لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-10-16, 02:20 AM   المشاركة رقم: 46
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : غَيدْ المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: ولَئن سُئلت عن هويتي سأشير الى عيناك \ بقلمِي .

 
دعوه لزيارة موضوعي





البـارت (40) :



شيء في قلبي يحترق

إذ يمضي الوقت ... فنفترق

و نمدّ الأيدي

يجمعنا حبّ

و تفرّقها .. طرق

***

.. ولأنت جواري ضاجعه

و أنا بجوارك ، مرتفق

و حديثك يغزله مرح

و الوجه .. حديث متّسق

ترخين جفونا

أغرقها سحر

فطفا فيها الغرق

و شبابك حان جبليّ

أرز ، و غدير ينبثق

و نبيذ ذهبيّ و حدي

مصطبح منه و مغتبق

و تغوص بقلبي نشوته

تدفعني فيك .. فتلتصق

و أمدّ يدين معربدتين

فثوبك في كفّي ..

مزّق

و ذراعك يلتفّ

و نهر من أقصى الغابة يندفق

و أضمّك

شفة في شفة

فيغيب الكون ، و ينطبق

...............

و تموت النار

فنرقبها

بجفون حار بها الأرق

خجلى !

و شفاهك ذائبه

و ثمارك نشوى تندلق


لِـ : # أمل دنقل









يَفتح لها باب السيارة بينمَا هي كانت جَامدة تجلُس بهدوء غير مستوعبة المَكان الذي وُجدَت فيه ، أصَبحت دهشتَها تساوي الألم الذي يسكنُ ليث الآن وهو يحدق لعينيها المغويتينِ بالدموع الجَميلة ، لِكَي يجعلها تزور ارض الواقع مرة اخرى ، أمسك بكفيها ليجعلها تترجل من السيارة ، واغلق الباب خلفها ، بينمَا هي تحدق بحسرة بيده الممسكة بكفها وبذراعه التي قدمتها ناحيته اكثر ، كانت حائرة تنظر لعينيهِ وللمكَان وكأنها تخبره عن مدى عذابها في زيارة اماكنه القديمة ، فماذا تفعل هي في هذا المكان ؟ الذي من الصعب تسميتهِ بوجهة الودَاع ، وخصوصًـا انها ستغادر الليلة الى مدينة بروموث وستتوجه بالقطار الى مطار لندن ، تنهدت تحاول الا تبكي ، فمن الجيد ان تبقى متماسكة لكي تستطيع الشبع من ملامحه ، خصوصًـا وهو انه يفعل ذلك بالمقابل ، يتلمس تفاصيل وجهها الشاحب بعينيه يحاول ان لا ينسى تلك التفاصيل والملامح وان لا تذهب من عينيهِ ، كانت لحظة صامتة على تلال كامبريدج الجبلية وهي تطل على المدينة بأسرها وتغزو مساحات الضباب المنطقة العلوية لها ، لوَ أنني أستطيع ان أمدَّ يدِي للسحاب ، واخبرهُ بأن الحلم في المطر اصبح كابوسًـا يزورني في كل مرة تغفو فيها عيناي ، لقد اصبحت سخرية للعثرات التي تزور مصيري معك ايها الرجلُ ، انا مصابة بك حتى العظم ، وعميَاء لأجلك حتى الممَات ، الا ترفق بمن ركضت لأجلك في مُدنِ التيه واعطتك ما يليقُ بكَ من الحب؟ أذكر انني قلت لك هل يقود الغياب الناس الى الجحيم ، هل يجعل قلبهم الذي بحجم كفوفهم محرقة لكل نارٍ عابرة سكنت فيهم؟ ابتسمت ، وصمتت ، ولم تكن في عيناكِ سوى اجابة اولئك الغائبين الذين احترقت قلوبهم في تلك المحرقة ، وهمست لله حينها ، يانار كوني على قلبهِ الملتهب...بردًا وسلامًـا ...كما كنتِي بردًا وسلامًـا على ابراهيم ..
جلست معه بهدوء على سطحِ التلة انتزع معطفه الاسود وبانت وسامته الغائبة بمقيصه الابيض ، فتح الازرار العلوية ثم رفع رأسه للسماء لكي يتنفس الحرية ، الحرية التي سرقتها عولمة العالم عليه ومنحته وسمة سوداء للعروبة ، ابتسمت وانا انظر لقيوده الوهمية ، بكل بساطة قلدت حركته ، اغمضت عيني ، رفعت راسي للأعلى وتنفست لأجله الحرية ..فتح عينهِ اليمنى بينما اليسرى كانت مغلقة ، حدق اليَّ وابتسم لتقليدي لحركته ثم التفت لناحيتي وانا لازلت مغلقة عيناي ، لم اشعر بشيء ، لم انتبه انني في ذلك العالم حتى سرق تلك القبلة الخاطفة التي سرقت مني تلك الاحلام الوردية ، التي احلم ان اكون فيها سعيدة واصرخ على متنِ هذهِ التلال للعالم بأني أكثرُ العاشقين ادمانا له ، ابعد وجههُ بمسافة تقل عن 3 سم ، وهو يحدق الى ملامحي المتفاجئة من قسوة حصاره المودع، لويت شفتي محاولة سرقة اللحظة واللذة التي تغادرني بمجارد رؤية عيناه المغازلتان تودعاني في اللحظة ذاتها ، اختقنت وكأن الاكسجين الذي يحيطنا هو عبارة عن غاز سام يحطم أفئدتنا ويقدمها قُربانا حيًّا لهذا الوداع ، ابتسم لي طويلاً رغم الحزن الواضح في عينيهِ ، ذبولنا واضح ، اننا الزهور المتروكة بلا مياه في وحل هذا النهر العظيم الذي جرفنا نحو الخلاص ، بعثرت تنهيداتي لعلي اطرد ما اطرد من صدري المكتوم بهِ وجعه وانا التفت مشيحة وجهي عنه انظر الى العالم الذي امام من فوق القمة وانطق بحسرة : يعني خلاص؟
ابتسم بينما هو يعبث في بعض حبيبات الصخور ويرميها بخفة من على قمة هذهِ المدينة ويتنهد بابتسامة مقتولة بالالم : لاتقولي خلاص..يارب مايكون بيني وبينك خلاص...يارب اكونك طول العمر...
ابتسمت وريف اليه وهي تحدق فيه : الله يجيب فيه اليوم اللي يتحقق فيه حلمي وحلمك...
ليث يبتسم وهو يمد ذراعه ناحيتها ويشدها ناحيته مقبلاً رأسها : اللهم امين...
نظر لعينيهَا ، يرى الحزن ، يرى طريقًـا للدموع ، يبتلع غصة المخنوقة ويبتسم محاولاً ابعاد هذا الحزن عن حيزه ، غمز بعينيه بابتسامته لها وهو يضع يده على بطنها : كيفه شيخنا؟
ابتسمت وهي تعقد حاجبيها محاولة حبس الدموع ، لكنها نفرت فجأة الى وجنتها حينما لامست كفه الحنونة بطنها ، وضعت يدها على يده وهي تبتسم وتحدق في عينيهِ التي تغوص في عينيها وبنبرة مخنوقة بالفرح والبكاء : شيخنا يسلم عليك ويقولك اكثر من ثلاث شهور لو ماجيت خلالها ماراح اسامحك...لا انا ولا امي
ابتسم ليث يقبل دموعها : تكفين لاتبكين...عشاني تماسكي...لاتخليني انهار وانا مابديت...دموعك اغلى ما املك لا تنزليها...
مسحت دموعها وهي تحرك يديها تحاول تجفيف الدموع وتحاول الابتسامة : انا مابكي...هرمونات الحمل مأثرة فيني بزيادة...
ابتسم وهو يراقب حركتها ، كم كانت جميلة ، بارعة في حزنها وكأنها تحاول تجريح عروقه وشرايينه بهذهِ الدموع المالحة التي اخترقت مصير حياته ، تنهد وهو يحتضن كفها بكفيه : آسف على كل شيء سويته ممكن انه ضايقك او أذى روحك، بس اعرفي ان ربي مازرع في قلبي حب اي بنت قبلك وماراح ينال هالنصيب احد من بعدك...
ابتسمت تتأمله طويلاً لتردف وهي ترفع كتفيها بعجز : مافي اعظم من جرح توديعك ليث...
ليث باندفاع وهو يشد على يدها : ومافي اجمل من وجودك معي بـ هالغربة...انتي اجمل شيء حصل لي من بعد هالعشر سنين...ومعك كانت اجمل ايامي هنا...
ابتسمت وريف تحاول الا تذرف دموعها : ليه احسك تودعني وداع اخير...تحسنني وكأني ماراح اشوفك مرة ثانية...
ابتسم صامتًـا محدقًـا الى السماء وللبعيد ، ثم اعاد نظره ناحيتها واردف: لان الانسان مايضمن روحه في هالبلد ، فكيف لو كان شخص مطلوب مثلي؟
اهتز جسدها وارتجفت بقوة وعينيها امتلئت بذرات الدموع المالحة لتردف بغضب حزين وباكٍ : بس انت وعدتني انك راح ترجع...
ليث يبتسم لها بحنان وهو يقبل يدها : وانا عند وعدي...ثلاث شهور لو خلصت فيها مثل ماخططت راح ارجع...ادعي مافي بلا يصيبني غير هالبلا اللي نازل فوق راسي...
وريف تحتضنه بقوة وكأنه تغوص بداخله وتشتمه بقوة : يارب مايصير غير رجوعك لنا بالسلامة...
ابتسم لها ليث وهي ملتصقة بهِ تشتمه وتودع رائحته ، غمرها بيديهِ وجعلها رهينة بين ذراعيه ، أغمض عينيه الحزينة التي لمعت بالدموع امام غياب الشمس ، الا انه عند وعده لنفسه ، تلك الدموع لن تنزل ، ستظل شامخة تعذبه حتى انتهاء المصير ، أستمر مغمضًـا عينيهِ يشتم رائحتها العذبه ، رائحتها الناعمة والهادئة التي تدل على حضور انوثتها وجمال طفولتها ، رائحة زهور اللافندر التي لا تتخلى عنها ، كانت تبكي لديه متكورة تحاول البقاء متماسكة ، ذراعه تحيطها ، ويديها تشد على قبضة الرمال محاولة بهذهِ الطريقة التماسك ، كانت قاسية في هذا الوداع وهي تعتصر الرمال والصخور في يدها ، رفع يدها من الارض راميًـا التراب والحجارة عن يدها الناعمة وهو ينظر لها ناهيـا : بتجرحين نفسك..
كررت كلمتها وجرحته اكثر واكثر : مافي اعظم من جرح غيابك...
ليث يمسك وجهها بين يديهِ ويقترب ناحيتها اكثر محدقًـا فيها برجاء : ورحمة والديك لاتجرحيني بكلامك اكثر...
وريف تستمر بهذا الالم العجيب : الحين عرفت وش هو شعور امك...الحين عذرتها مليون مرة ومرة...
اختنق صدره بالجرح ليترك وجهها تلقائيًـا وهو يدير وجهه ويتنفس بقوة محاولا طرد الحريق والجرح الذي اشتعل بداخله ، بلع غصة عميقة خشنة لا تشبه الغصات الماضية وهو يحاول الا ينهار امامها ، امسك بكفيها وقبلها وابتسم لها : باقي قدامنا اجمل ايام العمر...بعيشها وحق خالقي معك...نذر نذرته وانا اللي بوفيه...
وريف نهضت وهي تقف امام غروب الشمس المتسلل ، كم بدأت عينيها الدامعتين تعكس انعكاس ضوء الشمس وكأنها بعينيها النقيتين مرآة لهذهِ السماء ، جميلة تتسلل بحزنها وتبتسم رغم ذلك ، وقف هو بجوارها ينفض التراب عن جسده ، واستدارت نحو السيارة ليستدير هو ايضًـا ، بصمت ، وداع ختمه الصمت ، ربما يكون اكثر قساوة ووطأة على جروحنا من دون تذكر هذا الحديث الموجع ، لايعلم كلاهما لما هرب الى حلبة الصمت ، ربما هو الخير الوحيد لانقاذ ماتبقى فيهم من بقايا ، ركبت بعد ان فتح لها باب السيارة ، صمتت قبل ان تدخل دون ان تنظر اليه ، وقفت للحظات وكانها تتحدث بصوت مرتفع عن مدى قساوة الوضع الذي وصلوا اليهِ الآن ، ان يبعدها عنه لحمايتها ، عضت شفتيها لاتريد ان تهدر الدمع اكثر ، تعلم انها ستبكي اكثر حينما تذهب للوطن ، ركبت بهدوء ، امام صمته ومراقبته لها طوال الوقت يفكك شفرات صمتها وكأنه يستمع لصوت صمتها جيدًا ، توجه نحو مرتبة السائق وقاد سيارته وسط السماء الغائبة في الغروب ، اعادهم صوت الرعد في منتصف الطريق الى الواقع ، ليلتفت كلاهما الى الآخر وينظرا لبعض ، صوت هذا الرعد يذكره بأشياء جميلة عاشها معها حينما كانت معه في شقته، حينما كانت تعاني من فوبيا صوت الرعد تستيقظ من نومها كل ليلة حينما تستمع الى هذا الصوت ، لتسمعه يهمس في اذنها بانه معاها ويقرأ ذكر الله في اذنها لتغفى نائمة ، هذهِ المرة حينما سمعت صوت هذا الرعد وارتعش جسدها اصطدمت عينيها بعينيه ، وهو يراقبها وسط صمتها ، كلاهما ينظر للآخر دون اية كلام ، وكلاهما يعلمان معنى هذا الصوت لهما ، اعادت نظرها الى النافذة بجوارها ، بينما هو اعاد نظره للطريق ، وبداخله رجل يشتعل الجحيم بداخله..
وصلوا الى بوابة الفندق وكان مشعل قد انزل حقائب سفرها وسفره للذهاب للمطار والوطن ، نزل من السيارة ، نزلت هي ايضًـا ، ابتسم لمشعل بحسرة الذي يودع احبته للقاء احبته بينما هو سيبقى ليعاني وحيدًا ، لتعود حياته وحيدة وخالية من كل شيء ، مشعل يتقدم ناحيته ليبتسم ايضًـا وهو يحدق في كلاهما ويربت على كتف ليث : وش في ملامح وجهك وكانك رايح للموت؟ توكل على الله وباذن الله بترجع...
عاد نظره للوريف التي تقف صامته تراقب المطر وتراقبهم ثم ابتسم رغم حزنه : حطها في عينك يامشعل...لاتكسرها اكثر من الكسر اللي فيه هي هالحين...
مشعل يبتسم بدهشة ويجيبه بهدوء : عجيب...ابوي يوصيني بالوطن...وانت توصيني عليها بالغربة..
ليث بهدوء : بما انك كافل اختك...لاتضيعها ...حطها بعينك ...واوقف معها لانها بتروح والكل بيكون ضدها..*حك جبينه ثم اردف وهو يراقب بطنها* وخصوصا انها حامل بولدي هالحين...
مشعل يبتسم : لاتوصيني عليها وعلى اللي في بطنها...اختي بعيني...وتطمن محد يقدر يسوي لها شيء بحضوري..
ليث : الله يوفيك حق وقفتك معي بـ هالغربة...يشهد الله اني عرفتك رجال وجيتني رجال...
مشعل بعتب: بس لو مخليني ابقى معك لين ماتخلص قضيتك...
ليث ينظر للوريف : انت تعرف اني مقدر اخليها تروح وتواجه كل شيء لوحدها...عشان كذا ابيك تكون معها..
مشعل يهز رأسه وهو يحتضن ليث : الله يرجعك لنا بالسلامة يابو يوسف...
ابتسم بصمت، وهو يتأمل هذا الاسم الذي يسمعه الآن ، اتسعت ابتسامته اكثر وهو ينظر للوريف ويحتضن مشعل بالمثل ويهمس بأمل : اللهم آميــن...
مشعل تدور عينيه بينه وبين الوريف ثم يردف: يالله انا بخليك معها على ما اودي الشنط بالسيارة...
ليث يهز رأسه ويبتسم متقدما ناحيتها ، ارتجفت طويلاً ، تسللت يده ناحية كفها ليجعلها تقترب منه اكثر مبتسمـا لها : ما اوصيك على نفسك يا اجمل شيء حصل لي؟
ابتسمت له بين دموعها وكانت اجمل واكثر انوثة بهذا الوداع لتردف : اوصيك على نفسك...ارجع لنا بخير ...
ليث يبتسم لها وهو يتقدم ناحيتها اكثر ، احتضنها ، الوداع الذي يفصل بينها وبينه ، الوداع الذي يفصل بينه وبين الوطن ،الوداع الذي يفصل بينه وبين امه ، الوداع الذي يفصل بينه وبين اهله ، الوداع الذي يفصل بينه وببين حياته ، غرزها كزهرة في تربته ، نمت نمت طويلاً ، وصعب عليه اقتلاعها ، بللت دموعها قميصه ، لم يبالي فهو لا يفكر ان يفرط بهذا القميص الذي بللته دموعها العذبة ، حاول ان يحتفظ برائحتها طويلاً وابتسم وهو يضع يده على بطنها ويهمس لطفله امامه : هالله هالله في امك يابعد ابوك...
ابتسمت وريف وهي تقبله في خده الايمن : لاتنسى اني انا واللي ببطني ننتظرك..
ليث يبتسم لها وكان مختلفًـا هذهِ المرة في عينيها : اسمه يوسف..
وريف تتسع ابتسامتها اكثر : انا ويوسف ننتظرك...
ليث يقبل جبينها طويلاً ، ليردف لها بعينينِ مليئتين بالحب : وداعة الله ...يا اعز ناسي...
وريف تبتسم وهي تبتعد وتلوح له : ودعتّــــك الله...انتبه لنفسك
ابتسم ملوحـًا لها وهي تركب السيارة ومشعل يغلق لها الباب بعد ركوبها ، استدار وهو يطلق تحية لليث من بعيد ، هز ليث رأسه مبتسمـًا لهم بينما عينيهِ تراقبان السيارة تغادر المكان ، ليبقى وحيدًا يرفع رأسه الى البلكوونة ، يتذكر تلك القصص والحكايا التي مرت عليه هنا ، الناس الذين سكنوا قبل مشعل ووريف هنا ، لكن لم يسكن في قلبه مثل اللذين غادروا الآن ، تلك الليالي العظيمة التي لايستطيع نسيان حتى تفاصيلها ، بقي وحيدًا تحت المطر ، عاد كما كان ، وحيدًا في ارض كامبريدج ينازع الغربة ، يتحسر على الايام والاعياد التي تمر دون اي احد من اهله ، رفع معطفه الجلدي فوق رأسه وعبر الطريق الى فندقه الامامي ، صعد للاعلى وهو يشعر بأن هناك شعور ثقيل يمر به ، كلما تذكر غيابهم عنه...



،





يجلُس في الحوش وهو يترقب الليلَ يمضي من هذَا اليومُ الكئِيب ، هناك وحشَة عظيمة تقنطُ في أيسر صدره ، وكأن العالم كله يعتصر هذهِ القطعة الصغيرة النابضة فيه ، يوبخه على ضميرٍ احياه في لحظة الندم ، أطلق آه موسومة بالارهاق النفسي ، كلمات مشعل المتوسلة تنهال على اذنه كالسياط التي تؤذِي بدنه ، يرتدِي فروته وهو جالس على كرسي عريض في الحوش الموضوع على عشب ، امامه منقلة فوقها الحطب وابريق شاي ، كان الجو قاسيًـا ببرودته ، الضباب الابيض يخرج من افواههم بمجرد التنفس ، كتلة من النجوم تضيء هذا الليل الدامس الذي اوشك على الوصول الى اقصاه ، موجات البرد ترتطم في جسدهِ ويرتعش كل ماتذكر بأن لدِيه من توسل بهِ كي يسامحه ، حتى انه لم يستطع النوم ، جافاه منذ تذكره لتلك الكلمة العقيمة التي سرت في عقله كالكهرباء ، رفع رأسه للسماء وناجى ربه ، سكب له من الشاي الدافء ، شربه ، شعر بالدفء قليلاً ، امام هذا الحطب الذي يشتعل ويستعر في صدره ، أتت ام رياض بعد ان انتهت من ترتيب المنزل ، وهي تخرج ببطانية متينة وتجلس امام الحطب بهدوء ، لتبتسم له : وش فيك منت على عهدك؟ وينك ماتجي 11 الا انت نايم؟ هالحين عدت 2 وانت بعدك جالس...
بو رياض يفرك عينيهِ ويرتشف من الشاي الساخن : النوم مجافيني...
ام رياض تسكب لها من الشاي وهي تنظر لابو رياض وبمزح: صاير تحب السهر اشوف...ولا السالفة فيها مرة وانت مطابن علي؟
بو رياض يضحك وهو يهز رأسه : الله!!! انا وييييــــــن وانتِي وييين...
ام رياض ترتشف من الشاي وتبتسم وهي تضيق عينيها : تسويها...مافي رجال يقدر يخلص لزوجته...الا مارحم ربي..
بو رياض : واللي تشوفيه قدامك ماهو بمخلص لك؟
ام رياض ترفع كتفيها : لو بتبع قلبي ايه انت اكثر الناس اخلاص لي...بس لو اتبع عقلي بقول مامن الرجال امان..
بو رياض يبتسم : لو في يوم قررت اتزوج بجي وباقول لك يام رياض...
ام رياض برعشة : فال الله ولا فالك...
ضحك بو رياض : ههههههههههههههه ماظن به مرة تملي عيوني غيرك...عاندت ابوي وامي عشان اخذك بالاول...وش له اخذل فيك هالحين؟؟ على الرغم اني لو سويتها مابغضب رب العالمين..
ابتسمت ام رياض : بس انت مو محتاج...رب العالمين ماخلاه حرام...بس هم ماخلاه حلال عبث...الله حلله للي محتاج...وشيء ثاني الزواج احيانا يحل مشاكل بين الاهل ويحفظ الدم والعرض...
بو رياض يتنهد ويبتسم : خلاص ماظن بعد هالعمر افكر بـ هالشيء...هالحين انا افكر ازوج هالولد...بس مدري وش سواد الوجه اللي مسويه وجاي به...
ام رياض بعدم رضا : لاتتكلم عن ولدي كذا...انا اعرف ولدي اجودي ومايسوا خوايب... وبتشوف ان وجهك ابيض لا جى...
بو رياض : هالحين ولدك ماهو بولدي؟
ام رياض تهز رأسها : ايه...
بو رياض : اجل خلني العن خيره لين ماقول امين...دام قلبي مو مرتاح من كلمته... وش له تقولين ولدي ماولدي وكأنك جايبته بروحك...
ام رياض باصرار : بس انا اعرف ان مشعل مايطين لك وجه ...من صغره ماجاب لك كلام لاهو ولا اخيته...مستحيل يجيبه هالحين...
بو رياض : خله يجي...ويصير اللي يصير..
ام رياض : انا واثقة من هالولد يابو رياض...طمن قلبك وحط رجلك بمويه باردة...
بو رياض : الله يجيب الخير بس...
ام رياض : طيب ماتفكر تنام؟ ولا خلاص ؟ حلى لك السهر...
ينهض بو رياض وهو يتمدد ويبتسم ويغمز لها : ماتخاوني؟؟؟
تضحك ام رياض وهي ترتشف رشفة اخرى من الشاي ، يترقبون ان يأتي ليل يوم غد حتى وصولهم ، يترقبون تلك اللحظة التي ينتظرها الجميع ، وبدون اية مواراة ، كانت هي ايضـًا تراقب النجوم ، تشعر بوحشة الليل ، وبغرابة الشعور ، بكهرباء غريبة تتسلل الى منزلهم ، تشعرهم بالرعشة ، تبعثرهم دون اية رحمة!



،




مقَهى تحت الارض وُجد بعد الحَرب العالمية الثانية ، كان ملجأ للنازيين للاختباء من جنود الألمان ،مزين بالورود ورائحة القهوة المحمصة توًا ، الأزهار تنتشر بشكل جذاب ، وفي الزاوية يوجد فنان يرسم العابرين المارة من هذا المقهى ليخلد صورهم في الجدار الخلفي المليء بصورة مضت عليها قرون ، كانت عينيها تتفحصان المَكان كالفراشة التي انطلقت توًا من يدِ صائدها ، عينيها ترى بديعية المكان والاطلالة ايضًـا لتنرسم تلقائيًا عليها ملامح الدهشة ، لم تنتبه لنفسها بأنها وصلت الى الطاولة وبأنه ازاح كرسيها لتجلس عليه بهدوء ، وضعت حقيبتها الصغيرة على طرف الطاولة وهي تنظر الى اللوحات التي تم تصويرها قديمًا ، دُهشت تلقائيًـا من المكان ، انتبهت لذاتها حينما رأت ابتسامته المبتسمة على ردفة فعلها الواضحة ، سعلت بحرج محاولًـة بكل ضراوة تفادي هذا الامر ، ولكن كل هذا باء بالفشل ، سحبت نفسًـا سريعًـا وهي تبتسم : من وين طلعت هالمكان؟
ياسر يرفع كتفيه ويستند على الكرسي وبإجابة صحيحة تلائم موقع المكان : من تحت الارض..
ضحكت ضحكة قصيرة ولم يكن بوسعها النقاش ، فالمكان بالفعل تحت الارض هزت رأسها بغير تصديق : كم عمر هالمكان؟
ابتسم لها : قولي اكثر من 200 سنة ...
مهره بتفاعل غريب تبتسم : يجنن يجنن...اعشق الاماكن التاريخية...خصوصا اللي تكون غريبة ومبنية تحت الانقاض..
ياسر يبتسم : لوما ان احياه الناس وتساعدو ولا كان هالمكان مقبرة جماعية بدل ان يكون بـ هذا الجمال...
حدقت في عينيه قليلاً ، كأنه يشير لذاتها التي تفضل ان تدفنها بدل ان تحارب عجزها هزت رأسها بغير رضى وهي تحاول ان تهرب من الموضوع ، تسحب قائمة الطعام بارتباك وبهروب واضح امام عيني ياسر المستنكرتين مع ابتسامتهِ التي تود منحها هذهِ المساحة ، انشغلت في رؤية واختيار الطلب بينما ياسر نطق : كوني اقوى من انك تواجهين ضعفك...
مهره بسخرية تشيح برأسها للنافذة ثم تنظر له : كون اجمل بصمتك...
ياسر يضحك ثم يشبك يديه ويتقدم بشكل مفاجئ ناحيتها على الطاولة مردفًـا : اعتبريني صوت ضمير ميت في عقلك...جرس انذار مفاجئ قرر انه يزعجك حتى يخلصك من الدوامة اللي انتي فيه...
مهره تهز رأسها : انا مافيني حاجة...*بارتباك* بدأت أتحسن واتذكر...وو...
ياسر : مش بسهولة...خطوة كبيرة انك بدأتي تتحسني...بس مش بسهولة راح ترجعي كأي انسان طبيعي...راح تواجهي مخاوف لانك ماواجهتي مثل الاشياء اللي يواجهها اي احد...
مهره تبتسم للجرسون وتتجاهل ياسر : كورسان الشوكولاته مع قهوة عربية لو سمحت...
يدير الجرسون عينيه لياسر الذي كان رافعًـا حاجبه الايسر ملتكأً بابتسامته ثم يردف له : اريد من ذات الشيء الذي طلبته...
رفعت عينيها نحوه ثم استدارت ناحية الرسام تراقبه ، لاحظت شيئًـا غريبا ، الرسام كان يركز ناحيتهما ويعود بنظره للوحته ثم عقدت حاجبيها وكأنها توصلت للنتيجة لترى عيني ياسر تبتسمان بانتصار ليردف : هذا وسم ماينسيك اللي حصل هنا...بدون لاتسجلي اي شيء في دفتر ملاحظاتك...عيشي اللحظة وانتبهي للاشياء المرئية ، لها وقع اكبر في ذاكرتك..
مهره تهز رأسها بعدم قبول وسخرية لتردف بشعور غاضب : خير يعني انت شنو مفكرني؟ جاهل؟ مجنونة ؟
ياسر يمسك بيديها فجأة لكي يجعلها تهدأ بينما هي شُغل عقلها بيديهِ الدافئتين اللتين تحيطان بيديها محاولاً ترويض غضبها ليردف : طبعًـا لا ...اللي ابيه منك انك تتخطين هالعقبة في حياتك...
مهره بغير استيعاب تبتسم ساخرة وعينيها مليئتان بالدموع وهي تقف : انت ليه باني هالزواج بيني وبينك اصلا؟ حتى تعالجني؟ حتى تربح قضيتك وتكون بالفعل تستاهل فلوسك؟
ياسر بصبر يزم شفتيه ويسحب نفسًا عميقًا وهو يسمع حديثها الهاذي : مهره...
قاطعته بقهر وهي تصفع على الطاولة بقوة : انا اعرف اشكالك مثل راحة يدي...اشخاص مايسوون الخير لاجل الخير...يسوونه عشان يريحون ضميرهم...
ياسر يقف وهو يحاول ان يتحدث معها : مهره اجلسي خليني اكمل كلامي...لاتكونين انفعالية ونخسر التفاهم بيننا...
مهره بغيض شديد : انت منو وكلك طبيب نفسي علي؟
ياسر يتحوقل وهو يتمسك بكل خيوط الصبر : لاحول ولاقوة الا بالله...اجلسي وهذي اخر مرة انبهك...كل الناس قامت تطالع فينا...
استوعبت مالدوامة التي وضعت نفسها بها ، وهي تدير عينيها بارتباك للناس وتستوعب اعينهم المحدقة لهذا المشهد المحتدم والمفاجئ ، عادت طواعية الى كرسيها ولكنها كانت غاضبة تشد قبضة يدها ، لم تلمس صحنها وقهوتها بقت تندب الفراغ فقط ، ياسر يحتسي قهوته وهو يحدق بها ، مهره تغمض عينيها بقهر شديد : بأي حق تتزوجني وتستغلني لاجل قضيتك؟
ياسر يضحك ساخرًا : انتي من وين تجيبين هالكلام؟ من وين تطلعين هالافكار المجنونة وتصدقينها؟
مهره تحدق فيه وتشير الى كلاهما وهي تضيق عينيها بغيض وباندفاع : والله ماهو بعيد المصدر...كاهو جالس قبالي...
ياسر يتنهد وبصبر طويل وهو يهز رأسه : لا لا...انتي ماينفع معك كذا...انتي انسانة معدومة الثقة...
مهره بغضب : انا معدووومة الثقة ؟؟؟؟؟ يابو الثقة ؟؟؟؟
ياسر يصدمها بأحرفه التي رنت قارعة في اذنها : حتى انوثتك انكرتيها؟ صح انا محامي...وابي اكسب قضيتي...ولكن مو باستغلالك...ليه ماحطيتي احتمال جاذبية انوثتك مثلا؟
فتحت عينيها بصدمة ، تشنج فكّها ، انه اول رجل يذكرها بأنها انثى كاملة ، حتى انها حدقت بجسدها وكفيها ، تلمست بشرتها ، رمشت بغير تصديق ، هل بالفعل ياسر وضع الجاذبية خطًا اولا بدل ان تكون مرحلة استغلالية في حياتيهما كثنائي مبعثر كليًا ، ارتبكت ، ارتجفت ، راوغت امام ياسر الذي ابتسم كاشفًـا مصدر مراوغتها وهو الخجَجل ، ابتسم يكمل فنجان قهوته ، ليسمع مهره بهمسة مردفة : ء..أنوثتي؟
ياسر هز رأسه : ايه...اللي انتي مو منتبهة لها في وسط حالتك...الا انها بالرغم من ذلك طاغية وظاهره رغم اهمالك...
مهره تحاول كتم خجلها بغضبها المصطنع : انت ماتستحي على وجهك؟ ماعدت تعرف وتثبت كلامك؟
ياسر يفتح عينيه ويبتسم وهو يرفع كتفيه ويهز رأسه : بالعكس...انا بكامل قواي العقلية...
مهره بغيظ شديد تجن : خير يعني انا مجنووووونة الحين؟؟؟؟
ياسر يعقد حاجبيه وويردف : انتي ليه تحبين تقوليني كلام انا ماقلته؟ لاحظي طول الوقت وانتي تتهميني بشيء انا ماسويته..
مهره تقف للمرة الثانية وهي تضع حقيبتها على ظهرها وتشير له : انا اعرف امثالك زين... بس ولايهمك سيد ياسر...بتعاني مني الكثير....
ياسر يهز رأسه مبتسمًـا : وانا مستعد لـ هالمعاناة...
خرجت من امامه غاضبة تمشي رغم ابتسامة ياسر المُستمتعة بطيف غضبها الممزوج بالخجل ، سحب اللوحة من الرسام ودفع له مبلغه ، وخرج خلفها مباشرة ، كانت تمشي وهي تحاول ايقاف سيارة تاكسي بينما تحادث نفسها وتلعن ذلك الرجل الذي وقف بجوارها مُبتسمًـا لها : ليه موقفة تاكسي؟ ولا انا مامعي سيارة!
مهره بغضب : مابي اركب سيارتك...
ياسر يفتح لها باب التاكسي لتركب دون ملاججة مُندهشة من عدم اصراره ، لكنه صدمها حينما ركب بجوارها ودفع للسائق ، نطقت بغضب شديد هذهِ المرة : انا بالداخل حاولت ابلعك ماقدرت...هربت منك...ويومني هربت تلحقني بالسيارة؟ اي مريض نفسي انت؟
ياسر يبتسم وهو يضبط حجابها برفق بينما هي جمدت مكانها لتسمعه يردف بجوار اذنها : مريض نفسي بك...
فتحت عينيها على كامل اتساعها وهي تسعل بحرج وتلتفتت للنافذة محاولة تجاهل هذا الرجل وهي تدعو الله ان يمر هذا اليوم بخير وينتهي دون ان تتفاقم على رأسها المشاكل


،



فِي المطار ، بينَما هي تقف على درج الطائرة وخلفها مشعل ، شعرت بألم غريب يزورها ، ألم وكأنهُ يفتتها ويبعثرها الى اشلاء ، ألم يهديها المخاض لتودع طيف الوطن ، كيف أعود يا إلهي وأترك أيام الضياع في طرقات التيه معه؟ كيف انسى كل شدٍ وجذب حصل بيني وبينه ؟ كيف اسلم نفسي للوداع واتركهُ رهينة للغياب؟ كيف يمكنني ان ادوس على هذا الحب الذي جعلني مفتونة بسماع اسمه ، الى اخشى ان يطُول هذا الغياب ويفتتني ، آه من تلك الروح التي وضعتها في رحمي ليث ، اخشى عليها من غيابك، جميعنا بتنا نخشى من غيابك ، نخاف من ان يطول ، لانك لا تترك الانسان حتى يهذِي بك ، لقد علمتني الصبر والانتماء ، علمتني اشياء كثيرة ، علمتني التضحية رغم كل العقبات التي تحيط بك ، الا انك لم تجازف بي ولو لمرة واحدة ، شرودِي طوال هذهِ الاشهر بك ، انساني فرحة العودة الى الوطن ، لقد اصبحت العودة موجعة كما لم ارسمها من قبل ، كنت قد وضعت نهايات سعيدة لهذهِ العودة ، لكنني والآن ادركت انني ذاهبة الى حربٍ عظيمة ، حربٍ نفسية لا يربح فيها الا القوي ، وانت مصدر قوتي ،
احنت رأسها قليلاً لتتلمس بطنها ، شعرت بمشعل من خلفها يمسك بظهرها مردفًـا بنبرة هادئة : وريف...خلينا نصعد الطائرة لانعطل السير...
ادارت عينيها ناحية مطار لندن ، ودعت هذهِ الارض بصعوبة ، وهي تخاطب الغائب ، صعدت بألم شديد الى تلك الطائرة ، جلست على مقعد بجوار النافذة ، ومشعل بجوارها ، بللت شفتيها وهي تشرب من عبوة الماء الموجودة محاولة التماسك ، تراقب من النافذة مطار لندن ، اختنقت بقوة حينما سمعت صوت كابتن الطائرة يخبرهم عن بداية الاقلاع ، لماذا؟ لان قلبها يقتلع من مكانه الآن ، لانها لا تملك طاقة كافية للاحتمال ، ومشعل اكبر شاهد على ذلك ، فهو يحدق فيها بشفقة من الالم الذي يعتريها ، من الارهاق المنهك لها ، حاول ان يخبرها بانه معها ككل مرة ، امسك بكفها ونظرت له بابتسامة وبعينينِ لامعتين بالدموع ، مسحت دموعها وهي تستمد من شقيق غربتها القوة ، قرأت اذكارها وهي تدعو الله ان تكون بخير ، امسكت بطنها كلما تذكرت والده ، حاولت طرد الالم عنها لكي تغفو في ساعات الرحلة الطويلة ، لكن كلما مرت ساعة تليها ساعة اخرى نبهتها عن بعد المسافة عنه ، تجعلها تفكر باللذي سيحصل له لاحقًـا ، هل سينجح ؟ هل سيتمكن من ذلك؟ هل سيعود ويخبر العالم بأنه بريء؟ ، اختنقت بذلك ، مشعل يغفو في مقعده بهدوء ، هي تراقب الليل الذي اظلم من الطائرة ، بقيت 5 ساعات للوصول الى وجهتهم ، مطار الرياض...
وضعت سماعات الهاتف وهي تستمع لصوت القرآن الكريم بصوت القارئ ماهر المعيقلي ، غفت مع صوت القرآن وكأن طفلها يحتاج الى سورة ياسين فقط لكي يرتاح




،



يرتدِي نظارته الشمسية ويقف بمعطفه الاسود امام بنية فندقه الضخم ، سنين طوال وانا احتصن الامي وهمومي بك ،سنِين غير منقطعة تنقضي دون ان يشعر بها شيبَ قلبي المفقودُ في مدينة التيه ، ان هذهِ المدينة هي لعنتِي ، كامبريدج الكئيبة ، التي جمعتني بأغلَى من احب وغادرتهم غائبًا بينما انا بينهمُ ، كيف يقوى هذا القلب على توديعهم؟ كيف يستطيع عقلي تقبل فكرة ضياعهم عني وابتعادهم في صددِ المواجهاتْ ؟ بينما انا امضي تائهًـا مشردًا باحثا عن الخلاص ، اذا كان في سجودي خضوعًـا وتذللي لله ، فإني اليه من الساجدين ، اختنق مافي الصدر من احرف ، تبعثرت ، اشعر بأنني لا استطيع مجابهة هذا العالم ، يكفي هذا التيه والضياع ، يكفي هذا البعد والمضي ، اريد أمي ، أريد موطني ، اريد ارض وطني التي ابتعدت عنها سنينًـا طِوال ، اريد أن احرم للحج في بيت الله ، اريد ان ازور كل شبر في تلك المدينة ، اتذكر ذاك البحر الازرق الذي يجابه الريح ، تتراقص موجاته على وجهِ المدى سارقة منّا ربيع الاغنية ، نغفو على تيه المياه ونغادر مجدفين دون عودة ، ليت قواربي تعود الى مينائهَا ، وتعيد النظر في مسألة ابتعادي عن من احبهم ، تلك الغربة التي تسرق من الانسان عمرًا ، وجدتها سرقت منيَّ دهرًا ، بقيت اخاطب الجدران تحت ضوء هذهِ المدينة المدهشة ، التي تجعلنا فارغين افواهنا ننتظر الخلاص من الدهشة التي تحيط بملامحنا المرتبكة ، الهي اسألك عودَة ، عودَة لا غياب بعدها ...

التفت الى سيارة دكتور وليد التي تخاطب ممسحاتها الزجاج مبعدة المطر عنها ، كان فهد يجلس بجواره ، هناك مايجعله يجنّ بالفعل ، هناك شيء ما يخنقه تماما ، يجعل قدمه الثابته ترتجف تحت عشر سنين من الوحدة ، امام المطر الذي يغازل الزجاج ، مرّ امام عينيهِ كل عيد قضاه وحيد ، كل يوم تذكر فيه اهله ، تذكر كل موسم حج ، تذكر كل يومٍ يحتفل فيه مع اهله بسعادة عارمة ، تذكر كل موقف قضاه وحيدًا تائهـًا في هذهِ الطرقات ، سمع صوت السيارة ، ادرك ان وليد ينتظره مع فهد ، فتح الباب وجلس في المقعد الخلفي بوجهٍ مخطوف وملامح مبهمة ، ليردف فهد من المقعد الامامي : يوسف جبت كل حاجة معك؟
يوسف يهز رأسه : ايه..كل حاجة...
وليد يشد قبضته على المقعد : يالله الله يجعله للخير...وانا كلمت آدم وهو قال حل أمر المحامية وكل حاجة..
ليث بصمت يختنق وهو يشعر بأن المطر المنزلق عن النافذة يحذرهُ من مسافات الابتعاد ، كان ينظر الى طيف حريته المكبلة في كل شبر من هذهِ المدينة ، الى كل مقهى كان يجلسُ فيه وحيدًا يقرأ الكتاب نفسهُ مرارًا وتكرارًا ، الى الجحيم الذي استولى على صدره وسرقه من واقعه ، النيران تشتعل امام عينيهِ تحرق كل ماضٍ امامه ، الامل يمدّهُ بالنور ويخبره بأن الله معه ، يدهُ الممسكة بيدها يوم امس ، كانت تحتاج الى هذا الشعور مجددًا ، ان تشد على يدهِ بقوة مشاعرها المدهشة لتردف بصوتٍ مجنون بالأمل " راح ترجع " ... اكمل دعائه لله في نفسه ، يتمنى فقط تأشيرة حرّية للمواطن الهارب من الاعتراف ببرائته ، حرية تجعله يعود الى وطنهِ ممسكًـا بأمه محتضنًـا اياها بكل مجاديف الشوق التي رمتهُ الى وحل هذهِ الغربة ، ابتعد عن شارع فندقه ، دخلت السيارة بين الاحياء الاخرى وهو يشعر بغرابة تزور بدنه ، برجفه تجعله يفقد اي شعور يدور حوله ، هناك ما يجعله مجنونًـا وسط هذا العالم الكئيب...
الهِي ورجائِي ، زد قلبِي ايمانًـا بكِ ، وارزقني ثوابَ امتحان صبرِي طيلة تلك السنينِ ، اعطنِي الحرية وارشدنِي الى النور ، انك انت النور المُبين ، الهي لا تحرم هذهِ الروح من الفرحَ واجتماع الاهل ورؤية الأم واحتضان الوطن ، الهيِ امتحني امتحانًـا انجو بهِ في هذهِ الدنيا ، يارادّ يوسف الى يعقوب ، ردنّـي الى أمي.

اغمض عينيهِ بكل قوة ، قلبه كان منصتًـا لصوتهِ الداخلي ، كان العالم حوله هادئًـا وكأنه بلا صوت ، صوت عبور السيارات وصوت حديث الناس وصراخ البائع وهياج الكلب كله لم يجعله يفتح عينيهِ ، كأنه كان اصمًـا لكل شيء في العالم ، كان منصتًـا لشيءٍ واحد فقط...وهُوَ قلبه ...





،





الطائرة في وضع الهُبوط ، كانت تمسك مقعدها بشدة وقلق ، مشعل كان يعلم مصدر خوفها من هبوط الطائرات على عكس الاقلاع ، امسك بيدها ، يُشعرها بأنه معها ، ابتسمت له تبعد حزنها ، لا شيء يضاهي فرحة الرجوع الى الوطن ، لكن من دون ليث.... كانت لها مثل خيبة الامل ، مثل صفعة موجعة تجعلها هاذية بذاك الحُلم الذي لم يتحقق حتى الآن ، دقائق معدودة واذا بهمِ على الارض ، كل اعصابها المشدودة ارتخت فجأة ، شعرت بوخزة من جنينها ، وكأنهُ يوبخها على شدها لأعصابها المفاجئ ، ابتسمت وهي تتذكر والده مع كل شيء ، نهضت واقفة تمسك بحقيبة الظهر ، مشعل لم يجعلها تحمل اي حقيبة ، تولى المسؤولية بذاته وهو يبتسم في وجهها طوال الوقت ، حينما غادروا من الطائرة وتوجهُوا الى بوابة الرجوع من الرحلات الدولية الخارجية ، لمح مشعل والدهُ يقف بربكة ، امسك تلقائيًـا بيد الوريف وهمس لها : ثقي تماما بأنه مافيه شيء يخوف ، ماراح يحصل شيء الا اللي كاتبه ربي...وكل اللي كاتبه ربي خيرة... احنا مانقل عن ليث في شيء...كلنا بنخوض حروب...لكن هو في غربته وحنا في الوطن...
لاتعلم لماذا رفعت عينيها تلقائيًـا لترى والدها يقف ناظرًا الى ابنائهِ بعينينِ لامعتين بالشوق ، وكأنه نسى الذي قاله له مشعل البارحة ، الشوق انساه مايفعله الضنى بهِ ، هزت رأسها وهي تتوجه له راكضة بعينِين ملتبهتين بالدموع والشوق ، احتضنته وهو احاطها بين ذراعيه ، بكت دموعـًا غريبة ، فسرها والدها على انها دموع الشوق ، ولكن كل شيء كان يقف ضد احتمالاته ، فدموعها كانت دموع حسرة ، والم ومعاناة ، قبل جبينها ، ابتعدت تمنح مشعل فرصة التقدم ، ترك مشعل عربة الحقائب متوجها الى والده ليحتضنه ويقبل رأسه وكتفه وكفيه ، مشعل يبتسم لوالده : كيف حالك يبه؟
بو رياض يتنهد وهو ينظر لمشعل : انا بخير... خلونا نمشي...
وريف تبتسم وهي تتقدم وتحيط ذراعها بذراع والدها وتقبل كتفه : وخالقي اشتقت لك... بس ممكن تنتظروني البس عباتي وارجع...
بو رياض يبتسم لابنته بينما كان ينظر لمشعل بنظرة كان يفهمها : رافقها وانا ابوك...
مشعل ابتلع ريقه الجاف وهو يتبع الوريف مطيعًـا والده الى دورة المياه ، كان صامتًـا بقلق ، لتردف الوريف بوجع : والله ابوي حاس يامشعل...اخاف انه يصير له شيء...
مشعل يتنهد : لاتخافين...ابوي قوي وراح يتحمل...ابوي تحمل الاعظم فكيف بهذا الامر...وعموما احنا ماسوينا الا كل خير...واتخذنا الاجراءات اللازمة اللي تتناسب مع ظروف ولد عمنا...
وريف بأمل : ان شاء الله مايصير الا الخير...
مشعل يهز رأسه : امين...
دخلت الى دورة المياه دقائق معدودة ، وقفت امام المرآة تغسل وجهها ، كانت تنفض كل غبار الحزن عن وجهها ، لتعيد ذرات الحياةِ اليه ، كل شيء كان صعبًـا ، مخيفًـا مرعبا كما لو انها لم تتخيله ، ارتدت عباية الكتف مع طرحتها ونقابها ، خرجت بسرعة ناحية مشعل ، توجهوا الى والدهم الذي ابتسم ...الا ان ملامح القلق كانت مرتسمة على وجهه...
مشوا معًـا الى خارج المطار ، كانت الرياض في بداية موسم البردْ ، ابتسم مشعل للوريف : احنا مانخلص من البرد في كل مكان...
وريف تبتسم : مافي مجال تتشمس ابد... الحمدلله على كل حال...المهم وصلنا بخير...
يتقدم احد عمال المطار الاجانب بسيارة ابو رياض ، فتح الباب ليدخل هو وابناءه للسيارة ، بدأ يقود وهو يتحدث معهم حديث ودّي ، هناك قبضة في قلب الوريف تزورها بين الفينة والاخرى كلما سألهم عن الاشخاص اللذين التقوا معهم هناك او عن احوالهم ، عن كل شيء يخص تلك المدينة الضبابية ، بللت ريقها الجاف حينما اختلف الطريق ، مشعل يردف دون ادراك : يبه علامك غيرت الطريق؟ ولا ليكون اصلاحات؟
ابتسم والدهُ له : منت برايح للبيت اليوم...باخذكم على فندق اجلس فيه انا وانتم ونعرف وش بلاكم..
مشعل سعل بارتباك : طيب يبه امي راح تقلق كثير...
بو رياض : تطمن قلت لها ان طائرتكم بتتأخر وبتوصلون بكرة...
شدت على بطنها وهي تشعر بجحيم ينبذها الى الفراغ ، وكأنها اصبحت منبوذة ووحيدة منذُ الآن ، على الرغم بأنها تشهد امام جميع الملأ ، بأنّ أب مثل والدها من المستحيل ان ينبذها او يتصرف بجاهليه ، كل الذي سيفعله بأنه قد يمرض ، او يفرغ غضبه بهم ، وهي تتمنى من الله ان يفرغ غضبه بهم ، دقائق معدودة حتى وصلوا الى الفندق ، استلم عامل السيارة لركنها في مكان ملائم ، ثم نزلوا جميعهم ، توجه ابو رياض الى الاستقبال وهو يردف لعامل الاستقبال : حجزي باسم علي ال مالك...3 غرف...وصالة..
العامل كان يبحث عن الحجز في النظام ثم اردف للعامل : هويتك لو سمحت...
مد ابو رياض هويته للعامل ، تلك شاردة في هوية الغائب ، هو شارد بين والده وامرأة الغائب ، انتهى العامل من تأكيد صلاحية المستقبل ، ثم اعطاه المفتاح ، صعدوا من خلال المصعد ، الثلاثة في حالة صمت وارتباك ، كانت تدير عينيها لمشعل لكن مشعل كان صامتـًا مندهشًـا من صمتِ والده لحقوا بهِ الى مكان الغرفة ، 39 ، فتح لهم باب الغرفة بالبطاقة ، فتح الجناح الواسع الذي كان يضم ثلاثة غرف وصالة ومطبخ صغير ودورتي مياه ، جلست في الصالة بهدوء بعد ان انتزعت عبائتها ، مشعل كان يخلع حذائه الرياضي ، ويحدق في والده الذي ازال شماغه على طرف الاريكة ، صمت لمدة دقيقتين ، ثم اردف بو رياض : كيف حالك يبه؟
كانت سارحة في الطاولة ، لم تكن مستوعبة للسؤال ، حينما ادركت انه لايوجد جواب لمن كان يناديها ، استوعبت وهي تردف بصعوبة : بخـي...بخير يبه...انت وش حالك؟
بو رياض يتنهد مردفًـا : الحمدلله...حالي بخير...بس اللي شاغلني انتم...
مشعل ينظر لوالده بقلق من كيفية اخباره وهي يبتلع ريقه : يبه مابه الا الخير ان شاء الله...
بو رياض ينظر لمشعل بلوم : انا ماعرفت الخير من يوم ماجاني اتصالك هذاك اليوم...
مشعل بارتباك يفرك جبينه: كنت مضطر اجس منك النبض يايبه...حبيت امهد لك قبل لا قول لك العلم...
بو رياض بقلق يشبك كفيه بارتباك وينظر لابنه : طيب شفيك يابوك؟ علامك تكلم؟
مشعل ينظر للوريف بصمت ، وريف تبعد عينيها بهروب عن مشعل ، وهي تشعر بحريق يشتعل داخلها ، صار النطق صعبًا لوهلة ، الهروب واضح بين كلاهما ، كأنهما يتقاذفان كرة من النار كي لاتحرقهما ، لكن مشعل اضطر للتنازل وهو ينظر لوالده : يبه...صلِّ ع النبي قبل لا اقول لك اي حرف...
بو رياض يشعر بأن قلبه صعد الى حنجرته ، حرارة تزوره فجأة وهو يشعر بنبضات قلبه سريعة كالمدى السريع ، مالذي سوف يرميه مشعل الآن؟ الاخبار التي كنت اتوقعها هل هي صحيحة ام ان هناك قنبلة اعظم ستنفجر في يدي؟ الهي ماذا فعلت كي يزورني هذا البلاء ، لماذا لا ينتهي صوت الضمير المُحزن بداخلي ، لماذا لا يموت الأسى الذي يلاحقني مذ ان كنت شابًـا ، الهي لا تخذلني ، انر لي بصيرتي...انك انت النور... مدّني بغياث الصبر كما تمدُّ هذهِ الارض بغياث المطر ، ازرع فيَّ بذور التحمل كما تُخرج النبات من هذهِ الارض الميتة ! ، لا تذرنِي وحيدًا الهي وامددني بكل آيات الصبرِ والتحمل ..
زفر بقوة وبربكة واضحة وهو يصلِّ على الرسول : اللهم صلِّ وسلم عليه... تكلم...
مشعل احتار ، بماذا يخبره؟ هل سيسعُد والدهُ بالخبر ؟ ام انه سينفجر غضبًـا ، ام سيدخُل في صدمة استيعاب الجمل التي ينطقها ، كان يتخيل سيناريو الحدث قبل ثوانٍ من حدوثه ، لقد تأخر في تخيله ، عجز طوال الوقت عن تخيل ردة فعل والده ، كل شيء كان يقف ضده ، كل شيء محتمل الوقوع اصبح مستحيلاً الآن ، يجب ان ينقذ الموقف ويتكلم ، يرى وريف تشد على الوسادة التي في حضنها ، تحاول ان تفرغ توترها في هذهِ الاسفنجة المريحة ، والدهُ عيناه غير مدركتان للوضع الحالي ، يكاد يفقد صبره في تلك الثوانِ المعدودة ، فرق بسيط ...ثوان عديدة تفرق بينهم وبين معرفته بوجود ليث...ومن ثم معرفته بكل شيء... سيعرف اول خبر عن الغائب بعد عشر سنوات من اختفاءه الغريب ، سيزوره طيف الامل اكثر واكثر ، ويمتد في عروقه كترياق ضّد الغياب والفراق ، لكنما هناك ماسيوجعه ، وحتمًـا سوف يوجعه ، حينما يعلم بأن ابنته تحمل من ذاك الغائب جنينًـا ... رفع كتفيه وبنبرة مرتبكة كان يجرّ الاحرف جرًا : يبه... لاترتبك...واسمعني لين الاخير...
ارتجفت وريف بشكل ملحوظ في تلك الاثناء ، اللحظة التي كانت تتهرب من تخيلها طوال اشهر هي الآن تعيشها بشكل واضح ، ارتجف جسدها بشكل مؤلم لدرجة انها شعرت بوجع شديد في رجليها ، خوارٍ ما زارها وجعلها لاتتوقف عن الارتجاف ، تحدث مشعل مكملاً الى الاخير : يبـه...يومني رحت بريطانيَا عشان ادرس...ومن اول اسبوع......التقيت بشخص...كان يطالعني كثير...التقينا عند الخباز اللي تحت الفندق... ارتبك كثير يومه شافني...وانا حسيت بحكي داخل عيونه...بس ماعرفته ...
بو رياض لم يستوعب ماشأن هذا الرجل الغريب بالقنبلة التي سيفجرها مشعل لذلك حاول التركيز مع احرف مشعل التي كانت مرتبكة ، مشعل يأخذ نفسا مرتجفا وعميقًـا : يعني...هذا الشخص كان اخر شخص توقعت اني التقي فيه ووبـ هالسرعة...
رفع بو رياض عينيه فجأة لمشعل ، ارتبك مشعل ، لازالت عيني ابو رياض مفتوحتين وهو يشعر بأن الشخص الذي في ذهنه هو نفسه الذي يتكلم عنه مشعل ، لكنه لم يرد ان يعطي نفسه الامل ، فهو في كل مرة يصاب بالخيبة ، اكمل مشعل لكي يقطع الشك باليقين : يبه....الرجال اللي اكلمك عنه ....هو ....*نظر للوريف التي كانت تنظر للارض وترتجف بشكل غير طبيعي * ....هو ليـــ...ـث ولد عمي.....
عينيهِ لمعت بالدموع ، ارتبك داخله كما خارجه ، اصابت جسده رعشه وهو يتمسك بطرف الاريكة ويرتجف ، شعر بجفاف في ريقه وصدمة في عروقه ، ذكر الله كي لا يفقد نفسه وهو يتمسك بقوة في الاريكة وبنبرة امل وشكر مرتجفة : يــــــــــا وجــــــــه الــــــلــــــه ....
مشعل بسرعة توجه ناحية والده محاولاً تهدأته : يبه صل ع النبي واسمعني تراني توني في بداية الكلام...تمالك نفسك عشان ولد اخيك...تكفى يايبه...
بو رياض يحاول استجماع نفسه ، وريف بين رجفته تركض لتحضر لوالدها ماء من الثلاجة ، شرب الماء وهي جلست على طرف الطاولة التي امامه تمسك بيده وتقبلها ،وبجواره مشعل محاولا اسناده ، كان قد شحب فجأة وعاد الدم الى وجهه بعد وهلة الاستيعاب ، لم يكن متوقعًـا ان هذا الخبر الذي سيفجره مشعل ، كان دائمًـا ماينشدهُ عن الغائب في غربته ويخبره مشعل بأن لا اثر له ، الى اخر الاشهر قبل نزولهم كان يسأله عنه وكان يتعذر بـ لا أثر له حتى الآن ، اذًا لماذا كذب عليهِ بينما هو يجلس معه ويتحدث معه دون ان يطمئن والدتهُ ؟ لماذا يعاني تعصب القبائل ورميها الكلام السقيم على رأسه دون ان يشعر أي احد منهم بشيء ، نظر الى ابناءه نظرة طويلة مرمية بالحمد والشكر ،لكنها ايضـًا تلومهم على صمتهِم ليردف لهم بعتب واضح وشديد : يعني كنتوا تكذبون علي وانتم معه ؟ مافكرتو ولو للحظة انكم تواسوني انا وامه وجدته...خليتونا نعيش على الخيبات بينما انتم تعرفون علومه
مشعل وهو يتوقع ردة فعل والده الذي يرتجف الآن : يبه صل ع النبي اذا ضغطك مرتفع او شيء كل دواك وبعدين نتفاهم
بو رياض بغضب : والله ماني بساكت اليما يجيني العلم كامل...
مشعل باستسلام لرغبة والده المصرة : يبه اوضاع ليث الامنية ماكانت تسمح لي بأن نتكلم باسمه ع التلفون حتى..انسان محاصر من جميع الجهات...الحمدلله والشكر انه للحين محد عارف بوجوده غيرنا احنا...
بو رياض بقهر شديد : وش تبرير المعاناة اللي نعيشها حناا؟ ليه ماطالب بمحامين وتواصل معنا؟
مشعل يقبل رأس والده باندفاع : ورحمة والديك يايبه هدي ...ليث دفع دم قلبه بس عشان يرجع وللحين ماهو عارف الحل...اي حراك له راح ينحسب ضده ...ماله اي حق بانه يتكلم ليما يروح المحكمة..او يموت باطلاق ناري آثم..
بو رياض : وكيف عايش هو الحين؟ كيف رحتوا عنه وخليتوه؟
مشعل وصل الى القنبلة وهو يحتضن كف وريف داعمًـا لها : ماكنا بنرجع السعودية لولا انه اصر ان نرجع حتى مانتضرر من قضاياه المفتوحة الى الآن ... وخصوصا *بنبرة مرتبكة * انو معـي وريـ..ـف
وريف اغمضت عينيها لتسمع والدها يردف : ليه وش دخل بنتي ؟ ماهي عوق عليكم ...دامكم شفتوها عوق كان قلتوا لي اجي اخذها...مو بتخلونها عندكم في النهاية تعطلون موضوعه...
مشعل : الموضوع مو على عوق ماعوق... يبه في شيء انت ماتعرفه...
بو رياض يضع رأسه بين كفيه ويغمض عينيه بتعب غاضب : وشو باقي ماعرفته؟ في اعظم من هذا؟؟؟؟؟؟
مشعل بارتباك يهز رأسه وهو يحاول ان يتماسك : يبـه.....انـ...ـا زوجت الوريف لولد عمي.....ليث
فتح عينيهِ بصدمة ، لم يستطع حتى ان يرمش او ينطق ببنت شفه ، وزع نظرهُ للاثنين وهو غير متسوعب ومدرك للحدث الذي يحدث الآن ، غاية الصمت كانت تمركز الهدوء قبل العاصفة في المكان ، ارتبكت ارتجفت بكى داخلها واحترق المكان على جنينها ، خشيت ان تفقدهُ بسبب غضب والدها الذي اشتد فجأة وهو يحدق بخيبة امل عظيمة لهم ، لا يعلم لماذا راوغه هذا الشعور على الرغم من انه اكثر الناس رغبة في ان يزوج ابنته لليث ، وقف بغضب وبغير استيعاب ونبرة صوته كانت عالية وغاضبة : بأأأأأأأأأأأأأأأيييي حق تتصرفوووووون من غير شووووري؟؟؟؟؟ يعني سمحت لكم تدرسون برا وتشيلون انفسكم بالغربة....بس ماذكر اني قلت لكم تصرفوا بدون شوري.....دامني حي وما متت لاتوطون على كلمتي ...
وريف ببكاء تمسح دموعها : يبه اسم الله عليك...لاعاد تقول هالكلام...
بو رياض بغضب واضح : انتو خليتوا الواحد يركز بكلامه؟؟؟؟ انتوا خليتوا فيها عقل؟؟؟
مشعل يحاول ان يوصل الفكرة لوالده وهو مرتبك : يبه صل ع النبي...وحاول تتفهمنا...والله وربي شاهد بان ماهو بقصدي ادوس على كلمتك...واخسى لو كان في عقلي هالشيء...بس كانت ظروفه ماتسمح لنا بأن نعطيكم اي معلومة عنه...ولولا ثقتي بأنك تبي ليث لوريف ماكنت فكرت باني ازوجها...
بو رياض بغضب : انت وش داخل دماغك ابي افهم.....يومني ابيهم لبعض مو معناها اني عطيتك اذن تزوجهم بذي الطريقة اللي بتجيب علي القيل والقال.....
مشعل ينظر للوريف التي بدأت بالتعب وبالشحوب ليردف لها : وريف خلاص دخلي داخل....
بو رياض بقهر شديد : لاتدخل داخل...انتم الاثنين لازم تلقون جوايب فعايلكم...
مشعل يحاول امتصاص غضب والده : يبه وربي اني ما اخطيت...معك حق تخاف من كلام الناس وانت اللي تبي تخلص من القيل والقال...بس وربي ماسويت شيء غير مسار الشرع...زوجت اختي لولد عمي ...واللي سويته عشان مصلحة ليث...الرجال كان شاري اختي...وكان يبي له من يصبره بالغربة...
بو رياض يفرك جبينه بتعب ويجلس على الاريكة مرة اخرى وهو ينظر لابنته التي ترتجف بصمت : كل الناس كنت انشد فعايل سود منها...الا انتي...ماهقيت انك بتخليني علكة بأفواه الناس...
لم تنظر لوالدها كل مافعلته انها حاولت حبس غصتها لكنها شهقت لتبكي وتركض متوجهة لاحد الغرفة وتغلق فيها الغرفة عليها وتبكي ، لم تحتمل منظر خيبة الامل من عيني والدها ، لم تكن تحتمل الحزن الذي في عينيه ، مشعل الذي كان واثقًـا بأن والده سيتفهم ذلك بعد ان يهدأ غضبه ، لكنه الى الآن كان صامتًـا مدهوشـًا ، كيف سيتقبل تلك الصدمة وكيف سينقلها للناس ، خصوصا بعد ان اخبره مشعل بامر حملها ، جنّ ، كاد ان يجن ، كيف اصبح كل شيء يقف ضده ، كل الحروب التي نفخت ناقورها بدأ صوتها يعتلي ويعتلي ، اصبح هو في جبهة ، والعالم كله في جبهة مقابلة له ، سيحارب طويلاً ، لكنه الان لايعلم بماذا يحارب؟ خرج من الفندق تاركًـا مشعل في حيرة التصرف ، داعيًـا الله ان يتفهمه والده ، على الرغم بأنه مدرك بالخطأ الذي ارتكبه ، لكنه مؤمنًـا بأن هناك خلف كل شيء خيرة .


...

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بقلمِي, سأشير, سُئلت, عيناك, هويتي, ولَئن
facebook



جديد مواضيع قسم ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:23 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية