حولها "ولكن هذا هو الأمر الوحيد الذي أخالف الأكاشي فيه.."
تساءل ستراك بسخرية "ولمَ ذلك؟.."
نظرت له بثبات قائلة "أنا أثق أن الأكاشي هم أقوى وأشجع شعب على الأرض، والجثث أمامي أكبر دليل على ذلك.. لذا لا يقنعني منطق التهام أجزاء من الضحايا الذين سقطوا بأيدينا زعماً بأن ذلك يزيدنا قوة.."
وأضافت بثقة "لا يمكن للضعيف أن يزيد القوي قوة بالفعل.. أليس كذلك؟.."
صمت ستراك وهو يلقي عليها نظرة تعجب، ثم التفت لبقية الرجال معلقاً "هذا حق.. لكن لا أظن أنك تستطيع تغيير هذه العادة بين الأكاشي.."
وجدت ججي في تلك اللحظة يداً تجذبها، ورأت تبريق القريب يقول بتوتر لا محدود "جام.. أأنت بخير؟"
قالت ججي بابتسامة "أجل.. كما ترى.. ويبدو لي أنك بخير أيضاً...."
قاطعها تبريق قائلاً بتوتر "مينار قد أصيب......"
صمتت للحظة بصدمة، فيما أضاف تبريق "لقد عثرت عليه مصاباً في جانب الساحة، ويبدو أن إصابته بليغة بالفعل.. لكنه كان يسأل عنك بإصرار وطالبني بمعرفة ما جرى لك......."
لم تستمع ججي لما يقوله وهي تغادر راكضة نحو الموضع الذي أشار إليه في حديثه.. شعرت بشيء من الذعر للقلق البادي في وجه تبريق، وأدركت من نظرة عينيه أن جرح مينار ليس بالشيء الذي يمكن الاستهانة به.. وفي موقع بعيد، استطاعت أن تتبين مينار بين العديد من الجثث التي افترشت الموقع لرجال الأكاشي وللجنود على حد سواء.. ووسطهم، رأت مينار يجلس مستنداً على صخرة بجرح عميق في صدره سالت الدماء منه بغزارة دون توقف، بينما ركع كين قربه وهو يضغط على جرحه بقطعة قماشية.. أسرعت ججي إليه بارتياع وهي تقول "كيف حدث لك ذلك؟.."
نظر لها مينار بصمت، بينما قال كين بقلق "لقد تركني وانضمّ إلى جيش ستراك في هجومه الأخير رغم معارضتي.. وبعد هدوء الأوضاع بشكل نسبي، انطلقت بحثاً عنه، فوجدته قد أصيب إصابة بالغة.."
قالت ججي بقلق عارم وهي تزيح كين "يجب أن نوقف النزيف قبل أن يقتله.."
ضغطت على الجرح بقوة وتلفتت حولها بحثاً عن حصان قائلة بتوتر "علينا العودة للمعسكر.. يمكن ببعض العناية أن نعالج هذا الجرح قبل أن تسوء حالته.."
غمغم مينار بصوت متعب "لا داعي لذلك.."
قالت باعتراض "كيف تقول ذلك؟"
وصاحت بكين القريب "اذهب وأحضر لي حصاناً.."
انطلق كين لتنفيذ قولها على الفور، فيما نظرت ججي للجرح وهي تضيف بقلق شديد "النزيف لا يكاد يخفت.. ما الذي سأفعله الآن؟"
أمسك مينار يدها مغمغماً "ججي.. لم يعُد أي داعٍ لهذا الانفعال الآن.."
صدمت ججي لذلك وهي تحدق في وجهه المتعب، ثم قالت باعتراض "لا.. ستكون بخير بكل تأكيد.. ستكون كذلك ببعض العناية.."
لكن مينار ضغط على يدها بحزم أشد وهو يقول "ججي......."
في المرة الأولى، ظنت أن سمعها خانها وهي تسمعه يناديها بهذا الاسم، لكن الآن مع تكراره له فإنها تيقنت من تعمده ذلك، فقالت بصوت مرتجف "لمَ تناديني بهذا الاسم الآن؟.."
علق مينار "أليس هذا اسمك الحقيقي؟.."
تزايد ارتعابها شيئاً ما وهي تقول بصوت متهدج "أهذا يعني أنك لا تعترف بي حقاً كجام يا مينار؟.. أأنت من تقول هذا من بين الناس جميعاً؟.."
نظر لها مينار مجيباً "أنا لم أرَكِ كرجل يوماً يا ججي.."
