لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-03-14, 12:07 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2014
العضوية: 265129
المشاركات: 41
الجنس أنثى
معدل التقييم: أضئت القمر عضو على طريق الابداعأضئت القمر عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 198

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أضئت القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أضئت القمر المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أتحبني بعد الذي كان

 

مسافر بلا عنوان ...

وصلت الطائر التي كانت تحمل زين بعد أن حلقت عشرة ساعات في الجو بعد هبوطها الأخير في أحد المطارات , هبط زين من الطائرة حزيناً مستاءً فهو منذ الأمس وهو هائماً على وجهه متنقلاً بين مطارات عدة كطائر غريب مهاجر بين الأراضي فليست هذه الأرض أرضه وليست هذه السماء سمائه وليس هؤلاء القوم قومه , بالرغم من مشاعره التي كانت تتخبط بداخله كان مبهوراً بما حوله من ضخامة المطارات ومن التطور الذي يعيش فيه الغرب وكأنهم في عالم أخر عن العالم الذي يعرفه .أكمل زين أوراقه وخرج إلى خارج المطار فرأى الشمس مختبئة خلف غيوم كثيفة وبالكاد تصل بعض أشعتها لكنها لم تكن تكفي لتدفئ المكان.

هبت ريح مفاجأة فسرت قشعريرة في جميع أوصال زين من البرودة التي فاجأته فاشتدت قبضته العارية على حقيبته لعله يستمد بعض الدفء منها بينما أخذ يبحث بعينيه عن سيارة أجرة وما هي سوى لحظات حتى رأى إحداها تقف أمامه فابتسم لنفسه وهمس

" لو أنني تمنيت مليوناً "

صعد زين السيارة وأعطى السائق ورقة كتب فيها عنوان المحطة التي سيستقل منها قطاراً يأخذوه إلى مدينة أخرى ومن هنالك سيستقل سيارة أجرى تأخذه إلى المكان الذي سيعمل فيه , هز السائق رأسه فقد عرف المكان الذي يريد زين قصده فأخذه إلى هنالك مباشرة وعندما وصل زين إلى المحطة أعطى الرجل الأجرة , وقام بشراء تذكرة لركوب القطار القادم والذي لم يبقى لوصوله سوى ساعتين .

جلس زين منتظراً على أحد كراسي المحطة يراقب الازدحام الذي تضج به المحطة فهنالك قطارات كثيرة وأناس كثر , عددهم يصل أضعاف عدد القطارات وبينما كان يراقب زين ما حوله داعبت أنفه رائحة زكية , فنهض بعد أن عد ما لديه من مال فوجده قليل لا يكفي لشراء وجبة طعام من المكان الذي تنتشر منه الرائحة الزكية فسعر ما يقدمونه ضعف ما لديه فاشترى له شيئاً بسيطاً يسد جوعه.

مل زين من انتظار القطار وداعب النعاس عينيه لكنه قاومه خوفاً من أن تغفو عينه فيفوته القطار فلم يبقى سوى القليل لقدومه , كان زين يقاوم ذلك بجهد كبير فقد كان متعب ومرهق من تنقله بين المطارات دون نوم وبقائه لساعات طويلة في الطائرة حتى تصلبت قدماه وظهره لجلوسه الطويل , وبينما كان زين يحارب النعاس وصل القطار ففرح كثيراً ووقف ينتظر وقوفه فأخيراً سيرتاح وينام ولو لساعة لكنه ما أن خطى إلى الأمام حتى صدمه شيئاً ما من خلفه ومن جانبه فأسقطه أرضاً , تلفت زين حوله ليرى ما حدث فإذا به يرى حقيبته وهي تبتعد ظل للحظة يراقب الحقيبة تبتعد هكذا حتى اختفت , أما اللحظة التي تلتها كان زين فيها يدفع الناس من حوله ومن أمامه يحاول أن يبعدهم عن طريقه لعله يلحق باللصين , لكنه لم يستطع ذلك فالجميع كانوا إما يغادرون القطار أو يستقلونه فاشتد الزحام فمنع ذلك زين من رؤية اللصان , توقف زين فجأة ينظر حوله لعله يرى أحدهما لكنه لم يوفق بذلك أيضاً فهو لم يرى وجههما حتى , أخذ زين يتلفت حوله كالمجنون لعله يلمح شيئاً منهما لعلهما لم يغادرا المكان بسبب الازدحام , لكنه لم يوفق بذلك أيضاً عندها اسند زين جبهته على أحد أركان المحطة الباردة يحاول أن يداري دموعه التي تكاد تطفر فتفضحه , فقد ضاع كل شيء في غمضة عين فتذكرة القطار و جوازه وفيزته وأوراق عمله والعنوان الذي يجب أن يقصده وماله القليل وملابسه كل ذلك ضاع ضاع.

أخذت أسئلة تضرب في رأسه كالمطرقة أين يذهب الآن ؟؟

فلا قدرة له على العودة هكذا .

كيف سيبقى هنا دون جواز وفيزا ؟؟

أين سيذهب أين ؟؟

إنه لا يعلم مكاناً واحداً يتوجه إليه والمصيبة الأكبر ليس لديه أي مال كيف سيتصرف الآن ؟؟

لم يشعر زين في حياته كلها بحاجته لأخويه كما شعر ذلك اليوم فقد كان منذ صغره يعتمد على نفسه في أشياءً كثيرة لكن ذلك اليوم كان صعباً جداً عليه ومازال يشعر بمرارة ذاكراه لليوم .

.............................

خرج زين من المحطة وأخذ يهيم في الشوارع لا يعرف أين يذهب ,, لا يعرف ما العمل الآن ,, فترك لساقاه الحرية لتسيران به إلى أي مكان حتى تعبتا من طول السير بلا هدف , فجلس تحت شجرة كبيرة لا أوراق لها مثله كانت تقف هنالك عارية في قارعة الطريق لا يلتفت أحداً لها , أخذ زين من موقعه ذاك يراقب الناس من حوله كانوا يسيرون في كل اتجاه لكنهم كانوا مثل الآلات لا ينظرون سوى أمامهم فقط وكأن بلوغهم لمنازلهم بما أن الوقت كان مساءً هو غاية هدفهم, كانت جميع الوجوه متجهمة جميع الأجساد ملتفة بأثقل الملابس لكنها مثل الوجوه متجهمة كلاً يشد على معطفه محافظاً على الدفء لذاته , حتى مشاعرهم كانت كوجوههم أيضاً شاحبة لا توجد فيها أية حرارة مما زاد ذلك من شعور زين بالغربة والوحدة شعر زين وقتها كأنه بوسط كهفاً موحش وبارد فسرت في جسده قشعريرة اهتزت جميع أطرافه لها, عندها وضع زين رأسه بين ركبتيه محبطاً يأساً فترك الدمع الذي كان يداريه في مقلتيه يسيل على وجنتيه فيحرقهما بحرارته , كان يشعر وقتها أنه كطفل ضاع عن أبويه ولا يعرف طريق العودة .

........................

ظل زين يتنقل طيلة اشهر من شارع إلى شارع ومن زقاق إلى زقاق كان كمن يحاول أن يستكشف عن الكهف الموحش الذي يعيش فيه , فعرف كثير من الشوارع والأحياء الفقيرة التي أخذ يتنقل بينها لعله يجد فيها مكاناً يستدفئ فيه , لكن لسوء حظه أصبح الطقس أسوء منذِ قبل و المأوى الوحيد الذي وجده بعد بحثه هو الشارع فازدادت معاناته وشقاءه وتنقلاته بسبب سوء الطقس , فتكالب عليه البرد بلا رحمه فكان ينخر في جسده كل ليلة حتى أتت ليلة كان البرد ليس كالسابق فقد أشتد وأصبح أكثر برودة منذ قبل حتى شعر زين أنه قد يتجمد في أية لحظة.

فإذا بالسماء تزيد من معاناته وشقاءه أكثر بإثلاجها تلك الليلة كانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها زين ثلج حقيقي غير ذلك الذي يراه على التلفاز , كان مثل القطن أبيض ورقيق فكان ما أن يلمس الأرض حتى يذوب لكن زين بالرغم من جمال الثلج ولونه الرائع إلا أنه يكرهه ويكره مرآه حتى يومه هذا فهو يذكره بشقائه ذاك وكيف طفرت منه دموعه تلك الليلة متمنياً أن تنتهي حياته فذلك أفضل له بكثير من هذا العذاب .

رفع زين نظره إلى السماء ليرى الثلج يتساقط عليه بكثافة فكانت مشاعره مختلطة ومتخبطة بداخله مابين الضحك والبكاء , فكان يضحكه أن منظره وهو يصارع الثلج كبائعة الكبريت التي كانت تحاول أن تستدفئ بجلوسها جانب أحد النوافذ التي كانت بها مدفئة لكنها ماتت في النهاية ولم تدفئ وهذه هي حالته منذ أشهر , أم الأمر الذي كان يبكيه هو معاناته التي ازدادت من تلك اللحظة أضعاف ما عايشه في الأيام السابقة . عندها شعر زين بدموعه تطفر بحرارة في ظلام تلك الليلة الموحشة وقد ازداد التفاف جسده بعضه ببعض لعله يجد الدفء ولو قليلاً .

تساءل زين بعد أن وضع رأسه بين ركبتيه ليقي نفسه من البرد قليلاً ,,

ما الذي فعلته يا الهي لأستحق هذا ؟؟

ألا يكفيني التشرد والبرد الذي يلتف بي منذ وصولي إلى هنا أكان ينقصني الثلج يا الهي ؟؟

أستغفرك ربي وأتوب إليك ..

لكن يا الهي إن كان هذا عقاباً لشيء فعلته فسامحني واغفري لي خطاياي !!

أما إن كان ابتلاء فالمؤمن يبتلا ليقاس صبره وإيمانه وأنا خائفاً يا الهي من ضعفي البشري أن يغلب عليّ , فسامحني ياالهي على تقصيري في عبادتك وحسن الظن بك ويأسي من رحمتك ,,

لكنني يا الهي لست بالنبي أيوب وليست لدي قدرة تحمله على ابتلائك يا الهي ,, فارحمني يا أرحم الرحمين ,,

يا الهي إنني مشرد فقير لا مأوى لي ولا عزوة , هائماً على وجهي يأساً من الحياة لا أقول ذلك لأبلغك شيئاً تجهله أستغفرك

ربي , لكنني أسألك رحمتك التي وسعة كل شيء أن ترحمني وترحم حالتي وترأف بي فما عادت لدي طاقة أكثر يا الهي ..

ظل زين يناجي ربه ويطلب المغفرة منه حتى غفت عينه دون أن يشعر وقد كان نسي البرد وما حوله .

......................................

استيقظ زين من نومه بسبب الجوع والبرد اللذان أخذا يقرصانه فنهض من مكانه ليبحث عن ما يسد جوعه وبينما هو يسير في أحد شوارع المدينة الفقيرة , رأى عجوزاً تصارع كلبان مفترسان يريدان الانقضاض عليها بينما وقف البقية يشاهدون ذلك دون أن يتحرك أحدهم لمساعدتها غير مبالين بما يحدث لها لم يدهش زين ذلك فقد رأى تصرفهم هذا من قبل .

وبينما زين ينقل بصره بين المرأة العجوز والكلبان حتى رأى أحد الكلبان يستعد للقفز مرة أخرى على العجوز بعد أن كشر عن أنيابه لكنه ما أن هم بذلك حتى هوت على رأسه ضربت قوية جعلته يرتمي بعيداً فاقد الوعي , فقفز الكلب الأخر على زين غاضباً مما فعله بصديقه لكن هذا الأخير سرعان ما تلقى ضربة أقوى مما تلقاها صديقه فرمته بعيداً في الطرف الأخر من الشارع .

أخذ زين ينقل بصره ما بين الكلبين لعل أحدهما قد ينهض وينقض عليه مرة أخرى لكنهما لم يأتيا بحركة فعرف أن ضربته كانت قاضية فقد تملكه غضباً غريب اجتاح جسده كله فقام بإخراجه عن طريق ضربه لهذين الكلبان , لقد ذكره هذا الموقف بما فعله برشدي فهو ما أن يغضب حتى يشل تفكيره وتقوم يداه بالمهمة يده فتهوي على رأس من يغضبه ليتحمل ذلك نتيجة إغضابه إياه .

فاق زين من شروده على لمسة خفيفة على يده التي كانت مازالت ممسكة بالقضيب الذي ضرب بها الكلبان , فرى المرأة العجوز التي ساعدها تقف بجواره مبتسمة , كانت امرأة لا تفارقها ابتسامتها الجميلة فقد كانت ابتسامة خالية من كل الأقنعة التي قد نخفيها خلف ابتسامة بسيطة ..

قالت لي " شكراً لك يا بني لقد أنقذتنا , أنا مديناً لك "

أوقفتني (( كلمة أنقذتنا )) فعقدت حاجبي فابتسمت العجوز وكأنها قرأت ما بي

فقالت " إنها بمثابة أبنائي "

فنظرت إلى ما كانت تنظر إليه المرأة فوجدت قطط كثيرة تقف بجوارها لم ألاحظها من قبل بالرغم من كثرتها ..

فأجبتها مرتبك " لستِ مدينة لي بشيء "

ثم هممت بالذهاب عنها لكنها أمسكت بيدي وجرتني خلفها وهي تتحدث بسرعة فلم افهم الكثير مما قالته , وعندما
حاولت أن أوقفها صرخت في وجهي

" كف عن ذلك يا فتى , أنت تعرف أنه يجب أن أفعل ذلك "

فأوجست في نفسي وتساءلت ما هو الشيء الذي يجب أن تفعله ؟؟

وهل يعقل أنني فعلت شيئاً خاطئاً دون أن أعلم ذلك ؟؟!

أر ربما ضربي الكلبان بهذه الوحشية هو السبب؟؟

ربما يكون السبب الرئيسي لجري هكذا هو ضربي الكلبان بهذا الطريقة الوحشية لكن ألا يغفر لي أنهما كان يهاجمان هذه العجوز وكيف أكون مذنباً وأنا كنت أحاول المساعدة , لكن القوم هنا يحبون الحيوانات ويهتمون بها أفضل من البشر فهاهي المرأة أكبر دليل فهي تقود أمامها الكثير من القطط الذي يبدوا أنها تراعها فقد قالت لي (( إنهم بمثابة أبنائي )) .

لكنني فالنهاية توقفت عن المقاومة وسلمت أمري لهذه المرأة العجوز لتجرني إلى أي مكان تريد , فماذا لدي لأخاف عليه لقد ضاع مني كل شيء ولم أعد سوى متسول لص يقوم بسرقة الثملين الذين يمرون من هذه الأزقة ناسين طريق عودتهم فيظلوا يتخبطون في الشوارع إلى أن يغلبهم النوم في أي مكان , عندها تأتي فرصة زين لأن يسرقهم حتى يستطيع أن يطعم نفسه .

يبدوا أنه إن لم أدخل السجن بسب سرقاتي فسوف أدخله بسبب قتلي لهذين الكلبان حقاً (( خيراً تفعل شراً تلقى )) لكن السجن لم يعد بالشيء المهم الذي أخاف منه فبعد الذي مررت به إنه لا شيء , بل إنه الآن نعمت كبيرة عليّ فلو دخلت السجن سأجد هنالك المأكل والمشرب والمأوى الذي سيقينني من البرد ومن السرقة أيضاً لأنه عندها لن أحتاج إلى أن أسرق مرة أخرى , شعر زين بالسعادة تغمره عندما راودته فكرة أنه قد يجد الدفء أخيراً فمن المؤكد توجد لديهم مدفئة كبيرة تكفي أن تدفئ السجن بأكمله أما عن معاملتهم لسجنائهم فهي أفضل بكثير عن معاملتنا لسجنائنا , فهنا أناس يهتمون بالتحقق عن ذلك والتأكد من أن السجناء يأخذون حقوقهم بأكمل وجه , وعمل هؤلاء وشغلهم الشاغل فقط جعل للسجناء حياة أفضل عند دخولهم وخروجهم من السجن , ومن هؤلاء الذين تغيرت حياتهم في السجن " مايكل أكس " فقد تغيرت حياته هذا الرجل من ضياع ومن رجلاً أسود مجهول إلى اسم يردده كل لساناً باحترام وألفت عنه كتب فقد فعل الكثير في حياته من بعد خروجه من السجن , لقد قضى في السجن سبع سنوات من عمره ينهم الكتب التي في مكتبة السجن ويظل يقرأها بنهم طيلة النهار والليل حتى خرج فغير مسيرة حياته وحياة أشخاصاً كثراً , حتى السجون تختلف عن التي في بلداننا ففي بلداننا تحطيم ونهاية حياة أما هنا فهي قد تكون بداية حياة جديدة ..

فجأة توقفت المرأة العجوز فتوقف زين وهو يكاد يصطدم في العجوز فقد كان شارد الذهن نظر زين إلى ما تشير إليه المرأة فوجد أمامه بناية قديمة فعرفت بأن هذا ليس بالسجن , عندها أشارت العجوز لي باللحاق بها فقد تركت يدي وسبقتني للداخل فهمست لنفسي بأسى حتى حلمي بأن أسجن وأصبح " مايكل أكس " الثاني بعيد المنال يا للسخرية حقاً ..

لحقت بالعجوز وصعدت معها إلى شقتها فإذا بها تفتح لي باب شقتها مرحبة بي وعندما لم أدخل قامت بجري من
ساعدي وأغلقت الباب خلفنا , وما أن دخلت حتى شعرت بالدفء الذي حلمت به يحتضنني كانت تلك اللحظة أسعد لحظات حياتي , لكن ذلك لم يطل فقد أفقت من شرودي بمنظر القطط الذي يملئ المكان وبالكاد يستطيع الشخص أن يجد له مكاناً يجلس عليه بين هذه القطط .

اختفت العجوز خلف أحد الأبواب لكنها ظهرت مرة أخرى وقالت " لما لم تجلس بعد يا بني "

عندها جلست وأنا أرقب المكان الذي سأجلس عليه فقد خفت أن أجلس على قطة أو شيئاً ما قد يغضب العجوز فتقوم بطردي من هذا المكان الدافئ إلى الشارع البارد والموحش اختفت العجوز خلف الباب الذي خرجت منه قبل قليل.

أخذت أنظر من حولي فوجدت أن المكان مليء بالقطط وصور العجوز مع قططها في كل مكان ليس ذلك فقط بل هنالك صورتان فيها أربع قطط مربوط حول أحد أطراف إطارها شريطة سوداء همست لنفسي ساخراً

" لو أنني قطاً أما كان ذلك أفضلاً لي , من ضياعي هكذا في الشوارع الباردة دون مأوى "

في تلك اللحظة دخلت العجوز مرة أخرى لكنها هذه المرة تحمل في يدها صينية بها كأسين كبيرين ممتلئين بالكاكاو الساخن وبعض الكيك والبسكويت ,و ما أن وقعت عيني على الصينية حتى شعرت بأن لعابي يسيل وأن عيني قد التصقت بالصينية وما فيها , عندها سمعت ضحكة العجوز فرفعت عيني بصعوبة لأنظر إليها فإذا بها تقول لي

" كل ,, هيا كل فيبدوا أنك جائعاً جداً "

كان ذلك الترحيب كافياً لأن أنقض على الصينية وعلى ما تحمله ولم أتركها حتى تأكدت من أنني نظفت ما بها ,عندها سألتني العجوز

" أتريد المزيد "

لم أجيبها فقد أحرجت من منظري وأنا ألتهم الطعام بشراهة هكذا لكنها نهضت بالرغم من ذلك وقدمت لي طعاماً أخر لذيذاً , ثم سألتني بعد أن شبعت وشعرت بالراحة بل بالألفة

" أين تسكن "
أحرجت وقتها من الإجابة لكنه أمر لا بد منه فقلت " في الشارع "

لم تعلق على الموضوع لكنها قالت " أتريد أن تعمل "

زين " لكن جميع أوراقي الرسمية قد سرقت مني "

العجوز " أوراقك الرسمية هل أنت مهاجر إلى هنا "

هززت رأسي بالإيجاب ..

العجوز " هل لي أن أسألك من أين أنت "

زين " من بلاد العرب "

قالت العجوز وقد ظهر رعبها الذي حاولت أن تخفيه خلف رزانة صوتها " هل .. أنت .. عربي "

نظرت إليها أراقبها وأنا أقول " نعم "

صمتت قليلاً ثم سألتني قائلة " هل أنت مسلم "

زين " بالطبع "

عندها ساد الجو صمتاً غريب قطعته قائلاً " هل أستطيع أن أغادر "

لكنها فاجأتني بقولها " لما هل انزعجت لتحقيقي معك "

نظرت إليها وقلت " لا لم أنزعج ,, لكن يبدوا أن بقائي هنا يزعجك ,, ولا أعتقد أنه يجوز لي أن أفعل ذلك ,, فقد أكرمتني
باستضافتك إياي "

ثم خرجت تاركاً إياها جالسة على أريكتها بين قططها , لكن ما أن وصلت إلى أمام بوابة البناية حتى سمعت أحدهم يصرخ من الأعلى فرفعت رأسي لأرى , فإذا بي أجد المرأة العجوز تطل برأسها من شرفتها تصرخ بي

" عد ,,هيا اصعد "

عندها صعدت بعد أن شعرت بالبرد يجتاح جسدي من جديد ما الذي سأخسره بصعودي إلى هنالك وعندما وصلت إلى الطابق الذي تعيش فيه العجوز حتى وجدتها تقف مع بعض من قططها عند باب شقتها تنتظر صعودي وعندما تلاقت أعيننا ابتسمت لي ثم أشارت لي بالدخول مرة أخرى فلحقت بها دون تردد وبعد صمت قليل ..

قالت " لقد أحببتك حقاً , يبدوا من محياك بأنك لست بشخص سيء أبداً , أليس كذلك "

فابتسمت مجاملاً إياها عندها قالت " أنا لا أخجل من قول الحقيقة وهذه حقيقة فقد أحببت فيك جرأتك وحب مساعدة
الغير ولا يعقل أن يكون هنالك شخصاً مثلك سيء أبداً فأنت لم تتوانى لحظة واحدة عن مساعدتي بينما وقف البقية يشاهدون , لهذا أنا أشكرك وأعتذر منك إن كنت أهنتك قبل قليل "

أحرجتني تلك العجوز بكلامها ذاك فلم أكن أثق بعد أن هنالك أشخاصاً مثلها مازالوا موجودين في هذه الحياة الكريهة
عندها قلت

" لا عليكِ فقد نسيت كل شيء "

العجوز " حقاً "

زين " نعم "

ثم صمتنا كلانا ولم يقطع الصمت سوى قفز أحد القطط على ركبتي فأفزعني ذلك فسألتني العجوز باسمة " هل تحب القطط "

أجبتها بينما كنت ألاعب القط " نعم أنا أحب القطط لكن أخي يكره الحيوانات جميعها فهو يكره أي شيء قد يسبب أوساخ في غرفتنا "

" أخاك !! هل لديك أخاً هنا ؟؟ "

أطرقت رأسي في حزناً " لا , لقد تركت عائلتي وهاجرة إلى هنا "

العجوز " لما "

زين " أجبرت على ذلك "

العجوز " أجبرت على ذلك "

هززت رأسي لها إيجاباً عندها قالت

العجوز " يبدوا أن وراء هذا الصمت والحزن قصة "

زين " بل تستطيعين أن تقولي أن حياتي كلها كانت قصة انتهت في أولها "

نظرت العجوز إلى زين نظرت الشخص الذي مر بالكثير من التجارب ثم قالت له " لما لا تخبرني قصتك أيها الفتى "

زين " لقد أخبرتك بأنها ليست بالقصة المسلية "

العجوز " أنا أسمعك "

ابتسم زين لإصرار العجوز الغريب على معرفة قصته فحكى لها كل حكايته وما حدث له منذ البداية حتى تلك الساعة عندها علقت العجوز على قصته ببساطة

" الحب في الحقيقة هو المحور الأساسي في قصص جميع الناس بمختلف الأجناس والأعمار لكنه هو المحور في الأخير , ففي هذا العالم المجنون هنالك من يبحث عن الحب وقد يطول بحثه هذا حتى توافيه ساعته فيموت دون أن يجده , وهنالك آخرين محظوظين أكثر من سواهم فقد وجدوا الحب وعرفوا مذاقه المر لكنه يتوه عنهم في متاهات الحياة ومشاغلها, فيشعرون بفراغ يجتاح حياتهم لأنهم أناس محظوظين لمرة واحدة , لكن الذكي هو من يستطيع أن يحافظ على حبه إن وجده وأن يصنعه بنفسه إن لم يجده "

نظر زين إليها برهة مشدوهاً لما قالته ثم سألها " أنت أي نوع من هؤلاء "

نظرت إليه ثم قالت مبتسمة " لقد وجدت الحب ذات مرة لكنني مثلك تدخل القدر بيننا ففرقني عن من أحب ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش مع قططي فقط فهي أفضل بكثير من البشر ,, فهي وفية أم هو لم يكن بوفي بقدرها "

عندها لا حظ زين القطط وهي تلتف حول العجوز فجأة وكأنها تريد أن تثبت إخلاصها وحبها المتفاني لسيدتها فابتسمت مندهشاً من حصول شيئاً كهذا ..

سألتني العجوز حينها " ما رأيك أن تعمل لدي مقابل أن أؤمن لك مأكلك ومأواك "

قبلت بذلك دون تردد لحظة واحدة حتى أنني لم يخطر ببالي في تلك اللحظة أن أسألها ما العمل الذي تريد مني عجوزاً لا تملك سوى هذه البناية القديمة ؟؟

لأن همي كان منصباً على إيجاد مأوي يقيني من هذا الشتاء .

كان العمل الذي تحدثة عنه المرأة العجوز هو خروجي معها كل صباح حتى تستطيع القطط أن تقضي بعض المرح خارجاً بينما نحن نتجمد من البرد , وكنا نقسمهن علينا نحن الاثنان بدل من أن تخرج هي بهن مرتين في اليوم لكثرة عددهن , وعندما نعود أقوم بتنظيفهن معها ثم أذهب لأشتري غذائهن كان عملي هو الاهتمام بالقطط وتأمين الراحة لها , مقابل بقائي في غرفة صغيرة بجوار السلالم بها فراشاً بسيط ومدفئة صغيرة تكفي لتدفئني وتقيني من برد الشتاء , من كان يصدق أنني سأصبح خادماً للقطط لطالما كرهها سامر وأنا الآن أصبحت أيضاً لا أحبها ولا أحب الحيوانات الأليفة جميعاً ربما لأن ذلك يذكرني بما مضى ..

...............................................

أصبحت أيامي أكثر إشراقاً وتفاؤلاً مؤخراً بالرغم من عملي الغريب الذي لم أسمع به من قبل في بلدي وهو الاهتمام بالقطط , فالقطط لدينا تهتم بنفسها ولا تحتاج إلى أحد يرعاها سوى الذين مهووسين بحبها وهم قلة في بلداننا فسيقول لك أحدهم " بدلاً لك من الاهتمام بالقطط وتزوج واهتم بأطفالك "

أما إن كان الشخص لديه زوجة أطفال سيقولون له " أليس الأفضل لك إن وليت زوجتك وأطفالك هذا الاهتمام بدلاً من أن توليه لهذه "

مشيرين بذلك لأي حيوان أليف إن الحيوانات هذه تعتبر تسلية للأطفال وليس للبالغين لأن البالغين لديهم اهتمامات أكثر جدية من الاهتمام بالحيوانات , أما في البلدان الأجنبية فلديهم رأي أخر بخصوص ذلك فالشخص هنا قد لا يفكر بتكوين عائلة لأن ذلك تعتبر مسؤولية كبيرة تثقل عاتقه وقد تمنعه من التقدم , بينما يقوم في ذات الوقت باقتناء أي حيوان أليف يملئ فراغه ويسليه , إن كان هنالك شخص واحد مثل هؤلاء في بلدي عندها كان سينظر إليه الجميع ويقومون بضرب كفوفهم بكفهم الأخر ويقولون

" جن الرجل بدلاً من أن يكّون عائلة , يقوم باقتناء الحيوانات يا له من رجلاً مجنون حقاً "

يا لهذا العالم المجنون الذي نعيش فيه فحتى في أبسط الأمور نملك أفكار مختلفة تماماً .

 
 

 

عرض البوم صور أضئت القمر  
قديم 07-03-14, 03:34 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2014
العضوية: 265129
المشاركات: 41
الجنس أنثى
معدل التقييم: أضئت القمر عضو على طريق الابداعأضئت القمر عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 198

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أضئت القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أضئت القمر المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أتحبني بعد الذي كان

 



أصبحت أقضي معظم وقتي برفقة براند وقططها وذلك بحكم عملي طبعاً , لكنهم أصبحوا مع مرور الوقت الشيء الوحيد الذي يملئ وقت فراغي وكنت آنذاك أملك الكثير منه , كنت أقضي نصفه ما بين الاهتمام بالقطط ونصفه الأخر أتصفح ما تملكه براند من كتباً بسيطة في مكتبتها الصغيرة وعندما لاحظت ذلك , قامت بأخذي للمكتبة المركزية وقامت باستعارة بعض الكتب التي أعجبتني ولفتت اهتمامي , لقد كانت عجوزاً طيبة بحق لطالما تمنيت لو أنني التقيت بأشخاص مثلها من قبل أو حتى من بعد لقد كانت خسارتها خسارة كبيرة بالنسبة لي فقد اهتمت بي كابنً لها .

في أحد الأيام طلبت براند مني مرافقتها إلى الكنيسة أخبرتني أنها تحب أن تعرفني على قسيس كان رجل دين بحق لم أرى مثله من قبل أو حتى من بعد وحقاً تعرفت عليه وعرفت لما براند أصرت أن أتعرف عليه , كان اسمه توماس وكان رجلاً مثقف ويملك من المعلومات أضعاف ما أملكه من تاريخ إلى المسائل الدينة كان يعلم باختصار عن كل شيء كان أشبه بالموسوعة المتنقلة وكان من الصعب علي أن أغلبه في أي نقاش فكنت دايما ما أغضب سريعا لعدم قدرتي على غلبه في النقاش وذلك يرجع لعدم معرفتي بمعظم أمور ديننا الإسلام , بالرغم من كل ذلك لا أذكر أنه غضب يوماً من اعتراضي أو عدم قبولي بأفكاره ومعلوماته التي ما كنت أقتنع بها و لا أصدقها بل كان يبتسم لي ويقول

" لا بأس يا زين أفكاري لا تختلف كثيراً عن أفكارك "

بالرغم من أن بيننا جبالاً من الأفكار الفاصلة لكنه كان يقول ذلك , ويقصد به إن كان لديك أفكار ومبادئ تؤمن بها فظل مؤمناً بها كما تريد لكن ما الحاجة للغضب ثم يقوم بعد ذلك بمصافحتي باسماً , وعندما نلتقي مرة أخرى يتحدث معي مبتسماً وكأن شيئاً لم يكن , لم يكن من نوع الأشخاص الذين يحملون ضغينة أو شيئاً ما كان ما أن يلتقي بي حتى يبتسم ويقول

" بني , بني لقد اشتقت لمجالستك "

كنت أدهش من شخصاً مثله أن ينظر إليّ هكذا لقد كنت متزمت في أفكاري لكنه كان يحتويني لقد كان رجلاً ذكياً رجل محنك , ذو قلب رقيق كان يشبه براند في طيبته بالرغم من اختلاف ديننا لكنهما عاملاني كبشر تاركين عنهم نظرة الرجل المسلم الإرهابي التي تلقيتها من أشخاصاً كثر , حتى من رجال الدين سواه لقد رأيت في أعينهم تلك النظرة التي تعبر عن كرههم لي بسبب ديني .

*********************************

مرت سنتين منذ أن التقيت ببراندا وكانت هذي السنتين بالرغم من شعوري بالغربة واشتياقي لأخوتي كانت هي من تقف بجانبي تغدقني حنانا وحب وتساعدني في كل شيء أحتاجه فقد ساعدتني هي والأب توماس في إصدار أوراق رسميه وأمنت لي وظيفة وسكن. لكنها منذ فترة أصبحت حالتها الصحية تسوء يوما بعد يوم وكنت وقتها أشعر بالخوف الشديد من أن تتركني فقد أحببتها كما هي أحببتني وفراقها كان قاسيا علي وما زلت أذكر لحظاتها الأخيرة

" زين "

" نعم "

" عزيزي زين يبدوا أن جسدي ضعف جدا مؤخرا لهذا أريد أن أطلب منك شيء "

" ما هو "

" أريدك أن تقوم بدفني "

" أنا ,, لكنني .. "

" أعرف أنك لا تدخل الكنيسة ولا تؤمن بصلاتي لكن هل قومت بدفني فأنت كما تعرف أنه ليس لدي شخص قريب أشعر أنه
يريد دفني أو قد يفتقدني سواك والأب توماس "

" براندا ,, لكنني لا أعرف كيف ,, ولا أستطيع أن أقوم بهذا الشيء "

" كل ما عليك هو أن تتصل بالأب توماس وهو سيخبرك ما تفعله "

" حسناً كما تريدن يا براندا "

" عزيزي زين ,, أعرف أنك ما زالت صغيرا على ما مررت به ,, وها أنا أتركك ,, لكني لا أريدك أن تحزن ,, فالحياة ما زالت في أولها بالنسبة لك "

ثم ابتسمت لي وأغمضت عينيها لتنام فتركتها وأغلقت الأنوار ثم خرجت من غرفتها إلى الصالة جلست على الأريكة وأنا غارقاً في بحر من الأسئلة فبعد أن تموت براندا أين سأذهب ماذا سأعمل ؟؟

ثم غفوت على الأريكة حتى داعبت أشعة الشمس عيني فنهضت وأنا متعب فلا أعلم كيف نمت هنا فنهضت لأحرك عضلات جسدك فقد شعرت بتخشب في أطرافي وظهري لكنني فضلت قبل أن أذهب لغرفتي أن أذهب لأرى براندا وأطمئن عليها لكنني ما أن وصلت ولمست يدها لأوقظها برودة جسدها صدمني فعرفت في الحال أنها ماتت عندها وقفت مكاني دون حراك والدموع تتساقط مني فها هي براندا الذي أرسلها لي الله لتنقذني من الشارع وبرده ترحل وتتركني ....


اتصلت بالأب توماس وأخبرته بما حدث فأجابني أنه سيأتي سريعاً وحقاً أتى وحزن هو الأخر على فراق براندا وقبل أن يذهب أعطيته ظرفين كانت وصتني براندا أن أعطيه إن حدث لها مكروه.

فجلس الأب وفتح الظرفين فوجدا في أحدهما تكاليف الدفن وكل ما يخصه ,أما في الأخر فكانت أوراق وقعتها عند محامي فيها نقل ملكية المنزل ومبلغ من المال في البنك كل ذلك تركته لي بالإضافة للقطط.

عندها لا أعرف كيف دمعت عيني فما فعلته براندا لي منذ أن ألتقيت بها حتى بعد مماتها فقد أغدقتني بحبها وحنانها وخوفها عليا من قسوة الحياة في حياتها ومماتها يا الهي هل ما زال هنالك مثل هذه المرأة في هذه الحياة.

بعد ذلك قام الأب توماس باتصالاته وأتوا أشخاص ليأخذوا براندا والغريب أن القطط كانت تحوم حول السرير وتموء مواء حزين كأنها كانت تعرف أنها المرة الأخيرة التي ستراها فيها.

*********************************

 
 

 

عرض البوم صور أضئت القمر  
قديم 08-03-14, 07:12 AM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2014
العضوية: 265129
المشاركات: 41
الجنس أنثى
معدل التقييم: أضئت القمر عضو على طريق الابداعأضئت القمر عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 198

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أضئت القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أضئت القمر المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أتحبني بعد الذي كان

 

تذكرة العودة ..

بعد موت براندا قرر زين أن ينتقل من المدينة وأن يبيع المنزل الذي ورثه من براندا وليبدأ حياته من جديد وبالمال الذي تركته له أيضاً في البنك سيساعده بأن يسكن ويدرس في أحدى الجامعات وهذه أول خطوة قام بها زين ,فقد قام بإرسال أوراقه لأكثر من جامعة وخلال أسبوعين تلقى الموافقة من أحدى الجامعات والمصادفة أنها تقع في المدينة المجاورة عندها شعر زين بالسعادة فهنالك يوجد حي للمسلمين وبه مسجد كبير .

قام زين في الأسابيع التالية ببيع القطط وعرض المنزل للبيع و وضب حاجياته وقام بالبحث عن أقرب مكان للجامعة ليسكن به فوجد أحدهم يعرض سكن مناسب له وفي حي العرب, فسعد زين وتراسل مع صاحب الإعلان ووجد أن شروطه كانت مقبولة فاتفقا على الفور .

قام زين بعدها ببيع المنزل وانتقل للمدينة المجاورة , وعندما وصل إليها كان المساء قد حل والطقس سيء جداً وبصعوبة وجد من يوصله إلى العنوان المطلوب , وفي الطريق كانت أضواء المدينة تبهره رغم سوء الطقس فهذه المدينة أكبر من البلدة التي رمته الأقدار بها.

وصل زين إلى الشقة وقد كانت الساعة التاسعة مساء فصعد السلم بكل حيوية وسعادة وهذه كانت المرة الأولى التي شعر بهذه السعادة وعندما وصل للشقة طرق الباب ففتح له شاب عربي لم يتخطى الثلاثين من عمره

" السلام عليكم "

رد زين بشرود فأثر السلام كان شيء جميل جداً " وعليكم السلام والرحمة "

" زين أليس كذلك "

" نعم "

" مرحبا بك , أنا حمزة العمري "

" أهلا "

" تفضل ,, أتعرف في الحقيقة لم أتوقع أن تصل الليلة فالجو سيء جداً أليس كذلك "

" لقد تدبرت أمري بالرغم من سوء الجو "

تأمل زين الشقة فوجدها نظيفة جداً ومرتبه و رائحة الطعام العربي تملئ الجو و وجد أيضاً سجادة ممدودة في أحد الزوايا عندها شعر زين وللمرة الأولى بألم فقد نسي أنه مسلم وأن الصلاة مفروضة عليه فمنذ أن وصل إلى هنا لا يذكر أنه صلى يوماً أي شخص سيء هو. عندها قال حمزة وهو يرى شرود زين وحزنه الغريب

" هل تتناول الطعام معي "

" بالطبع فأنا لم أتناول طعام عربي منذ سنتين والرائحة شهية جداً "

عندها ضحك حمزة وقال " حسناً ,, ما رأيك أن تضع حقائبك في الغرفة التي تقع أخر الممر ,, بينما أنا سأقوم بتجهيز السفرة "

إن الشقة مكونة من ثلاث غرف وحمامين وصالة صغيرة ومطبخ صغير بجواره طاولة طعام جميلة.

................

وضع زين حقيبته في الأرض وأخذ يتأمل غرفته وجدها جميلة وبها شرفة لكنه اسرع في تبديل ثيابه والاسراع بالخروج فقد كان لعابه يسيل من الرائحة الزكية.

جلسا الاثنين ليتناولا الطعام وأثناء ذلك قال حمزة " عندما يتحسن الطقس ستعجب بالمكان فبجوارنا يقع المسجد الكبير والتي تقام به صلاة الجمعة والعيد وأيضاً محطة المترو لا تبعد عننا كثيراً وهنالك أيضاً منتزه وبحيره جميلة إن شاء الله يعجبك المكان "

" هذا ما آمله "

"هنالك أيضاً أمور أحب أن تتضح معك منذ البداية أولا أهم شيء نظافة المنزل وهذا حتى نستطيع أن نعيش معاً ثانياً سنتقاسم الأعمال بيننا مثل النظافة الطبخ إخراج النفايات وسنتقاسم فاتورة الماء والكهرباء "

" حسناً لا مانع لدي في كل ذلك "

" جيد ,, لأني أحضر دكتوراه وأريد أن أركز فيما أدرسه حتى أعود لبلدي "

عندها لمح زين خاتم زواج فسأله " هل أنت متزوج "

" نعم , ولدي ثلاثة أطفال ,, وأنت هل أنت متزوج "

" لا "

حمزة كان رجل بما تعنية الكلمة فقد كان جداً شهماً في تصرفاته تقياً يخاف الله في تصرفاته وكذلك يملك طموحاً كبيراً جداً . مما أذكره أنني معظم الأيام أستيقظ وأجده أما راكعاً أو ساجداً وفي أحد الأيام وبينما كنت أهم بالخروج للجامعة أستوقفني قائلا

" زين لما لا تشاركني الصلاة يا أخي "

كان الوقت فجراً آن ذاك فذهبت دون اعتراض لأتوضأ وأصلي معه وما أن وقفت على السجادة وتوجهت للقبلة شعرت بوجل ورهبة الوقوف بين يدي الله فكيف لي أن أكلمه الآن لا أعرف كيف أصف شعور لكن ما أعرفه أن بمجرد أن حمزة بدء يقرأ آيات من القران الكريم وبصوته العذب حتى أجهشت بالبكاء وكلما حاولت أن أتماسك أبكي أكثر وعندما انهينا الصلاة تركني حمزة وحيداً بين يدي كتاب الله وقال

" هذا سيكون علاجك "

حمزة كان لطيف جداً ويحب الخير للجميع لقد تأثرت به حتى أنني لم أعد أفوت فرضاً أو نافلة حتى أنني كنت أصوم معه صيام التطوع طيلة ثلاث سنوات وفي خلالها اشتركت بنادي وبمعهد لغات فقد كانا قريبان من الشقة بما أنني كنت وقتها لم أعمل بعد .

وقتها كنت أدرس وأصلي فروضي في المسجد ان استطعت واذهب مع حمزة للنادي يومياً أما في المساء فقد كنت أقوم بالدراسة وقراءة الكتب الانجليزية والفرنسية لتحسين لغتي ولأتسلى أيضاً .

لقد تحسنت حياتي وتغيرت للأفضل منذ أن دخلها حمزة وكان أحياناً يناقشني وهو منزعج لفراق أبنائه

" أتعرف يا زين لو أن أمة أقر تقرئ لما كنا تغربنا وسافرنا لنأخذ الشهادات من بلدان بعيده عن موطننا "

" وما الحل في رأيك "

" أن يعود العرب للقراءة فالشخص يحتاج لأن يقرأ ما يقارب الخمسين كتاباً سنوياً "

" أنسيت الفقر ومشاغل الناس بلقمة العيش وغيرها من مشاكل وصعوبات يمر بها العالم العربي والآن ما يحدث من دمار وإرهاب في كل بقعة عربية ,, أخبرني فقط من سيهتم بالقراءة أو التطور إن همه الأكبر تأمين مأوى ومأكل له ولأبنائه بعدها أعطيه كتاباً يقرأ ليس قبل هذا "

عندها ضحك حمزة متألم فهذه الحقيقة ثم قال

" لكن على الأقل تكون هنالك رقابة على حفظ حقوق الكتاب فيمنع بيع الكتب أو نسخها وتحميلها مجاناً على الأنترنت فمن أين للكتاب مال للكتابة فالجميع أصبح يبحث عن لقمة العيش وبسبب عدم قدرة الكتاب على الاستفادة من مردود كتاباتهم قلت الكتب وقل القراء "

" ومن يهتم "

.....

*********************************

بعدها ساعدني حمزة في أن أجد عمل وأن أكمل جامعتي بالمال الذي كنت أجنيه من عملي بينما كنت أحتفظ بالمال الذي ورثته من براندا وكنت حريصاً جداً في صرف المال , وكان يساعدني حمزة أيضاً في دراسة وتلخيص المواد الدراسية وشرح ما يفوتني منها بسبب ساعات عملي , وفي أحد أيام العطلة الصيفية وبينما كنت أنا وحمزة نلعب كرة القدم مع مجموعة من العرب كان مدربي ستيفن آنذاك يسير بجانب الجسر الذي يطل على الملعب فتوقف ليراقب مجموعة من الشبان يلعبون واستمر على ذلك المنوال لأكثر من أسبوعين , ثم أتى بعدها وأخبرني أنه تحدث عني لدى بعض الزملاء وأنه قام بتصوير لعبي فأعجبوا به وأنه يريدني أن أنضم لفريقه , في البداية ظننت أنه سيخرج في أي لحظة كاميرا من أي مكان ويقول الكاميرا الخفية لكن ذالك لم يحدث , تساءلت وقتها هل يعقل أن الحظ وجدني أخيراٌ لكنني لا أؤمن بالحظ كثيراً , أخبرت مدربي عن بعض العراقيل القانونية التي قد تقف عائقاً أمامي ظنناً مني أن هذا سيحبطه لكنه كان رجل صاحب أرادة قوية وعزيمة صلبة , فأخذ يساعدني على تخطي العراقيل القانونية بل وقام بحلها كلها وكان مستعداً أن يفعل المستحيل حتى أنضم إلى فريقه فقد قال لي ذات مرة

" لم تخب نظرتي بأحد أبداً وأنت أحد هؤلاء الأشخاص الذي اتمنى ان يصدق حدسي ونظرتي في قدرته وكفاءته "
ذكرتني هذه الكلمات عن النظرة الثاقبة بأستاذي الذي كان يدفعني باستمرار حتى أستطيع أن أخذ بعثة للدراسة بالخارج فقد كان يقول لي دائماً " أنت شخص كتب له النجاح لكنك متكاسل ليس إلا "

فهل يعقل أنني أملك شيئاً يميزني عن غيري لا ألاحظه بينما يلاحظه الغير لا أعلم حقيقة إن كان ذالك صحيحاً أم لا , انضممت للفريق لكن كون أنني عربي ومسلم لم يساعدني في الانخراط بسهولة بين أعضاء الفريق فقد وجدت منهم الصد وبقسوة في البداية أحبطني ذالك , لكن تحول مع الوقت دافع لي حتى أثبت جدارتي وقوتي في الملعب كانوا أحياناً يتآمرون علي فيتحرشون بي في التدريبات , حتى أضعف نفسياً لكن ذالك كان يقوي من عزيمتي في أن أثبت نفسي وإن كان ذالك أخر شيء أعمله في حياتي , وحقاً أثبت جدارتي بالرغم من عدم تعاون الجميع في تمرير الكرات لي في بعض المباريات وكنت وحيداً أمام خصمان أعضاء فريقي من ناحية والفريق الخصم من ناحية أخرى , أنا أيضاً لم أكن شخص اجتماعي آنذاك فقد كنت لا أجتمع مع أحد وكنت بالنسبة لهم شخص انطوائي غير محبوب أو بالأصح " إرهابي ", لكن لم تكن هنالك فرصة لأجتمع معهم فمعظم سهراتهم تكون في البارات ولم تكن تلك الحياة تجذبني , فقد هاجرة إلى هنا لأثبت نفسي ليس لأزور البارات طيلة الليالي لم يكن هذا هدف مجيء فكنت أتوجه إلى الملعب قبل أي شخص لأتدرب أكثر , وبنفس الوقت كنت أنتظرهم حتى يأتون في وقتهم المحدد لأبدأ من جديد معهم كان مدربنا ستيفن يحب فيّ نشاطي هذا والتزامي بالتمرين المتواصل لتحسين أدائي ,وكنت ما أن انتهي من تمريناتنا الصباحية حتى أسرع في الاغتسال لألحق صفوفي الدراسية التي سجلني بها صديقي حمزة وما أن أعود للمنزل حتى أسترح بعض الوقت ثم أبدأ عملية الاستذكار أو أقوم بقراءة كتب بالإنجليزي لأحسن لغتي الإنجليزية ولأتسلى أيضاً , وهكذا كانت جميع أيامي منظمة لا يغير الجدول شيئاً فلم يكن لدي ما هو مهم سوى تحقيق النجاح والتقدم فيما أعمله , كان حمزة شخص ملتزم وقد ساعدني كثيراً في عدم انحرافي عن ما أتيت لأجله , فقد كنا نتلقى الكثير من دعوات الأصدقاء العرب والمسلمين وللآسف كانت كلها دعوات لم نلبيها لمعرفتنا ما كانت تضم من شرب الخمور إلى المسكرات بأنواعها إلى النساء التي لم تكن تخلو حفلة بدونهن , لا أعرف لو أنني كنت بدون حمزة وقتها ما كان حصل لي لكن هذا الأخير لم يتركني عائداً لوطنه حتى عاهدني على أن أبقى الشخص ذاته , وأنه و لو راوغني الشيطان أو أوقعني أن أسرع لأسجد لله تائباً والحمد لله لم أقع بالرغم من أنني ضعفت أحياناً , وهذه من صفاتي الإنسانية لكنني وقفت وأثبت لنفسي أنني أستطيع أن أختار الطريق الذي أريده ولن يختار لي أحد طريقي , وبقيت كما عاهدت حمزة عليه فقد استأجرت شقة صغيرة ولم أترك أحد يسكن معي خوفاً من المقولة *أن الصاحب ساحب * حتى وجدت مهندسين عربيين بعثا من بلدهما ويبحثان عن شقة مجاورة لجامعتهم تركتهم يسكنون معي بعد أن رأيت ملامح التقوى والجدية في طلب العلم , وكانا حقاً نعما الصديقين فقد كانا صالحين وكانا يساعدانني في عدم التكاسل في أداء الصلوات بما أننا في بلاد غربية لا نسمع الآذان فننسى أحياناً بأشغالنا عن أداء صلواتنا في أوقاتها , وقد أهدياني بمناسبة فوزي في أحد المباريات ساعة ألبسها في يدي تأذن أوقات الصلوات المفروضة وكنت ما أن أسمعها حتى أسرع لأداء الصلاة , ومع مرور الوقت أصبحت كابتن فريقي بسبب ثقة المدربين في وفي كفاءاتي وكذالك تغيرت أحوالي مع أعضاء فريقي فقد تحول أعداء الأمس إلى أصدقاء مقربين لي اليوم , فما أن ادخل الملعب حتى أرى ثقتهم بي تشع من أعينهم حتى أن أحد أصدقائي واسمه مارتن أخبرني ذات مرة ونحن نبدل ثيابنا نستعد لأحد المباريات

" أتعرف زين , عندما أدخل مباراة معك أشعر بأن هنالك قوة تدفعني للفوز فهل هذه قوة أحد تعويذاتك "

ويقصد بذالك ما أقرأه من آيات الذكر الكريم عندها ضحكت وقلت " سمها كما شئت لكنها أقوى من أية تعويذة قد تسمع عنها "

مارتن " حقاً "

فضحكت عندها قال هامساً بجدية " اليوم أريدك يا زين أن تردد ما تردده عادة فأنا أحب أن أسمعها فأنا أشعر بأن هنالك قوى عظيمة تتملكني "

عندها نظرت إليه بجدية وقلت له " وهي كذالك يا مارتن فما أقوله يملك قوى عظيمة تتملك من يؤمن بها ولم يخب من أمن بها و رددها "

كف مارتن عن اللحاق برفاقه بعد المباريات كما كانوا معتادين عليه بل أصبح يلحق بي وعندما سألته أجابني

" أريد أن أعرفك أكثر , أريد أن أرى سبب نجاحك فقد التحقت بالفريق من قبلك بسنتين لكنك حققت ما لم أحققه حتى الآن فهل تمانع أن آتي معك "

ضحكت في سري وهمست في نفسي لأرى النهاية معه وإلى ما سيتوصل إليه , وحقاً ركب سيارتي مترقباً إلى أين سآخذه كان صامتاً معظم الوقت ولم ينطق سوى ببعض الإجابات التي كان يجيبني عليها لم نتناقش في أي موضوع فأنا من الأشخاص الذين يقدسون الصمت شعرت بعدم راحته رغم ذالك لم أحدثه عندها سائلني

" إلى أين نحن ذاهبين "

" لما هل أنت خائف "

" وما المخيف في الأمر كل ما في الأمر أنك أخذت هذه المنعطف "

" وماذا به "

" هنا حي لا يسكنه سوى المسلمين وبعض الأشخاص الإرهابيين ولا أحب أتي إليه "

" هل تريدني أن أعيدك "

" لا "

فأكملت طريقي وأنا أسخر منه فهو خائفاً بشدة من هذا الحي لكنه سيكمل ليرضي فضوله , وصلت أمام المنزل الذي
أسكنه وكان منزل جميل يطل على حديقة جميلة لكنها وبما أننا في الليل لا يظهر جمالها الخلاب , نزلت فنزل مارتن وهو يتلفت حول نفسه فقلت له ساخراً

" لا تخف لن تحدث الليلة أية تفجيرات "

فحدق إلى بعينه التي كانت ستخرجان من مكانهما وقال بصوت مفزوع " وما أدراك "

" لأنني أخبرتهم بقدومك "

التفت حوله وقال " هل يعلمون بأنني أتي وهل تقصد أنك .. "

عندها قاطعنا فتح أحد صديقي المهندسين الباب ففزع مارتن حتى شعرت بأن أنفاسه قد قطعت فبرؤيته لصديقي الملتحي لحية بسيطة ولبسه للثوب العربي خارت قواه وأراد للحظات أن يتراجع فأمسكت به وأدخلت وأجلسته معنا فإذا به ينظر بنا ثلاثتنا بفزع فإذا بصديقي يردان النظر إلي وعلامات الاستفهام تعلو وجهيهم جميعاً عندها ضحكت وبصوت عالي ربما تلك كانت المرة الأولى التي أضحك هكذا منذ زمناً بعيد بينما ظل ثلاثتهم ينظرون إلي مارتن بفزع بينما صديقي المهندسين باستغراب هو يظن أننا مجموعة إرهابيين وهما يظنان أنني تناولت شيئاً ما وعندما انتهت نوبة ضحكي المجنون التفت لمارتن وأخبرته أنني كنت أمزح وأن هؤلاء صديقي وأن هذه الثياب التي يلبسونها إنها ليست سوى لبس تقليدي يلبسونه معظم الرجال العرب وهو من تراث بلداننا ليس إلا عندها ضحك الجميع وذهب عن مارتن بعض الفزع عندما رأى الوجوه المتجهمة أمامه ضاحكة باسمة عندها قام صديقي بتأنيبي على مزاحي هذا ثم قاما بتقديم الحلويات العربية والتي كانت تأتيهما هدايا من عائلاتهم مع القهوة العربية والشاي وظل مارتن يتردد علينا كثيراً وكانا صديقي أكثر من سعداء عندما كان يذهب معنا لأداء أحد الصلوات أو الذهاب للإفطار معنا فأنا أذكر مرة أنه قال أنه سيرى إن كان سيقدر أن يتحمل التمرينات والقيام بجميع الأعمال مثلنا بينما يصوم عن الطعام والماء لكن لم يستطع فأخبرته أننا معتادون على ذالك منذ أن نبلغ عامنا الخامس أو السادس فكنا نصوم أنصاف الأيام حتى نفطر مع عائلاتنا ومع من هم أكبر منا سنناً أصبح مارتن و المهندسين أعز أصدقائي آنذاك تغير مارتن جداً فقد أصبح يميل للبقاء معنا وقضاء أوقات طويلة حتى أنه أصبح يناقشنا في مسائل تتعلق بالإسلام كان قد بحث عنها سابقاً في الإنترنت مازلت أذكر وجهه وكيف تغير عندما أريته صورة كانت للحجاج في عرفة وكانت عبارة عن جزء من ثلاثة مليون حاج لتلك السنة فذهل لتجمع هذا العدد الكبير في يوماً واحد فأخبرته عن فريضة الحج وعن وجوبها على كل مسلم مقتدر ولو مرة في العمر وما يفعله الحجاج في ذالك اليوم فقال

" ذالك حقاً مدهش "

وذات يوم وبينما كنت أبدل ثيابي للذهاب للمنزل همس لي " زين أريد أن أتحدث معك في شيئاً مهماً "

فقلت له باهتمام " ما هو "

" ليس هنا "

"أين أذن "

" تعالى معي فقط "

لقد تغير مارتن في الفترة الأخيرة وشعرت أنه لم يعد يركز في التمرينات وعندما سألته قال لي " هنالك ما يشغلني"

ويبدوا أنه الآن قرر أن يصارحني بما لديه

وحقاً لحقت به كلاً بسيارته فتوقفنا أمام المسجد الكبير عندها سألته بعد أن نزعت نظارتي الشمسية

" ما الذي نفعله هنا "

لم يجبني بغير " تعالى معي "

فصرخت خلفه " إلى أين "

لكنه تجاهلني داخلاً للمسجد يسبقني فلحقت به وأنا مندهش مما يفعله وما أن وصلت حتى رأيت صديقي المهندسين يستقبلانه ويقدمانه لأحد الشيوخ وبعد أن ألقى الشيخ كلمة عن هداية الله التي إن منَّها على شخصاً فهو الفائز بالتأكيد ثم تم تلقينه الشهادة عندها لا أعلم كيف تساقطت دموعي في حضرت هذا الجمع الكثير ربما كان الجو هو السبب فقد كان يعبق بالروحانية فقد أبدع مهندس هذا المسجد في تصميمه فالشمس تدخله من كل مكان بشكل هندسي وزخرفة إسلامية جميلة جداً وتعطي جواً إيمانياً رائع ,مارتن غير اسمه ذالك اليوم ليكون محمد بن عبد الله ولليوم مازالت تلك اللحظة أكثر لحظات حياتي تأثراً فتلك أول مرة يحدث لي أن أحضر إسلام أحد وعندما سألته لاحقاً عن عدم قوله لي أي شيء
قال

" كنت أحب أن أفعلها مفاجأة لك "

عندها سألته عن زوجته فهو متزوج ولديه فتاتان إحداهما تبلغ من العمر عشرة أعوام والأخرى ثمانية أعوم أما الصبي فيبلغ سنتين فقال

" أتمنى لهم الهداية التي منها الله علي , بالتأكيد سألاقي صعوبة في البداية لكنني سأحاول أن أصمد"

فابتسمت له لإيمانه الذي يشع من وجهه فقد أسلم بعد أن أمن وأحب الله والإسلام , ليس مثلنا فقد أعطينا نعمت الإسلام بمجرد ولادتنا لأب و أم مسلمين لكننا نسينا أن نشكر الله عن أكبر نعمة منّها علينا وهي نعمة الإسلام فنحن لا نعلم عن ديننا الكثير وبالتالي لا نتبع تعاليمه جيداً فكيف لنا القدرة على نشره بل كل محاولتنا هي في كيفية الخروج عن إطاره بكل صغيرة وكبيرة ربما لهذا لا ترى النور يشع من وجهينا بالرغم من أننا مسلمين أبناء وأحفاد رجال مؤمنين , وبعد فترة ليست بالقصيرة أسلمت زوجة محمد عبد الله وأبنائه وقد سعدت لذالك وحضرت الحفلة التي أقامها كانت حفلة كلها روحانية فقد كان ذالك قبل شهر رمضان بأيام قليلة وكان هنالك شيخ قرأ لنا بعض الآيات من القران الكريم ثم ألقى علينا خطبة صغيرة شاملة عن أركان الإسلام والإيمان وما يتعلق عن حياة المسلم عموماً فلم يريد أن يطول علينا لكنها كانت مفيدة جداً وممتعة وبعد هذا بفترة ليست بالطويلة عادا صديقي المهندسين لبلدهما ولم أراهما منذ ذالك الوقت لكن أخبارهما مازلت تصلني حتى الآن , عندها لم يبقى لي سوى مارتن الذي كان يقضي وقته معي في مناقشتي عن الدين وعن التطرف وعن أحوال المسلمين وبما أنني كنت أمضي معظم ليالي في القراءة فقد جمعت الكثير من الكتب بسبب قراءاتي ووجدت صعوبة في شحنها فأهديتها كلها لمحمد وكانت قد وصلت لخمسمائة كتاب وكانت أعز أصدقائي , لكن محمد وجد أنه من الصعب عليه تخزينها جميعاً عندها قمنا ببيعها فأتت بمبلغ ليس بالقليل فقام مارتن بإعطائي كله وأخبرته أن الكتب منذ البداية كانت له فقرر عندها أن نتبرع بالمبلغ كله لأحدى الجمعيات الخيرية الأسلامية , كنت أسهر معه لأناقشه ويناقشني في أمور مختلفة نصفها عن ما قرأنه وأحياناً كان يشتد بنا النقاش حتى أقوم بطرده من منزلي لكنه يعود مرة أخرى وكأن شيء لم يكن وهكذا كنت أقضي وقتي طيلة تلك السنوات مبحراً في الغربة دون مرسى أرسي فيه , مازلت أذكر نظرة محمد المندهشة من قراري لترك الفريق فقد حاول أن يثنيني عن رأي لكنني كان قد وقعت على العقد وانتهى الأمر ربما لأنني شعرت بأنها تذكرة العودة التي لم أشتريها عند مغادرتي لبلدي , وذات مساء رن الهاتف بينما كنت أجمع أغراضي حتى أستعد للسفر فإذا بزوجة محمد هي المتصلة تسألني عن سبب حزن زوجها فمنذ أيام وهو متغير وأنها عجزت عن معرفة السبب فهو لم يعد يجلس معها أو مع أطفاله وبما أنني أقرب شخص له ظنت أنه من المحتمل أنني على الأقل أعرف ما به وما سبب انعزاله عن عائلته وزوجته , عندها تركت ما بيدي من أعمال وأسرعت في الذهاب إليه وما أن وصلت لمنزله حتى وجدته جالساً في غرفته صامتاً حزيناً عندها قلت له باسماً

" ماذا بك , لقد اتصلت زوجتك بي وهي تصرخ وتطلب مني أخذك لأقرب مستشفى مجانين "

لكنه لم يجبني سوى بنظرات كلها حزناً وبؤس فقلت له مداعباً إياه عندما لم أجد منه أي تفاعل لمزاحي

" ما هذه اللحية التي نبت على ذقنك هيا قم بحلاقتها حالاً ودعنا نخرج من هذه الغرفة الكئيبة لمكان جميل "

لكنه لم يجبني أيضاً , فقلت عندها مواسياً إياه وقد جلست بجواره " هل أخبرك أحدهم أنني سأموت أم ماذا , كل ما في الأمر أنني عائداً لموطني أم أنك كنت تظن أنني سأبقى هنا للأبد "

نظر إلي وقد ازدادت ملامحه شحوباً وحزناً أكثر من قبل فحزنت أنا أيضاً على حالته هذه وفضلت أن أصمت فليس في يدي حيلة لأخفف عنه الأمر لكنني وضعت يدي على كتفه وقلت له بصوت منخفض

" كنت أخاً وصديق عزيز على قلبي لكن هذه حالة الدنيا فالفراق واللقاء سنة من سنن الحياة ثم لقد تقدمت الاتصالات وأستطيع أن أراك عن طريق الإنترنت "

لكن ذالك لم يفلح لأن يخرج محمد من صمته فخيم علينا الصمت فشعرت للحظات بأن قلبينا يبكيان في صمت مواسيان بعضهما على هذا الفراق القاسي فقد أعتدنا على رؤية بعضنا طيلة هذه السنوات الثمانية دون انقطاع فكيف الآن سنعتاد على عدم رؤيتنا لبعض ومع من سنقضي ليالينا ,لم أفكر من قبل مقدار الحزن الذي خلفته ورائي بقلبي أخوتي حتى رأيت محمد حزيناً هكذا , لا أدري لما ربطت حزنه بأخوتي فقد ذكرني منظره بهم ربما لما أحمله له من حب وذكريات جميلة عنه وعن عائلته , بعدها بفترة سائلني محمد أن أذكر له أسبابي في تركي للفريق عندها هززت كتفي بمعنى لا أعلم فقد شعرت بيدي تخط على الورقة دون أذناً مني شعرت بأنني أرغب الآن وأنا في قمة نجاحي أن أعود لوطني أريد أن أغيظ كل من تخلى عني وكل من سخر مني عند رؤيتهم لما وصلت إليه من نجاح , ظل محمد حزيناً طيلة أيامنا الأخيرة لا يكلمني فيها وعندما أقترب موعد سفري كنت أرى الحزن على ملامحه أصبحت لا تفارقه.

ركبت الطائرة فشعرت بضيق وانزعاج ففكرة أنني عائداً لأرض الوطن مزعجة , وبينما كنت أحاول أن أهدئ نفسي فكرت قليلاً حول حقيقة القدر فوجدته أمر غريباً فأحياناً يقوم الإنسان بتحديد هدفه وأحياناً أخرى يضع القدر الهدف أمامه لينفذ المرء ما تم اختياره له دون سابق إنذار , فأنا لا أذكر أنني قد حلمت يوماً بأن أكون لاعب كوره بالرغم من عشقي للكرة لكنني لم أرى نفسي بها , فقد كان حلمي أن أصبح إما طيار أو مهندس مثل أحمد أو طبيب مثل سامر لم تكن لدي أحلام كبيرة غير هذه لكنني لم أدخل أحد هذه التخصصات بل دخلت تجارة فقد كنت أرغب بأن أتعلم أصول التجارة لتساعدني في الكسب السريع وجمع المال أشعر أحياناً أنني خلقت لكسب المال , أذكر محاولات سامر بإقناعي دخول لأحد تخصصات الطب لكنني رفضت وبشدة فقد كنت أشعر بضيق للتنفس عند رؤية كمية كبيرة من الدم وأكره بشدة منظر الإبر فكيف لي أن أصبح طبيب ولم أكن أريد أن أصبح مهندس لأنني لم أملك عقلاً رياضياً ويد رسام , ففضلت رغم معدلي العالي أن أدرس تجارة لكنني في النهاية لم أخذ سوى نصيبي من اسمي فهم يقولون أن للإنسان نصيباً من اسمه فوالدي عندما أطلق على زين الدين كان تيمناً باسم اللاعب والنجم الجزائري الفرنسي زين الدين زيدان فهل يعقل أن يكون هذا هو السبب اسمي فقد عاش اللاعب زيزو حياة فقر هو أيضاً وعانا ربما ليس مثلما عانيت لكننا انطلقنا من حيين فقيرين وها هو اليوم نجم يحبه الجميع وخاصة العرب والمسلمين فهم يفتخرون به كونه لاعب ونجم مسلم.




إذ عجبتكم روايتي ممكن تعملولي lik أو subscribe
أي اما تشكروني أو تقيوموني لتشجيعي ..

 
 

 

عرض البوم صور أضئت القمر  
قديم 09-03-14, 02:33 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2014
العضوية: 265129
المشاركات: 41
الجنس أنثى
معدل التقييم: أضئت القمر عضو على طريق الابداعأضئت القمر عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 198

االدولة
البلدBahrain
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أضئت القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أضئت القمر المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: أتحبني بعد الذي كان

 

ألن يعود ما مضى ؟؟؟

فكر زين عدت مرات في زيارة عائلته لكنه تردد ألف مرة قبل أن يتخذ قراره فهو خائفاً من أن يقابلهم فهو خائف من أن يصدونه بدلاً من أن يأخذونه بالأحضان , إن الذكريات والتفكير ليلاً ونهاراً أتعبه فهو هنا يحاول أن يبني ما بناه في الخارج منذ عشرة سنوات وهو إثبات جدارته للفريق الذي سيلعب معه طيلة السنتين القادمتين , ومع الضغوطات النفسية التي يشعر بها أصبح يتمنى لو أن الأيام تمر سريعاً حتى يسافر مرة أخرى للخارج و إلى الأبد هذه المرة فليست له الجرأة بأن يظهر في حياة أحد , حتى أن مدربه لاحظ عليه إرهاقه النفسي فأعطاه إجازة وأخبره أن يخفف عن نفسه من أي ضغوطات يواجهها مهما كانت ظناً منه أن هذه الضغوطات ناشئة عن تغير الفريق عليه , عاد زين لمنزله ذالك اليوم متعباً ومنزعج من أن حالته ملاحظة إلى هذا الحد وضع حقيبته بجوار السرير الذي استلقى عليه ونام بعد أن أخذ نصف حبة منومة حتى يستطيع أن ينام سريعاً دون تفكير وقد اعتاد على أخذها عندما كان بالخارج .

…………..

أشرقت شمس اليوم التالي وخرج الجميع من منازلهم وأصبح الشارع يعج بالأصوات من طلاب المدارس الذين يصدرون الأصوات ممازحين بعض أو يجرون وراء بعض إلى صوت سائق عربة الغاز والخضروات وغيرها من الأصوات وكان كل ذالك كافي لإيقاظ زين من سباته الذي دام طيلة الليل , فتح زين عينيه بكسل ليرى أن الشمس قد انتصفت كبد السماء فما كان منه سوى أن نهض سريعاً متوجهاً إلى الحمام فمن المؤكد أنه قد تأخر على التدريب وما أن حزم حقيبته وخرج من غرفته مسرعاً إلى سيارته , حتى تذكر فجأة أن المدرب قد أعطاه أجازة وأوصاه بأخذ قسطاً من الراحة ,عندها فقد زين كل طاقته للخروج فوضع رأسه على المقود مفكراً إلى أين يذهب بما أنه في إجازة وفي مدينته فقرر أنه من الجيد أن يذهب إلى الشاطئ لاستنشاق بعض الهواء فهو مفيد جداً لمثل من في حالته والذين يشعرون باكتئاب خاصة , عندها قاد زين سيارته قاصداً الشاطئ و بينما كان زين يقود سيارته راودته أمنية وهي أن يذهب لمنزل والده منزل طفولته الغابرة المنزل الذي عاش به هو وأخوته , وهو ذاته المنزل الذي شهد قصته مع رهف وكم من ليلة ظل على سطحه حزيناً مكتئباً لبعد الحبيب عنه وجفاه وهنالك أيضاً أتخذ قراره بالهجرة للخارج بلا عودة أبداً إلى أرض الوطن , استدار بسيارته وقادها بسرعة باتجاه منزل والده شعر أنه يريد أن يصل بسرعة كان مستعد لأن يرتمي بين يدي والده وأخوته ليسامحوه الجميع إنه مستعد أن يفعل ما يطلبونه منه لكنه لم يعد يستطيع أن يحتمل أكثر من هذا.

فالشعور بالغربة بينما أنت في بلدك لأمراً صعب جداً ,وصل زين للشارع العام الذي تقف فيه جميع السيارات لينزل أصحابها هنالك حتى يكملون طريقهم على أقدامهم عابرين الحارة القديمة فأوقف زين سيارته هو الأخر وكان مضطر أن يتركها هنالك , فنزل وهو منزعج من ضيق الشوارع ومعرفته بالأطفال هنا ولعبهم الغير مسئول لكنه ترك سيارته في النهاية مكرهاً على ذالك مستودعاً الله إياها ,مشي زين في الشوارع الضيقة وهو ينظر إلى الجدران التي كانت تمتلئ بخربشتهم عندما كانوا أطفالاً نظر حوله ورأى كم أصبحت حارته قديمة ومتهالكة وكأنها من زمناً غابر , وبينما كان يتأمل زين ما حصل لحارته بعد غياب طويل شعر بالحزن والحنين لها , عندها لاحظ زين نظرات الجميع له فمظهره لم يعد يشبه مظهر أهل هذه الحارات , كان يلاحظ زين توقف الأطفال عن اللعب وتحليق بعض الناس فيه فهمس لنفسه

" بالتأكيد لا يعرفني أحد لكنني لفت أنظارهم بهيئتي فقط "

لكنه فجأة سمع أحدهم يصرخ من خلفه " زين الدين , إنه زيزو لقد عاد زيزو "

توقف زين فجأة ونظر إلى الجميع من خلف نظارته الشمسية دون أن يأتي بحركة واحدة وهو يفكر وعندما رأى أن الجميع ينظرون إليه يتفحصونه فكر زين أنه من الأفضل له أن يسرع خطاه ليصل لمنزل والده بسرعة فلم يبقى الكثير ,وما أن رأوه يسرع في خطاه حتى لحق به الأطفال و الشباب عندها أخذ يبتسم لكل من يقابله ويجيب عليهم بعض الأحيان وما أن وصل إلى باب منزله حتى أخذ يدق بإلحاح فخرج والده وقبل أن يبدي أي حركة أمسك زين بوالده ودفعه برفق للداخل ثم أغلق الباب خلفه فقد خاف أن يصده ويطرده والده أمام هذا الجمع الغفير عندها لن تتواري جريدة ولا مجلة عن تفنن كتابة الخبر في الغد الباكر , وما أن وقف زين أمام والده حتى نزع نظارته الشمسية عن عينيه لينظر إلى والده جيداً , عندها رأى الدمع ترقرق في عيني والده وهو يهمس باسمه

" زيزو , زيزو لقد رجع حقاً "

إن من الغريب أن والده كان لا يناديه سوى بزيزو حتى أصبحت زيزو2 بالنسبة للمشجعين , عندها أقترب زين وأخذ والده في حضنه وهو يقول

" نعم يا أبي لقد عدت "

وعندما سمع والده ذالك أخذ وضمه بكل قوته وهو يذرف الدموع تارة ويعاتبه تارة أخرى ويقول

" كم أنت قاسي , لقد اشتاق الجميع لك , لقد بحث عنك أخوتك وبحثت عنك أنا أيضاً ,, لماذا فعلت بنا ذلك ,, ماكنا نستحق ذلك منك "

لكنه لم يتلقى من زين أي جواب وظلا واقفين هكذا مدة ليست بالقصيرة حتى خرجت زوجة والده من المنزل لترى أين ذهب زوجها فقد كانا يتابعان مسلسلاً يعرض عندما سمعا طرق على الباب وما أن أخرجت رأسها حتى قالت بصوت عالي بينما هي تقترب

" يا إلهي زين هنا لقد عدت يا زين أخيراً "

عندها ابتعد زين عن والده واستدار لها بينما كان كلاهما يمسحان دموعهما

" نعم يا خالتي لقد عدت , كيف حالكِ أنتِ "

ثم اقترب منها واحتضنها عندها قالت " الحمد لله على عودتك سالماً , أين كنت طيلة هذه المدة لقد بحثنا عنك في كل مكان "

لم تنتظر من زين جواب بل قالت موجهة كلامها لوالده هذه المرة " لما تقف معه هنا ؟ لما لم تدخله حتى الآن أنت تعرف أنه آتي من سفر "

فرد والده بسخرية " من سفر هل أنتِ غبية أيتها المرأة إنه هنا منذ أشهر لكنه لم يفكر في زيارتنا إلا اليوم "

فردت زوجة والده وهي منزعجة " أقصد أنه بالتأكيد سار طويلاً حتى وصل إلى هنا فأنت تعرف كم منزلنا بعيد عن الشارع العام ولا تصل إلى هنا السيارات "

ابتسم زين بينما كان يسير إلى الداخل وهو يسمع كلاً من زوجة والده ووالده يصرخان ببعض بينما هو في المنتصف يسير بينهما حتى وصلوا جميعاً للداخل لقد كان منزلهم قديماً جداً وبسيطاً فقد ورثه أباه عن جده لهذا يبدوا بهذه الحالة من السوء , جلس زين على أحد الكراسي التي مرت عليه السنون ومازال مكانه لم يتزحزح , انشغل زين عن والده وزوجته وأخذ يحسب عمر منزلهم وأثاثهم ربما آن له الآن أن يسامح والدته على تركها لهم , فقد تقدم رجل ثري لخطبتها بينما كان والده الفقير بل المعدم أب ثلاثة أطفال يريد أن يعيدها رفضت والدته أن تعود وقبلت بالرجل الأخر مع أنه أخبرها أنه سيأخذها ويسافران فوفقت على فور بلا تردد , بالرغم من أنني لم أبلغ الرابعة من عمري بعد تركتنا لمستقبلً مجهول حتى تضمن مستقبلها هي , إن من السخرية الآن أن أعرف الآن أنني ورثت من أمي ليس ملامح وجهها الجميلة بل وحبها للمال والتطلع إلى الأعلى , تركتنا أمي في هذا البيت العتيق منذ ستة وعشرون عاماً لم تراودها حلم العودة أو حتى رؤية أبنائها فهل يا ترى عرفت والدتي أنني أصبحت أحد المشاهير أم أنها لم تتعرف على من حملته تسعة أشهر وربته لأربعة سنوات وأن لها تعرف ذالك وقد تركتنا منذ ربع قرن ؟؟ إنها أيضاً لا تعرف أنه أصبح لديها ابناً طبيب تفتخر به , أو أن ابنها الأكبر أصبح مهندساً كبير !! أم أنها نست ثلاثة أطفال حملتهم ثم أنجبتهم وربتهم وظلت معهم اثنتي عشرة سنة ؟؟! هل يعقل أن من السهل على النساء النسيان لطالما اتصف الرجل بالنسيان والجحود ونكران المعروف , فلما يكون حظي عاثراً مع النساء فأنجب لأم لا مبالية , ثم أحب فتاة تركتني منذ أول عثرة لي , وبينما كان زين شارد الذهن نظر إلى زوجة أبيه التي كانت ماذا طيبة أم لطيفة ربما لم تكن أم مثالية لكنها لم تؤذهم يوماً بل كانت تقوم بدور زوجة الأب الطيبة فكانت تغسل ثيابنا كانت لا تعاقبنا كثيراً تحملت منا الكثير لكنها لم تكن تلك المرأة الشريرة التي كنا نتصورها كانت تعاملنا بطيبة هذه الحقيقة التي لم أراها وأنا طفل , خرج زين من شروده عندما سأله والده إن كان جائعاً فأجبته أنني لم أتناول وجبة الإفطار فنهضت زوجة والدي بالرغم من تقدمها في السن لتحضر لي شيئاً أكله عندها قال والدي

" لا أريد أن أعاتبك ولدي الحق في ذالك لكنك لست أول شخص يهرب من هذه الحياة القرفة "

هل يعقل أن والدي قرأ أفكاري فها هو يشبهني بوالدتي التي فرت ما أن أتتها الفرصة

فأجبته " ألهذه الدرجة أشبهها "

تبادلنا أنا وأبي النظرات ثم قال " أنت تشبهها في كل شيء "

ابتسمت ابتسامة حزينة إنه من المحزن حقاً أن أعرف أنني لست سوى ناكراً وجاحداً لعائلتي لم أفكر في الأمر هكذا عندما تركتهم منذ عشرة سنوات , أراد والدي أن يغير الموضوع عندما رأى تكدري فأنا ومنذ صغري لا أحب أحد يتكلم عن والدتي أو يشبهني بها فقد قررت أن امحيها من حياتي كما محتنا هي من حياتها , عندها قال والدي

" الجميع مشتاقون لك فقد سألاني أخوتك عنك عدت مرات , وإن أتيت أو اتصلت لكنني أجبتهم بالنفي عندها أوصاني أحمد أن أخبرك إن أتيت أو اتصلت فهو ينتظرك في مكتبه وقد ترك لك ورقة في غرفتك وبها عنوان مكتبه وهاتفه "

ثم صمت , شعرت أن لصمته معنى فسألته " وسامر ألم يترك لي شيئاً "

نظر إلي وقال " أحمد رجلاً طيب لكنك أنت وسامر تملكان قلبان قاسيان "

نظرت إلى والدي بانزعاج فلما يشبهنا بها فنحن أكثر شخصين نكرهها وأذكر عندما كان أحمد ينهرنا عن ذالك لكننا كنا نكرها وإن لم نقل , فقلت له بانزعاج

" أبي ماذا تعني بهذا أن سامر لا يريد أن يراني"

والده " لا علم لي , ولا تسألني عن شيء أخطأت أنت فيه "

فقلت له راجياً " أبي أرجوك "

" أسمع سامر ليس لديه قلب كبير مثل أحمد وفي نظره أنك أخطأت في حقه وأنك لست سوى حقيراً , وقد قال أنه لن يسامحك وإن ركعت على قدميك , فشخصا مثلك لا يستحق أن يلتفت إليه وقد طلب مني أن لا أستقبلك حتى لكنك مازلت أبني بالرغم من مساوئك " ثم صمت قليلاً ...

ثم أكمل والدي قائلاً " لكن كل هذا مجرد كلام من خارج القلب فأنت مازلت أخاه الأصغر وبالطبع سيسامحك كما سامحتك أنا "

عندها صرخت وقد شعرت بالظلم فهذا كثير " غريب أمركم يا أبي , أتظنون أنني سافرت لأتنزه ألم تفكرون ولو قليلاً كم كنت محطم ومحبط , فكيف لي لا أشعر بكل هذا وقد منعت من العمل في عدت شركات أتعرف لماذا ؟؟ بالطبع تعرف بكل بساطة بسبب علاقتهم الشخصية بعائلة حسين رزق ومن أجل حسين رزق أداس أنا وأهان , وليس ذالك فقط بل أنني منعت أيضاً من إكمال الجامعة لسنة وقابلة للتمديد لأنني أصبحت مجرماً يا أبي , ولم تنتهي مشاكلي بل طرد أخي أحمد ومر بما مررت به من رفض عدت شركات توظيفه بينما قامت عائلة حسين رزق برشوة القائمين علي في السجن ليبرحوني ضرباً حتى أطلق ابنته وعندما لم أطلق عملوا المستحيل لتأجل محاكمتي قدر المستطاع , وسامر هل نسيتم أنه ما كان سيصبح طبيباً إن لم أختفي ,والآن ماذا تأتون لتقولوا لي بأنني أشبه امرأة لم تمر بحياة صعبة سوى أنها أرادت فقط أن تملك الكثير من المال لتحيى حياة سهلة ومريحة فأي عدلاً هذا وأي تشابه وجدتموه بيننا سوى أنني ولدها وهل هذا يكفي لأكون أشبهها "

صمت والدي منزعجاً لا أعلم هل هو منزعجاً مني أم علي , عندها أتت زوجة والدي وقدمت لي الإفطار الذي لم أعد أرغب بتناوله فنهضت مستأذن لأن أذهب لكن والدي قال " ابقَ اليوم "

نظرت إليه وأنا منزعج من كل شيء لكنني رأيت الحزن بادياً على وجهه فجلست مرة أخرى , لم أستطيع أن أحزنه أكثر من هذا وبينما كنت أتناول الطعام مع أنني فقدت شهيتي لكنني تناولته لأجل والدي وزوجته , عندها أخبرني والدي عن أن أحمد قد تزوج و رزق بفتاتين الكبرى رنا والصغرى رويدا أما سامر فقد رزق بثلاثة أبناء وهم شاهين وسام وزين وزوجته الآن حامل بعدها تبادلنا النظرات أنا ووالدي فلما يسمي سامر ابنه الأصغر زين إن كان يكرهني جداً فأجابني والدي بابتسامة أي أن سامر يغطي قلبه الحاني بدرع من القسوة يصد به الجميع عنه , ثم فجأة لاحظت أن هنالك نظرات لم أفهما بين والدي وزوجته عندها قلت

" ماذا هنالك يا أبي لما أشعر بأن هناك شيء ما تخفيانه عني "

فقال والدي ناكراً الأمر " ليس هنالك شيئاً مما تتحدث عنه "

لكن زوجته قالت " لا تحاول أن تخفي الموضوع فسيعرف مهما طال الأمر "

فصرخ والدي بها وأمرها ألا تتدخل في أمور لا تعنيها عندها عم الصمت ثم نظرت إلى والدي فصرخ بي مستبقاً تساؤلاتي
" لا شيء نخفيه عنك "

لكنني تأكدت أن هنالك ما يخفيه وهو شيء يخصني , عندها قال والدي وهو منزعج من نظراتي أنا وزوجته موجهاً كلامه إلى تلك الأخيرة " يا الهي ما كان يجب عليكِ أن تتفوهين بهذه الكلمات أنظري إليه يكاد يموت من الفضول "

فردت زوجته منزعجة " وإلى متى تريد أن تخفي الأمر , ألا يكفي غيابه عشرة سنوات إلى متى تريد أن تطول المدة إلى أن يصبح في مثل عمره "

نظرت إلى كليهما ثم قلت " أليس من حقي الآن أن أسأل عن ماذا تتحدثان "

فقال والدي وهو منزعج " كل ما في الأمر أنه بعد ذهابك بمدة ليست بطويلة أتت رهف إلى هنا باحثت عنك وأخبرتني أنها قد بحث عنك في كل مكان حتى عجزت أن تجدك , فلم يكن لديها طريقة أخرى سوى أن تأتي إلى هنا لتسأل عندها قمت بطردها ولم يتحدث معها أحد بالرغم أنها واظبت على القدوم والسؤال عنك وكنا في كل مرة نطردها شر طردة لكنها لم تتوقف عن المجيء إلى هنا وقالت أنها لن تتوقف عن البحث عنك وكانت مصرة على إيجادك وإن كان ذالك أخر عمل تقوم به ومع مرور الوقت سامحتها وسامحها أخوتك ووجدنا أنها فتاة طيبة لكن تعرف يا بني أنكما كنتما صغيري السن عندما تزوجتما وهي كانت مجرد طفلة فلا تحقد عليها كثيراً وتحمل قلبك أكثر من طاقته فالحقد ليس جيداً "

ثم صمت قليلاً ... وعندما لم أجيبه أكمل متنهداً " أخبرناها بأننا لا نعرف مكانك فظنت أننا نكذب عليها لأنك من المستحيل أن تختفي هكذا , فصرخت بها وأخبرتها أنها هي السبب فيما لو حدث لك شيئاً وأخبرتها أنها هي السبب في كل ما نمر به جميعنا وأننا كنا في خير ونعمة قبل أن تدخل حياتنا , فانفجرت باكية وذهبت لكن لم يطل غيابها حتى أتت مرة أخرى لتخبرني أن عائلتها قد قررت سفرها للخارج لعل بعدها عن المكان ينساها إياك وحقاً سافرت لكنها ما أن كانت تعود حتى تسرع لزيارتي وتبدأ في طرح أسئلتها التي لا تنتهي حتى أقسم لها أنه لا جديد عندها تتغير ملامح وجهها من ترقب وأمل إلى حزناً شديد "

ثم صمت قليلاً بينما أخذ يراقبني بعينيه لكنني لم أظهر شيئاً لأنني قررت أن أنساها منذ أن قررت هي تركي ربما أخذت وقتاً طويلاً لتنفيذ القرار لكنني نفذته في النهاية بالرغم من اشتياقي لها أحياناً , أراد أبي أن يباغتني بسؤاله وهو

" هل مازلت تكن لها مشاعر "

نظرت إلى أبي وقلت مبتسما ساخراً من السؤال "لم يعلمني أحداً أن أصفع فأعطيه الخد الأخر , لم أتعلم فعل ذالك بعد "

نظر والدي إلي والحزن بادياً عليه فسألته عن شيء غريب لاحظته وهو لما كانت رهف تبحث عني وبشدة مع أنني لم أسافر سوى بعد سنة فقد انتظرتها طيلة الوقت لعلها تعود لرشدها لكن ذالك لم يحدث , كنت أريد أن أعرف السبب الملح الذي كانت بسببه أخذت رهف البحث عني , لن أقول لأن الفضول يتملكني لأنني لست من هذا النوع من البشر لكن الحقيقة هي أنني أملك قلباً أحمقاً لا يعرف أين يقف .

فأجابني والدي " كانت تبحث عنك لأنها أرادت أن تخبرك أنها عرفت الحقيقة وأنها آسفة عن كل شيء و .... "

صمت والدي قليلاً .. ثم قال وعيناه تحدقان بي " وأنها أنجبت لك طفل "

حدقت بوالدي غير مصدقاً لما سمعته وشعرت للحظات بأن هنالك من وجه لي لكمة في معدتي فقد شعرت بألم يعتصرها بشدة ثم رددت ما قاله والدي كالأبله

" أنجبت رهف طفل ..... ماذا تقصد يا أبي بأنها أنجبت طفل , أبي لقد سافرت بعد أن تركتني بسنة وأنت تقول أنها أتت بعد أن سافرت بأشهر فأين كانت طيلة ذالك الوقت وأنتم ماذا !! سامحتموها , يا الهي أشعر حقاً أنني في وسط مهزلة أقسم أنني أشعر بذالك , إنها تسخر مني أم ماذا هل تظن أنني سأسامحها هل تظن أن لها الحق في أن تخفي شيئاً كهذا عني , ومتى كانت تنوي أن تخبرني إن كانت حقاً تنوي إخباري "

ثم صمت محاولاً أن أتمالك نفسي لكنني لم أستطع فقد صرخت بعد أن نهضت وأنا أشعر أنني أكاد أموت غيظاً فلما فعلت بي هذا ألم يكفها ما أصابني بسببها

" أية مهزلة هذه أصبح لدي طفل في العاشرة من عمره ولا أعرف سوى الآن "

ثم جلست واضعاً وجهي بين يدي لا أعرف ما أقول أو ما أعمله في موقفاً كهذا , أن تخفي عنك زوجتك خبر إنجابها طفلاً لك طيلة سنوات لأمراً صعب جداً , ثم أخذت نفساً عميقاً لعلي أهدئ فراودتني حينها تساءلت كثيرة وهي كيف لرهف تلك الطفلة التي أحببتها وحميتها ووضعتها بين عيني هي من تقوم بجرحي جرحاً تلو الأخر ,وليتها تكتفي عند هذا بل إنها تزيد من عمق جراحي كل يوم يمر , بينما لم أفعل لها سوى ما يسعدها فقد أحببتها من أعماقي عندما تركتني شعرت بأنني سأموت بدونها فصورتها كانت تلاحقني في كل مكان فما كان مني سوى ترك البلاد بدون التفكير في العودة لعلي أنساها ,وعندما كنت أشعر بأنني بدأت أنساها كنت أراها أحياناً في وجوه من أراه لقد كدت أجن لكن في المقابل ماذا أخذت منها سوى الإهانة تلو الأخرى فقد اختفت من حياتي وجعلتها فراغاً من بعدها , وتجاهلتني تماماً بينما كنت في السجن وكنت مستعد أن أسامحها لتعود فقط لي بالرغم من أنها تخلت عني , ولم تكتفي بذالك بل قامت بالوقوف في صف عائلتها ضدي وتخلت عني عندما كنت في أشد حاجتي إليها إنها لم تفكر بأن تتحقق من الأمر يبدوا أن هنالك أمور خلف الكواليس لم أراها وقتها ,ربما كان كل هذا مدبر معها وكانت هي تعلم عن الأمر , يا الهي التفكير بهذا الطريقة قد يصيبني بالجنون فهل يعقل أن هنالك أحمق أخر يشبهني في هذه الدنيا.

أخرجني صوت والدي من شرودي " زين بني , هل أنت بخير"

أزحت يدي عن وجهي وقلت " وكيف لي أن أكون بخير بعد ما سمعته "

"زين بني لا تفكر في الأمر بهذه الصورة الجميع يخطئون ويجب أن تتعلم أن تسامح , أنت أيضاً أخطأت في حق الجميع عندما اختفيت "

"أبي أرجوك أنا متعب ولا أريد أن أناقش هذا الأمر الآن , لكن الشيء الذي أعرفه أنني لن أسامح رهف على كل ما فعلته بي وسأريها هي وعائلتها وإن كان هذا الأمر أخر ما أعمله "

ثم نهضت وقلت لأبي مستأذنا " سأذهب الآن يا أبي "

لكن والدي أمسك بيدي وقال" الليلة أبقى هنا معنا , فقد اشتقت لك "

فانصعت لرغبة والدي في البقاء معهم اليوم , لكن الصمت كان خيم على المكان وكأن الطيور على رؤوسنا فقد ظللت أنا شارد الذهن بينما أخذت زوجة أبي تحضر للغداء ,أما والدي فقد أخذ يراقبني ومر الوقت بسرعة وحل المساء فوجدت الفرصة أخيراً لأختلي بنفسي فذهبت إلى غرفتي القديمة بعذر أنني نعساً .
لكن قبل ذلك سألته " ما أسمه يا أبي "

" من أبنك "

" نعم "

" لقد سمته وليد , أليس هذا ما كنت تريده "

" هذا لن يغفر لها "

" لا تكن حقد فبدلا ما أن تفكر في هذه الأمور فكر في كيفية أعادتكم كعائلة , فما ذنب وليد أن يعيش هكذا فلا تطل
العناد ,, ولكل مشكلة حل "

" أبي أتلمني أنا , هذا لا يعقل حقاً هي من تخطئ و أنا من يجب أن أتنازل لما "

" من أجل ابنك يجب أن تفعل المستحيل "

" أبني سآخذه شاءت أم أبت حتى تشعر ما أشعر به الآن "

" وما الفائدة الذي ستجنيها سوى أنك ستجعل أبنك يكرهك فبدلا ما أن تعوضه عن سنين الحرمان تحرمه من والدته الذي هو متعلق بها ,, هل هذا كلام شخص يعرف ما يعنيه فقد الأم "

ذهبت بعدها إلى غرفتي دون أن أزيد حرف واحد فقد أردت أن أهرب من مراقبة والدي إلى مكان أستطيع أن أتحدث مع نفسي به دون مراقبة والتي أصبحت عادة من عاداتي السرية , وبينما أنا على سريري الذي احتضنني طيلة عشرين سنة راودتني تساؤلات حول كون أن يكون لي ابنا إن الغريب في الأمر أن هذا الأمر راودني كثيراً من قبل كأمنية , فكنت أقول لو كان لي ابناً من رهف لوجدت عذراً لأعود حتى أراه لكن في الحقيقة هي أن أذهب لرؤيتها هي بعذر طفلي إن من الجميل حقاً أن يملك الإنسان أطفالاً وقد بلغ الثلاثين من عمره عوضاً على أن يقضي بقية حياته وحيداً , لقد كنت أحسد محمد لامتلاكه زوجة وثلاثة أطفال بالرغم من شكواه لكنني أعلم أنه سعيد هنالك من يستقبله هنالك من يخفف عنه وهنالك من يراه كمثل أعلى له ,راودتني تلك الليلة تساؤلات كثيرة أبعدت عن عيني الرقاد ومنها هل ابني يشبهني أم يشبهها ؟؟! هل يعرف أنني والده وأنني مشهور جميع الفتيان يحبون الكرة فهل يعقل أنه يتابعني أم أنها أيضاً لم تتعب نفسها لتخبره عن حقيقة والده ؟؟! إنه الآن بالتأكيد يبلغ العاشرة من عمره ومن المؤكد أنه يشعر بالغيرة من الأطفال الذين حوله لعدم امتلاكه أب مثلهم , إن مجرد التفكير بهذا يشعرني بحزن شديد عليه فما ذنبه هو في كل ما حدث , إن ذلك ذكرني بطفولتي أنا أيضاً فكم من ليلة بت باكياً حزيناً لتحتضن الوسادةِ في صمت دموعي وأحزاني وتساؤلاتي عن سبب تخلي والدتنا عنا , وكم من ليلة بات طفلي وهو باكياً حزيناً وفجأة تراءت لي صورة رشدي بغطرسته التي لازلت أذكرها فهل يعقل أن ابني يشبه خاله ولما لا وقد عاش بينهم , ابني إن هذه الكلمة غريبة علي , غفي زين وهو ينوي أن يظهر في حياة ابنه وأن يخبره أنه لم يتخلى عنه لأنه لم يكن يعرف بوجوده سوى الآن , إن ليست من عادة زين أن ينام بسهولة هكذا لكن ربما لجو الماضي الذي يسكن غرفته دوراً في ذالك ..

استيقظ زين في الصباح وهو يشعر بأن رأسه ثقيل وبالكاد يستطيع حمله لكنه لم يستطيع أن ينام أكثر من هذا بسبب الأصوات المرتفعة فغرفته قريبة جداً من الشارع ويشعر وهو بداخلها وكأنه بالخارج من شدة قرب الأصوات , خرج زين من الغرفة فوجد زوجة والده قد حضرت الإفطار لهم ووضعته في الفناء فناداه والده " زين هيا بني تعالى لتتناول شيئاً "
أجبته وأنا ممسكاً بمعدتي

" لا أريد أن أتناول شيئاً يا أبي ,,فأنا أشعر بأن معدتي مضطربة ولا شهية لدي اليوم "

عندها صرخ والدي " ماذا تقصد بهذا "

عرفت من نبرة صوته أنه لا مفر فذهبت وجلست مجبراً وشعرت وقتها أنني عدت طفل في العاشرة من عمره فقد كان والدي يجبرني أنا وأخوتي على تناول الطعام , وبينما كنا نتناول إفطارنا أنا وأبي وزوجته في الفناء وتحت شجرة العنب التي كان يعتني والدي بها منذ زمناً لا أذكره , سمعنا طرقاً على الباب فأرادت زوجة أبي أن تنهض لتجيب لكنني سبقتها وعندما فتحت الباب وجدت طفلة صغيرة تريد أن تتحدث مع زوجة أبي عندها سنحت لي الفرصة بأن استأذن والدي للذهاب لكنه اعترض قائلاً

" لكنك لم تتناول شيئاً "

" أبي لقد أكلت ما يكفي "

ثم جلست في أحدى زوايا الفناء فقد كنت أشعر بالإرهاق وحمدت الله أنه لا تمرينات لدي اليوم فأنا أشعر بالتعب , أخذت أربط حذائي وأنا شارد الذهن وفجأة سمعت صراخ فرفعت رأسي فإذا بي أرى طفلاً صغيراً يجري فاتحاً الباب أكثر على مصراعيه وما أن رأى والدي حتى ارتمى بحضنه وهو يصرخ

" مفاجأة يا جدي "

فأجاب والدي مبتسماً له "مفاجأة جميلة يا جدوا "

ظننته لوهلة أنه أحد أبناء سامر فقد أخبرني أبي بالأمس عن أنه أصبح لديه أبناءً , لكنني وبينما كنت أتأمل الطفل الذي يصدر كل هذا الإزعاج رأيت امرأة تدخل فإذا بها رهف للحظات ظننت أنها تجسدت لي من كثرة ما أفكر بها مؤخراً لكنها كانت حقيقة ولم تكن أحدى تخيلات , لم تراني عندما دخلت وأغلقت الباب خلفها وما أن دخلت حتى ابتسمت كما كانت تبتسم دائماً ثم ألقت التحية على والدي وزوجته بينما جلست خلفها أراقب ما يحدث ممسكاً بخيط حذائي الذي نسيت ربطه عند رؤيتها.

سمعت والدي وهو يقول بصوت سعيد " كيف حالك يا ابنتي , ما كان لكِ أن تقطعي كل هذه المسافة كان يكفي أن تتصلين بي حتى أتي وأخذه من الشارع العام "

فأجابت رهف بصوت ناعماً كعادتها " أنا أيضاً أردت أن أزوركم فقد وعدت وليد أن نبقى اليوم أكثر وقتاً ممكنناً "

" لكن يا ابنتي و عملك "

" ألا يستطيع الشخص الهروب من العمل ولو يوماً واحداً "

" برأي أن تتركيه فأنت لست بحاجته "

ضحكت رهف فشعرت بأن قلبي تخبط لسماع ضحكتها فهمست له أهدئ أيها الغبي إنها لا تضحك لك لكنه بالرغم من ذالك ظل يتخبط بين ضلوعي وهذه المرة بقوة.

" ليس لهذه الدرجة يا عمي أنا أحب عملي لكنه مرهق قليلاً "

أخذت أراقب طفلي تارة وأتأملها تارة أخرى فوجدت أنه يشبهها كثيراً فهو يملك العينان والابتسامة ذاتها وكأنني أرى رهف الطفلة مرة أخرى وبينما كنت أنظر إلى ابني وكم يشبه والدته سمعت أحدهم يهمس باسمي , وقد ظننت لسنوات أن هذا الصوت لن اسمعه مرة أخرى لكنه ها هو يهمس باسمي

" زين "

فقد رأتني عندما همت بالجلوس بجوار والدي لتتفاجأ بي أنظر إليها وأتأملها وقد وضعت حجابها عنها ليكتمل جمالها بشعرها الأسود .

عندها تلاقت نظراتنا شعرت أنه قد مر علينا مئات بل ألوف السنوات منذ أخر مرة رأيتها فيها فها أنا أبلغ الثلاثون من عمري بينما هي الآن في الثامنة والعشرون من عمرها لقد تغيرت فلم يبقى من تلك الطفلة الصغيرة شيء لقد أصبحت امرأة كاملة النضج في تصرفاتها حتى في ضحكتها لقد تغير كل شيء فيها , لم أتخيل أنها ستتغير ظننت أن الجميع يكبر ويتغير ما عداها نسيت للحظات كرهي وحقدي عليها وتوعدي بالانتقام منها نسيت كل ذلك أمام نظراتها وصوتها الذي همس باسمي مرة أخرى لكن هذه المرة اقتربت مني وقالت

" زين .. "

عندها استعدت وعي ونهضت مبتعداً عنها لأقف وسط الفناء فالتقت عيني بعيني طفلي لأول مرة رايته ينظر إلي ثم ينظر إلى والدي تارة أخرى عندها قال والدي

"وليد ألا تعرف من هذا "

فأجاب طفلي بارتباك وصوت منخفض " بلى إنه والدي "

عندها اقتربت منه وقلت " ألا تريد أن تسلم على والدك "

فهز رأسه بالنفي فسألته وأنا حزيناً " لما هل أنت منزعجاً مني "

فهز رأسه إيجاباً فسألته " لما "

" لقد عدت منذ أسابيع لكنك لم تزورني ولا مرة بالرغم من أنني أخبرت أمي أن توقظني إن أتيت في المساء لكنك لم تأتي"

عندها قلت وقد مررت يدي في شعره الأسود الناعم " وإن وعدتك أنني سأعوضك عن كل هذا "

" لا أريد أيضاً "

" لما "

" لأنني لا أحبك "

عندها قال والدي " وليد "

ربما صمت وليد لكنني أعرف بأنه يعني ما يقوله حقاً لما سيحب شخصاً بالكاد يعرفه من الصور والحكايات التي أخبروه عنه لكنه لا يعرف عندها قلت له

" الحقيقة أنني كنت أنوي أن أزورك حتى أنني اشتريت ألعاباً لك كثيرة لكنني أضعت الطريق"

" أذن لما لم تتصل "

" ليس لدي رقمك "

" أذن لقد سامحتك "

عنده قال والدي " وليد ما رأيك أن نذهب لشراء الحلوة "

" حسناً يا جدي , لكن أخاف أن يذهب أبي "

" لا تخاف لن يذهب إلى أي مكان سينظرك أليس كذلك يا زين "

" نعم لن أذهب قبل أن أودعك "

" هل هذا وعد يا أبي "

عندها ابتسمت ونزلت لأقبله ولأحتضنه " نعم هذا وعد يا وليد "

ثم وجه كلامه والدي لزوجته " وأنت جهزي الغداء "

كانت فكرة والدي أن يتركنا أنا ورهف بمفردنا لنتحدث فقد أخذ وليد للخارج حتى لا يسمع شيء وأمر زوجته أن تحضر الغداء. وبينما كنت أقف مكاني وظهري لرهف أفكر من سيبدئ فينا هل أستدر وأبدئ أصرخ بها أم أتركها حتى تأتي إلى معتذرة عن كل شيء وبينما أنا شارد بذهني وقفت أمامي رهف

" زين "
...
" هنالك كلام كثير يجب أن يقال و أريدك أن تعطيني فرصة لتسمعني ومن ثم لك الحق بما تقرره بعدها "
.....

وعندما لم ترا مني أية استجابة قالت من بين دموعها " زين أنا آسفه حقاً متأسفه ,, في الحقيقة منذ عشرة سنوات وأنا أتخيل هذه اللحظة التي سأقف أمامك ولقد تخيلت مئات الحوارات التي ستدور بيننا لكن الآن لا أعرف ماذا أقول وعن ماذا أعتذر فقد أخطأت في حقك ما كان يجب أتخلى عنك هكذا وكان يجب أن أعطيك فرصة للدفاع عن نفسك لكنني كنت صغيرة وقتها ,, لكنني أقسم لك أنني عدت بعدها أبحث عنك في كل مكان وكنت خائفة ألا أراك مرة أخرى ,, كل ما أريده منك أن تعطيني فرصة أخيرة "

نظر إليها زين بعينين كلهما حقد وغضب لم تراهما سوى في أخر يوم بينهما " ماذا تقصديني فرصة أخرى هل تعتقدين بمجرد اعتذارك أن هذا سيحل كل شيء ,, هل تعتقدين بأن هذا يكفي لأن تعيديني لكي راكعاً ,, أنت لا تعرفين كيف كانت حياتي طيلة العشرة سنوات لكن ما أعرفه أنك أخر شخص أريد مقابلته ,,, حسناً لنترك الماضي كله ولنمسك شيئاً واحد وليد لما فعلتي بنا هذا "

.....

وعندما لم أتلقى جواب سوى نظراتها ودموعها التي تتساقط بغزارة صرخت بقوة حتى أنني ولأول مرة أرها فزعة هكذا " لما ,, أخبريني لما أخفيتي عني وجود أبني "

" لأنني خفت "

" خفتي من ماذا من أن أخذ طفلي أم ماذا "

" زين مهما شرحت وقولت لن يحل ذلك المشكلة "

" أتعرفين أنت لست سوى أمرأه خائنة وليس هنالك جدوى من الحديث معك فأنا أكره النساء أمثالك "

" زين لا تظلمني قد كنت صغيرة وماكنت أفهم ألاعيب رشدي وما كنت أعيها فمهما حدث لا يزال أخي ولن أتخلى عنه"

" أذهبي من أمامي "

وعندما استدرت أمسكت بي بقوة وهي تبكي " زين أرجوك "

عندها أمسكت بيدها وقولت " ترجوني على ما أذكره أنك رهف ابنت حسين رزق من هم أمثالك لا يترجون "

" زين ألا يكفيك عشرة سنوات ألم تكن كافية لتمحو الخطايا ولتغفر أنت من ماذا مصنوع "

عندها لا أعرف كيف مسكتها وأخذت أهزها بكل قوة وأصرخ " هل أنا من تخلى عنكي , هل أنا من بلغت عنكي ورميتك في السجن , هل أنا من أمرت بضربك أمام الجميع لأذلك و لتنصاعي لأوامر حسين رزق مجبرة , هل أنا من أغلق جميع الأبواب في وجهك أنت وعائلتك , هل أنا من طلب منك ان تختفي من البلد وعن كل من تحبينه إن أردت أن يعيشوا عيشة هنية , أم أنا من أخفى عنك وجود طفلنا ,,,, أخبريني الآن من هو الحقير بيننا الذي لا يستحق مغفرة الأخر له "

عندها أجهشت رهف في البكاء فمعرفتها ببعض ما مر به آلمها حقاً وإن لم يصدقها زين عندها دفعها زين بعيداً عنه ربما خوفاً من أن يضعف أمامها

" بعد كل هذا تأتين وبكل بساطة تطلبين الصفح , هل ترين أمامك شخص بدون كرامة , ربما في ماضي استطعتوا أن تدوسوني وتهينوني بما فيه الكفاية لكن اليوم لا لن أسمح لأحداً منك أن يتجرأ على ذلك "

......

نظر إليها وكان يغلي من الغضب ودموعها كانت تشفي بعضاً من غليله ولا يعرف كيف قال " لطالما تمنيت لو أنني قتلك أنتي وأخاك رشدي ربما لكان ذلك شفي غليلي "

" أتريد قتلي يا زين "

" نعم "

نظرت إليه غير مصدقه وأخذت تتأمله في الحقيقية أنه لم يعد يشبه زين الفتى الذي أحببته بشي فشعره الطويل الى رقبته والذي يربطه ما كان زين الذي أحببته ليعمله فقد كان يحلقه باستمرار , حتى جسده أصبح أكثر ضخامة حتى نظراته كلها حقد وكره طريقة لبسه لقد تغيرت, في الحقيقة لم يعد فيه شيء واحد يدل على أنه زين حبيبي وزوجي الذي أتيت باحثة عنه.

عندها قامت بمسح دموعها وقالت بصوت حاولت أن يكون ثابتاً " أنا كنت أحاول أن أتحدث مع من تزوجته وأحببته , لكن يبدوا أنني فقدته منذ عشرة سنوات لقد أخطئت حينها , لكن خطئ الأكبر ما أفعله الآن وهو أن أقف أمامك باكية راجية منك المغفرة بينما أنت ترمي علي كلاماً قاسياً دون إحساس , يبدوا أنني أنا من هي المغفلة "

عندها شعر زين بمشاعر متضاربة فابتعد ليقف بالقرب من شجرة العنب عندها همت رهف بالخروج لكنها ما أن خطت إلى باب المنزل حتى سمعت صوت وليد وجده يهمان بالدخول فذهبت مسرعة إلى داخل النزل فأخر شيء تريده أن يراها ابنها باكية ومكسورة ..

والد زين " وليد أذهب لجدتك و أخبرها بأن تأتي لنا بالشاي والفاكهة "

جرى وليد للداخل ليقوم بما طلبه جده أثناء ذلك خرجت رهف من المنزل وقالت " مع السلامة يا عمي سأعود في المساء لأخذ وليد "

وما أن همت بالخروج حتى أمسكت بيدها زوجة والدي وقالت " لا لن تخرجي اليوم ستتغدين معنا "

" شكراً يا خالتي لكن في الحقيقة لا أستطيع لدي عمل "

" لا تتعذري بالعمل ستبقين ولقد انتهى النقاش "

وحقاً جلسنا جميعنا تحت الشجرة وليد يلعب أمامنا مع والدي بينما أنا أراقبهما أما زوجة أبي فكانت تحضر لنا الغداء ومن ثم خرجت لتنضم إلينا وجلست بجوار رهف التي جلست في الطرف الأخر والتي لم ترفع عينها عن الكأس الذي في يدها منذ أكثر من ساعة

" ما الذي تفكرين به يا ابنتي "

" لا شيء "

جهز الغداء وجلس الجميع ليتناول الطعام فتعذرت رهف بالذهاب لتأتي بكأس ماء لكنها لم تعود وبينما أنا أتناول الطعام غصصت فنهضت لأذهب إلى المطبخ وعندما وصلت وجدت رهف تجفف دموعها وتفاجأت بقدومي لكنني قولت لها بصعوبة
" ماء مااااء "
عندها فهمت فأسرعت بكأس من الماء لتعطيني وعندما لم تنزل أخذت تضربني على ظهري بكل قوة وعندما انتهى الأمر قولت لها " هل أنت تنتقمين مني أم ماذا ,, لماذا تضربينني هكذا "

" كنت أريد أن أساعدك ,, هذا جزائي "

" شكراً لك ,, لكن مرة أخرى وحتى إن كنت أموت أمامك فلا تساعدينني مفهوم "

" حسناً "
.....

شعرت رهف أنها اكتفت اليوم من كل ما جرى فجففت دموعها وخرجت من المطبخ , وطلبت من وليد أن يستعد للمغادرة فنهض وليد وذهب ليغسل يداه ويلبس حذاءه عندها قال زين " سأسير معكم "

" لا داعي لذلك "

" أنا أتحدث مع وليد "

عندها خرجت رهف مسرعة فقد شعرت بالإحراج يلحق بها وليد وهو يصرخ " انتظريني يا أمي "

وزين يسير خلفهم عندها استوقفه والده قائلا " رفقاً يا بني بها لا تجعل الغضب يعميك "

" حسناً "

سارا كلا من رهف وزين متباعدين بينما طفلهما وليد يسير في المنتصف ممسكاً بيدا كل واحد منهما وعندما وصلا للمنعطف توقف زين وودع وليد وقبله واحتضنه ثم قال

" اعتني بنفسك حسناً "

" هل سأراك مرة أخرى يا أبي "

" بالطبع يا روحي , خذ رقمي الخاص سأنتظر منك اتصال حسناً "

" حسناً "

ثم تركهما وسار لمنعطف أخر في الحارة فطريقهما كان مختلفين عندها لحقت رهف به وقالت دون أن تشعر

" زين "

لم أكن أريد أن التفت إليها لكن جسدي خانني واستدار ليقابلها بينما هي تحاول أن تخرج صوتها بثبات أكثر فهي امرأة الثامنة والعشرين عادت أمامه كفتاة الثامنة عشرة لم تستطع أن تقول شيء سوى أن تهمس باسمه فقط هذا ما استطاعت أن تنطق به

" زين "

نظر زين إليها بنظرات شعرت بأنها تحرقها من شدتها عندها لجم لسانها عن الحديث فلم تعد تعرف ماذا تقول لكنها تخاف أن يذهب ولا يسمعها وعندما أرادت أن تتحدث معه لم تخرج منها سوى

" زين "

عندها أجابها بصوت سارت معه قشعريرة بجسدها كلها كره وحقد ونفور هل يعقل أنه نساها وأنها لم يعد لها وجود في حياته

" أرجوك سيدة رهف أن تعرفي أننا وسط الشارع والجميع يمرون إنه ليس من الجيد أنه تنتشر عني شائعات منذ البداية أي شيء تريدين أن تخبرينني به فأخبري والدي عنه وهو سيخبرني بالتالي "

ثم وضع نظارته الشمسية بكل غطرسة وواصل سيره متجاهلاً إياها في الخلف لقد قرر أن لا يقابلها مرة أخرى فهو يخاف إن قابلها مرة أخرى أن يستسلم لها و أن يسامحها على كل شيء ويعود لها لقد تأكد اليوم كم قلبه وجسده ضعيفان أمام عينيها إنه يشعر بأن قلبه ينبض كما لو أنه في أحد المباريات وصل إلى سيارته وهم بقيادتها عندما رأى في المرآة الجانبية
رهف وهي تقف خلفه هل لحقت به كل هذه الشوارع هل يعقل ذلك , لكنها لما توقفت هنالك هل تظن بأنني سأستسلم بهذه السهولة وأعود لها زاحفاً بينما هي تقف هنالك بكل كبرياء إن كانت حقاً تريدني لكانت لحقت بي إلى هنا لكانت تمسكت بي للأخر , عندها همس وعينيه لم تفارقان المرآة

" إن كنت تريدينني فلتأتي إلي ,, أنا لن اذهب إليك بعد الآن أبداً ,, بل سأقف هنا وأنتِ التي ستأتين إلي "

وعندما لم تقم رهف بأي حركة تدل على تقدمها أخذ زين يقود سيارته مبتعداً تاركاً رهف خلفه تقف هنالك تراقبه حتى تأكدت من عدم عودته , عندها لم تصدق أن من تركها الآن وذهب هو ذاته الذي عرفته فيما مضى الذي قال لها سأمسك بيدك إلى الأبد حتى إن أفلتني أنتِ سأظل باسط كفي لكِ حتى تعودين وأمسك بيدكِ مرة أخرى ,سقطت دموعها وهي تتساءل إن كان لا يعني ما قاله لما أخبرني أن أثق به , لما طلب مني أن أصدق كل ما يقوله ومهما يقوله لأنه يعنيه ولأنه لن يكذب عليّ أبداً , لقد أخبرني أنه مهما فعلت سيسامحني لأنه لا يوجد أي شخص أخر يحبه مثلي فهل يعقل أن هذا الشخص وجده أخيراً وهنا أصبحت رهف تذرف الدموع أكثر من قبل وتساءلت بينما سارت عائدة إلى المكان الذي تركت ابنها وليد فيه , هل يعقل أن يعود بيننا ما قد مضى ؟؟؟
****************************

 
 

 

عرض البوم صور أضئت القمر  
قديم 11-03-14, 11:09 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2011
العضوية: 217675
المشاركات: 53
الجنس أنثى
معدل التقييم: *احلاهم* عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 16

االدولة
البلدQatar
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
*احلاهم* غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : أضئت القمر المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
Icon Mod 44 رد: أتحبني بعد الذي كان

 

مساء / صباح الخير

شكرا بحجم السماء لك كاتبتنا الرائعة على ماصاغت يدك من روائع ابداعك

من أول سطر توسمت فيك براعة كاتبة

القصة ربما لم تكن بالجديدة لكن لمستك في صياغتها اضافت لها رونق جديد يميزها

حبكه القصة واعطاء الأحداث والاشخاص حقهم الكامل جعلتنا نعيش بين ثنايا القصة بلا ملل أو كلل

كنت رائعة في كل جزء ومع كل نقطة

وصلت لمكان يعجز عنه الكثيرون في نسج حوار النفس وبناء خيال القارئ


متحمسة جدا لقراءة المزيد واتمنى الا يطول بي انتظار ابداعك

 
 

 

عرض البوم صور *احلاهم*  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أتحبني.قصة قصيره.قصه.العوده.زين.رهف
facebook



جديد مواضيع قسم ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:14 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية