لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-07-14, 05:40 AM   المشاركة رقم: 56
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 








صباح الورد والسرور


كل عام وانتو بخير وعيدكم مُبارك
للأسف رمضان خلص بسرعة هالسنة ، والا بس أنا اللي حاسة بهالشيء؟


البارت القادم بيكون ثاني أيام العيد إن كتب الله ذلك
أو نقول .... والا خلوها مفاجئة بيومها تصير أجمل :$*
وربي يوفقني لكل خير





.

.


* إذكروني بدعوة

ودمتم بخيــر / كَيــدْ !


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-07-14, 09:44 AM   المشاركة رقم: 57
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم :)

صباح الطاعة والطمأنينة بالعبادات
مساء الإستغفار وتجديد التوبة
فــ / أستغفرك ربي وأتوب إليك عدد نعمك علي



كل عام وانتم بألف خير وسلامة
كل عام وانتم بسعادة لا تنضب
كل عام وانتم إلى الله أقرب
كل عام وجمال روحكم وخُلقكم يسبق جمال خَلقكم
عساكم من عوادة


وصل البارت يا الغوالي أو نقـول البارتين
وهذي هي مُفاجئتي وعيديتي لكم
ماني أقل من غيري عشان ما أهديكم عيديه
وانتو تستاهلون أكثر من كذا وأمنياتي تعجبكم عيديتي لكم




+ هالبارتين إهداء خاص لجميلة ماتحرمني تواجدها مع كل بارت من بداية الرواية
ماودي أكون ظالمة مع البقية بس أوعدكم بيكون فيه إهداء بكل بارت وتأكدوا إن كل وحدة ساندتني بتشوف إهداء خاص لها ..

هالبارتين إهـــــداء للجميلة ( ثرثرة هادئة )


,

بسم الله نبدأ

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
للكاتبة : كَيــدْ !


لا تشغلكم عن العبادات





(9)




الساعة الخامسة - عصرًا

قدماها تتحركان بخطواتٍ واسعة, تنظف البيت كما البارحة, لكن هذه المرة كانت تنظفه كاملًا وليس الجناح وحسب، لم تعد تجد ما يُشغلها عن أفكارها العقيمة، وهي بكل بساطةٍ استسلمت لمشاعرها في الصباح فباتت تغرقه بكلمات حبها التي لطالما كانت ترفعه عاليًا ليُصبح فوقها هي.
لتستسلم! لم تعد تريد الكفاح لتجد كرامتها، هو زوجها في النهاية، وهي من أخطأ حين تزوجت برجلٍ تزوج سابقًا ليفشل زواجه ويظن بزواجه الآخر سوءًا. إن لم تحصل على رضا نفسها فستشتري رضا الله، ليست مستعدة لأن تبيت الملائكة تلعنها لأنها تغضب زوجها ولا تؤدي حقوقه على أكمل وجه.
لكن ماذا عنها هي! ألا حقوق لها أيضًا ليعمل بها ويرضي الله؟
بعد لحظاتٍ كانت الخادمة قد جاءت إليها تريد أن تأخذ الأعمال عنها كما كانت تحاول منذ ساعاتٍ وهي لا تقبل، فلا عمل يشغلها سوى التنظيف، والجلوس مع امه يدفعها للإرتباك لكثرة تساؤلاتها عن علاقتهما.

وفي جهةٍ أخرى، كان هو لتوه يدخل ليتجهم وجهها، تعلم أين كان، ككل يومٍ في هذه الساعة يكون هناك ... معه!
ابتلعت ريقها وهي تُبعد عينيها عن مرمى عينيه، ليهتف بعد أن اقترب منها بملامح معقودة : ليه تشتغلين؟ والخدامة وين؟
ردت دون أن تنظر إليه : حاولت تاخذ الشغل عني بس أنا رفضت، ما عندي شيء أتسلى فيه غير الشغل
ازداد تجهم وجهه ثم هتف : أجل جهزي نفسك بعد المغرب عشان نطلع
نظرت إليه دون تعبير لتومئ برأسها, ما الذي يريده تحديدًا من الخروج معها؟
ابتسمت دون تعبير، أيعتقد أنه ببضع سهراتٍ خارجًا سيرغمها على التعمق في حبه أكثر وأكثر؟ وعدم التذمر معه؟ ... بالتأكيد هو لا يحاول إرضاءها أو إسعادها، فهذا آخر ما قد يفكر به سيف.
ابتعد بخطواته عنها ليتجه للصالة التي تجلس فيها امه دائمًا، وفور رؤيته لها اقترب ليقبل رأسها ويدها ثم جلس بجانبها لتقدم له فنجان القهوة ويأخذه هو من يدها : تسلمين يا الغالية
امه : الله يسلمك
ثم دون كلمة أخرى صمتت، لتعود للغرق في أفكارها التي كانت تداهمها منذ ساعات وهي ترى ديما تعمل وتضغط على نفسها بينما لمحات الحزن لم تخفى على عينيها، منذ مدة تلاحظ وتلاحظ لكنها تصمت، لا تريد التدخل بينهم، ولا تريد إشعال الفتيل بينها وبين ابنها كما بينه وبين زوجته، لكن “ الشيء إن زاد عن حده إنقلب لضده “ وسيف لا يدرك ذلك أو بالأحرى يدركه ويتجاهله، يومًا ما سيتجرع مرارة تلك الجملة وسيعاني ضد ما يعيشه. هو يقسو عليها، وهي بالتأكيد سترد بما قد يكسره بعد أن يطفح بها الكيل.
لاحظ هو والدته وصمتها، لا يعلم ما الذي تفكر به لكنه توجس، وحين حدثها لم تجب دلالةً على عدم تواجد عقلها معه. وضع فنجان القهوة ثم أراح كفه على كتفها، ليهمس : يا الغلا
رمشت بعينيها ثم أدرات رأسها إليه : نعم
سيف بحيرة : وين وصلتي؟
استنشقت الأكسجين ثم زفرت ذرات ثاني أكسيد الكربون، لتهتف بحزمٍ وقد اتخذت قرارها أخيرًا، لن تصمت أكثر، يكفي ظلمًا في هذا البيت : ليه مرتك للحين ما حملت؟
جفل، وعينيه تشتتا عن عيني أمه، لمَ تفتح هذا الموضوع الآن؟ ليس وقته أبدًا، ليس بعد أن بدأ في السيطرة بينما فقدها قبلًا بعد جملته المجنونة تلك، والآن عادت المياه لمجاريها تقريبًا ... لكن الواضح، أن امه تريد بناء سدٍ جديد يحبس الماء ويركده.
أردفت بعد سكوته الذي طال : ليه ما تحكي؟ تكلم ... والا فالح بس تضوق على المسكينة
رغمًا عنه اشتعلت عيناه بالغضب، هو سمع امه من قبل تحدثها عن هذا الموضوع، وبالتأكيد هي من فتحته لها واشتكت برغبتها في الإنجاب.
ثبت عينيه في عيني أمه ليهتف بثقة : ماودي
امه بغضب : هو بكيفك؟؟ والمسكينة؟
سيف بثقة : ما تبي، تناقشنا أنا وهي من قبل ووافقت
لم تقتنع، وكيف تقتنع وهي حدثتها مرةً لترى الحزن والأنكسار في عينيها؟ كيف تقتنع وهي بنفسها استشفت الألم في عينيها والرغبة الكبيرة بالأطفال؟
هتفت بغضب : أجل روح نادها لي وخلني أسألها بنفسي ... والا أقول، انا بناديها أخاف تقولها شيء أو تهددها لو اعترضت
رفع حاجبيه، هل أصبح الآن رجلًا مستبدًا مُبتزًا؟
ارتفع صوت امه مناديةً لها، وفي لحظاتٍ كانت قد قدمت لتقف أمامهم متعجبة من نظراتهم والجو المشحون الواضح من حولهم، فتساءلت بحذر : سمي خالتي
أم سيف : اجلسي يا بنتي بغيتك بكلمة راس
جلست بتوجس في مقعدٍ منفرد، ربما بحركتها هذه أرادت شيئًا يحتوي جسدها الصغير، ولم تجد سوي أريكةٍ مُفردة ليحتضن هيكلها الغضّ. بينما كان هو ينظر إليها بنظراتٍ أدركت انها مُحذرة فاقترب حاجباها بقلق، وقبل أن تسأل باشرت أم سيف بالسؤال : توني أنا وزوجك متكلمين في موضوع من زمان ودي أفتحه معكم اثنينتكم، وحصلت الوقت اللي افتحه فيه
ازداد توجسها وبدا على وجهها الإهتمام، لتعيد النظر إلى سيف الذي كان قد أخرج هاتفه “ الآيفون “ ليبدأ بالضغط على شاشته بحركاتٍ مُشتته أيقنت منها غضبه، وكيف لا تعرف علامات غضبه وهي التي عاشت معه أكثر من ثلاث سنين؟
عادت للنظر إلى أم سيف لتهتف بقلق : وش هو الموضوع خالتي؟ أسمعك
أم سيف باندفاع : موضوع العيال
ارتخى وجه سيف ليرفع نظراته إليها، بينما تشنج وجهها ودون إرادةٍ نظرت إليه في حركةٍ مُرتبكة، وهنا بدأت ام سيف بالنظر في كليهما تنتظر رؤية نظرات سيف المهددة، لكنها لم ترى سوى الهدوء والثقة. بينما هي، كانت الوحيدة التي تفهم هدوءه المحذر، يُخبرها بحركته هذه أن تُطبّق أوامره الصامتة بحذافيرها، فازدردت ريقها مرارًا وتكرارًا تدفع نفسها للإجابة، سترضيه، لن تعصيه، ستفعل ما سيُكسبها رضى الله قبلًا، ليست مُستعدةً الآن لغضبٍ ومشاكل، فلتعش مهدورة الكرامة لكن بصمتٍ ودون صراخ. هكذا كانت تحدث نفسها وتقنعها.
أخيرًا تحدثت بثقةٍ مهزوزة وشفتين مرتعشتين، بشخصية سلبية أرضته : وش فيه هالموضوع خالتي؟ * ابتسمت باهتزازٍ لتردف * أنا راضية حاليًا وما ودي بعيال
قطبت أمه حاجبيها دون رضى، كيف تكون راضية بينما عينيها تحكيان عكس ذلك، استدارت لسيف الذي ابتسم مُقدمًا لجسده قليلًا للأمام واضعًا مرفقيه على ركبتيه يمسك هاتفه بين كفيه اللذين تدليا في الهواء : قلت لك يا الغالية بس رفضتي تصدقين ... لهالدرجة طايح من عينك حتى تشوفيني بهالإستغلال؟ أكيد هي لها كل الحق بالعيال، بس احنا متفقين من قبل
تناقضاتٌ وتناقضات، أرادت الصراخ في وجهه غاضبةً عاتبة، لمَ يقول هذا الكلام الآن وهو يفكر بضده؟ ما كل هذا الإستغلال يا سيف؟ ما ذنبي لتقارن حياتك مع زوجتك السابقة بحياتك معي؟؟
وجهت إليه والدته نظراتٍ غاضبة، لتهتف بغضب : ثلاث سنين تكفيكم والحين لازم تجيبون عيال ... يعني منت راضي تسعدني بالضنا؟
سيف بابتسامةٍ لم يقصد بها جرح ديما، بل لم ينتبه أبدًا لملامحها التي تشنجت بانكسار : افا يا الغالية ... ووين راح زياد؟
امه بقهر : ولدك احنا محرومين منه بسبب امه، ما نشوفه إلا نادرًا وأنا ودي بأطفال أشوفهم قدام عيوني قبل أموت
سيف بعينين ضيقتين : عسى عمرك مديد يمه ... بفكر بالموضوع إن شاء الله ... والحين اسمحيلي بروح أرتاح شوي
وقف ليصعد دون النظر إليها، وهي كانت مطرقةً لرأسها بألم، هو جرب شعور الأبوة، بينما هي لا، لذا لن يشعر أبدًا بما يختلج داخلها، لن يشعر بكمية الحزن الذي ينهش روحها، ولن يشعر بتاتًا ببكاءِ رحمها يرتجي جسدًا يحتضنه.
رفعت رأسها حين تحدثت أم سيف مناديةً باسمها وعلى وجهها إمارات الشدة.





,



أكان العتاب يومًا مؤذيًا لقلب المُعاتِب قبل المُعاتَب؟ أكان الصدود بحقٍ معصية في يومٍ من الأيام؟ هي تصُد وتصُد، وينزف قلبها من ألم الصد، وهو يُصَد ويُصَد، ولازال يضحك بوجعٍ بينما تبكي هي بوجع! تراه الآن يضحك مع أختيها بينما الألم يشق طريقه في عينيه النديتين. تراه يحاول التحدث معها وإسعاد الإثنتين الباقيتين ممن يحملون اسم عائلتها في هذا الصرح، تراه رغم أحزانه الظاهرة يكافح ويكافح.
علمت الآن متى يكون الصد معصيةً حتى وإن كان لصدها سببًا معقولًا، هو معصيةٌ لكون المُصَد عنه هو والدها، هو معصيةٌ يعاقب قلب المرء عليه لكونه يعصي ربه في إيلام المصَد، بينما هي تتألم أكثر وأكثر جاهلةً بأن ألمها لا يساوي شيئًا عند الأخر الذي يكون والدها، الصابر على كل المصائب التي حدثت بسببه - في وجهة نظرها - ولا لسبب آخر.
إن كان حقًا يريد القرب من بناته فلمَ قتلها؟ لمَ حبسها؟ لمَ أذاقها الجفاف والجفاف؟ زمت شفتيها تريد أن تسأله، حقًا تريد أن تعلم، لمَ قام بما قام؟ لمَ فعل ما فعل؟
ودون أن تشعر بنفسها، كانت تهمس بصوتٍ وصل إليه وهي جالسةٌ على إحدى الأرائك رافعةً ركبتيها وذقنها مستندٌ عليهما، بينما كان والدها في جهةٍ مقابلة يجلس مع طفلتيه يتمنى انضمام الثالثة : يبه
ليستدير بلهفةٍ لم تخفى عليها هامسًا : عيون أبوها
ابتلعت غصةً في حلقها لتُنزل ركبتيها وتميل بشفتيها بينما احمرت وجنتيها البيضاويين دلالةً على قدوم البكاء : أبي أفهم بس ... ليه صار اللي صار؟
قطب حاجبيه ليقترب منها، نبرتها كسرته لشظايا فأكملت كسر الشظايا نفسها لتحيلها لذراتٍ لا تُرى ولن يساعد لا المجهر ولا شيءٍ إلكتروني آخر على رؤيتها. وفور وصوله إليها كان قد جلس بجانبها ليغطس بجسدها في أحضانه العذبة : صار وانتهى ... هذا قضاء وقدر
كم تمنت حضنه طويلًا لذا لم تتجرأ على الإبتعاد وبقيت، لتهمس بعتاب : ما كان بيصير لولا سواتك
يوسف وجملتها أوجعته : بيصير وإن كانت بعيوني دام ربي كتبه لها
ارتفع نحيبها تدريجيًا حتى بكت معها ليان التي لم تكن تعلم ما الذي يجري تحديدًا، لكنها اعتادت على أمرٍ واحد “ إن بكت إحدى أختيها تشاركها البكاء كما تشاركهما كل شيء “ .. أخذتها أرجوان في أحضانها تهدئ موجة بكاء هذه الطفلة، وجيهان كانت قد هتفت بالسؤال الذي أرادت السؤال به مطولًا : طيب ليه عاملتها بهذيك الطريقة؟ ... فهمني بس وريح عقلي
وهنا جفل كلٌ من يوسف وأرجوان، ليصمت دون إجابةٍ ترضيها، وبصمته الطويل أشعل فتيل قهرها لتبتعد بشدةٍ ذاهبة إلى غرفتها، صمته يقنعها أن لا سبب مقنع يسمح له بما فعل، ربما فقط ملّ منها، ربما فقط أراد ابعادها عن بناتها وحسب، وربما وربما ... توقعاتٌ كثيرة اقتحمت عقلها ولم تجد ما يقنعه فعليًا، لذا أكملت نحيب الجاهلة المُعذَبة والمُعذِبة لوالدها الذي بات يستمع لنحيبها خارجًا، يهمس بجزع : لا حول ولا قوة إلا بالله ... لا حول ولا قوة إلا بالله



,



: وش قصتك إنتِ؟ وش قصتك ... ما قلت لك لا تقربين؟ ما قلت لك لا تشوفك عيوني؟ أشوفك نار قدامي ... أشوفك جهنم وأنفاسك مثل السَموم!!
كان هذا الصراخ يتكرر مرارًا وتكرارًا في عقلها، ترفض ذكراه الإرتحال بعيدًا، وهي تتأرجح في أحضان والدها تتمتم ببعض الأدعية وعيناها شاردتان تمامًا.
وصاحب الصوت الصارخ يرمي بكل ما يراه أمامه عليها، وهي واقفةٌ تبكي بألمٍ من البعد قبل الضرب.
استفاقت على صوت والدها الذي كان يمسح خصلات شعرها البندقية : حبيبة أبوها وين راحت؟
لتبتسم وهي تقف مبتعدة عن حضنه ثم تعود للإقتراب لتقبل وجنتيه ثم جبينه : معك يا الغالي معك .. وأنا أقدر أسافر بعيد عنك؟
أمسك بذقنها المميز والمقسوم ليهتف بحنان : جعلني ما انحرم منك بس ... الا وين فارس؟
جنان بابتسامة : طلع مع صديقه فواز وبيرجع بعد المغرب مثل ما قال
وبعد أن نطقت بجملتها تلك كان بقية إخوتها يدخلون مع بعضهم. توأمان في الحادية عشر من العمر ( رامي وسامي ) والثالثُ ذو الخمس سنين يدخل وهو يجر معه شكلًا مأساويًا والرمل يغطيه
جنان بغضب : وائل وش ذا؟
تراجع الطفل وائل ليختبئ خلف أحد التوأمين وهو الذي يخاف أخته حين تصرخ عليه، بينما ضحك الذي يختبئ خلفه ليهتف : تسوي سواتك وتتخبى وراي ... * ثم استدار ينظر لجنان بشيطانية ليردف * كان يلعب مع جيراننا في الرمل .. ويوم قرب من الطين سحبته أنا ورامي
قطبت جبينها لتزفر أنفاسها بغضبٍ ثم اتجهت إليه ليتشبث بظهر سامي دلالة الخوف، وما إن وصلت إليه حتى جلست القرفصاء أمامه ليبتعد سامي تاركًا لأخيه مع اخته ينظر إليه بتسلية
جنان بعبوسٍ وشفتيها مضمومتان بجزع : الله يهديك بس ... توني من ساعتين مبدلة لك ملابسك
ثم بدأت في نفض ملابسه تتابع بعتاب : ليه ما تلعب بنظافة وأدب؟ كذا تعلمت يا وائل؟ والحين أنا مضطرة أخليك تغتسل من جديد
بينما كان والدها ينظر إليها بابتسامةٍ لنبرة الحنان في صوتها، لتكمل : وعقابًا لك بغسلك أنا عشان أتأكد من نظافتك
عبس بشدةٍ لتتابع وهي ترسم الجدية في وجهها وقد اتجهت انظارها للتوأم : شرايكم؟
ضحكا بشقاوة ثم حركا رأسيهما بالموافقة، وحينها فقط امتلأت عينا الطفل بالدموع ليتجه نحو والده شاكيًا : بابا بابا
ضحك والده بشدة، ليبدأ الطفل بالبكاء هاتفًا بتعثر : تبي تغسلني ... بابا شوفها
ضحكت جنان ولم تستطع كبح ضحكاتها، هكذا هو أخوها يكره أن يراه شخصٌ ما عاريًا، ودائمًا ما يبكي إن قررت أن تُحممه هي، بينما يترك باب الحمام مفتوحًا حين يغتسل أخذًا للحيطة، وتكون هي قريبةً منه خوفًا عليه.
أخيرًا هتفت بعد موجة ضحكاتها التي راودتها : توسخ نفسك مرة ثانية؟؟؟
نظر إليها عابسًا ليهز رأسها بالنفي، حينها ابتسمت لتقترب منه ثم جلست أمامه : أوكي روح انت اسبقني للحمام وأنا شوي وجايتك بالملابس ... واترك الباب مفتوح هاه
اتسعت إبتسامتهُ البريئة ليركض متجهًا للحمام بينما هتف سامي : ليه ما طولتي شوي ... بغيته يبكي!
رفعت إحدى حاجبها لتقترب منه ببطء، وقد كان رامي بجانبه، فشدت أذنيهما لتهتف بتساؤلٍ غاضب : وليه ما تبعدونه عن الرمل؟ جالسين بس للدشرة وأخوكم بالطقاق!
لتردف بجديةٍ وهذه المرة غضبت فعلًا : فرضًا صار له شيء لا سمح الله وانتو ما كنتوا منتبهين له
رامي بألم : ااااي أذني
شدت أذنه اكثر : وأقصها لك
بينما كان والدها صامتًا يعطيها كامل الحرية في التعامل مع اخوتها، فهو يثق بها وبتعاملها المحبب إليه
رامي : جنان والله مو لذي الدرجة متغافلين عنه ... كنا منتبهين له بس تاركينه يلعب
تركتهما لترفع إصبعها بتحذير : مرة ثانية يا ويلكم لو تغفلون عنه حتى في اللعب أوكي!
هزا رأسيها بطاعةٍ لتستدير باتجاه والدها تستأذنه الذهاب لأخيها، ليومئ لها ثم ينظر للتوأمين بحدةٍ ما إن ذهبت، حينها ابتلع احدهما ريقه بينما فرك الآخر يديه، وفي لحظةٍ كانا قد اقتربا منه ليُشبعا كفيه قُبلًا، ليهتف سامي : سامحنا يبه والله ماقصدنا ننشغل عنه ... صح إننا ما انتبهنا له وللعبه بس مو معناه نتركه نهائيًا
زفر والدهما أنفاسه ليهتف بحزم : صحيح إن المسألة عادية بس كونكم ما تنتبهون له ذي مصيبة ... فرضًا صار له شيء وهو طفل ما يعرف يتصرف
أطرقا برأسيهما خجلًا، فهما الكبيران كما يقول دائمًا ويجب عليهما الإنتباه لأخيهما
أردف ابو فارس : ماعليه ... حصل خير هالمرة .. وياويلكم لو تتركوه مرة ثانية
رسما ابتسامةً وهما يومئان برأسيهما، ثم استئذنا للذهاب ليتركا والدهما جالسًا وحيدًا، فأعاد رأسه للخلف قليلًا ليغمض عينيه المتجهتان للأعلى.
وبعد لحظاتٍ كانت الساعة تدق السادسة بتوقيت بروكسيل، ليلف رأسه باتجاه الطاولة المُجهزة من قِبل ابنته وبها علبة تحمل الكثير من الأقراص المتنوعة وكوب الماء، فمد يده ببطءٍ وما إن لامس بقليلٍ من العنفِ علبةَ الدواءِ المؤلفة من أجزاء يحمل كل جزءٍ منها نوعًا من الأقراص حتى تحركت وتأرجحت قليلًا لمكانٍ لا تصلها يده بسهولة نظرًا لشكلها الأسطواني، فتنهد ليُنادي باسم ابنته، لكنها كانت وقتها مُنشغلةٌ بأخيها ولم تسمعه، ليتحرك قليلًا يميل بجسده جانبًا باتجاه الطاولة وهو جالسٌ على كرسيه المُتحرك، ثم مد يده بشدة يريد الوصول لدوائه، حينها فقط دخل فارس ليراه بتلك الحالة، ليتحرك بسرعةٍ باتجاهه هاتفًا : يبه وش تسوي؟
اعتدل والده والشدّ على ظهره يؤلمه : بغيت علبة الدواء
فارس بعتاب : وليه ما قلت لجنان؟ كذا ترهق نفسك!
ثم تناول العلبة ليُخرج منها حبةً ويعطيه، فابتلعها والده ليُلحقها برشفةٍ من الماء، وهكذا عمل مع بقية الأقراص.



,



التاسعةُ مساءًا - الرياض

سيارته تقف أمام باب منزل من ستكون اليوم في بيته، غيرُ راضٍ بتاتًا عن كل ما يحصل، وشيءٌ ما بداخله يريد منه المتابعة، وهذا ما اختاره، سيتابع ما بدأ، سواءٌ كان خطأً أم صحيحًا، وليتحمل والدها كل ما سيحدث لاحقًا، لكنه البارحة بعد حديث عناد معه، بات يحاور نفسه مرارًا ومرارًا، يوعد نفسه بأنه لن يقوم بالإنتقام من والدها عبرها
ما ذنبها هي؟ وإن كانت ابنته ماذنبها بما اعتمله والدها؟ كرر هذا الحديث برأسه واقتنع بأنه لن يصل لمحاولةِ الإنتقام بها. وهاهو الآن يقف ينتظر قدومها، وما هي الا لحظات حتى رأى ظلًا أسود يخرج وخلفها السائق الخاص بهذه العائلة المُتباهية، يحمل لها حقيبةً متوسطة وأخرى كبيرة تزحف خلفه، بينما هي تمشي بشموخ أمامه رافعةً لوجهها الذي كان مكشوفًا!
ولم يعجبه ذلك، إذ قطب جبينه ورغمًا عنه شعر بالرغبة في الصراخ بوجهها آمرًا لها بتغطية وجهها، لكنه أمسك زمام نفسه. أيعقل أنها كانت تكشف وجهها منذ أن عقد قرآنه عليها ولم ينتبه! ... هه، وماذا يتوقع من ابنة شخصٍ قاتل؟؟؟
ترجل من سيارته ليساعد السائق في وضع الحقائب في الخلف، بينما هي بكل ثقةٍ اتجهت لتجلس في الأمام، لتستفزه بثقتها تلك، وهو الذي كان منذ لحظاتٍ يفكر خائفًا من فكرة أن يحاول الإنتقام عبرها، يبدو أنها فولاذية أم أن ذلك تظاهرٌ ليس إلا؟
عاد ليجلس مكانه بينما ذهب السائق، لم يخرج أحدٌ ليودعها، لم يحاول أحدٌ النظر إليها حتى!. والتي تسمى امها كانت هي من دخلت تأمرها بفضاضةٍ ان تخرج ثم اختفت في غضون ثواني ما إن رأتها تقف لترتدي عباءتها، وذاك والدها لم يخرج من غرفته حتى، لا ثمن لها عندهم، لا معنى أبدًا لوجودها أو لزواجها، المهم فقط أن تتزوج، والمهم أن يكون سلطان هو زوجها.
ابتلعت غصةً كانت في حلقها، وشفتيها اهتزتا بعبرة، وهي تدير وجهها للجهة المعاكسة لجهته، لن تكون ضعيفةً أمامه ولن تسقط دموعها يومًا أمامه، ستحتمل هذه السنة وبعدها سترحل، ورغمًا عنها تمنت أن تعود للمنزل خاويًا دون ابِ وامْ، فإن كان لا معنى لتلك الكلمتين فماذا تريد من تواجدهما دون أن يطبقا ما وجدت هي معهم لأجله؟
كان صوت سلطان الآمر قد وصل إليها ليُوقظها من كومة أفكارها العقيمة : غطي وجهك
وكأنها لم تسمعه، بقيت تنظر للخارج بشرود والسيارة قد تحركت قبل أن يهتف بأمره ذاك، ليعيده مرةً اخرى على مسامعها وتتجاهله هي مرةً أخرى. وللسخرية هو أول من طلب منها أن تغطي وجهها، وهو أول من اهتم. ولمَ قد يهتم؟ ألأنها أصبحت زوجته فقط؟؟؟
في لحظةٍ كانت قد انتفضت حين شعرت بكفه تسحب طرف " شيلتها " من الخلف ليُسدله على ملامحها البرونزية، فزمت شفتيها لتستدير باعتراضٍ وتمرد : خيــــــر
سلطان بغضبٍ اتضح رغمًا عنه في صوته : ما عندي بنات تكشف وجهها ... ومرة ثانية اتركي التطنيش على جنب
ليستدير ينظر للطريق وتتأفأف هي بتذمر، وبعنادٍ كشفت وجهها من جديد، حينها فقط أومأ برأسه فور انتباهه لها، وهو الذي كان يفكر كيف يُنصفها ولا يكسر أسوار قهره من والدها بها، لكن الواضح أن قهره منها جاء بعيدًا عن قهره من والدها ... و - حسابها عسيرٌ للعصيان -



,



يجلس على كرسي مكتب عيادته بذهنٍ شارد، وأمامه يجلس ذاك ينظر لأوراقٍ تخص حالةَ أمه، رسم للعين وتوضيح ما مشكلة والدته تحديدًا، وجد نفسه قد غرق في قراءة التفاصيل ونسي شاهين الذي نظر إليه مُفكرًا، هذه العملية يجب ألا تتم، هو واثقٌ من فشلها ليس يأسًا بل لخبرته الواسعة، وسند هذا لا يريد أن يفهم.
انتبه سند لنظراته حين رفع عينيه، فهتف ببرود : المشكلة وين بالضبط؟
شاهين بنظراتِ ثابتة وعملية : مشكلتها في الأعصاب، ومثل ما قلت لك وبظل أكرر، العملية صعبة والراجح بتفشل، وقتها بتفقد نظرها نهائي وتلحق بعينها اليسرى
لوى فمه بغير رضا بما يسمع، هو يخشى حقًا أن تصاب بالعمى كليًا، وقد اتجه لأكثر من طبيب والكل قال نفس ما قال شاهين، لكن الأمر هنا مختلف، شاهين من خيرة الأطباء البارعين وسينجح، كما أن هناك دافعًا قويًا سيجعله يثابر ليركض خلف نجاح العملية
هتف بعد مُدةٍ ببرود وبتفكيرٍ لا يدل على شيءٍ سوى التخلف : بس الحالة هنا مختلفة، انت مبدع ومعروف بالبلد، وبرضه عندك دافع قوي والا!!
ليرفع إحدى حاجبيه بأسلوبٍ استفز شاهين ليجعله يزم شفتيه حانقًا : انت متى ودك تكبِّر عقلك وتفهم؟ أقولك بتصير عمياء نهائيًا وقتها من وين بترجّع بصرها؟
وقف ليضرب المكتب بقوةٍ وغضب، ثم هدر من بين أسنانه بتهديد : وقتها بس بتسمع من كل لسان سيرة أخوك النظيف … هه
ارتعشت كل خليةٍ في جسده، ما الذي يقصده بما قال أخيرًا؟ ما الذي يقصده بـ * النظيف * ؟؟ … فار الدم بداخله، هو يرمي الكلام الآن غير مدركٍ لتلك النيران التي تتأجج داخله، والتي قد تحرقه لا محالة. كل شيء، كل شيءٍ قد يسمح به إلا أن يتحدث عن عائلته بسوء.
اندفع أخيرًا إلى أن وصل إليه في خطواتٍ بسيطة ثم بكل القهر الذي تولد داخله منذ وفاة أخيه لكمه لكمةً أسقطته للخلف، ليصرخ في وجهه مُحذرًا رافعًا سبابة يده اليمنى : حدك … لهنا وبس يا سند … ممكن أقبل تستفزني وتهددني وأظل ساكت. ممكن أحاول دون فايدة أنجح في العملية وأنا ساكت … بس إنك تتكلم عن نزاهة ونظافة متعب، هنا أنا بوقف بوجهك وبكسر راسك بعد
وقف سند غاضبًا ليمسح الدم عن شفتيه، ثم بكلماتٍ خرجت كفحيح أفعى جائعة وهو يرى الدنيا تتلون أمامه باللون الأسود من شدة غضبه وقهره : جنيت على نفسك بفعلتك هذي
ثم دون كلمةٍ أُخرى خرج ليتراجع شاهين إلى أن وصل لمقعد مكتبه فتهاوى عليه هامسًا : الله ياخذك .. وياخذ اليوم اللي …
استغفر يبتر باقي ما سيقوله، والله تعالى يقول في حديثه القًدسي (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار )
أعاد رأسه للخلف هامسًا : لازم أتصرف .. لازم أنتهي من الأوراق اللي عنده قبل لا يفضح متعب وتروح فيها أمي * زمّ فمه حين تذكر أسيل * ومنها أتفاهم مع هالبنت اللي ضارب عقلها الجنون أكيد!



,



تعضّ شفتها مرارًا ومرارًا حتى كادت تُدميها، وإلى الآن هي تشعر بأنّ كرامتها شطرت لأكثر من نصفين. أحبته، لكنها لم تسعى يومًا لأن تتزوجه، وكل شيءٍ اندفع في وجهها دون أن تخطط له. بالتأكيد سيصل الموضوع لرانيا، وستبدأ برمي الكلمات المُستحقرة عليها. لكن مالم تفهمه إلى الآن، ما الذي قالته عنها أمام أم ياسر؟ كيف شوهت نظرة أم ياسر إليها؟.
رفعت الهاتف ببطءٍ ويديها ترتعشان من شدة انفعالها، لمَ هي بكل هذا الضعف لتصمت وهم يتهمونها في شرفها؟ كيف تصمت؟ كيف لا تُشهر بالسلاح أمام كلِ من ينطق في شرفها وعفتها بكلمة!
اتصلت عليها وجفنيها انخفضا بألم، هي قد خسرتها سابقًا، ولن يضر أن تخسرها مرةً أخرى، ستخسر الكل ولم تعد تهتم كالسابق، خسرت أم ياسر ولا تنوي التبرير لها بعد الآن، إن كانت كل كلمةٍ تخرج منها مدافعة تكون أمامها كالتهمة، فلمَ تحاول التبرير دون فائدة؟ وكأنها تدور في حلقةٍ لا نهاية لها!
وصل إليها صوت رانيا المُتضح به الملل، فاندفعت دون ترحيبٍ لتهدر على مسامعها كلماتٍ مقهورة ودموعها دون أدنى شعورٍ انسكبت دفعةً واحدة : ارتاحي ... صار اللي تبينه، تكسرت صورتي قدامهم، ولا عندي نية أحاول أصلحها، أنا بطلع من حياتكم، والخطبة رفضتها ورفضت ياسر، ماعاد أبي شيء من هالعيلة ... شرفي أهم، شرفي أهم
نطقت آخر كلمتين لتعيدها أكثر من مرةٍ وتغرق في نحيبها من بعد ذلك، لو لم تستجد هذه الأمور في حياتها لما عرفت نظرة أمها الوهمية ونظرة هديل الحقيقية إليها، وكم شطرتها تلك النظرة، الراحة التي لونت زوايا عينيها لرفضها لأخيها، لا تتشرف بها زوجةً لياسر، لا تريد أن تكون أقرب لها مما هي عليه، عرفت من هي بالنسبة لمن كانت تعتبرها أختًا.
" آه " .. تأوهت بألمٍ بينما الأخرى في الجهةِ المقابلة لم تفهم ما قيل تمامًا، ما الذي تقصده بتشويه سمعتها؟ و ... وخطبة! ياسر!
ازدردت ريقها لتهتف بتساؤلٍ قلق : ياسر خطبك؟
ابتسمت بسخرية، لا تقلقي يا رانيا، لا تقلقي، فأنا لم أوافق ولن أوافق. همست بحسرةٍ بعد برهة : اي خطبني ... بس ارتاحي، رفضته، خذيه لك، ما أبيه، بس أوعدك إني بحاول أطلعه من قلبي
تنهدت رانيا براحة، لكنها بعد لحظاتٍ همست بتشفي : لأن حبك كاذب ربي ما كان معك ... وحدة منافقة عندها علاقات وش أبي فيها تكون زوجة شخص قريب لي .... ولعلمك أنا ما أفكر بياسر كزوج مثل ما يظن عقلك السخيف، أنا شفقانه عليه منك
جفلت، لم تستوعب ما قالته
( وحدة منافقة عندها علاقات وش أبي فيها تكون زوجة شخص قريب لي )
شعرت بصداعٍ قويٍّ داهمها، ما الذي تقصده هذه الفتاة بمقولتها، ارتعشت وأنفاسها ترتفع تدريجيًا بينما قلبها ينبض بشدةٍ حتى شعرت أنه سيخرج لا محالة : ع .. علاقات!! ... لهالدرجة وصلتِ بظنك؟ ...
سحبت أكسجينًا وهي تشعر أنها تختنق، لكنها صرخت بعد ثانيتين قبل أن ترد تلك : عقلك مريض، مريض .... هذا اللي قلتيه لأمي؟ هذا اللي قلتيه لها؟
بكت بصوتٍ عالٍ وهي تغلق لترمي الهاتف على الأرض حتى ينفّك وتطير أجزاءٌ منه في كل جهة. تشعر الآن بأن ملك الموت يطوف حولها، كيف ذلك؟ كيف تمكنت من زرع فكرةٍ كهذه في رأس ام ياسر؟ وتلك صدقتها بكل بساطة! صدقتها!
آه يارباه، ألم يكن المنصف أن يوجد الإنسان في الدنيا حيًا حتى يموت! فكيف ظُلمت لأوجد ميتةً إلى أن أموت؟



,



بينما من الجهة المقابلة، كشرت لتضع الهاتف جانبًا : ووووي .. من زين الصوت عاد ميتة على سماعه
لتدخل أختها هاتفة : مين كنتِ تكلمين؟
بامتعاضٍ ووجهها متجعدٌ بازدراء : الست إلين
تجهمت : ليه؟
زمت شفتيها لتهتف : تخيلي ياسر خطبها
شهقت أماني لتضع كفها على صدرها، ثم مالبث أن ابتسمت : لايقين على بعض
لتنظر إليها الأخرى بحدة : اقول انطمي بس، قال لايقين على بعض
تسلل الحنق إلى أماني لتندفع جالسةً بجانبها، ورغبةٌ تزداد يومًا بعد يوم لمعرفة ما مقصد رانيا من كل ذلك، وما الذي تنويه بكل ذلك العداء، ألأنها فقط اكتشفت حُب إلين لياسر؟
هتفت بتساؤلٍ وبعينين ضيقتين : اعترفي رانيا ليه تسوين كل هالبلبلة عشان إلين وحُبها لياسر ... تحبينه!!!!
شهقت لتضرب صدرها، وأنظارها المتعجبة اتجهت إليها، أأصبح خوفها على ابن خالها الآن حُبًا؟ هتفت بغلٍّ مُحذرة : ياويلك لو فكرتي مرة ثانية بهالطريقة سامعة ... أحب ياسر!!!! لعلمك ترا ما أشوفه غير أخ وبس
أماني دون اقتناع : أجل وش سالفتك مع إلين؟ من يوم دريتي بحبها له وانتِ ملاحقتها بحقدك
رانيا بفمٍ مشدودٍ بازدراء : مين قال من يوم ما دريت ... ترا أنا كنت أدري من زمان بحبها ولا قلت شيء، بس من يوم ما عرفت حقيقتها رفضت هالحب
رفعت حاجبها : طيب أمطرينا بالحقيقة
رانيا : قلت ماني متكلمة
أماني بإصرارٍ هذه المرة : بتتكلمين والا أعلم أمي هذي المرة! تراك مصختيها بدون سبب
تعلم أنها لن تخبر أمها، فليست أماني من تخرج الحديث الذي يكون بينهما، لذا رفعت كفها دون مُبالاةٍ تخبرها بالذهاب، لتقف أماني حانقة مُندفعةً للباب لتغلقه خلفها بقوةٍ صدح صداها في الغرفة
بينما هي أغمضت عينيها بقوةٍ من صوت الباب، ثم تنهدت لتفتح عينيها تنظر لهاتفها، ما الذي كانت تقصده إلين بأنها قد كسرت صورتها أمامهم، هي لم تُعلم أختها حتى تفضحها عند من هم أكبر، لم تروي ما عرفته عنها لأحدٍ غير فكرها. وعقلها الآن يذهب لتلك الليلة، التي صُدمت بها بحقيقةِ أنثى كانت تشهد بعفتها وأخلاقها.

*

تقف عند باب غرفتها وكفها تطبق على فمها، لا تصدق ما تسمع، وكيف تصدق وهي التي خُدعت بتلك المُزيفة أخلاقها طول تلك الفترة، كانت قد صعدت تريد أن تدعوها للنزول معهم، لتصدم بها تتحدث في هاتفها بصوتٍ خافت كمن يقوم بجريمة، بل كانت تقوم بها بالفعل.
إلين وهي تهمس بتوسلٍ متوتر بينما كفها المُتحررة من الهاتف تقبع أمام فمها : تكفى أدهم الموضوع مو بهالبساطة
عضت شفتها ليرتفع صوتها قليلًا : أدهم!!!
لكن الآخر قاطعها لتقاطعه هي بعد كلمتين من فمه : اللي سويته كبير وانت تدري .. لازم تصحح غلطتك
تساقطت دموعها لتهمس بألم : أنا قريبة من قلبك أكثر مما تتخيل
تهشمت شفتيها من شدة ماعضتها، لتدق الباب دون شعورٍ وهي لا تستطيع تحمل سماع المزيد، بينما الأخرى أغلقت الهاتف بسرعةٍ بعدما صدح صوت رانيا الغاضب : إلين الكل ينتظرك تحت ... لا تتأخرين
لتشد خطاها ذاهبةً ووجهها لم تزل منه معالم الصدمة، بينما تنهدت إلين وهي تضع يدها على صدرها.




,




أغلق الباب بعنفٍ يعكس مزاج صاحبه المقلوب رأسًا على عقب، لكنها لم تستدِر وهي مُمددةٌ على السرير تواجه الباب بظهرها، تشعر أن كل ما حولها بات باهتًا، إذ كيف يمكن للدنيا أن تشرق دون أم؟ دون حُضنٍ دافئ! لطالما كانت تتألم على من فقد رائحة أمه ولم تتمنى يومًا أن تشعر به، لطالما كانت تدعو الله أن يعوضهم لكن بمَ قد تعوض الأم؟ بـــمَ؟؟
كيف لـي الآن أن أترك جميع المضادات لحزني وأوجاعي أبحث عن مُضادٍ واحد يدعى - الأم -، ذاك المضاد الذي ما طال يشفي كل أمراضي المُوهنة؟ كيف لي أن أشتم رائحة الدفء عن بُعدٍ قبل أن أشعر به؟ كيف لي الكثير وقد فقدت الأعظم كُثرة؟ كيف لـــي؟؟؟
وقفت أرجوان بجانب السرير وكل ما حدث ويحدث يفقدها السيطرة على هدوئها وصمتها المُضطر، لم تشعر برغبةٍ في الإفصاح عن السبب لكل ما حدث كما الآن، و ( الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ). ولن تكون هي ذلك الشيطان الذي يصمت لأجل كل من تسبب بتلك المعمعة، لن تكون هي من ترى علاقاتٍ تُفسد وهي صامتةٌ لأجل إمرأةٍ واحدة هي أمها.
هتفت بحدة : جيهــــان
أغمضت جيهان عينيها بإرهاقٍ وهي التي لا تقوى على شيء، لتهمس : واللي يعافيك أرجوان ... اتركيني في حالي ماني طايقة أحكي مع أحد
جلست بجانبها وهي تشعر بروحها تتقطع، هذه فرصتها الوحيدة لتوضح كل شيءٍ بما أن والدها ليس هنا حاليًا وليان لاهيةٌ بالتلفاز في الصالة : ماني تاركتك ... في أمور كثيرة لازم أعاتبك فيها الحين
جيهان بأسى : ما أقوى على عتاب ثاني مع عتاب نفسي ... أحس نفسي ضايعة فلا تضيعيني أكثر بعتاب ماهو في وقته
زمت شفتيها بعبرة وكلمات أختها أوجعتها، ثم مدت يدها المرتعشة ببطءٍ لتمسح على شعر أختها المُنطلق بهمجية، وبألم : اشتقت لكلمة أرجواني
جيهان ببهوت : ضاعت لوقت ما يرجع محررها
أرجوان بابتسامةٍ عاتبة : صعبان عليك تحررينها عشاني ولو لمرة؟
أغمضت جيهان عينيها بأسى، ليس وقت العتاب الآن فيكفي كل تلك التناقضات في روحها، تريد أن تسترد نفسها لكنها ليست بذا قوةٍ لذلك، تريد أن تنادي وتنادي ( أين أنتِ يا جيهان؟ ... عــودي، عودي فعمركِ في الحياة واحدٌ لن يعود )
أرجوان : تذكرين طرق بروكسيل للحين؟ أنا ما نسيتها، للحين أحس قلبي يعرفها، ولدنا فيها وعشنا نص عمرنا فيها ... كان عمرك يوم تركناها 11 وأنا 9 سنين
أكملت بابتسامةٍ للذكريات : بس للحين أخاف من مارك ... كل ماشفت شعره الأبيض والمنكوش أتذكر نفسي يوم كنت أبكي منه ... من شبابه كان يحب الأبيض وللعجب يصبغ شعراته بهاللون
ابتسمت جيهان دون شعورٍ لتلك الذكريات وأرجوان تتابع : وأيام يجي فيها عمي عبدالعزير ( والد فواز ) الله يرحمه مع أهله ويعيشون بنفس العمارة معنا، وهنا تكتمل عصابة المشاغبات مع أسيل وديما ... مع إن ديما كانت تتكبر علينا أوقات شويتين لأنها الأكبر ... بس أول ما يبدا الحماس من مقالب مع بنات الحي العربيات على الشباب تقوم معنا متحمسة ( ضحكت قليلًا ثم تابعت ) وفواز زعيم فريق الشباب يا كثر ما كان يهزمنا
بهتت ابتسامة جيهان ما إن سمعت اسمه، “ فواز الزعيم “ .... كم كانت غبيةً حين كانت ترفض أن تتغطى عنه حتى وصلت السادسة عشرة، دائمًا ما كانت ترفض وترفض لتبقى تلعب معه، إلى أن أمرها هو بنفسه حين كان في الرابعة والعشرين أن تتغطى عنه لأن ذلك واجبٌ عليها فهي لم تعد تلك الصغيرة. وفعلت ماقال بطاعة ... فهو كان لها القدوة والأخ ولطالما أحبته داخل إطار الأخوة حتى حصل ما حصل ... حتى كرهته ونبذته رغمًا عنها بعد ما فعلته والدته معهما من سوء ظنٍ و - قذف -.
اقتربت أرجوان أكثر حين لاحظت تشنج جسدها ما إن ذكرت اسم فواز، تريد فقط أن تفهم، لمَ تكره فواز لهذه الدرجة؟ لمَ تكرهه وهو الذي كان لها كالأخ لا تشكي إلا له ولا تلعب مع أحدٍ من الرجال سواه؟
همست : ليه منتِ راضية تتقبلينه كزوج؟ معقولة تشوفينه أخ لدرجة كرهك لمسمى ثاني لعلاقتكم غير الأخوة؟
صمتت جيهان ولم تتحدث، لتردف : مستحيل أقتنع بهالشيء ... جيهان ليه ما تعترفين إنك مجبورة عليه؟
أغمضت عينيها بقوةٍ والماضي يتدافع في عينيها، زواجها به، وسفره هو بعد أن تم العقد بأيام، يقول أن سفره لمجرد عمل! وهي التي تعلم أنه لم يسافر إلا بعد ما حدث!
كانت ستتقبله، تقسم أنها كانت ستتقبله فهو ليس له ذنبٌ بظن أمه، لكن لمَ فعل ما فعل، لمَ سافر ليُشعرها أنه لا يريدها أو ربما اشمئز منها أو وأو وأو!! ... الكثير مما داهمها والمتعلق بأداة الإستفهام تلك، لمَ سافـر بعد زواجهما مباشرة؟ هل كان صعبًا عليه تقبلها حتى يفرّ كي لا يراها؟ وحبه لها أيكون وهمًا أم أنه لم يتولد إلا بعد أن امتلكها، أو ربما ليس حُبًا بقدر ماهو تملك
حيرتني يا فواز ... حيرتنـــي معك.
هتفت أرجوان بضيق : لا تطنشين! جيهان ليه صرتي بهالسلبية وانطفى مرحك؟ اشتقت لك تدرين؟ هذا وانتِ قدام عيوني بس في الحقيقة بعيد وبعيــد .... وش اللي غيرِك؟ موت أمي؟
حقيقةً ليس موت أمها فقط، بل الكثير والكثير مما تكدس وتكدس لتكسد هي!
فواز .. أمها .. بُعدها عن والدها ... والكثير من الصراعات التي تؤرق روحها، لكن متى تعود؟ متى ستنجلي تلك الغيمة العقيم من فوق رأسها؟ متى ستنير عينيها بالفرح وينضب دمعها؟ متى؟ .... متــــى؟
أرجوان بأسى : موتها والا السبب لموتها؟ ... لأنها ابتعدت عنا وراحت عالم ثاني؟؟ وبعد ابتعد عنك أبوي بعد اللي صار؟ ... صح؟ هالسببين هم اللي مغيرينك؟!
عضت جيهان طرف شفتها لتردف أرجوان : أو نقول في الحقيقة انتِ اللي ابتعدتي عنه!
بدأت جيهان بفقدان سيطرتها على أعصابها وهي تستشعر ضغط اختها عليها، لتهمس أخيرًا بصوتٍ اتضح به الغضب : اطلعــــــي
قطبت أرجوان جبينها بضيق، لتهتف بعناد : غرفتي بعد
جلست جيهان بانفعال لتصرخ في وجهها بعد أن استدارت إليها : اجل ابلعي لسانك وانطمــي ... ابثرتيني
ضحكت أرجوان رغمًا عنها لتقترب منها ثم عبثت بشعرها : صرتي مثل الأطفال تدرين؟
أتريد استفزازها أم ماذا؟ ... جيهان باستغراب : الحمدلله على نعمة العقل
ابتسمت تلك بسخرية : اللي خلاك تشوفين الحقائق من حولك؟
وكأنها بدأت تقول طلاسم، نظرت إليها بحاجبين اقتربا من بعضهما : وش قصدك؟
تنهدت أرجوان بضيق، أهذا وقت التردد؟ لمَ تشعر أن هناك قوةٌ تمنعها من الإفصاح عن حقيقة ما حدث، عن حقيقةِ أمها!
همست بجزع : ولا شيء
ثم دون كلمةٍ أخرى خرجت من الغرفة لتتجه للمطبخ، استندت بكفيها على الرخام وهي تهمس لنفسها بعتب : ليه سكتت؟ كان عندي فرصة أتكلم بس ليه صِعْبت علي الحقيقة؟
سمعت رنين هاتفها الذي كان ملقًا على إحدى أرائك الصالة سوداء اللون يتخلخلها خوطٌ حمراء وأخرى سكرية، لتخرج وتتلقفه مُبتسمةً للإسم الذي سطع نوره في الشاشه، وترد برقةٍ وحب : السلام عليكم ، حيّ الله جدتي المزيزنة
ابتسمت جدتها من الطرف الآخر هاتفه : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة ... كيفك يا بنتي؟
أرجوان برقة : الحمدلله طيبة ، كيفك انتِ يُمه؟
وبعد السلام والسؤال عن الأحوال، جدتها بلهفة : وينها جوج ما عاد كلمتني ولا سمعت صوتها
ضحكت أرجوان على “ جوج “، وهذا الإختصار لطالما وضعته لاسم جيهان التي كانت تتذمر منه، ومن جهةٍ أخرى “ تتمصخر “ كون جدتها تُطلق اسمًا أعجميًّا كهذا عليها وهي كما تقول جيهان “ دئة ئديمة “
أرجوان بابتسامة صادقة وحديث جدتها يبعث لها الراحة بعد كل ما حدث : فديتك يمه من زمان ما ضحكت بهالشكل
جدتها بانزعاج : وليه ما تضحكين وتنورين العالم بضروسك اللي تبرق برق؟
أرجوان بضحكة : تبرق؟ اي ما عليه تبرق تبرق ولا يهمك يا الغالية .. بس حبيت أقولك إن جيهان تبي تنام ويمكن تكون نامت
جدتها بضيق : ذياب يوم جاني بعد ما تتطاول على يوسف قالي إن جيهان كانت تبي تروح معه ..... وش فيه بينها وبين أبوك؟
صمتت أرجوان والضيق يعاود السكن بها، حتى جفناها تهدلا بحزن : مابينهم إلا كل خير
أم ذياب بغضب : وعمى ان شاء الله ... تكذبين علي يا بنت منى؟
أرجوان بسرعةٍ ودون قصد : بنت يوسف
ويا ليتها لم تقل ما قالت، كيف خرجت منها تلك الكلمتين وكأنها باتت تزدرء كون أمها هي - منى -، أيعقل أنها لن تكون كما قالت لوالدها وقد يؤثر ما فعلته أمها بنظرتها لها كأم؟
أرجوان بارتباك بعد صمت جدتها الذي طال : يمه ...
أم ذياب تقاطعها بحدة : وش سوت امك قبل موتها؟
ازدردت أرجوان ريقها بارتباك لتهتف : وش قصدك؟
أم ذياب بأسى : قلب الأم ما يخطي وكنت حاسة إن منى مسوية شيء مخليها تنتحر، يوسف ماله ذنب أدري، كل الذنب منها بس ما أقدر أوصل للموضوع بشكل واضح .... وش سوت يا بنتي ريحي راسي اللي صدع من التفكير
عضت أرجوان طرف شفتها وهي تجلس على الأريكة تشعر أن قدماها لا تستطيعان حملها، لتردف جدتها بشرود : اتصلت فيني قبل موتها بساعات تقول لي “ أنا عار ... عار وبخلصكم منه “ .. قلبي اللي كان مقبوض من أيام زاد انقباضه .. حاولت أفهم منها بس ضيعت السالفة وقامت تحكي وتحكي عن ماضيها وعن طفولتها وحياتها، وعنكم وعن يوسف!
ابتلعت أرجوان ريقها عند تلك النقطة، ما الذي كانت تقوله عن والدها، أكذبت وقالت - أحبه -؟ أم صدقت لتقول ما خالج مشاعرها تجاهه حتى خانته
أم ذياب : حسيت ان كلامها عنه ما صار مثل أول يوم تتكلم وأحس مع كل كلمة حب كبير لهالإنسان منها ... وكأنها كانت بس متأسية لشيء، كأنها كانت ندمانه أو تحس بالذنب!
تشعر بالذنب؟ أهذا حديثٌ يقال؟ أهذا كلامٌ يُطلق؟ ما فائدة أن تشعر بالذنب؟ وإن كانت حقًا شعرت به فلمَ انتحرت بدل أن تُحاول إصلاح ما كُسر وإن كان إصلاحه شبه مُستحيل، على الأقل لأجلهم هم، لأجل فتياتها، لأجل كونها أمهم.
أكملت برجاء : ما تبين تحكين وش صار؟ واضح إنك تدرين والا ما كنتِ سكتي
أرجوان بارتباكٍ واضح، ودون شعورٍ بدأت بالإلتفات تخشى أن تسمعها أختها، شيءٌ ما يأمرها بالتستر، لأنها أمها قبل كل شيء، من حملت بها، من تعبت وسهرت عليها، فكيف تكافئها في النهاية بفضحها؟ كيف تكافئها بازدرائها لها؟ ... هذا ما كان قلبها يُحدثها به حتى تتردد عن قول الحقيقة، حتى صمتت حين واتتها الفرصة لتحكي لأختها الحقيقة : ما أدري
أم ذياب بحدة : منتِ راضية تنطقين؟ ما عليه ... اسكتي وابلعي لسانك ... أكلم يوسف بدل لا أكلم صنم
كانت ستغلق لكن أرجوان هتفت بخوفٍ من فكرة أن تتحدث جدتها مع والدها وهو الذي يحاول النسيان أو ربما التناسي : لا يمه تكفين
ام ذياب : بتحكين؟
صمتت ولم تجب، لتردف جدتها بشكٍ وهذه الفكرة هي أول ما طرأت على عقلها منذ انتحار ابنتها، ولأنها الأم ستشعر، وليتها شعرت قبل موت ابنتها بمدةٍ طالت : خانت ربها وزوجها؟؟؟؟!
لتبتلع أرجوان ريقها مع جملة جدتها تلك، أكانت تشك منذ البداية لتفكر بذلك حتى تنطق به في أول خيار؟ هذا هو الواضح فماذا عساها تقول؟ لذا صمتت لتستنتج جدتها الإجابة ... والتي كانت - أجل -
برودةٌ أصابت مفاصلها، لتقبض بكفها على عكازتها وتتقلب عيناها بحسرة، تستغفر بخفوتٍ وألم، ربتها بأحسن ما يمكن، تقسم أنها ربتها كما يجب وكما يفترض في زمانٍ كزمانها، ربتها مع زوجها بكل ما تستطيع فكيف تخونهم بعد أن أصبحت تناهز الأربعين وإن كانت ملامحها لا تثبت ذلك العمر، ربتها كما أرادت أن تكون في مجتمعٍ كمجتمعها لا يرحم!
هتفت بعجز : بـ وشو نَقصْنا في تربيتها؟
ابتلعت أرجوان ريقها لتهمس بغصة، ودموعها تهدد بالنزول : الشيطان شاطر
ام ذياب بانفعال : إلا على المؤمن
أرجوان بجزع : خلاص يمه فديتك ... اللي فات مات ... والله مات
ام ذياب بقهر الأم وهي تضع يدها المُتحررة من عصاها على رأسها : مثل هذا ما يموت وإن مات صاحبه!
هي الأم التي ربت ورأت أن تربيتها لا تضاهيها أي تربية، فكيف تأتي ابنتها الكبرى لتكسر منطقها في تربيتها؟ ... أتكون أخطأت لأنها ابنتها الأولى ولم تكن سوى - تجربة - وتدريبٍ لأمٍ جديدة كمثلها؟ .. أتكون أخطات لأنها الأولى ولم تكن تدرك جيدًا كيف تربي الأطفال؟ أم تكون ربت على العيب لا على الحرام كما يربي معضم الناس في هذا القرن؟ ... لا لا هي تؤمن أنها كانت تقول ( حرام / خافي ربك / اتقي الله ... ) ولم تكن تقول ( عيب / كيف بتكون نظرة الناس؟ / الناس ما ترحم ... ) وحقيقةً أنه لا راحم سوى الله، فكيف يرتجون الرحمة من مخلوقاتٍ لم يحملوا منها إلا القليل أمام رحمة الخالق؟
همست بعد لحظاتٍ بتوجس : وجيهان تدري؟
صمتت، ولم يكن لديها سوى الصمت، لا تعلم ما تقول في حديثٍ يمسّ أمها بسوء.
وكان صمتها يعني - لا - ... وتلك فهمته - نعم - .... لتظن أنها تعلم، وتزداد المرارة داخلها.



,



لا تزال بعباءتها، تُدير رأسها تنظر للجناح نظرةً مُقيمة، وعلى وجهها تكشيرةٌ مُزدرءة، لم يعجبها المكان بتاتًا، هو ليس جناحًا لعروسين فالزوج بعيدٌ جدًا عن مُسمى - عريس -، لكنه كان فاخرًا ولم يعجبها أيضًا، هو مُقتدرٌ ماليًا ويستطيع أن يُسكنها في مكانٍ أفضل من هذا، فلم اختار مكانًا كهذا وهو الذي يمكنه حجز الغالي والأكثر رقيًّا من هذا.
جاءها صوته من خلفها بعد أن كان يُدخل الحقائب، فاستدارت تنظر إليه بتعالي : حاليًا بيتي يحتاج تصليحات من بعد الحريق اللي صار فيه، عشان كذا بنظل هنا كم يوم لين تتعدل الأمور
رفعت حاجبها المرسوم بدقة، كانت فاتنةً بمعنى الكلمة، لم يرى كجمالها، وجهها بيضاويٌّ صغير بملامح سمراء ناعمة، لكن ما فائدة الجمال إن كان خارجيًا فقط؟
هتفت بعد ثوانٍ بصوتها الرقيق والذي تلون بالإزداء في هذه اللحظة : تصلح بيتك من بعد الحريق؟؟؟ ... * مالت بفمها الصغير والممتلئ بقرفٍ لتُكمل * وتبي تسكني فيه بعدين؟! هذا بدل ما تبيعه وتشتري واحد أرقى منه!
لم يرق له كلامها، فتقدم قليلًا ليهمس : لعلمك ترا بيتي المحترق ذا أرقى بكثير من بيت الباش مهندس أبوك
ليتجاوزها بعد أن مسح بكفه على ملامحها ليُغيظها، لا يعلم لمَ أراد حقًا أن يغيظها، لكنه لربما أراد أن يرد لها عنادها وعصيانها له في تغطية وجهها.
كشرت بغيظٍ لتخلع حجابها ويظهر شعرها الأسود والذي كان مكومًا على شكل " كعكة "، لتحرره بعد أن دخل لإحدى الغرف، ويظهر الشلال الليلي والذي كان يصل لأسفل خصرها، بينما تميز بتموجاتٍ كثيفة أظهره ساحرًا.
خلعت عباءتها ليظهر ساقها الطويل والمُغطى ببنطالٍ جينز ضيق، ومن الأعلى بلوزةٌ منجاوية فضفاضةٌ بعض الشيء. كومت العباءة في يدها ثم تمشت تبحث في حُجرات هذا الجناح، ألا يوجد غرفةُ نومٍ أخرى؟؟؟
ابتلعت ريقها والخوف داهمها، قال لها والدها بأن تطمئن لأنه لن يقترب منها، وكيف تطمئن وهما سينامان في غرفةٍ واحدة؟ هو رجلٌ وهي أنثى تدرك مدى فتنتها.
رغمًا عنها شعرت بالخوف والإرتباك، لتبدأ بقضم أظافرها ووجهها غطاه الخوف .... يا رب، ماذا ستفعل، يستحيل أن تسمح له بالإقتراب منها.
جلست على إحدى أرائك الصالة السكرية والمزخرفة بالذهبي، لتمرر أناملها بين خصلات شعرها المموجة وتهمس لنفسها : أدخل عنده؟ وإذا قرب مني! * ابتلعت ريقها * ما عليه بجلس هنا، مو لازم أنام
بينما هو كان في الغرفة مُمددًا على السرير الواسع كفيه تحت رأسه وعينيه تنظران للأعلى بشرود، أما فعله صحيح؟ هل كان من الحكمة أن يكمل هذا الزواج؟ لكن لمَ يشعر الآن بأن ما قرره وفعله كان غبيًا دون دافععٍ عقليّ مقنع!
تنهد ثم مسح على وجهه بكفه اليًمنى، وتلك تبدو متمردةً لم تتربى جيدًا، لا بأس، هي ستبقى معه لسنة، إذن ليعمل معروفًا لوالدها وسيربيها بنفسه.
لاحظ أنها تأخرت ولم تجئ، لكنه تجاهلها ولم يهتم، ثم استلقى على جانبه الأيمن يُعطي الباب ظهره، بثوبه الذي لم يخلعه والذي لم يكن بذا حيلةٍ ليخلعه.
وتلك بقيت لساعةٍ تقريبًا، والنوم غطى عينيها، وأخيرًا قررت أن تدخل للحمام لتستحم وتبدل ملابسها، ستفعل أيّ شيءٍ حتى لا ينجذب إليها.
أخذت لها بيجاما فضفاضة بلونٍ رمادي، وهي تشجع نفسها الخائفة بالقوة، لن يقترب مني، أنا غزل، لن يجرؤ.
وببعض الإمدادات إلى روحها دخلت الغرفة تريد دخول الحمام بعد أن كانت لم تجد آخرًا حين بحثها في الحجرات، فلمحته مُتمددًا يُدير الباب ظهره، بثوبه وقد رمى شماغه جانبًا على السرير، ابتلعت ريقها فور رؤيتها لبنيته الرجولية وجسده الطويل، لن تخاف، لن تخاف .. هكذا كانت تشجع نفسها لتمشى على أطراف أصابعها بعد أن رمت حذاءها خارجًا قبل الولوج للغرفة، ثم اتجهت للحمام بنفس هدوءِ دخولها دون أن تهدأ أنفاسها الخائفة. وهو من الجهة الأخرى حين لمحها قبل الدخول للحمام ولم تنم له جفن وكيف ينام والأرق قد زاره بعد كل ماحدث؟، رفع حاجبه لحركتها المُضطربة في الظلام، ومع فتحها لباب الحمام انتبه لملابسها ليُكشر بضيق، الجينز ضيقٌ يرسم جسدها رسمًا .. يا الله، ألم يسقط حظه إلا مع هذه!!
تأفأف بضيقٍ ليستدير للجهة المُقابلة، وهي انتبهت لحركته لتُجفل، وحين استوعبت دخلت بسرعةٍ وذعر لتطبق الباب خلفها بقوة.
زفر سلطان مع صوت الباب : يا ليل الشقا ... متى يجيني النوم بس * رطب شفتيه ليردف بجزع * حتى سنة الرسول نستني أعمل فيها!
تعمدت الإطالة في الحمام، لتتأكد فقط أنه نام، بالرغم من كونها حقيقةً لا تعلم غإن كان نائمًا أم لا، لكنها شكت مع حركته وللحيطة فقط تأخرت. لتخرج بعد وقتٍ طويل وطويل، وعقارب الساعة قد عانقت الثانية عشرة إلا رُبعًا، وقد كانت مُبللةً من أعلاها لأسفلها، حتى ملابسها التصقت في جسدها تقريبًا، إذ أنها لم تجفف لا شعرها ولا جسدها، فهي قد نسيت أن تأخذ منشفتها من الحقيبة وبالرغم من أنها وجدت في الحمام عدة مناشف وأغلبها تبدو جديدةً لم تُستعمل، لكنها كما العادة تتقرف من إستخدام أغراضٍ تخص غيرها وإن كانت جديدة.
اقتربت من باب الغرفة تمشي بنفس الطريقة التي دخلت بها حين وصلها صوته الشديد والذي خالطه بعض الإرهاق لكنه بقي شامخًا : لحظـــة!!
تيبست في مكانها للحظاتٍ وقد ذعرت بشدة، وعينيها اتسعتا خوفًا، لمَ؟ لمَ أنتِ خائفةٌ إلى هذا الحد؟ لمَ تخافين منه؟؟؟
لكنها في قرارة نفسها كانت تعلم الإجابة جيدًا، ورغم ذلك استدارت وهي ترسم ثقةً زائفة، لترفع أنفها بشموخٍ تنظر إليه جالسًا على السرير ينظر ناحيتها ببرود.
غزل : خيـر!
سلطان بثقة : إن شاء الله خير
وقف ببطءٍ ليتجه نحوها فارتعشت، ارتعاشها لم يكن إثر الهواء الذي اصتطدم بجسدها المُبتل بينما كان حقيقةً لظله الذي وقف يتجه إليها، كانت ستهرب لكنها آثرت البقاء كي لا تظهر بمظهر الخائفة الضعيفة ويستغل هو ذلك، مقتنعةٌ هي أن البشر كلهم إستغلاليون، وبالتأكيد سيكون هو مثل كل البشر.
وصل إليها ولازلت تنظر إليه بشموخ، ليرفع كفه يضعها على رأسها المبلول، ثم بشيءٍ من الحدة التي بزقت رغمًا عنه أنزله وهو يشعر بالإستفزاز من نظرتها المُتعالية تلك.
ليهتف ببرودٍ وهو يتحاشى النظر لجسدها البادي مع إلتصاق ملابسها : ما تعرفين تجففين جسمك قبل لا تلبسين؟
عضت شفتها وهي تعانق جسدها لا شعوريًا بذراعيها، ليتنهد باستياء ثم أغمض عينيه يردد كلماتٍ دون صوتٍ لم تفهمها، ولم تدرك أنه دعاء ينم عن سنة رسول الله عليه أتم الصلوات.
بقيت صامتةً إلى أن انتهى، ثم أنزل يده ليهتف بهدوء : توضي وقومي نصلي لنا ركعتين
للحظاتٍ نظرت إلى ملامحه الهادئة وهي ترمش مرارًا ومرارًا إلى ان استوعبت .... يصليـــان!! ... هي، تصلــــي !!!!



,



في وقتٍ سابق - الثامنة مساءً

صدح هاتفها فجأةً في أنحاء غرفتها لتتناوله بإرهاقٍ من الكومدينة دون أن تنظر إليه وهي مُتمددةٌ على سريرها تُغطي عينيها بذراع يدها الأخرى. أزاحت ذراعها عن وجهها لتنظر لهوية المُتصل، لتتسع عينيها وتنتفض بصدمة : شاهين!! وش يبي؟
ابتلعت ريقها بينما كانت يدها التي تحمل الهاتف ترتعش، لا تدري لمَ تشعر بكل هذا الخوف، بالتأكيد هو مقهورٌ لما حدث حين اتصلت به، وتدرك قهر الرجال جيدًا!!
أسيل باضطراب : أرد!!!
لكن تفكيرها لم يطل حين انقطع الإتصال، لتزفر براحةٍ لكنه عاد للإتصال مرةً أخرى.
زمت شفتيها بخوف : ليه يتصل؟ أرد؟ .... بس .. بس يمكن يكون وافق عالطلاق!
عند هذه النقطة تحديدًا تشدقت وهي تسحب الأكسجين بنهم، أيعقل أن يكون قد وافق؟ وستتحرر منه؟
من شدة فرحها بما اختلج داخلها ردت لتهتف بهمس : نعم
شاهين بحدةٍ واستعجال : انزلي بسرعة أنتظرك في السيارة تحت


.

.

.



يتبع ؛

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-07-14, 10:17 AM   المشاركة رقم: 58
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



(10)




شهقت ما إن سمعت ما يقول ... مجنون! أهذا مجنون أم هي التي جنت اخيرًا لتسمع كلامًا لم يقال.
ابتلعت ريقها وهي تهمس بحذر : وشو؟؟؟
شاهين بقلة صبر : كلمت عمتي ووافقت تطلعين معي عشان نتعشى مع بعض ومنها نتفاهم في أمور الزواج ... لا تتأخرين أنتظرك
ثم أغلق دون كلمة وهي مُمددةٌ وعيناها جاحظتان للأعلى .. لا، مستحيل!! ... بدأت بالإرتعاش وهي تتخيل أن تكون معه بمفردها، مجنون، مجنون، أيتوقع أن توافق على الخروج مع غير متعب وهي التي أعلمته من قبل بحبها له الذي لازال حيًا ورغبتها في الطلاق لأجله هو وحده؟
“ منها نتفاهم في أمور الزواج “ !!! ... أيعني ذلك أنه مُتمسكٌ بها ولا يريد تطليقها؟؟!
كادت تجن مع كُومِ أفكارها التي قُطعت حين طُرق الباب، لتُدير رأسها بسرعةٍ وهي لازالت مُتمددة والهاتف يقبع داخل قبضتها المتشنجة بتوتر، لترى امها التي دخلت بعجلة وهي تهتف : أسيل حبيبتي قومي بسرعة
عضت شفتها بعبرةٍ ونظراتها العاتبة اتجهت لها : حرام عليك يمه ليه تعطينه الموافقة قبل لا تسأليني!!
توقفت أمها للحظاتٍ تنظر لملامحها المذعورة، إلى أن همست : شلون عرفتي؟؟
جلست وهي تشد على الهاتف بين أناملها : كلمني
بالرغم من أنها استغربت، وبالرغم من كونها تساءلت “ كيف إذن حدثني أولًا إن كان يحمل رقمها؟ “ إلا أنها لم تتساءل علنًا وكل همها أن تخرج ابنتها معه وأن تتعرف على شخصيته جيدًا فلربما قد تتقبله.
اقتربت منها حتى وصلت إليها فجلست بجانبها على السرير لتهمس بأسى : يعني إلا تكسريني بحالتك؟؟؟؟
فغرت شفتيها لتتيبس نظراتها على ملامح امها المُبتئسة، وتلك لا تدرك أنها تضغط عليها بطريقةٍ لا تقصدها. أكملت برجاء : لا توجعيني يا أمك وأنا اللي أبي أشوفك سعيدة معه
معه! تريده معه دون سواه! تريد سعادتها التي اقترنت - معه -؟. لمَ لا تفكر قليلًا إن كانت تريد سعادتها أنها حقيقةً لا تكمن سوى في بقائها أرملة؟ أن سعادتها حقيقةً تكمن في بقائها لمتعب فقط، زوجة متعب / أرملة متعب ... كلها كلماتٌ تملكية لمتعب، وسعادتها الباهتة الباقية تكمن في بقائها تخصه وحده، فلمَ لا تسألها وتفكر قليلًا أنها بذلك تزيدها بؤسًا وتُطفئ ما بقي من سعادةٍ بها.
همست أسيل بألم : ما قصدي أوجعك بس .. بس أنا ما ...
قاطعتها امها بابتسامةٍ باهتة وهي تقف : إذا ما ودك توجعيني تقبليه .. شوفي حياتك من ناحية ثانية غير الظلام اللي عايشته، ما بقول حياتك بهالشكل مُبالغ فيه، لأني عارفة متعب كويس، كان مثل ولدي وأعرف شخصيته ... بس ربي ما كتب لكم اللقاء في بيت واحد، ولو ما كان مات في غربته قبل لا يتزوجك بأسابيع كان ممكن مرضه يمنعه أخيرًا من الزواج ... لأن ربي ما كتب لك نصيب معه
نطقت آخر جملةٍ بقسوة، لتزم هي شفتيها تقاوم محاجرها من قذف الدموع، كم هي قاسيةٌ تلك الأسهم التي تمثلت بكلمات، وكم هو قاسٍ أسلوب أمها الذي لم تقصد به التجريح بينما كان حقيقةً لتذكيرها بإيمانها الذي بات يضعف ويضعف بصورةٍ مُقززة.
أم فواز برجاء : اتقي ربك في نفسك يا أسيل .. حرام عليك هالعيشة اللي كابسة على قلبك وعلى قلب كل اللي حولك
وهاهي أيضًا تذكرها أنها ليست سوى ثقلٍ عليهم .. يا الله رحماك ... رحماك. تشعر أن قلبها ينشطر وينشطر حتى يتلاشى، ولأول مرةٍ بعد وفاة متعب تشعر بالرغبة في رمي جسدها في أحضان امها لتبكي وتبكي حتى تنفد دموعها.
اشعري بي يا أمي، اشعري بقلبي الذي ذابت حجراته الاربع بفعل كلماتك، اشعري بي أرجوكِ وارحميني!!
لكن أمها لم تنتهي وهي تمسك بذراعيها لتوقفها بعنف : أبيك الحين تطوين صفحة متعب من حياتك ... والحين تقومين تتجهزين بسرعة وأنا بتصل على شاهين ادخله للمجلس حتى تنتهين
هزت رأسها بالرفض ودموعها تساقطت، لا لا هذا كثير، لن تستطيع تحمل هذا الضغط الذي تمارسه أمها عليها، ألهذه الدرجة تريد الفكاك منها! ألهذه الدرجة هي بؤسٌ عليهم! ألهذه الدرجة؟؟؟!
تجاهلت أمها حركت رأسها ودموعها بينما هي داخلها تتمزق، كل ذلك لأجلك، لأجلك يا أسيل ... يا ابنتي.
نظرت إليها بحزم لتنطق : لا تتأخرين
لتخرج بعد أمرها ذاك تطبق الباب خلفها، وتلك انهارت على الأرضِ تبكي وجعًا.

بعد نصف ساعة - في المجلس
يجلس وهو يهزّ قدمه بقلة صبر، يريد أن يُنهي الأمر ويتفاهم معها جيدًا في أمور زواجهما، يستحيل أن يسمح لها بأن تفرض فكرتها الساذجة، لم يكن يتوقع أن من تزوجها قد تكون بكل ذلك الغباء يومًا ... حسنًا، تحبه لا بأس، سيحتمل هذه الفكرة فهو كان زوجها ومن حقها أن تعيش فترةً بذكراه، لكن أن توقف حياتها عند هذا الحد! عند هذه الذكرى لتعيش بائسةً طوال سنين حياتها القادمة فهذا هو الغباء بعينه، جاءتها فرصة زواجٍ أخرى ومن الحكمة أن تكسب هذه الفرصة لتنسى، وهو سيصبر إلا أن تنسى.
ومن جهةٍ أخرى هو يخشى على أمه الشغوفة بالوقت الذي ستكون فيه أسيل أمام عينيها، يخشى أن تحزن عندما يُطلقها وهو الذي لا يحتمل حزنها.
أم فواز كانت تصب له القهوة وللمرة العاشرة رُبما : الا وشلون حصلت رقمها؟
نظر إليها بعد أن كان شاردًا ليبتسم، تلك الماكرة يبدو أنها لم تطلب الرقم مباشرةً منها ولم تكن أمها بذا علمٍ باتصالها به : طلبته من فواز
ابتسمت أم فواز بارتباك : كلمتها قبل اليوم؟
فهم ارتباكها وأدرك أنها تعلم بكره ابنتها لهذا الزواج : اي كلمتها
أم فواز وإرتباكها يتضاعف : كيف كانت معك؟ يعني ، ممم أسيل خجولة شوي وأخاف تكون طنشتك أو قفلت بوجهك
ابتسم على تشتت كلماتها، خجولة! هه، ليتها كانت كذلك بدل أن تكون - ساذجة -
شاهين : لا تحاتين عمتي صحيح خجولة شوي وكانت متلبكة بس ما صار شيء غلط
لم تفهم ما يرمي إليه في كلامه الواضح معناه وضوح الشمس، فما معنى “ ماصار شيء غلط “ إن كان أمامها لا يعلم برفض أسيل له!!!
في هذه اللحظة ضُرب الباب مرةً واحدة فقط، ثم طالت الثواني قبل أن تدخل أسيل ترتدي عباءتها بالكامل! لتهمس بالسلام حتى أن شاهين كاد يقسم أنه لم يسمعها لذا لم يرد السلام إلا بعد أن ردت أم فواز بهدوء.
أم فواز بإحراج : ليه متغطية حبيبتي، مافيه أحد غريب
جلست بجانب أمها بتوترٍ واضطراب، لتهتف بصوتٍ ضئيل لكنه وصله جيدًا : مو احنا طالعين الحين؟ قلت ألبس عبايتي قبل لا أدخل
تنهد شاهين بقلة حيلة وهو يحاول السيطرة على أعصابه، استفزته رسالتها وجدًا، كان يدرك أنها لا تعترف به زوجًا لكن أن يرى ذلك أمامه شيءٌ آخر.
شاهين بهدوء : شلونك أسيل؟
أسيل ببرودٍ وهمس : الحمدلله
وقف : بنطلع الحين ...أستأذنك عمتي
أسيل بسرعة وهي ترفع رأسها المغطى حتى عينيها لم تكونا واضحتين : ما نقدر نتفاهم هنا؟
شاهين بهدوء : حجزت في مطعم منها نحكي ونتعشى
عضت شفتها من خلف الغطاء وأمها نظرت إليها بتحذير : اوكي بتطلع الحين بس لحظة أحكي معها بكلمتين
أومأ دون كلمةٍ ليخرج، يشعر برغبةٍ عارمة في قلب المكان رأسًا على عقب، ما عساهم يرونه؟ ألعـــبةٌ هو في أيديهم؟ ... فهم من كل شيءٍ أن أمها تحاول أن تنسيها ماضيها وتُخرجها من قوقعتها، لكن أعلى حسابه؟ ... لكنه حاول أن يُهدئ نفسه مُتذكرًا من هم، فهم ليسوا مجرد أناسٍ عرفهم معرفةً عابرة، معرفته لهم امتدت لسنين وسنين، ولن يفسد علاقته بهم بسبب أسيل!!!
انتظر في السيارة لدقائق حتى جاءت، وهو كان يجلس في مكان السائق يتطلع بظلها الأسود من طرف عينه، وبتهورٍ منها كادت تجلس في الخلف لولا أنه صرخ بعد أن فقد أعصابه : سواقـك أنـــا؟؟!
ارتعشت في مكانها مُتفاجئةً من صراخه، لكنها همست بعد برهةٍ بغصة : أبي أجلس ورى
زفر الهواء بقلة صبر، ستجعله يُجن لا محالة، استغفر ليمسح على ملامحه وإحدى كفيه تقبض على المقود بقوةٍ بينما عيناه مُتجهتان للأمام : استهدي بالله يا بنت الناس واركبي قدام ... أنا زوجك ماني بغريب
زمت شفتيها بضعف، أيعقل أن تجلس بجانب رجلٍ غير متعب؟
بقي ينتظرها لوقتٍ وهي لا تزال واقفة، وهو يحاول ألا يفقد أعصابه أخيرًا لينزل ويسحبها رغمًا عن أنفها، إلا أنه هتف أخيرًا بغيظ : يا بنت الحلال اركبي
تهدل جفناها ثم اتجهت للأمام لتجلس، وهو حرك السيارة بانفعالٍ بدا مليًا من سرعة السيارة.
وهي، كانت مُلتصقةً بالباب، وحتى الآن لا تصدق أنها ركبت، ومع من! مع رجلٍ غير متعب! مع من يمسى زوجها / أخ متعب! ... أهي تعيش بكابوسٍ لترى نفسها معه! تتمنى ذلك حقًا وألا يكون كل ما يحصل حقيقةً، تتمنى أن الزواج لم يتم بالفعل كما كانت تتمنى سابقًا وبعد وفاة متعب أنه لم يمت حقًا. أباتت تعيش كوابيس دامت لعامين؟ أهي بالفعل نائمةٌ حتى الآن؟
منذ لحظاتٍ وقبل قدومها تحدثت معها أمها بتحذير من أن تطلب منه الطلاق أو تشعره بعدم رغبتها به، وكما العادة هي تستشعر ثقلها عليهم! تستشعر أنها ليست سوى ظلٍ أسود غيّم عليهم ليُظلم حياتهم مدى العمر. حتى أنها في النهاية وعدتها ... وعدتها ألا تقول بصريح العبارة “ أريد الطلاق “ ولم تدرك أمها أنها قد طلبته وانتهى الأمر.

*

تنسدلُ أصابعٌ على عينيها لتنسدل معها جميع أحزانها ولا يستطع سوى الفرح والفرح، ما أزكى هذه الرائحة الرجولية، عطره إختلط مع عبقه الطبيعي ليُكوّن رائحةً خارقة مُغريةٌ لأنفها.
همس وشفتيه تلامسان أذنها، يضخم صوته بصورةٍ مُضحكة : مين أنا؟
ضحكت بخفوتٍ وهي تميل لتضع رأسها على صدره : مممم فواز!
هزّ رأسه بالنفي بابتسامةٍ ومن شفتيه أصدر تأتأةً خافتة، لتمط شفتيها تصطنع التفكير هاتفة : السواق
رفع إحدى حاجبيه بحدة : لا بالله إحلفي
ضحكت لتستدير بسرعةٍ تقابل جسده بجسدها، ثم بخفةٍ وضعت كفها اليُمنى على عينيه بصورةٍ أُفقية: طيب مين أنا؟
ابتسم ليظهر لها بصورةٍ بهية فهو أكثر الرجال وسامةً في عينيها : ممرضة أمي!
عضت شفتها لتنزل كفها بامتعاض : وحدة بوحدة يعني؟
نظر لعينيها بضحكة : والبادي أظلم
أسيل وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها : خلاص زعلت
متعب : أفــا
أسيل : انت تدري إني من أيام ماشفتك بسبب المعقد اللي اسمه فواز، ويوم أشوفك تقوم تحرقني بغيرتي عليك!
رفع حاجبيه بتعجب : وانتِ تدرين إني من أيام ماشفتك بسبب المعقد أخوك، ويوم أشوفك تقومين تحرقيني بغيرتي عليك! ... * داعب أرنبة أنفها بخشونةٍ رجولية ليردف * فيه مرة تسوي سواتك مع زوجها؟
ابتسمت بدلال : أمزح بس
متعب ببساطة : وأنا بعد أمزح
أسيل بحاجبين مُقطبين : ياخي وش فيك اليوم شغال لي ببغاء؟
تراجع للخلف ليجلس على إحدى كراسي الحديقة وهي التي كانت تقف عند الأزهار تسقيها قبل دخوله : أولًا أنا زوجك ماني بأخوك ... كم مرة بقولك هالشيء
أخرجت لسانها بإحراج وهي تنظر في الجهة الجالس بها : أنسى
متعب بحزم : وكم مرة أقولك لا تطلعين لسانك بوجه زوجك
ضحكت أخيرًا ضحكةً خافتة قصيرة وهي تقترب لتجلس على إحدى الكراسي البيضاء أمامه تفصل بينهما الطاولة المُستطيلة : خلاص آسفين آسفين .. ياخـ .. قصدي يا زوجي العزيز ليه كل هالتعقيد؟ خلنا طبيعين لا تكون كذا مدقق بكل شيء
متعب بابتسامة : أحب تكون زوجتي مثالية في كل شيء
أسيل بامتعاض : مافيه شخص مثالي
متعب : بس أنا بخليك مثالية
أسيل : ياليل الشقا ... وكأنك تقول إنك مثالي عشان تكون استاذي؟
ضحك على ما قالته : ذكية
رفعت حاجبيها وهي تنظر لوجهه المُشرق رغم التعب البادي عليه، حتى ابتسامته كانت لها كالدواء لكل داءٍ تُصاب به، هتفت أخيرًا بشرود بعد أن تنهدت تنهيدة العاشقة وهي تضع كفها على وجنتها ومرفقها يستند على الطاولة : وأنا أشهد
صدحت ضحكته على ملامحها لتستيقظ مما كانت فيه وتبتسم بإحراج : خربت علي حالميتي
متعب بضحكة : انتِ حالمية؟؟ انتِ انتِ؟
كشرت بوجهها بتهديد : متعب
متعب بابتسامة : عيون متعب
بهتت نظراتها فجاةً وتهدل جفناها وهي تنظر لخاتم الزواج في إصبعها بشرود، بينما هو تغيرت ملامحه حين انتبه لتغيرها : وش فيك حبيبتي؟
رفعت أنظارًا مُغلفةً بالدمع إليه لتهمس : معقولة تتركني بيوم من الأيام؟
قطب جبينه وهو يمد يديه ليعانق كفيها : معقولة؟؟؟
أسيل بغصة : أخاف بيوم تتركني عشان مرضك بحجة إنك ما تبي تظلمني معك
لم يعجبه حديثها، ولم يعجبه تفكيرها الضئيل به، أردفت حين رأت نظراته تحولت لغيظٍ من حديثها : لا تفهمني غلط .. أنا اعرف انك تبيني ومتمسك فيني، بس أوقات أحسك تفكر بتركي عشان لا تظلمني وياك ... وايش يعني سُكر؟ ليه كل ما طحت على اهلك قلت لازم هالزواج يتأجل؟ لهالدرجة أنا رخيصة عندك تخليني انتظرك كل هالفترة!
متعب بغيظ : وش هالكلام أسيل .. قاعدة تقوّليني كلام ما قلته!
أسيل بحزن : انت ما قلته بس أكيد قلبك يقوله
هي لا تعلم، لا تعلم شيئًا، من قال أنه يؤجل زواجه لأجل مرضه! من قال ذلك؟ هي لا تعلم الحقيقة، لا تعلم أن ما به أكثر من مجرد - سكر -، وهو الذي لا يقوى على جعلها تتزوجه دون أن تغادر السموم دمه
أسيل برجاء وهي تضغط بأناملها على كفه : تكفى يا متعب لا تحسسني أوقات بهالشعور مرة ثانية، لا تخليني أحس ببعدك ورغبتك في تركي، مرضك ما يهمني والله ما يهمني ... بس لا تتركني، لا تتركني ترا هالشعور يوجع وربي
سقطت دموعها مع آخر كلماتها، ليقف بعد أن زفر بقوةٍ ويتجه إليها، يتناول جسدها ليزرعه بين أضلاعه يريد أن يدخلها داخله لتسكن به دائمًا وأبدًا، لتجري بين دمه لعلها تكون المُطهر له من كل آفاته.
متعب بهمس : لا تخافين ... ثقي فيني ... والله ما اتركك ... إلا على موتـــــــي!


وكان هو .. كان هو ما جعلك تتركني أبدًا
( المــــــــــــــــوت )

وقد كنتَ قد أقررت معي مرةً إحدى الجويديات العتيقة
ان الخيول تموت حزنًا حين يهرب من حناجرها الصهيل!
وأنا أقول لك على مشارف خبرتي في بعدك
إن العاشقات مثلي يمتن حزنًا حين تهرب من حناجرهن - أحبك -
وقد هربت، هربت فكيف أنطقها لك بعد أن ذهبت أنت؟ كيف؟
فهل كان فاروق يقصدني بتشبيهه لي بالخيل و - أحبك - بالصهيل؟

*

افاقت على صوته المُنادي لها وكفه وقعت على كتفها يهزها : أسيل ... وصلنا
انتفضت ويدها نفضت كفه عنها لتنظر لملامحه بذعر، بينما هتف هو بضيقٍ من حركتها : وين راح عقلك؟ من ساعة أناديك
همست بـ “ آسفة “ بصوتٍ كاد ألا يسمعه، ثم نزل لتنزل من بعده بتردد. لترى أمامها مطعمًا للوجبات البحرية، كيف عرف أنها تحب هذا النوع من المأكولات؟ أم أنها لم تكن سوى صدفة!
شاهين بهدوء : تفضلي وش فيك واقفة؟
مشت معه بهدوء وقد صنعت بينهما مسافةً لا بأس بها، وهو صمت ولم يعلق بشيء، إلا أن وصل للطاولة التي حجزها لتجلس، وقد كان المكان راقيًا ذهبت إليه مع متعب لأكثر من مرة.
تنهدت فجأةً بشرود، كل مافي حياتها يجب أن يتعلق به وحده، يجب أن يتعلق بمتعب فقط. أغلق شاهين الحاجز ليجلس أمامها : تقدرين تاخذي راحتك الحين
رفعت نظراتها إليه، ما الذي يقصده؟ أيتوقع منها أن تكشف وجهها له؟ محـال، لن يحصل ذلك.
لم تنطق بكلمةٍ أو تتحرك، واحترم هو رغبتها وإن شعر بالقليل من الغيظ، لكن صبرًا ثم صبرًا، ليس من الحكمة أن يعاملها بالشدة فهي أنثى قبل أن تكون زوجته.
شاهين بهدوء : وش تطلبين؟
هزت رأسها بالنفي لتهمس : ماودي بشيء الحين
أراح كفيه على الطاولة أمامه لتتعانق أنامل يديه مع بعضهما ويهتف بثقةٍ وجدية : أجل بنتكلم بموضوعنا وبعدين نطلب
ارتبكت وارتفعت نبضات قلبها حتى خشيت أن يسمعه، وبدأت بفرك كفيها بتوتر ورأسها يقابل حُجرها من شدة خوفها أن ترفع نظرها له فترى متعب، متعب، هو متعب، يشبهه كثيرًا وإن كانت ملامح متعب أجمل وأكثر هدوءًا تبعث لها الراحة، لكنه كان يشبهه برونقٍ يخصه وحده، وحين تأتي المقارنة يكون الشبه حقيقةً بالعينين الحادتين فقط، بينما كان متعب يحمل ملامح وسيمةً مقارنةً بشاهين الذي تميز بجاذبية نظرته الماكرة. لكن لمَ ترى أن الشبه كبيرٌ جدًا؟ تكاد تُقسم أنها ترى متعب فيه.
لذا خافت، لن تنظر لملامحه طيلة مكوثها معه الذي لن يطول بالتأكيد.
شاهين بهدوء : سمعت منك للنهاية في الجوال ووقتها صعب نتفاهم كويس مع إنفعالك وأنا طبعًا كنت في حالة غير استيعاب لأن الخير توه واصلني
ابتلعت ريقها وهي تستشعر السخرية التي كمنت في “ الخير “، ليُكمل وهو يحاول ألا يبدو بشكلٍ مُنفعل : قررتي في حياتنا بروحك، وانتبهي إني قلت في حياتنا فمو من حقك تقررين من دوني ... لذلك إحنا هنا عشان نقرر مع بعض
استغرقت بعض الوقت لتتشجع وتُسيطر على اضطرابها من رائحة عطره التي انتشرت في الأرجاء، ألهُ نفس الرائحة أيضًا أم هي التي باتت تتخيل؟
همست أخيرًا وبارتعاش شفتيها خرجت كلماتها مُرتعشة : أعتقد إني قلت لك وش أبي
شاهين بحدة : بس أنا ما قلت
صمتت ولم تجد كلمات لتُسعفها أمام حضوره الذي يُهدر الكلمات قسرًا، بينما أردف هو : تفكيرك بدائي مع إحترامي
رفعت رأسها إليه بسرعة لكنها أعادته بسرعةٍ أكبر حين لمحت ملامحه
شاهين : في مرة عاقلة تفكر بتفكيرك؟
أسيل بارتباك : كل شخص وله قناعاته ... وأنا بعد زواجي الاول مستحيل أتزوج
شاهين بصبر : وأنا ما ودي أخاطر وأطاوعك ... أمي محتاجتك فوق ما تتصورين
رفعت أنظارها المُستغربة إليه وهذه المرة لم تُنزلها، المرأة الفاتنة في طُهرها والتي أحبتها كأمها تحتاجها؟
هتفت باستفسار : كيف يعني؟
شاهين وهو يشعر بالتردد من قول ما سيقول، إذ شعر أنه سيشابهها في خطئها : كانت تتمناك فوق ما تتصورين ... لك معزة خاصة عندها لدرجة إنها زعلت مني مرة عشانك، تتخيلين هالشيء؟ وكانت أنتِ هي تفكيرها الدائم عشان كذا اخترتك لي زوجة ... ما ودي أخاطر بحزنها
صُدمت، أيرُد ضربتها بضربةٍ أخرى؟ أيقول أنه أيضًا سيكسب من هذا الزواج كما ستكسب هي بتخفيف ثقلها عن أهلها : يعني؟
شاهين : كل شخص مستفيد من الثاني ... وأنا حقيقة ما تزوجتك لهالسبب وحده ... زواجي فيك كان عن قناعة تامة ... مو مثلك انتِ
ازدردت ريقها وهي تشعر أنها مُشتتة، إذن هو أيضًا لم يخترها بكامل إرادته وكان له مصلحةٌ خاصة في زواجه هذا.
هتفت باندفاع : ما عليك من خالتي أنا بتكلم معها وبفهمها إني ما أبي رجال من بعد متعب ... دامنا مانبي بعض نخلص من الحين
زفر بقلةِ صبر وهو يمرر أنامله على خصلات شعره : أسيل لا تجننيني .. وش فهمتي بالضبط من كل اللي قلته؟ أكيد اللي تبينه بس والباقي رميته ورى ظهرك
أسيل باضطراب : ما كان بكامل رضاك
شاهين بحدة : قلت كان بقناعة تامة
رفعت كفها لعنقها لتحكه من فوق العباءةِ دليل توترها، تريد الخلاص من هذا الرباط وحسب دون أن تهتم للعواقب : وش تبي بالضبط؟
شاهين : نكمل الزواج ... لا تظنين إن السبب الاول والأخير هو أمي ... بس أفكارك خاطئة ومستحيل آخذ فيها
زفرت بضعف : شاهين واللي يعافيك أنا هذا تفكيري وهذي قناعتي ... غير متعب مافيه أحد ... وتراني مجنونة كفاية عشان أسوي فضايح تهدم بلد
رفع حاجبيه بتعجبٍ من كلامها، يكاد يقسم أنها مجنونةٌ بالفعل وكم تمنى أن يتهور ليقول “ وأنا أشهد “
شاهين بابتسامةٍ ساخرة : ويعني مفتخرة بهالجنون؟
أسيل بقوةٍ لا تعلم من أين جاءتها : ايه ... لجل عين تكرم مدينة
صمت ولم يعلق، المشكلة أنها تتحدث عن أخيه هو، فكيف يمكنه الرد ليقول “ وهالعين ماتت ماتحتاج من يكرمها!! “
هتف بعد برهة : طيب ... مع هالكلام القليل جعت .... نطلب؟
صمتت وأسلوبه الهادئ يرغمها على عدم الرفض، ليأخذ صمتها بالموافقة، هاتفًا : أجل نكمل كلامنا بعد الأكل



,



قرب منتصف الليل ...
تحركت بارتباكٍ للحمام وهي تشعر أن قدميها عاجزتان عن الحركة، ماذا عساه تقول له، “ أنا لا أصلي ولا أعرف كيفية الصلاة أصلًا “!!
لم تشعر يومًا بالحرج من هذا الموضوع كما الآن، فلمَ شعرت به معه هو تحديدًا؟
دخلت للحمام لتفتح صنبور الماء وتبلل مناطق من جسدها، وجهها وشعرها وذراعيها حتى قدميها، فإن كانت لا تعرف كيفية الصلاة فكيف ستعرف كيفية الوضوء الذي مضى على تعلمها له سنين طوال؟
بعد لحظاتٍ خرجت وهي تشعر أنها مُقيدة بحركاتها، وقد وجدته ينتظرها خارجًا ليدخل بعدها ويتوضأ، وما إن توضأ من بعدها وخرج من الحمام حتى نظر إليها مُستغربًا : ليه ما لبستي جلالك؟
شعرت أن وجهها يحترق من الإحراج، ليكون حديثها معه ورأسها يواجه الأرض من الإرتباك هو من المرات القليلة التي تتحدث فيها بهذه الطريقة : نسيت لا أجيب معي
سلطان باستغراب : نسيتي؟؟؟؟
بالرغم من كونه تعجب أن تنسى امرأةٌ إحضار رداء الصلاة حين انتقالها لمنزل آخر إلا أنه هتف بهدوء : طيب بسيطة البسي عبايتك
وكأنها أرادت فقط أن يقول لها ذلك، لتهرول بسرعةٍ خارجةً من الغرفة لتأخذ عباءتها التي وضعتها على الأريكة وترتديها، ثم عادت إليه بصمتٍ وهو مُتعجبٌ من تحركاتها المُشتتة.
غزل بارتباك : هاه لبست
أومأ ثم فرش السجادة ليبدآ بالصلاة، وهي كانت فقط تقلد تحركاته دون أن تكون مُلمةً بها. حتى انتهيا.
تنهد بعد أن انتهى ومسح بكفيه على وجهه وهو يستغفر، ثم استدار إليها ليهتف : اسمعيني يا بنت الناس
انتهى ارتباكها مع جهلها بالصلاة، واختفى توترها لتعود غزل الواثقة بنفسها ثقةً عمياء. هتفت ببرود : نعم!
سلطان : انتِ عارفة إن علاقتنا ماهي مثل أي علاقة زوجية ... لكن إن رمينا بحق واحد مو معناته نرمي بباقي الحقوق .. فأتمنى تتفهمين هالشيء وأبقى في النهاية زوجك ولي كلمتي عليك
رفعت حاجبها بحدة : للأسف ما تعودت أعيش تحت شور أحد علي
قفزت شياطينه لينظر لملامحها بغضب : بس الأمور من اليوم اختلفت يا هانم، إذا أبوك تاركك دايرة على حل شعرك مو معناته إني بمشي في طريقه
غزل ببرود : ما ينطبق علي
سلطان بحدةٍ وهو يستشعر نبرة التحدي في صوتها : منتِ قدي يا بنت أحمد فلا تخليني أتعامل معك بطريقة ما أبغيها ... كلمتي تمشي عليك وانتِ بالعة لسانك، ومن بكرة تتغطين مثل العالم والناس ... واللبس الضيق اللي يرسم جسمك برا البيت وقدام الناس ممنوع .... وش تركتي للكافرات بالله!
ارتفعت حرارتها وهي تنظر لملامحه الرجولية بتحدي، من هو ليتحكم بها وبلبسها؟ : أوامرك هذي ... بلها واشرب مويتها
ثم نهضت دون كلمةٍ وهي تنوي الخروج، لكن صرخةً صدرت عنه جعلت جسدها رغمًا عنه يرتعش لتثبت قدماها في الأرض : غـــــــــــــــــــزل!!
استدارت بملامح باهتةٍ تنظر لملامحه التي اشتد ثورانها، ليقف حتى يتجه إليها ثم مد يده ليمسك ذراعها، ومن بين أسنانه هتف بفحيحٍ أشبه بفحيح الأفعى : لا تخليني أغلط عليك بالكلام ... أوامري تتنفذ ورجلك فوق راسك ... سامعة!!
لمَ أخافها؟ لمَ شعرت أنها تريد أن تمسك يديه بخوفٍ لتقول بأتم طاعة “ سمعًا وطاعة “!
صمتت ولم ترد، ليترك يدها وهو يستغفر تاركًا لها الجناح بأكمله .... أهذه هي الليلة التي تسمى بليلة العُمر!!
أغمضت عينيها بقوةٍ مع صوت الباب الذي أطبقه بانفعالٍ واضح، لا تنكر أن خوفها الأكبر كان من أن يضربها، هي إن كانت واجهت الضرب كثيرًا وكثيرًا في حياتها إلا أن ذلك لا يعني أنها اعتادت عليه ... ولطالما تهاوت وبكت سرًا بعد كل نوبة ضربٍ تصنعت فيها الشدة والشموخ!
جلست على السرير وهي تبلع ريقها، أيعقل أن يضربها في الأيام القادمة؟ أيعقل أن يكون ممن يهوون ضرب النساء؟ المشكلة الكُبرى أنها لن تتصنع البلادة أمامه إن هو ضربها، فهنا لا غرفة خاصةٍ بها تأوي دموعها وتتستر عليها.



,



سابقًا ..
بعد معاناةٍ جمّا في أكلها أمامه من تحت الغطاء انتهت ولم تأكل الا القليل، وهو ما إن رآها تترك مافي يدها حتى توقف معها وكأنه أرآد فقط إشارةً منها ليعودا للحديث.
أسيل بارتباك وهي تشتت نظراتها عن ملامحه : خلصت؟
شاهين بهدوء : اي ... وين وصلنا؟
تنهدت ترمي بوعدها لأمها خلف ظهرها، وما فائدة ذاك الوعد وهي ناقضته من قبل : ياليت يكون وصولنا للطلاق
شاهين : قلت مُستحيل
أسيل برجاء : زواجنا مامنه فايدة إلا لغيرنا ... طيب واحنا؟ وش بنستفيد؟
شاهين : ليه تحصرين تفكيرك بالفايدة والنتيجة بس؟ هذا مُستقبل وحياة لها أولوياتها، ما تقوم أعمدتها عشان الغير!
أسيل : قلتها بلسانك ... عشان أمك
شاهين بحدة : أسيـــــل ... لا ترمين باقي الكلام ورى ظهرك ... قلتلك كان زواجي فيك بكامل إرادتي
زفرت وهي تضع كفها على رأسها، يبدو أن نقاشهم العقيم هذا لن ينتهي أبدًا.
هتفت بإرهاقٍ من نقاشهما الذي لم يصل لنقطةٍ مُرضية : ودي أرجع للبيت
شاهين بصبر : بعد ما نوصل لحل
صرخت في وجهه بغضب : قضيتنا أكثر تعقيد من قضية فلسطين
امتدت يدٌ غاضبة لتُلجم صوتها بوضع كفه على فمها، ومن بين أسنانه هدر : خفضي صوتك بلاش فضايح
تراجعت للخلف بسرعةٍ حتى كادت تسقط مع الكرسي، هل وضع كفيه على فمها حقًا أم انها كانت تتخيل؟
أسيل بغضب : بعــــد يدك
تراجع بغضبٍ ويبدو أنه سيفقد السيطرة على أعصابه لا محالة، تمادت وجدًا حتى تأمره بهذه الفضاضة والوقاحة، همس من بين أسنانه : استغفر الله العظيـــم
أسيل بغضبٍ مُماثل يخالطه بعض الخوف وقفت : رجعني للبيت
شاهين بحدةٍ ونظره موجهٌ للطاولةِ بجمود : لا
شدت على قبضتيها وبدأت تمشي ذهابًا وإيابًا دليل انفعالها، وهو قد كان مُنفعلًا أكثر وأكثر لكن ذلك لم يظهر كثيرًا عليه
شاهين بأمر : اجلسي وخلينا نكمل حكينا
استدارت تنظر إليه وعيناها تهددان بالهطول، ليس عدلًا، ليس عدلًا، لمَ لامسها؟ كيف تجرأ؟ هل صدّق اللعبة حتى يظن أنه زوجها فعليًا ليُلامسها هكذا؟
زفر وهو يحاول مُقاومة غضبه، ليهتف بهدوءٍ ظاهري : قلتها لك وبعيدها ... طلاق لا تحلمين فيه ... مو شاهين اللي يفرط بملك له
قال جملته الأخيرة بتشديدٍ ليؤكد لها أنها زوجته أمام الله وأمام الناس، فعضت شفتها بقوةٍ حتى كادت تدميها، يريد أن يتحداها أم ماذا؟ لا بأس، فهي من أجل متعب ستفعل الكثير والكثير.
أتبع شاهين ببرودٍ اكتساه : مالك إلا تقتنعين بواقعك وتوافقين في الأخير ... لأن الكلمة الأخيرة لي
أسيل بنفور : أجل انتظرني ليوم موتك لأن مسألة دخولي لبيتك .... إنســــــــاها



,



صباح السبت - التاسعة بتوقيت بروكسيل
تحاولُ جاهدةً رفع أنبوب الغاز، تريد إخراجه ليكون بارزًا أمام عيني أخيها حتى ينتبه له ويخرجه، وبالرغم من أنه كان فارغًا إلا أنه كان ثقيلًا عليها، تأوهت وهي تحاول رفع ظهرها إذا لم تستطع فبقيت معكوفة الظهر قليلًا، وكفها تراجعت للخلف حتى تُمسده ببطء، وقتها دخل فارس ليراها بتلك الحال : يا ليل المصايب ... أنا ما قلت لك لا عاد تشيليه!
اقترب أكثر حتى وقف بجانبها ليحمله بيدٍ واحدة فعبست، ليُردف : أو خلي العيال يدخلون السواق من باب المطبخ ويشيله
جنان وهي تعتدل جيدًا في وقفتها : قلت بجرب ... معقولة للحين ما أقدر أشيله!
نظر فارس لجسدها نظرةً مُقيمة وهو يرفع حاجبًا، إذا كانت قصيرةً بعض الشيء ونحيلة : على أساس تغير حجمك يا سنفورتي
جنان بامتعاض : فااااااارس
ضحك ليخرج والأنبوب محمولٌ بيده، لتمشي خلفه لكن صوته عاد بعودته ليأمرها بالرجوع. استغربت : ليه وش فيه؟
فارس وهو يضع الأنبوب جانبًا : أخوالك وعيالهم هنا ... غطي شعرك
أومأت قبل أن يخرج فارس قبلها دون الأنبوب، وهو ينوي أن يعود له لاحقًا، بينما رفعت شالًا أبيض كان على كتفها لتغطي به شعرها البندقي.
خرجت بعد لحظات بملامح قلقة، تخاف من أقاربها بشكل كبير، لا تدري لمَ تشعر بعدم الراحة تجاههم، نظراتهم وحدها كفيلةٌ بزعزعة الطمأنينة من روحها، وتحديدًا نظرات أبناء أخوالها الزائغة! أيعقل أن يكون هناك أناسٌ لا يخافون الله حتى في عرضهم!
دخلت وهي تتأكد من حجابها لتلقي السلامَ بخفوت، ولم يرد السلام سوى والدها وإخوتها بينما بقي خاليها صامتين كما أبناءهم. الأكبر اسمه خالد وله من الأبناءِ اثنين، سامر ووليد، والأصغر اسمه أمجد وله ابنٌ واحد مدللٌ في نظرها وهو الأكثر غموضًا بينهم اسمه هيثم.
جلست بجانب والدها ليسألها خالها الأكبر خالد ببرود : كيفك جنان؟
جنان بهدوء : الحمدلله طيبة، كيفك خالي إن شاء طيّب؟
أومأ بملامح جامدة : مثل ما تشوفيني قدامك
صمتت وهي تطرق بتوتر، تشعر بالخوف معهم كما لم تشعره مع الغرباء، لولا وجود والدها معها لربما كانت قد هربت دون تفكير.
زفرت لتوجه نظرها إلى خالها الآخر، والذي كان يُشغل نفسه بهاتفه وساقه الأيسر فوق الأيمن يهزه بضرباتٍ مضطربة، لمَ يضطرب حين تكون معها؟ تلمح تقلص ملامحه وانعقاد حاجبيه بانفعال، هو يحاول السيطرة على انفعالاته بوجودها ولا يقدر، لمَ يكرهها بهذا القدر وينفعل بتواجدها؟ لم تشعر يومًا أنهم أخوالها، وكأنهم أعداءٌ لها.
همست بعد ترددٍ كبير، ولولا الواجب لربما كانت ستصمت : شلونك خالي أمجد؟ الحمدلله عالسلامة
رفع نظراته إليها ببطء، وبقي صامتًا للحظات، وكأنه يريد التأكد أنها تتحدث معه هو، إلى أن أجاب بخفوت : نحمد الله
وللمرة الألف هاهي تزدرد ريقها، ووالدها بجانبها تقع كفه على كتفها وكأنه يريد منها التماسك
أبو فارس بهدوء يوجه حديثه لأمجد : متى رجعت من دبي؟
أمجد ببرودٍ وإيجاز بعد أن وضع هاتفه جانبًا : أمس عالعصر
أومأ أبو فارس بصمت. وكم كان الصمت فاصلًا ضخمًا بين القليل من الأحاديت الباردة



,



وهناك في منزل سيف، بعد أن أصبحت الساعة تدق الثالثة عصرًا، وفي هذا الوقت تحديدًا يكون سيف مع من احترق قلبها تنتظر مثيله، مع من احترق قلبها تنتظر مثيله الذي يقول لها " ماما "
يارب، لم تعد تحتمل، تريد طفلًا بشغف، تهوى أن تمرر أناملها على وجنتيه النديتين، تسمع بكاءه حين خروجه للدنيا، تحتضنه وتُرقده على صدرها، يناديها بـ " ماما " تبث بها الروح وتُنسيها الضيم مع والده، تراه يحبو وإمارات بدء المشي تنمو لتتشدق وينشرح صدرها، يتمايل حين محاولاته للمشي فتضحك لتمسك مُساعدةً له.
يا رب، تريد طفلًا، تريد طفلًا منه.
كانت تجلس على السرير تفكر بعمقٍ بعد ذهاب سيف. تخشاه، خائفةٌ من بعد ما حدث ذلك اليوم مع والدته، بالرغم من أنه كان يتصرف بطبيعيةٍ دون أن يتطرق للموضوع من جديد، حتى أنه أخرجها معه كما قال لها، وكان يضحك بطبيعيةٍ ويحاول أن يسعد بذاك الموعد كأي موعدٍ لرجلٌ وزوجته، بينما هي تحاول أن تتصرف باعتيادية وتفرح بخروجها معه وضحكه رغم صعوبة ذلك. يا الله تخافه، حتى وهو يضحك باتت تخافه، أصبحت سلبيةً هذه الفترة وبدل أن تشعر بالأمان معه أصبحت تخاف منه.
سمعت طرق الباب فخرجت من الغرفة لتتوجه للباب وتفتحه لأنها علمت من الطارق، بالتأكيد خالتها فسيف لن يطرق باب جناحه. فتحت الباب لتدخل والدة زوجها، وبأحرفٍ سريعة هتفت : يلا يا بنتي ما عندنا غير هالفرصة
ارتبكت بعد أن علمت مقصدها، لا لا، لا تجرؤ، تخاف أن يكتشف فتنقلب الأمور على رأسها، ازدردت ريقها لتهمس : بس خالتي
أم سيف بحزم : لا بس ولا شيء ... امشي قدامي يلا
ألا تعلم أمه أنها من الممكن أن تفسد بيتًا عامرًا بالفساد من أساسه! كيف تقول لها أن ابنها لم يترك صورةً إيجابية له في عقلها، وبالتأكيد إن فعلت ما تأمرها به والدته فكأنما تُزيد النار حطبًا.
ديما بجزع : ما قلت لسيف إني بطلع، هو ما يحب أطلع دون شوره، ومع السواق تحديدًا
تعلم ذلك جيدًا، تعلم طباع ابنها فهو الذي كان يرفض إحضار سائقٍ لها، لكن هل جُنت هذه لتستأذن؟ هتفت بتساؤل : ناوية تقولين له! تتوقعين بيوافق!!!
هزت رأسها بالرفض وهي تعرف الجواب مليًا، لن يوافق ولن يوافق، وهي لن تحاول فقد يئست وفقدت الأمل به، سيف لن يتغير، سيبقى المُستبد الذي يريد أن ينال سعادته على حساب سعادتها.
زمت شفتيها، يا الله، لمَ تعيش هذه الحياة؟ لم يأتي الوجع على ومضاتٍ لا تتوقف؟ إلهي كم تريد أن تحيا بسعادةٍ دائمةٍ معه، تتمنى ذلك بشدة. آه يا سيف، إستبد بي الوجع حتى بت أهذي بالفراق، نسيتُ أنني معك تعيسة، ودونك ميتة، كيف لي الحياة دونك وأنا التي اعتادت التعاسة بك؟ أنا التي تعلمت العشقَ على يديك، ومن ذا الذي يعشق جلاده!
اقتربت منها أم سيف التي كانت تحمل العباءة في يديها استعدادًا للخروج، لتهتف بأمر : جيبي عبايتك ويلا معي، ماراح يدري بخروجك وهو بيرجع عالساعة خمسة ونص ... يمدينا نروح ونرجع
هزت رأسها بالرفض مرارًا مرارًا، يكفي مشاكل أرجوكِ، لا تريد، المشاكل أغرقت حياتهم وليست على استعدادٍ لتُضاعفها
بينما أم سيف من يقنعها! ولجت لغرفة النوم لتأخذ عباءتها المعلقة، وتلك حمدت ربها أن سيف أمرها بنقل أغراضها والا كان أمرها أُفتضح، لحقت بها وقبل أن تدخل خلفها كانت قد خرجت لتمد يدها بالعباءة، وبأمر : البسيها ويلا قدامي



,



يجلس وبجانبه ذاك الصغير ذو السبع سنين، يمطر عليه بالكثير من الكلمات وهو يقابله بابتسامة الأب الحنون
زياد بحماس : وتدري وش قال
سيف بابتسامة يظهر الإهتمام بما يقول : وشو؟؟
أكل زياد من المُثلجات التي في يده ثم تابع بذات الحماس : كان يقول عني شاطر وإني بكون الأول على الفصل مثل الترم الأول
ضحك سيف وهو يحمله ليضعه على حجره، وقد كانا يجلسان على إحدى الكراسي الخشبية في حديقةٍ ممتلئة بالأطفال في هذا الوقت : هذا هو ولدي اللي بيرفع راس أبوه
زياد بسعادة : يعني تحبني
سيف : أكيد ومين قال العكس
تجهم وجه زياد بطفولة وهو يتمتم بحزن : ماما
تيبس سيف للحظات، لكن سرعان ما رطب شفتيه بلسانه وهو يشعر بالحقد عليها، ما الذي تزرعه في عقل هذا الطفل عنه؟. هتف بصوتٍ حاول إخفاء الغضب به : وش قالت لك؟
نظر إليه ببراءةٍ وصمت، لطالما حذرته امه من أن يخبر والده بما تقول فهو سيكرهه أكثر، وهو لخشيته من تلك الفكرة يصمت. تنهد سيف ولم يسأله مجددًا، ليمسح على شعره الكثيف والمجعد ثم همس : لا تسمع كلام أمك تراها تمزح معك ... أنا أحبك ومافي أب في الدنيا يكره ولده
لمعت عيناه بفرح : والله
أومأ وهو ينزله عن حجره، ثم نظر لساعته ليهتف بأسى : صارت خمسة ونص ... لازم أرجعك لامك
عبس الطفل وهو يحرك قدمه برسمٍ عشوائي على الأرض، فابتسم سيف لينزل بجسده إلى مستوى جسده الصغير : ليه التكشيرة الحين؟ مو اتفقنا أجنب عليك بكرة وآخذك للملاهي! ترا بكنسل الطلعة إذا ما فكيت التكشيرة هاه
نظر إليه الطفل وعينيه متلألأتين بالدمع، يريد البقاء معه أكثر، لمَ ليس كبقية الأطفال حتى يكون مع والديه معًا؟ دائمًا ما يرى أصدقاءه يتحدثون عن حنان والديهم وهو لا، دائمًا ما يرى السعادة في أعينهم وهو لا يستطيع تصنعها، لمَ لا يكون مثلهم؟ لمَ لا يكون مثلهم؟؟
ارتخت ملامح سيف بحزنٍ وهو يمد يديه ليمسح دموع طفله التي سقطت، دموعه شطرت قلبه لنصفين، يا الله، لو يستطيع فقط أخذه معه، لو يستطيع تحقيق أمنيته بأن يكون معه ومع أمه معًا دون تشتت، لكن لا يستطيع، لا يستطيع
همس بحنانٍ بعد أن قبل وجنتيه الناعمتين : ليه البكا الحين؟ يعني يهون عليك تكدرني الحين؟
زياد بغصة : أبيك وماما مع بعض
سيف بابتسامةٍ حزينة : واحنا معك
زياد : وليه منتو معي سوا
رفع كتفيه : كذا الحياة تبي
صمت زياد وهو لا يفقه الكثير من معنى ما يقوله والده، فهتف بحماس : أنا أقول للحياة تجمعكم
ضحك وهو يحتضنه ليهمس له : أمك الحين منتظرتك ... خلنا نرجع وبكرة نكمل كلامنا، بس خلك جاهز من بدري طيب
أومأ زياد برأسه فوقف سيف وهو يمسك يد زياد ليتجها نحو السيارة، يجب أن يتحدث مع بثينه اليوم، لن يسكت عن ما تقوم به، كيف لها أن تقوم بتشويه فكر ابنه عنه؟ كيف لها أن تتحدث أمام طفلٍ عن والده بهذا الشكل؟
زفر وهو يدخل زياد السيارة ليتجه نحو معقد السائق ثم بغضبٍ لفت نظر الطفل تحرك بسرعة.



,



في جهةٍ أخرى
تنظر للساعة مع كل ثانيتين بتأفأف، وأخرى تظر إليها بملامح مُستاءة : وبعين معك بثينة .. تراه مع أبوه
بثينة بقهر وهي تضع هاتفها على الطاولة أمامها وساقها اليُسرى تهتز بتوتر : ما أبيه يكون معاه، ما أبيه يكون مع سيف ... * عادت للنظر في هاتفها * يا الله المفروض رجع من عشر دقايق اوووف
جود بعجب : يوووه، كلها عشر دقايق تأخر فيها وقومتي الدنيا وقعدتيها ... يا بنت الحلال تراه أبوه مو من حقك تمنعيه عن ولده
بثينة بحقد : والله ما أخليه ياخذه وانا ساكتة ... زياد لي وبس
ثم وقفت بانفعالٍ لتتجه لباب المنزل حتى تنتظر حضور ابنها، وتلك هزت رأسها يمينًا وشمالًا بأسى على حال اختها : جنت والا جنت!
بينما كانت بثينة واقفةً عند الباب تنظر لساعة هاتفها تارةً، ولساعة يدها بتشتتٍ تارة. مابه تأخر؟ من المفترض أن يكون قد جاء منذ مدة. تأفأفت وهي تنظر لساعة هاتفها مرةً أخيرة قبل أن تسمع هرن سيارةٍ خارجًا، فتشدقت لتفتح الباب قليلًا تتأكد إن كانت سيارة سيف، ودون شعورٍ ضحكت وهي ترى سيارته السوداء.
بثينة بفرج : جاء يا جود
لم ترد عليها أختها وهي مُنشغلةٌ بهاتفها.

في الخارج
ترجل من سيارته ومن الجهة المعاكسة نزل زياد ليتجه سيف إليه، أمسك بيده ثم مشى معه وهو يحدثه بوصايا ويأمره بالإنتباه لنفسه.
وصل لباب المنزل وقد لاحظ أنه مفتوحٌ قليلًا، لينزل لمستوى زياد قليلًا يطبع قبلةً حنونة على جبينه ثم هتف : يلا يا الذيب إدخل وبكرة أشوفك
سمع صوتًا خافتًا تقريبًا من الداخل يُحدث زياد بغضبٍ فور دخوله : ليه التأخير؟ عجبتك القعدة معاه!
قطب جبينه بغيظ، وكم يتمنى لو يدخل ليُزهق روحها. ابنه، هو ابنه في النهاية وتلك تنوي تشويه علاقته به. هتف بصوتٍ خرج حادًا رغمًا عنه : أم زياد
عمّ الصمت للحظات، وتلك زمت شفتيها تردد في داخلها “ للحين واقف! يا ذي النشبة ما يتغير اوووف “
هتفت بحقدٍ وهي تتشبث بالباب وكأنها بذلك تحمي نفسها عمن كان لها العاشق والمتيم وهي العكس من ذلك تماما، وباهتزازٍ من خلف الباب : نعم بو زياد، بغيت شيء؟
سيف بحدة : وش تولدين براس الولد؟
صمتت تزم شفتيها، وزياد قد توجه للداخل بعد أن دفعت كتفه حين ناداها، ما الذي قاله له ابنها؟ لا تدري لمَ شعرت بالخوف لكنها تحلت بشجاعةٍ زائفة وهي تهتف بثقة : الحقيقة
سيف بغل : وهي كرهي له؟ انتِ ما تخافين ربك تخربين عقل هالولد؟
بثينة بعلياء : ماودي يتعلق في شخص ممكن ينقلب عليه في النهاية
رفع حاجبه الأيمن، الآن أصبحَت تتحدث عن الماضي وهي التي كانت تستحق، أليس هو من كرمها ورفعها للأعلى فكانت هي من أطاحت بنفسها على يديها أخيرًا؟
هتف بوعيد : لا تجبريني على فعل يخليك تندمين طول عمرك
تشبثت بالباب بقوة، تعرفه جيدًا، تعرفه وهي التي ولّدت الشخصية الأخرى والمعاكسة عن شخصيته السابقة، تعلم أنه إن قال فعل، ودون رحمةٍ إن اضطره الأمر.
بثينة باهتزاز : وش بتسوي؟
سيف بتحذير : تعرفين قصدي كويس
زمت شفتيها وهي تتراجع قليلًا، إلا زياد، إلا زياد، ستتحمل كل شيءٍ إلا أن يأخذه منها
أردف سيف بحدة : أنا الحين بمشي السالفة بكيفي، لا شفت ولا سمعت ... بس لو أدري إنك ما وقفتي لعبتك القذرة فياويلك مني يا بثين ... وانتِ تعرفيني زين
لم يتبع كلماته بشيءٍ وتراجع باتجاه سيارته غاضبًا، لتسقط هي على الأرض وتُطبق الباب بقوة. تكرهه، تكرهه، ليتها لم تعرفه يومًا وليته لم يكون زوجها يومًا. شتان ما بينه وبين شخصيته السابقة، شتان ما بين حنانه وقسوته الآن، وهي من صنعت تلك القسوة به، هي من صنعت هذا السيف اللاهب.
شعرت بشخصٍ يقف خلفها لتستدير بسرعةٍ والدمع يترقرق بعينيها خوفًا من خسارة زياد، لترى جود تقف وحاجبيها منعقدين. وقبل أن تنطق بكلمةٍ كانت هي قد هتفت بأسى : ما أقدر أقول غير إن كل اللي يصير واللي بيصير من صنع يدينك ... كنتِ ملكة عنده وانتِ اللي ضيعتي هالنعمة بتعاليك وغرورك
صرخت بثينة بغضبٍ في وجهها : انقلعــــــــــي ... انقلعي من وجهي يا حماره ... بدل ما توقفين مع أختك تعاكسينها مع طليقها!!
جود بقناعة : أنا واقفة مع الحق ... وأعرف إنه كان مدللك وانتِ ما قدرتيه لين قلبت الأمور فوق راسك
بثينة بغضب وهي توجه عينيها المُتسعتين للأرض : اقلبي وجهك عني قبل لا أتوطى في بطنك
هزت جود رأسها أسًا على حال أختها لتذهب بينما هي تنطر للأرض بجنون : والله ما ياخذه إلا على موتي ... والله ما ياخذه


,


كانت ترتعش وهي تهاتفه، تريد الخلاص أخيرًا، تريد أن تصرخ “ تعال أنقذني .. أنقــذنـــي “
لكنه كان من الجهة الأخرى يرد ببرودٍ ظاهري وهو في داخله يحترق، هي تطلب منه أن يأتيها، أن يُحضر إلى منزله من أرادها كثيرًا ليكون دواءه و - كيس الملاكمة - التي يفرغ بها شحناته
ضحك بسخرية : تطلبين شيء غبي يا أختـي العزيزة .. وبثقة كاملة فيني!
بارتعاش : تكفى أدهم والله ما صرت أبي أجلس عندهم، ما أقدر أقابلهم واللي يعافيك
أدهم ببرود : ليه وش صار؟
ابتلعت ريقها بغصة، ثم بهمس : شيء يخصني ... بس ذبحني!
ببرود : وأنا ماني مستعد للمخاطرة
إلين بحدة : والله أنا أختك والله ... عطيتك الدليل وماتبي تصدق!
تنهد ببرود وعبثٍ وهو يمرر أنامله على خصلات شعره الكثيفة : دليلك مو كافي، ممكن يكون فيه تلاعب بالتحاليل .. وحضورك لعندي أكبر مخاطرة بنفسك!
صرخت بانفعال : أنا أختك اتقي ربك فيني
أدهم بحدة : مافي دليل كافي لهالشيء، وطبعًا بتكونين في بيتي وأنا أشوفك غريبة وش تتوقعين مني؟
عضت شفتها بغضبٍ وقهر : ليه إنت حقير لهالدرجة
أدهم بوعيد : ايش؟؟ عيدي اللي قلتيه ما سمعت
أغلقت في وجهه لتنخرط في بكاءٍ مرير، سحقًا، ليس لها سواه من بعدهم، وهو لا يعترف بها إطلاقًا، كان يتحرش بها سابقًا عن جهلٍ بكونها أخته، والآن هو لا يصدق هذه الحقيقة فماذا تتوقع منه؟ ماذا تتوقع؟
كان هو أول من تفكر باللجوء إليه بعد كل ماحصل، وخذلها كما خذلوها هم. كان هو الملاذ الأخير وخانها هذا الملاذ ليتعرى عنها ويكشفها أمام من يُعاديها، فماذا تتوقع من الحياة بعد هذا البؤس والخذلان؟ ماذا تتوقع بعد هذه الصفعات؟
غطت وجهها بعد أن رمت هاتفها على السرير لترمي بجسدها تبكي وجعًا لا يموت، أرجوكِ ياروحي فارقي جسدي لأرتاح، أرجوكِ فلا تخذلي رجائي كما خذلوني هم، أرجــــوكِ.
غطست بوجهها في وسادتها التي ابتلت ولطالما ابتلت بدموعها، ليرتفع نشيجها تدريجيًا دون أن يصل إلى ذروته حتى يسمعه من في الخارج، وبعد دقائق من البكاء كان بابها يُطرق لتُجفل لثوانٍ وتجلس، من عساه الآن يأتي إليها وهي التي لا تقوى على أي مواجهة.



,


كانت تجلس على سريرها وشعرها الطويلُ مُبتلٌّ تقريبًا بعد أن كانت تستحم، دخلت أرجوان لتهتف لها ببضع كلماتٍ تخبرها أن الغداء جاهز، لتومئ فهي في النهاية إستسلمت بعد أن كانت لا تأكل إلا القليل، وقد وهن جسدها من هذا القليل.
جففت شعرها بعد أن خرجت أرجوان ثم رفعته بعشوائيةٍ بمشابك الشعر وخرجت وهي ترتدي بيجاما طفوليةً زهرية.
رفع يوسف نظره إليه ولم تخفى عنها نظرة السعادة التي تجلت في عينيه لرؤيتها، ورغمًا عنها شعرت بغصةٍ لتبتلع ريقها. همست بالسلام ليرد الجميع ثم جلست بصمت. وطال صمتهم إلا أن قطعته أرجوان : يبه
يوسف بابتسامة : عيوني
أرجوان بهدوءٍ مُبتسم : أمس جدتي اتصلت ... وسألت عنك
يوسف باهتمام : كيف صحتها؟
أرجوان : كويسة * ثم استدارت لجيهان لتردف * وسألت عنك بعد ... تقول تكبرتي عليها وما عاد كلمتيها
جيهان بابتسامة مُحبه هادئة : الله يخليها لي أم الجوج ... إن شاء الله أكلمها اليوم
لاحظ تغيرًا طفيفًا بها وذلك أراحه قليلًا، يجب أن تعود ابنته لسابق عهدتها فهي قد فقدت الكثير من صفاتها المُحببة إليه، لكن اليوم هي على الأقل تبتسم وتأكل معهم.
وقف : يلا حبيباتي أنا طالع عندي شوية شغلات
أرجوان بضيق : ما أكلت
يوسف : خلاص شبعت
اقترب منهن ليقبل جبين كلٍّ واحدةٍ على حده، وهي لم تتحرك أو تبدي حركةً تدل على تأثرها، وحين أهم بالمغادرة هتفت جيهان بهدوء : يبه
وكأنه لم يستوعب مناداتها له، إستدار ببطءٍ لينظر لوجهها بصمتٍ للحظات، ألا أن هتف بابتسامة : يا عيونه
جيهان بارتباك : أبي أطلع من الشقة
يوسف باهتمام : لوين؟
رفعت كتفيها وهي تحاول أن تُشغل نفسها بالملعقة التي تُدورها في صحن الأرز أمامها، وشفتيها انفرجتا عن حديثٍ هادئ : أي مكان ... بمشي شوي، أحس نفسي مسجونه كذا
رحب بالفكرة وأعجيته كثيرًا، على الأقل سيغير ذلك من نفسيتها : طيب ما عندي أي مانع، بس بشرط ما تروحون بعيد عن الحارة
كشرت قليلًا وقد فهمت من صيغة الجمع أنه يريد منها أن تخرج مع أختيها، وهي التي أرادت أن تختلي بنفسها خارجًا، لكنها في النهاية أومأت بطاعةٍ ليبتسم : كان ودي أكون معكم بس مشغول شوي
لم ترد، وقد استقامت أرجوان لتتبعه إلى الباب، وحين عادت : وأخيرًا بنطلع من هنـــا!
جيهان بتكشيرة : لازم تطلعون معي يعني؟
رفعت أرجوان حاجبيها : ليه محنا قد المستوى!
رفعت الملعقة بعد أن غرفتها في الأرز لتلتهمها : رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه
أرجوان بتقرف : لا عاد تتكلمين وفمك مليان أكل!
تجاهلتها وهي ترتشف من العصير ثم وضعت الكوب والملعقة لتنهض عائدةً للغرفة التي أصبحت ملاذها الوحيد لأفكارها العقيمة.



,



تجلس في الصالة وقد رمت بأوامره البارحة عرض الحائط، وهي التي كانت في البداية تسعى لأن ترتدي ما لا قد يغريه، وبالرغم من خوفها حين صرخ بها إلا أنها عادت لتعانده.
وقناعاتها “ إذا أظهرت ضعفها قد يتمادى “ أما لو تصرفت منذ البداية بحدةٍ وتمسكت بما تريد فسيملّ أخيرًا ولن يحاول أن يرغمها على ما يريد.
وهاهي الآن ترتدي فستانًا حريري بلونٍ تركوازي يصل إلى ركبتيها، ومن الأعلى يكشف القليل من صدرها. وربما لو رآه قد يكسر رأسها! لكنها لن تبالي، وأما قصة الضرب فهي لن تدعه يتجرأ ليضربها، فوالديها كان لهما كل الصلاحيات لذلك أما هو ... فمحـــال.
ارتشفت من كُوب القهوة المُرة التي حضرتها في المطبخ بعد جهدٍ كبير فهي المدللة التي لم تقم يومًا بعملٍ ما، حتى أنها لم تكن بالشكل المطلوب لكن لا بأس بها.
نامت البارحة على السرير بعد أن خرج سلطان وحين استيقظت لم تجده، أيكون نام خارجًا؟ .. لم تهتم كثيرًا ولم تبالي، فمن هو لتبالي أساسًا!
سمعت طرقًا على الباب وانتفضت فجأةً ودون شعورٍ أمسكت طرف ثوبها، لا تعلم لمَ خافت، أمنه هو أم من أن ينجذب إليها فتنتهي!!
لكنها سرعان ما وضبت نفسها لتتذكر أن سلطان بالتأكيد لن يطرق الباب بل سيدخل، إذن من هذا الذي سيكون في الخارج؟؟؟
اتجهت ببطءٍ للباب لتهتف بتوتر : ميــن؟؟
وصل إلى مسامعها صوت امرأةٍ وقور : أنا يا بنتي
غزل بوقاحةٍ بعد أن اطمئنت أن الطارق ليس سلطان : اي عارفة إنه انتِ بس ميين انتِ أساسًا؟
صمتت المرأة للحظات وكأنها صُعقت من وقاحتها، لكنها سرعان ما تنحنحت لتهتف بخجل : من طرف سلطان
قطبت جبينها ثم سرعان ما فتحت وهي تكشر بملامحها، أهذا وقتها : أهلين
نظرت إليها المرأة من أعلاها لأسفلها قبل أن تصدر شهقةً وهي تراها مُستندةً على إطار الباب بوقاحة : ادخلي يا بنتي لا يشوفك أحد تراك بفندق منتِ في البيت
دون مُبالاةٍ هتفت : نعم اخلصي
المرأة بجزعٍ دفعتها لتُدخلها وهي مصدومةٌ من الفتاة التي تزوجها سلطان، ألم يجد سوى هذه الوقحة قليلة الأدب؟؟
تراجعت غزل بضيقٍ من دفع المرأة لها : هييييي انتِ وش فيك خرفتي؟ بعدي يدك أشوف
وهو كان واقفًا في الخلف جانب الباب بعد أن أوصل ليلى وتوقف بعيدًا عن الباب قليلًا، لكنه ما إن رآها تكشف جسدها على الباب بوقاحةٍ ودون مراعات أن يمر رجلٌ في أي لحظةٍ اقترب غاضبًا. بعينين مُتسعتين وصدمته أكبر بوقاحتها في الحديث.
سلطان بغضب : غـــــــــــزل!!
انتفضت بصدمةٍ لتنظر إليه بارتباكٍ واضح : سلطان!
سلطان بصدمة : وش هالأسلوب الخايس يا قليلة الأدب؟ هذا أسلوب تتكلمين فيه مع مرة أكبر منك! ولا بعد وش هاللبس؟؟
ليلى بتدارك نظرت إليه وهي مُتلحفةٌ بعباءتها : ما عليه سلطان أكيد قصدها تتكشخ لك وما حسبت حساب إن أحد يجيها
أومأ لتفهم ليلى أنه صرف نظره عن الموضوع، بينما غزل فهمت وعيده جيدًا ودون شعورٍ تراجعت للخلف بخوفٍ استغربه هو : لحظة أبدل ملابسي
ثم بارتعاش كان واضحًا لعينيه ليصدمه تراجعت للغرفة برعب، أيعقل أنه أخافها لهذه الدرجة؟
زفر بضيقٍ ليلتفت لليلى : اعذريني بالنيابة عنها على أسلوبها .. ماكنت أدري إني تزوجت وحدة بهالشكل
ليلى بحنان : ما عليه يا ولدي أكيد ماكانت تقصد
أتتعذر عنها الآن وهو الذي يعرف والدها جيدًا فلـمَ قد تختلف عنه؟
أومأ ليهتف : تفضلي اجلسي وأنا بدخل لغزل أحكي معها شوي
ليلى برجاء : لا تهاوشها
سلطان : تطمني
كلمةٌ واحدة ألقاها ثم اتجه بصمتٍ للغرفة، ليدخل دون أن يطرق الباب ويجدها تعبث في حقيبتها بقهر، تهمس لنفسها بصوتٍ لم يسمعه : يخوفني؟ أنـــا يخوفني هالأهبل!!!
اقترب منها بهدوء : ليه ما تريحين حالك وترتبينها في الدولاب لأننا على ما يبدو متأخرين في الجلوس هنا
تجمدت للحظاتٍ وقد كان خلفها، ثم استدارت ببطءٍ وهي تحاول أن تشحذ قوتها، منذ نعومةِ أظافرها وهي لم تخشى أحدًا غير والدها، فهل يأتي هذا لتخشاه؟ أيعقل أن خوفها من أن يقترب منها ارتبط بالضرب ليبني رعبًا خارقًا بالنسبة لها لا يكون إلا معه؟
غزل بهدوء وهي تحاول أن توضب نبضات قلبها : ما أعرف أرتب
سلطان بسخرية : توقعت .. * ثم بحدةٍ أردف * اللبس ممكن أتغاضى عنه لأنك ما قصدتي يكون خارج الجناح مع إني عارف إن هالشيء ما يهمك .... بس وقوفك عند الباب بكل هذيك الوقاحة وين أصرفها؟؟
رفعت أنظارها لوجهه الغاضب لتبتلع ريقها، لكنها ورغم خوفها أجابت بوقاحة : مافيه أحد برا
سلطان بتعجب : لا والله ... بيت أبوك هو؟؟؟
غزل : أنا ما قصدت أستعرض عند أحد .. فلو هم فهموا كذا أنا وش علي بعقليتهم
ضحك بصدمة : لااا برافو على هالكلام؟ جد برافو ...
أردف بتقززٍ من تفكيرها : ياهوو تراك عربية مُسلمة وين تظنين نفسك عشان يجي في بالك إنك لو مشيتي بهالشكل عــادي؟؟
شعرت بالغضب من سخريته بها ونبرة التقزز في كلماته : ما يهمني رأيك ... أنا كذا قناعتي ومستحيل أغيره عشان أرضي حضرتك
زمّ شفتيه وهو يحرك رأسه يمينًا وشمالًا، يقسم أنه لم يكن ينوي أن يتعامل معها بشدةٍ منذ البداية، لكنه صُدم حين ظهرت له بهذه الهيئة “ الحقيرة “ ورغمًا عنه يجب أن يتعامل معها بهذا الشكل.
سلطان بعد تنهيدةٍ قصيرة تنبؤ بالكثير : خلينا من هالسالفة لأننا بنجني ثمارها بعدين ... أسلوبك مع المرة اللي برا وش قصته هو بعد؟ظ
غزل بارتباكٍ بعد أن لاحظت غضبه الذي تصاعد وهو يحاول جاهدًا السيطرة على أعصابه، أيعقل أن يضربها الآن؟؟ : ما أعرفها وش تتوقع مني؟ أرحب فيها يعني
تراجع غاضبًا يهدر بقليلٍ من التفاجئ : الله ياخذني يوم فكرت أكمل هالزواج ... كل شوي تصدميني أكثر ... حسبي الله على ابليس اللي رباك هالتربية الشوارعية
نظرت إليه بحدة لتصرخ في وجهه وقد فقدت كل سيطرةٍ على لسانها : احتــــــرم نفسك يا ****


.

.

.


يقول تعالى ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد )
فلا تكونوا يومًا من كُفار النعمة!


أقف هنا وأغزل لمن يقف معي كلماتَ شكرٍ لن توفيهم حقهم
فشكــــرًا بحجم السماء والأرض



أعذروني ما أقدر أحدد موعدنا القادم حاليًا
اللاب مدري وش صار عليه وماعاد اشتغل
بس لحسن الحظ ولله الحمد أنا متعودة أحفظ الملفات اللي تهمني في فلاش بعد أغلب التحديثات مني عليها
فكنت حافظة الملف الخاص بالرواية وراجعته على لاب أختي

أتمنى تعذروني بحاول ما أتأخر عليكم وإن شاء الله أحدد موعد خلال هاليومين




ودمتم بخير / كّيــدْ !




 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 29-07-14, 10:21 AM   المشاركة رقم: 59
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



وأخيرًا انتهى تنزيل البارتين ><
المنتدى معلق معي ومتعبني كثير
بس الحمدلله إن الفرج جاء من الله في النهاية -_-



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 5 والزوار 2)
‏كَيــدْ, ‏نورالكون15, ‏بدور الغلاوي, ‏خواطر قلم, ‏بنت سلطان


حيـــــــــــاكم :**

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 01-08-14, 07:44 AM   المشاركة رقم: 60
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :**

صباح الراحة
مساء الضحكات

انتظروني أعزائي في الغد مع الجزء الحادي عشر




ودمتم بخيرٍ وراحة / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook



جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 04:21 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية