لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-15, 09:34 PM   المشاركة رقم: 446
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 
دعوه لزيارة موضوعي

سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن

شكرًا لانتظاركم ، هذا البارت كامل مع بعض من غير تجزئية وبعد المراجعة من جديد لكثرة الأخطـاء أمس ، قراءة ممتعة ()

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(49)



وجهٌ صدّ عما حدَثَ وأخفَى إحراجه، ووجهٌ آخر تجمّد وعيناه يتّسعُ فيهما الصدمـة، تسلل التجمّد من عيناه إلى جسده وهو يُحاول استيعابَ ظلها الذي كان هنـا قبل ثوانٍ قصيرة، حتى رائحتها! ، عطرها! عطرها انبثقَ في ثانيةِ ظهورها بينهم . . التمعَت عيناهُ فجأةً والنـار اشتعلَت بصدره، أجل، إنها رائحتها، رائحتها التي تسللت لأنف عناد بالتأكيد وكما تسللت إليْه!! تسللت الرائحةُ كما الصورة . . توجَّهت نظراتُه فجأةً إلى عناد الذي لم ينظر إليه بعد وهو يدرك أنّه إن نظر إليه سيُضاعف من إحراجِه وحدّةِ شعورِه في هذهِ الأثنـاء ، حينها عضَّ شفته بحنقٍ وهو يصد نظراتهُ عنه، ينظر للبابِ الذي ظهرتْ منهُ واختفَت في لمحةِ قهرٍ اخترَق صدره، بينما وجّه عناد نظراته إليهِ أخيرًا ليقرأ تعابير وجهه، حينها أفرجَ عن شفتيه ليهتف بخفوت : اجلس ، ما صار إلا كل خير
لم يبدو أنه قد سمعه، أذنه أُعتمَ فيها السمعُ ودونَ أي استعدادٍ تحرّكت قدماه بعنفٍ يطرقُ في جوفهِ ويرتد مرارًا إلى أذنيْه، خرجَ من المجلس وهو يحاول إسكان الغضبِ الذي تكوّن شرارةً في صدرِه، بحث عنها وهو يُقسم أنه سيجعلها تندمُ على ما فعلته من حماقَـةٍ أمامه والأدهى أمـام عناد، هل كانت تستمع إليهم أم ماذا؟ .. لا يُهم! لا يهم ما كانت تفعله، الأهم هو أنها سقطت أمام أخيه، مهما كان وضعهما إلا أنه يستحيل أن يمرر ذلك مرورَ الكرام!
احتدّت أنفاسه وهو يبحث عنها بعينيه وقدميْه، هل عادَت للمجلس الذي كانوا فيه؟! .. عضّ شفته بحنقٍ وهو يتوجّه إليه، سيناديها لتخرجَ وينظر في أمرِ الذي فعلته! كان قد قرر أن يذهب لهم وتحرّكت قدماه باتجاه المجلس، لكنّه توقف فجأةً حين سمعَ صوتها من الحمـام تهتف من بين أسنانها بكلمةٍ خافتـةٍ تشتم بها نفسها، وبالرغم من خفوتِ صوتها إلا أنه اخترقَ أذنيه بعنفٍ يوازي عنفَ ما يختلجُ في صدرِه، اخترقهُ هسيسها دون أن يفقهَ ما تقوله، لكنّه لم يهتم لما تقول! بل اقتربَ منها ورائحتها الفجّة تخترق أنفه، مما أثار حنقهُ أكثر ودفعَ خطواتهُ إليها، وما إن أصبح على بعد خطوةٍ منها حتى مدّ يدهُ ليشدّ على زندها ويُديرها إليه، والتقت أنظارهُ الحـادة باهتزازِ عينيها المذهولتين والمتوترتين، بملامحها التي يظهر في عمقها الإضطراب، فغَرت فمها بينما شدّ على يدها بقوّة، وبنبرةٍ حادةٍ سأل باستنكار : أنتِ مستوعبة اللي سويتيه؟
ارتعشَت شفتاها وهي تنظر لوجهه الغاضبِ بتوتر، فقَدت الجُمل كلماتها والكلماتُ أحرفها، نفدَ صوتها في حنجرتها وهي تسمحُ للذعر أن ينفذَ إليها من ملامحه الحـادة التي لا تُطيقُ هدوءً في هذا الوقت . . شعَرت بيدهِ تهزّها وهو يردف بصوتٍ مكتومٍ يحاول طردَ غضبِه بعد أن استنشق الخوفَ في عينيها : ردي ، مستوعبة اللي صـار؟
أخفضَت نظراتها للأسفلِ لا تستطيع مواجهةَ عينيه الحـادة، هي لم تكُن تواجهه بجرأةٍ في وقتِ لطفه، فكيف حين يكُون غاضبًا؟ . . بقيَت تخفض بصرها وقلبها يضطربُ بين أضلعها، بينما بلل سلطان شفتيه وهو يترك لحنقهِ وغضبه الإرتحال من جسدهِ عبر مساماته وهو يستشعر الخوفَ الذي ينبعث منها، هذّب صوته قليلًا وأخفَى حنقه مما حدَث، بالرغم من كونِه لا يزال جاريًا مع دمِه.
ارتخَت يدهُ على زندِها، واجتذبَ كفه قليلًا وهو يسمح لصوتهِ أن يعبر من بين شفتيه بهدوءٍ بهِ القليل من الحدة : وش كنتِ تسوين عند الباب؟
لم ترفع رأسها إليه، ولم تجد كلماتٍ ذات كثافةٍ تسمح لها بالطفوِ على فمها، بقيَت صامتةً بعد ما استشعرت ترقّق صوتِه قليلًا وحين طالَ الصمتُ بها وجدتهُ يزفرُ بغضبٍ وهو يردف بحدةٍ عادت للطفْو على صوتِه بينما ارتفعَت يدهُ فجأةً إلى ذقنها ليرفعَ وجهها إليه سامحًا لشهقةِ ذعرٍ من التسلل عبر شفتيها : وبتحكين والا شلون؟ ، فوق ما أنتِ غلطانة مطنشتني بعد؟
برفعهِ لوجهها إليه كان لزامًا على حدقتيها أن تتقابلَ مع حدقتيه اللتين مهما حاول إسكان الحدّة فيهما إلا أن ظلّهما يشرح غضبَه، شتت عينيها وهي تزدردُ ريقها لصوتِه الذي اخترقَ أذنيها كسيفٍ حاد، تشعر أنه سيفقد صبره لا محالـة، لذا همَست بتوترٍ بريء : طيب لا تناظرني كذا وأنت معصب ، شكلك يخوف
زمّ شفتيه بقلّةِ صبرٍ ولربما لو كان الوضعُ مختلفًا وخطأها مختلف لابتسم لنبرتها البريئة، لكنّها الآن كانت كمحفزٍ لحنقهِ الذي كبتهُ رغمًا عنه بعد كلماتها الخائفة . . بلل شفتيه بلسانه وهو يرخي قبضتهُ على ذقنها، وبهدوءٍ ظاهري : خلاص ماني معصب
غزل بتوترٍ يتضاعف : لا باقي معصب ، عيونك تخوف
أغمض عينيه وهو يستغفر بصبر، وبصوتٍ قاسٍ : وبتحكين والا شلون؟
غزل انتفضَت قليلًا تحت يدهِ وهي تزدردُ ريقها، وصوتُها المتوتر اهتزّ ناحيَة الإندفـاع : م م ما كان قصدي والله
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه، أخفضَ يدهُ عن ذقنها وتراجعَ وهو يلفظ بنبرةٍ مشتدة : ما كان قصدك؟
غزل تفرك فخذيها بكفيها كطفلةٍ مُذنبةٍ وهي تنظر للأسفل : ما كان قصدي أتسمع لكم، ولا اللي صار كلّه
سلطان بقلّة صبر : طيب وش قصة وقوفك عند الباب؟
غزل باندفاعٍ صادقٍ وهي تنظر إليه : كنت ماشية ، وسمعتكم وقتها تحكون عن .. آ آ * توتر صوتها عند تلك النقطةِ وصمتت *
رفعَ سلطان حاجبيه حين زاولتهُ فكرة أنّها كانت تستمع للجزء المهم مما كان يتحدث به مع عناد، جزء ليلى .. لذا هتف بصوتٍ لا يُبشر بالخير : وشو ؟
ابتلعَت ريقها بصمتٍ وهي تُعيد خفض رأسها، حينها فقدَ صبرهُ وهو يلفظ بصوتٍ حادٍ مرتفع : غــزل
انتفضَت بشدةٍ لتضمّ جسدها بذراعيها وعيناها تتسعان ناظرةً إليه، وبخفوتٍ متوترٍ تطالبه : لا تصرخ ، آسفة والله
سلطان بنظرةٍ مرعبة : آسفة على أيش؟ احكي وخلصينا وش كنتِ تسمعين؟
غزل باستسلامٍ خافِت : كنت مارة وما أدري إنكم جالسين حول هالمكان ، سمعت صوتك بس .. ووقتها قربت وسمعتكم تتكلمون عن * خفتَ صوتها أكثر وهي تُشتت حدقتيها باضطراب * عن زواجنـا !
عقدَ حاجبيه قليلًا، وتثبّتت نظراتُه على ملامحها المتوترة، ملامحها التي امتلكت براءةً تجانسَت مع صوتها في هذهِ اللحظة، وجعلت غضبه يلين رغمًا عنه . . زفَر بصبرٍ وهو يتراجع قليلًا، ونظرتهُ ارتخَت ليُغمضَ عينيه أخيرًا سامحًا لصوتِه أن يلفظ بنبرةٍ هادئـة : طيب وقفتك وعرفنا سببها ، مع إنه عيييب عليك! عيب تسمعين لسوالف غيرك
غزل بنبرةٍ مُستعطفةٍ وهي تعقد حاجبيها : والله مو قصدي
سلطان يفتح عينيه : طيب ، والاستعراض اللي صار وش يغفره لك
التوت الكلمات في حنجرتها وصمتت بذنب، الاحراجُ شقّ طريقه إليها من جديدٍ لتشتعل وجنتها بالحُمرة، بينما ابتلعَ حنقه وهو يسترجع ما حدثَ أمـام عناد، أمامهما معًا وكيف أنّها سقطت لتُشاركه عينا عناد بالنظر لذاك السقوط ، مهما كانت طبيعةُ حياتهما إلا أن رجلًا مثلهُ لم يكُن ليرضى بالذي حدَث .. عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يعود للإقترابِ منها، ونبرةُ صوتِه تستعدُّ مرةً أخرى للاحتدادِ على أذنيها، لكنَّ صوتًا آخرَ تخلخل المكان بمكرٍ هاتفًا : أنا أدور عليك وأنتِ هنا مع حبيب القلب ، هذي اللي بتكلم بس!
اتّجهت الأنظار لغيداء التي كانت تقف عند الباب وهي تضعُ كفيها على خصرها وتنظر إليهما بنظراتٍ ماكرةٍ بينما ارتفعَت إحدى حاجبيها بلؤم ، أردفت : بهالسرعة اشتقتوا لبعض يعني؟ شكلكم نسيتوا إنكم بترجعون بيتكم وبتكونون بروحكم يعني لا تحاتون
استدار سلطان بكامل جسدهِ إليها وهو يرفعُ إحدى حاجبيه، بينما تحوّرت نظراتها للبراءةِ لترمشَ بعينيها بدلال، و " بعبط " : شفيك تناظرني كذا؟ جد والله بترجعون بيتكم ماراح نمسككم ، يعني مافيه داعي لهالسحبات منك ومن زوجتك
ابتسم رغمًا عنهُ وهو يتحرّك متجهًا إليها، حينها تراجعت للخلفِ وهي تضحك : ناوي لي على نية؟
سلطان : على ثنتين تبينها؟
غيداء تخرجُ من الحمامِ بسرعةٍ لتندّس خلفَ البابِ الذي أغلقته، وبصوتٍ عالٍ : اسمع ، ماراح أفتح لك ولا بخليك تطلع درءً للإصابات ، عشان كذا خلّى زوجتك تتحرك وتجي للباب وأنا بطلعها ونروح وبعدها اطلع أنت
أمسك سلطان بمقبضِ الباب حتى يفتح الباب، لكنّها كانت قد شدّت بكامل قوتها لتمنعهُ من فتحِه، حينها ضحكَ رغمًا عنه وهو يهتف : على أساس ماني قادر عليك؟
غيداء برجاء : سلك لي
سلطان : افتحي أجل
غيداء : خلّى زوجتك تطلع
أدار سلطان رأسهُ إلى غزل التي كانت تنظر إليهم بملامحَ لا تُقرأ، وما إن نظر إليها حتى توتّرت وهي تتحرك مبتعدةً عن المغاسلِ لتقترب من البابِ الذي كان يقف أمامه، أي أنها ببساطةٍ ستقف بجانبه شاءت أم أبت، لكن هذا هو الحل الوحيد للهربِ منه قبل أن تغادر غيداء وتتركها وحيدةً مع غضبه.
وقفت بجانبه ونظرت لمقبضِ البابِ الذي كانت قبضتهُ تستريحُ عليها، ازدردت ريقها وهي تشدُّ كفيها جانبًا بينما همسَت شاعرةً بنظراتهِ المخترقةِ لها : افتحي أنا عند الباب
غيداء : سلطان جنبك؟
غزل بكذبٍ حتى تدفعها لفتحه لتخرج بسرعةٍ مهرولةً ناحيـة المجلس : لا
لم تنظر لردّة فعله تجاه كذبها، بينما فتحَت غيداء البابَ قليلًا لكنّ يد سلطان امتدّت بسرعةٍ ليُغلقهُ من جديد، وجّه نظراته الحادة إليها وتنفسها اضطرب، دونَ أن تمتلك الجرأة حتى الآن لتنظر إليه، بينما انحنى إليها قليلًا وهو يثبِّت يده على المقبضِ ليهمس بخفوتٍ وأنفاسه تصتدمُ ببشرتها لتحرقها غافلًا عن صوتِ غيداء الذي كان يتسلل بينهما غير مسموع : مرة ثانيـة لا عاد تقربين صوب مجلس فيه رجاجيل ، ايه وبعَد لا عاد تكذبين
عضّت باطنَ خدّها وهي تفرك كفيها ببعضهما البعض، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ أمام نبرتِه الهامسةِ والحادةِ في آن، وأنفاسه التي لسعت بشرتها الناعمـة . . فتحَ سلطان الباب، ليخرجَ قبلها لكنه توقف أمام غيداء التي نظرت إليه بتوجس، رفعَ حاجبيه وهو يبتسم بهدوءٍ ظاهري، وامتدّت يدهُ إليها لتتراجع بذعرٍ وهي تلفظ : وخر بعَد ، زوجتك كاذبـة
وصلَ إلى وجنتها بخفةٍ ليقرصها باثًا الألـم في وجنتها حتى ارتفعَ تأوها بينما التوت تحاول الفكاك منهُ ويديها تمسكان يدَه، وبلؤمٍ هتف : زوجتي كاذبـة بس ماهي قليلة حيا مثل بعض البنات
غيداء بشهقة : أنا قليلة حيا؟ * أردفت بحقد * أجل دامني قليلة حيا نزل إيدك ولا تمسكني
سلطان شدّ على وجنتها بعنادٍ وهو يلفظ بتسلية : أبي أأدبك بس
غيداء بصوتٍ مرتفع : آآه يمه تعالي شوفي ولدك شيسوي فيني
ضحكَ وهو يترك وجنتها بعد أن احمرّت : لكاعة ، روحي بس اذلفي عن وجهي واجلسي انتِ وغزل مع امي تاركينها بروحها
فركَت خدّها بباطنِ يدها وهي تكشر وتلفظ بصوتٍ خافتٍ متذمر، ودون أن ترد تحرّكت لتتحرك غزل خلفها مهرولـةً دون أن تبالي بما يصير أمامها . . المهم أن تهربَ من نظراته التي بقيَت تتابعها حتى اختفَت.


،


نظرَ إليها بقسوةٍ وصوتُها الباكي يشقُّ أذنيه، انحنى ليتناول حقيبتها متجاهلًا لبكائها ليفتحها ويُخرج هاتفها الصارخَ باسم " خالي العزيز "، انقبضَت عضلةٌ في فكّه وهو يبتعد عنها ليخرج من الجناح، وضعَ الهاتف على أذنه بعد أن رد، ليصلهُ صوت ذياب : أنا برا
فواز بهدوءٍ ظاهري : السلام عليكم
تلاشى صوتُ ذياب للحظات ، ومن ثمَّ انبعثَ بعد لحظاتٍ من عمقِ الحقد والنفور : وعليكم السلام ، كيفك أستاذ فواز؟
فواز بثقة : تمام ، شلونك أنت؟
ذياب : طيّب ، قبل لا تكلمني جيهان
أعتمت نظراته قليلًا دون أن يرد، ليُردف بحدة : وش سويت لها؟
تحرّك فواز في الممر ليتّجه ناحيـة عتباتِ الدرج، نزلَ وهو يهتف بهدوء : وش بنسوي فيها؟ أكيد ولا شيء
ذياب بقهر : والله إني قايل يوسف وأقاربه ما منهم أمـل ، والصدمة الجديدة إنّها عندك كذا بدون حفلة زواج ولا شيء ، ما شاء الله وش كثر يوسف أب مثالي!!
فواز ببرود : مين قالك محنا مسوين حفل زواج؟ ويعدين لا هو حرام ولا شيء أنا زوجها على سنّة الله ورسوله
ذياب : بعد ما كلمتني تبي تطلع من عندك . . تخسي!
زمّ شفتيه وهو يفتحُ البـاب ووقف ناظرًا لسيارةِ ذياب التي تنتظر زوجته التي تنوي الهربَ من بين يديه، احتدّت نظراته وهو يكمل طريقه إليْه بثقة، بينما انحدرَ صوته هاتفًا : لا تحاتيها ما تبي تطلع ، أنا اللي طالع لك
أغلقَ الهاتف بعد جملته تلك في حين وصلَ للباب الخارجي، فتحهُ ليظهر لذياب الذي أنزل الهاتف ناظرًا إليه بملامحَ مشتدّة، يدهُ الأخرى تنقبضُ على المقود بعنف، وعيناه تشتعلان بغلٍّ منذ كان صوتُ جيهان المقهور يصل لمسامعه عبر الهاتفِ تُخبره بأنها لا تريد البقاء في منزل فواز وتحتاجُـه، هو منذ البدايةِ لم يكُن راضيًا عمّا استجدّ في زواجها هذا، لذا ما إن سمعَ صوتها حتى اشتطّ غيظًا وغضبًا ليجيء إليها بأقصى ما يُمكن من سرعة.
فتحَ باب السيارة وهو يُقرِئ نفسه بالهدوء، بينما توقّف فواز أمام بابِ السائق بهدوءٍ ظاهري يماثل ذياب، وما إن أغلق ذياب الباب حتى مدّ فواز يدهُ بشكلٍ مسالمٍ بنية مصافحته، ليردّ ذياب بالموافقةَ وهو يرسم السكُون في أفعالِه ونظراتِه، هتفَ فواز بثباتٍ وهو يُخفض كفّها اليمنى : معليش على اللي بقوله ، بس أظن اللي يصير بيني وبين زوجتي شيء خاص فينا ، حتى لو صغرت عقلها واشتكت مو معناه تجي وتطلعها من بيتها! كذا أنت تخرب حياتها بيدينك
ذيـاب رفعَ حاجبيه : إذا كان الزواج بكبره ماهو داخل مزاجي وأشوف إن حياتها خراب من الأسـاس فأظن وقتها أقدر أتدخل ... ما أرضى بالضيم لبنات اختي
لوى فواز فمهُ وهو يرفعُ حاجبيه قليلًا، وبنبرةٍ واثقـة : ماهو مبرر ، ويظل اللي يصير في بيتي ما يتعدى الجدران .. جبهان غلطانة فلا تمشي معها بالغلط
ذياب بتحدي : من دواعي سروري أمشي معاها بالغلط دام هالغلط فيه راحتها
فواز : مين قال ماهي مرتاحة أو ما تبي حياتها وياي
ذياب : طلبها أجي لها، وصوتها اللي أقدر أميز فيه الحزن
فواز : وعقدت الحزم وجيت تخرب بيتها؟
ابتسم ذيـاب بكره، ووجّه نظراته نحو المنزل ... وبِحنق . . .


،


مضَت الساعاتُ تجري لمستقرِّها الماضي، واختزَلت النظراتُ الحاقدةُ نفسها فيه، تشعّبَت جذورُ المكرِ في صدرِه بعد أن قام بدعوتِه لإحدى المقاهي القريبةِ ومضَى وقتًا طويلًا يحادثهُ ويحاول الاقترابَ منه، بينما كان أدهم يجاريه وحسب، ليسَ غبيًا حتى لا يقرأ نظراتِ الشرِّ في عينيه، لكنّه استقبلَ دعوته بصدرٍ رحبٍ وبقيَ يُحادثهُ لوقتٍ ليسَ بقصيرٍ حتى انتَهى التقاؤهما بأن سلّم رقمهُ لشاهين كما طلبه ، دونَ مبالاةٍ به، وبنظراتِه، وبكل ماقد يفعله.
ومن الجهةِ الأخـرى، كانت الابتسامةُ تعلو ملامح شاهين الحاقـدة ، " جيت وربي جابَك "، لا يسعهُ القولُ كم أنّ السعادة قد نالت منه الكثيرَ ما إن وجده، سعادةٌ وازدراء، حقد، كره، وكل المشاعرِ المتناقضة، لا يدري حتى الآنَ ما علاقتهُ بما حدثَ لأخيه بالضبط، لكنّه يدرك أنه قد اقتربَ كثيرًا من حلِّ المعضلةِ التي لم يحلها حتى الآن بشأنِ أخيه.
ركبَ سيارته والابتسامةُ تشقُّ ملامحه، تحرّك حامدًا شاكرًا للهِ على هذه الصدفةِ الجميلة التي جعلت ذاك الأدهم يصتدمُ به، ومرَّ الوقتُ وهو يفكر بالكثير من الأفكار المتعلقةِ بمتعب وهو، والعلاقـةُ والحقيقة.
وصل إلى الفندق، وترجّل من سيارتِهِ ليصعَد، شيءٌ من الراحـةِ تغتاله، والكثيرُ من السعادةِ والحقدِ أيضًا تُزمِّل ابتسامتَه، فتحَ الباب بالمفتاحِ الذي لديْه، ودخَل ورائحةُ عطرها العذبِ تفُوحُ في المكان مختلطةً برائحةِ ما تطبخْ، تحرّكت قدمـاه باتّجاهِ الرائحةِ ليقترب إدراك مسامعه من صوتِها الخافت والذي كان يدندن لحن أغنيةٍ مـا، ابتسمَ وذاكرته تنسى أدهم لبعضِ الوقت وتسكن صوتها في بؤرتها لتُصبح مركزَ قوّتِها ونواةَ ابتسامتِه . . وقفَ خلفها تمامًا للحظاتٍ قصيرةٍ قبل أن تمتدّ يداه محيطًا خصرها لتشهقَ بقوةِ فزعها، حينها ضحكَ بتسليةٍ لافظًا : بسم الله عليك وش دعوى هالخوف؟
أسيل بذعرٍ تغمض عينيها : فجعتني ، ما انتبهت لدخلتك
شاهين يضمّها إليه : وأنتِ بتسمعين حسّي وصوتك مالي المطبخ ، أعوذ بالله حتى وهو خافت نشاز
عقدَت حاجبيها لتمسك بيديه وتُبعدها عن خصرها، ومن ثمّ استدارت إليه وهي تهتف بصوتٍ مشدود : على أساس صوتك الحلو؟
شاهين يبتسم بلؤم : أنا ما فرضته على غيري وغنيت غصب وهو شين ، فيه ناس ثانية صدّقت عمرها وأظهرت الصوت الجميل للملأ ، زين ما انتحرت الجدران
أسيل : سامج
ضحك : افا عليك ، كل ما قلت الحقيقة قلتِ مليغ أو سامج
أسيل تضمُّ شفتيها : لأنك فعلًا مليغ وسامج ، ما عندك ذوق مع جنس حواء
شاهين بتعجب : تبيني أجاملك مثلًا؟
أسيل : ياليت والله ، ترى الوردة تزهر بإطراءآتك الفريدة
ابتسم : تتظنزين؟
هزّت رأسها بالنفي ببراءةٍ ليضحكَ بخفوتٍ قبل أن يطوّق وجهها بكفيه متأملًا عينيها للحظاتٍ يسرقها الزمن بسرعتِه، يدورُ بسرعةِ البرقِ باترًا قبلةً وأخرى في ماضٍ وكَان . . انحني قليلًا مقبلًا شفتيها بحب، حينها أغمضَت عينيها بهدوءٍ تستقبل شغفهُ وعواطفهُ بضعفٍ واستسلامٍ يضاعفُ هذا الشغف، مرّت الثواني القليلة قبل أن يبتعد عنها وهو يمسحَ بكفهِ على خصلاتِ شعرها الخفيفة، هامسًا بابتسامةٍ لعينيها المُغمضتين : هذي بوسة المساء ، نسيناها
فتحت عينيها والإحمرارُ يكتسي ملامحها التائهـة، شتت حدقتيها وهي تتنحنحُ وتستديرُ عنهُ ناظرةً للكريمةِ التي كانت تقوم بخفقها قبل دخوله، تحرّك قليلًا ليقف بجانبها، وباستفسار : وش تسوين؟
أسيل بخفوتٍ خجول : كيك
شاهين ابتسم : الله الله اليوم الحلا من يدينك الحلوين