حدقت في وجهه وهي تشعر بتهاوٍ في مشاعرها بشكل لم تتصوره قط.. كيف يمكن لها أن تهدأ وهي تسمع هذا القول من معلمها الذي قضى خمسة عشر عاماً من عمره في العناية بها وتنشئتها كأفضل ما يكون؟.. ما الذي حققته حقاً إن كان معلمها لم يعترف بها قط؟.. خفضت بصرها بصدمة ظاهرة، فوجدت مينار يمسك يدها بقوة ويقول "أنتِ كنتِ وستظلين امرأة، لكن لا يجب أن يشعرك ذلك بالعار أبداً، وليس أمراً يجب أن تواريه بأي شكل من الأشكال.."
نظرت له دون أن تخفت صدمتها لقوله وهو يمسك كتفها ويشدّ عليه قائلاً بحزم "أنت أمرأة، لكنك أفضل من كثير من الرجال الذين أعرفهم.. هذا وحده يجب أن تفخري به يا ججي.."
قالت بتلعثم "ولكن.. أنت أنشأتني على هذا.. أنت علمتني أنني يجب أن أكون رجلاً.."
هز مينار رأسه نفياً وقال "هذا ما أراده لك قادور.. لكن ما أردته أنا أن تكوني قوية، بغضّ النظر عن جنسك.. أردتك أن تثبتي لذوي العقول المنغلقة أن امرأة يمكنها أن تكون أفضل منهم وأقوى وأكثر مهارة.. أن الفأل السيئ الذي يتشدقون به هو وليد خيالهم وأفكارهم العتيقة.. هو إطارٌ وضعوا المرأة فيه بأنفسهم واستنكروه بعد ذلك.."
خفضت ججي بصرها وهي لا تعرف كيف عليها أن تتصرف إزاء هذا القول.. إنه أمرٌ يمسّ صميم أعماقها، ويلمس جرحاً تداريه بالتظاهر بالقوة والشدّة أمام الجميع.. هو جرحٌ منشؤه ذلك التساؤل الذي سألته أمها منذ خمسة عشر عاماً.. "لمَ أنال عقاباً لأنني فتاة حتى لو لم أرغب بأن أكون كذلك؟..".. وحتى الآن، لم تحصل على جوابٍ شافٍ لهذا السؤال..
سمعت مينار يقول بخفوت وصوتٍ متعب "آسفٌ لأنني قسوتُ عليك في أيامٍ كثيرة يا ججي.. لكنني كنت فخوراً بك.. لم أكن لأفخر بابنٍ من صلبي كما كان حالي معك.. ولستُ نادماً على لحظة قضيتها في تعليمك وتدريبك لتصبحي ما أنت عليك.."
سالت دموع ججي رغماً عنها دون أن ترفع بصرها إليه.. كتمت نشيجها لقوله هذا وهي التي تمنّت لو تسمعه سنوات طوال.. رغم علوّ منزلة أبيها في عينيها وشعورها بأنها تتمنى لو تصبح مثله وتحظى بفخره وثقته، لكنه لطالما كان بعيداً عنها.. أما مينار، فهو الأقرب إليها منذ اللحظة التي تولّى تدريبها بأمر من قادور.. ولربما كان أقرب إليها من كين بالفعل.. فهو الوحيد الذي تلجأ إليه كلما أهمّها أمرٌ ما وشغل بالها، وهو الذي لم يخيّب ظنها يوماً بنصائحه وتعليماته.. لطالما كان محل ثقتها، ولطالما شعرت بالراحة والسرور لوجوده معها في كل خطوة تخطوها.. فكيف لها أن ترد له جميله هذا يوماً ما؟..
رفعت بصرها إلى مينار بعد أن مسحت ما سال من عينيها، لتفاجأ بصمته وسكونه وقد مال رأسه على صدره.. انتفضت ججي وهي تمد يدها بحثاً عن أي نَفَسٍ يتردد منه، أو نبض في صدره، لكن لم يجاوبها إلا الصمت التام لوقت طويل وهي تحاول إقناع نفسها بأنها واهمة دون شك.. ولما يئست من تغيير تلك الحقيقة انتحبت بشدة وهي تسند رأسها لصدره.. تشبثت بملابسه ودموعها تسيل دون انقطاع.. للمرة الثانية، تفقد ججي أباها.. للمرة الثانية تشعر بطعم اليُتم والفَقْد المرير في حلقها.. للمرة الثانية تجد نفسها وحيدة وسط عالمٍ قاسٍ لن يكون رفيقاً بها بأي حال.. وهذه المرة، اختفى الرجل الذي كانت تستند عليه كلما مالت بها عواصف حياتها، وأصبحت وحيدة بلا سندٍ أو عون.. ولشدّ ما كان ذلك قاسياً..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 21-01-16, 04:10 PM   المشاركة رقم: 98
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

ما في كلمة توصف ابداعك وروعة ما خطته يداك وابداع خيالك الفذ ‏/فصل موجع ومؤلم قتل فرحة النصر ومفاجأة ظهور ستراك وجيوشه الذي لم بتوقعه ‏/مات مينار ابكاني موته وفقد ججي الحقيقي له ولازالت صدمة كين الذي كان رفيق ليله وهاره وخيمته إن كانت تيتمت ججي بعده وهي بين شعبها وزعيمة له فقد تيتم كين وهوا غريب عن كل المكان وفقدت ججي معاونها وراد كيد رجالهم عنها ‏/يعني ماكان تقدري تخليه حي يا خوجة حرام عليك ليه موتتيه ‏‏‏>‏‏> دموع من بيتنا لبيتكم ‏/ويبقى التساؤل عن مصير ججي هل سيقبلها الأكاشي أجمعهم وماذا عن مخططها الحربي صاحب الأفكار النيرة ‏؟؟ في شوق كبير للقادم وسلمت أناملك الذهبية غاليتي ‏

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
قديم 21-01-16, 10:26 PM   المشاركة رقم: 99
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

سعيدة بتفاعلك ومشاعرك التي أثارتها أحداث هذا الفصل
ولو أني لم أتمنّ إثارة حزنك بتلك الاحداث >> هههه غرقت الصفحة بدموعك يا عزيزتي
ماتزال ججي في قلب الصراع، والذي قد لا ينتهي طالما هي حية ودام للملك فارس مطامع بهذه الأرض
كين تربطه خيوط رفيعة بهذه السهول، وقد تقطع أحدها بموت مينار
فهل سيبقى أم سيرحل؟
المزيد من التطورات في الفصل القادم بإذن الله وعالى

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 22-01-16, 03:20 AM   المشاركة رقم: 100
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

يعني خلال الخمس فصول القادمة بيرجع الملك ‏‏!‏‏! الصراحة ما ييئس هالمخلوق ‏

كين يرحل ويترك ججي ‏؟ لا لا لا مستحيل إلا لو أخذها معاه لأن رحيله أمر أكيد ‏

في انتظار تطورات أحداث الفصل الي بيكون في الصفحة الي بعد هذي لأنها غرقت بدموعي خلاص هههه بس جد بكاني موته ‏‏>> يلا المهم كين حي ‏‏^ ‏_‏‏_‏‏^ ‏

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:24 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية