لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-01-16, 07:43 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

سعيدة بوجودك معي يا عزيزتي همسة تفاؤل..
لن تتضح جوانب الرواية إلا مع الفصل الأول..
فالأمر يتجاوز ججي وحكايتها ولكنه يندمج معها اندماجاً وثيقاً..
طبعاً حياة ججي لن تكون رائعة لو بقيت كفتاة
لكن كونها رجلاً لن يجعل الأمور أفضل بالتأكيد..
وهذا تستشفينه من اعتراض الرجال على قرار قادور..
وبالنسبة لسؤالك، فالكلمات التي استخدمتها من تأليفي طبعاً..
ولا أدري إن كان لها معنى في لغة ما..
كما أنني اكتشفت أن لفظة (أكاشي) أو بالأصح (أكاشا) تعني السماء باللغة السنسكريتية، ومنها سميت ما يعرف (بالسجلات الأكاشية)
وهو أمر لم أعرفه ولم أدركه عند كتابتي لروايتي السابقة
لكنها صدفة ملائمة للرواية.. ألا ترين كذلك؟...


*****

مرحباً بك يا عزيزتي فنانة (هل اسمك صحيح هكذا؟)
سعيدة بسعادتك يا غاليتي، وسعيدة بوجودك معي وحماسك للرواية
خشيتك من هذه القبائل ومن مصير ججي طبيعي تماماً
فهم ليسوا بألطف بشر كما تعلمين
وتعاملهم مع النساء بشكل عام أراه يتماشى مع طبيعتهم القاسية
فلا يمكن لمن يأكل لحم البشر أن يكون رقيقاً مع النساء
لذا نظرتهم هذه للمرة سيزيد من صعوبة مسير ججي في حياتها الجديدة كرجل
لذا يمكنك أن تفهمي دموع الأم لقرار قادور الأخير..
قادور سأترك الحكم عليه للأخير.. فهو ولو كان سيئاً في تعامله مع نساء بيته
لكنه قد يمتلك صفات أخرى قد تعجبك فيه
وليس هناك من هو كامل في هذا العالم (حتى في عالم رواياتي)
أنتظر رأيك بالفصول القادمة وبالرواية كاملة
وأتمنى أن تعجبك ولا تخيب ظنك بإذن الله..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 04-01-16, 07:50 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الأول {ججي ابنة السماء}


في ذلك العالم البعيد، والمكوّن من قارتين عظيمتين تحتلانه بالكامل ويفصل بينهما بحر شاسع، كان البشر على مشارف تغيير كبير في حياتهم سيمتد لأجيالٍ ولعقود عديدة..
كان ذلك العالم يشهد تغييرات كبيرة، وحروباً كثيرة اشتعلت في القارتين الوحيدتين فيه.. القارة العظمى، وقارة الثنايا.. ففي القارة العظمى، كانت مملكة جديدة قد بدأت تتكون وتتوسع بشكل شره ملتهمة القبائل والممالك الأضعف والأصغر والأقل تأثيراً.. وعلى رأس تلك المملكة رجل قوي اسمه فارس بن ظاهر.. ورغم أن فارس لم يكن يتجاوز منتصف العشرين من عمره عندما بدأ تشكيل مملكته تلك قبل عقدٍ ونيف، لكنه تمكن من جمع عدد كبير من الرجال الأوفياء حوله وبدأ توحيد الممالك في مملكة واحدة أطلق عليها اسم (مملكة فارس) والتي سيطلق عليها خلفاؤه اسم (مملكة بني فارس).. لم يكن الملك فارس قد أنشأ عاصمة مُلكه بعد، ولم يكن يستقر في مكان واحد والحروب المتفرقة في أرجاء القارة تشغله بشكل شبه تام.. لكن من يرى نجاحاته المدوية وسرعة انتشار جنوده في الأرض، يجزم بأنه سينشئ مملكة قوية ذات تأثيرٍ في هذا العالم..
وفي قارة الثنايا، كانت هناك مملكة أخرى تسمى (مملكة كشميت) وهي أقدم شيئاً ما رغم أن عمرها لا يتعدّى الخمسين عاماً.. حكمتها عائلة مجهولة الأصل نصّبت نفسها على تلك المملكة ووزعت أمرائها على الولايات التابعة لها.. كانت مملكة كشميت تهتم بالعلوم وبتطوير نفسها وأسلحتها كثيراً، ولا تتردد في التهام الممالك القريبة الضعيفة وتوسيع مساحتها في كل فرصة ممكنة.. وبدا بوضوح أن تطلعاتها التوسعية لن تسكت على ما يجري في القارة العظمى وما قد يعني ذلك من تهديد لها ولأمن حدودها..
وبين هذه وتلك، بدأت الممالك الضعيفة بالتسليم وتقديم ولائها لإحدى المملكتين لكي تسلم من شرها وتستعين بقوتها.. بينما بقيت بعض الممالك الأخرى والقبائل المتفرقة تقاوم بشدة لكيلا تذوب في ذلك الهجوم الذي يدحر ما أمامه دون توقف..
وفي القارة العظمى، وبعد أن أحكم الملك فارس سيطرته على شرق وجنوب القارة، والممالك القريبة التي لم تستسلم له قد أصبحت موالية له بشكل تام، فإنه التفت للأجزاء الشمالية والغربية الأكثر صعوبة بالنسبة لجيوشه.. وذلك بسبب السلسلة الجبلية العظيمة المسماة (جبال الأنهار المائة) بسبب كثرة الأنهار المتدفقة منها.. فقد وقفت تلك السلسلة سداً منيعاً أمام جيوشه، ووقفت القبائل التي تسكنها في وجهه كأشرس عدوٍ واجهه.. ومن تلك القبائل هناك (الهوت) الذين استوطنوا الجزء الشمالي من الجبال منذ عدة عقود ورفضوا الذوبان في المملكة، وهناك سكان السهول الغربية وهي قبائل متفرقة تطلق على نفسها اسم (الأكاشي)..
والأكاشي، الملقبين بذوي القرون بسبب خوذاتهم ذوات القرون البارزة من الجنبين، هم شعب من البدو الرحّل.. انتشروا في تلك السهول منذ أمد طويل واستعمروها مقاومين أي غزو من الممالك القريبة.. لكنهم لم يكونوا بالتطور الكافي لإنشاء المدن وتنظيم حياتهم في مملكة واحدة.. بل كانوا قانعين بالقبائل التي تضمّهم وهم يسعون في تلك السهول تابعين مواشيهم حيث سارت سعياً وراء المراعي الخضراء، وحاملين خيامهم ومتاعهم على ظهور الجمال ليستقروا في الموضع الذي يلائمهم لمدد متفاوتة..
ورغم عدم الانضباط والحرية التي يعيشون فيها، فإن السيطرة عليهم كانت مهمة صعبة وعسيرة على كل من فكر بذلك.. فهم شعبٌ ذو كبرياء اشتهر بالقساوة والخشونة في التعامل مع أعدائهم، كما كان التهامهم لأجزاء من أجساد أعدائهم بدافع الحصول على القوة يمنحهم صيتاً يرعب كل من يفكر في التعدّي عليهم.. ورغم أن الحروب لا تكاد تنقطع بين القبائل المختلفة، لكن الممالك الأخرى عجزت عن استغلال ذلك في اختراق السهول وضمّ تلك القبائل للوائها بأي شكل كان..
ومع انتشار أخبار تقدم جيوش الملك فارس من هذه المناطق محاولة اجتياز السلسلة الجبلية القريبة، إلا أن هذا لم يزعزع ثقة الأكاشي لوهلة واحدة.. فثقتهم بسيوفهم ورجالهم أكبر من أن تهزها شائعات، وجيوشهم غير النظامية قد دحرت الكثير من الجيوش الأكثر تنظيماً وتسليحاً بكثير.. ورغم ذلك، بقي جزء ضئيل من الأكاشي ممن استعمرهم القلق لمثل تلك الأخبار، وراودتهم رغبة كبيرة في إحداث تغيير بين القبائل التي عاشت لأزمانٍ طويلة دون أن تعصف بها أي رياح تجبرها على تغيير حياتها قيد شعره..

************************

في وسط سهول الأكاشي، وفي موقع احتلته قبيلة (رأس الرمح) التي كانت من أقوى وأشهر قبائل الأكاشي، انتشرت الخيام كبيرة الحجم في موقع واسع مستغلة انبساط المكان حيث خفتت حدة التلال العشبية مشكلة سهلاً واسعاً يوفر لساكنيه سلاسة في الترحال واتساعاً في المكان.. وفي جانب المخيم استقرت الماشية محاطة بسور خشبي في مساحة كبيرة وأصواتها المختلطة يمكن سماعها من موقع بعيد، بينما كان مربط خيولهم يقع في جانب آخر قريب من جدولٍ صغيرٍ يقطع ذلك الموقع..
وفي خيمة واسعة وسط المخيم، تبدو من فخامتها وزخرفتها أنها خيمة زعيم تلك القبيلة، اجتمع أهم رجال القبيلة حول النار التي أشعلت وسط الخيمة ووضع عليها إبريقٌ معدني للشاي الذي غمرت رائحته المكان.. كان الرجال، وهم لا يقلون عن سبع رجال متفاوتين في الأعمار، يتحلقون حول النار وانتباههم منصبٌّ على قادور الذي جلس قرب زعيمهم كيراد بينما وقف بضع رجال من تابعي قادور خلفاً لمراقبة ما يجري دون التدخل في الحوار الدائر..
وبعد صمت قضاه الرجال في احتساء الشاي الساخن، قال قادور موجهاً حديثه لكيراد بالأخص ولبقية الرجال بالأعم "ما رأيك بما أحمله لك من اقتراحات؟.. أظنني كنت واضحاً في كل ما قدمته لك ولا يدع ذلك لك مجالاً للشك أو الريبة.."
صمت كيراد وهو يحتسي الشاي مفكراً، ثم غمغم "أنت متشائم كثيراً يا قادور.."
نظر له قادور مقطباً، فأضاف كيراد "لا أدري لمَ تحمل همّ ذلك الملك العربي المزعوم.. كيف تتوقع منا أن نتحمس لاقتراحك وهو يخصّ أمراً لا يهمنا البتة؟"
قال قادور باستنكار "كيف تدّعي أن أمر ذلك الملك العربي لا يهمكم البتة؟.. لقد وردتنا عدة أخبار عن محاولاته عبور الجبال التي تفصل سهول الأكاشي عنه بجيوش جرارة.. وكونه فشل في ذلك في المرات السابقة لا يعني أنه سيفشل في كل مرة.."
تساءل كيراد "ما الذي يدعوك للظن أنه سينجح هذه المرة؟"
أجاب قادور "أتظن أن شخصاً فشل في أمر عدة مرات سيبذل المال والجهد لمعاودة المحاولة لو لم يكن يملك وسيلة لتفادي أخطائه السابقة؟.. إنه ليس أحمقاً، ولن يكرر محاولة اجتياز الجبال العصية على الجيوش ما لم يكن يملك وسيلة لتفاديها.."
قال رجل قريب "هذه أوهام.."
نظر له قادور باستياء معلقاً "لماذا تظنني قد قطعت كل هذه المسافة بنفسي ولم أرسل رسولاً لو كنتُ مقتنعاً أن هذه مجرد هواجس وأوهام لا صحة لها يا سات؟.. أنسيت أمر الجواسيس الذين تم القبض عليهم قرب مخيمنا؟.."
غمغم سات بدون انفعال "الجواسيس أمرهم معتاد في هذه الأنحاء منذ زمن، والتصرف الوحيد الملائم لهم هو في قطع رقابهم لحظة القبض عليهم.."
تجاهله قادور والتفت إلى كيراد قائلاً "الوضع أصبح يستدعي منا تحركاً منظماً.. لقد فرغ ذلك العربي من وسط وشرق القارة العظمى.. وقد أصبحت الممالك الجنوبية موالية له.. الآن هو متفرغ لشمال وغرب مملكته ولا يبدو أن طمعه سيقف به عند تلك الجبال العالية.."
صمت الرجال وهم يتبادلون النظرات التي لم يجهل قادور معناها، فقال بإلحاح "لا أطلب منكم الكثير، ولا أتوقع منكم المستحيل.. كل ما أريده، لو وصلتنا أنباء عن قدوم الجيش العربي لهذه السهول، أن نتكاتف ونعمل كقوة واحدة ونتصدى له قبل أن يتجاوز فرسخاً من هذه السهول.. سننتظره عند سفح الجبال وسنردّه على أعقابه بأسرع ما نستطيع.. ولن نتمكن من فعل ذلك ونحن متفرقون هكذا.."
غمغم كيراد "هذا صعب جداً يا قادور.. أنت تطلب منا أن ننضمّ في قبيلة واحدة؟.. لن ترضى أي قبيلة بفعل ذلك.."
قال قادور بسرعة "لا أطلب منكم الاندماج في قبيلة واحدة، بل أن نصبح جيشاً واحداً وكل قبيلة هي لواءٌ منفرد في ذلك الجيش.. وبعد أن ننتهي من هذه الحرب، سيعود كل شيء لما كان عليه.. فما الذي يقلقكم؟"
أجاب المدعو سات "ما يقلقنا أنك تتوقع منا أن نخضع لك بسهولة كي تقودنا في هذه الحرب المزعومة.. انضمامنا لجيشك هي البداية لفرض سيطرتك علينا.. لا تنكر أن هذا ما تهدف إليه.."
قال قادور بحنق "أتظنني رجلاً أحمقاً لأفعل ذلك؟"
فقال سات بابتسامة جانبية "لقد دار هذا بذهني للحظة وأنا أرى تلك الفتاة تمتطي الحصان بجوارك عند قدومكم لمخيّمنا.."
انتفض قادور واقفاً بغضب، لكن كيراد سارع لتهدئته قائلاً "لا تلقِ بالاً لهذا القول يا قادور.. اجلس فمازلنا نتناقش في هذا الأمر.."
جلس قادور بعد لحظة تردد، بينما رمق كيراد سات بنظرة حانقة لم يعبأ لها الأخير.. وبعد صمت قصير، قال قادور بتقطيبة "كل ما أريد معرفته إن كنتم قادرون على تحقيق ما جئتكم لأجله.. هل يمكنكم بذل الرجال والسلاح في هذه الحرب معي لو بدأت بوادرها بالفعل؟.. عندما يحين وقتها، لن يكون هناك مجال للتردد أو التخمين.. ولو فكرتُ بخوضها وحيداً، فلا أظنني بقادرٍ على كسبها رغم ثقتي بقوة ومهارة رجالي.."
قال كيراد "لقد فاجأني طلبك يا قادور، لذلك لستُ واثقاً من استجابتي له.. هذه سابقة لم تحدث في تاريخ الأكاشي كما تعلم، ولا أريد أن أتصرف تصرفاً أندم عليه في المستقبل.."
قال قادور بحنق لم يملكه "كون ذلك أمراً لم يسبق حدوثه لا يعني أنه سيئ بالضرورة.. كيف تخشى الندم في المستقبل بينما أنت متهاون في التصرف الآن؟.. ألن تندم لو وصلت الجيوش إلى السهول وعاثت فيها فساداً؟.."
علق كيراد "عليّ الاقتناع بأن جيوش الملك العربي ستصل لهذه السهول بالفعل.."
فقال قادور بحدة "ستفعل ذلك.. هذا ما أثق به.. كيف يمكنني إقناعكم بذلك؟"
نظر له كيراد بصمت وعدم اقتناع، بينما قال سات بعد صمت "أنت لم تأتنا إلا بكلمات عائمة بلا أي دليل.. فكيف تطلب منا تصديقك؟"
قال قادور بغضب "وهل كلمتي لا تعدّ كافية لتصديقي؟"
لم يعلق سات على ذلك بابتسامة جانبية مما استثار غضب قادور أكثر وهو يقول لكيراد بشدة "وهل الرأي رأيك في هذه القبيلة يا كيراد أم هو رأي السفيه من رجالك؟"
قبل أن يجيب كيراد قال سات بابتسامة ساخرة "نحن هنا لا نتبع رأي شخص واحد، بل نحكّم قراراتنا برأي أرجح رجالنا عقلاً.. ولهذا السبب لا يمكننا ابتلاع ما تقوله بسهولة.."
نظر له قادور بحنق وقد تزايد غضبه لما يلمّح له سات، بينما أضاف سات بسخرية "أتفهّم ذعرك الشديد من تحركات الملك فارس تجاه سهولنا، بالنظر لنسائك اللواتي تخشى عليهن من الاختطاف والاستعباد.. لابد أن وجود ثلاث نساء تحت جناحك دون أن تملك ابناً يعينك على حمايتهن يسبب لك الضيق والقلق الشديد.."
نظر له قادور مقطباً بشدة بينما قال كيراد بحنق "اصمت يا سات.."
أضاف سات وابتسامته تتسع متجاهلاً كيراد "لو كنت راغباً بالتخلص من هذا الهم، يمكنك أن تزوجني إحداهن لترتاح من همّها.. وأنا أرى أن هذه الفتاة المسماة ججي مناسبة تماماً لهذا.. ما رأيك؟.. عليك أن تكون شاكراً لهذا العرض.."
فوجئ بقادور يضمّ قبضته بشدة ويطوحها نحوه بقوة لتضربه على أنفه ضربة قوية وتدفعه للوراء ليسقط أرضاً.. وبينما حاول سات النهوض بسرعة لإنقاذ ما تبعثر من كرامته مع الدماء التي سالت من أنفه، فإن قادور وقف قائلاً بصرامة "لست أخشى على نسائي فأنا أقدر على حمايتهن من أي شخص آخر.. ومن تراه خارج الخيمة ليس فتاة ولم يكن كذلك.. بل هو ابني فا-جام، وهو أكثر رجولة من ابنك الخليع سيسار الذي يقضي لياليه ينفخ في الناي لترقص الفتيات على أنغامه.."
وغادر بخطوات واسعة بينما اعتدل سات واقفاً وهو يضع يده على سيفه بغضب شديد، لكن كيراد استوقفه قائلاً "لا داعي لجرّ العراك أكثر من هذا.. أنت من بدأ بإهانة ضيفنا وأنت من عليه تحمل النتائج.."
فور خروجه، وجد قادور ججي راكعة قرب باب الخيمة وسيف سيجان الطويل ينتصب أمامها.. كانت قامتها لا تتجاوز نصف قامته بعد، وهي التي لم تتعدّ الثالثة عشر من عمرها، وشعرها الأحمر لا يتجاوز أذنيها كما تحرص دائماً على قطعه بخنجر لتمنح نفسها منظراً أقرب للفتية من الفتيات، بينما الخوذة التي كانت تخص سيجان لا تزال واسعة عليها شيئاً ما.. ورغم نظرات بعض رجال هذه القبيلة لها واستهزائهم الواضح بها، فإنها ظلت في موضعها واضعة يدها على السيف الذي يكاد يفوقها طولاً وهي صامتة بانتظار أبيها.. ولما رأته هبّت واقفة وسحبت سيفها من الأرض متسائلة "كيف جرى الأمر يا أبي؟"
دمدم قادور بغيظ وهو يبتعد "فشل الأمر كالعادة.. ونلتُ ما نلته من الاستهزاء بسببك.. لمَ لا يرى الزعماء ورجال القبائل فيّ إلا أنت؟.."
وجمت ججي وهي تتبعه ملاحقة خطواته الواسعة، وتأملت السيف الذي في يدها والغضب يتنامى في صدرها.. لمَ يستهزيء الجميع بها ويسخرون من ثقة أبيها بقدراتها؟.. كيف لها أن تثبت لهم أنها لن تكون أقل من أي رجل من الأكاشي؟.. هل يجب أن تكون أكبر عمراً وأكثر قوة لتكسب احترامهم؟.. أم أن هذا بعيد المنال عنها حقاً؟..
توجه قادور إلى حصانه الأدهم الذي وقف وسط الساحة بقرب بقية رجاله، فامتطاه بينما أسرعت ججي تمتطي فرسها الرمادية التي يشوب لونها نمش بلون غامق بينما يغطي أنفها وأطرافها البياض.. وقبل أن يتحرك قادور، رأى كيراد يتقدم منه قائلاً "لا تغضب يا قادور لما قاله سات.. لابد أنك الآن معتاد على مثل هذا القول من الأكاشي بعد مخالفتك لقوانينهم ورؤيتهم لفتاة تدخل مخيماتهم على ظهر فرس.."
قال قادور بصرامة "ما يجري في مخيمي وبين رجالي لا يخصّ أحداً غيرهم.. وقد أقبل بمثل هذا القول من رجالي لكني لا أقبل به من شخص غريب.."
ثم أضاف بحدة أكبر "كما أن الموضوع الذي أتيت أحدثكم فيه لا يحتمل السخرية والاستهزاء.. أنتم مستسلمون قانعون بالمناوشات التي تدور بينكم وبين القبائل الأخرى لأتفه الأسباب، ولا يهمكم أمر ذلك العربي الذي يتقدم منكم بجيوشه الجرارة.."
قال كيراد بهدوء "كما قلنا لك قبل قليل، الجبال العالية كفيلة بتعطيل جيوشه، وسكان الجبال سيقضون على ما بقي منهم.. فلمَ القلق؟.. لقد خضنا معارك كثيرة، ونحن نعلم بأننا أقدر على صد مثل هذا الهجوم من غيرنا، لو نجح ذلك الجيش بالوصول إلينا حقاً.."
قال قادور بضيق "ستقول هذا حتى نفاجأ بالضربة التي ستسقط على رؤوسنا.."
وأدار حصانه ليغادر المخيم بينما كيراد يقول "لن يحدث ذلك.. ذلك العربي لا يملك تنانين يطير بها ليتجاوز تلك السلسلة الجبلية العسيرة.."
لم يعلق قادور وهو يغادر المخيم تتبعه ججي وعشرة من رجاله.. نظرت ججي لأبيها بقلق وهي تلاحظ الغيظ الشديد الذي يشعر به بعد أن كان متفائلاً بهذا الاجتماع الذي سعى إليه.. ثم تقدمت بفرسها منه وتساءلت بخفوت "ما الذي ستفعله الآن؟"
قال قادور زافراً "سنتوجه إلى قبيلة طاغار.. لازلت بحاجة للحديث معه وهو يملك قبيلة كبيرة وقوية.. لو كسبته في صفي، فلابد أن نحدث بعض التأثير في بقية قبائل الأكاشي الخانعة.."
نظرت ججي للمخيم الذي تركوه، وهي تتذكر قولاً مشابهاً عنه من أبيها لدى قدومهم، لكن آمالهم خابت بأسرع مما توقعوا.. ثم علقت بشيء من التردد "لمَ أنت شديد القلق من هذا الملك العربي في هذا الوقت بالذات؟.. ألم يبدأ ذلك الملك بتكوين مملكته منذ سنواتٍ عدة؟.. ما الذي يثير قلقك لأمره الآن؟"
صمت قادور للحظات حتى ظنت أنه لن يجيبها، ثم غمغم "إنه مجرد هاجس يا جام.. لكنه هاجس قوي يقترب من أن يكون نبوءة.."
لم تعلق ججي على قوله.. لقد كانت تثق بكل ما يقوله أبوها وبكل ما يقرره، ولم تكن بحاجة فعلاً لسبب مقنع لتتبعه في كل ما يتصرف به.. لطالما كانت تفخر بأبيها وتراه أقوى وأصدق حدساً من جميع الرجال، ورأيه لا يجانب الصواب في كل ما يتصرف به كزعيم للقبيلة..

************************

في تلك الليلة، خيّم قادور ورجاله بعد مغيب الشمس في طريقهم إلى قبيلة طاغار.. كان مخيمهم بسيطاً عبارة عن نار أشعلت في الوسط وكل رجل يفرش فراشه على الأرض العشبية في جانب من النار متدفئاً بدفئها الضعيف في مواجهة برد تلك الليلة وكل ليلة تمر على هذه السهول.. وفي جانب المكان قرب بعض الأشجار، تم ربط الخيول ووضع المتاع القليل الذي يملكونه في رحلتهم الطويلة هذه، والتي بدأت منذ عشرة أيامٍ خَلَت..
انشغل بعض من الرجال في إيقاد النار وتهيئة بعض الطعام لعشائهم، بينما فضّلت ججي الرحيل على ظهر فرسها بحثاً عن طريدة لعشائهم مع تناقص مؤونتهم التي جهزوها لهذه الرحلة التي استطالت.. وخلال ساعة على الأكثر، كانت قد عادت لموقع المخيم حاملة زوجين من الأرانب بيدٍ وقد علقت قوسها على كتفها وهي تمسك لجام الفرس باليد الأخرى.. وخلال لحظات، كانت قد ربطت الفرس قرب إحدى الأشجار وقبعت في موضع منفصل عن البقية وهي تقوم بتحضير الأرنبين للشواء.. وببعض الخبرة التي اكتسبتها من الممارسة، قامت بسلخ الجلد عن لحم الأرنب وفصلت الرأس وأطراف الأقدام ثم شقت البطن واستخرجت أحشاءه وكل ما لا يؤكل منه.. ثم عادت بالأرنبين إلى النار وركزتهما في خشبتين طويلتين قرب اللهب لشوائهما وانتظرت قربهما بصبر وصمت..
انتبهت ججي في صمتها ذاك لصوت أحد رجال القبيلة وهو يقول لأبيها "ما الذي سنفعله الآن؟.. هذه هي القبيلة الثالثة التي نلجأ إليها، ونحن نواجَه بالرفض في كل مرة دون أن تختلف النتائج.. ألا ترى أن جهودنا يائسة وغير مجدية؟"
قال قادور "وما الذي يمكنني فعله يا ريجاد؟.. هل أجبرهم على إطاعتي بالسيف؟!"
قال ريجاد "السبب الرئيسي لرفضهم لنا هو عدم اقتناعهم بكلامك بسبب تصرفك مع ججي.."
حدجه قادور بنظرة قاسية، فاستدرك ريجاد قائلاً "إنهم يستنكرون هذا الأمر، ويظنون بعقلك الظنون.. لمَ لا تتنازل عن هذه الفكرة وتجد بديلاً آخر؟.."
قطب قادور بصمت، فتشجع ريجاد ليكمل "لو زوجت ابنتك من رجل قوي تختاره أنت، فسيكون لك بمثابة الابن الذي تسعى إليه.. أليس هذا أفضل من التحايل للحصول على ابن من فتاة ضعيفة؟.."
فوجئ بقادور يدفع مقبض سيفه في كتفه بقوة حتى أسقطه خلفاً قائلاً بغضب "أخبرتك أنني لا أملك ابنة اسمها ججي.. وجام خيرٌ من أي رجل من رجال القبيلة، فلا تكرر هذا القول أمامي مرة أخرى.."
صمت ريجاد وهو يسلّم بالأمر ويتراجع لئلا يثير قادور أكثر من هذا.. بينما شعرت ججي بالأنظار منصبة على رأسها بحنق شديد وهو أمر اعتادته على كل حال.. ما الغريب في أن تكون ابناً ورجلاً؟.. هي الآن، بعد كل تلك السنين، أدركت الفارق الجسدي بين الرجل والمرأة.. وأدركت أنها في أعماقها ستظل امرأة مهما حاولت تقليد الرجال.. لكن هذا زادها إصراراً على اكتساب قوة كقواهم ومهارة كمهاراتهم، وعلى اقتناص الفرصة التي منحها لها أبوها لتتحكم في مصيرها ومستقبلها بشكل لا تتمكن نساء الأكاشي كلهن من تحقيقه.. فهل تتراجع عن هذا؟.. محال.. وألف محالٍ بالتأكيد.. إنها لم تخُض كل ما خاضته ولم تتحمل قسوة أبيها سنواتٍ طوال لتستسلم الآن وتقنع بكونها مجرد امرأة يضمّها رجال الأكاشي لنسائهم.. وكما قالت أمها منذ سنوات، لا يهتم الأكاشي إلا بما تحمله النساء في بطونهن، وهو الأبناء بالتحديد دون البنات.. فهل تقنع بأن تكون كما كانت أمها وكما أصبحت أختها فاتي التي تزوجت من زعيم قبيلة أخرى وأصبحت مجرد امرأة أخرى من نساء مخيمه؟..
استلقت ججي جانباً دون عشاء، بعد أن منحت ما اصطادته لأبيها ولمن رغب به من الرجال، وقد أفقدها هذا الحديث شهيتها.. افترشت فراشاً خفيفاً تحمله معها عادة وأسندت رأسها لذراعيها وهي تحدق في القمر المنير فوقها والنجوم التي تلتمع شيئاً ما وسط سواد السماء.. ورغماً عنها، جالت بذهنها ذكريات ما جرى لها منذ ذلك اليوم الذي أعلنها قادور ابناً له، وغيّر اسمها إلى فا-جام..
في تلك الأوقات، لم تكن ججي ذات الخمسة أعوام تستوعب ما زجّها فيه أبوها، زعيم قبيلة الأكاشي الملقبة (أبناء الذئاب).. كانت تستمتع بترحالها على ظهر حصان أبيها الأدهم كما كانت تحلم دائماً.. وفي آخر النهار، عندما يخيّم الأكاشي في أحد المواقع، فإن أباها يعهد بها إلى مينار لتعليمها ركوب الحصان وحيدة دون معاونة.. كان الحصان ضخماً مقارنة بها، وشكّت لوهلة أنه لن يطيعها وهي تجذب اللجام بيدها الدقيقة، لكن الأمر رغم صعوبته كان تحديـاً كبيراً استمتعـت هي به.. ومينـار، الذي كان رجلاً مقرّباً من أبيها رغم أنه يصغـره بعشر سنوات أو أكثر ولا يتجاوز عمره الأربعين إلا بقليـل، كان رغم قسوته الظاهرة رفيقاً بها ومتفانياً في تعليمها.. ولم يكن يعكر صفوها إلا السبّات الغاضبة التي يلقيها الرجال على مسامعها بعيداً عن مسمع أبيها.. فكان مينار يحثها أن تتجاهل الأمر وألا تذكر شيئاً من ذلك لأبيها أو حتى أمها..
ورغم عدم فهمها لمغزى ما يطلبه مينار، إلا أنها لم يسعها إلا إطاعته بصمت والالتزام بتعليماته.. رغم الغضب الواضح من رجال الأكاشي في القبيلة، إلا أن مينار لم يظهر ضيقاً بقرار أبيها ولم يتفوه بكلمة تسيء إليها طوال الوقت الذي أمضوه في رحلتهم نحو مخيمهم الشتوي..
وبعد عشرة أيام، وصلت القبيلة للموضع الذي سينصبون فيه خيامهم ويستقرون فيه طوال شهور الشتاء الطويلة.. كان ذلك الموضع قريبٌ من البحر جنوبي السهول حيث تنتهي تلك التلال السلسة بمنحدر حاد يطل على البحر الذي يضرب الصخور بأمواجه بقوة.. لم يكن للبحر أي أهمية لدى الأكاشي، ولم يعبؤوا قط بتلك المسطحات المائية الشاسعة وما تحويه من خيرات.. كان اهتمامهم منصبّاً على الرعي، وباستخدام ما تنتجه ماشيتهم يقومون بمبادلتها بكل ما يحتاجونه مع أصحاب المزارع في بعض القرى والمدن القليلة في شمال أو غرب هذه السهول..
بعد وصولهم لموضع المخيم الشتوي، انشغلت ججي مع أمها وبقية الأكاشي في إعداد المخيم الذي استمر لعدة أيام.. بدأت الخِيَم بالانتصاب وبدأ بعض الرجال بصنع سياج يضمّ ماشيتهم في جانب الموقع.. ورغم أنه يسمّى مخيّماً، لكن تلك المنازل الصغيرة المتنقلة كانت أبعد من أن تكون خيمة عادية، فقد كانت واسعة بشكل دائري، وقد دعّمت بعدد من الأعمدة الخشبية الطويلة التي حملت القماش السميك الذي يكّون جدران الخيمة.. وفي منتصف السقف الدائري، تم صنع فتحة كمنفذٍ للدخان الناشئ عن النار التي يتم اشعالها وسط الخيمة، تعلوها بمسافة قصيرة قطعة قماشية دائرية لمنع الأمطار من النفاذ لقلب الخيمة.. وعلى المدخل، يثبت بابٌ خشبي بحيث يجعل الخيمة أقرب لمنزل منها لخيمة عادية بسيطة.. وفي الخيمة الدائرية التي تكون واسعة لضمّ عائلة كاملة، فإن عدداً كبيراً من السجاجيد تفرش لتغطية الأرضية ما عدا منطقة في الوسط تترك لتحتلها النار التي تقوم بتدفئة الأسرة ولطبخ الطعام وصنع أنواعٍ من المشروبات العشبية الدافئة.. وفي جانب المكان يتم فرش الفراش الصوفي الذي يستخدم لنوم أفراد الأسرة، بينما يتم جمعه وطيّه في الصباح لمنح الخيمة اتساعاً أكبر في النهار.. كما توضع بضع صناديق خشبية في جانب آخر تحوي أغراض العائلة البسيطة عادة..
كان الموقع الذي اختارته القبيلة يحوي نبع ماء عذب سيؤمن لها ما تحتاجه حتى تقرر مغادرة المكان عائدة للشمال في الصيف، بينما بقيت السهول خضراء رغم اشتداد البرودة مانحة الرجال بعض الأمل بأن تبقى على هذا الحال طوال الشتاء هذه السنة.. كانت ججي في بعض الأوقات تخرج مع بعض الصبية مستمتعة باستكشاف الموقع الجديد الذي يضمّ مخيمهم، وقد تناست قرارها بأن تصبح رجلاً بأسرع مما توقعت.. فكانت تمضي الساعات برفقة الصبية يذرعون المنحدر الصخري، حتى عثروا على موقعٍ يميل بهم ليلتقي بالبحر مكوناً شاطئاً ضيقاً تغزوه الصخور التي تقف صامدة أمام الأمواج القوية.. لم تكن ججي تقدر على إخفاء لهفتها وهي ترى البحر للمرة الأولى، فهي لا تذكر رؤيته في السنوات السابقة لصغر سنها، وقد قضت أياماً طويلة مع الصبية في استكشاف الشاطئ والبحر والبحث عن الكنوز التي يحويها بقلبه.. لكنهم سرعان ما فضّلوا البقاء على الشاطئ بعد أن كاد يبتلعهم بأمواجه، حتى أيقنوا بوجود وحشٍ ضخم في قلبه يسحبهم من سيقانهم لو فكروا في خوض مياه ذلك البحر الهائج..
وبعد تلك الأيام، وجدت ججي في الفجر يداً تهزها وصوت أمها تقول بتوتر "ججي.. استيقظي من النوم.."
فركت ججي عينيها وهي ترفع رأسها عن الفراش ناعسة، فقالت الأم "أبوك يطلبك حالاً.. أسرعي لئلا تستثيري غضبه.."
نهضت ججي دون ممانعة وغسلت وجهها بالماء الذي وضع قريباً من النار لتدفئته.. كانت الخيمة الخاصة بهم واسعة وأكبر حجماً من بقية الخيام، وقد اعتنت الأم بترتيب الصناديق الخشبية التي تحوي متاعهم القليل في جانب بينما وضعت وسائد مغطاة بقماش من الصوف بألوان زاهية قرب النيران التي أشعلت وسط الخيمة للتدفئة.. وغطت الأرضية بالسجاجيد المشغولة يدوياً، فيما احتل جانب الخيمة بعض الفرش والمخدات التي يبسطونها ليلاً للنوم عليها..
جلست ججي قرب النار ناعسة والأم تناولها كوباً من حليب الأغنام الدافئ المحلّى بالعسل، بينما جلس قادور قريباً وهو يتأمل النار بصمت.. ثم التفت إلى ججي قائلاً "منذ اليوم، سيبدأ مينار تعليمك استخدام السيف يا جام، بالإضافة لركوب الحصان.. عليك أن تجتهد معه وتثبت مهارتك أمامه وأمام القبيلة كاملها.."
طار النعاس من عيني ججي وهي تقول بلهفة "هل سيتمرن الصبية معي أيضاً؟.."
قال قادور هازاً رأسه "لا.. مينار سيتولى تدريبك أنت فقط.. وهو الأقدر على ذلك من بين رجال القبيلة كلهم.. فلا تخيّب ظني بك.."
هزت ججي رأسها بحماس، ولما سمعت صوت مينار أسرعت خارجة من الخيمة ركضاً وهي تسحب سيف سيجان خلفها وترتدي خوذته الواسعة على رأسها.. وفي جانب الخيمة، وقفت أم ججي بتوتر شديد وهي تراقب ما يجري.. ودّت الاعتراض على كل ما تراه، لكن هل سيسمع شخص ما قولها لو تفوهت به؟.. إن رأي المرأة لا يعتدّ به، واعتراضها يجلب السخط والاستنكار بين أفراد القبيلة..
بعد بعض الصمت، قال قادور "حركاتك العصبية هذه تعكر مزاجي.. ما الأمر؟"
نظرت له بتوتر شديد، ثم قالت وهي تدير وجهها جانباً "هل يجب أن تفعل هذا مع ججي حقاً؟.. لماذا تصرّ على تلك الفكرة المجنونة؟"
قال قادور دون أن يبدو عليه أي ضيق "الفكرة المجنونة لا تأتي إلا من مجنون.. فهل ترينني كذلك؟"
قالت بوجه محتقن "لا.. لم أعنِ ذلك مطلقاً.."
فقال قادور "ثم إنني نهيتكِ مراتٍ عدة عن مناداته بذاك الاسم يا ستينا.. إنه الآن فا-جام.. وهو ابني، وليس فتاة أبداً.."
خفضت ستينا بصرها باستياء شديد، ولما نهض مغادراً الغيمة غمغمت محاولة كبت غضبها "كم يوماً تظن رجال القبيلة سيصمتون على ما يرونه؟.. لو حلت بنا أي كارثة، فسيعدّون ذلك شؤماً جلبه جام عليهم، وسيقتلونه دون الرجوع إليك.. أهذا ما تبغيه حقاً؟"
قال قادور وهو ينظر لها بنظرة حادة "رجال القبيلة لا يمكنهم الاعتراض بكلمة في حضوري، ولن يمسّوا جام بأي أذىً خشية مني.."
ثم استدار مغادراً وهو يضيف "كوني شاكرة لأنني رفعت من شأن أحد أطفالك، ولو كنتُ أصغر سناً وأقل هموماً مما أنا فيه الآن، لما ترددت في الزواج من أخرى تنجب لي الابن الذي لم تتمكني من إنجابه أنتِ.."
احتقن وجه ستينا بشدة وهي تجلس قرب طفلتها الرضيعة في جانب الخيمة.. هل يعايرها بإنجابها للبنات؟.. وهل كانت تختار إنجابهم حقاً؟.. لو كان الأمر بيدها، لما أنجبت إلا الصبية.. ليس رغبة منها في علو المكانة والحصول على حظوة لدى زوجها، بل لتجنّب بناتها هذا المصير الذي لا يسعدها بأي حال، ولا تختلف فيه أي فتاة من فتيات الأكاشي.. فما سيكون مصير ججي وهي تتخذ طريقاً لم تتخذه فتاة غيرها قط؟.. ما النهاية المأساوية لمثل هذا الجنون الذي يصرّ عليه قادور ويسعى إليه؟..

************************

أمضت ججي أياماً طويلة في جانب بعيد من المخيّم مع مينار الذي لم يتوانَ عن تدريبها بكل حزم وصرامة.. رغم أنها لم تتجاوز الخامسة من عمرها، لكنها كانت تخوض ذات التدريبات التي يخوضها الصبية في العاشرة.. أما من هم في عمرها، فمن يتدرب منهم لا يحظى إلا بسيف خشبي خفيف حتى يقوى ساعده ويصبح قادراً على حمل السيوف الحديدية الثقيلة.. وجلّهم يبقى طليقاً يركض في المراعي خلف الأغنام أو يساعد والديه في أعمالهما دون أي شاغل..
أما ججي، فقد أجبرها مينار على استخدام سيف سيجان الذي يفوقها طولاً وبثقل لا تكاد معه ترفعه لأكثر من ثوانٍ عدة.. ظل يجبرها على رفعه والإبقاء عليه عالياً قدر الإمكان، ويستمر هذا التمرين لعدة ساعات مع فترات راحة قصيرة.. ولما تتذمر ججي وتبكي متألمة من تشنج ذراعيها الضعيفتين، كان مينار يخبرها بحزم أن التذمر والبكاء لن يفيدانها، وتضطر لخوض عقوبة مجددة بحمل السيف لساعة أو اثنتين من جديد.. لم تعلم ججي الهدف من هذا التمرين التافه، كل ما يهمها هو التلويح بالسيف الثقيل وضرب أعدائها الوهميين في مقتل.. فكان مينار يعلق وهو يتخلل لحيته الطويلة الشقراء بأصابعه "ستفعل يا جام.. ستفعل ذلك بالتأكيد لو أطعت كل ما أطلبه منك.. فلن يرضى قادور بأقل من ذلك منك.."
رفعت ججي السيف بذراعين ترتجفان وهي تقول بتذمر "متى ستسمح لي بقتال أعداءٍ حقيقيين؟"
ابتسم مينار بجانب فمه مجيباً "عندما يتجاوز طولك طولي.."
نظرت لمينار وهي تقيس طوله بعينيها، ثم زفرت وهي ترفع السيف بذراعٍ متعبة لتفاجأ به يسقط على رأسها فيضرب الخوذة التي تحمي رأسها بقوة، وبينما انحنت وهي تضع يدها على رأسها بألم، فإن مينار علق قائلاً "ألن تكفّ عن هذا العبث؟.. ما يزال أمامك بضع ساعات من التدريب المكثف، فلا تشغلني بأسئلتك العديدة هذه.."
لم تدرك ججي ما فائدة ذلك التدريب الذي أمضت شهوراً طويلة تقوم به، ولم تنتبه أن ساعدها أصبح أقوى ولو بشكل بسيط وأنها أصبحت أكثر قدرة على إبقاء السيف عالياً لبضع دقائق.. ومع ذلك، أصرّ مينار على الاستمرار في هذا التمرين بالإضافة لتمارين ركوب الخيل.. وبينما يتراكض الصبية عابثين في جوانب المخيم، فإن ججي تحمل سيفها عالياً بتعب وهي تكتم تذمراتها وتأوهاتها لئلا تحصل على عقوبة مضاعفة.. وفي كل ليلة، عندما تعود منهكة لتتناول عشاءها البسيط وتستلقي على فراشها في نومٍ أقرب للغيبوبة، فإن أمها تدلك ذراعيها وساقيها بمزيج الزيوت المهدئة وهي تدمدم بعيداً عن مسامع زوجها "ما الذي يظن ذلك الرجل أنه سيحققه مع فتاة في مثل عمرك؟.. إنه يهذي، وسيصبح عما قريب مثار سخرية جميع زعماء القبائل الأخرى.."
غمغمت ججي من بين عينيها المغلقتين "أنا لست فتاة.."
فقالت الأم بعصبية "ولستِ رجلاً كذلك.. كفاك أحلاماً بلهاء يا ابنتي.."
لكن ججي كانت قد غرقت في نومٍ عميق لن تستيقظ منه إلا فجر اليوم التالي لتبدأ نهارها بامتطاء ظهر أحد الأحصنة في جولة طويلة قبل أن تعود لتدريبات السيف المكثفة.. وبعد أن مضت شهور الشتاء القاسية، حيث غطّت طبقة من الثلج الخفيف السهول حولهم إلا مناطق قليلة فقط، وبعد أن تيبست يدا ججي وهي تمارس تمارينها في تلك البرودة القارسة، فإن مينار قادها في أحد الأيام قبل مغيب الشمس بقليل نحو مربط الخيول الواقع جنوبي المخيم حيث يحتفظ قادور بمجموعة من الخيول التي تخصه معزولة عما يملكه بقية رجال القبيلة.. وفي جانب المكان، وجدت ججي بعض المِهار الوليدة وهي تسعى خبباً في المكان وتصهل بأصواتها الضعيفة..
وقفت ججي تتأمل المِهار، بينما اقترب مينار من البوابة الخشبية القصيرة التي تحجز الموقع عن بقية الخيول، ففتحه وقال لها "منذ اليوم، ستختار أحد تلك المِهار ليكون خاصاً بك.. لقد أوصى قادور بأن تختار مهراً وتتولي العناية به بنفسك منذ اليوم وحتى تتمكن من امتطائه عندما يشتدّ عوده.."
تلألأت عينا ججي بانفعال وأسرعت تتبع مينار الذي أغلق البوابة الخشبية خلفه.. وقفت ججي وسط الموقع تتأمل المِهار بفضول وحماس وهي تراقبها وتتأمل ملامحها الانسيابية وعرفها القصير وألوانها المتباينة.. تقدمت خطوات في المكان وهي تقلب بصرها يميناً ويساراً، وكلما حاولت التقدم من أحد تلك المهار وجدت بعضها يتراجع خطوات مبتعداً عنها وبعضها يفرّ هارباً لعدم اعتياده عليها.. وأخيراً، استرعى انتباهها مهرة جميلة وصغيرة مقارنة بالآخرين، بلون رمادي مبقع كنمش يغزو جسدها كله، وغمّست أطرافها بلون أبيض، بينما غطت أنفها بقعة بيضاء حتى ما بين عينيها.. وعلى عنقها، انتصب عرفها القصير أشهب اللون بشكل استرعى انتباه ججي بشدة وهي تقترب بحـذر من المهرة التي تراجعت خطوة وهي ترمق ججي بعينين سوداوين جميلتين..
اقتربت ججي من المهرة وربتت على أنفها بلطف، ومسحت جانب عنقها وعرفها بشغف شديد بينما بدأت المهرة تتجاوب معها بشيء من التردد.. أخيراً، التفتت ججي لمينار الذي كان يراقبها عن كثب وقالت بلهفة "هل أستطيع الحصول على هذه؟"
أجابها مينار "طبعاً.."
فقالت ججي بحماس "إذن ستكون هذه ملكي.. سأسميها الغبراء.. ألا يليق بها هذا الاسم؟"
هز مينار رأسه مبتسماً، ثم اقترب من المهرة ومسح على رأسها وعنقها قائلاً لججي "عليك أن تعتني بها منذ اليوم، وتواضب على ذلك بشكل يومي دون أي تقاعس.. وبعد أن يشتدّ عود المهرة، سيمكنك امتطاؤها ومرافقتها في تدريباتك اليومية.."
تألق وجه ججي بسعادة وهي تراقب المهرة الصغيرة، وهمست وهي تمسح على أنفها "سنكون معاً دائماً يا مهرتي.. أليس هذا خبراً سعيداً؟"
فقال مينار "تعالَ معي.. سأريك ما عليك فعله كل يوم.. ولن أكون معك لأراقبك، لذلك عليك أن تهتم بهذه المهرة وحيداً كل صباح ومساء منذ اليوم.."
لم تعترض ججي وهي تتبعه بلهفة.. هذا على الأقل أمر ستستمتع بالقيام به ولن تتوانى عنه في أي يوم.. وهذا يضيف بعض المتعة لتدريباتها وأعمالها اليومية التي تتكرر بشكل مضجر..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 04-01-16, 07:54 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

ملحوظة صغيرة:
بعض الصور التي سأستخدمها في نهاية كل فصل هي من مانجا يابانية اسمها (Otoyomegatari) وهي تعني A Bride's Story
هي تتحدث عن قرى وقبائل تعيش وسط آسيا، لذا ارتأيت أن الكثير من جوانبها تشابه عالم الأكاشي
وستفيد الصور في توضيح حياة الأكاشي ومعيشتهم بشكل أكبر..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 04-01-16, 12:08 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

مرحبا وعودا حميدا عزيزتي خيال


سعيدة بعودتك

لم اقرأها بعد

واعذريني ربما اتأخر قليلا بسبب انتقالي لبلد آخر وعدم استقراري هذه الفترة

ولكن انا حاضرة ﻷي تعديل او اضافة روابط للفصول

ارجو ان تراسليني او تضعي تنبيه هنا وسألبي اي طلب استطيعه إن شاء الله

تقبلي مروري وخالص ودي

«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 04-01-16, 06:02 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

شاكرة لك اهتمامك بي وكلماتك الجميلة يا عزيزتي مايا
أتفهم وضعك، ولا أريد أن أثقل عليك
يمكنك وضع روابط الفصول في المقدمة عند انتهاء الرواية كاملة فقط
وحتى انتهائها، أتمنى أن تجدي متسعاً من الوقت لقراءتها والاستمتاع بها
دمتي بخير حتى ذلك الوقت يا عزيزتي

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:45 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية