وكنت طبعاً ممن كانوا يترددون عليها , وكانت لي مُحبة وعليّ مشفقة, فلما وصلتني رسالتها لم يكن باستطاعتي ان ارد طلبها, لأنها في الواقع امرأة لطيفة مهذبة في معاملتها لأصدقائها ومعارفها.
فتحت لي امرأة الباب تسألني عما اريده , بعد ان صعّدتني بنظرها لتتأكد من اني لست من الأفّاقين.
قلت : لقد ارسلت السيدة راي في طلبي .
فتحت عينيها دهشة وقالت :
- أحقاً ما تقول ولكن مسز راي لم تخبرني بأنها على معاد مع احد من الناس.
- لعلها نسيت ان تفعل.
- إنها لا تنسى موعداً ابداً.
- لا تحاولي إقناعي بأن مسز راي قد استأجرت سكرتيرة خاصة في هذه الايام.منتديات ليلاس
وقالت الفتاة الحمراء الشعر بعناد:
- إنها عادة تنبئني بكل مواعيدها.
- إذن لعلها ارادت ان يكون موعدنا سريا.
فقالت وقد تظاهرت بضيق الصدر:منتديات ليلاس
- لا تحاول اللعب بالألفاظ, إن لم تخبرني بما تريده منها فلسوف تقف في مكانك هذا طوال الليل .
قلت "إنك تحاولين إضاعة وقتي وانا صديق قديم لماري وليس عليك إلا ان تذهبي اليها وتخبريها بقدومي, فقد ارسلت منذ نصف رسولا الى بار كوغان تسألني ان ازورها حالاً, هل اقتنعت الآن؟
- لا ولن اسمح لك بالدخول.
رحت انظر اليها , لقد كانت امرأة قوية الجسم موفورة الصحة اقنعتني نظراتها انها لن تسمح لي بالدخول برضاها واختيارها , فقررت سلوك سبيل جديد, فلم يكن مما يسرني ان اقف على الباب طوال الليل , فوضعت قدمي في داخل الباب في اللحظة التي حاولت فيها إقفاله , ثم تقدمت ادفعها عن الباب, واضعاً بطاقتي البوليسية امام عينيها فلما ادركت اني بوليس سري, اسقط في يدها, وتراجعت عن الباب , فأقفلته خلفي وانا اقول :
- إنك تحسنين القيام بواجبك, واذا طردتك ماري لسبب من الاسباب , فأطلبي الاجتماع اليّ, لأدبر لك عملاً جديداً, فقد احببتك , وقد نستطيع التفاهم معاً في المستقبل.منتديات ليلاس
- انك لن تحصل مني على شيء .. وليس يهمني ان تكون اصدقائها.
- هيا تقدمي الى غرفتها , وخبريها بقدومي.
-ترى ما اسمك؟
"اني ادعى ستيف"
قالت : وانا ادعى تيني .
- انت اكبر فتاة رأيتها تحمل هذا الاسم.
- وانت اصغر رجل شاهدته يحمل اسم ستيف .ريحانة

اخذتني الى غرفة الاستقبال , وكانت مؤثثة بأحسن الاثاث واجمله , وذهبت تخبر ماري بقدومي , فرحت أتأمل الرسوم التي تزين الغرفة , وفجأة سمعت الصرخة , فأسرعت ارقى الدرج , فشاهدت تيني قد تملكها الذعر تنزل من اعلاه , فصحت اسألها :
- ما الخبر يا صغيرتي؟
أشارت بيدها الى الطابق الثاني , حيث تقوم غرفة ماري وبعد قليل تمكنت من ان تتغلب على نفسها وتقول:
- لقد وقعت حادثة لماري هناك.
***
كانت غرفة ماري راي مؤثثة على الطراز الفرنسي, وكان من حق المرء ان ينظر الى رسومها واثاثها وترتيبها بعض الوقت, ولكنه في هذه الحالة لم يكن يستطيع ذلك , إذ ان الجثة التي كانت ملقاة بالقرب من السرير سوف تثير اهتمامه, وتمنعه من النظر الى ماسواها !
كانت ملقاة على ظهرها وقد وضعت يديها على شعرها , وارتدت ثوباً من ملابس السهرة , كأنما هي بانتظار زيارة صديق , ولم يكن هذا الصديق إلاي.
فحصت تنفسها , فإذا هي قد فارقت الحياة , وقد اخترقت طعنة الخنجر صدرها فأصابت قلبها . وكانت تيني تقف على الباب باكية يهتز جسمها ذعراً وخوفاً.
سألتها : من قتلها , من هو المجرم الذي فعل ذلك؟
وصاحت تيني تقول :
- لا ادري.
- تذكري الحوادث التي جرت في الساعات الأخيرة ؟ واعلمي ان عليك ان تفعلي , فسوف يسألك البوليس , وسوف يكون حسابهم لك عسيراً.
واسرعت افحص خزانة التواليت, فإذا دروجها قد فتحت مما يقطع بأن القاتل قام بتفتيشها ليعثر على صندوقة الجواهر التي كانت فيها.
وسألت تيني .. فيما اذا كانت هذه هي الصندوقة التي تضع فيها ماري جواهرها .
- لا ادري فأنا لم ادخل الى هذه الغرفة من قبل.ريحانة
- انت تكذبين ولقد انذرتك بأن البوليس سوف يصل بعد قليل وانه سيكون شديداً قاسياً عليك فأحذري ولا تكذبي. هل كانت ماري تضع جواهرها في هذه الصندوقة ؟
هزت رأسها بالنفي وقالت :
- سمعت منها انها تضع جواهرها في البنك.
- ما الذي كانت تلبسه من جواهرها هذه الليلة ؟

وفكرت تيني ملياً ثم قالت :
- لقد كانت تلبس قلادة من الماس كانت تحبها وتفضلها على غيرها.
- أهي غالية الثمن ؟
- انها اغلى ماعندها, وقد سمعتها تقول انها تساوي خمسين الف دولار.
- إن ماري لا تكذب, ولابد ان المجرم قتلها لسرقة هذه القلادة.
طلبت منها ان تذهب لاستدعاء البوليس , فقد كان التلفون في الطابق الاول. ورحت افحص الأرض في غيابها لعلي اجد أثراً يدلني على القاتل, ولكني لم اعثر على شيء لقد كانت السجادة نظيفة, فاستدرت افحص ادراج خزانة التواليت, فلم اجد شيئاً في اول الأمر, واخيراً عثرت على دفتر صغير, صغير جداً , وقد توهمت لأول وهلة ان ماري تستعمله لكتابة ارقام التلفون , ثم قررت الاحتفاظ به دون البوليس , فمن يدري لعلي اجد فيه أثراً يهديني سواء السبيل.منتديات ليلاس
وفي اللحظة حدثت المفاجأة , واحسست بشيء يقع على رأسي , ثم غبت عن صوابي.
منتديات ليلاس
***
لما افقت بعد قليل رأيت تيني جالسة بجانبي تحاول تدليك وجهي, فيما كان مفتش البوليس سام دوتي يراقبني و يطيل النظر اليّ.
سألتني تيني:
- هل انت احسن حالاً؟
- طبعا, ولكن رؤية المفتش سوف تذهب بكل جهودك الطيبة.
وقال المفتش دوتي :
- دعك من المزاح الآن , من المرأة القتيل؟
- إنها ماري راي.
- إني لا اذكر اسمها , فهل هي امرأة معروفة شهيرة؟
- طبعا ألا تذكر هذا الوجه الذي كان يقوم بالرقص في مسارح الليل.
واهتز المفتش لما سمع الجواب وصاح:
- يا الهي , لقد تذكرتها الآن , إننا نبحث عنها منذ ثلاث سنوات فلا نوفق لمعرفة مكانها , فهي تعتبر في الدرجة الأولى بين مروجي الدعارة , ياله من نجاح باهر حصلنا عليه اخيراً.
- ولكن لماذا كنتم تبحثون عنها, واسعارها كما تعلم فوق مستوى موارد رجال البوليس.
- كان من واجبك إنذرانا بمكانها.
- لقد كانت صديقة لي.
- وجئت هذه الليلة لزيارتها وقضاء السهرة عندها, أليس كذلك؟
- بالتأكيد.

- فوجدتها ميتة ملقاة على السجادة, ثم حدث ان جاء رجل وضربك على رأسك فأغمي عليك بدورك.
- ما اعظم ذكاءك!
- من الذي ضربك؟
- لماذا يحاول رجال البوليس إلقاء الاسئلة المسهلة على الضحايا؟ طلب المفتش من تيني ان تعترف بماتعرفه.
انكرت انها تعرف شيئاً, ولكنه اجابها بهدوء بأنه سيكون لطيفاً معها, وانها تحسن صنعاً اذا اجابته على اسئلته بصدق وصراحة.منتديات ليلاس
وعرف منها المفتش انها جاءت الى هذا المنزل منذ ثلاث اشهر , وانها كانت في بروكلين قبل ذلك وان صديقة لها دلتها على هذا المكان واعطتها عنوانه , على ان تقوم بوظيفة المراقبة امام الباب, واستقبال الزبائن وتوديعهم, وكان من جملة وظائفها تلقي المكالمات التلفونية الداخلية , فتعلم منها من القادم, فتستقبله وتسمح له بالدخول.
سألها : كم عدد الذين زاروا هذا المنزل الليلة؟
- زارنا اثنان فقط.
- من الذي استقبلهما وقدمهما؟
- انيتا و روز.
- متى كان ذلك؟
وفكرت تيني قليلاً ثم قالت :
- منذ ساعتين.
- اغادر ا المنزل منذ ساعتين؟
- نعم, ثم غادرته انيتا و روز لبعض شأنهما وشراء بعض الحاجات .ريحانة
- وهل شاهدت الرجلين وهما يخرجان؟
- لا, لأنهما يغادران المنزل عادة من الباب الخلفي.
- واما انت فلا تبارحين الباب الرسمي طوال الوقت؟
- هذه وظيفتي .
- هل كان من عادة سيدتك ان تستقبل بعض الزائرين؟
- إني لا اعرف شيئاً عن شؤونها الخاصة.
تدخلت في الحديث لأقول:
- إن ماري لم تكن تشارك في الاستقبال ولا في العبث, وانها احالت نفسها للاستداع منذ زمن طويل.
سألني دوتي غاضباً:
- وانت ماعلاقتك بها , هل كنت من اصدقائها؟
- نعم, ولكن ليس بالمعنى الذي تفكر به , وإنما كصديق تقصده لتسوية مشاكلها حين تتعرض للمشاكل.
- ومتى رأيتها لآخر مرة؟
- منذ شهر تقريباً, عندما دعتني لحضور حفلة من حفلاتها , ولتعلم اني لست الوحيد الذي حضر هذه الدعوة , او كان يلبي دعواتها , فقد كان هناك جماعة من الادباء والصحفيين يحضرونها ايضا.

واقبل احد رجال دوتي يحمل آلة الجريمة - السكين- التي لاقت بها ماري حتفها, وقد وجدها امام الباب الخلفي ولابد ان القاتل القاها قبل ان غادر المكان هارباً.
وفي اللحظة ايضا جاء رجل من رجاله يخبره بوصول الفتاتين انيتا و روز فغادر دوتي الغرفة لاستتطاقهما, والتفتت عندئذ تيني تسألني:
- ما الذي سيفعلونه بي؟
- لا شيء, سوف يسألونك بعض الاسئلة في مركز البوليس, ثم يطلقون سراحك.
وقالت هامسة :
- اريد ان اراك, فلأمر مهم.
- في الوقت الذي تريدين.
- يوجد بار في الشارع السادس يدعى روبوس ولي معارف فيه فانتظرني هناك.
- متى ؟
- عندما افرغ من هنا.
- فليكن .
وغادرت الغرفة لأجد دوتي في الطابق الأول يتحدث الى الفتاتين فسألته اذا كان يريد شيئاً , فقال :
- لا , لا اريد شيئاً منك الآن ولكن جرب ان لا تختفي عن وجهي.
ولذت بالصمت وغادرت المنزل , وبعد لحظات كنت في الطريق العام.

نهاية الفصل