،


تنظر للمحلاتِ المرميَةِ على جانبِ الطريق، تغازل المـارةَ بإغراءِ أنوارها لتجذبهم إليها، وهي المرميَةُ على قارعةِ الأسى، لا نورَ يلفت النظر إليها، لم تمتلك لافتةً ذاتَ جاذبيةٍ كافيةً لسرقةِ زوجٍ من الأعين أو اثنين . . تنهّدت بحسرة، حتى من يسمى زوجها ليس من حقها، ولم تسعد بهِ أساسًا! ولا تستبعد أنّه يعشقُ زوجته وهي التي تخلخلت بينهما كجرثومةٍ صعبةِ العلاج، كمعضلةٍ صعبةِ الحلْ.
زفرَت هواءً متحشرجًا وهي توجّه نظراتها للأمـام، صوتُ اخوتها في الخلفِ يجلبون ضجيجًا من قعرِ الصمت، وفارس يقودُ السيارة بهدوءٍ وصمتٍ وأذناهُ تدركان تنهيدةً وزفرةً تخشخشت في صدرها وارتفعَت إلى فمها. مرَّت الدقائِقُ طويلةً بطيئةً تبتلعُ السكون، وطُويَت أخيرًا ما إن وصلوا في شكلِ كان، نظرَت للمشفى بعينين مهتزّتين وأناملها تتشبّث بالمقعد حتى آلمتها أظافرها . . أدارَ فارس رأسهُ إليها ليلفظ بهدوءٍ مراقبًا تعابير ملامحها : انزلي
تشنّجت شفاهها المطبقتين، وقاومت عيناها النزِيفَ الشفاف، أحكمت غلقَ مقلتيها بقفلِ القوّة الزائفـة وهي تدير رأسها إلى فارس لتتوتر الكلمات في حنجرتها وتتصادمَ حتى يتّسعَ حقل التشوّش في جُملةٍ كادت تُطلقها، لكنّ ضعفها جعلها تبتلع ريقها وتبتلع معها جملتها المعاقـة ، حينها هزّت رأسها بالنفي وفمها يتقوّس قليلًا بضعف، لتتّسع عينا فارس باستنكارٍ وهو يهتف بخفوتٍ لا يصلُ بأكملهِ إلى اخوتِه في الخلف : جنــان ! مو الحين هالجنون
زمّت شفتيها المرتعشتين، وأغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي ترتِّب الكلمات في فمها، وبخفوتٍ متوتر : الله يخليك ، بنتظركم هنا
فارس بحدة : أنتِ بعقلك تقولين هالحكي؟
جنان : أيه بعقلي ، تكفى لا تطولها محنا بروحنا
زفرَ بغيظٍ وهو يفتح بابهُ بعنف، وقبل أن يُغلق البابَ هتفَ بحدة : بخلي العيـال معك أجل
هزّت رأسها بصمتٍ ليُغلق الباب بامتعاضٍ منها، لكن لم يكُن ليجادلها الآن ويحاول إقناعها، لـذا استسلمَ لإرادتها التي يُدرك أنها ستؤذي مشاعرَ والده.


،


تسلل إلى أذنِه كلماتهُ الحانقةِ وهو يوجّه نظراته ناحيـة المنزل : أي بيت ذا اللي يخليها تتضايق لدرجة إنّها تتصل بخالها وتطلب منه يجي يبعدها عنه؟ قول شيء يدخل الراس
رفعَ فواز إحدى حاجبيه، وحافظَ على ابتسامةٍ يخفي بها أغلالَ غيظهِ التي تشدّ رغبتهُ باتجاهِ تحطيم رأس خالها مُسقطًا احترامه لنفسه ومن ثمّ تحطيم رأس زوجته، إلا أنه أخفى أفكاره الجنونية في أعمقِ حفرةٍ في عقلهِ وهو يهتفُ بكرهٍ نبع من قلبه فجأةً تجاهه، فبأيِّ حقً يريد أن ينتشل زوجته من عقر داره؟ : كل بيت يصير فيه الشين والزين ، قول شيء يدخل الراس
كرر جملـةَ ذياب ببطءٍ وهو يحوّر ابتسامته المغتاظـةَ إلى أخرى مسالمـةٍ وهي أبعد ما تكونُ عن السِلم . . عضَّ ذيـاب طرفَ شفتهِ بغيظٍ وهو يشتت حدقتيه ويرفعُ يدهُ ليمسح على عنقهُ أسفل موجةِ حرارةِ الجـو، وبهمجيةٍ وقحةٍ لفظ : بتناديها الحين والا أدخل لها بنفسي؟
ارتفعَ حاجبي فواز بتعجبٍ لكنْ سرعان ما ترقرقَتْ وقفتهم المشحونة كرهًا بضحكةٍ خافتةٍ تسللت من بين شفاهِه، ضحكةٌ ساخرة/مريرة/مغتاظـةً من كل شيءٍ وأول تلك الأشيـاءِ امرأةٌ حملت جمال كلَّ النسـاءِ في عينيه، اختزلَت الجمال في ملامحها وكل امرأةٍ هي في عينِ رجُلها العاشق أجمل من كلِّ النسـاء، وكم يتمنى في هذهِ اللحظـةِ لو يعود إليها لينفض كلَّ جنونها بحدّةِ كلماتٍ أو قبلةْ!
ثبّط من سخريةِ ضحكتِه، وأدار السكونَ في فمهِ الساخِر ليُردفَ بعد موجَةِ قهقتِه : بديت تتواقح ترى ، وما عندي مانع أتعامل بطريقة ما ترضيك ، بس أنا احترامًا لك ساكت للحين
ذيـاب ببرودٍ يسخَر : لا واللي يعافيك لا تعصب ، بس جيب لنا جيهان
فواز : بعد اليوم مستحيل أفكر مجرد تفكير أخليها تجي تزوركم حتى
ذياب : يا الله! قاعد تثبت لي إن البيت اللي عايشة فيه وزواجها مثالي!
فواز ببرود : ما عندي مانع أثبت لك
ذياب : شكلك حاب الخيار الثاني
فواز بحدة : كانك رجّال اعتب باب البيت ، ما ينفع الإحترام مع هالوقـاحة!
استفزتهُ عبارة فواز الأولى، هو لم يكُن ليفعلها ويدخل بيته بالتأكيد، أي أن كلامه مجرد تهديد، لكنّ جملـة فواز جاءت مستفزةً لهُ ليهتف بحدة : رجّال من فوق خشمَك ، ومو أنـا اللي أدخل بيوت الناس من غير أذن وفيها حريم ، لذلك طلّع لي جيهان دام النفس طيبة
وجّه فواز نظرةً مزدرءةً وهو يلفظ بنبرةٍ ثقيلة : غسّل يدينك من طلعـة جيهان
ذياب شدّ على قبضته بقوّة، وبصوتٍ ارتفعَ حين اشتدَّ غضبـه : قلتها وبكررها مليون مرة ، يوسف ما عنده قدرة كافيـة عشان يحافظ على زوجته، فشلون بيحافظ على بناته؟! لكن امي اللي ما رضت تسمع .. والحين سواءً رضَت أو لا بهتم ببنات اختي بنفسي، ما عاش من يرخصهم وأنا حيْ!
اشتعلَت نظراتُ فواز في المقابلِ وهو يقرأ التحدي في كلمـاته، من هو ليأخذ زوجته؟ لن يكون فواز إن سمَح لهُ بتمرير هذا التحدي كسيف، سيفٍ لا يُمَرر كذبًا بل يقطعُ ما يريد، هو من سيُغمدُ سيف ابتعادها، وإن لم ينفع اللين فلن يمانعَ بالشدّة، لمْ يصلَا إلى هنـا لتأتي هي وخالها هذا ويزرعانِ بذور المسافةِ بينهما، ومنذ متى كانت المسافاتُ بستانًا يسرُّ الناظرين؟
لوى فمهُ بحنقٍ وهو يستعدُّ لقولٍ كلماتٍ قاسيـة، لكنّ صوتًا جاءَ ناعمًا مبحوحًا إثر البُكــاء جعل أعضاء فواز تتشنّج بصدمة : خالـي
اتّسعت عينا فواز بشدّة، واستدار نحوها ليجدها واقفةً تُعانقُ بإحدى كفيها ذراعها الأخرى، واشتعلت وقتها عينـاه بغضب، ما الذي جاء بها هنا؟ ألم يحذرها؟ ألم يحذرها؟! هل طالَ بها التمرّد حدَّ تجاهل تحذيره لها الذي ترافقَ مع صفعة؟! . . وجدَ نفسه دون شعورٍ يقترب منها وهو يلفظ بصوتٍ حاد : وش مطلعك؟ ما تفهمين أنتِ؟
توترَت وهي تتراجعُ للخلف، بينما اقترب ذيـاب من الجهةِ الأخرى وغضبهُ يشتد من كلماتِ فواز لهـا ورؤيته لردة فعلها، وبحدة : جيهان ، اطلعي السيارة وبعدين بتفاهم معاك
فواز بغضبٍ وجّه نظراته إليه : ولا تحلم حتى
ذياب تجاهله، نظراته كانت تبحث عن وضوحٍ لعينيها اللتين أخفتهما تحت طرحتها حتى تُخفي احمرارَ البكاءِ فيهما، كانت حينها تنظر إليه نظرةً تائهة، تتجاهل صوتَ فواز وحزنها يحتاج للإرتماءِ في أحضـان خالها وجدّتها لاحقًا، لكنّها بالرغم من ذلك استبدَّ بها الإستسلامُ لتنظرَ لفواز بضعفٍ ومن ثمّ تمرر نظراتها إلى ذياب، قبل أن تهتف بخفوت : خلاص خالـي ، ما أبي أروح ويّاك
اتسعت زوجان من الأعين بصدمة، وهتفَ صوتها مردفًا بخفوتٍ أكبر وهي تنظر للأسفـل : تهورت لما اتصلت عليك ، كانت مشكلة بسيطة بس أنا كبرتها
نظر إليها فواز بجمودٍ وبرود، أي مشكلةٍ بسيطةٍ تلك؟ بالرغم من كونِه يدرك أنّها قالت ذلك لتدفعَ ذياب للإنسحاب إلا أن تلك الجملة كانت كافيـةً لاستفزازه، فمنذ متى كان تطاولها على امه مشكلةً بسيطة؟
عقدَ ذيـاب حاجبيه دون اقتناعٍ وهو يقترب منها، وباستنكار : صوتك اللي كلمتيني فيه يقولي إنك الحين كاذبـة ، وصوتك الحين يعلمني إنك كنتِ تبكين
عقدَت حاجبيها وهي تُنفر رغبتها بالبكاء من جديد، وبصوتٍ فاترٍ بهِ بعض الرجـاء : الله يخليك، خلاص غيرت رأيي وبس! ، لا تحـاول أكثر
ذياب بقهر : يعني كلامي صح؟
استدار إلى فواز بعنفٍ ينوي لكمَه، وكأنّها كانت تدرك ذلك وتدرك كل ماقد يقوم به، اقتربت منهُ بسرعةٍ لتمسك بيدِه وهي تلفظ بعنف : خــلاص خالي عشاني ، لا تسوي شيء غلط
وجّه حدقتين مشتعلتين إليها، بينما كان فواز يراقبهم ببرودٍ وانفعالٍ غادرهُ بعد اشتعالِه حين رآها، ولم يكُن سبب انطفائه سوى رغبتها المعاكسةِ لما كانت تريد قبلًا، المهم أنّ تهوّرها تبدّل ولم تذهب معه، ولم تكُن لتذهب معهُ وإن أرادت.
هتفَ بجمودٍ ونبرةٍ حازمـةٍ ولم يُليّن قلبه عليها كلماتها قبل قليل : ادخـلي داخل وأنا بتفاهم معاه
نظرَت إليه بصمتٍ وعيناها تغيبانِ عنه خلفَ غطائِها، لم يرى نظراتها العاتبَةِ عليه، تلك التي مهما حاولت إثباتِ البرودِ تجاهه إلا أنها تشتعلُ بالعتـاب. اقتربَت من ذيـاب لترتفعَ على أصابع قدميها وتقبّل وجنتهُ الخشنة، ومن ثمّ تحرّكت مبتعدةً عنهم لتدخل للبيت بخطواتٍ تائهة.


،


تعانقت عقارب الساعةِ عند الرقمِ احدى عشر، كانت وقتها تجلسُ على السريرِ بوهنٍ وهي تضعُ كفّها اليُمنى على عينيها المشتعلتين، سمعَت صوتَ بابِ الغرفةِ يُفتح، واهتزَّ قلبها قبل أن تخفض يدها وهي تدرك جيدًا من الداخِل، فمن سيكُونُ سِواه؟ ، غلّفت نظراتها بالبرودِ نحوه بينما اتّجه هو ناحيـة التسريحةِ ليخلَع الكبك وساعتِه، بينما عينـاه تنظر إلى عينيها الباردتين عبرَ المرآة، ليهتفَ بخفوت : كيف تحسين حالِك الحين؟
شتت حدقتيها عنه دونَ مبالاةٍ وهي تلفظ بنبرةٍ متثاقِلة : أظن مالك شغل فيني
سيف رفعَ حاجبَه، لكنّه تجاهل الردَّ عليها بذاتِ طريقتها وهو يخلعُ ثوبَه ويعلقه، وبهدوء : ماراح ألومك على أي شيء بتقولينه اليوم لأنِّك تعبانة
ديما بحدة : مالك حق تلومني على اللي بقوله دامك أنت هو زوجي
تنهد وصمت متجاهلًا لهـا، فتحَ خزانة ملابسه وتناول أول بيجاما كانت أمامه، اتّجه للحمـامِ وهو يشعر بنظراتِها الحادة التي تخترقه، ومرّت دقائق طويلة قبل أن يخرج عاري الصدر، ليتفاجئ بها تقف أمام الخزانـة وملابسها منتثرةٌ هنـا وهناك ، عقدَ حاجبيه باستنكار، وبحدةٍ سأل : وش تسوين أنتِ؟
ديما ببرودٍ وهي تنحني وتجمع الملابس من الأرض : ما تشوف؟ قاعدة آخذ ملابسي عشان أنقل للغرفـة الثانية
شعرَ بضربةٍ توجّهت إلى وجهه، واتّسعت عيناه بصدمةٍ والاستيعاب يهجره لثوانٍ، تنقل؟ وإلى غرفةٍ أخرى؟! هل جنت أم ماذا!! . . شدّ على أسنانِه بغضبٍ وهو يقترب منها بخطواتٍ حادة، وما إن وصَل إليها حتى أمسك بمعصميها لينفضهما وتسقط الملابس التي كانت تحملها، وبنبرةٍ غاضبةٍ هتف : أنتِ جنيتي والا شلون؟ بعقلك يوم تفكرين بهالمبزرة؟
كشّرت وهي تنفضُ معصميها حتى يتركها وكأنها تتقزز من ملمسه، حينها تضاعفَ غضبه واشتعلت عيناه وهو يقرأ تعبيرَ الإزدراءِ في عينيها، شدَّ على معصميها أكثر وهو يصرخ وقد فقد سيطرته على غضبِه بينما انقبض قلبه لنظرتِها : انثبــري
ديما دونَ مبالاةٍ بصراخِه : ما ودي ، واترك يدي ما أبيك تمسكني
تضاعفَ شدّهُ عليها حتى تأوهت بألـم، بينما همسَ صوته بفحيحٍ مُخيف : ما تبيني؟ على كيفك هو؟
ديما بنبرةٍ مستوجعةٍ لضغطِه على معصميها : دام فيه مدام جديدة بتجي ما عاد فيه لزمـة لي
ظهر طيف ابتسامةٍ على شفتيه رغمًا عن الموقف، وارتخَت قبضتاه على معصميها بدرجةٍ ضئيلةٍ ليجتذبها إليه حتى اصتدمَت بصدره العاري، وبتسليةٍ وهو يلحظُ انفعالَ نظراتها من ابتسامتهِ والتصاقهِ بها : أجل الموضوع كِذا؟! غِيرة؟
عضّت شفتها السُفلى بغضبٍ وهي تحاول الإبتعاد، إلا أنّه طوّقها بشدةٍ وهو يضحك ضحكةً كانت تُثير حنقها وتستفزُّ رغبة القتل في صدرها، هتفت بحدة : لا تصدق نفسك ، ماهو ناقصني إلا أغار على وجهك الخايس
سيف بتحدي : احلفي طيب
ديما تحاول دفعه : وخـر عني بروح أنـام
سيف : وين؟
رفعَت رأسها إلى وجههِ والنار تعصفُ بملامحها المقهورة، وبِاستفزاز . .

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا يوم الأحد :$ قراءة ممتعة وشكرًا لتفهمكم (())

ودمتم بخير : كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن  
قديم 03-09-15, 10:32 PM   المشاركة رقم: 447
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,032
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

فصل رائع جدا

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 04-09-15, 06:11 PM   المشاركة رقم: 448
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مسموحة يا الغلاا


حلو كتير البارت اعجبني



جيهان ؟!!!!

غريبة ما عرفت شو اللي غير رايها .. والا كانت راحت وما قدر فواز يمنعها.





جنان ... حزنتني . شعورها مأساوي وهي الدخيلة فينظرها .

الله يسامحك هنودة اتوصي فيها شوي >_<





ديما ولعت معاها واكيد غيرانة من الضرة لووول

سيف بحزن صار موقفه ضعيف بعد ما حبها .





أسيل وشاهين حلو التفاهم واظن بحسن المعاملة بزيد الود بينهم.




غزل وسلطان

وااااو آكشن مظبوط لووول
اله يسامحك عيشتيني على أعصابي .

بس عن جد هالسلطان جنتل ... عرف يحتوي الموقف .


غيودة عسل ههههههه
فاكهة الرواية بنظري



يسلمو ايديك طعوني عالتنزيل

ومشكورة هنودتي عاﻷبداع


لك خالص ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
قديم 06-09-15, 03:09 PM   المشاركة رقم: 449
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




السلام عليكم ورحمة الله ، مساء الخير ..
إن شاء الله تكونون بألف خير وسعادة

لي تعقيب على تعليقك يا غربة بخصوص المواعيد
+ البارت راح ينزل مثل العادة بوقت الليل، - بدون تحديد ساعة معينة - ؛ واعذروني إذا كان أقصر من كل مرة بس لي ثلاث أيـام تعبانة فاللي بيطلع مني راح يكون على قدر استطاعتي :(

دمتم بخير وراحة تتغلغل أعماقكم ()

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 06-09-15, 10:27 PM   المشاركة رقم: 450
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية



قراءة ممتعة للجميع، وللي ما يحب يقرأ التعليقات اللي مني أو من أي قارئ ، بارت اليوم قصير بعض الشيء، والسبب إني كنت طيلة الثلاث الأيام السابقة تعبانة فهذا اللي طلع معاي - عشان محد يسألني بعدين ويقول ليه قصير! - ..


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(50)




ديما تحاول دفعه : وخـر عني بروح أنـام
سيف : وين؟
بالرغمِ من انتشارِ ذراتِ البرودةِ في الغرفة، وموجاتُ السكونِ في كل زاويةٍ تحتويهما، إلا أن نارًا حارقةً كانت تشتدُّ في عينيها، نارًا اشتدَّ بها الاشتعال ما بين قهرٍ منهُ هو بعينهِ وما بين غيرةٍ تغرس جذورها في صدرها وتبعث الضبابَ أمامَ عينيها وفمها لتتشوّش رؤياها وكلماتها، تخلق في صدرها ألفَ غضبٍ وآخر، لذا خرجَ صوتها المهتزّ مشبعًا بنبرةٍ متمردةٍ مستفزة : وين؟ أعتقد هالسؤال ماهو جاي بمكانه، لا تكون نسيت إني عشت بهذيك الغرفة شهرين ونص تقريبًا ، يعني ببساطة * ابتسمت * أكيد بغرفتي
انقبضَتْ عضلةٌ في فكهِ الصلب، وتضايقَت حدقتيه بين حنايا عينيه القاسيَة، فقدت شفاههُ البسمةَ المتسليَة وهو الذي يُدرك أنها تتعمّد ذكر هذا الموضوعِ الذي يستفزّه، هذا الموضوع الذي سيبقى نكتةً سوداءَ نُكتت في قلبِ علاقتهما ... شعَرت بذراعيه ترتخيان حولها، فالتمعت عيناها بانتصارٍ وهي تضعُ كفيها على صدره لتدفعَ جسدها للخلفِ وتبتعد عن نطاقِ الدفءِ في جسدِه، عن صوتِ صدرِه الذي يتنفس الأكسجين بحرارةِ انفعالـه وتشاركُه هي في ذلك. رمَت خصلاتِ شعرها التي انتثرت على ملامحها للخلفِ بكفِّها الحانقة، واحتفظَت بابتسامةٍ باردةٍ وهي تتراجعُ وتلفظ بنبرةٍ ناعمـة : تصبح على خير زوجي العزيز
استدارَت قبل أن تلمح ردّة فعل نظراتِه، وتحرّكت بسرعةٍ وكأنّها فريسةٌ يركض خلفها أسدُ الغابِ وإدراكها المتينُ له يجعلها تتوقعُ خطوتهُ التاليـة، وصلَت للبابِ لتفتحَه، وكما توقّعت كان هو قد تحرّك خلفها بانفعالٍ ليصل إليها قبلًا ويضع كفهُ على البابِ مُغلقًا لهُ ما إن فتحته، ودوَى صوتُ غضبِه في البابِ لتغمض عينيه بقوةٍ وتتمررَ انتفاضةٌ خافتةٌ على جسدِها.
بقيَ ساكنًا من خلفها للحظة، يدها التي كانت تمسك بالمقبضِ انخفضت قليلًا، وبقيَت ذراعهُ من فوقها تمتدُّ لتترك كفّه ملامسةً البابَ بحرارةٍ تخشى أن تكون سببًا في اهترائه! أوَليسَ هو من أصابَ روحها بالإهتراء؟ هي الحيُّ والبابُ جماد، وإن طال شرّهُ لها فليسَ صعبًا أن يطولَ البـاب .. تملك من قسوةِ اليدين ما يملكُ فمكْ، توارثَت أعضاؤك كلّها صوتَ الإسـاءةِ إلى قلبِ من يُحبك، هذهِ العلاقةُ أصبحت موبوءةٌ بأكسدتِك لي، احتكرتني لنفسك، ولم تُبقي لنفسي شيئًا. تملك من قسوةِ اليدين ما يملكُ قلبك، كيف أغلقت بابه؟ وشرّعت صدّه؟ كيف أطرقتَ النوافذَ على قدسيةِ دمِك؟ ليسَ إنصافًا لي أن تجري في دمي ولا أجري في دمك، ليس إنصافًا لي أن تتجاور أحرف اسمك مع - حبيبي - وتتجاور أحرف اسمي مع - زوجة -! فقط زوجة! .. إلهي كم أبغضت هذا المُسمى! أبغضت تسميةَ العلاقة التي أقامت حبي لك، كم مرةً حاولتُ إزهاق الباطلِ في علاقتنا، لكنني في كل مرةٍ أدرك أن الباطلَ أنت، وإزهاقكَ يعني انتهاء هذهِ العلاقـة . . صدقني ، ستنتهي وأنت من ستكتب خاتمتها.
اجتذبَت الهواءَ إلى صدرها ليصتدم الأكسجين بجدار حنجرتها المجروحة، لتخرّ الكلمات مدميةً على بساطِ وقوفِه خلفها، يكاد يلامسها. أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تشعر بهِ يخفض رأسها قليلًا حتى لامست أنفاسه عنقها من الخلف، ونبرتهُ المشدودةُ بُعثت من أعمقِ هاويـةٍ في قبرِ الكلام، ليأتي باردًا محملًا برائحةِ البرزخْ : هي كلمتين ، وما ودي أكررها ، الحين تلفّين وتتجهين ناحية السرير ومبزرتك هذي تخلينها لنفسك
زمّت شفتيها بقوةٍ وهي تفتح عينيها كاشفةً عن حدقتين يتماوجُ فيها الخذلان، عن بؤبؤيْن يضيقان بحزنها وموجةُ العتاب ترتفعُ بقافيتها في قصيدةٍ لم تُرتّل، رفَعت كفّها لتمسح على أرنبةِ أنفها ويبقى جسدها مجمدًا في مكانه يُذيبه حرارةُ أنفاسِ الذي خلفها وكأنهُ سَمومٌ سُلّطَت نفحاتها على جبلٍ جليديٍ سيذوب، وسينصبُّ ماؤه الباردُ على قلبها ليغسل حرارةَ الوجعِ فيها.
أدارتْ رأسها قليلًا إليه، لتلمح بطرفِ عينيها ملامحهُ الصلبَة، وبنبرةٍ تستنشق من صلابةِ ملامحه القليل هتفت بتمرد : وإذا كنت أبي أخلي مبزرتي لنا؟
شدّ على أسنانهِ وهو يخفض يدهُ عن البابِ ليُمسك بكتفها بشدةٍ ويُدير جسدها إليه بعنفٍ جعلها تترنّحُ قليلًا لولا يده التي منعَت سقوطها، والتقى الشرر في عينيه بعينيها اللتين مهما تصاعد تمرّدهما تبقى ظلال الخوفِ تخطو مع كل خطوةِ تمردٍ تخطوها . . لفظَ صوتهُ بحدةٍ وهو يشدُّ على كتفها بقوّة : قلت ما أبي أكرر كلامي
ديما تُغمض إحدى عينيها ألمًا من شدِّه على كتفها، وبصوتٍ يتعالى فيهِ نطاق الوجعِ ليدفها للصراخِ دفاعًا عن ثباتها : أنـا أبيك تكرر ، أبييييك تكرر لأني ما أفهم ، لأني غبية وأحب التكرار
سيف بصراخ : انخرسي
شدّت على أسنانها بقهرٍ وهي ترفعُ يدها إلى يدهِ تحاول تخليص حصارِه الذي يصبُّ جامَ غضبه على عظامها الرقيق، وبنبرةٍ مستوجعَة : وخر يدك .. عورتني!
ارتخَت يدهُ عن كتفها دون أن يتركها .. عضّ زاويةَ شفتهِ السُفلى وهو يهذِّب الحدّة في صوتِه، وبصوتٍ حازمٍ يُشير برأسه ناحيَة السرير : روحي نامي
ديما تعقد حاجبيها بقهرٍ من نبرتهِ الآمرة : بنام بالمكان اللي أبيه
سيف بنبرةٍ مُحذرة : أنا أبيك جنبي
ضربَت بقدمها على الأرضِ وهي تلفظ من بين أسنانها : أنا ما أبيك
بدأت يدهُ دون شعورٍ منه تدلّك كتفها برقّة، ليرتعشَ جسدها وتزدردَ ريقها وهي تحاول الإفلات من يدهِ دون جدوى، بينما لفظَ صوتهُ مناقضًا لرقّة يدِه وبنبرةِ وعيد : إذا سمعت منك هالكلمتين مرة ثانية ما تلومين إلا نفسك
كانت تشعر بالتوترِ من حركةِ يدهِ المُضمِّدةِ للألمِ الذي كان قبلًا منها، لكنّها بالرغم من توترها لفظت بصوتٍ يرتعش : ما أبـ ..
توقفَت كلماتها ما إن انحدرت يدهُ الرقيقة عن كتفها إلى فمها بقوّةٍ تناقض تلك الرقّة، غطّى فمها يمنع بقيّة تلك الكلمةِ من البعْث، وإبهامهُ يشتدُّ على فكّها الأيمن في صورةِ غضبٍ يتماوجُ في عينيه وصوته الذي هدَر : مو من مصلحتك تعاندين ، أحذرك
قال كلماته تلكَ وأسقطَ كفّهُ عن فمها، لم يترك لها الفرصة كي ترد عليه بحدّة قهرها بينما دموعها تقاومُ ببأسٍ الخروجَ أمـامه ، انحنى قليلًا ليحملها بين ذراعيه وتتسع عيناها شاهقةً ليحاولَ جسدها بتمردٍ وقهرٍ أن ينفرَ منه، إلا أنه لم يسمح لها وهو يبتسم بخفوتٍ لملامحها المقهورة والتي تقاومُ البكاء، هاتفًا بصوتٍ خافت : أولًا ، بما أنك حامل فمسألة ضرب رجلك كل ما عصبتي بالأرض ماهي زينة لك خصوصًا إن جسمك تعبان .. ثانيًا ، نفسية الحامل مهمة واسأليني أنا .. ثالثًا ، تخيلي الحين لو أتركك وش تتوقعين بيصير لك ولبنتي؟ عشان كذا بطّلي مقاومة وعناد
ارتفعَ غليَان الغضبِ في ملامحها واختفى أثر البـكاءِ في غمضةِ كلمَة، كانت كل كلماتهِ تعبرها بهدوءٍ ما عدا " واسأليني أنا " التي اخترقت أذناها بحدّةِ سيفٍ واندفاعِ سهمٍ حارقٍ أشعل نارَ الغيرةِ في قلبها، أما يدرِي أنهُ حتى في كلماتِه الغيرِ مقصودةٍ يقصدُ جرحها؟ هل باتَت فطرتهُ قتلها بغيرتها وبحبها وبكل شعورٍ تجاهه؟ . . لفظَت بحدةٍ وقهرٍ وصوتها يرتفعُ بنارِ ما قال : ايه صح نسيت إنك كنت متزوج وزوجتك جابت لك قرد يشبهك ، ما شاء الله خبيييير يبيلي آخذ كورس منك
توقفَ مكانهُ بصدمةٍ وأجفلت نظراته، كان الأحرى لهُ أن يغضبَ للفظِ " قرد " الذي طالهُ وطال ابنه، لكنّه وجد نفسهُ يضحكُ بقوةٍ ويغرقُ في ضحكاتٍ أثارت المزيد من حنقها لتصرخ في وجهه : أيه اضحك ، اضحك أنت ووجهك عاجبك اللي تسويه فيني
حاولت النزول بعدما ضعفَت ذراعيه بضحكه، لينزلها هو بنفسه خوفًا من أن يسقطها في الموجةِ التي أطلقتها إليه، بينما وقفَت تقابلهُ ومن خلفها السرير وهي تنظر لهُ بشرٍ يتصاعد مع كل رنّةِ ضحكةٍ تخرج من فمه، وبقهر : تضحك عليْ هاه؟ تبي تحرني؟ ايه هذا اللي يقول نفسية الحامل مهمة ناسي إنّك السبب في تردي نفسيتي!! يا شيخ عسى هذيك الغوريلا طليقتك تمطّ لسانك المعفن وتقطعه لك وتكون هذي هديَة رجعتها لك
سيف : هههههههههههههههههههه وش هالدعاوي والشتائِم بس بس
عضَت شفتها بغضبٍ من ضحكهِ بينما هي تشتعل هنا، هو يضحكُ هناك، وهي تشتعل هنا!! لم تشعر بنفسها ودمعةٌ تسقطُ من عينها اليُسرى بضعف، بغيمةٍ هكلى تُظلل السعادةَ في صدرها وكان هو تلك الغيمةَ الفارغـة، ارتفعَ صوتها الغاصُّ في عبراتها ليلفظ بألم : اضحك ، أصلًا أنت دايم مبسوط وأنا مقهووورة .. الله يقهرك مثل ما زرعت بقلبي شوكَة قهر للحين توخزني بوجَع
سكَنت ضحكتهُ فجأةً لنبرتها المتألمة، والتقت نظراتهُ بعينيها الغارقتين في الدمع . . لم يُمطر عليها يومًا بوابلِ ضحكِة ، أو ديم! كنتُ لأرتضِي منك الديم دونًا عن أي وابل، لمَ بخلتْ؟ والله كنت لأرضى بالقليلِ الدائِم، القليل الذي يسدُّ حاجتي ويُبقي فراغًا لا تسعهُ الريح .. تركتني فراغًا كاملًا، تُنشدُ فيهِ الريح جلَّ أغانيها، جسدِي يفتقرُ لديمك، جسدي الذي اشتكى منكَ فتداعى سائرهُ بالسهرِ والحمى. ليتك لم تكُن الغيمةَ الفارغة التي ظللتني لتبعثَ لي بظلامٍ دونَ مطرْ.
وكأنّه كان يقرأها ويقرأ خلجاتها، انحنى حاجباه بوجعٍ لما يموجُ في عينيها الدامعتين، وزفَر صدرهُ هواءً ملوثًا بأُكسيد الأسى .. مدّ كلتا يديه وتغاضى عن دعائها المقهور، أمسك بكتفيها ليجلسها على السرير وهو يركّز بعينيها الدامعتين والناظرتين إليه بوهن، ثمّ تحرّكت يدهُ اليُمنى ليُمرر سبابتها تحت عينيها ماسحًا دموعها ومن ثمّ ترتفع ليمرر طرفها على رموشها المُبللة، وصوتُه لفظ بخفوتٍ بعد أن أغمضت عينيها كردّة فعلٍ على ملامستهِ لرموشها : آسف على وجعك ودموع عيونِك
فتحت عينيها الباهتتين تنظر إليه دون استيعاب، أيعتذر لها؟ يعتذر!! ، أحـاط وجهها بكفيه وهو يردفُ بهمسٍ واهِن وابتسامةُ أسى تغتال شفتيه : من النادر أعتذر صح؟ عمومًا أنا ما أبي أضايقك أكثر وأضايق بنتي ، أنتِ الحين بفترة ما تسمح لرداءة نفسيتك فبحاول ما أضايقك مني ، بس كوني متعاونة
عقدَت حاجبيها وهي تفغر فمها، وبصوتٍ مشدود : بهالبساطة؟ أنت عارف وش تقول؟؟! الصبح تعلمني إنك تبي ترجع زوجتك والحين تقولي ما أبي أضايقك وكوني متعاونـة؟ ، هه! متعاونة كيف بالله عليك؟!!
سيف يقطّب جبينه بضيق : ممكن تنسين هالسالفة شوي ، عشانك بس!
ديما بحدة : أنساها!! سيف حرام عليك اللي تسويه فيني! كل شيء عندك بسيط! كل شيء !! أصلًا أنا ليه أحكي معك؟ روح بالطقاق لزوجتك وولدك، صح نسيت وبكررها مرة ثانية ؛ قديمك نديمك لو الجديد أغناك ، الله يهنيك بقديمك ويعوض على جديدك
استدارت عنه بانفعالٍ لتتمدد وتُغطي جسدها باللحاف وأسنانها تقضمُ شفتها السُفلى بقهر، بينما بقيَ هو من خلفها يتأمل استدارتها عنهُ ويستمعُ لأنفاسها المجنونـة، الوجعُ متبـادل، كل منا يوجع الآخر بعد أن كان الوجعُ مني وحدي، في كلِّ مرةٍ كنت أوجعك فيها كان صدري يريد منكِ النومَ بين أضلعه، كانت نيتي عدم ابتعادِك، أنا أناني، لكنّ أنانيتي كانت بكِ، وليس من أجلِ نفسي وحسب، لم أرد للمسافات أن تباعدَ بيننا في طريقٍ غيرِ معبَّدٍ يمتلئ بالشوكِ والعرقلَات، طريقٌ نسقط فيه ولا يطولنا ارتفـاع .. قد أكون مخطئًا، أو على حق! لكن يكفي أنّ نيتي هي أنتِ، يا من تشغرُ النوايا بحُسنها.
تقلّبت فوق السريرِ وواجهتهُ بنظراتٍ ساخنـة، وبنبرةٍ حاقدة : أيه ولا عاد تقول بنتي سامع! هذا ولد ، و لـ د .. حطّ هالكلمة براسك
أخفى شبَح ابتسامةٍ وهو يؤمئ برأسهِ ليُجاريها، حينها تأفأفت بقهرٍ وهي تعود للصّد والجمودِ على وضعيتها لدقائق تبحث عن النوم، لكنّ النومَ طارَ في سماءِ الصباحِ أسفلَ شمسِ مراقبتِه لها، توتّرت أجنحَة النومِ وطار، وبقيَ هو يظللها بالنظر إلى هيئتها دون أن تتعب قدماه من الوقوف، لكنّه تحرّك في النهاية وهو يستشعر أنفاسها المضطربَة والتي تدل على صحوتها، دارَ حولَ السرير ليتعرقل بملابسها المرميَة على الأرض قبل أن يستوي واقفًا ويُكمل طريقه، وما إن وقفَ على الضِّفةِ الأخرى من السرير حتى توقّف لثوانٍ ينظر لعينيها الناظرتين إليه بصمتٍ وقد أشرقَت حدقتيها بعد أن أرتفعت أجفانها عن نظرةٍ جامدةٍ بلا معنى، ليبتسم وهو يجلس على طرفِ السرير، ومن ثمّ تمدد قبل أن يُحيط خصرها ويجرّها إلى صدرهِ الدافئِ وكفّهُ الأخرى تمسح على شعرها المتناثر على وسادتها، اضطربَ تنفسها للحظَات، وتجمّدت يدها التي كانت على صدرها تمنع تلاحمَها بصدره، أغمضَت عينيها بقوةٍ تقاومُ الرغبةَ في دفعه عنها، فقد أرهقها عنادها في الدقائق الماضية، لذا تنهّدت باستسلامٍ وهي تشعر بشفاههِ على جبينها قبل أن تستسلمَ للنومِ الذي سرقَها.


،


كان جسدها قد استرخى على السريرِ وظهرها الذي يؤلمها أُزيحَ ألمُه، لم يأتي فواز منذ ما حدث، وكان آخر ما قالهُ لها " ادخـلي داخل وأنا بتفاهم معاه "، بنبرةٍ حادة! بصوتٍ جاف، لكنّ جفافهُ لم يكن أبدًا كجفافِ كفِّه التي استقرّت على وجنتها وحطّمتها، تشعر بحرارةِ كفِّه لازالت تتجدد على وجنتها كجحيمٍ لا تتلاشى حرارته، وجعها لا ينضب، وألم شعورها في تلك اللحظةِ نثرَ بذورهُ في النهارِ ليُزهر الآن بشدةٍ وبماءِ الذكرى، تقوّست شفتاها وجسدها يتقوّس كجنينٍ في رحمِ امه، ضمّت جسدها بذراعيها وهي تغمض عينيها استعدادًا للنوم، لكنّها انتفضت فجأة على صوت البابِ الذي فُتح بعنفٍ ليدخل فواز بمزاجٍ سيء، فتحت عينيها بضعفٍ لتنظر إليه وقد تحاشى النظر إليها واتّجه مباشرةً ليتناول ملابسَ نومِه ومن ثمّ ولجَ للحمامِ فورًا، انتفضَت مرةً أخرى على صوتِ إغلاقِ بابِ الحمام وتأوّهت دونَ شعورٍ بينما التوت أحشاؤها وعاد ألم صفعتهِ يترسّبُ على وجهها، صفعتهِ التي احتكرَتهُ في زاويـةٍ ضيّقةٍ بعد أن كان يشغر كلّ حنايا صدرها.
ومن الجهةِ الأخرى ، كان قد تركَ للماء البارد حقّ السقوطِ على جسده كشلالٍ في ليلةٍ باردةٍ علّهُ يطفئ القليلَ من فورانِ دمِه، لازال يستذكر كيف أنّه راقبها نهارًا بعد أن انسحبَت لتدخل المنزل بصمتٍ بارد، ومن ثمَّ نظراتُ ذياب التي سلّطها عليه بوعيدٍ عميقٍ يُقرئِه بأنه سينتشلها منه ، عاجلًا أم آجلًا ، لكن " بلَّ تهديدك واشرب مويتها "، هذهِ هي الفكرةُ التي طرأت عليه وهو ينظر إليه بتحدي قبل أن ينسحب ذياب ويركبَ سيارته ليبتعد عن أنظاره، وبقيَ هو لثوانٍ طويلةٍ ينظر للأثر الذي خلفته سيّارتهُ وأفكاره تتّجه لتلكَ الأنثى التي زرعَت في صدره ألف بابٍ لتدخل من كل واحدٍ بعنفوانٍ وذقنٍ يرتفعُ ليتجاوز الغرورَ كِبرًا ، وهو من سيُحطمُ تكبّرها هذا، لن يقول بأنّ حالتها النفسيَة اقتضَت عليها هذا الكِبر، سيكون أكثر من مرحبٍ بمداواتها، لكنّه لن يسمح لتعاليها أن يؤذي غيرهُ وهو الذي يدرك أنها في كلا الحالاتِ كانت لتتعامل مع امه بتلك الطريقةِ النتنة، فالأمر ليسَ متعلقًا بحالتها النفسيَة بحجم ماهو متعلقٌ بحقدها.
مرّت نصفُ ساعةٍ والمـاء يستغرقُ على جسدهِ دونَ أن تطفئ برودته لهيب مشاعره، أغلقهُ ليتناول المنشفة ويجفف جسدهُ ومن ثمّ ارتدى بنطال بجامته دونَ القميص ليخرجَ من الحمامِ مصتدمًا ببرودةِ التكييف الذي تخلخل شعره المبلول، عقدَ حاجبيه وهو يتّجه للكومدينةِ ليتناولَ جهاز التحكّم ويخفض برودة المكيف، متجاهلًا صوت أنفاسها المضطربة التي تدلُّ على صحوتها حتى الآن، وقد كانت في الثلاثين دقيقةً الماضيـة تستمع لصوتِ انهمارِ الماء، صوتُه عكّر نومها الذي غادرها لتبقى حواسها مستيقظةً إليه، وما إن شعرت بهِ يفتح الباب حتى أغمضَت عينيها بقوةٍ محاولةً التظاهر بالنوم.
تحرّك فواز مبتعدًا عن السريرِ باتّجاه إحدى الأرائك التي رمى عليها قميصهُ قبل أن يدخل للحمام، ارتداهُ ومن ثمّ عاد ليتّجه إليها ويجلس على الطرفِ الآخر من السرير، وبصوتٍ فاترٍ وهو يمعن النظر بوجهها : عارف إنك صاحية ، اجلسي بحكي معك
توتّرت عضلاتها وشدّت على جفنيها العلويين تلقائيًا دونَ شعورٍ منها، حينها رفعَ إحدى حاجبيه وهو يركّز بملامحها، وبنبرةٍ آمرة : قلت اجلسي
ارتعشَت شفاهها لتفتح عينيها بهدوء، وارتكزَت حدقتاها ناظرةً للأسفل دونَ أن تتجها إليه، لكنّها بقيَت متمددةً في مكانها ولم تجلس، ليزفرَ بقلّة صبرٍ ويُعيد أمرهُ ببطء : اجلسي
تحرّكت بهدوءٍ وانصياعٍ لتجلسَ وكفّها تشدُّ بنطالِ بجامتها الزهريةِ للأسفلِ بانكسار، تعلّقت نظراتها بحجرها وهو يجلس جانبها يتطلعُ لكلِّ انكسارٍ تنتشر رائحتهُ حولهما، لكنّهُ غيّب عطفهُ عليها خلف قضبانِ القسوةِ وقيّد فكهُ بكلماتٍ قارسـة : تدرين إني بغيت أكسر راسك لما شفتك قدامي وقدام خالك؟ في كل الأحوال ما كنت بخليك تروحين ويّاه حتى لو بغيتي يعني وقتها كان نقدر نقول " جنت على نفسها براقش "، أقدر بكل بساطة أسحبك وأرجعك للبيت وقتها مين بيفكك مني؟
كانت تستمعُ إليهِ بصمتٍ وهي ترفعُ ركبتيها وتُحيطهما بذراعيها ليستريحَ ذقنها عليهما وشفتيها تتقوّسان بوجَع . . أردف ببرود : بس خالفتي توقعاتي! أقدر أسألك ليه بدّلتي رغبتك فجأة؟ اللي أعرفه إن راسك عنيد!
ازدردت غصّتها المُقتبسَةِ من إحدى البراكينِ الخامدة والتي انفجرَت حرارتها فجأةً في حلقها، رفعَت رأسها لتوجّه نظراتها المُنكسرَةَ إليه، وبصوتٍ واهنٍ ونظراتها تشاركهُ الوهن : لأني مؤمنة باللي قلتَه ، تقدر بكل بساطة تسحبني وترجعني البيت ووقتها مين بيفكني منك؟! عاد وش يدريني يمكن يجيني كف ثاني!
قالت كلمتها الأخيرة وهي تبتسم بألمٍ وكفّها اليُمنى ترتفعُ لتمسح على وجنتها الموؤدة، بينما انقبضَت عضلةٌ في فكهِ وهو يغمض عينيه ويزفر، ثمّ فتحهما لينظر إليها بقسوة، وما إن أفرجَ فمه ليتحدّث حتى قاطعهُ صوتها المبتسم بأسى : عاد الرجّال لو مدَّ يده مرة بيمدها مرتين وثلاث ، بتصير عادة صدقني
فواز يعقد حاجبيه بحنق، وبصوتٍ حادٍ لفظ : عمري ما فكرت أمد يدي عليك أو على أي مرَة ، لكن أنتِ اللي حديتيني فلا تطلعين نفسك منها الحين
جيهان تزدردُ ريقها بوجع : للحين كفّك قاعدة توجعني ، لا تزيدها بلسانك
فواز : اللسان ما أظنك تتوجعين منه متعودة عليه ، والا ما كنتِ تلاسنتي مع اللي أكبر منك
جيهان بنبرةٍ مقهورةٍ ضعيفة : هي ليه جات لعندي؟ أنا متجاهلتها عشان ما أغلط ، مين قالها تجيني؟
فواز بحدةٍ يوجّه نظراتٍ قاتلةً إلى عينيها مباشرة : مهما كان ، لسانك ذا لا يتطاول عليها .. عمري ما توقعتك بقلّة الأدب ذي!
دفنَت وجهها بين ركبتيها وهي تصرخُ بقهر : أكرهها ، أكرهها فلا تلومني على اللي أسويه ضدّها
قاومَ رغبةَ يدهِ في تخلخل شعرها وشدِّ رأسها للأعلى حتى يُقابلها بنظراتٍ كافيةٍ لقسمها نصفين، وبصوتٍ حادٍ زلزلَ كيانها : جـــيـــهــــــان!
دفنَت وجهها أكثر وهي تسمحُ لدموعها بالسقوط، بينما دنا صوتُها في أعمقِ قاعٍ في جوفها لتُخفي نحيبها بين أضلعها، لتُعانق وجعَ صوتها بأوردتها، ليتآكل ألمها بصدأ التحجّر بين رئتيها وينسحب الأكسجين إلى ذاكَ الصدأ.
شعَرت بهِ يقبضُ على كتفها فجأةً ليدفعها للسقوطِ على السرير، ثمَّ دنا منها فوقَ عينيها المتّسعتان بذعرٍ وهو يضعُ كفّه جانبَ رأسها على المفرشِ ويتّصل بحدقتيها بجِسر نظراته الحادة، وبصوتٍ مكتوم : راح يتعبك العنـاد ، صدقيني راح يتعبك . . أنتِ تأذين نفسك لما تتصنعين القوّة، بس أنا أكثر شخص يدري إنّك تستندين علي وتثقين فيني، وما أبي أفقد ثقتك بقلِة أدبك أو تمردك، عشان كذا امسكي لسانك، ما أبي أغلط عليك صدقيني
ارتعشَت شفاهها وهي تنظر إلى عينيه من هذا القُرب، يكادُ أنفهُ أن يُلامسَ أنفها، وأنفاسهُ تحرقُ شفتيها الرقيقتين .. ازدردَت ريقها وهي تفتحُ فمها وتطلقُ من حنجرتها نبرةً متألمة : ليه متأكد إنك ما خسرت ثقتي من أول صفعة؟!
صمتَ للحظاتٍ وملامحه تتجمّد فوقَ ملامحها، إلا أنهُ لفظَ بعد ثوانٍ من الصمت : يمكن خسرتها ، ما أدري . . بس كل اللي أبيه إني ما أضطر أأذيك ، انتبهي مني
جيهان تُغمض عينيها وتهمس ببحة : ما أعرف انتبه مني ، علمني
توتّر فكّهُ وبؤبؤيه يتّسع قطرهما، تشنّجت شفتاهُ بينما تنهّد صدرهُ بقلّةِ صبرٍ وهو يخفض رأسهُ ليلثم وجنتها مراتٍ يتذوّق ثلجية ملامحها، بينما ارتفعَ صدرها باضطرابٍ وهي تفغر فمها قليلًا، تشعر بشفاهه تتمرر على وجنتها حتى وصلَ لأذنها، ليهمسَ في تجويفهِ بنبرةٍ ذاهبَة : حتى غزلك غير مباشر! ، كل اللي صرت متأكد منه إنّي أعني لك شيء كبير ، علميني أنتِ كيف أفهمك؟
فتحت عينيها بوهنٍ وهي ترفعُ إحدى ذراعيها وتحيطُ كتفه، وبهمس : علمني أنت كيف تقدر تقرب مني وأتجاهلك؟ علمني كيف تضربني وأكرهك؟ تدري إنك كسرت شيء كبير جواتي ، بس ما كرهتك! كرامتي فكّرت أبتعد عنّك وأطلع، صدقني للحين أبي أتركك لأنّ الرجال اللي يضرب مرته ما يستحقها . . بس كيف أكرهك؟!
فواز يتجاهل أسئلتها ويهمس بصوتٍ غارقٍ بين خصلات شعرها : أفهم إنك تحبيني؟
صمتت! وضاعَت الكلمات في حنجرتها، ارتفعَ صدرها بشهيقٍ مضطربٍ بينما سقطَ بزفيرٍ تعرقَل فوقَ بساطِ سؤالهِ الشريد، أسقطَت ذراعيها عن إحاطةِ كتفهِ وهي تغمضُ عينيها بضعف، بينما اضطربَ قلبهُ فوقَ قلبها، وأغمضَ عينيه ينعمُ بمقولةٍ تقتضي بأن الصمت يعني الإجابـة بالإيجاب، نسيَ نصَّ تلك المقولة! وماذا يُريد من النصوص! إن كانت الكلمات لا تكفي للإجابةِ فالصمتُ أبلغ، الصمتُ يكفي لهذا التوترِ الذي أصابَ جسده/قلبه/أنفاسه/كلماته التي تاهت بين شفتيه لتُبتر دونَ أن تعبر تجويفَ أذنها، كم عشقَ قلبهُ الصمتَ في هذهِ الأثناء، صمتٌ رافقَ شهيقًا من صدرها يكاد يكون تنهيدةً ناعمة، تنهيدةً تكفي عن ألفِ " نعم! ".
وجَد نفسهُ ينسى كل اتفاقيَات حياتهما، الوعودَ التي أطلقها على نفسهِ وعليها، حقّها بحفلةِ زواجٍ وفستانٍ أبيضَ تجيئه من بعدها كأي أنثى في ليلةِ زواجها، ومارسَت شفاهه العشقَ وقد أطاحَ بهِ الصمت الذي جاءهُ منها، من كان يظن أن الصمتَ يغوي أكثر من الكلمات؟ من كان يظنُّ أن تعبيرًا عن كلمةِ " أحبك " قد تأتي بهذهِ البلاغةِ التي افتقر إليها العديدُ من الكُتاب.
ارتفعَ معدّل أنفاسها وهي تُطيح برأسها جانبًا بينما أنفاسه تصتدمُ بنحرها، التوت معدتها بتوترٍ وهي تستسلم بضعفٍ لهذا الإقترابِ المُبـاح.
لكن فجأة، شعرت بهِ ينتشل نفسهُ عنها وهو يقطّب جبينه، تراجعَ وهو يلفظ شتيمةً ما من بين شفتيه لتتسع عيناها باستنكارٍ مذهولٍ وتنظر إليه، بينما وقفَ هو مبتعدًا عنها قبل أن يعودَ ويستدير إليها، وبحدة : اسمعي ، اليوم اتّصلت على عمي يوسف وعلمته بشرطك ، حفلة زواجنا راح تكون خلال أسبوعين ، وببلّغ ديما وأسيل عشان يساعدونك في التجهيز
استدارَ عنها ليتحرّك مبتعدًا ويخرج، لكنّه عاد ليقفَ وهو يستوعب موقفه المُبهم بالنسبةِ إليها، وبصوتٍ يحتفظ بحدتِه لفظ دون أن يوجه نظراته لها : نامي أنتِ ، وأنا بنام برى
اتّسعت عيناها باستنكارٍ أكبر، وبقيَت تتابعه بعد خروجه حتى أغلق الباب من خلفه، بينما جعلها الذهول تتجمّد في مكانها دونَ فهمٍ لكل ما حدث، ومضَت ثوانٍ طويلةً وهي تجلس حتى تسلل إليها الاستيعاب رويدًا رويدًا، وانعقدَ حاجباها بينما ابتسمت شفتاها ابتسامةً تكاد لا تُرى وقد فمهت سبب حدّته وقهره، لا يُريد أن يخلَّ بوعدهِ لها!! ارتفعت كفاها لتضعهما على وجنتيها الملتهبتين باحمرارِ الخجلِ وهي لا تتخيل كيف أنها استسلمت له، وكيف أنه كان قريبًا منها بتلك الدرجة حدّ أنها نسيَت ما حدثَ بينهما قبلًا.


،


تحبسُ نفسها في غرفتها منذ ساعات طوال، ساعةً تبكي وساعةً يلتهما الإجفال، كان لقاءها بهِ موجعًا، استثار كلَّ نقطةٍ حزينةٍ في صدرها ليُبثُّ في كامل جسدها مقطوعةً موسيقيةً انقطعت الأوتارُ قبل اكتمالها، في ليلةِ بدرٍ انتشرَ فيها الضبابُ ليُخفي معالمِ اكتمالِ القمر، وكلُّ نقصٍ لابد من أن تمتلكهُ هي، لا تحب أنصافَ الأمور، فلمَ التهمتها؟ نصف عائلة، نصفُ زوج، نصفُ حيـاة، يا الله لمَ ذلك؟! لمَ كل ذلك يصيبها ويُمحق عزيمةَ الحياةِ فيها؟!!
عضّت شفتها وهي تُغمض عينيها بقوةٍ وتخلخل شعرها بأناملها لتشدّهُ أخيرًا، تسترجعُ بشاشةَ ملامحه، وسامتهُ التي لم يحملها أي رجل، كل أبٍ يكون في عيني ابنته أوسم الرجـال، ولطالما كنت وسيمًا، وحبيبي يا أبي.

*

أعصابها تتآكل تحت وطأةِ الانتظار، بدأت تهزُّ ساقيها في السيارةِ وصوتُ اخوتها في الخلفِ يُضاعف توترها، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تُدير رأسها إليهم وتهتف بحدة : أنتم ما ودكم تسكتون؟ خلاص وجّعتوا راسي!
غطاهم الصمت فجأةً بعد نبرتها الحادة، لتتأفأف بمزاجٍ متعكرٍ وهي تعود للنظر إلى الأمامِ عاقدةً حاجبيها، كيف سيكون لقاؤها بهِ وهي التي لم تتجاوز جرحها منه؟ لم تتجاوز ألمها منه! . . أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تتنهّد، ومضَت الدقائِق قبل أن يرتفعَ صُراخ اخوتها من الخلفِ بعد موجةِ الصمتِ التي أصابتهم : بابا جاء ، بابا جاء
فتحت عينيها بسرعةٍ لتوجّه نظراتها ناحيـة باب المشفى وينقبضَ صدرها برؤيتِه، ازدردت ريقها وصوتُ اخوتها في الخلفِ يتصاعدُ دون أن تدركه، فقط بقيَت تنظر للرجل الوسيمِ الأول في حياتها، الذي جرحها بسكينٍ لم يحمل حدّته سواه، وهي التي لم تتوقع هذا الجرح منه، فكان جرحه استثنائي، وقاتل!
لم تكن قد انتبهت للرجل الذي يمشي بجوارِ كرسيّه المتحرك من جهةٍ وفارس في الجهةِ الأخرى، وما إن انتبهت لهُ حتى فغرت فمها وتوتّر قلبها، كان أمجَد الذي يُحادثُ ناصر ويبتسمُ لهُ ببشاشة، ورؤيتها لهُ دائمًا ما تجلب في صدرها ضيقًا والآن تضاعف هذا الضيقُ من بعد معرفتها للحقيقة، من حقّه أن يكرهها، من حقّه أن يبغضها، فهي ابنةُ من اخترقَت هذه العائلة الصغيرة، وبالرغم من كونها لم تعرف كثيرًا عن الحقيقة إلا أن سؤالًا واحدًا قفز في تلك الأثناءِ إلى عقلها " هل هو خالها فعلًا؟ "، عقدَت حاجبيها عند تلك النقطة، لم يكُن والدها ليسمح بهذا التجاوز إن لم يكُن خالها، لكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟!
تضايقَ صدرها، وتوجّست مشاعرها، غابَ إدراكها لثوانٍ وهي تُخفض نظرها للأسفل، ولم يوقضها من هذا الغيـاب سوى صوت ضربات فارس على النافذة، حينها انتفضَت وهي تنظر لملامحه التي كان يُقطّبها، لتمدّ يدها نحو زرّ التحكم وتفتح النافذة، وباستفسار : وش فيك؟
فارس بخفوتٍ آمر : اركبي ورى عشان اركّب أبوي
جنان : آآه نسيت
فتحَت الباب لتنزل، لكنّ أمجد كان قد اقتربَ وقتها منهما ليلفظ بنبرةٍ قاطعةٍ للجدل : ناصر بيركب معاي
عقد فارس حاجبيه برفضٍ وهو ينظر إليه : بس يا خالي ...
قاطعهُ أمجد بحزمٍ وهو يرفع إحدى حاجبيه : هذا اللي عندي لا يجيني اعتراض
تنهّد فارس وابتسم بانصياعٍ له، وبخفوت : اللي تبيه على عيني والله
ابتسم أمجد وتحرّك مبتعدًا دون أن يهدي لوجود جنان أي اهتمام، بينما كانت هي تنظر للأسفل وكفّها اليُمنى تفرك ذراعَ يدها الأخرى، تشعر أنّها كالوباءِ هنا، لا علاج له، يُنفر من حوله . . آهٍ يا قسوةَ هذا الشعور!
استدار فارس إليها دون أن ينتبه لما يختلجُ في صدرها، وبنبرةٍ حازمة : جنان ، سلمي عليه ما يصير!
رفعَت نظراتٍ تائهةً إليه وهي تفغر فمها، ودون أن تشعر كان رأسها يتحرّك بالنفي، بالرفضِ لما يُريده ولا تريد! لن تنكر أنها اشتاقته، بكل قسوةٍ تشعر أن هذا الشوقَ يجرفها نحوَ محيطٍ لاذِع، تريد أن ترتمي في أحضانِه وتبكي لياليها الحزينة، أن يمسح على شعرها بكلماتِه الرقيقة، أن تسمح للحزنِ بالنفاذِ من صدرها عبرَ شكوى وأخرى وفضفضةٍ وبكاء، لطالما كان دواءها من كل آفة، مسندها حين تتعثّر، لكن كيف يصبح دواءً على حزنها الذي جاء منه؟!!
أمسكَ فارس بكفِّها وهو يقطّب جبينه ونبرته تسللت عبر شفتيه برجـاء : عشاني ، لا ترديني! وش تتوقعين بيكون شعوره لما تتجاهلينه وأخوانك كلهم نزلوا وراكضوا حوله وسلّموا عليه؟ شايفتهم كيف مبسوط فيهم ويضحك معاهم؟
وجّهت نظراتها إليه، لم تكن قد انتبهت إلى اخوتها اللذين ترجّلوا عن السيارةِ وطاروا إليه بشقاء، لكنّها لا تقدر! قدماها الواهنان لا يستطيعان التحرّك نحوَ جسدهِ الجاثِمِ على ذلك المقعد، لا تستطيع، لا تستطيييع!
شعرت بيدِ فارس تشتدُّ على يدها بقوّة بعد صمتها، سحبها معهُ دونَ كلمةٍ لتتسع عيناها بذهولٍ وهي تحاول الفكاكَ منه، بينما هتفَ صوتها برجاء : فارس لا ، الله يخليك ما أقوى أشوفه وما أبكي ، الله يخليك لااا
لكنّ فارس تجاهلها وهو يزرع الإصرار على ملامحه، وما إن وجد نفسه خلفَ والده حتى تركَ يدها وهو يهتف بهدوء : يبه
أدارَ ناصر رأسه إليهم مبتسمًا، لكنّ ابتسامتهُ تلاشت فجأةً ما إن رأى جنان التي كانت تنظر للأرضِ تحاول مقاومـةَ دموعها . . عقدَ حاجبيه وهو يعود للإبتسـامِ بشوق إلى مدللته، وبنبرةٍ حنونة : حبيبة أبوها للحين تتغلى؟!
اهتزّت شفاهها بوجعٍ وهي ترفعُ رأسها إليه، تقوّس فمها مع تقوّس حاجباها، والتمعَت عيناها بدموعٍ حبيسةٍ تزأرُ بألمها، باشتياقاها الذي تصدّهُ الجراحُ عن الظهور . . بينما انحدَر صوتها هامسًا بشوق رغمًا عنها : الحمدلله على سلامتك
ناصر بعتابٍ وهو يقطِّب حبينه : بس كذا؟!
ارتعَشت أطرافها كلُّها، ورغمًا عنها وجَدت نفسها ترتمي في أحضانه، تُحيطُ عنقه بذراعيها، تبكي على صدرِهِ وتُغرقُ ملابسهُ بدموعها المالحـة، تشتكي منهُ إليه، إلى الفؤادِ الذي حملها منذ كانت صغيرةً حتى كبرَت أمامَ عينيه والسنِين، إلى الشراعِ الذي كان يستقبل الريحَ ويحرّكها في أوسعِ البحارِ على مرِّ الأعوامِ التي هروَلت بنشاطٍ وطوَت ماضيها.
ابتسَم ناصر وهو يرفعُ كفّه الثقيلةَ المرتعشة لتستقرّ على ظهرها، وبصوتٍ حنونٍ وهو ينظر لفارس الذي يبتسم ابتسامةً تكادُ لا تُرى : كم مرة لازم أقولك دموعك غاليـة والدنيا ما تستاهلها؟ لا تبكين ، لا تبكين ، يا عين أبوك لا تبكين

*

لا تبكين ، لا تبكين ، يا عين أبوك لا تبكين
- يا عينَ ابنتِك، أنتَ واللهِ من أبكيتها! - . . مضَى النهار، وانتَهى احتضانها لهُ بعد ثوانٍ وبكاؤها خفتَ للكلماتِ الحنونَة التي كان يلفظها، ابتعدَت عنهُ وهي تمسحُ وجهها الذي احمرّ فوق احمرارِه، ومضَت الثواني قبل أن يساعدهُ أمجد وفارس للجلوس في السيـارةِ، كان عقلها يتنبأ بكونِ والدها سيطلب منها أن تصعد معهم، لذا تحرّكت بسرعةٍ لتصعدَ في سيارةِ فارس، وانتهى ذاك النهار بأن عادوا، وتهرّبت هي من الجلوس معهم حتى الآن، تبكي ومن أبكاها هو من أسماها " عينُه ".


،


جرَت الأيـام كنهرٍ جارٍ يتجدد ماؤه، وينفض عنه التلوثَ في كل تجديد، الحيـاةُ زرقاء، كما البحرُ والسماء، عميقة، لكنها لا تهبُ شيئًا، من قال أصلًا أن السمـاءَ تهِب؟ وحدهُ اللهُ من يهبُ عبادهِ مطرًا وحيـاة، والسماء وسيلةٌ ليسَ إلا، لذا من قال أنها تهبُ الحيـاة بذاتها؟ هي فقط تُحيي، بعد أمرِ اللهِ لها.

أنشَد الصباحُ في أذنِه تغريدة عصافيرَ تملك من النشاط ماهو أشدُّ من العديدِ من البشر، اغتسَل بعطرِه قبل أن يتناولَ مفاتيحَ سيّارتِه وهاتفَه، ومن ثمّ اتجه نحوَ بابِ غرفته ليخرج، ودونَ أن يتّجه لعتباتِ الدرجِ كانت قدماهُ تتحرّك باتِّجاهِ غرفتها، مضَى أسبوعًا كاملًا وهو يحاولُ إحيـاءَ عاطفتها نحوه، لكنّها كانت مختلفةً عن كل مرةٍ يجرحها فيها، وتجاهلت محاولتهُ وتصنّعت أنها لا تفهم تلك المحاولات.
وقف عند بابِ غرفتها، ورفعَ يدهُ ليطرق الباب بهدوء، وحين طال تجاهلها لهُ أدارَ مقبضَ البابِ ليجدهُ مفتوحًا، وبصوتٍ مشرقٍ مبتسم : عمتي
توقفَ حين وجدها تقف أمام المرآةِ وقد وضعَت فرشاة الشعر على التسريحةِ بحدة، ونظراتها الغاضبة كانت تتجه إليه مباشرةً عبرَ المرآة، لتلفظ بغضب : أعتقد من الأدب ما تدخل إلا وقت ما أأذن لك ، فرضًا كنت ألبس وش بيكون وضعي وقتها؟
توترَ وغزى ملامحه الإحراج، بالرغم من كونه يدرك جيدًا أنها من المستحيل أن ترتدي ملابسها والبابُ غير مغلقٍ بالمفتاح، لكنها برعَت في إحرجـه.
تنحنحَ بإحراجٍ وعيناه لم تنتبها لانعقاد حاجبيها عطفًا على هذا الطفل الذي أصبحت تقرأهُ في ملامحه بكلِّ مرةٍ يجيء إليها محاولًا تلطيف أجوائهما، لكنّ العطفَ تلاشى عن ملامحها ما إن وجّه نظراته إليها وهو يلفظ بصوتٍ مُحرَج : معليش على دفاشتي ، كنت جاي أقولك إني مداوم
قاومَت ارتفاعَ حاجىبيها بتعجب، ومن ثمّ السعادة التي أرادت بقوّةٍ أن ترسو على ملامحها لهذا التغيّر العظيم، وامتلكت من البراعةِ الكثير مما جعلها تهتف بجمود : سبحان الله، وش صاير بهالدنيا أدهم تنازل لشغله!!
أدهم بحرجٍ بالغٍ رفعَ كفّهُ اليمنى ليحكّ عنقه : انتهت إجازتي من فترة ، لازم أداوم والا بنفصِل
رفعَت فرشاة الشعر لتُمررها على خصلاتِ شعرها وهي ترفعُ كفّها الأخرى ملوحةً لهُ دون مبالاة : روح بس أنا وش علي منك؟
ابتسمَ بأسى وهو يطرقُ برأسه، وتنهّد ليدخل للغرفةِ ويقترب منها، وما إن وصلَ إليها حتى انحنى قليلًا ليُقبل رأسها ومن ثمّ يلفظ بخفوت : مع السلامة ، انتبهي لنفسك
ومن ثمَّ تحرّك مبتعدًا ليخرج من الغرفـةِ تاركًا لها تتنهّد من خلفهِ بحسرة، لكنّها لن تلين بسرعة! كل هذا لأجله، لأجل أن يعلم ما قيمتها، يكفي عمق جرحه الأخير لها، ولم يجعله يتمادى سوى مسامحاتها لهُ بكل بساطة.

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا الجاي يوم الخميس ، قراءة ممتعة ()

ودمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook



جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 11:50 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية