لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-16, 04:46 PM   المشاركة رقم: 66
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

ربما من المفترض أن تكون ججي سعيدة بهذه النهاية
لكن نصرها الذي لم تتوقعه بتاتاً، رغم إصرارها عليه، قد أثار في نفسها جروحاً كانت تداريها عن الآخرين
لكن لكي تزول تلك الجروح وتبرأ، عليها أن تنفس عن تلك المشاعر ولو لمرة واحدة
فهي تظل امرأة مهما كانت تنكر ذلك
أتمنى أن تستمتعي بالقادم من الفصول يا عزيزتي..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 17-01-16, 01:59 PM   المشاركة رقم: 67
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الخامس عشر {عهد جديد}


في اليوم التالي، في أول يوم لججي كزعيمة لقبيلة (أبناء الذئاب)، خرجت من خيمة أبيها، أو ما بقي منها، ووقفت تتأمل جوانب المخيم الذي بقي على دماره منذ تلك الليلة.. رغم تخلص الرجال من الجثث التي ملأت جوانبه، لكن لا تزال بقع الدماء متناثرة في أماكن كثيرة ورائحة الدماء تزكم الأنوف.. سارت ججي عدة خطوات حتى وصلت لمنتصف الساحة وسط المخيم، وجلست في الموضع ذاته الذي شغله قادور سنواتٍ طوال منذ وعت الدنيا وبدأت تراقبه باهتمام وشغف.. ظلت ججي صامتة وهي تجذب نفساً عميقاً، ثم زفرت بقوة وهي تستشعر هيبة الموقع الذي تجلس فيه، وتستشعر وجود أبيها الذي لطالما سُمعت أوامره الحازمة من هذا المكان..
رأت بضع رجال من الأكبر عمراً في القبيلة وهم يجلسون جوارها بصمت دون أن يبدو الامتعاض على وجوههم كما كانت تتوقع، بينما رأت جماعة من الرجال وقفت في جانب الساحة دون أن يحاول أحدهم إخفاء استيائه.. لكنها اكتفت بما تراه أمامها وهي موقنة أنها لن تحصل على رضى القبيلة كاملة.. لكن، على الأقل، لم يحاول أحدهم الهجوم عليها في الساعات القليلة الماضية.. وهذه بشارة سارة لها بالتأكيد..
سمعت أحد الرجال القريبين يقول لها "والآن، ما الذي ستفعله يا جام؟.."
تلفتت حولها في المخيم المدمر، وقالت "علينا البدء بنقل المخيم لموقع آخر أكثر أمناً.. سأذهب اليوم مع الرجال لتحديد الموضع الجديد لمخيمنا، وبعدها سنبدأ نقل الخيم والمتاع إلى ذلك الموقع وإنشاء مخيم جديد.. لو هطل الثلج من جديد، فسيصبح موقفنا أكثر حرجاً ونصف قبيلتنا تقضي الليل في العراء.."
عاد الرجل يقول "وماذا بعد ذلك؟.. أنت مدرك أن الملك العربي لن يتوقف عن محاولة غزو السهول مهما جرى لجيوشه.. ونحن ما عدنا نملك ما يكفي من الرجال لصدّ ذلك الهجوم بعد المعركتين الأخيرتين.. فما الذي سنفعله لو فوجئنا بهجوم جديد للملك قبل انقضاء هذا الشتاء؟.."
قلّبت ججي بصرها في الوجوه من حولها.. كانت مدركة لهذا الخطر القائم على القبيلة، لكنها لا تملك حلولاً سحرية لتخليصهم من هذا الهمّ بشكل نهائي.. فقالت لمن حولها "بمَ تشيرون عليّ؟.. أنتم أكثر خبرة مني في هذا المجال، ورأيكم يهمني بالتأكيد.."
تبادل الرجال النظرات الصامتة، وبدا لها أن الثقة التي وضعتها فيهم قد أعجبتهم ولو لوهلة.. ثم قال أحدهم "سيكون من المفيد أن نستزيد من الأسلحة والدروع.. فقد خسرنا الكثير بالفعل في هذه الحرب.."
صمتت ججي دون تعليق بينما قال آخر "رأيي أن نخاطب القبائل الأخرى.. وربما قبيلة طاغار بالتحديد.. فهم قد يمدّون لنا يد العون لو هددنا الجيش العربي بهجوم جديد.."
فقالت ججي "هذا رأي مناسب.. أظن أن طاغار قد يتمكن من تحريك القبائل لصدّ مثل هذا الهجوم كما حدث في المرة الأولى.."
قال آخر بضيق "ألن يظهرنا هذا بمظهر الضعيف ويغري بقية القبائل بالهجوم علينا؟.. قد يجدها أعداؤنا فرصة للقضاء علينا قبل أن نستعيد قوانا بشكل تام.."
أسرعت ججي تقول "لن نطلب عوناً من أحد، ولن نوحي لطاغار وغيره من زعماء القبائل أننا بحاجة لمساعدتهم.. ليس في الوقت الحالي على الأقل.."
تساءل الرجل القريب منها "ما الرأي إذاً؟.."
أجابت "سأتوجه إلى طاغار، وأبلغه بكل ما جرى لنا في تلك الليلة.. سأبلغه أن ذلك الهجوم قد لا يكون الأخير، وأننا يجب أن نتكاتف من جديد لصدّه.. وبناءً على رده علينا، سنعرف إن كنا نستطيع اللجوء لعونة في حالة تكرار مثل ذلك الهجوم أم أن علينا الاتكال على أنفسنا دون الحاجة لعون أحد.."
لم يعترض أي الرجال وججي تضيف "سأذهب برفقة رجلين إلى قبيلة طاغار منذ الغد.. وسأحاول العودة بأسرع ما يمكنني.."
قال الرجل الأكبر سناً "لا.. رحيلك برفقة رجلين فقط هو تقليل من شأنك.. عليك اصطحاب فرقة لا تقل عن سبع أو عشر رجال.. وإلا لن يأخذك رجال القبائل الأخرى على محمل الجد.."
فقالت ججي "لا بأس.. لم أكن أرغب باصطحاب الرجال لكي لا ينشغلوا عن العمل على تجديد المخيم.. لكن لا يمكنني ألا آخذ رأيك على محمل الجد كذلك.."
ثم نهضت قائلة "سأذهب لمعاينة الموقع الجديد لمخيمنا.. وبعدها، فليبدأ الرجال والنساء بنقل كل ما يمكن نقله من هذا الموقع.. كلما أنهينا العمل أسرع، كلما كان ذلك أفضل بالتأكيد.."
هز الرجال رؤوسهم دون اعتراض.. فاستدارت ججي لتنطلق في مهمتها تلك على ظهر الغبراء دون إبطاء.. وفي وقت لاحق من هذا اليوم، وبينما كانت ججي تذرع السهول في موقع بعيد من القبيلة متفحصة المكان، قال كين القريب منها بإصرار "سأرحل معك.."
تساءلت وهي تشدّ لجام الغبراء لتديرها في الموقع "لمَ؟.."
أجاب "لأنك متسرعة، ولا تقدّرين عواقب أفعالك بتاتاً.. أنا متأكد أنك لن تتواني عن خوض معركة ضد أي مهاجمين يعترضون طريقك.."
نظرت له متعجبة وتساءلت "وما العيب في ذلك؟"
قال بغيظ "ألا تدركين أنك لا يجب أن تندفعي في أي قتال بعد الآن؟.. أنت زعيمة هذه القبيلة، وخوضك أي معركة قد يستهدف حياتك.. لن يتمكن الرجال من حمايتك وأنت وسط الخطر.."
نظرت له بصمت للحظات، ثم أدارت وجهها جانباً قائلة "أنت لا تثق بالرجال الذين سيصاحبونني.. أليس كذلك؟.."
أجاب كين بضيق "بالطبع.. لازلتِ حديثة عهد بالزعامة، ولا يمكنك أن تثقي ثقة مطلقة برجالك بعد.. كما تعلمين، فأنتِ حالة خاصة في تاريخ الأكاشي.. وسيتطلب الأمر جهداً ووقتاً قبل أن تتمكني من السيطرة على قبيلتك سيطرة محكمة.."
لم تعترض ججي رغم أن قوله لم يعجبها.. هو ليس مجرد انعدام ثقة بالرجال من حولها، بل هو انعدام ثقة بقدرتها على تفادي أي اغتيال قد يقوم به الرجال في هذه الرحلة.. وهو أمرٌ لم يسرّها أن تسمعه من كين.. ثم سمعت مينار الذي اقترب منهما على ظهر حصانه يقول "وأنا مع كين في هذا.. لا يجب أن تأمني رجال القبيلة بعد، ولا بدّ أنك بحاجة لشخص تثقين به ليكون جوارك في كل وقت.."
نظرا إليه وهو يضيف "سآتي أنا أيضاً معك.. لابد أنك ستحتاجين لبعض العون لإقناع رجال قبيلة طاغار بأخذك على محمل الجد.."
غمغمت ججي "كنت أنوي جعلك تستلم أمور القبيلة أثناء غيابي يا مينار.."
لم يعلق مينار على هذا وهو يشير للموقع حولهما قائلاً "هذا موقعٌ مناسب جداً.. أليس كذلك؟.. هناك بئرٌ قديمة في المكان، وهي غزيرة المياه بالفعل ولا تزال تحتفظ بدفء الأرض في هذا الجو القارس.. كما أن الموقع فسيح بحيث يمنحنا رؤية جيدة لما حولنا لئلا نؤخذ على غفلة منا.."
تأملت ججي الموقع حولها دون اعتراض وغمغمت "بلى.. هذا المكان رائعٌ بالفعل.."
وزفرت وهي تدير أمر هذه الرحلة التي توشك على القيام بها في ذهنها.. لقد تجاوز الأمر إقناع رجال القبيلة بزعامتها عليهم.. عليها الآن أن تواجه القبائل الأخرى وتثبت نفسها كزعيم قادرٍ ومؤهلٍ لقيادة قبيلته.. عليها أن تحصل على احترامهم، وإلا لن تتمكن من الثبات في موقعها لوقت طويل.. والأسوأ أن هذا حدث قبل أن تتمكن من الثقة بولاء رجال قبيلتها لها بشكل تام ونهائي..

************************

في هذا اليوم، انشغلت تينا بعملها تماماً في الخيمة الخاصة بتبريق.. لقد علمت أن المخيم سينتقل لموقع جديد، لذا بدأت استعداداتها لهذا الأمر منذ استيقظت فجراً.. بدأت تجمع ما نجا من صناديقها وأغراضها المنزلية البسيطة، وقامت بطيّ الفرش والسجاجيد قرب مدخل الخيمة استعداداً لحملها نحو الموقع الجديد.. ولم تنسَ المفارش والملابس التي قضت سنواتٍ من عمرها في تطريزها بكل عناية وحب، لتجد أن الكثير منها قد ناله الدمار الذي حلّ بجانب الخيمة، وما نجا منه بدا بحالة مزرية لا تسر العين..
شغلت تينا نفسها بعملها تماماً لتتفادى أي حديث مع تبريق، وهي تخشى تلك المواجهة معه بعد أن رآها تتحدث مع كين في الليلة الماضية.. إنها لا تنسى غضبه واعتراضه في صبيحة زواجهما عندما حاولت إقناعه بألا يتدخل في أي أمر يخصها.. وقد حدد كين بالتحديد كسبب لهذا الغضب.. فما الذي سيفعله الآن وقد تجاهلت تحذيره ذاك؟..
وعندما رأته يقترب منها، عندما كانت تنفض ملابسها التي تبعثرت وتعيدها للصناديق المزخرفة، غلبها شيء من التوجس والذعر وهي تدير وجهها جانباً وتشغل نفسها بما تفعله.. تمنّت أن يرى انشغالها ويعزف عن الحديث معها، لكنه تقدم منها أكثر بصمت مما أثار رجفة واضحة في جسدها.. لا تدري سبب هذا الذعر الذي اعتراها، لكن شعورها بأنها قد فقدت والديها وأن أحداً لن يقف في وجه تبريق مهما تعامل معها بقسوة كان شعوراً قاسياً سبب لها خوفاً واضحاً..
توقف تبريق للحظة وهو يرى رجفة جسدها الواضحة، ثم قطب بشيء من الاستياء وقال "أأنت خائفة مني؟"
لم تجبه أو تنظر إليه وهي مستمرة بعملها، فوجدته يقترب حتى وقف قربها متسائلاً بضيق "ما الذي تظنين أنني سأفعله ليغمرك هذا الخوف مني؟"
نظرت له بتردد، ثم غمغمت برجفة واضحة وهي تدير وجهها جانباً "ستفعل ما يفعله كل رجال الأكاشي عندما يستبد بهم الغضب.. ولا أظنك تخشى اعتراض أحد على ما قد تفعله بي الآن.."
قال باستياء أكبر "ولمَ ظننت أنني سأفعل ذلك؟.. أأنت مقتنعة أنني سأستغل غياب أبيك لأعاملك بكل دونيّة؟.. لستُ من هذا النوع أبداً.. ثم ما الذي هيأ لك أنني غاضب بالفعل؟"
نظرت له بصمت وشيء من الحيرة، ثم قالت بتردد "ألستَ غاضباً لحديثي مع كين البارحة؟"
قال مشيحاً بوجهه "لو كنت غاضباً، لقمت بلكمه هو.. لكني لا أستطيع إيذاء امرأة بأي صورة كانت، ولا أستطيع أن أؤذيك أنت بالذات.."
تساءلت بدهشة "لماذا؟.. أليس ذلك طبيعياً بين رجال الأكاشي؟.."
قال تبريق "ربما.. لكنه ليس أمراً مقبولاً عندي أنا.."
ظلت تنظر له بدهشة متزايدة حتى سببت له الحنق وهو يقول "ماذا؟.. هل تستنكرين قولي هذا أم تكذبينه؟"
غمغمت بدهشة "لا.. لكني لم أتوقع أن أسمع قولاً كهذا من رجل من الأكاشي.."
فقال باستياء "وهل الأكاشي بهذا السوء في نظرك؟"
أدارت بصرها جانباً قائلة "بل هم أسوأ.."
صمت تبريق وهو يتأمل ملامحها التي لا يكاد يراها إلا واجمة أو غاضبة، ورؤية خوفها منه الآن قد أربكه بقدر ما سبب له من ضيق لنظرتها تلك له.. مد يده وأزاح خصلات شعرها عن جانب وجهها برفق، ولما التقت عيناها بعينيه، قال بجدية "كما قلت لك سابقاً، أنا مستعد لإطلاق سراحك متى ما شئتِ.. سأبقيك معي لو رغبتِ بذلك، وسأطلقك متى ما طلبتِ مني ذلك.. ضعي هذا في ذهنك دائماً يا تينا.."
غمغمت بغير تصديق "هل أنت واثق من هذا؟.. هل يسعدك هذا حقاً؟"
قال تبريق "لستُ أبحث عن سعادتي في هذه اللحظات.."
فقالت بعد تردد "وهل ستتنازل عني بهذه السهولة؟.. ألم تعلن تشبثك بي بكل عناد في السابق؟"
حاول تبريق استقراء ملامحها ومعرفة ما تعنيه بهذا السؤال، لكنها كانت تنظر له بصمت بانتظار جوابه.. فقال "وقد أدركت خطأ ما فعلته بك الآن.. فكيف أصرّ على الخطأ بعد هذا؟.."
ونهض مغادراً الخيمة فيما شدّت تينا قبضتيها على الثوب الذي تمسكه، وغمغمت بحيرة "أهذا مقدار الحب الذي ادّعيت أنك تكنّه لي؟.. هل تلاشى بهذه السرعة؟.."
لم تستطع تينا تفسير ما شعرت به في تلك اللحظات.. كانت في السابق تتمنى الفكاك من زواجها هذا، وتتمنى العودة لكين الذي كان يمثل حلماً طالما حلمت به.. لكن ذلك الحلم تبخر بسرعة، وكلما رأت كين مع ججي ورأت اهتمامه بها، شعرت أن حبها له يتلاشى ويخفت دون أن تدرك سبب ذلك.. أكانت تحبه لأنها ظنت أنه يبادلها الحب؟.. أم أن حبه لججي قد أشعرها بأنها لا تستحقه ولا تستحق اهتمامه؟..
والآن، رغم أن إعلان تبريق إطلاق سراحها يجب أن يثير في نفسها بهجة وسروراً، لكن كل ما تحسّ به هو الكآبة التي لا تدري سببها.. ما الذي تبغيه حقاً من حياتها هذه؟.. ما عادت تدري في تلك اللحظات..

************************

بعد رحلة لم تكد تتجاوز الأربعة أيام، أشرفت الفرقة الصغيرة المكونة من سبعة رجال بالإضافة لججي على مخيم طاغار الذي يحتل بقعة واسعة يصعب إغفالها.. ولما تأملت ججي المخيم بحماس واضح، قال أحد الرجال المرافقين لها "ما كان الداعي للترحال بهذه السرعة دون راحة إلا أقل القليل؟.. لسنا بعجلة من أمرنا حقاً.. والخيول قد أصبحت منهكة بشكل كبير.."
قالت ججي "لا يمكنني ترك قبيلتنا لوقت طويل، فلا ندري ما قد يجري لها أثناء غيابنا.. لذلك أفضّل الذهاب والعودة بأسرع ما يمكنني.."
لم يجادلها الرجل مقتنعاً بهذا المنطق، بينما قال مينار القريب "لننطلق الآن.. لو أنهينا مهمتنا بسرعة، فسنتمكن من العودة للقبيلة منذ الغد.."
لكزت ججي فرسها متقدمة من المخيم يتبعها بقية الرجال، بينما اعترض مينار بحصانه طريق كين الذي كان يقف صامتاً.. وإزاء نظرة كين المتسائلة، قال مينار "أنا أعلم أنك تملك عقلاً راجحاً يا كين، وأعلم أنك لن تتردد في مساعدة جام متى ما احتاج لعقلك هذا.."
قال كين بدهشة "ما الذي تقصده بهذا القول يا مينار؟.."
نظر مينار للرجال الذين ابتعدوا عن موقعهما، ثم قال "أريد منك أن تلتزم الصمت طوال بقائك في حضرة رجال هذه القبيلة، ولا تتحدث ما لم يوجّه إليك أي سؤال.."
نظر كين بدهشة متزايدة وضيق لمينار، لكن مينار استدرك قائلاً "لو تدخّلت في الحديث كعادتك وأبديت رأيك معارضاً أمراً من جام، فسيبدو أمام أولئك الرجال بمظهر الضعيف الذي لا يثق رجاله بكلمة منه.. كما أنني لا أريد أن تتعرض لأي مكروه بسبب أمرٍ ستقوله دون تقدير.. لا تدري ما الذي قد يبيّته الآخرون لك.."
غمغم كين "لا تقلق.. لن أفعل ذلك قطعاً.."
ولكز حصانه ليتبع الآخرين ومينار يلحقه.. وخلال وقت قصير، كانت الفرقة تتجاوز خيام المخيم بسرعة متوسطة دون أن يغيب عن عيني ججي النظرات التي يلقيها أفراد القبيلة عليها.. كانت قد لاحظت نظرات مشابهة في المرة السابقة التي أتت فيها لهذا المكان مع أبيها، لكن هذه النظرات الآن كانت أكثر حدة وانفعالاً.. لكنها لم تعبأ للأمر كعادتها وهي تصل لساحة القبيلة، فتترجل عن الغبراء يتبعها بقية الرجال.. وعلى الفور، لاحظت المجموعة اقتراب أحد الرجال منهم بتساؤل واضح، فتقدمت ججي قائلة "أريد مقابلة الزعيم طاغار.. لديّ أمر مهم أريد الحديث عنه معه.."
التفت الرجل إلى مينار القريب بتجاهل واضح لججي وهو يتساءل "ما الذي جاء بكم لقبيلتنا؟.. أهو بخصوص الهجوم عليكم من سفن الملك العربي؟.."
لم تُظهر ججي غضباً لتجاهل الرجل لها، بينما قال مينار بصرامة "جام هو زعيم قبيلة (أبناء الذئاب) بموافقة رجال القبيلة كلهم.. وتجاهلك لما يقوله قد يؤثر على العلاقات بين القبيلتين.."
نظر الرجل لججي بضيق، ثم عاد لمينار قائلاً باستنكار "حقاً؟.. هل رضي رجال القبيلة بتولية......."
قاطعه مينار قائلاً بحدة "ما يجري في قبيلتنا لا يخصّ أحداً غيرهم.. ونحن لم نأتِ لاستشارتك أو للحديث معك يا هذا.."
نظر الرجل بغضب لمينار، بينما تقدمت ججي قائلة "نريد رؤية طاغار.. أبلغه بذلك رجاءً، وله الخيار في قبول ذلك أو رفضه.."
لم يستطع الرجل مناقشة ذلك أو رفضه، فاستدار مغمغماً "انتظروا هنا.."
وتوجه إلى خيمة طاغار بينما ظلت ججي واقفة مع مينار الذي قال "أرأيت؟.. لهذا السبب كنت مصراً على القدوم معك.. ستحتاج لبعض الوقت لنيل ثقة بقية زعماء القبائل.. وسيكون الأمر أصعب من نيل ثقة رجال قبيلتنا بالفعل.."
غمغمت ججي "لا بأس.. لا يخيفني ذلك بتاتاً.."
عاد الرجل بعد لحظات قائلاً بجفاء "سيقابلكم الزعيم الآن.. اتبعوني.."
سارت ججي خلفه ومعها مينار وكين، بينما تأخر البقية بانتظار عودتهم.. دلفت ججي خيمة طاغار، لتجده في مجلسه وسط الخيمة وبين رجاله.. كانت ججي قد لمحت طاغار من باب خيمته في المرة السابقة التي أتت لرؤيته مع أبيها، وقد أدركت أن السنوات الماضية لم تكن رفيقة به جداً.. فهو قد بدا واهناً بشدة حتى أصبح لا يقدر على السير بمفرده إنما يتم حمله حملاً على سواعد رجاله.. ورغم أن بصره قد خفت بشكل كبير لكنه لا يزال قادراً على رؤية ما حوله بشكل جزئي.. ورغم كل الضعف البادي عليه، لكن ججي تعجبت أن رجال قبيلته متشبثون به حتى الآن ولم يحاول أحدهم إطاحته بعد.. لابد أن طاغار يحظى باحترامهم وولائهم العميق، وهو أمر غبطته عليه بشدة في تلك اللحظات..
جلست ججي حول النار بإشارة من طاغار الذي قال "من كان يتخيل أن تأتِ إليّ يا جام وقد أصبحت زعيماً لقبيلتك؟!.. هذا أمرٌ لم أتخيله في حياتي.."
علق أحد رجال طاغار بعبوس "لا أدري ما دها رجال تلك القبيلة ليسلّموا أمرهم لامرأة.. هذا حمق.."
تجاهلته ججي بينما نظر له مينار نظرة تحذير من التطاول على زعيمهم، فيما قال طاغار بهدوء "أنا لم أظهر استنكاري للأمر يا راك.. بل أبديت عجبي وربما إعجابي للأمر.."
ازداد العبوس على وجه المدعو راك، بينما ابتسمت ججي بشيء من الراحة لقول طاغار الذي بيّن لها أنه لن يرفضها أو يرفض أي أمر تقوله فقط لأنها امرأة.. ثم سمعته يضيف "كيف تمكنت من إقناع قبيلتك بهذا الأمر؟.. أود معرفة ذلك.."
قالت ججي "هناك أمرٌ أكثر أهمية جئت للحديث عنه يا سيدي.. وهو يستدعي منا تحركاً عاجلاً وتخطيطاً منظماً لتجاوزه.."
قال طاغار بهدوء "أتعني هجوم السفن على مخيمكم؟.."
ازداد تعجب ججي لمعرفة هذه القبيلة بالمعركة التي لم يمضِ عليها الكثير، فتساءلت "كيف علمتم بذلك بهذه السرعة؟.."
قال طاغار "مثل هذه الأخبار لا يمكن إخفاؤها.."
لم تعلق ججي على قوله وطاغار يضيف "في الواقع، لقد وصلتنا عدة أنباء من قبائل أخرى تسكن على الساحل تخبرنا بهجوم من عدة سفن للملك العربي على مخيماتها.. وبما أن مخيمكم على الساحل أيضاً، خمّنت أنكم قد تتعرضون للهجوم نفسه قبل أن تصلني أخباركم بالفعل.."
غمرت الصدمة ججي ومن معها لمثل هذه الأخبار، بعد أن كان ظنهم يجزم بأن الهجوم تركز على قبيلتهم فحسب.. فتساءل مينار "كم قبيلة تعرضت للهجوم غيرنا؟.."
أجاب راك "أربع قبائل، وأنتم القبيلة الخامسة.."
قالت ججي بقلق "هذا هجوم شامل وليس مجرد انتقام لما جرى منذ ست سنوات.. وما الذي جرى لتلك القبائل؟.."
قال طاغار هازاً رأسه "لم تكن الأخبار التي وصلتني سعيدة بتاتاً.. قبيلة (المِجَنّ) قد دمّر مخيمها تدميراً تاماً وتشتت رجالها لكونهم الأقرب في مسار السفن.. قبيلتا (المخلب الأسود) و(عين النسر) قد أصيبتا بأضرار وخيمة، لكنهم تراجعوا مبتعدين عن قصف المدافع تاركين مخيمهم ليعسكر فيه جنود الملك.. أما قبيلة (أبناء الضباع) فقد تمكنت من الخلاص من الهجوم بحرق مخيمها على من فيه من الجنود بالإضافة لحرق السفن التي اقتربت كثيراً من الساحل بسهام مشتعلة.."
غمغمت ججي بتفكير "هذا الهجوم الكثيف يعني أن الملك العربي ينوي الهجوم على الأكاشي من أكثر من موقع.. يبدو أنه يريد تفادي الهزيمة التي لحقت بجيشه السابق، لذلك يريد تشتيتنا بهذه الصورة ومنعنا من الانضمام في جيش واحد ومقاومته بقوة.."
علق طاغار قائلاً "هذا تحليل مشابه لما استنتجته من مثل هذه الأخبار.."
ثم قال باهتمام "والآن، ألن تخبرني بالوسيلة التي استخدمها رجالك للخلاص من هجوم تلك السفن؟.."
لم تجد ججي بداً من الحديث عن المعركة التي خاضتها القبيلة منذ عهد قريب.. وبعد أن أنهت شرحها المفصل لجوانب خطتهم تلك، قال طاغار وهو يمسد لحيته الطويلة "رائع.. تلك خطة مذهلة بالفعل.. جيد أنكم استغللتم جهل الأكاشي بالبحر لمفاجأة عدوكم من حيث لا يحتسب.. أكانت تلك خطتك أنت يا جام؟"
قالت ججي بثبات "أجل.. بهذه الطريقة اقتنع رجال القبيلة أنني مؤهل لاستلام الزعامة وأنني كفٌء لها.."
ظل طاغار صامتاً للحظة دون تعليق، فقطعت ججي الصمت قائلة "ما الذي تنوي فعله الآن بخصوص هذا الهجوم الذي باغتنا به الملك العربي؟.."
قلب طاغار كفيه مجيباً "وما الذي يمكنني فعله؟.. لن أتخذ أي تصرف في الوقت الحالي.."
نظرت له ججي بصدمة بينما انبرى مينار قائلاً "لكن، هل يمكنكم الصمت على هذا التعدي السافر على سهولنا؟.. نحن لن نكون الوحيدين المتضررين من مثل هذا الهجوم.. فسيصل الجيش إلى مخيمكم هذا وإلى باقي القبائل، وتواجهون الخطر ذاته الذي واجهناه.."
فقال طاغار بابتسامة "أدرك ذلك طبعاً.. هل تعدّني أحمقاً؟.."
غمغمت ججي بحيرة "إذن.. لمَ.....؟"
أجاب "نحن في بداية الشتاء.. الثلج قد هطل في مواقع كثيرة من هذه السهول، وأغلب القبائل تمتنع عن التحرك والترحال في هذا الجو شديد القسوة.. لا أظن جيوش الملك العربي، والتي أتت من جو أدفأ من هذا بكثير، ستقدر على مواصلة هجومها في مثل هذه الظروف.. لابد أنها ستنتظر في مواقعها حتى ذوبان الثلج، وعندها يمكنها أن تواصل مهمتها بسهولة أكثر.."
عندها قالت ججي بحماس "إذن هي فرصتنا للقضاء عليها مادامت عاجزة عن الحركة.. فلنفاجئهم بهجوم قوي ونتخلص منهم للمرة الأخيرة.."
مسّد طاغار لحيته كعادته وهو يغمغم "لا أظن الأكاشي يفضلون القيام بهجوم على أعدائهم في مثل هذا الجو.. ستضطرون للبقاء في العراء أثناء الإعداد لهذا الهجوم، وسيكون هذا في غير صالحنا بالتأكيد كما أنه سيضعف عزائم الرجال.."
صمتت ججي وهي عاقدة ذراعيها بتفكير.. بينما أضاف طاغار "سأبلغ القبائل القريبة برأيي هذا، وسأنصحهم بأن يقوموا بالهجوم على معسكرات الجنود فور ذوبان الثلوج.."
قالت ججي باعتراض "ما لم يكن الأمر منظّماً وبتوقيت متقارب، فسيكون الأمر في غير صالحنا.. ستتخذ المعسكرات التي لم تواجه بأي هجوم حذرها فور أن يصلها خبر استهداف أحد معسكراتها الأخرى.."
قال طاغار بهدوء "لا أعارض ما تقوله يا جام، لكن هذا كل ما يمكنني فعله.. حتى الآن، يمكنك اعتبار هذه الاعتداءات فردية، وستتعامل كل قبيلة مع الهجوم الذي واجهته بنفسها كما نفعل عادة.."
قطبت ججي بضيق بينما أضاف طاغار "لا تحاول أن تكرر ما فعله قادور.. فالفارق بينك وبينه يساوي الفارق في النتائج.. ولو أطاعت القبائل قادور بإيعاز مني، فذلك لأنهم لم يجدوا حرجاً في اتّباعه في تلك الحرب.. أما أنت، فشأنٌ آخر بالتأكيد.."
لم تستطع الاعتراض على هذا القول وهي تدرك أنه لا يقصد التقليل من شأنها.. عندها قالت "أرجو أن نبقى على تواصلٍ فيما يخص هذا الأمر طوال الوقت.. وسأبلغك بأي تحركات أشهدها للملك العربي في الأنحاء القريبة من مخيم قبيلتنا.."
هز طاغار رأسه موافقاً، ثم قال موجهاً حديثه لمينار وكين "أريد الحديث مع جام على انفراد.. فهل تسمحان لي بذلك؟.."
لم يعترض أحدهما وهما يغادران الخيمة وقد سبقهما بقية رجال قبيلة طاغار، لتبقى ججي جالسة مع طاغار وحيدة في الخيمة.. عندها قال لها "لقد آلمني خبر موت قادور عندما وصلني.. لقد كان رجلاً عظيماً وقائداً بارعاً بنظرة ثاقبة.. ولا أنسى له مساهمته في صدّ جيش الملك العربي الذي كاد يجتاح السهول قبل ست سنوات.."
خفضت ججي بصرها بصمت تقديراً لكلمات طاغار، وسمعته يضيف "لطالما أعجبت به وبآرائه.. ورغم اختلافي العميق مع رأيه بتنشئتك كرجل، لكني الآن لا يسعني إلا أن أسلّم بما فعله وأبدي إعجابي بصحة توقعاته حتى الآن.."
فقالت ججي "لم أكن لأصل لما وصلت إليه لولا جهود أبي.. وسأظل أذكر له وقوفه معي طوال السنوات الماضية.."
علق طاغار قائلاً "البقاء في هذا المنصب ليس سهلاً يا جام.. إنه يتطلب جهداً كبيراً، ولكن عليك بادئ ذي بدء أن تتخلص من خوفك من رجالك.. يجب ألا تخشاهم، ويجب ألا تظل خائفاً من اللحظة التي سيقفز أحدهم بخنجره نحو صدرك.. لو تخلصت من هذا الخوف، فستقدر على أن توجّه جهودك للعمل على تثبيت موقعك وإثبات أحقيتك بهذه الزعامة.."
هزت ججي رأسها موافقة وهي تقول "سأفعل ذلك بالتأكيد.."
فقال طاغار "لا أشك بقدرتك على ذلك.."
ساد الصمت للحظات وججي تفكر فيما قاله طاغار، ثم سمعته يقول "عندما وصلتني أنباء تغلبكم على السفن التي وصلت الخليج وهاجمت مخيمكم، انتابتني الدهشة لتمكنكم من ذلك رغم أن الأكاشي لا يقدرون على تجاوز العائق بينهم وبين السفن وهو البحر.. أكانت هذه خطة الكشميتي الذي يرافقك؟"
دهشت ججي لقول طاغار، رغم تأكيدها السابق بأن الخطة كانت خطتها هي.. لكن بدا أنها لا يمكن أن تفلت بكذبة مثل هذه أمام حدسه الصائب وخبرته الطويلة.. فتساءلت "كيف علمت بذلك؟"
ابتسم طاغار معلقاً "يمكنك أن تقول إنني أعرف الأكاشي حق المعرفة، وحفظت أساليبهم عن ظهر قلب.. ما فعلتموه لا يدلّ على أنه بتخطيط من الأكاشي.. لذلك زال تعجبي على الفور عندما رأيت ذلك الكشميتي الذي يرافقك.. وراودتني فكرة أنه قد يكون صاحب ذلك التخطيط.."
فقالت ججي "بلى.. تلك كانت خطته، وقد آتت ثمارها بالفعل.."
عندها قال طاغار بعد أن زالت ابتسامته "استمع إليّ يا جام.. كما قلت لك، سيكون صعباً عليك الاحتفاظ بالمنصب الذي حصلت عليه.. وستسعى بعض القبائل للإطاحة بك بكل ما تملك، رفضاً لهويتك التي يستنكرونها.. لكني لا أتمنى ذلك.. لم يعد لدي الكثير لأعيشه، وما عدت أتشبث بقوانين الأكاشي التي لا تتغير أو تتبدل مهما مرت عليها السنوات.. الأكاشي لا يعتدّون إلا بالقوة، لكن القوة ليس قوة الساعد والجسد فقط.. فمن يملك عقلاً قد يكون هو صاحب الكلمة الأخيرة بالفعل.."
قالت ججي "بمَ تنصحني إذاً؟.."
أجابها بحزم "احتفظ بأمر هذا الكشميتي سراً.. لا تدع أحداً يعلم أنه صاحب ذلك المخطط، وصاحب الفضل في نجاح معركتكم مع العدو.. لا أشك أن ذلك الكشميتي سيكون ذا فائدة جمّة لك منذ الآن لو أحسنت استغلال ذكائه، لكن لو علمت القبائل بأمره، فقد يلجأ أحدهم للتخلص منه لتجريدك من نقطة تفوقك على البقية.. وقد يكون هو وسيلتك الوحيدة لإثبات نفسك للجميع.."
قالت ججي بثبات "لا تقلق.. لن أفعل ذلك بتاتاً.. ولن أسمح لأحد بأن يصل إليه أبداً.."
فابتسم طاغار قائلاً "جيد.. أتطلع لرؤية ما سيجري بعد الآن.."
نهضت ججي بعد أن فرغ طاغار من حديثه، واستدارت مغادرة الخيمة لتقف عند بابها قائلة له "لمجرد العلم، ذلك الكشميتي اسمه كين.."
اتسعت ابتسامة طاغار بصمت، بينما غادرت ججي الخيمة عائدة لرفاقها.. بهذا، هي حصلت على دعم طاغار وقبيلته ومباركتهم.. الآن تشعر أنها ليست في موقف الضعيف الذي تهزه الرياح كيفما شاءت.. أصبحت أكثر ثباتاً وقوة، ومما لا شك به أن هناك العديد من القبائل ممن تتبع كل رأي لطاغار ولن تتردد في الانضمام إليه عندما تدعو الحاجة..

************************

أثناء رحلة العودة للمخيم الجديد، وبينما عسكرت المجموعة في إحدى الليالي وخلد أغلب أصحابها للنوم، اقتربت ججي من كين الذي جلس على مبعدة متدثراً بمعطف صوفي مبطن بالفرو، والذي لم يكفِ لتدفئته في هذه الليلة القارسة حيث كان يراقب في نوبة الحراسة الأولى.. فجلست قربه بصمت وهي تعبث بالأرض العشبية عند قدميها، فتساءل كين "ما الأمر؟.. منذ اجتماعك بطاغار وحيدة وأنت مهمومة بشكل واضح.."
قالت ججي زافرة "لست مهمومة، إنما أفكر فيما سنفعله في الأيام القادمة.."
علق كين "أمامنا عدة أيام من العمل الشاق لإعادة تعمير المخيم.. هناك الكثير من الموارد التي احترقت وتلفت، وعلينا التزود مما ينقصنا منها لمواجهة الشتاء الذي حلّ بقوة.."
قالت بضيق "فقط؟.. أنسيت أننا قد نكون على مشارف حرب جديدة؟.."
فقال كين "الأكاشي عادة لا يشغلون أنفسهم بأي حرب إلا عند وقوعها، فما الذي يمكنك فعله منذ الآن؟.."
غمغمت "لا أدري.. لكن لا أستطيع الصمت على هذا.."
والتفتت إلى كين قائلة "والحق يقال، لقد فاجأتَني بتلك الخطة المذهلة التي ساعدتنا على التخلص من الجنود المعسكرين في مخيمنا.. لن أنسى لك هذا قط يا كين.."
غمغم كين بدهشة واستغراب "ما الأمر؟.. من النادر أن أسمع منك شكراً.."
قالت بجدية "لأنك أسديت لي جميلاً لن أنساه لك قط.. لذلك كان يجب أن أشكرك بكلمات واضحة.."
ابتسم كين دون أن يخفت تعجبه، فيما أضافت ججي "وأريد أن أطلب منك أن تستمر بتزويدي بآرائك الراجحة وخططك البارعة في المستقبل أيضاً.."
قال كين بارتباك "ليس الأمر كما تصفينه، إنما كنت أحاول معاونتك صادقاً لأنني خشيت أن يقتلك رجال القبيلة.. لست أملك خبرة كافية في هذا المجال.."
قالت ججي وهي تمسك كتفه بقوة "بل يبدو لي واضحاً أنك تملك عقلية تتفوق علي في هذا الأمر.. حتى آراءك المتفرقة في المعارك التي خضناها قد كانت صحيحة في كل مرة.. لا يمكن أن يكون هذا مصادفة.. فهل ستعاونني في هذا الأمر يا كين؟.."
نظر لها كين بصمت، ثم غمغم "وهل يمكنني أن أرفض؟.."
ابتسمت ججي براحة، ثم ربتت على كتفه مضيفة "إذن سأعتمد عليك في هذا الأمر.."
هز كين رأسه موافقاً وهو يشعر بشيء من السوء لأنه قد لا يكون كما تتوقع ججي منه.. هو يمتلك خبرة ضئيلة من قراءاته السابقة عندما كان في كاشتار، وقد كان يهتم بقراءة التاريخ المفصل لمملكة كشميت والحروب التي خاضتها، كما أنه يفكر بطريقة تختلف عن تفكير الأكاشي.. لذلك تكون خططه مختلفة عن خطط الأكاشي المعتادة والتي تتخذ نهجاً مباشراً وواضحاً.. فهل هذا كافٍ لجعله مخطِّطاً حربياً بارعاً كما تصفه ججي؟..
سمعها تضيف "هناك أمر آخر.."
نظر لها باستفهام، فأضافت "لا يمكنك أبداً أن تخبر أحداً بأنك صاحب تلك الخطط.. سيبقى هذا سراً بيننا، ولن يعلم به إلا مينار وتبريق، فأنا أثق بهما.. عدا عن ذلك، لا يمكنك التصريح بهذا الأمر لأي مخلوق كان.. اتفقنا؟.."
انتاب كين شيء من الضيق وهو يعلق "أتخشين أن يستهين بك الأكاشي لو علموا أن تلك الخطط ليست لك؟.."
قالت بحزم "بل أخشى أن يستهدفوا حياتك يا كين.. يمكنهم أن يسعوا للخلاص منك لتجريدي من نقطة تفوق عليهم، وأنا لا أريد أن أتسبب بأي أذىً لك.. لذلك افعل ما أطلبه منك.."
كان ذلك أمراً أكثر منه طلباً، وبينما بدا الاستياء بوضوح على وجه كين للهجة التي حدثته بها، فإنها قالت "سأجعلك يدي اليمنى، فأنت كفؤٌ لهذا المنصب.. وهذا سيجعل لك مكانة عالية في القبيلة.. ألا يسعدك هذا؟.."
هز كين رأسه موافقاً بصمت، فربتت ججي على كتفه بقوة وسرور ظاهر على ملامحها، ثم نهضت مغادرة تاركة إياه لأفكاره.. هل هذا ما يسعى إليه حقاً؟.. لم يعد كين يدري ما يسعى إليه وما يريده وسط هذه الأحداث التي يفترض بها أن تكون بعيدة عن اهتماماته حقاً..
وفي اليوم التالي، وبينما سارت الفرقة الصغيرة عبر السهول في طريق العودة، اقترب مينار بحصانه من ججي وقال "ما الذي تنوي فعله الآن؟.."
قالت ججي ببساطة "لا شيء.. العودة للمخيم وتعميره.. هذا كل ما يهم الآن.."
علق مينار قائلاً "لا.. هناك ما هو أهم.. وهو توطيد أواصر العلاقات بين القبائل الموالية لنا ومعرفة موقفها منك بعد أن أصبحت زعيماً.."
تساءلت ججي "ولمَ عليّ فعل ذلك؟.. كلنا نعرف من يوالينا ومن يعادينا من قبائل الأكاشي.. فهناك قبيلة (المخلب الأسود) التي تتعارك معنا على المراعي القريبة من مخيمنا الشتوي ولا تنفكّ تخوض مناوشاتٍ دائمة مع رجالنا.. وهناك قبيلة (جلْوان) التي هاجمتنا في إحدى السنوات الماضية محاولة سرقة ماشيتنا أثناء انتقالنا للمخيم الصيفي.. أما قبيلة........."
قاطعها مينار قائلاً "هذا معروفٌ لأصغر طفل في القبيلة.. لكن درج زعماء القبائل عند استلامهم للزعامة على مراسلة حلفائهم من القبائل الأخرى وتوطيد العلاقة التي يمكن لها أن تنفصم لأدنى سبب.. وأنت، بظرفك الخاص وبما تمثله من تحدٍ للقبائل الأخرى، أدعى لأن تقوم بهذا العمل فور استلامك للزعامة.. قبيلة طاغار هي البداية، لكن لا يجب أن تكون هي نهاية المسار.."
علقت ججي قائلة "إذن، هل عليّ أن أرسل رسلي إلى تلك القبائل فور وصولي للمخيم؟.."
أجاب مينار "لا.. عليك الرحيل بنفسك لمقابلة الزعماء.. قد يعتبرون إرسال الرسل استهانة بمكانتهم، وقد لا تعرف من يواليك حقاً بردٍّ شفوي لا معنى له.. المواجهة هي خير ما يمكنك فعله لمعرفة خبايا النفوس تجاهك.."
اقترب كين الذي استمع لحديثهما بصمت وقال باعتراض "لكن قدوم ججي إليهم قد لا يكون له أحسن الأثر في نفوس الرجال، وما جرى مع رجال طاغار هو مجرد عيّنة لما قد يجري في القبائل الأخرى.. ربما كانت الرسائل الشفوية أكثر أمناً وأقل استثارة لغضب تلك القبائل من رؤيتهم لها وهي تدخل مخيمهم على ظهر فرسها.. فقد يعتبر الزعماء هذا العمل بمثابة تحدٍ لهم وتجاهلٍ لكل ما يبغضونه.."
فقال مينار "لكن قدومها إليهم دليلٌ على سعيها للتحالف معهم بإخلاص.. لا يجرؤ على إرسال الرسل في مثل هذه المواقف إلا زعماء القبائل القوية ذات التأثير بين الأكاشي.."
قالت ججي بانعدام صبر "هلّا اتفقتما على رأي واحد؟.. أنتما تشتتاني.."
تبادل مينار وكين النظرات، ثم قال كين بعد لحظة تردد وقد غلبه القلق من استثارة غضب مينار "الرأي يظل رأيك يا ججي.. وسنتبع ما تقولينه.."
صمتت ججي للحظة وهي تقلّب الأمر في ذهنها، ثم قالت بحزم "العمل اليدوي مملٌ جداً.. لذلك أنا مع اقتراح مينار.."
نظر لها كين بغير تصديق للوسيلة التي اتخذتها لاتخاذ هذا القرار، بينما قالت ججي لمينار "أرسل أحد الرجال إلى المخيم لإبلاغهم بما اعتزمت فعله.. وسننطلق من فورنا إلى هدفنا التالي، وهي القبيلة الأقرب إلينا.."
استدعى مينار رجلاً لتلقينه تلك الرسالة، بينما زفر كين معلقاً "أنت تتعاملين مع الموقف بتهاونٍ كبير.."
قالت ججي بانشراحٍ تام "وأنت تحب تعقيد الأمور.. بعض الترحال لا يضير أحداً يا كين.."
صمت كين متراجعاً عن التعليق الذي يود قوله.. إن ججي تستهين بموقفها، وتستهين بنظرة رجال الأكاشي لها.. والآن، بعد أن بدأت تكتسب بعض الثقة والولاء من رجال قبيلتها، فإن هذا قد بدأ يعمي عينيها عن الخطر الذي قد تواجهه كزعيمة أنثى وسط مجتمع يكره المرأة بكافة الأشكال..

************************

دامت الرحلة التي اتخذتها ججي مع الفرقة الصغيرة من رجالها ما لا يقل عن ثلاثة أسابيع، جابت فيها جانباً من سهول الأكاشي وزارت فيها ما يقارب أربع قبائل كانت موالية لأبيها، بالإضافة لقبيلتين كانتا على حياد وقد تأمّلت ججي أن تكسبهما لصفها بشكل أو بآخر.. لكن ما واجهته ججي في تلك القبائل لا يقل عما رأته في عيون الرجال في قبيلة طاغار.. كانت تواجه بسخرية وغضب شديدين، ولا يتوانى الزعماء عن رفض مقابلتها بكل صراحة أو حتى طردها من مخيم القبيلة دون اعتبار للصلات التي كانت بين القبيلتين سابقاً.. ولم يكن ذلك مثار غضب ججي قدر قلقها من أن يتسلل ذلك الغضب والضيق لرجال قبيلتها مع تلك المعاملة..
وأخيراً، بعد رحلة طويلة ومرهقة، قررت ججي أن العودة للقبيلة هو أفضل خيارٍ متاحٍ لهم، وعلقت على نظرات كين الصامتة قائلة بضجر "أدرك ما تودّ قوله يا كين.. لقد قمت بتحذيري، وأنا رفضت الانصياع لنصيحتك تلك.."
ثم أضافت "لكنني لست نادماً.. من الأفضل لي مواجهة هذا الأمر بنفسي، ورؤية حقيقة الواقع بدل التحليق في الخيال.."
ابتسم كين معلقاً "هذا منطق معقول من شخص لا يتعامل بالمنطق أبداً.."
نظرت له بغيظ، عندما اقترب منهما مينار حيث جلسا جانباً في الموقع الذي اتخذوه معسكراً لهم لتلك الليلة، وقال موجهاً حديثه لججي "لقد عاد الرجل الذي أرسلناه للمخيم قبل قليل.. وهو يحمل لنا بعض الأخبار.."
تساءلت ججي بقلق "ما الذي جرى في غيابنا؟.. هل اقترب أعداؤنا من المخيم؟.."
أجاب مينار "لا يتعلق الأمر بأعدائنا، فلا تزال الأمور مستقرة هناك.. لكن الأمر يتعلق برسولٍ من قبيلة (الأرقط) وصل مخيمنا قبل بعض الوقت بحثاً عنك.. وهو موجه إليك من زعيم تلك القبيلة براد.."
نظرت له ججي باهتمام وقالت بلهفة "ما الذي يريده منا؟.."
أجاب مينار "إنه يدعوك للقدوم لقبيلته في زيارة سلمية.."
تزايدت لهفة ججي وهي تقول بحماس "أليست تلك القبيلة من القبائل المحايدة بالنسبة لنا؟.. أهذا يعني أنه يريد إنشاء حلفٍ معنا؟.. هذا رائع.."
قال مينار مقطباً "ليس كذلك.. هذه الدعوة في هذا الوقت بالذات لا يمكن أخذها بتهاونٍ أبداً.. لابد أن لبراد مطمعاً فيك ويريد تحقيقه.. وإلا ما معنى أن يدعوك لزيارته في الوقت الذي رفضت كل القبائل استقبالك في مخيماتها؟.."
قالت ججي "لا داعي لهذا التشاؤم.. لابد أن أخبار المعركة التي خضناها مع سفن الملك العربي قد وصلت إليه وأثارت إعجابه.."
علق كين "أنا مع مينار في هذا.. عليك أن تكوني أكثر حذراً يا ججي.."
قالت ججي بشيء من الضيق "أنا لست أحمقاً.. يمكنني أن أدرك متى ما كان براد يريد استغلالي، ويمكنني أن أوقفه عند حده لو لزم الأمر.."
فقال مينار "إذن هل تنوي الانطلاق إلى قبيلة (الأرقط)؟.."
أجابت ججي بحزم "طبعاً.. وبأسرع ما يمكن.."

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 17-01-16, 02:02 PM   المشاركة رقم: 68
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل السادس عشر {حليف أم عدو؟}


مضت أيامٌ عدة قبل أن تتمكن الفرقة المصاحبة لججي من الوصول لمخيم قبيلة (الأرقط) التي تقع في أبعد نقطة غرب سهول الأكاشي.. كان مخيم القبيلة يحتل بقعة واسعة وبكثافة تزيد على مخيم قبيلة (أبناء الذئاب) بكثير، مما أثلج صدر ججي وهي تتأمل المكان حولها مغمغمة "سيكون من المفيد حقاً أن نكسب هؤلاء لصفنا.. يبدو أنها قبيلة كبيرة وستكون ذات تأثير لو انحازت إلينا حقاً.."
قال كين "رغم كل لهفتك هذه، كوني حذرة في التعامل مع زعيمهم يا ججي.."
قالت بضجر "أجل أدرك ذلك يا كين.. لا داعي لتكرير هذا القول عليّ وكأنني طفل صغير.."
قال كين بشيء من الضيق "أنت من طلبت مني النصح سابقاً.. أنسيت؟.."
قالت وهي تجذب لجام الغبراء لتوقفها وسط المخيم "أدرك ذلك طبعاً، لكني أتمنى منك أن تحترم ذكائي على الأقل.."
ترجلت من على ظهر الغبراء يتبعها البقية، وغمغمت وهي تدير بصرها فيمن حولها بابتسامة "لا أرى البغض والكره في عيون من حولنا.. أليس هذا دليلاً جيداً على ما نحن مقبلون عليه؟.."
علق مينار وهو يسير معها نحو وسط الساحة "لا تغترّ بهذا.."
رأوا براد يجلس مع جماعة من رجاله في الوسط، وقد تذكرته ججي على الفور عند رؤيته.. فهو ذاك الزعيم الذي شارك في الحرب ضد الجيش العربي مع أبيها، وهي تذكر غطرسته وعناده الشديدين في المعسكر قبل تلك الحرب.. اقتربت ججي من مجلسه ورأته ينهض لرؤيتها قائلاً بابتسامة عريضة "لم أتوقع رؤيتك بهذه السرعة.. يبدو أنك متلهفٌ للقدوم إليّ والاستماع لعرضي يا جام.."
لاحظت ججي أنه وقف في موقعه دون أن يقترب منها أو يمد يده لمصافحتها، وقد كانت هذه هي الدلالة الأولى التي جعلتها تتحفظ في الرد عليه وهي تقول "كنا قريبين من موقع قبيلة (ذكوان) عندما وصلنا خبر الرسول الذي أرسلته إلينا.. ولذلك لم نستغرق وقتاً طويلاً في الوصول إليك.."
فقال براد "فلننتقل إلى خيمتي إذاً.. العرض الذي أملكه سيعجبك بشدة بالتأكيد.."
لم تعلق ججي وهي تتبعه للخيمة القريبة، بينما علق براد عندما حاول مينار وكين اللحاق بهما "لا أظن جام يخشى على نفسه لو اجتمع وحيداً بي، ووجودكما لا فائدة منه فيما أريد الحديث فيه.."
قطب مينار قائلاً "هذا لا يعني أن من حقك....."
قاطعته ججي قائلة "لا بأس يا مينار.. لا تخش شيئاً.. ستكون كل الأمور على ما يرام.."
لم يعترض أحدهما وهما يتراجعان لينضما لبقية الرجال، بينما دلفت ججي الخيمة خلف براد وجلست قرب موضع النار التي كانت مطفأة، فيما جلس براد وهو ينظر لها بتمعن وابتسامة جانبية.. ورغم ضيقها، فإنها ظلت صامتة بانتظار أن يبدأ براد الحديث، فسمعته يقول بعد بعض الصمت "لقد صدمت أيما صدمة عندما علمت أن رجال قبيلتك قد اختاروكِ أنتِ لزعامة القبيلة.. يبدو أن منزلة قادور عندهم كانت كبيرة لدرجة التغاضي عن كونك امرأة واختيارك خلفاً له.."
لم تعلق ججي وهي تلاحظ أنه يخاطبها بصيغة أنثى، لكنها صمتت وقد أدركت أنه لا يُظهر سخريته منها بقوله ذاك.. ثم سمعته يضيف "ما تواجهينه الآن كزعيمة لهذه القبيلة صعبٌ وعسير.. ولن يكون أكثر سهولة وبساطة في المستقبل.. عليك اختيار قراراتك بحكمة وتروٍ.. وعليك اقتناص الفرصة الملائمة متى ما لاحت لك.."
فقالت ججي "ما الذي تنصحني به؟.."
كانت لا تتردد في طلب النصيحة من الزعماء الآخرين، فهم قادرون على إفادتها في مهمتها بنصائحهم بالنسبة لخبراتهم الطويلة في هذا المجال.. لكنها لم تملك استياءها من الطريقة التي يعاملها بها براد.. سمعته يجيب وهو يمسد شاربه الطويل "لقد أعجبت بك أيما إعجاب، ودهشت لأن تلك الفتاة الضئيلة التي رأيتها في حربنا الأخيرة مع الجيش العربي قد أصبحت زعيمة قومها.. لكن دعيني أكن صريحاً معك.. لا يمكن أن يدوم هذا لوقت طويل.."
قطبت ججي شيئاً ما وبراد يضيف "لكي تضمني ولاء الرجال، أو على الأقل لتضمني حياتك، فأنتِ بحاجة للقوة.. ولحليف قوي.. ولحسن حظك أنا أملك الإثنين.."
نظرت له بتعجب متسائلة عن مغزى كلماته، عندما مال نحوها بابتسامة واثقة وهو يقول "لديّ عرض نادر لك ولا يمكن تجاهله.. ما رأيك بأن أتزوجك، فنضمّ القبيلتين معاً في حلفٍ قوي لن تقدر قبائل الأكاشي على تجاهله؟.. طبعاً سيظل منصبك محفوظاً، ولكن ستكونين معاونة لي.. وهو شرفٌ لا أمنحه لأي شخص كان، وبالطبع لا تصل إليه امرأة مهما كانت براعتها.."
تراجعت ججي بظهرها للوراء وهي صامتة للحظة.. لقد أُخذت بهذا العرض، لا لأهميته بل لمغزاه.. بدا لها أن براد يستهين بها بوضوح، ولا يعتد بأهميتها ولا بقبيلتها بتاتاً.. ورغم أنها مدركة أن ردها سيحدد إن كانت قبيلة (الأرقط) ستصبح حليفة لهم أم عدواً جديداً، إلا أنها لم تتردد وهي تقول بحزم "لو كان رجال قبيلتي قد سلّموا بزعامتي وأعلنوا طاعتهم لي، فتأكد أن كل ذلك سينتهي في اللحظة التي أقبل فيها عرضك هذا.. سيتخلون عني، وجلّ ما ستحصل عليه هو امرأة تضيفها لنسائك دون أي أهمية أو عائد من مثل هذا الزواج.."
وسحبت سيفها فركزته بينها وبينه وهي تقول بصرامة وشدّة "وأنا لست امرأة.."
نظر لها براد باستنكار بينما نهضت ججي حاملة سيفها وغادرت دون أن تضيف كلمة أخرى.. فصاح براد خلفها "أهذا يعني أنك ترفضين شخصاً مثلي؟.. رفضك هذا ستكون له تبعاته، ولن أصمت على هذا أبداً.."
توقفت ججي قبل أن تغادر الخيمة، ونظرت له وهي تشدّ على سيفها قائلة ببرود "لو كنت تريد الحرب، فالحرب هي ما سنسعى إليه.. لو كان كبرياؤك سيدفعك لمقاتلة قبيلة (أبناء الذئاب)، فلا تتردد في التقدم نحونا برجالك متى ما شئت.."
وغادرت الخيمة وهي تزفر بشدة، فاتجهت إلى فرسها الواقفة في وسط الساحة وهي تدمدم بحنق "تباً له.. لسنا بحاجة لحربٍ جديدة ننشغل بها.. بأي عقل يفكر ذلك الأحمق؟.."
في الوقت ذاته، كان براد يشير لأحد رجاله ليقترب منه، فقال له بصرامة "اتبع تلك المرأة وأحضرها إليّ بأي شكل كان.."
هز الرجل رأسه وأسرع لتنفيذ أمره، بينما غمغم براد بحقد وهو يراقب ابتعاد ججي مع رجالها من المخيم "لا أحد يدير ظهره لي.. وقطعاً لا تجرؤ امرأة على فعل ذلك وتبقى حية بعدها.."
في تلك الأثناء، غادرت ججي المخيم وهي تلخص الموقف لمينار ولبقية الرجال دون ذكر عرض الزواج الذي عرضه عليها براد.. اكتفت بأن أخبرتهم أنه يريد ضمّ القبيلتين وتنحيتها كزعيمة لقبيلة (أبناء الذئاب)، وأنها رفضت ذلك العرض جملة وتفصيلاً.. كانت تشعر أن ذكر طلب براد الزواج منها سيجعل رجالها يوقنون أنها أمام بقية الزعماء ليست إلا امرأة صالحة للزاوج، ولن يأخذها أي شخص بجدية بعدها.. وقد علق مينار على ذلك قائلاً "هذا ما توقعته.. فشخصية براد لم تعجبني منذ أول مرة رأيته فيها.."
غمغمت ججي بضيق "لمَ يجب أن تنتهي الأمور أسوأ من كل توقعاتنا؟.. إنه لم يكتفِ بتجاهلي كزعيم للقبيلة، بل إنه استهان بالقبيلة كاملة.. عرضٌ مثل هذا لا يوجّه نحو قبيلة قوية أبداً، وهذا معناه أنهم لا يعدّوننا أقوياء بتاتاً.."
قال أحد الرجال بحنق "مثل هذه الإهانة لا يمكننا تجاهلها.. وعلينا الرد بقوة لكي تتعظ بقية القبائل مما جرى.."
قال مينار بسرعة "لا.. نحن مثخنون بجراحنا بالفعل بعد معركتنا الأخيرة، ولا نزال متأهبين لهجوم جديد من الجيش العربي.. لا يمكننا أن نفتح جبهة جديدة في الآن ذاته.. فلنتجاهل الأمر.. هذا خير ما نفعله.."
زفرت ججي بصمت دون أن تعترض على قوله.. هم بالفعل ليسوا بحاجة لحرب جديدة، ولا كسب أعداء جدد.. يكفي أن جميع قبائل الأكاشي قد فصمت كل حلفٍ معهم وأصبحت في خانة الأعداء أو المحايدين.. وأصبحت قبيلة (أبناء الذئاب) وحيدة دون أي حليف قوي، إن تجاهلنا قبيلة طاغار التي تفضل البقاء على الحياد دوماً..

************************

رغم أن ججي حاولت ألا تبدي اكتئابها في المرات التي قوبلت فيها بالرفض والإهانة من القبائل الأخرى، لكن كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. انزوت ججي على شيء من المبعدة من المعسكر الذي أقامه الرجال لتلك الليلة، وطلبت من كين أن يتركها وشأنها حتى تعود بنفسها لهم.. كانت تشعر بضيق شديد، ولا تدري كيف يمكنها تخفيف تلك المشاعر المتكاثفة في صدرها..
ليست الإهانة هي ما يشغل تفكيرها، ولا يهمّها أن يقبل بها باقي الزعماء حقاً.. لقد كان قبول رجال القبيلة لها يكفيها عن أي شيء آخر، لكن ما أصابها بالضيق والحزن أن ترى قبيلتها تفقد حلفاءها واحداً تلو الآخر فقط لأنها هي زعيمتهم.. أحقاً، كما كان يقول أبوها دائماً، أن المرأة تجلب النحس والفأل السيئ؟.. هل أصابت قبيلتها بالنحس عندما قررت أن تحصل على منصب لا يليق بها؟.. لو فكرت إحدى القبائل بالهجوم عليهم في هذا الوقت، فسيُمحى اسم قبيلتها من خارطة السهول بين ليلة وضحاها.. فهل هي السبب حقاً أم أنها عقول رجال الأكاشي المتحجرة التي لا تقبل منها محاولتها الخروج عن المألوف..؟
طال الوقت بججي وهي جالسة وحيدة تحدق في السماء المظلمة إلا من النجوم المتفرقة وقمرٍ شاحب، عندما لاحظت اقتراب خطوات خافتة من خلفها مما جعلها تتيقن أن كين قد لحق بها كعادته.. ولما استدارت بشيء من الضيق لتطلب منه تركها وحيدة ولو للحظة، فوجئت بضربة قوية تصيب رأسها من الخلف.. ولما سقطت على وجهها مغشياً عليها، امتدت تلك اليدان وأمسكتا بها، وحملتها بصمت وسكون مبتعدة عن موقع الغبراء وعن الجانب الذي عسكر فيها كين مع بقية الرجال دون أن يفطن أحدهم للأمر..
وعندما استبطأ كين عودة ججي، أتى بحثاً عنها ليجد الغبراء واقفة وحيدة في الموقع.. تلفت حوله بحثاً عن ججي، ثم ناداها بصوتٍ واضح بعد أن لاحظ أنها ليست في أي موقع قريب.. ظل كين واقفاً ينتظر ظهورها أو سماع صوتها لبعض الوقت قبل أن ينتابه شيء من القلق وهو ينادي بصوتٍ أعلى.. وبعد أن بحث بتدقيق عنها دون فائدة، فإنه عاد على ظهر حصانه جاذباً الغبراء خلفه وقد تناهبه القلق لما جرى لها، وفور وصوله للبقية بادر بالهتاف "لقد اختفت ججي يا مينار.. بحثت عنها في الموقع كله دون أن أعثر لها على أثر.."
نهض مينار من مجلسه قرب النار وتساءل بدهشة "ربما لم تكن بعيدة حقاً لكنك لم ترها.. ألم تسمع لها صوتاً؟.."
قال كين بإلحاح "أنا واثق أن أمراً ما قد أصابها.. فهي ليست موجودة في أي موقع يقع عليه بصري.. ثم انظر لهذا.."
ورفع سيفها الذي لا تتخلى عنه عادة وتبقيه قربها حتى وهي نائمة، وبينما اتسعت الأعين بدهشة قال كين بانفعال "أنا واثقٌ أن أمراً ما قد حدث لها عند ابتعادها عنا.."
نظر مينار للرجال القريبين وتساءل "أيمكن أن يكون الأمر من تخطيط براد؟.."
بادله الرجال النظرات القلقة، بينما قال كين "هذا شيء مؤكد.. لقد طلبتُ من ججي أن نبتعد عن مخيم قبيلة براد قدر المستطاع، لكن حلول الظلام قد حال بيننا وبين ذلك.. وها هو قد استغلّ هذه الفرصة وهدفه الانتقام من ججي لرفضها له بكل تأكيد.."
فقال مينار "لا يمكننا الصمت على هذا.. لنذهب يا رجال.."
أسرع كين ومينار لامتطاء ظهري حصانيهما، ولما فعلا لاحظا أن بقية الرجال قد ظلوا في مواقعهم يتبادلون النظرات بصمت.. نوعاً ما، أدرك كين من اللحظة الأولى ما يدور في أذهان الرجال في مثل هذا الوقت، لكنه فضّل الصمت تاركاً الحديث لمينار وهو واثقٌ أن قوله لن يكون له ذات الأثر في نفوسهم..
التفت مينار إلى البقية قائلاً بتقطيبة "ما الأمر؟.. ألا تنوون الانطلاق لإنقاذ زعيمكم؟"
قال أحد الرجال بضيق "وما الفائدة؟.. لم نحظَ بأي فائدة تذكر منذ تولى زعامة قبيلتنا والقبائل الأخرى تطردنا لمجرد رؤيته.."
قال مينار "ماذا تعني؟.. أأنت سعيدٌ لما جرى له إذاً؟.."
أشاح الرجل بوجهه مجيباً "لا أعني ذلك بالتحديد، لكنه ربما كان للأفضل.. لقد حاولنا مخلصين أن نطيعه في كل ما طلبه منا، لكن الآن، بعد مرور شهرٍ واحدٍ منذ تولى الزعامة، فإنه أثبت لنا أنه لا يصلح لها حقاً.."
غمغم آخر "ربما كان من الخير لنا لو لم نسلّم له بالزعامة.."
شدّ كين قبضتيه على لجام حصانه وهو يودّ لو يصرخ في وجوههم للخسّة التي أظهروها مع زعيمهم في أشد أوقاته حاجة لهم، لكنه حبس أفكاره رغماً عنه بينما قال مينار باحتقار "أهذا كل ما توصلت إليه عقولكم الفارغة؟.. أليس هذا زعيمكم الذي أقسمتم له بالولاء منذ أمدٍ قليل؟.. أهذا هو مدى ولاؤكم حقاً؟.."
بدا الضيق بوضوح على وجوه الرجال، فصاح بهم مينار بحنق "ألا تدركون أن ما تفعلونه إن دلّ على شيء فهو يدل على حقارتكم وخسّة طباعكم؟.. أن يتلقّى الزعيم طعنة في ظهره من رجاله لهو أسوأ ما يمكن أن يحدث للأكاشي، وهذا سيبقى عاراً موصوماً في جبين قبيلة (أبناء الذئاب) مدى الحياة.."
ثم أضاف بصرامة "ولو حدث ذلك فعلاً، فلا أظنني سأرضى بأن أنتمي لقبيلة مثل هذه.."
وأدار حصانه وهو يلكزه لينطلق به نحو مخيم قبيلة (الأرقط) بأسرع ما يستطيع.. فلحقه كين وهو يقول "ألا يجب أن تقنعهم بوسيلة أكثر ترغيباً من هذه الوسيلة؟.. اثنان لا فائدة منهما في مواجهة قبيلة كاملة.."
لم يعلق مينار وهو مقطب بشدة، لكن لم تمضِ لحظات حتى سمع كين سنابك الخيل التي تعدو خلفهما.. وبنظرة للخلف، تمكن من رؤية الرجال الخمسة يسرعون للحاق بهما دون إبطاء.. عندها غمرته الراحة وهو يقول "يبدو أنك لن تضطر لمغادرة القبيلة يا مينار.."
قال مينار بحزم "المهم ألا أضطر لتغيير زعيمها خلال هذا الوقت القصير.."
لم يعلق كين دون أن يخفي القلق من ملامح وجهه.. حتى بوجود سبعة رجال، لا يزال وضعهم صعباً في ما سيواجهونه في مخيم القبيلة التي تبدو لهم عند الأفق..

************************

فتحت ججي عينيها بعد بعض الوقت لتسمع صوت براد خافتاً وهو يسأل شخصاً قربه "هل جردتموها مما تملكه من أسلحة؟.."
أجاب الرجل "طبعاً.. تأكدنا أنها لا تخفي شيئاً في ثيابها.."
فقال براد "إذن غادر ونفذ ما أمرتكم به.."
غادر الرجل بينما رفعت ججي عينيها لترى براد يتقدم منها، وتأكدت عندها أنها عادت لمخيّمه بعد أن نجح رجاله في اختطافها، والآن هي مقيدة إلى عمود خشبي في تلك الخيمة وقد قيدت يداها خلف ظهرها إلى العمود بإحكام.. حاولت جذب إحدى يديها من القيد بأقوى ما تملك، عندما وجدت براد يركع أمامها بابتسامة ساخرة وهو يقول "يبدو أن شوقك إليّ دفعك للعودة قبل انقضاء يوم واحد.. ألهذه الدرجة أنت متلهفة للانضمام إليّ؟.."
لم تعلق ججي وهي تحاول فك قيد يديها، لكن براد قال وهو يمسك وجهها بقبضة قاسية "لا فائدة.. لن يمكنك التخلص من قيودك قبل فوات الأوان.. وسأتأكد أنك ستندمين على استهانتك بي بتلك الصورة أيتها الحقيرة.."
قالت ججي بحدة "ما الذي تنوي فعله؟.. أنت بهذا تعلنها حرباً صريحة مع قبيلتي، ورجالي لن يصمتوا على ما تفعله أبداً.."
ضحك براد بشدة وقال "رجالك؟!.. يبدو أنك لا تعرفين رجال الأكاشي حق المعرفة، ولا تدركين البغض الذي يحملونه لك لأنك تطاولت على مكانة لا تحق لك.. أنا واثق أن رجال قبيلتك سيتناسون أمرك ويتخلوّن عنك، فأنت لا تستحقين الزعامة التي حصلت عليها بخدعة ما ولاشك.."
قالت بغضب "لن يفعل الرجال ذلك.. رجالي ليسوا بالحقارة التي تتخيلها.."
قال براد بابتسامة ساخرة "حتى لو لم يكونوا كذلك، فأشك أن يجدوا الوقت الملائم لإنقاذك.. فالآن، انطلقت فرقة كبيرة من رجالي للتخلص منهم قبل أن يفطنوا لشيء.."
ثم مال نحوها قائلاً "وأنت... أنت ستنالين المعاملة التي تستحقينها (كامرأة).. وبعدها سأرمي جثتك عند مشارف مخيم قبيلتك ليعلموا حقيقتك الضعيفة كما يجب أن تكون.. أتمنى عندها أن يكون رجال قبيلتك شاكرين لي هذه الخدمة التي أديتها لهم.."
نظرت له ججي بتحدٍ وقالت "أتدري ما هي الميزة الوحيدة التي أحصل عليها بكوني امرأة؟.."
رفع براد حاجباً وهو يقول بسخرية "وما هي تلك الميزة؟.."
قالت بابتسامة جانبية "أن شخصاً أحمق مثلك سيستهين بي، وهذا يمنحني نقطة تفوق بلا شك.."
وبحركة سريعة، كانت قد مدت يدها اليمنى التي تخلصت من قيدها بغفلة من براد لتسحب خنجراً يحتفظ به في حزامه، ثم دفعت الخنجر نحو عنقه القريب منها قبل أن يدرك براد ما يجري ويتجاوز هجومها ذاك.. وبينما صدرت حشرجة من حلق براد وهو يقبض على ججي بيده بقوة، فإن ججي دفعت الخنجر عميقاً وهي تقول بغضب "لقد حذرتك سابقاً من نعتي بامرأة.. لذا أنت تستحق ما جرى لك بكل تأكيد.."
تهاوى جسد براد أرضاً وججي تتخلص من قبضته المشدودة على ذراعيها، ثم مسحت الدماء التي غمرتها من جرحه بكم ثوبها.. وقامت بتحرير يدها الأخرى بذلك الخنجر الذي استعادته من براد بأسرع ما يمكنها.. كانت حسنة الحظ لأن رجال براد قد قيدوا يديها بشيء من الإهمال، مما مكنها من تخليص يدها اليمنى فقط أثناء انشغال براد بسخريته بها وبرجال قبيلتها دون أن يفطن لما تفعله..
نهضت ججي وتجاوزت جثة براد، وأسرعت لجانب الخيمة حيث رأت سيفه موضوعاً جانباً.. فحملته بيد وهي تحتفظ بخنجر براد في يدها الأخرى، ثم غادرت الخيمة دون تردد ملاحظة أن الشمس لم تشرق بعد.. رأت رجلاً يجلس قرب النار وسط المخيم، وقد نهض لدى رؤيتها وهو يغمغم بصدمة "أيتها الـ........"
استغلت ججي صدمته لرؤيتها وهي تسرع لرمي الخنجر بقوة نحوه قبل أن يتحرك من موقعه، فأصابه الخنجر في كتفه إصابة مؤلمة وهو يتراجع خطوة ويمسك الخنجر بألم.. فلم تتردد ججي للحظة وهي تستدير مبتعدة عن الساحة نحو الموقع الذي تدرك أن الخيول قد ربطت فيه.. كانت فرصتها الوحيدة في الوصول لمربط الخيول والهرب على ظهر أحدها قبل استنفار مَن في المخيم وإدراكهم لما حلّ بزعيمهم..
وبينما تجاوزت عدداً من الخيام، تناهى لسمعها صياح أحد الرجال "اقبضوا على تلك المرأة.. لقد قتلت الزعيم.."
حاولت ججي أن تزيد من سرعتها وهي ترى مربط الخيول أمامها، بينما تعالى صوت بعض الأقدام خلفها بدلالة واضحة على عدد مطارديها.. لكن ججي لم تتوانَ للحظة عن القفز على أقرب وأقوى حصان منها دون أي سرج على ظهره، وتمسكت بعرفه وهي تلكزه بقوة والأصوات تقترب منها مختلطة بصياح بعض الرجال.. لكن الحصان قد ثار رافضاً إطاعتها وهو يرفع قائمتيه بقوة ويركل محاولاً إسقاطها.. لكن ججي تشبثت به بأقوى ما تقدر بينما وقف ملاحقوها عاجزين عن الاقتراب من الحصان الثائر أو إصابتها بسيوفهم.. فبالنسبة للأكاشي، تعتبر الخيل من أغلى ما يملكونه مع ماشيتهم، ويعتبرون فقد أحدها هو أقسى ما قد يحدث لهم.. أما ما عدا ذلك، فيحتل المرتبة الثانية أو الثالثة لديهم.. وقد كانت ججي تعلم تمام العلم أن ملاحقيها لن يجرؤوا على رمي خناجرهم أو سهامهم نحوها خشية إصابة الحصان الذي تمتطيه، فوجهت اهتمامها للحصان الثائر وهي تشدّ قبضتها عليه، ثم أدارت رأسه بحزم ولكزت بطنه بقوة لينطلق راكضاً بها بعد أن عجز عن إسقاطها من فوق ظهره.. كانت تدرك أن موقع رفاقها يقع في الاتجاه الآخر، لكنها لا تملك إلا الدوران حول المخيم للوصول إليهم قبل أن ينجح رجال براد في القبض عليها واستعادتها أو قتلها في أسوأ الأحوال..

************************

في موضع آخر، كانت الفرقة التي تضمّ كين ومينار تقف على مشارف قبيلة (الأرقط).. ورغم الظلام المهيمن، لم يفُتهم رؤية تلك الجماعة من الرجال التي غادرت على ظهور الخيول مثيرة سحابة من الغبار خلفها ومتوجهة نحوهم.. فغمغم كين "أتظن أنهم.....؟"
أجاب مينار "بلى.. إنهم آتون بحثاً عنا وللتخلص منا.. يبدو أن المجموعة التي اختطفت جام كانت قليلة العدد وقد هربوا دون الاشتباك بنا لكيلا يخسروا فرصتهم باختطافه.. أما الآن، فلا شيء يمنعهم من التقدم نحونا بهذا الوضوح.."
ثم التفت إلى رفاقه مضيفاً "فلنبتعد عن مسارهم ونحاول التسلل إلى المخيم لإنقاذ جام.. ليس من مصلحتنا الاشتباك معهم في هذه اللحظة.."
وأدار حصانه لينطلق به خلف التلال التي تخفيهم عن أعين ملاحقيهم.. كان مسارهم سيقودهم في دورة واسعة حول المخيم، ولا يعلم أحدهم ما الذي قد يجري لججي حتى يتمكنوا من الوصول إليها.. كل ما يأملونه أن يتمكنوا من الوصول إليها بأسرع المستطاع قبل أن يصيبها براد ورجاله بأي أذىً..
في تلك الأثناء، كانت ججي تلكز الحصان بقوة وهي تحثّه على الركض بأسرع ما يستطيع، دون أن يفوتها أن تلاحظ الخيول الأربعة التي لحقت بها بشكل حثيث.. لم يكن الحصان الذي تركبه بطيئاً أو ثقيلاً، لكنه رغم ذلك لم يتمكن من الخلاص من ملاحقيه مهما لكزته ججي بإلحاح.. دامت المطاردة عدة دقائق قبل أن تجد ججي أن أحد الرجال لجأ أخيراً لتعطيل الحصان الذي تركبه بغضّ النظر عن النتائج.. وعندما رمى الرجل حبلاً مربوطاً بحصاتين، تمكن بدقة تصويبه من عرقلة الحصان الذي وجد الحبل الغليظ يلتف على قدميه الخلفيتين بإحكام حتى تعثر وسقط سقطة عنيفة على جنبه.. ارتمت ججي أرضاً، ورغم أنها حاولت تفادي سقوط الحصان عليها، لكن سقطتها كانت مؤذية وهي تشعر بالدوار يغلف رأسها فيما حاول الحصان الوقوف من جديد بشيء من الجهد..
وخلال لحظة، وجدت ججي الخيول تقف قربها مثيرة الغبار حولها، ومع اقتراب الرجال منها وجدت ججي نفسها تركع أرضاً رغماً عنها ورجل يمسك بكل يد من يديها ويفردها جانباً ضاغطاً على كتفها بقوة بحيث تعجز عن الحركة أو النهوض من موقعها.. فيما وقف آخر خلفاً وهو يسحب سيفه قائلاً "أظننتِ أننا سنسمح لك بالهرب بعد أن تطاولت على زعيمنا وقتلته بتلك الخسّة؟.."
قالت ججي بحنق وهي تحاول جذب ذراعها "زعيمكم ذاك قد استهان بي وعاملني باحتقار، لذلك استحق ما أصابه على يدي.. أنا زعيم قومي، ورجالي لن يقبلوا باستهانتكم بي بتاتاً.."
ضحك الرجل بسخرية وهو يضع سيفه عند عنقها قائلاً "أتظنين أن أحداً منهم سيعبأ لأمرك؟.."
صاحت بحنق "ستندمون على استهانتكم بولاء الرجال لي.."
لكنها في الواقع لم تكن واثقة ولو للحظة مما تقوله.. ما تزال حديثة عهد بالزعامة، وما يزال رجالها ينظرون لها بشك وشيء من الحنق لم يفتها قط.. فكيف لها أن تأمل بأن يهبّوا لنجدتها في مثل هذه الأوقات؟..
رأت الرجل يدفع سيفه نحوها أكثر وهو يقول "أنتِ تستحقين ميتة بطيئة ومُذّلة كي لا تفكر امرأة أخرى بالوصول لما وصلتِ إليه.. لكننا الآن بعجلة من أمرنا، فأمامنا زعيمٌ جديدٌ علينا انتخابه بين رجال القبيلة، وهذا أمرٌ لم يحدث منذ زمن لذلك نحن متلهفون له بشدة.."
عبست ججي وهي تحاول معرفة الوسيلة المثلى للهرب من هذا المأزق، عندما لاحظت أن أحد الرجال قد ضرب يد رفيقه قائلاً "انظر لما هنالك.."
اتجهت الأبصار للموقع الذي أشار إليه الأول، فلاحظوا على الفور تلك الفرقة من الرجال التي ظهرت من بين التلال القريبة قادمة نحوهم بأقصى سرعة.. وبينما غمغم أحدهم "أيمكن أن يكون أولئك رجال قبيلة (أبناء الذئاب)؟.."
لم يكد يتمّ قوله عندما تعالى صياح الرجال الذين اقتربوا على ظهور الخيول وسيوفهم ترتفع بتهديد واضح.. فاستغلت ججي تلك اللحظة وهي تركل أقرب الرجال إليها على ساقه بقوة وتسحب ذراعها من يده، ثم جذبت سيف الرجل الواقف خلفها من موقعه قرب عنقها ودفعته بأقوى ما تملك نحو فخذ الرجل الواقف أمامها.. وفور أن تحررت من قبضة الرجل الآخر قفزت واقفة واستدارت لمن خلفها وهي توجه له لكمة قوية، لكنه تفادى لكمتها وهو يدفع راحة يده بضربة نحو أنفها آلمتها بشدة وهي تمسكه بيدها، ثم لكمها مرة أخرى بقوة طرحتها أرضاً والدماء تتصبب من أنفها.. أسرع الرجل يضع قدمه على ذراعها ورفع خنجراً سحبه من حزامه قائلاً "لن يمكنك الإفلات مهما فعلتِ.."
عاجلته بركلة من قدمها أطارت خنجره وهي تقول "أنت تكثر الحديث يا هذا.."
طار الخنجر بعيداً ليستقر أرضاً، بينما أمسك الرجل قدم ججي قبل أن تحاول ركله مجدداً وهو يزمجر بغضب.. وفي تلك اللحظة، رأى رمحاً يطير نحوه فيصيبه في كتفه حتى ارتد للوراء وسقط أرضاً بعنف.. عندها أسرعت ججي تقفز واقفة وتركض مبتعدة عن الموقع بينما حاول أقرب الرجال إمساكها، ليجد سيف مينار يصيبه في عنقه إصابة قاتلة ويرميه خلفاً.. حاول رجال براد المقاومة وإصابة الخيول التي اندفعت نحوهم بقوة، بينما ركضت ججي متجاوزة الرجال والخيول التي تراكضت مارة بها بسرعة حتى مرّ كين بحصانه قربها وهو يمد يده.. فأمسكت بيده وهو يرفعها بأقوى ما يستطيع حتى استقرت على الحصان خلفه.. اشتبك بعض رجال قبيلتها مع رجال براد، بينما ابتعد كين عن الموقع قليلاً متساءلاً بقلق "أأنت بخير ياججي؟.."
مسحت الدماء التي سالت من أنفها وهي تغمغم "بخير.. لا تقلق.."
تساءل مينار الذي اقترب بحصانه منهما جاذباً لجام الغبراء "ما الذي جرى؟.. ما الذي أراده رجال براد باختطافك؟"
قالت ججي "بغضّ النظر عما جرى، فقد قتلت براد قبل هروبي من مخيمهم.."
نظرا لها بصدمة وهي تضيف "علينا الرحيل من هذا الموقع بأسرع ما يمكننا قبل مداهمة قبيلته لنا.."
خلال لحظاتٍ قصيرة، كان رجال ججي قد تخلصوا من رجال براد الذين لم ينجُ منهم أحد، ثم اقتربوا من ججي التي انتقلت على ظهر الغبراء وأحدهم يتساءل "أأنت بخير يا زعيم؟.."
أجابت ججي "أنا بخير.. لو تأخرتم قليلاً لكانوا قد قتلوني.."
ونظرت للموقع حولها وللمخيم القريب، ثم جذبت لجام الغبراء قائلة "لنرحل.."
أطاعها الرجال وهم يبتعدون عن الموقع، بينما مسحت ججي الدماء التي تصببت من أنفها من جديد وهي تغمغم "أتمنى ألا يجرّنا مثل هذا العمل لحرب جديدة.. رغم أن البادئ هو براد وكل ما فعلته هو الدفاع عن نفسي.. لكن الأكاشي لا يتنازلون عن انتقامهم مهما طال الوقت عليه.."
لكزت الغبراء وهي تدفعها للحاق بالبقية.. ربما من الخير العودة للمخيم في هذه الأوقات، وانتظار ما ستسفر عنه الأمور في الأيام القادمة..

************************

عند العودة للمخيم، وجدت ججي أن رجال القبيلة قد نجحوا في نقله لموضعه الجديد خلال غيابها.. رغم أن القليل من الخيام بقي صالحاً للاستخدام، بحيث اضطرت العوائل للمشاركة في الخيام الباقية بينما تعذر استخدام تلك التي احترقت في الهجومين السابقين على المخيم.. وإزاء رؤيتها لتناقص عدد الخيام عما سبق، غمغمت ججي بشيء من الاكتئاب "علينا الحصول على المزيد من الخيام لإيواء القبيلة بشكل صحيح.."
تساءل كين "ما بالك؟.. لا تبدين سعيدة بعودتك للقبيلة.."
تنهدت ججي وغمغمت "أأنت بحاجة لطرح هذا السؤال؟"
علق كين قائلاً "لا تقلقي.. لن يثور رجال القبيلة لما جرى في رحلتنا هذه.."
لكن ثورة كبار القبيلة كانت عارمة بالفعل، فكانت أصواتهم تسمع بوضوح من الخيمة المقامة لججي والتي يعقد فيها أهم رجال القبيلة اجتماعاتهم.. وبينما جلست ججي بصمت وسطهم، فإن أحدهم ويدعى شيتار قال بغضب واضح "هل فقدنا حلفاءنا جميعهم حقاً؟.. ما الذي فعلته عند تلك القبائل؟.. كيف رفضوك دون أي مراعاة للعلاقات القائمة بيننا؟"
قال آخر بضيق "ألا تعلم السبب؟.. إنه أمرٌ واضح.. لأنها امرأة.."
حدجته ججي بنظرة صارمة، فقال باستياء "هل ستنكرين ذلك؟"
فقالت ججي "لقد كسبت موافقتكم بعد أن أثبت لكم أنني كفءٌ لها.. وسيحدث الأمر ذاته مع البقية.. عندما ترى القبائل الأخرى أنني لست بالسوء الذي يتوقعونه مني، وعندما يرون كفاءتي في قيادة القبيلة، سيعودون إلينا بكل تأكيد.."
قال سادر بحنق "كم عاماً سيتطلب ذلك الأمر؟"
أجابت بحزم "سيتحقق هذا الأمر، مهما تطلب ذلك من وقت.."
فقال شيتار بغضب "فقداننا لحلفائنا يعني أن القبائل الأخرى ستجدها فرصة للهجوم علينا.. طمعاً في الماشية والخيول، أو في المراعي، أو لتحقيق انتقامٍ تحمله ضدنا.. الأسباب كثيرة، لكن النتيجة ستكون واحدة.. سيُقتل رجالنا وتباع نساؤنا وأطفالنا كعبيد للممالك الأخرى.. فما الذي سنجنيه بوعودك هذه؟"
نهض بحنق واضح معتزماً مغادرة الخيمة، فتتابع الرجال خلفه بصمت دون أن يخفي أحدهم استياءه.. عندها قالت ججي قبل أن يغادر أحدهم "أهذا يعني أنكم تتراجعون عن ولائكم لي؟.. هل ستخونون قسمكم بعد شهر واحد فقط؟"
نظر لها شيتار قائلاً بجفاء "مازلت تملك شهرين كاملين، والأكاشي لا يكسرون وعداً ولا يتنصّلون من قسمهم لزعيمهم مهما كانت النتيجة.."
ثم غادر مدمدماً "والشهران سيمرّان بسرعة على كل حال.."
ظلت ججي جالسة وهي مطرقة بصمت تفكر بحلّ لهذه المشكلة.. إنها لم تتوقع من حياتها كزعيم للقبيلة أن تسير بسلاسة وسهولة.. لكنها لم تتوقع أن تفشل منذ الشهر الأول.. هل ستكون الأمور أيسر في الشهرين القادمين، أم أنها ستتعقد أكثر فأكثر؟.. فشلها سيعني تنحيتها من الزعامة، وأيضاً يعني قتلها دون رحمة أو تردد.. فهل هذا ما ستنتهي إليه حياتها القصيرة هذه؟..
بعد خروج الرجال، دخلت تينا الخيمة واقتربت من ججي معلقة "لا تبدو ملامحك سعيدة أبداً.. هل كل شيء على ما يرام؟"
زفرت ججي لتنفيس حنقها قليلاً، ثم التفتت إلى تينا قائلة "لا تقلقي لأمري يا تينا.. ما أخبارك أنت؟.. ما الذي فعلته طوال الأيام الماضية التي غبتُ فيها عنك؟.."
هزت تينا كتفيها دون أن تجيب، فسألتها ججي "هل أمورك على ما يرام مع تبريق؟"
ابتسمت تينا بجانب فمها معلقة "لا يمكنني قول ذلك.. كل ما في الأمر أنني استسلمت لمصيري ولم يعُد يهمني مع من أكون وما أريد أن أكونه.."
تساءلت ججي بقلق "هل يسيء تبريق معاملتك؟"
خفضت تينا بصرها مغمغمة "لا.. لكنني لا أستطيع أن أقول إنني سعيدة بذلك.."
رفعت ججي حاجبيها بدهشة وتينا تقول "هو يعاملني بتجاهل شبه تام.. وكأنه يلومني لأنني تزوجته رغم أنني أحب غيره.. ألم يكن هو من تجاهل ذلك وتزوجني رغم إرادتي؟.."
تساءلت ججي بقلق "أمازلتِ تحبين ذلك الشخص؟.. أنتِ لم تخبريني قط من هو.."
غمغمت تينا زافرة "لا أدري.. لم أعد أدري حقاً.."
ظلت ججي تتأمل ملامح تينا محاولة استقراء دخيلتها ومعرفة ما تحاول تينا إخفاءه عنها.. بعد موت والديهما، فإن ججي تشعر بشيء من المسؤولية تجاه شقيقتها التي تصغرها بكثير.. رغم أنها بزواجها قد أصبحت مسؤولية زوجها، لكن ججي لا تكاد تنسى دموع تينا الغزيرة في ليلة زفافها وفي اليوم الذي يليه.. فكيف تثق ججي أن تينا سعيدة في حياتها الآن؟.. كيف لها أن تعاونها على تجاوز آلامها وحزنها؟..
دخل كين في تلك اللحظة، فانتفضت تينا واقفة وغادرت بصمت.. لم تكن تريد أن ترى نظرات الإشفاق في عينيه.. وكأنه يشعر بتعاستها ولا يكنّ نحوها سوى الشفقة، وهذا آخر ما تريد رؤيته في عينيه..
لم يعلق كين على رحيل تينا المفاجئ وهو يقترب من ججي قائلاً "كيف جرى الأمر؟.. لم تكن وجوه الرجال سعيدة بتاتاً عند خروجهم.."
قالت ججي بهزء "أتظن ذلك حقاً؟.. إنهم يتوقعون أن أنجح منذ اللحظة الأولى، ويلوّحون مهـددين بالأشهر الثلاثة في كل حين ولحظة.."
وزفرت مغمغمة "أنا بحاجة لمعجزة للخروج من هذه الورطة.."
ظل كين صامتاً ينظر إليها وفكرة ملحة تدور في عقله.. في الواقع كانت تلك الفكرة تدور بعقله منذ أعلنت ججي نفسها زعيمة لهذه القبيلة، وهي برأيه التصرف الوحيد الذي يمكن أن يخلص ججي مما أوقعت نفسها فيه.. اقترب كين وجثا قرب ججي ممسكاً يدها وقال "هناك حلّ وحيد يا ججي.. وهو الهرب من هذه القبيلة ومن السهول كلها.."
نظرت له ججي باستنكار وهو يضيف "لنرحل من هذا المكان.. ويكفيك العبث في موضوعٍ حساسٍ مثل هذا وأنت تعرفين النتيجة حق المعرفة.."
نفضت ججي يده عنها قائلة بحنق "أأنت مجنون؟.. أهرب كجبانٍ بعد أن وصلت لهذه المكانة؟.. سأظل سخرية في أفواه الرجال لعدة أجيال قادمة.."
قال كين بانفعال "وهل حياتك هي المهمة أم سمعتك لدى رجال لم يحاولوا مساعدتك ويتمنون الخلاص منك في كل حين ولحظة؟.. إنهم لا يتبعونك إلا خوفاً على سمعتهم أمام الآخرين، ولا يكنّون لك أي حب أو إخلاص بعد.. فما الذي يجبرك على البقاء؟.."
قالت ججي بضيق "كشميتي مثلك لن يفهم ما يعنيه هذا الأمر للأكاشي.."
فقال دون أن يخفي نبرة الاستياء من صوته "بالفعل لن أفهم.. أنا كشميتي وسأظل كذلك في أعينكم.. لكني أقدر الحياة أكثر من مجرد كلمات يتناقلها الناس دون اهتمام أو تقدير.. ولو كنت مثلك، لما جئت لهذه البقاع النائية، ولما اضطررت لمغادرة موطني والتغرّب في هذه السهول القاسية بتاتاً.. لو كنت مثلك أخشى على سمعتي، لبقيت أعيش في موطني حتى لو كنت أعيش بمهانة.."
خفت ضيق ججي وهي تسمع كين يتحدث عن موطنه للمرة الأولى، فسألته بشيء من الاهتمام "ما الذي جرى في موطنك حقاً يا كين؟.. أنت لم تخبرني قط من تكون.."
تراجع للوراء قليلاً وهو يدير وجهه جانباً وقال "لا يوجد ما يستحق الحديث عنه.. إنما أنا رجلٌ عادي.."
نظرت له ججي بغير اقتناع، فعاد كين يقول "أرجوك فكري بالأمر مليّاً.. لو كان الخيار أمامك هو البقاء والموت أو الرحيل والاحتفاظ بحياتك.. فأيها ستختارين؟"
قالت بعناد "البقاء طبعاً.."
نظر لها بضيق وهي تضيف بحزم "لا يهمني ما سيجري ولا أحب التفكير فيه.. أنا ماضٍ في هذا الأمر حتى نهايته.."
قال كين بضيق "حتى لو كانت النهاية هي قتلك أنت؟"
فقالت ججي بسرعة "وهل هناك من يأمن على نفسه القتل من الأكاشي؟.. هذه حياتنا، فلمَ عليّ التذمر منها الآن؟.."
غمغم كين وهو يحدق بسقف الخيمة "حقاً.. حياة الأكاشي تدور حول الموت بقوة.. فمن يمكنه أن يتوقع أمراً غير ذلك؟.."

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 17-01-16, 04:42 PM   المشاركة رقم: 69
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

فصلان محزنان للغاية

ولكم استفزني براد بغطرسته وعنجهيته

ولكن نهايته اثلجت صدري ..


كين محق .. ولكن ججي عنيدة ومصيرها ستهرب او يساعدها بالهروب عنوة عنها



خطر لي خاطر عجيب
وهو ان كين وججي ربما يكونا والدا المنقذ اﻷسطوري لجايا ..

او ربما قد شطح بي خيالي لووول



سلمت يداك وكلي شووق للآتي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 17-01-16, 07:30 PM   المشاركة رقم: 70
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2016
العضوية: 309617
المشاركات: 7
الجنس أنثى
معدل التقييم: انثى الحجاز عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
انثى الحجاز غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

رواية رائعه ومشوقه وتثير في عقولنا الخيال الممتع استمري في الانتظار ...

 
 

 

عرض البوم صور انثى الحجاز   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:18 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية